المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌آداب العطاس والتثاؤب:

قال الذهبي رحمه الله في حق الجار:

فإن كان جارك يهودياً أو نصرانياً في الدار أو في السوق أو في البستان فجاوره بالمعروف ولا تؤذه كما جاء في الحديث: (الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق وهو القريب المسلم الجار وجار له حقان حق الإسلام وحق الجوار وجار له حق واحد وهو غير المسلم له حق الجوار).

فأما من جعل إجابة دعوتهم ديدنه وعاشرهم وباسطهم فإن إيمانه يرق وقد قال الله تعالى: (لا تَجِد قَوماً يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَاليَومِ الآخِرِ يوادُّونَ مِن حادَ اللَهَ وَرسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أو إِخوانَهُم أو عَشيرَتَهُم أُولَئِكَ كُتِبَ في قُلوبُهم الإيمانَ وَأَيدهم بِروحٍ مِنهُ).

‌آداب العطاس والتثاؤب:

آداب العطاس والتثاؤب:

للعطاس والتثاؤب آداب ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها علماً وأن يتبعها حتى يكون متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهاك آداب العطاس والتثاؤب جملةً وتفصيلا:

أولاً آداب العطاس والتثاؤب جملةً:

أولاً: آداب العطاس:

(1)

تشميت العاطس (1) مأمورٌ به، ومندوبٌ إليه:

(2)

تشميت العاطس يكون عند سماع حمد العاطس:

(3)

السنة أن يقول العاطس أولاً: الحمد لله أو الحمد لله على كل حال:

(4)

السنة أن يقول المشمت (يرحمك الله):

(5)

السنة أن يقول العاطس ثانياً بعد تشميت المشمت: يهديكم الله ويصلح بالكم أو يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم.

(6)

استحباب خفض العاطس صوته:

(7)

التشميت ثلاثاً، فما زاد فهو زكام:

(8)

جواز تشميت أهل الذمة:

ثانياً: آداب التثاؤب:

(1)

استحباب كظم التثاؤب وهو من الشيطان:

ثانيا آداب العطاس والتثاؤب تفصيلا:

أولاً: آداب العطاس:

(1). . تشميت العاطس: الدعاء له. قال ابن سيده: شمت العاطس، وسمت عليه، دعا له أن لا يكون في حال يشمت به فيها؛ والسين لغة عن يعقوب. وكل داع لأحد بخير فهو مشمت له، ومسمت، بالشين والسين، والشين أعلى وأفشى في كلامهم. (لسان العرب: 2/ 52) مادة: شمت

ص: 203

(1)

تشميت العاطس (1) مأمورٌ به، ومندوبٌ إليه:

من محاسن ديننا أن شرع لهم دعاء يقولونه بعد العطاس -الذي هو نعمة من الله عليهم (2) -، فبه يحمدون الله، وبه يتراحمون ويسألون الله الهداية وصلاح البال.

(حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ وَعَنْ الْمَيَاثِرِ وَعَنْ الْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ.

وتشميت العاطس فرض الكفاية إذا فعله بعض الحاضرين سقط الأمر عن الباقين (3).

ولا ينبغي تركه لقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله).

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ.

(2)

تشميت العاطس يكون عند سماع حمد العاطس:

(1). . تشميت العاطس: الدعاء له. قال ابن سيده: شمت العاطس، وسمت عليه، دعا له أن لا يكون في حال يشمت به فيها؛ والسين لغة عن يعقوب. وكل داع لأحد بخير فهو مشمت له، ومسمت، بالشين والسين، والشين أعلى وأفشى في كلامهم. (لسان العرب: 2/ 52) مادة: شمت

(2)

. قال ابن القيم: ولما كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواءً عسرة، شُرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها. (زاد المعاد 2/ 438)

(3)

. انظر الآداب الشرعية (2/ 317)، وشرح صحيح مسلم. المجلد السابع (14/ 26)

ص: 204

(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي قَالَ إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدْ اللَّهَ.

(حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ.

مسألة: هل يلزم سماع حمد العاطس لتشميته، أو يُكتفى بعلم ذلك من تشميت من حوله؟

الجواب: الأظهر أنه يشمته إذا تحقق أنه حمد الله، وليس المقصود سماع المشمَّت للحمد، وإنما المقصود نفس حمده، فمتى تحقق ترتب عليه التشميت، كما لو كان المشمت أخرس، ورأى حركة شفتيه بالحمد. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن حمد الله، فشمتوه. هذا هو الصواب، قاله ابن القيم (1).

مسألة 2: هل يستحب تذكير من نسى حمد الله بعد العطاس حتى يُشمت؟

الجواب: اختار بعض أهل العلم كالنخعي والنووي تذكيره، لأنه من باب التعاون على البر والتقوى، والنصيحة، والأمر بالمعروف. واختار بعضهم كابن العربي وابن القيم أنه لا يُذكر،

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

وظاهر السنة يقوي قول ابن الأعرابي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشمت الذي عطس، ولم يحمد الله، ولم يذكره، وهذا تعزير له، وحرمان لبركة الدعاء لما حرم نفسه بركة الحمد، فنسي الله، فصرف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته، والدعاء له، ولوكان تذكيره سنة، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بفعلها وتعليمها، والإعانة عليها (2).

(3)

السنة أن يقول العاطس أولاً: الحمد لله أو الحمد لله على كل حال:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.

ولفظ أبي داود: (فليقل الحمد لله على كل حال).

(1).زاد المعاد (2/ 442)

(2)

. زاد المعاد (2/ 442)

ص: 205

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.

(4)

السنة أن يقول المشمت (يرحمك الله):

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.

(5)

السنة أن يقول العاطس ثانياً بعد تشميت المشمت: يهديكم الله ويصلح بالكم أو يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.

أو يقول يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم، جاء ذلك صريحا في حديث نافع عن ابن عمر:(أن عبد الله بن عمر كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله. قال: يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم)(1).

(6)

استحباب خفض العاطس صوته:

وفائدته أنه لما كان العاطس -غالباً- يُحدث صوتاً رفيعاً مزعجاً أُستحب له أن يخفض من صوته بوضع يده على وجهه أو بثوبه. وفي وضع اليد أو الثوب على الفم فائدة أخرى وهي: أن العاطس لا يأمن-غالباً- من خروج شيءٍ من فمه، فاستحب له أن يضع يده على فيه. وفي هذا سنة.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ.

(7)

التشميت ثلاثاً، فما زاد فهو زكام:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا فَمَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ.

(1). رواه مالك (1800). وقال محققوا زاد المعاد: إسناده صحيح. (2/ 437)(حاشية 2)

ص: 206

(حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلَاثًا فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ.

قال النووي رحمه الله: واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي: قيل: يقال له في الثانية: إنك مزكوم، وقيل: يقال له في الثالثة، وقيل: في الرابعة، والأصح أنه في الثالثة. قال: والمعنى أنك لست ممن يشمت بعد هذا؛ لأن هذا الذي بك زكام ومرض، لا خفة العطاس (1). وقوله في الحديث:(الرجل مزكوم) تنبيه على الدعاء له بالعافية، لأن الزكمة علة، وفيه اعتذار من ترك التشميت بعد الثلاث، وفيه تنبيه له على هذه العلة ليتداركها ولا يهملها، فيصعب أمرها، فكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة، وعلم وهدى، قاله ابن القيم (2).

(8)

جواز تشميت أهل الذمة:

(حديث أ أبي موسى رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) قَالَ: كَانَتْ الْيَهُودُ تَعَاطَسُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهَا يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.

وعلى هذا يجوز الدعاء لأهل الذمة -إذا حمدوا الله بعد عطاسهم- بالهداية والتوفيق للإيمان، ولا يُدعى لهم بالرحمة والمغفرة، فهم ليس أهلٌ لذلك.

ثانياً: آداب التثاؤب:

(1)

استحباب كظم التثاؤب وهو من الشيطان:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ.

(حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ.

قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:

والثتاؤب يكون غالباً مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل، وإضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى الشهوات، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل وإكثار الأكل (3).

(1). الأذكار (393)

(2)

. زاد المعاد (2/ 441)

(3)

. شرح صحيح مسلم. المجلد التاسع (18/ 97)

ص: 207