المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌317 - باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٦

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌317 - باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة

‌317 - باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة

1368 -

. . . الليث، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اكلَفُوا من العمل ما تُطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا، فإن أحبَّ العمل إلى الله أدومُه وإن قلَّ"، وكان إذا عمِل عملاً أثبته.

حديث صحيح

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 68/ 762)، وفي الكبرى (1/ 412/ 840)، وأبو عوانة (2/ 256/ 3063). [التحفة (11/ 777/ 17720)، الإتحاف (17/ 611/ 22888)، المسند المصنف (37/ 265 / 17878)، [تقدم تحت الحديث رقم (1273)].

رواه عن الليث بن سعد: قتيبة بن سعيد [واللفظ له]، وشعيب بن الليث.

ولفظ قتيبة عند النسائي بتمامه: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرة، يبسطها بالنهار ويحتجرها بالليل، فيصلي فيها، ففطن له الناس فصلوا بصلاته، وبينه وبينهم الحصيرة، فقال:"اكلفوا من العمل ما تطيقون" فإن الله عز وجل لا يملُّ حتى تملُّوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله عز وجل أدومُه وإن قلَّ"، ثم ترك مصلاه ذلك، فما عاد له حتى قبضه الله عز وجل، وكان إذا عمل عملاً أثبته.

ولفظ شعيب عند أبي عوانة: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرٌ، يبسطها بالنهار، ويحتجرها بالليل، فيصلي فيها، ففطن له الناس، فصلوا بصلاته، وبينهم وبينه الحصير، فقال:"اكلَفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملُّوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله أدومه وإن قلَّ"، فكان إذا عمل عملاً أثبته.

• ورواه سفيان بن عيينة، قال: ثنا محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير يبسطه بالنهار، وإذا كان بالليل يحجزه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فيه، فسعى له ناس يصلون بصلاته، قال: ففطن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك ذلك، وقال:"إني حسبت أن ينزل فيهم أمر لا يطيقونه"، ثم قال:"اكلَفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا" قال: وكان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دُووِم عليه وإن قلَّ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 61/ 1626)، وأحمد (6/ 40)، والحميدي (183). [الإتحاف (17/ 611/ 22888)، المسند المصنف (37/ 265 /17878)].

وهو حديث صحيح [تقدم تحت الحديث رقم (1273)].

وله طرق أخرى:

1 -

روى معتمر بن سليمان، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ومحمد بن بشر

ص: 5

العبدي، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وعبدة بن سليمان [وهم ثقات]:

عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيراً بالليل فيصلي، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال:"يا أيها الناس! خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله ما دام وإن قلَّ". زاد الثقفي [عند مسلم]: وكان آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه.

أخرجه البخاري (5861)(5863 - ط التأصيل)، ومسلم (782/ 215)، وأبو عوانة (2/ 256/ 3062)(8/ 252/ 3283 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 374/ 1776)، وابن ماجه (942)، وابن حبان (6/ 309/ 2571)، وحرب الكرماني في مسائله (1216)، والطحاوي في المشكل (2/ 117/ 651)، وابن منده في التوحيد (3/ 235/ 746)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 351)، وابن حزم في المحلى (2/ 78)، والبيهقي في السُّنن (9/ 103)، وفي المعرفة (2/ 309/ 1378) و (2/ 310/ 1379)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 398 - ط الغرب)، والبغوي في الشمائل (849). [التحفة (7771/ 1/ 17720)، الإتحاف (17/ 611/ 2288)، المسند المصنف (37/ 265/ 17878)].

• وهم في إسناده حماد بن سلمة:

فقد رواه حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجر بحصير فجعل الناس يصلون خلفه، فقال:"أيها الناس عليكم من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لن يمل حتى تملوا، واعلموا أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ".

أخرجه أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 332)، والبزار (18/ 255/ 296).

قال البزار: "ولا نعلم أسند عبيد اللّه عن عمرة عن عائشة رضي الله عنهما؛ إلا هذين الحديثين".

وانظر: علل الدارقطني (14/ 420/ 3767).

قلت: دخل لحماد حديث في حديث:

فقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناسُ شخصَ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً، حتى إذا كان بعد ذلك، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناسُ، فقال:"إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل".

أخرجه البخاري (729). [تقدم تخريجه برقم (1126)].

ص: 6

والحاصل: فإن هذا الحديث إنما يرويه عبيد الله بن عمر العمري، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنهما، لا يرويه عن عمرة.

• وقد سلك فيه الجادة أحد المتروكين: خالد بن إلياس؛ أخرجه البزار (15/ 134/ 8443)، والقضاعي في مسند الشهاب (1302).

2 -

ورواه ابن أبي فديك، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنهما؛ - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير، يبسطه بالنهار، ويحتجره بالليل، فثاب إليه ناس، فصلوا وراءه.

أخرجه البخاري (730)(739 - ط التأصيل)[التحفة (11/ 777/ 17720)، المسند المصنف (37/ 265/ 17878)].

• هكذا رواه ابن أبي ذئب [ثقة، أثبت الناس في سعيد المقبري]، وعبيد الله بن عمر العمري [ثقة ثبت]، ومحمد بن عجلان [ثقة وقد حفظه عن المقبري]:

عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنهما مرفوعاً.

• وخالفهم فسلك فيه الجادة، ووهم في إسناده ومتنه:

أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي [ضعيف، كان لا يحفظ الأسانيد، روى عن المقبري أحاديث منكرة][واللفظ له]، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]:

روياه عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصير يفرشه بالنهار، فإذا كان الليل حجره في المسجد، ليصلي عليها، قال: فتتبع له رجال، فصلوا بصلاته، فانصرف ليلة وقد كثروا وراءه، فقال:"أيها الناس، عليكم بما تطيقون من الأعمال، فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا، وإن خير الأعمال ما دووم عليها وإن قل"، ثم قال:"ما منعني من أن أصلي هاهنا، إلا أني أخشى أن ينزل علي شيء لا تطيقونه". لفظ أبي معشر.

أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 463/ 172)، والقضاعي في مسند الشهاب (758 و 1304).

قال الدارقطني في العلل (4 1/ 295/ 3637): "يرويه سعيد المقبري، واختلف عنه؛

فرواه ابن عجلان، وعبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة.

وخالفهم عبد الله بن عمر العمري، وأبو معشر، فروياه عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وحديث أبي سلمة، عن عائشة: هو الصواب".

3 -

وروى محمد بن عرعرة [ثقة]، وبهز بن أسد [ثقة ثبت]:

حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنهما، أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "أدومُها وإن قلَّ"، وقال:"اكلفوا من الأعمال مما تطيقون". لفظ ابن عرعرة [عند البخاري]، وفي رواية بهز [عند أحمد]:"ما دُووم عليه".

ص: 7

أخرجه البخاري (6465)، وأحمد (6/ 176)[التحفة (11/ 776/ 17718). الإتحاف (17/ 640/ 22941) [المسند المصنف (39/ 483/ 19005)].

• ورواه عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل قال: "أدومه وإن قلَّ".

قال: وسمعته - يعني: أبا سلمة - يحدث عن عائشة، أو عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اكلفوا من العمل ما تطيقون".

أخرجه أحمد (6/ 180 - 181)[الإتحاف (17/ 640/ 22941). المسند المصنف (39/ 483/ 19505)].

قلت: وهذا حديث صحيح، وقد صح شقه الثاني من حديث عائشة، وصح من طرقٍ عن أبي هريرة أيضاً، لكنه لا يثبت من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة [كما سيأتي بيانه في طرق حديث أبي هريرة في النهي عن الوصال]، وقد اشتهر عن أبي سلمة عن عائشة، وعبد الرحمن بن مهدي: ثقة حافظ حجة، من أثبت أصحاب شعبة، والشك في الصحابي لا يضر؛ لا سيما وقد علمنا أنه من مسند عائشة من هذا الوجه.

• ورواه غندر محمد بن جعفر، ويزيد بن هارون:

عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم؛ أنه سمع أبا سلمة، يحدث عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله؟ قال:"أدومه وإن قلَّ". لفظ غندر.

أخرجه مسلم (782/ 216)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 374 / 1777)، وأحمد (6/ 176)، وعبد بن حميد (1516) [التحفة (11/ 776 / 17718)، الإتحاف (17/ 640 / 22941)، المسند المصنف (39/ 483/ 19005)،.

• ورواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 1777/374)، من طريق عمرو بن مرزوق [ثقة]، عن شعبة به، مقروناً بروايتي غندر والطيالسي، دون أن يسوق لفظ عمرو والطيالسي، وإنما ساقه بلفظ غندر.

• خالفهم: أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]، قال: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن، يحدث قال: سئلت عائشة: أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أدومه.

أخرجه الطيالسي (3/ 85/ 1582)، ومن طريقه: ابن منده في التوحيد (3/ 234/ 744)[لكنه رفع الحديث في السؤال، ويبدو أنه حمل رواية الطيالسي على رواية النضر بن شميل، لكونه قرنهما، والله أعلم]. وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 1777/374)[وأتى بلفظ غندر].

• ورواه أبو داود الطيالسي أيضاً، قال: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، أو أبي هريرة [ليس الشك من أبي داود، وفي رواية:

ص: 8

قال أبو داود: وليس الشك مني]؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اكلفوا من العمل ما تطيقون".

أخرجه الطيالسي (3/ 85/ 1583) و (4/ 109/ 2472)، ومن طريقه: ابن منده في التوحيد (3/ 234/ 745).

هكذا فرقه الطيالسي حديثين، وأشار إلى أن الشك ممن فوقه: شعبة، أو سعد بن إبراهيم.

• ورواه النضر بن شميل [ثقة ثبت]: نا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "ما داوم عليه صاحبه"، قال: وقالت: عائشة، أو أبو هريرة: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون. أوقف شطره الثاني.

أخرجه إسحاق بن راهويه (1/ 570/ 1056 - ط التأصيل)، وأبو يعلى (8/ 26/ 4533)، وابن منده في التوحيد (3/ 234/ 744)، والبيهقي (2/ 485)

قلت: قصر به شعبة، أو النضر بن شميل، والرفع محفوظ من حديث عائشة.

• ورواه محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي [ثقة ثبت]، قال: أخبرنا سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف؛ أن أبا سلمة حدثه؛ أن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "أدومه وإن قلَّ".

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 74/ 1826)، وأبو القاسم الحرفي في الأول من الفوائد الصحاح والغرائب الأفراد (9 - رواية أبي الفضل الأنصاري)، وابن بشران في الأمالي (422).

من طريق: إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، حدثه محمد بن الوليد عن عامر الزبيدي به.

قال أبو القاسم الطبري: "هذا حديث صحيح من حديث سعد بن إبراهيم المدني، أخرجاه من حديث شعبة، غريب من حديث الزبيدي عنه".

قلت: الحديث حديث شعبة؛ عنه اشتهر وانتشر بالأمصار، بخلاف حديث الزبيدي: فقد تفرد به عن الزبيدي دون بقية أصحابه الثقات: عبد الله بن سالم الأشعري الحمصي، وهو: ليس به بأس؛ والإسناد إليه: إسناد حمصي لا يثبت مثله، تفرد به عنه: عمرو بن الحارث بن الضحاك الزبيدي الحمصي: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الميزان (3/ 251):"عن عبد الله بن سالم الأشعري فقط، وله عنه نسخة، تفرد بالرواية عنه: إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، ومولاة له اسمها علوة، فهو غير معروف العدالة، وابن زبريق: ضعيف"، قلت: ولعل قول ابن حبان عنه في الثقات (8/ 480): "مستقيم الحديث"، وقوله عنه في صحيحه (13/ 466/ 6100):"حمصي ثقة"؛ يحمل على بعض مروياته التي سبرها ابن حبان فوجدها مستقيمة في متونها، ووثقه لأجلها، وإلا فإن له أوهاماً [راجع الكلام على رجال هذا الإسناد فيما تقدم في فضل الرحيم الودود (3/ 101/ 226) و (7/ 287/ 653) و (10/ 178/ 936)].

ص: 9

ثم إن هذه وجادة، ولا ندري هل كان كتاب عمرو بن الحارث الحمصي هذا محفوظاً عن الزيادة والنقصان، أم لا؟ لا سيما وهو غير معروف العدالة، كما قال الذهبي، ولا مشهوراً بالرواية عند أهل بلده، ولا خارجها.

وابن زبريق: إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: ضعيف، لا سيما لو روى عن عمرو بن الحارث الحمصي، قال النسائي:"ليس بثقة، إذا روى عن عمرو بن الحارث"[تهذيب تاريخ دمشق (2/ 410)]، والذي في التاريخ (8/ 109) نصه:"ليس بثقة، عن عمرو بن الحارث"[التهذيب (1/ 111) الميزان (1/ 181). الجرح والتعديل (2/ 209)].

فهو حديث غريب من حديث الزبيدي، والله أعلم.

• قلت: والحاصل؛ فإن هذا الاختلاف على شعبة في الجملة الثانية لا يضر شيئاً، فالمحفوظ عن شعبة: الرفع، كما أن رفعها ثابت من طرق عن أبي سلمة عن عائشة، رواه سعيد بن أبي سعيد المقبري، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وغيرهم:

كلهم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنهما مرفوعاً؛ بطرف:"اكلفوا من العمل ما تطيقون".

4 -

وروى يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة؛ أن عائشة رضي الله عنهما حدثته، قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شهراً أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول:"خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها.

وفي رواية: "خدوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وكان أحب الصلاة إليه ما داوم عليها منها وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.

أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (782/ 177 - كتاب الصيام). [تقدم تحت الحديث رقم (1273)].

5 -

وروى ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان بالليل أوزاعاً، يكون مع الرجل الشيء من القرآن، فيكون معه النفر الخمسة أو الستة أو أقل من ذلك أو أكثر، يصلون بصلاته، قالت: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من ذلك أن أنصب له حصيراً على باب حجرتي، ففعلت، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة، قالت: فاجتمع إليه مَن في المسجد، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل وترك الحصير على حاله، فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن كان معه في المسجد تلك الليلة، قالت: وأمسى المسجد راجًّا بالناس، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم دخل بيته وثبت الناس، قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما شأن الناس ياعائشة؟ "،

ص: 10

قالت: فقلت له: يا رسول الله! سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد، فحشدوا لذلك لتصلي بهم، قالت: فقال: "اطوِ عنا حصيرَك يا عائشة"، قالت: ففعلت، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير غافل، وثبت الناس مكانهم حتى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح، فقالت: فقال: "أيها الناس! أما والله ما بتُّ - والحمد لله - ليلتي هذه غافلاً، وما خفي عليَّ مكانكم، ولكني تخوَّفتُ أن يفترضَ عليكم، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملُّوا"، قال: وكانت عائشة تقول: إن أحبَّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ.

وإسناده حسن، وقد تقدم ذكره تحت الحديث رقم (659)(7/ 334/ 659 - فضل الرحيم الودود)، والحديث رقم (1126).

6 -

وروى محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كانت لنا حصيرة نبسطها بالنهار، ونحتجرها علينا بالليل، قالت: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فسمع مَن كان في المسجد صلاتَه [وفي رواية: فسمع المسلمون قراءته، فصلوا بصلاته]، فأصبحوا فذكره أولئك للناس، فكثروا في الليلة الثانية، قالت: فاطلع إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"اكلفوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملّوا".

قالت عائشة رضي الله عنهما: وكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها وإن قلَّ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.

وهو حديث حسن، تقدم تخريجه ثحت الحديث رقم (1126).

7 -

وروى محمد بن زياد الزيادي، قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي، قال: حدثنا محمد بن طحلاء [قال أبو حاتم: "ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب (3/ 595)]، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أفضل العمل أدومه وإن قل".

أخرجه ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (419)، وفي عيون الأخبار (1/ 446 - 447)، وأبو طاهر السلفي في الطيوريات (417).

قلت: هو غريب من حديث الدراوردي المدني، تفرد به: محمد بن زياد أبو عبد الله الزيادي البصري؛ قال ابن حبان في الثقات: "ربما أخطأ"، وضعفه ابن منده، وروى له البخاري مقروناً بغيره [التهذيب (3/ 564). الميزان (3/ 552)].

• وروي من وجه آخر ضعيف عن ابن طحلاء، وأتي فيه بلفظ منكر:

رواه موسى بن عبيدة، قال: ثني محمد بن طحلاء مولى أم سلمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيراً يصلي عليه من الليل، فتسامع به الناس، فاجتمعوا، فخرج كالمغضب، وكان بهم رحيماً، فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فقال:"يا أيها الناس، اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما دمتم عليه".

ص: 11

ونزل القرآن: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} إلى قوله: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 1 - 4]، حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه؛ فرحمهم فردهم إلى الفريضة، وترك قيام الليل.

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (23/ 359 و 360)، وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3379/ 19010).

قلت: وهذا منكر بهذا السياق، تفرد به موسى بن عبيدة الربذي، وهو: ضعيف.

قال ابن رجب في الفتح (1/ 152): "خرجه بقي بن مخلد، وفي إسناده: موسى بن عبيدة"[وانظر: الأحكام الوسطى (2/ 62)].

وقال ابن حجر في الفتح (3/ 37): "أخرجه الطبري في تفسير سورة المزمل، وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك مدرج من قول بعض رواة الحديث، والله أعلم".

8 -

ورواه ابن وهب، قال: حدثني عبد الله بن عمر، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من رمضان إلى المسجد بعد العشاء فصلى، فرآه ناس فصلوا بصلاته، فلما كانت الثانية خرج أيضاً، فرآه الناس فثابوا وكبروا وصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الثالثة ملئ المسجد، فلم يخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا كانهم يؤذنونه ليخرج إليهم، فقال:"يا عائشة ما بال الناس؟ "، فقلت: يا رسول الله صلوا معك هاتين الليلتين، فأحبوا أن تخرج إليهم، ثم خرج إليهم، فقال:"أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله دومها وإن قلَّ، ما زلتم حتى خشيت أن تكتب عليكم"، قالت عائشة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إحدى عشرة قائماً، وركعتين جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ، ثم ركع ثم يوتر بواحدة. قال أبو سلمة: فقلت: كيف كانت صلاته في شهر رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في شهر رمضان على هذا.

أخرجه أبو يعلى (8/ 221/ 4788). [المسند المصنف (37/ 272/ 17880)].

وعبد الله بن عمر العمري: ليس بالقوي، ولا تثبت هذه الرواية عن أبي سلمة، تقدم ذكرها تحت الحديث رقم (1340).

وقد اضطرب فيه العمري، فرواه مرة هكذا، ورواه مرة: عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، بمعناه مرفوعاً [تقدم في الطريق الثانية][وراجع ما تقدم تحت الحديث رقم (1126)، وما سيأتي برقم (1373)؛ إن شاء الله تعالى].

وقد روي نحو حديث أبي سلمة عن عائشة، من قصة الحولاء بنت تويت:

رواه يونس بن يزيد الأيلي [ثقة رواه عنه: ابن وهب، وعثمان بن عمر بن فارس]، وشعيب بن أبي حمزة [ثقة من أثبت الناس في الزهري]، والنعمان بن راشد [ليس بالقوي]، ومحمد بن الوليد الزبيدي [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزهري، لكن الإسناد إليه ضعيف؛ فيه: عبد الحميد بن إبراهيم أبو تقي الحمصي: سمع كتب عبد الله بن سالم

ص: 12

عن الزبيدي، ثم ذهبت كتبه، فكان لا يحفظها، فلقنوه من كتاب ابن زبريق عن عبد الله بن سالم، وكان ضريراً يتلقن، قال محمد بن عوف الحمصي:"فكان لا يحفظ الإسناد، ويحفظ بعض المتن"، وقال أبو حاتم:"وليس هذا عندي بشيء؛ رجل لا يحفظ، وليس عنده كتب". الجرح والتعديل (6/ 8)، سؤالات البرذعي (706)، الميزان (2/ 537)، التهذيب (2/ 472)، وشيخ الطبراني فيه: إبراهيم بن محمد بن الحارث ابن عرق: مجهول الحال، قال الذهبي:"شيخ للطبراني غير معتمد". الميزان (1/ 63)، اللسان (1/ 355)]:

عن ابن شهاب [الزهري]، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته، أن الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذه الحولاء بنت تويت، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إلا تنام الليل! خدوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا".

أخرجه مسلم (785/ 220)، وأبو عوانة (2/ 36 - 37/ 2226)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 376/ 1782)، وابن حبان (2/ 74/ 359) و (6/ 322/ 2586)، وأحمد (6/ 247)(26623 - 26625)، وعبد بن حميد (1485)، والطبراني في الكبير (24/ 222/ 564)، وفي مسند الشاميين (3/ 34/ 1753) و (4/ 200/ 3105)، والدارقطني في المؤتلف (1/ 238)، وابن منده في التوحيد (3/ 256 - 257/ 801 - 803)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 65)، وفي معرفة الصحابة (6/ 3299/ 7576)، والبيهقي (3/ 17)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 191)، والخطيب في المبهمات (62)[التحفة (11/ 457 / 16730)، الإتحاف (17/ 183/ 22099)، المسند المصنف (37/ 261/ 17876)].

وانظر فيمن وهم في إسناده على الزهري: علل الدارقطني (14/ 107/ 3454)، التمهيد (1/ 192 و 193).

وروى هذه القصة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة؛ لكن بإبهام الصحابية صاحبة القصة: رواه أبو أسامة حماد بن أسامة، ويحيى بن سعيد القطان، ومالك بن أنس [وانفرد به عنه: عبد الله بن مسلمة القعنبي]، وعبدة بن سليمان [وعنه: هارون بن إسحاق الهمداني]، وعبد الله بن نمير [وعنه: أبو الأزهر أحمد بن الأزهر]، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وحماد بن سلمة [وعنه: إبراهيم بن الحجاج السامي] [وهم ثقات]، وعبد القدوس بن بكر [قال أبو حاتم:"لا بأس بحديثه"، وروى عنه أحمد هذا الحديث. التهذيب (2/ 600)، إكمال مغلطاي (8/ 285)]، وعبد الرحمن بن أبي الزناد أحديثه بالمدينة: صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون؛ إلا ما كان من رواية سليمان بن داود الهاشمي؛ فأحاديثه عنه حسان، وليس هذا من الأول ولا الأخير، فقد رواه عنه: عبد الأعلى بن حماد النرسي البصري، فهو جيد في المتابعات. انظر ما تقدم تحت الحديث رقم (148)]:

عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، عن عائشة، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم،

ص: 13

وعندي امرأة، فقال:"من هذه؟ "، فقلت: امرأة لا تنام؛ تصلي [وفي رواية القطان: تذكر من صلاتها]، قال:" [مه]، عليكم من العمل ما تطيقون، فوالله! لا يمل الله حتى تملوا"، [قالت:] وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه. لفظ القطان.

وفي رواية عبدة [عند الترمذي وابن أبي داود]: وكان أحبَّ الدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه، وفي رواية أبي أسامة أعند ابن ماجه وابن خزيمة]، وفي رواية أبي ضمرة [عند ابن المنذر وأبي العباس الأصم]: قالت: وكان أحبَّ الدين إليه الذي يدوم عليه صاحبه، وفي رواية ابن نمير [عند أبي عوانة]: قالت: وكان أحبَّ العمل إليه الذي يداوم عليه صاحبه وإن قلَّ، وقال حماد بن سلمة [عند أبي نعيم]: وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قلَّ، وقال ابن أبي الزناد [عند أبي يعلى]: قالت عائشة: أحب الدين الذي يدوم عليه صاحبه.

وفي حديث أبي أسامة ومالك وابن نمير وأبي ضمرة وعبد القدوس وابن أبي الزناد؛ أنها امرأة من بني أسد، ولم يذكر مالك وعبد القدوس طرفه الأخير.

أخرجه البخاري (43 و 1151)[وانظر: التغليق (2/ 431)، الفتح (3/ 37)]، ومسلم (785/ 221)، وأبو عوانة (2/ 36/ 2224 و 2225)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 376 - 377/ 1783)، والترمذي في الجامع (2856 م)، وقال:"هذا حديث صحيح". في الشمائل (311)، والنسائي في المجتبى (3/ 218/ 1642) و (8/ 123/ 5035)، وفي الكبرى (2/ 118/ 1309)، وابن ماجه (4238)، وابن خزيمة (2/ 264/ 1282)، وأحمد في المسند (6/ 51 و 212)، وفي الزهد (95)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في الخامس من مسند حديث مالك (7)، وأبو يعلى (8/ 115/ 4651)، وابن أبي داود في مسند عائشة (72)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 161/ 2597)، والطحاوي في المشكل (2/ 116/ 650)، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (33 - رواية أبي بكر ابن حيد النيسابوري)، وابن منده في التوحيد (3/ 256/ 799 و 800)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 65)، والبيهقي في السنن (3/ 17)، وفي الأسماء والصفات (2/ 431)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 192)، والخطيب في المبهمات (62)، وفي الفقيه والمتفقه (2/ 219)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 48/ 933)[التحفة (11/ 487/ 16821) و (11/ 554/ 17089) و (11/ 608/ 17307)، الإتحاف (17/ 379/ 22450)، المسند المصنف (37/ 261/ 17876) و (39/ 484/ 19006)].

• تنبيهات: هكذا رواه عن يحيى القطان: أبو خيثمة زهير بن حرب، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وعمرو بن علي الفلاس، وشعيب بن يوسف النسائي، ويزيد بن سنان القزاز [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، وكُربُزان عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي [ليس بالقوي، الجرح والتعديل (5/ 283)، الكامل (4/ 319)، سؤالات الحاكم (145) ، تاريخ بغداد (10/ 273)، السير (13/ 138)، اللسان (5/ 127)]: أن عائشة قالت

ص: 14

في آخره: وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه، أو: وكان أحبَّ الدين إليه أدومه، والضمير فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع في رواية الفلاس بدون ذكر الجار والمجرور.

بينما رواه عنه أحمد بن حنبل في المسند بلفظ: "مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله عز وجل حتى تملوا، إن أحبَّ الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه"، هكذا بإدراج آخره في كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (6/ 51)[الإتحاف (17/ 379/ 22450)].

لكن وقع له في الزهد: "إن أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه"، وهذا أقرب للفظ الجماعة [وقد وقع في إسناده تحريف].

وكذلك وقع في رواية يزيد بن سنان [عند الطحاوي في المشكل]: "وكان أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه"، بينما رواه عنه أبو عوانة مقروناً بكربزان: وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه.

وبذا يظهر أن المحفوظ من رواية القطان: أن هذه الجملة الأخيرة إنما هي من كلام عائشة، تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

• واختلف أيضاً على عبدة بن سليمان، فرواه عنه هارون بن إسحاق الهمداني [وهو: ثقة] به، فقال في آخره: وكان أحبَّ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه [عند الترمذي].

خالفه: إسحاق بن راهويه [ثقة حافظ]، فرواه في مسنده (2/ 139/ 625)(1/ 436/ 621 - ط التأصيل)، قال: أخبرنا عبدة: نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة، فقال:"ما هذه؟ "، فقلت: لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مه، عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الدين إلى الله ما يدوم عليه صاحبه".

وأخرجه ابن نصر المروزي في قيام الليل (186 - مختصره)، قال: حدثنا إسحاق به.

قلت: ورواية عبدة الموافقة لرواية الجماعة أولى.

• واختلف أيضاً على عبد الله بن نمير، فرواه عنه أبو الأزهر أحمد بن الأزهر [ثقة كتابه أصح]، كالجماعة: قالت: وكان أحبَّ العمل إليه الذي يداوم عليه صاحبه؛ وإن قلَّ [عند أبي عوانة].

خالفه: أحمد بن حنبل [ثقة ثبت إمام، حافظ حجة]، قال: حدثنا ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قال: كان عندها امرأة من بني أسد، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من هذه؟ "، قالت: هذه فلانة، لا تنام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله عز وجل حتى تملوا، أحبُّ الدين إلى الله عز وجل الذي يداوم عليه صاحبه".

أخرجه أحمد (6/ 231)[الإتحاف (17/ 379/ 22450)، المسند المصنف (37/ 1 26/ 17876)].

ص: 15

• وهكذا رواه البخاري عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك به دون آخره.

قال ابن حجر في الإتحاف (17/ 379/ 22450): "رواه القعنبي في الزيادات آخر الموطأ: عن مالك عن هشام به، وليس هو عند أحد من رواة الموطأ، وذكر فيه القعنبي الحديث الذي بعده، وهو في الموطأ فقط".

• قلت: يعني: طرفه الأخير الذي رواه عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبو مصعب الزهري، ويحيى بن يحيى الليثي، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم:

عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: كان أحب العمل إلى رسول ال صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 247/ 481 - رواية يحيى الليثي)(332 م- رواية القعنبي)(577 - رواية أبي مصعب الزهري)، ومن طريقه: البخاري (6462)، وابن حبان (323)، وأحمد (6/ 176)، والطبراني في جزء من حديثه لأهل البصرة بانتقاء ابن مردويه (16)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (48)، والجوهري في مسند الموطأ (751)[التحفة (11/ 576/ 17169)، الإتحاف (17/ 380/ 22451)، المسند المصنف (39/ 484/ 19006)].

ورواية مالك هذه تؤبد رواية الجماعة ممن روى طرفه الأخير من قول عائشة تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من جعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقد أدرجه.

• وروي من حديث عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك به، مثل رواية القعنبي.

أخرجه ابن منده في التوحيد (3/ 256/ 800).

ولا يثبت من حديث التنيسي: فقد رواه عنه: بكر بن سهل الدمياطي، وهو: ضعيف؛ ضعفه النسائي، ولم يوثقه أحد، وله أوابد، وذكره الحاكم فيمن لم يحتج به في الصحيح ولم يسقط، وقال الخليلي في نسخته التي يروبها من تفسير ابن جريج:"فيه نظر"، وقال الذهبي:"حمله الناس، وهو مقارب الحال"، وحمل عليه العلامة المعلمي اليماني فقال:"ضعفه النسائي، وله زلات تثبت وهنه"، وقال أيضاً:"ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك؛ فإن له أوابد"[الميزان (1/ 346)، اللسان (2/ 344)، المعرفة (255)، الإرشاد (1/ 391 - 392)، الأنساب (2/ 494)، تاريخ دمشق (10/ 379)، السير (13/ 425). تعليق العلامة المعلمي اليماني على الفوائد المجموعة (135 و 226 و 244 و 467 و 481). راجع ترجمته تحت الحديث رقم (652)، وقد تقدمت ترجمته مراراً].

والراوي عن الدمياطي: أبو طالب عمر بن الربيع بن سليمان الخشاب المصري: كذبه إسحاق القراب، وضعفه الدارقطني، وقال مسلمة بن قاسم:"تكلم فيه قوم، ووثقه آخرون، وكان كثير الحديث"[فتح الباب (4098)، معجم الشيوخ لابن جميع (339)، اللسان (6/ 100)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 284)].

• ورواه معمر بن راشد أثبت في الزهري وابن طاووس، وقد يهم في حديث

ص: 16

غيرهما] عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: دخل علئ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندي امرأة حسنة الهيئة، فقال:"من هذه؟ "، فقلت: هذه فلانة بنت فلان يا رسول الله، هي لا تنام الليل، فقال:"مه مه! خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا، وأحب العمل إلى الله عز وجل ما داوم عليه صاحبه وإن قلَّ".

أخرجه عبد الرزاق (11/ 290/ 20566)[جامع معمر]. ومن طريقه: أحمد (6/ 199)، وإسحاق بن راهويه (2/ 141/ 627)(1/ 437/ 623 - ط التأصيل)، والبغوي في شرح السُّنَة (4/ 48 - 49/ 934)[الإتحاف (17/ 379/ 22450)، المسند المصنف (37/ 261/ 17876)].

• ورواه أبو معاوية محمد بن خازم الضرير [ثقة ثبت في الأعمش، وقد يهم في حديث غيره]، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت امرأة [من بني أسد] تدخل عليها تذكر من اجتهادها، قال: فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"إن أحب الدين إلى الله عز وجل ما دووم عليه، وإن قلَّ". لفظه عند أحمد، وفي حديث إسحاق:"إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ".

أخرجه أحمد (6/ 46)، هاسحاق بن راهويه (2/ 140/ 626)(1/ 436 - 437/ 622 - ط التأصيل)[الإتحاف (17/ 380/ 22451)، المسند المصنف (37/ 261/ 17876].

° وحاصل ما تقدم في قصة الحولاء بنت تويت: أن عائشة قالت في آخره: وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه، والضمير الأول فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقد أدرجه، هذا هو المحفوظ من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

وقد رواه جماعة من الثقات عن أبي سلمة عن عائشة من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محفوظ أيضاً، وتقدم ذكره.

كما رواه أيضاً: القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومُها، وإن قلَّ"، قال: وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته.

أخرجه مسلم (783/ 218)، ويأتي ذكره في بقية الطرق عن عائشة.

• وانظر فيمن وهم في إسناده على هشام بن عروة: ما أخرجه ابن منده في التوحيد (3/ 236/ 748).

• وخالف أصحاب هشام في متنه؛ فوهم ودخل له حديث في حديث:

محمد بن إسحاق [صدوق]، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم الحولاء بنت تويت، فقيل له: يا رسول الله! إنها تصلي بالليل صلاة كثيرة، فإذا غلبها النوم ارتبطت بحبل، فتعلقت به، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلتُصلِّ ما قويت على الصلاة؛ فإذا نعست فلتنم".

أخرجه أحمد (6/ 268)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (186 - مختصره).

ص: 17

[أطراف المسند (9/ 173/ 11924)، الإتحاف [17/ 387 - حاشية 27)، المسند المصنف (37/ 264/ 17877)].

هكذا دخل لابن إسحاق حديث عائشة في قصة الحولاء بنت تويت، في حديث أنس في قصة زينب بنت جحش في الحبل الممدود بين الساريتين [تقدم برقم (1312)]، والله أعلم.

• ورواه مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم؛ أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع امرأة من الليل تصلي، فقال:"من هذه؟ "، فقيل له: هذه الحولاء بنت تويت، لا تنام الليل، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفت الكراهية في وجهه، ثم قال:"إن الله لا يمل حتى تملوا، اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة".

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 174/ 310 - رواية يحيى الليثي)(288 - رواية أبي مصعب الزهري)(98 - رواية سويد بن سعيد). [لمسند المصنف (37/ 261/ 17876)].

قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 191): "هذا حديث منقطع من رواية إسماعيل بن أبي حكيم، وقد يتصل معنى ولفظاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث مالك وغيره، من طرق صحاح ثابتة".

وقال في الاستذكار (2/ 87): "هو حديث صحيح مسند".

ثم قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 193): "وقد روي حديث الحولاء هذا متصلاً مسنداً من حديث إسماعيل بن أبي حكيم، ذكره العقيلي أبو جعفر رحمه الله،

"، ثم أسنده من طريقه.

• وهذا قد رواه جماعة من الثقات، عن محمد بن أبي بكر المقدمي [بصري ثقة]، قال: ثنا أبو الأسود حميد بن الأسود: ثنا الضحاك بن عثمان، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة؛ أن رسول الله! قال:"ما تضورت من هذه الليلة إلا سمعت في المسجد صوتاً"، فقلت: يا رسول الله! تلك الحولاء بنت تويت، لا تنام إذا نام الناس، فذكر كلاماً حتى رأيت ذلك في وجهه، وقال:"إن الله لا يمل حتى تملوا".

أخرجه العقيلي (1/ 194 - التمهيد)[ولم أقف عليه في المطبوع من الضعفاء]. ومكرم بن أحمد البزاز في فوائده (152)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(765)، والطبراني في الأوسط (4/ 325/ 4333)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 194).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل إلا الضحاك بن عثمان، ولا عن الضحاك إلا حميد بن الأسود، تفرد به: المقدمي".

قلت: قول مالك هو الصواب، وهو الحكم في أهل المدينة وفي حديثهم، والقول فيهم قوله، وإسماعيل بن أبي حكيم: مدني ثقة، وأما الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي، فهو: صدوق، يهم كثيراً، ليَّنه بعضهم، وقال ابن عبد البر: "كان كثير

ص: 18

الخطأ، ليس بحجة" [التهذيب (2/ 223)، الميزان (2/ 324)، إكمال مغلطاي (7/ 20)، علل ابن أبي حاتم (361)، وانظر ما تقدم تحت الحديث رقم (1895)]، وأبو الأسود حميد بن الأسود: بصري، ليس به بأس، وله مناكير [التهذيب (1/ 492)، الميزان (1/ 609)].

وقد صح من حديث القاسم من وجه آخر بغير هذا اللفظ، وبدون قصة الحولاء بنت تويت، ويأتي.

° فائدة: قال ابن رجب في الفتح (1/ 150): "وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مه"؛ زجر لعائشة عن قولها عن هذه المرأة في كثرة صلاتها، وأنها لا تنام الليل، وأمر لها بالكف عما قالته في حقها؛ فيحتمل أن ذلك كراهية للمدح في وجهها؛ حيث كانت المرأة حاضرة، ويحتمل - وهو الأظهر وعليه يدل سياق الحديث - أن النهي إنما هو لمدحها بعمل ليس بممدوح في الشرع، وعلى هذا فكثيراً مما يذكر في مناقب العُبَّاد من الاجتهاد المخالف للشرع؛ يُنهى عن ذكره على وجه التمدح به، والثناء به على فاعله".

ولهشام بن عروة فيه حديث آخر غير قصة الحولاء، رواه عنه أصحابه:

فقد روى عبدة بن سليمان، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الله بن نمير، وحماد بن سلمة [وعنه: عفان بن مسلم، وعارم محمد بن الفضل] [وهم ثقات أثبات]:

عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضبُ حتى يُعرف الغضبُ في وجهه، ثم يقول:"إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا". لفظ عبدة [عند البخاري]، وبنحوه لفظ أبي أسامة [عند أحمد]، وقال في آخره:"والله، إني لأعلمكم بالله عز وجل، وأتقاكم له قلباً"، وبنحوه أيضاً لفظ ابن نمير [عند أحمد] دون آخره.

ولفظ عفان عن حماد [عند أحمد]: أن ناساً كانوا يتعبدون عبادةً شديدةً، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"والله، إني لأعلمكم عز وجل، وأخشاكم له"، وكان يقول:"عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا".

ولفظ عارم [عند عبد بن حميد]: أن أناساً كانوا يتعبدون عبادةً شديدةً، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا لسنا كهيئتك؛ إنك قد غفر الله لك ذنبك، ما تقدم منه وما تأخر، فقال:"والله! لأنا أعلمكم بالله، وأخشاكم له"، وقال:"عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا"، وكان أحب العمل إليه المداومة، وإن قلَّ.

أخرجه البخاري (20)، وأحمد (6/ 56 و 61 و 122)، وعبد بن حميد (1502)، وابن أبي داود في مسند عائشة (44)، وابن منده في الإيمان (1/ 288/436)، والبغوي في الشمائل (283). [التحفة (11/ 551/ 17074)، أطراف المسند (9/ 163/ 11883)، المسند المصنف (39/ 284/ 18823)].

ص: 19

ولأبي سلمة في هذا حديث آخر عن أم سلمة:

رواه سفيان الثوري، وشعبة، وإسرائيل [وهم أثبت أصحاب أبي إسحاق]، وأبو الأحوص [سلام بن سليم: ثقة متقن]، وورقاء بن عمر [ثقة]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]، ورحيل بن معاوية [صدوق]، وغيرهم [كما في علل الدارقطني (15/ 210/ 3954)، فقد زاد: زياد بن حبيب، وعمرو بن أبي قيس، وإبراهيم بن طهمان، وأبا بكر بن عياش]:

رووه عن أبي إسحاق، قال: سمعت أبا سلمة، عن أم سلمة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صلاته قاعداً إلا الفريضة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قلَّ [وفي رواية: ما داوم عليه العبد، وإن كان يسيراً]. لفظ شعبة. وفي رواية للثوري: كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام عليه وإن قلَّ.

ولفظ أبي الأحوص: والذي ذهب بنفسه صلى الله عليه وسلم! ما مات حتى كان أكثر صلاته وهو جالس، وكان أحب الأعمال إليه العمل الصالح الذي يدوم عليه العبد، وإن كان يسيراً، وبنحوه لفظ إسرائيل.

وإسناده صحيح، وتقدم تخريجه بطرقه في فضل الرحيم الودود (10/ 299/ 956).

وقد صح عن عائشة من طرق أخرى بعض معنى هذا الحديث:

أ- روى الأشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، قال: سألت عائشة عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان أحب العمل إليه الدائم، قلت: فأيُّ حينٍ [وفي رواية: فأيُّ ساعةٍ] كان يقوم؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ قام.

وهو حديث متفق على صحته، وقد تقدم برقم (1317).

ب - وروى موسى بن عقبة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن [وفي روايةٍ: عن موسى بن عقبة، قال: سمعت أبا سلمة]، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سددوا وقاربوا، واعلموا أن لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنةَ، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ".

وفي رواية: "سددوا وقاربوا، وأبشروا، فإنه لن يُدخِلَ الجنةَ أحداً عملُه"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الثه منه برحمة [وفي رواية: بمغفرة ورحمة]، واعلموا أن أحبَّ العمل إلى الله أدومُه وإن قلَّ".

أخرجه البخاري (6464 و 6467)، ومسلم (2818)، وأبو عوانة (17/ 629/ 22915 - إتحاف المهرة)، والنسائي في الكبرى (10/ 392/ 11812)، وأحمد (6/ 125 و 273)، وإسحاق بن راهويه (1/ 570/ 1060 - ط التأصيل)، وابن منده في التوحيد (3/ 235/ 747)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 20)، والقضاعي في مسند الشهاب (628)[وفي سنده تحريف]. والبيهقي في القضاء والقدر (403 و 404)، وفي البعث والنشور (49)، وبيبي في جزئها (31)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 340). [التحفة (11/ 800/ 17775)، الإتحاف (17/ 629/ 22915)، المسند المصنف (39/ 482/ 19004)].

ص: 20

رواه عن موسى بن عقبة: وهيب بن خالد، وسليمان بن بلال، وابن جريج، ومحمد بن الزبرقان، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد العزيز بن المختار، وعبد الله بن رجاء المكي، وعبد العزيز بن المطلب [وهم ثقات في الجملة]، وغيرهم.

قال الدارقطني في العلل (14/ 300/ 3641): "يرويه موسى بن عقبة، واختلف عنه؛ فرواه عبد العزيز بن المختار، وعبد العزيز بن المطلب، والحسن بن أبي جعفر، والأوزاعي، عن موسى بن عقبة، عن أبي سلمة، عن عائشة.

وخالفهم أبو همام محمد بن الزبرقان، فرواه عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة. والقول الأول: أصح".

قلت: وقع في صحيح البخاري (6467)، والقضاء والقدر للبيهقي (403)، من طريق ابن المديني عن محمد بن الزبرقان به كالجماعة، ثم أعقبه البخاري بقوله:"قال [يعني: ابن المديني]: أظنه عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة"، ثم قال البخاري:"وقال عفان: حدثنا وهيب، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت أبا سلمة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "سددوا وأبشروا"".

وبهذا قطع البخاري هذا الظن، بإثبات سماع موسى بن عقبة له من أبي سلمة، وقد تابع وهيباً على إثبات السماع: عبد العزيز بن المختار، والله أعلم [وانظر: الفتح لابن حجر (14/ 604)].

وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 496/ 6448)، إتحاف المهرة (17/ 629/ 22915).

• تنبيه: انفرد في متنه بزيادة لا تثبت من حديث موسى بن عقبة: الحسن بن أبي جعفر، وهو: ضعيف، يروي أحاديث منكرة [التهذيب (1/ 386)، الميزان (1/ 482)]:

حيث رواه بلفظ: "لا يتكلف أحدكم من العمل ما لا يطيق، فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا، وقاربوا وسددوا"[عند أبي نعيم في الحلية (9/ 20)].

ج - وروى سعد بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومُها، وإن قلَّ"، قال: وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته.

أخرجه مسلم (783/ 218)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 375/ 1779)، وأحمد (6/ 165)، وابن المبارك في الزهد (1329)، وفي المسند (77)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(1011 و 1012)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 188)، والقضاعي في مسند الشهاب (1303)، والبيهقي في المعرفة (2/ 273/ 1312)، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (1/ 314/ 186)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 54/ 937)، وأبو بكر ابن النقور في فوائده (34 و 35). [التحفة (11/ 660/ 17456)، أطراف المسند (9/ 205/ 12035)، الإتحاف (17/ 505 - حاشية رقم 14)، المسند المصنف (39/ 485/ 19007)].

ص: 21

د- وروى محمد بن فضيل، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح قال: سُئلت عائشة وأم سلمة: أي العمل كان أعجب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالتا: ما دام [عليه صاحبه]، وإن قلَّ.

أخرجه الترمذي في الجامع (2856)، وفي الشمائل (312)، وأحمد في المسند (6/ 32 و 289)، وفي الزهد (93)، وأبو يعلى (8/ 54/ 4573) و (12/ 332/ 6905)، وابن عساكر في المعجم (1585). [التحفة (11/ 192/ 16072) و (12/ 89/ 18149)، الإتحاف (17/ 651/ 22974) و (18/ 103/ 23401)، المسند المصنف (39/ 485/ 19008)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن [صحيح] غريب من هذا الوجه، وقد روي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ديم عليه".

وقال ابن عساكر: "هذا حديث حسن غريب".

قلت: إسناده صحيح غريب.

• خالفه: يحيى بن سلمة، رواه عن عاصم، عن ذكوان أبي صالح، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ".

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 577).

وهو حديث منكر من حديث عاصم بن بهدلة؛ تفرد به يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو: متروك، منكر الحديث [التهذيب (4/ 361)].

• وانظر فيما لا يثبت من طرق حديث عائشة:

ما أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 898/ 3811 - السفر الثاني)[وفي إسناده: عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد، وهو: متروك، منكر الحديث].

ومن شواهده أيضاً:

1 -

حديث أبي هريرة، وله طرق، نذكر منها ما اشتمل على موضع الشاهد حسب:

أ - عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"وإياكم والوصال" مرتين، قيل: إنك تواصل، قال:"إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فاكلفوا من العمل ما تطيقون". لفظه عند البخاري.

ولفظ عبد الرزاق في المصنف، وفي بقية المصادر:"إياكم والوصال، إياكم والوصال"، قالوا: إنك تواصل [يا رسول الله]؟ قال: "فإني في ذاكم لست مثلكم، إني أببت [وفي رواية: أظل] يطعمني وبي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما لكم به طاقة".

أخرجه عبد الرزاق (4/ 267/ 7754)، ومن طريقه: البخاري (1966)، وأبو عوانة (2/ 188/ 2796)، وأحمد (2/ 315)، والبيهقي في السنن (4/ 282)، وفي الدلائل (1/ 355)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 261/ 1736)، وهو في صحيفة همام برقم (68). [التحفة (10/ 271/ 14730)، الإتحاف (15/ 665/ 20110)، المسند المصنف (31/ 532/ 14548)].

ص: 22

ب - جرير بن عبد الحميد، ومحمد بن فضيل:

عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإياكم والوصال"[زاد ابن فضيل: قالها ثلاث مرار]، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! قال: "إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون".

أخرجه مسلم (1103/ 58)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (3/ 178/ 2482)، وأحمد (2/ 231)، وإسحاق بن راهويه (1/ 212/ 168)، وابن أبي شيبة (2/ 331/ 9595)، والبزار (17/ 166/ 9784)، وجعفر الفريابي في الصيام (32)، وأبو يعلى (10/ 475/ 6588)، وأبو بكر الكلاباذي في بحر الفوائد (335). [التحفة (10/ 331/ 14916)، الإتحاف (16/ 48/ 20355)، المسند المصنف (31/ 531/ 14546)].

قال البزار: "وهذه الأحاديث قد روي بعضها عن أبي هريرة رضي الله عنه من غير وجه، وبعضها لم يروه إلا أبو زرعة، فأما الذي لم يروه إلا أبو زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه: فبشر خديجة، وقوله: كلمتان خفيفتان على اللسان، فهذان الحديثان لا نعلم رواهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، إلا أبو زرعة"، يعني: أن حديثنا هذا قد توبع عليه.

• هكذا رواه عن ابن فضيل: أحمد بن حنبل، وأبو بكر ابن أبي شيبة [وهما أشهر حفاظ زمانهما]، وعلي بن المنذر الطريقي [ثقة] وعنه: البزار بهذا الوجه]، ومحمد بن يزيد [هو: ابن الرواس: شيخ للبزار، وروى عنه جماعة، يروي عن المعتمر بن سليمان، وبزيد بن زريع، وعبد الله بن إدريس، وحاتم بن وردان، وغيرهم، ولم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل]، وغيرهم.

• ورواه أبو بكر ابن خزيمة في صحيحه (3/ 280/ 2071)(3/ 11/ 2152 - ط التأصيل)، قال: حدثنا علي بن المنذر: حدثنا ابن فضيل: حدثنا عمارة بن القعقاع، عن ابن أبي نُعم، قال: سمعت أبا هريرة يذكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والوصال"، قالها ثلاثاً، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "لستم في ذلك مثلي، اني أبيت يطعمني ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما تطيقون".

قلت: كذا قال فيه: عن ابن أبي نُعم، وكذا وقع في الإتحاف (15/ 168/ 19093)، في شرجمة عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي هريرة. [المسند المصنف (31/ 533 / 14550)].

لكن رواه البزار عن علي بن المنذر الطريقي به كالجماعة، وهو الصواب: من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة، ومن قال: عن ابن أبي نعم؛ فقد وهم، والله أعلم.

ج - المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني [وهم ثقات في الجملة]:

عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم

ص: 23

والوصال"، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست في ذلك مثلكم، إني أظل يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما لكم به طاقة".

أخرجه مسلم (1103/ 58)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (3/ 178/ 2483)، وابن حبان (8/ 342/ 3576)، وأحمد (2/ 257 و 418)، والبزار (15/ 37/ 8231)، وجعفر الفريابي في الصيام (17 و 19)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 278/ 3283). [التحفة (9/ 610/ 13901)، الإتحاف (15/ 222/ 19191)، المسند المصنف (31/ 529/ 14544)].

• وقد رواه مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، عن أبي الزناد به، دون موضع الشاهد:

روياه عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إياكم والوصال، إياكم والوصال"، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني".

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 404/ 828 - رواية يحيى الليثي)(536 م- رواية القعنبي)(851 - رواية أبي مصعب)(479 م- رواية الحدثاني)(368 - رواية الشيباني)، والدارمي (1851 - ط البشائر)، وابن خزيمة (3/ 279/ 2068)، وأبو عوانة (2/ 188/ 2795)، وأحمد (2/ 237 و 244)، والشافعي في السنن (339)، والحميدي (1039)، وجعفر الفريابي في الصيام (18)، والجوهري في مسند الموطأ (540)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 262/ 1737)، وفي الشمائل (690). [الإتحاف (15/ 222/ 19191)، المسند المصنف (31/ 529/ 14544)].

وقد اختلف فيه على مالك:

فرواه عنه به هكذا: الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الرحمن بن مهدي، ومعن بن عيسى القزاز، ويحيى بن يحيى الليثي، وأبو مصعب الزهري، وعبد الله بن وهب [وهم ثقات، من أثبت أصحابه، وهم رواة الموطأ]، وخالد بن مخلد القطواني [ليس به بأس]، وسويد بن سعيد الحدثاني [صدوق في نفسه؛ إلا أنه تغير بعدما عمي، وصار يتلقن، فضعَّف بسبب ذلك]. وكرر بعضهم: "إياكم والوصال"، أعادها ثلاثاً.

خالفهم: محمد بن الحسن الشيباني [وهو: ضعيف]، فرواه عن مالك به؛ إلا أنه زاد في آخره موضع الشاهد:"فاكلفوا من الأعمال ما لكم به طاقة".

• ورواه ابن لهيعة [ضعيف، حديثه صالح في الشواهد]: حدثنا عبد الرحمن الأعرج، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن خير العمل أدومُه وإن قلَّ".

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والوصال"، قالوا: يا رسول الله إنك تواصل؟ قال: "لست في ذلك كهيئتكم؛ إني أبيت يطعمني ريي ويسقيني".

ص: 24

أخرجه ابن ماجه (4240)، وأحمد (2/ 350)، وجعفر الفريابي في الصيام (16)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 137). [التحفة (9/ 620/ 13942)، أطراف المسند (7/ 367/ 9868)، المسند المصنف (34/ 431/ 16321)].

د - عبد الله بن نمير [كوفي، ثقة]، وعبيدة بن حميد [كوفي، صدوق]، ويعلى بن عبيد الطنافسي [كوفي، ثقة. وعنه: عبد الرحيم بن منيب المروزي، روى عنه ابن أبي حاتم، وقال: "كان صدوقاً". تاريخ الإسلام (19/ 196)]:

قالوا: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال:"إني لست مثلكم، إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني، اكلفوا من الأعمال ما تطيقون".

وفي رواية عبيدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل من السحر إلى السحر، ففعل ذلك بعض أصحابه فنهاه، فقال: أنت يا رسول الله تفعل ذلك، فقال:

فذكره.

أخرجه مسلم (1103/ 58)، وأبو عوانة (2/ 187/ 2794)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 178/ 2484)، وابن خزيمة (3/ 280/ 2072)، وأحمد (2/ 496)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 667/ 1331)، والبيهقي في الشعب (6/ 397/ 3614)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 1738/262)، وفي الشمائل (691). [التحفة (9/ 101/ 12421)، الإتحاف (14/ 519/ 18134)، المسند المصنف (31/ 530/ 14545)].

• ورواه عن الأعمش مختصراً بدون موضع الشاهد:

أبو معاوية الضرير [ثقة، من أثبت الناس في الأعمش]، ويعلى بن عبيد الطنافسي [وعنه: علي بن حرب الطائي، وهو: صدوق، وإبراهيم بن عبد الله بن الحارث الجمحي، ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 82)، وقال:"مستقيم الحديث"، وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 336)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 219):"كان صدوقاً". تاريخ الإسلام (6/ 42 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 200)]، والجراح بن الضحاك الكندي [صالح الحديث، لا بأس به]:

عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: واصل النبي صلى الله عليه وسلم، فبلغ الناس فواصلوا، فبلغه ذلك، فنهاهم، وقال:"إني لست مثلكم، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني".

أخرجه أبو عوانة (2/ 187/ 2793)، وابن حبان (14/ 324/ 6413)، وأحمد (2/ 253)، وابن أبي شيبة (2/ 330/ 9586)، والطبراني في الأوسط (2/ 218/ 1783)، وأبو بكر الكلاباذي في بحر الفوائد (335)، وابن منده في التوحيد (2/ 192/ 345)، وابن بشران في الأمالي (1550). الإتحاف (14/ 519/ 18134)، المسند المصنف (31/ 530/ 14545)].

• ورواه أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كان

ص: 25

رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الوصال، قلنا: يا رسول الله! إنك تواصل؟ قال: "إني لست مثلكم، إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني".

أخرجه أحمد (2/ 377)، والطبراني في الأوسط (5/ 355/ 5539). [حاشية الإتحاف (14/ 519/ 18134)، المسند المصنف (31/ 530/ 14545)].

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عاصم إلا أبو بكر بن عياش".

قلت: هو مختص به، وهو حديث صحيح.

• خالفه: يحيى بن سلمة، رواه عن عاصم، عن ذكوان أبي صالح، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ".

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 577).

وهو حديث منكر؛ تفرد به يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو: متروك، منكر الحديث [التهذيب (4/ 361)].

• ورواه إسرائيل بن أبي إسحاق [ثقة]، وقيس بن الربيع [ليس بالقوي]:

عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقالوا: إنك تواصل! قال: "إني لست مثلكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".

أخرجه البزار (15/ 391/ 9008)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2088).

وهذا حديث صحيح، إسناده صحيح على شرط البخاري من لدن إسرائيل فمن فوقه.

• وانظر فيما لا يثبت عن أبي صالح: ما أخرجه ابن قانع في المعجم (2/ 195)[وفي إسناده: كامل بن العلاء، وهو: ضعيف، وعبيد بن إسحاق العطار، وهو: منكر الحديث].

هـ- يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد [هو: ابن إسحاق]، عن موسى بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإياكم والوصال"، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست في ذلك مثلكم، إني أظل يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما لكم به طاقة".

أخرجه أحمد (2/ 257)، والبزار (15/ 37/ 8231). [الإتحاف (15/ 625/ 20022)، المسند المصنف (31/ 14547/531)].

وهذا حديث صحيح، وموسى بن يسار هو عم محمد بن إسحاق بن يسار.

و- محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، قالوا: يا رسول الله! إنك تواصل، قال:"إنكم لستم كهيئتي؛ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني"، ولا أعلمه إلا قال:"فاكلفوا من العمل ما تطيقون".

أخرجه البزار (14/ 318/ 7966)، قال: حدثنا محمد بن بشار [ثقة ثبت]، قال: حدثنا يزيد [يعني: ابن هارون، وهو: ثقة متقن]، قال: أخبرنا محمد بن عمرو به.

ص: 26

هكذا رواه بندار محمد بن بشار عن يزيد بن هارون، على الشك في هذه الزيادة موضع الشاهد:"فاكلفوا من العمل ما تطيقون".

•ورواه عن يزيد بن هارون بدونها: الإمام الحافظ الجهبذ أحمد بن حنبل.

أخرجه أحمد في مسنده (2/ 261). [أطراف المسند (8/ 139/ 10657)، المسند المصنف (31/ 526/ 14543)].

• وتابع يزيد بن هارون على هذا الوجه بدون الزيادة:

إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [ثقة ثبت]، وعبد الله بن نمير [ثقة]:

عن محمد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: يا رسول الله فإنك تواصل؟ قال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني".

أخرجه أحمد (2/ 261)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (182). [أطراف المسند (8/ 139/ 10657)، المسند المصنف (31/ 526/ 14543)].

قلت: وعلى هذا فلا تثبت هذه الزيادة من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، فقد رواه الجماعة عن محمد بن عمرو بدونها، والذي زادها شك في ثبوتها، حيث قال: ولا أعلمه إلا قال، ورواية الجزم أولى من رواية الشاك، وقد رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة بدونها أيضاً: ابن شهاب الزهري، وهو أثبت وأحفظ من مائة مثل محمد بن عمرو:

فقد روى الزهري، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين"، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً، ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال:"لو تأخر لزدتكم"، كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا.

أخرجه البخاري (1965 و 6851 و 7299)، ومسلم (1103/ 57). [المسند المصنف (13/ 526/ 4543)][ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في موضعه من السنن في كتاب الصوم، باب الوصال، الحديث رقم (2360)].

ز- عفان بن مسلم [ثفة ثبت]، قال: حدثنا سليم بن حيان [ثقة]، قال: سمعت أبي [حيان بن بسطام]، قال: سمعت أبا هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إياكم والوصال"، مرتين، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست في ذلك مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فلا تكلفوا أنفسكم من العمل ما ليس لكم به طاقة".

أخرجه أحمد (2/ 345)، قال: حدثنا عفان به. [الإتحاف (14/ 468/ 18017)، المسند المصنف (31/ 532/ 14549)].

وهذا إسناد متصل، رجاله ثقات؛ عدا حيان بن بسطام الهذلي: فإنه تابعي سمع أبا هريرة وابن عمر، وتفرد ابنه بالرواية عنه، وذكره ابن حبان في الثقات [الميزان (1/ 622)، التهذيب (1/ 507)]؛ فهو في عداد المجاهيل.

ص: 27

وهو هنا قد روى عن أبي هريرة ما تابعه عليه جماعة من أصحاب أبي هريرة الثقات المكثرين؛ فلم يأت في حديثه هذا بما ينكر عليه؛ فهو حديث صحيح.

وقد سبق الكلام مراراً عن حديث المجهول، وأن حديثه إذا كان مستقيماً فإنه يكون مقبولاً صحيحاً؛ وذلك تحت الحديث رقم (759)، عند حديث هُلْب الطائي [وانظر أيضاً فيما قبلته أو رددته من حديث المجهول: ما تحت الحديث رقم (788)، الشاهد الرابع، حديث أم سلمة، وما تحت الحديث رقم (795)، وما تحت الحديث رقم (825)، والأحاديث الماضية برقم (991 و 1070 و 1100 و 1106)]، والله أعلم.

2 -

حديث عمران بن حصين:

قال الطبراني في الكبير (18/ 228/ 568]: حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني: ثنا شباب العصفري [خليفة بن خياط: صدوق]: ثنا معتمر بن سليمان [ثقة]، قال: سمعت عقبة بن خالد [السكوني: ثقة]، يحدث عن عبد الله بن غالب، عن أبي المليح، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"عليكم من العمل بما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا".

وهذا حديث منكر؛ عبد الله بن غالب هذا تصحف عن عبيد الله بن غالب، وهو: عبيد الله بن أبي حميد: متروك، منكر الحديث، يروي عن أبي المليح عجائب [التهذيب (3/ 8)].

وشيخ الطبراني هو: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن ميمون المديني النائلي، من أهل أصبهان، يعرف بابن نائلة، قال أبو الشيخ: "وكان عنده كتب النعمان عن محمد بن المغيرة، وحديث البصريين والأصبهانيين والكثير،

، وكتبنا عنه من الغرائب ما لم نكتب إلا عنه"، وقال السمعاني: "أحد الثقات" [طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 356)، تاريخ أصبهان (1/ 230)، الأنساب [5/ 450)، تاريخ الإسلام (22/ 100)، توضيح المشتبه (1/ 152)].

• وانظر في المراسيل: ما أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 34343/80).

° فائدة:

قال أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 336): "فكأن المعنى: لا يمل من ثواب أعمالكم حتى تملوا من العمل".

وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (486): "أراد أن الله سبحانه لا يمل إذا مللتم"[وانظر: شرح مشكل الآثار (2/ 118)، المجالسة وجواهر العلم (1358)].

وقال الخطابي في أعلام الحديث (1/ 173): "قوله: "لا يمل الله حتى تملوا"، الملال لا يجوز على الله تعالى بحال، ولا يدخل في صفاته بوجه، وإنما معناه أنه لا يترك الثواب والجزاء على العمل ما لم تتركوه، وذلك أن من ملَّ شيئاً تركه، فكنى عن الترك بالملال الذي هو سبب الترك، وقد قيل: معناه أنه لا يمل إذا مللتم".

ص: 28

وقال في المعالم (1/ 280): "معناه: أن الله سبحانه لا يمل أبداً وإن مللتم، وهذا كقول الشاعر الشنفرى: صَلِيتْ مني هُذيل بحرق ...... لا يمل الشر حتى تملوا

يريد أنه لا يمل إذا ملوا، ولو كان يمل عند ملالهم لم يكن له عليهم فضل، وقيل معناه: أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل، ومعنى يمل: يترك؛ لأن من ملَّ شيئاً تركه وأعرض عنه".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 194): "قوله: "إن الله لا يمل حتى تملوا": معناه عند أهل العلم: إن الله لا يمل من الثواب والعطاء على العمل حتى تملوا أنتم، ولا يسأم من أفضاله عليكم إلا بسآمتكم عن العمل له، وأنتم متى تكلفتم من العبادة ما لا تطيقون لحقكم الملل، وأدرككم الضعف والسآمة، وانقطع عملكم، فانقطع عنكم الثواب لانقطاع العمل، يحضهم صلى الله عليه وسلم على القليل الدائم، ويخبرهم أن النفوس لا تحتمل الإسراف عليها، وأن الملل سبب إلى قطع العمل"[وانظر: بحر الفوائد لأبي بكر الكلاباذي (200)، مشكل الحديث لابن فورك (272)، سنن البيهقي (3/ 17)، المعلم بفوائد مسلم للمازري (1/ 457)، القبس شرح الموطأ (1/ 291)، المسالك في شرح الموطأ (2/ 488)، إكمال المعلم (3/ 147)، مشارق الأنوار (1/ 380)، كشف المشكل (4/ 277)، التوضيح لابن الملقن (3/ 116)، هدي الساري (190)، الفتح لابن حجر (1/ 102) و (10/ 314)، وغيرها كثير].

• وقد أثبت ابن منده فعل الرب جل وعلا؛ فقال في كتابه التوحيد مترجماً لهذا الحديث بقوله: "ذكر الأخبار المأثورة في الملالة، وأن الله عز وجل لا يسأم حتى يسأم عبده".

قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (370): "اعلم أنه غير ممتنع إطلاق وصفه تعالى بالملل؛ لا على معنى السآمة والاستثقال ونفور النفس عنه، كما جاز وصفه بالغضب لا على وجه النفور،

"؛ إلى أن قال: "فإن قيل: معناه: إن الله لا يمل إذا مللتم، ومثل هذا قولهم: إن هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل، وليس المراد بذلك أنه يفتر إذا فترت الخيل، إذ لو كان المراد به هذا ما كان له فضل عليها، لأنه يفتر معها، وإنما المراد به لا يفتر وإن فترت الخيل،

، فعلى هذا يكون معنى الخبر أن الله عز وجل لا يترك الإحسان إلى عبيده، وإن تركوا هم طاعته.

قيل: هذا غلط، لأن الخبر قصد به بيان التحريض على العمل والحث عليه وإن قل، فإذا حمل الخبر على استدامة الثواب مع انقطاع العمل من العامل لم يوجد المقصود بالخبر، لأنه يعول على التفضل ويطرح العمل،

".

قلت: نعم؛ نجري اللفظ على ظاهره، كما قال السلف: أمروها كما جاءت بلا كيف، مع عدم اعتقاد قيام صفة من صفات النقص بالله عز وجل، وإنما هو موصوف بصفات الجمال والجلال والكمال من جميع الوجوه، لا نقص فيها بوجه، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]، فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل.

ص: 29

ويكون المعنى: أنه لا يمل ولا يقطع عنكم الثواب حتى تملوا وتنقطعوا أنتم عن العمل، فماذا انقطع العمل انقطع الثواب، وأن الخبر إنما جاء للتحريض على العمل والحث عليه وإن قلَّ.

وهذا إنما هو من باب المقابلة، كما جاء في نصوص كثيرة جداً، مثل قوله تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} [الأنفال: 30]، وقوله تعالى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)} [البقرة:14]، وقوله تعالى:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} [الطارق: 15، 16]، وغيرها، والله أعلم.

قال ابن رجب في الفتح (1/ 152): "وسمي هذا المنع من الله مللاً وسآمةً مقابلة للعبد على ملله وسآمته، كما قال تعالى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، فسمى إهمالهم وتركهم نسيانًا مقابلةً لنسيانهم له، هذا أظهر ما قيل في هذا.

ويشهد له: أنه قد روي من حديث عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اكلفوا من العمل ما ثطيقون؛ فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل". خرجه بقي بن مخلد؛ وفي إسناده: موسى بن عبيدة"، ثم ذكر أقوالاً أخرى [وانظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين (1/ 174)].

***

1369 -

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن سعد: حدثنا عمي: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال:"يا عثمانُ! أرغبتَ عن سُنَّتي"، قال: لا والله! يا رسول الله! ولكن سُنَّتَك أطلبُ، قال:"فإني أنام وأُصلي، وأَصوم وأُفطِر، وأَنكِحُ النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصُمْ وأَفطِر، وصلِّ ونمْ".

حديث جيد

أخرجه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد؛ وهو عم عبيد الله بن سعد، عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به: أحمد (6/ 268)(12/ 6345/ 26949 - ط المكنز)، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (493)، والبزار (18/ 107/ 49)[التحفة (11/ 580/ 17183)، أطراف المسند (9/ 172/ 11923)، الإتحاف (17/ 384 - حاشية رقم 10)، المسند المصنف (38/ 170/ 18234)].

ولفظه عند أحمد وابن أبي الدنيا والبزار بتمامه: ابن إسحاق، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: دخلت عليَّ خولة [وفي مسند أحمد: خويلة] بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية وكانت عند عثمان بن مظعون،

ص: 30

قالت: فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاذة هيئتها، فقال لي:"يا عائشة! ما أبذَّ هيئة خولة؟ "[وفي مسند أحمد: خويلة]، قالت: فقلت: يا رسول الله! امرأة لا زوج لها؛ يصوم النهار، ويقوم الليل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون، فجاءه، فقال:"يا عثمان! أرغبةً عن سنتي؟ "، قال: فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال:"فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر، وصلِّ ونم".

وفي رواية البزار: "فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لعيتك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً".

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما؛ إلا ابن إسحاق، ولا نعلمه يروى عن عائشة رضي الله عنهما من غير هذا الوجه".

• هكذا رواه إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق:

وخالفه: يونس بن بكير، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء، بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا عثمان! إني لم أومر بالرهبانية، أرغبت عغ سنتي؟! "، قال: لا، يا رسول الله، قال:"إن من سنتي أن أصلي وأنام، وأصوم وأطعم، وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني، يا عثمان إن لأهلك عليك حقاً، ولعينيك عليك حقاً".

قال سعد: فوالله لقد كان أجمع رجال من المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هو أقر عثمان على ما هو عليه أن نختصي فنتبتل.

أخرجه الدارمي (2308 - ط البشائر [الإتحاف (5/ 151/ 5101). المسند المصنف (9/ 54/ 4291)].

قلت: وهذه الرواية وهم؛ ولعله دخل ليونس بن بكير حديث في حديث، أما ابن إسحاق: فيرويه من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وأما الزهري: فيرويه عن عروة عن عائشة، وقيل: مرسلاً، وأما الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص: فإنما هو حديث: ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتلَ، ولو أحلَّه له لاختصينا.

ويونس بن بكير: كوفي، صدوق، تكلم الناس فيه، صاحب غرائب، وقد ضعفه بعضهم مثل النسائي "التهذيب (4/ 466)، الكامل (7/ 178)، الميزان (4/ 477)، التقريب (686)].

والوجه الأول عن ابن إسحاق هو المحفوظ عنه: فإن إبراهيم بن سعد: ثقة حجة، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق، والقول قوله.

ص: 31

وعليه: فإن حديثه هذا: حديث مدني جيد.

• وقد رواه عبد الرزاق، عن معمر بن راشد، عن الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة، قالت: دخلت امرأة عثمان بن مظعون -واسمها خولة بنت حكيم- على عائشة وهي باذَّة الهيئة، فسألتها: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له عائشة، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا عثمان! إن الرهبانية لم تكتب علينا؛ أما لك فيَّ أسوةٌ، فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا".

قال الزهري: وأخبرني ابن المسيب، قال: سمعت سعد بن أبي وقاص، يقول: لقد ردَّ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم -على عثمان بن مظعون التبتلَ، ولو أحلَّه له لاختصينا.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 167/ 10375)، ومن طريقه: الترمذي (1083)، بحديث سعد وحده، وقال:"هذا حديث حسن صحيح". وأبو عوانة (3/ 8/ 3997)(11/ 184/ 4436 - ط الجامعة الإسلامية)[بحديث سعد وحده]، وأحمد (1/ 176)[بحديث سعد وحده]. والطبراني في الكبير (9/ 33/ 8313) و (9/ 38/ 8319)[بالحديثين جميعاً، فرقهما]. [التحفة (3/ 244/ 3856)، الإتحاف (5/ 151/ 5101)، المسند المصنف (9/ 53/ 4290) و (38/ 170/ 18234)].

رواه عن عبد الرزاق بحديث سعد بن أبي وقاص وحده، دون حديث عائشة: أحمد بن حنبل [في المسند][إمام فقيه، ثقة ثبت، حافظ حجة، وهو من قدماء أصحاب عبد الرزاق ممن سمع منه قبل ذهاب بصره. شرح العلل لابن رجب (2/ 753)]، والحسن بن علي بن محمد الهذلي أبو علي الخلال الحلواني [عند الترمذي][ثقة ثبت حافظ، رحل إلى عبد الرزاق وأكثر عنه، خرج له مسلم عن عبد الرزاق حديثاً كثيراً. الإرشاد (2/ 623)، تاريخ دمشق (36/ 183)، تذكرة الحفاظ (2/ 80)، التهذيب (1/ 406)]، ومحمد بن عبد الله بن المُهِلِّ الصنعاني [عند أبي عوانة][صدوق، وهو متأخر السماع، روى عنه أبو عوانة وأبو بكر النيسابوري وابن أبي حاتم وابن الأعرابي. الجرح والتعديل (7/ 305)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2029)، فتح الباب (4699)، التهذيب (3/ 603 و 617)]، وأبو سلمة الفقيه [عند أبي عوانة] [هو: مسَلَّم بن محمد بن عوجر الصنعاني، وسماه أبو عوانة (4274) المسلم بن محمد بن المسلم بن عفان: شيخ لأبي عوانة والطبراني وغيرهما، يروي عن عبد الملك الذماري، لم أقف له على كثير رواية، ولا على من تكلم فيه بجرح أو تعديل. الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (4/ 234/ 2406 - ط الجامعة الإسلامية)(4/ 26/ 2900 - ط الفاروق). المؤتلف للدارقطني (4/ 2001)، فتح الباب (3186)، الإكمال (7/ 243)، توضيح المشتبه (8/ 149)، تهذيب الكمال (18/ 336)]، ومحمد بن إسحاق بن الصباح الصنعاني [عند أبي عوانة] [أكثر عنه أبو عوانة جداً، وروى عنه ابن المنذر (2235 و 2568 و 2724)، وابن الأعرابي (719 - 733)، وصحح له الحاكم في مستدركه (856 و 1261 و 3655 و 3963 - ط الميمان)، وهو

ص: 32

مكثر عن عبد الرزاق، وروى عن محمد بن شرحبيل بن جعشم جامع الثوري، ولم أقف له على ترجمة، وقال ابن حجر بأن سماعه من عبد الرزاق كان متأخراً في حال تغيره. انظر: الأنساب (2/ 299) ترجمة الحيري، التغليق (2/ 39)، الفتح (1/ 83)]. وغيرهم.

ورواه بسياقه تاماً بالحديثين جميعاً: إسحاق بن إبراهيم الدبري [في المصنف، وعند الطبراني][راوي مصنف عبد الرزاق، وهو: صدوق؛ إلا أن سماعه من عبد الرزاق متأخر جداً، وقد سمع منه بعد ما عمي، وروى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة. انظر: اللسان (2/ 36)].

• وتابع الدبري على حديث عائشة وحده موصولاً: أحمد بن منصور بن سيار الرمادي [ثقة حافظ، قال: "سمعت من عبد الرزاق سنة أربع ومائتين"، وكان رفيقاً لابن معين في الرحلة، قلت: قد تأخر سماعه من عبد الرزاق عن أحمد وابن معين، فإنهما قد سمعا من عبد الرزاق سنة (199)، سيرة الإمام أحمد (32)، تاريخ دمشق (5/ 266) و (36/ 180)، البداية والنهاية (14/ 382)، السير (12/ 390)، تاريخ الإسلام (5/ 1012)]، وابن أبي السري [محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن العسقلاني: لين الحديث، كثير الغلط، وكان حافظاً، وثقه ابن معين، توفي سنة (238). الجرح والتعديل (8/ 105)، الثقات (9/ 88)، الأنساب (4/ 191)، تاريخ دمشق (55/ 228)، بيان الوهم (5/ 218)، الميزان (4/ 23)، وقال:"ولمحمد هذا أحاديث تستنكر". التهذيب (3/ 686)]:

عن عبد الرزاق: أبنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، فذكر أحاديث بهذا، ثم قال: وبه: أن امرأة عثمان بن مظعون دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي باذَّة، فقالت: يا رسول الله! زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، فلقي النبيُّ صلى الله عليه وسلم زوجَها، فقال:"يا عثمان! إن لك فيَّ أسوةً، والله لأخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا".

أخرجه البزار (2/ 174/ 1458 - كشف الأستار)، وابن حبان (1/ 185/ 9). [الإتحاف (17/ 205/ 22127)، المسند المصنف (38/ 171/ 18234)].

لفظ أحمد بن منصور، وتابعه العسقلاني بإثبات عائشة في الإسناد، لكن ساقه بلفظ الدبري سواء، دون حديث سعد.

فلم يذكرا عمرة في الإسناد، وغاير أحمد بن منصور في السياق.

• خالفهما فأرسله:

أحمد بن حنبل [إمام فقيه، ثقة ثبت، حافظ حجة، وهو من قدماء أصحاب عبد الرزاق ممن سمع منه قبل ذهاب بصره]، ورواه أيضاً: إسحاق بن إبراهيم الدبري في موضع آخر من المصنف:

عن عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون -أحسب اسمها: خولة بنت حكيم- على عائشة وهي باذَّة الهيئة، فسألتها: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت

ص: 33

عائشة ذلك له، فلقي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عثمانَ، فقال:"يا عثمان! إن الرهبانية لم تكتب علينا؛ أفما لك فيَّ أسوة، فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده".

لفظ أحمد بن حنبل، وزاد الدبري بعده: قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب؛ أنه سمع سعد بن أبي وقاص: لقد ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان التبتلَ، ولو أحلَّه له لاختصينا.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7/ 150/ 12591)، وعنه: أحمد (6/ 226)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 65/ 2506)[وفي سنده سقط نتيجة طمس في المخطوط]، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 255)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (449). [الإتحاف (17/ 205/ 22127)، المسند المصنف (9/ 53/ 4290) و (38/ 171/ 18234)].

قلت: وهذا صورته مرسل؛ فإن عروة يحكيه حكاية، ولا يرويه عن عائشة، وإن كان محفوظاً عن عائشة من وجه آخر.

فالإرسال هو المحفوظ من حديث معمر عن الزهري، فإن أحمد بن حنبل هو أثبت من رواه عن عبد الرزاق، وهو أقدمهم منه سماعاً، وتابعه الدبري على هذا الوجه بالإرسال، وإسقاط عمرة من الإسناد.

• هكذا رواه معمر بن راشد [ثقة ثبت، من أثبت الناس في الزهري]، عن الزهري، عن عروة به مرسلاً.

وخالفه فقصر به، وأعضله، وأغرب في متنه: ابن أبي ذئب، فرواه عن ابن شهاب؛ أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أليس لك في أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى".

أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 394)، وعنه: البلاذري فى أنساب الأشراف (10/ 254).

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك [صدوق، من أصحاب ابن أبي ذئب المكثرين عنه]، عن ابن أبي ذئب به.

قلت: ابن أبي ذئب: ثقة، لكن يضعَّف حديثه في الزهري، ورواية معمر هي الصواب؛ فإنه من أثبت الناس في الزهري؛ وعليه: فلا تثبت هذه الزيادة التي في آخره.

° قلت: والحاصل: فإن عروة لعله قصر به مرة فحكاه حكاية حين حدث به الزهري، وإنما تحمله عروة عن عائشة، فقد حفظه هشام عن أبيه من مسند عائشة، وأنها هي التي حدثته بهذا الحديث.

[انظر تصرف البخاري في مثل ذلك؛ في الجمع بين حديثين في كل منهما علة، إحداهما في الإسناد والأخرى في المتن، أو كلاهما في الإسناد، أو الجمع بين حديث من

ص: 34

أرسله ومن وصله، وعدم إعلال الموصول بحديث المرسل، كمثل ما وقع في حديث بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، وقوله لهما:"يسرا ولا تعسرا": راجع صحيح البخاري (382 - 384 و 663 و 1358 و 1359 و 1626 و 1984 و 3144 و 4320 و 4344 و 5404 و 5405 و 6243 و 7083)] [وقد سبق أن تكلمت عن بعض هذه الأحاديث في موضعها من فضل الرحيم الودود (1/ 74/ 21) و (8/ 57/ 711)][وراجع الأحاديث المتقدمة التي راعيت فيها هذه القاعدة: (1322) و (1340)].

وقد روي حديث عائشة من وجهين آخرين:

أ- فقد روى مؤمل بن إسماعيل [صدوق، سيئ الحفظ]، قال: حدثنا حماد [هو: ابن سلمة]: حدثنا إسحاق بن سويد [بصري، ثقة]، عن يحيى بن يعمر، عن عائشة، قالت: كانت امرأة عثمان بن مظعون تختضب وتطيب، فتركته، فدخلت عليَّ، فقلت لها: أمُشهِدٌ، أم مُغِيبٌ؟ فقالت: مُشهِدٌ كمُغِيبٍ، قلت لها: ما لك؟ قالت: عثمان لا يريد الدنيا، ولا يريد النساء، قالت عائشة: فدخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فلقي عثمان، فقال:"يا عثمان! أتؤمن بما نؤمن به؟ "، قال: نعم، يا رسول الله، قال:"فأسوة مالك بنا؟ ".

أخرجه أحمد (6/ 106). [الإتحاف (17/ 588/ 22851)، المسند المصنف (38/ 172/ 18235)].

فإن قيل: هذا إسناد منقطع؛ فقد قال الدوري: "سمعت يحيى بن معين، قال: يحيى بن يعمر: لم يسمع من عائشة"[تاريخ الدوري (4026)].

وقال الآجري: "قلت لأبي داود: يحيى بن يعمر سمع من عائشة؟ قال: لا"[سؤالات الآجري (716)].

فيقال: المثبت مقدم على النافي؛ فقد ثبت سماع يحيى بن يعمر من عائشة في الأسانيد، واعتمده البخاري في الصحيح [فقد صرح بسماعه منها: عند البخاري (6619)، وأحمد (6/ 64 و 154)] [راجع: فضل الرحيم الودود (3/ 103/ 226)].

وعليه: فهو إسناد بصري لا بأس به، وبه يتقوى حديث ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والله أعلم.

وقد احتملت تفرد مؤمل هنا عن حماد بن سلمة دون بقية أصحابه؛ لأسباب: الأول: أن مؤملاً مكثرٌ يوافق الثقات في أغلب مروياته، وهو من أصحاب حماد أيضاً، والثاني: اْنه لم يسلك فيه الجادة، فلم يقل فيه: حماد عن ثابت، أو: حماد عن حميد، والثالث: أنه حفظ الحديث عن حماد بإسنادين، وساقهما متتابعين، والرابع: أن في الحديث قصة تدل على ضبطه للرواية؛ ولم يأت فيها بما ينكر، والخامس: أنه قد توبع على الوجه الثاني الآتي ذكره، ولم ينفرد بأصل الحديث عن حماد.

ب - فقد رواه مؤمل أيضاً، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا إسحاق بن سويد، عن

ص: 35

أبي فاختة، عن عائشة بمثله، وزاد فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: "أتؤمن بما نؤمن به؟ "، قال: نعم، يا رسول الله، قال:"فاصنع كما نصنع".

أخرجه أحمد (6/ 106). [الإتحاف (17/ 588/ 22851)، المسند المصنف (38/ 172/ 18236)].

• تابعه على هذا الوجه: أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك [ثقة ثبت]، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن سويد: حدثني أبو فاختة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان:"أتؤمن بما نؤمن به؟ "، قال: بلى، قال:"فأسوة ما لك بنا".

أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 257)، وعبد الرحمن ابن منده في المستخرج من كنب الناس (1/ 59).

• لكن هذا الوجه الأخير معلول، خولف فيه حماد بن سلمة:

فقد رواه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة]، والمعتمر بن سليمان [ثقة]:

عن إسحاق بن سويد، عن أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة [وفي رواية المعتمر: ثنا أبو فاختة]؛ أن عثمان بن مظعون أراد أن يجرب: أيستطيع السياحة أم لا؟ قال: ويعدون السياحة: قيام الليل، وصيام النهار، قال: ففعل ذلك حتى ذهلت المرأة عن الخضاب، والطيب، والكحل، ودخلت على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما لك كأنك مُغِيبةٌ؟ قالت: إني مُشهِدةٌ كالمغيبة، فعرفتُ ما تحت ذلك، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك، قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تحت ذلك، فأرسل إلى عثمان بن مظعون، فقال:"ألست تؤمن بما نؤمن به؟ "، قال: بلى يا نبي الله، بأبي وأمي يا رسول الله! قال:"فإن كنت تؤمن بما نؤمن به فأسوة ما لك بنا".

زاد في رواية المعتمر: قال إسحاق: فصادفت يحيى بن يعمر بخراسان فإذا هو يحدث القوم هذا الحديث لم يدع منه حرفاً.

أخرجه الحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1105)، وابن أبي حاتم في التفسير (6/ 1890/ 10031)، وعلقه ابن عبد البر في التمهيد (21/ 225).

وهذا مرسل بإسناد صحيح، وأبو فاختة مولى أم هانئ؛ اسمه: سعيد بن علاقة، وهو: كوفي تابعي، ثقة.

وزيادة المعتمر تدل على ثبوت رواية يحيى بن يعمر التي رواها مؤمل عن حماد، لكنها لا تعلها لكونه لم يسندها حتى يتبين لنا: هل وصلها عن عائشة كما رواه مؤمل، أم أرسلها كما رواه أبو فاختة؟ فتبقى رواية مؤمل الموصولة محفوظة حتى يأتي برهان على إعلالها، والله أعلم.

نعود بعد ذلك لحديث سعد بن أبي وقاص:

• فقد رواه أيضاً متابعاً لعبد الرزاق: عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. هكذا بالإسناد الثاني وحده.

ص: 36