المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌318 - باب قيام شهر رمضان - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٦

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌318 - باب قيام شهر رمضان

‌باب تفريع أبواب شهر رمضان

‌318 - باب قيام شهر رمضان

1371 قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي، ومحمد بن المتوكل، قالا: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر -قال الحسن في حديثه: ومالك بن أنس- عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمةٍ، ثم يقول:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه.

قال أبو داود: كذا رواه عقيل ويونس وأبو أويس: "من قام رمضان"، وروى عقيل:"من صام رمضان وقامه".

* حديث صحيح، وآخره من قول الزهري

* أخرجه من طريق عبد الرزاق؛ فقرن مالكًا بمعمر: أبو داود (1371)، وأبو عوانة (2/ 250/ 3045)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (151)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 355/ 1731)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 469)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 328)، وهو في مصنف عبد الرزاق مقرونًا (4/ 258/ 7719). [التحفة (10/ 436/ 15248) و (10/ 442/ 15270)، الإتحاف (16/ 108/ 20463)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

هكذا رواه عن عبد الرزاق عن معمر ومالك جميعًا: الحسن بن علي الحلواني الخلال [ثقة ثبت حافظ، رحل إلى عبد الرزاق وأكثر عنه، خرج له مسلم عن عبد الرزاق حديثًا كثيرًا. الإرشاد (2/ 623)، تاريخ دمشق (36/ 183)، تذكرة الحفاظ (2/ 80)، التهذيب (1/ 406)]، ومحمد بن يحيى الذهلي [ثقة حافظ إمام، قال فيه أحمد: "قدم على عبد الرزاق مرتين، إحداهما بعدما عمي"]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [راوي مصنف عبد الرزاق، وهو: صدوق؛ إلا أن سماعه من عبد الرزاق متأخر جدًا، وقد سمع منه بعدما عمي، وروى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة. انظر: اللسان (2/ 36)].

ص: 79

* وأخرجه من طريق عبد الرزاق عن معمر وحده: مسلم (759/ 174)، وأبو داود (1371) ، والترمذي (808)، وقال:"هذا حديث صحيح". والنسائي في المجتبى (4/ 156/ 2198)، وفي الكبرى (3/ 126/ 2519) و (3/ 406/ 3409)، وأحمد (2/ 281)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 149/ 1348)، والبيهقي في السنن (2/ 492)، وفي فضائل الأوقات (120)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 348). [التحفة (10/ 442/ 15270)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

هكذا رواه عن عبد الرزاق عن معمر وحده: أحمد بن حنبل [إمام فقيه، ثقة ثبت، حافظ حجة، وهو من قدماء أصحاب عبد الرزاق ممن سمع منه قبل ذهاب بصره. شرح العلل لابن رجب (2/ 753)]، وعبد بن حميد [ثقة حافظ، وهو من طبقة من سمع من عبد الرزاق قبل ذهاب بصره]، والحسن بن علي الحلواني الخلال، وأحمد بن منصور الرمادي [ثقة حافظ]، وأحمد بن يوسف السلمي [ثقة حافظ]، ونوح بن حبيب [القومسي: ثقة]، ومحمد بن المتوكل [ابن أبي السري العسقلاني: لين الحديث، كثير الغلط، وكان حافظًا، وثقه ابن معين، الجرح والتعديل (8/ 105)، الثقات (9/ 88)، الأنساب (4/ 191)، تاريخ دمشق (55/ 228)، بيان الوهم (5/ 218)، الميزان (4/ 23)، التهذيب (3/ 686)].

ولفظه عند مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر على ذلك.

قال الترمذي: "وقد روي هذا الحديث أيضًا: عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم".

* ولم ينفرد به عبد الرزاق عن معمر:

فقد رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فيقول:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". لفظه عند أحمد، لكن ساقه بإسناد عبد الرزاق وعبد الأعلى جميعًا عن معمر.

وقال عبد الأعلى مرة: "إذا دخل رمضان فُتِّحت أبوابُ الجنة، وغُلِّقت أبوابُ الجحيم، وسُلسِلت الشياطينُ". بدل: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

رواه عنه بهذا اللفظ: الحافظ الكبير أبو بكر ابن أبي شيبة.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 129/ 2104)، وفي الكبرى (3/ 95/ 2425)، وأحمد (2/ 281)، وابن أبي شيبة (2/ 164/ 7698) و (2/ 270/ 8869)، وأبو يعلى

ص: 80

(10/ 375/ 5969)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 355/ 1731)[ساقه بإسنادين عن معمر، وجعل اللفظ لعبد الرزاق]. [التحفة (10/ 442/ 15270)، المسند المصنف (31/ 460/ 14483) و (31/ 633/ 14619)].

قال أبو عوانة (2/ 250): "روى ابن المبارك هذا الحديث عن معمر ومالك مرسلًا، ومطرف عن مالك مرسلًا، وأبو أويس عن الزهري مرسلًا، وعثمان بن عمر عن مالك مجودًا، ولم أرهم أخرجوه لحميد".

قلت: عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي: ثقة، بصري، ورواية أهل البصرة عن معمر: فيها اضطراب كثير [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 767)].

* وحديث: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب الجحيم، وسلسلت الشياطين": لا يُعرف من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، وإنما يرويه جماعة منهم الزهري، عن أبي سهيل نافع بن أبي أنس، واسم أبي أنس: مالك بن أبي عامر، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا [أخرجه البخاري (1898 و 1899 و 3277)؛ ومسلم (1079)] [انظر: التحفة (10/ 136/ 14342)، المسند المصنف (31/ 454/ 14482)].

* وقد رواه عبد الرزاق، وابن المبارك [وعنه: نعيم بن حماد، وهو: ضعيف، وقد قرن في روايته بين يونس ومعمر، وقد رواه غيره عن ابن المبارك فلم يقرن بيونس أحدًا]:

عن معمر، عن الزهري، عن ابن أبي أنس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهر رمضان، فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".

أخرجه أحمد (2/ 281)، وعبد الرزاق (4/ 175/ 7384)، وعبد بن حميد (1440)، وأبو عوانة (2/ 167/ 2689)، والدارقطني في العلل (10/ 81/ 1881)، وابن شاهين في فضائل رمضان (22 و 23)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (111)(1130 - المخلصيات)، والواحدي في تفسيره الوسيط (1/ 278). [الإتحاف (16/ 316/ 20849)، المسند المصنف (31/ 454/ 14482)].

وبذا يظهر أنه قد دخل لعبد الأعلى حديث في حديث؛ فإن عبد الرزاق من أثبت الناس في معمر، وأكثرهم عنه رواية، بل هو راويته.

* وقد رواه ابن المبارك [وعنه: حبان بن موسى السلمي المروزي، وهو: ثقة]، عن معمر، عن الزهري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 129/ 2105)، وفي الكبرى (3/ 95/ 2426). [التحفة (10/ 442/ 15270)، المسند المصنف (31/ 460/ 14483)].

ونقل المزي في التحفة عن النسائي قوله: "هذا الكلام الأخير خطأ من حديث أبي سلمة، أرسله ابن المبارك عن معمر".

ص: 81

قلت: وبذا يتقرر أن حديث فضل دخول رمضان ليس من حديث أبي سلمة، وإنما دخل لعبد الأعلى حديث في حديث، والله أعلم.

قال الخطيب في المدرج: "هكذا روى معمر بن راشد هذا الحديث عن الزهري، وآخر المسند المرفوع قوله: "ما تقدم من ذنبه"، وأما الكلام الذي بعده فليس من قول أبي هريرة، وإنما هو من قول الزهري، بين ذلك مالك بن أنس في روايته عنه هذا الحديث".

* قلت: تابع عبدَ الرزاق في روايته عن مالك به هكذا موصولًا، وبيَّن أن آخره من قول ابن شهاب الزهري:

يحيى بن يحيى الليثي، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وعثمان بن عمر بن فارس [وهم ثقات]، ومعن بن عيسى [ثقة ثبت، قال أبو حاتم: "هو أثبت أصحاب مالك"، رواه عنه: أبو موسى إسحاق بن موسى الخطمي الأنصاري، وهو: ثقة متقن]، وقتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]، وأبو مصعب الزهري [ثقة، من أصحاب مالك، وعنه: إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي: صدوق، وسماعه من أبي مصعب صحيح، وهو آخر من روى عن أبي مصعب، سؤالات السهمي (182)، تاريخ بغداد (6/ 135)، السير (15/ 71)، تاريخ الإسلام (24/ 168)، اللسان (1/ 313)]، وعبد الرحمن بن القاسم [ثقة مأمون، من أصحاب مالك، وعنه: الحارث بن مسكين، وهو: مصري ثقة]، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [ثقة حجة، مقدَّم في مالك، وعنه: عثمان بن سعيد الدارمي، وهو: ثقة حافظ، إمام ناقد]، وعبد الله بن وهب [ثقة حافظ، وعنه: أحمد بن صالح، وهو: ثقة حافظ]، وإسحاق بن سليمان الرازي [ثقة]، وغيرهم:

فرووه عن مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمةٍ، فيقول:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".

قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر بن الخطاب.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 170/ 300 - رواية يحيى الليثي)، ومن طريقه: أحمد (2/ 529)(4/ 2234/ 10997 - ط المكنز)، وابن خزيمة (3/ 336/ 2202)[وسقط منه ذكر أبي هريرة](3/ 70/ 2273 - ط التأصيل)[وألحق به ذكر أبي هريرة؛ تبعًا لرواية الخطيب، مع الإتحاف]، وأبو عوانة (2/ 250/ 3042)، وجعفر الفريابي في الصيام (160 و 161)، وابن المظفر في غرائب مالك (104)، والجوهري في مسند الموطأ (148)، والبيهقي في السنن (2/ 492)، وفي الشعب (5/ 484/ 2998)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 96 و 98)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 348) و (1/ 469)، وابن عساكر في المعجم (893). [الإتحاف (16/ 108/ 20463)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

ص: 82

* ورواه عبد الله بن وهب [وعنه: الربيع بن سليمان، وأحمد بن صالح]، وجويرية بن أسماء [ثقة]، وأبو أويس [عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي: ليس به بأس]:

عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وحميد ابني عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

زاد أبو أويس: قال الزهري: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر على ذلك.

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 202/ 1603) و (4/ 156/ 2201) و (8/ 118/ 5026)، وفي الكبرى (2/ 113/ 1298) و (3/ 126/ 2522) و (3/ 406/ 3411)، وأبو عوانة (2/ 249/ 3040)، وأبو علي المدائني في فوائده (14)، والطحاوي في المشكل (6/ 128/ 2354)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (150)، وابن المظفر في غرائب مالك (105)، والدارقطني في العلل (9/ 231/ 1731)، والبيهقي (2/ 492)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 100)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 28 - ط الغرب)، وقاضي المارستان في مشيخته (678). [التحفة (9/ 50/ 12277)، الإتحاف (14/ 461/ 18004)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

* ورواه جويرية بن أسماء مرةً، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة.

قال الزهري: وأخبرني أبو سلمة وحميد، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من تام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

زاد عند الدارقطني والخطيب: قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر الصديق، وصدرًا من خلافة عمر على ذلك.

أخرجه أبو عوانة (2/ 250/ 3043)، والدارقطني [ذكره ابن عبد البر في التمهيد (7/ 99)]. والخطيب في المدرج (1/ 468). [الإتحاف (14/ 461/ 18004)].

* قال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 98): "فجمع جويرية الإسنادين، واقتصر على المعنى، وأسند الحديثين، وهذا مما يقوي رواية يحيى وابن بكير في توصيلهما حديث أبي سلمة عن أبي هريرة".

وقال بعد رواية جويرية الأخيرة: "فرواية جويرية هذه مهذبة مجودة، والله أعلم". ثم ذكر بأن جويرية قد توبع على هذا الجمع بين أبي سلمة وحميد في الإسناد: تابعه عباد بن صهيب [وهو: متروك، منكر الحديث. اللسان (4/ 390)]، وابن وهب، وعنه عن مالك في ذلك أربع روايات؛ إحداها بمثل رواية جويرية، ثم قال:"ورواه الربيع بن سليمان وأحمد بن صالح عن ابن وهب مثل رواية جويرية سواء، وأحمد بن صالح: أثبت الناس في ابن وهب وغيره، والله أعلم".

ص: 83

* قال ابن المظفر: "حديث أبي سلمة في الموطأ: مرسل، وحديث حميد بن عبد الرحمن: متصل".

وقال الجوهري: "هذا في الموطأ عند: ابن عفير، وابن بكير، وأبى مصعب، ويحيى بن يحيى الأندلسي؛ مسندًا عن أبي هريرة.

وأرسله: ابن وهب، ومعن، والقعنبي، وابن القاسم؛ إلا في رواية ابن عمرو، عن الحارث، عن ابن القاسم، فإنه أسنده أيضًا".

وقال الدارقطني في العلل (9/ 228/ 1731): "وروى هذا الحديث مالك، واختلف عنه: فرواه يحيى بن بكير، وعبد الرزاق، وعثمان بن عمر، وإسحاق بن سليمان الرازي، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وخالفهم أصحاب الموطأ، منهم: القاسم، ويحيى بن يحيى، ومعن، وابن القاسم، فرووه عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة مرسلًا.

وخالفهم إسماعيل بن أبي أويس، فرواه عن مالك، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب.

وخالفهم أبو عاصم، وروح بن عبادة، فروياه عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها. وكذلك قال إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن الزهري.

وروى جويرية بن أسماء، وعبد الله بن وهب، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، وحميد بن عبد الرححن، عن أبي هريرة:"من قام رمضان".

قال جويرية في حديثه: عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب، مرسلًا.

ورواه أبو أويس، عن الزهري، عن أبي سلمة، وحميد، عن أبي هريرة، مثل قول ابن وهب، عن مالك".

وقال في اختلاف الرواة عن مالك (67): "كان يرغب في قيام رمضان: ابن بكير وابن عفير وابن يوسف متصلًا، وتابعه جويرية، وأرسله أصحاب الموطأ، وأسنده أيضًا: عثمان بن عمر وعبد الرزاق".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 95): "اختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث، فأما يحيى فرواه هكذا بهذا الإسناد متصلًا، وتابعه: ابن بكير، وسعيد بن عفير، وعبد الرزاق، وابن القاسم في رواية الحارث بن مسكين عنه، على هذا الإسناد، وعلى اتصاله عن أبي سلمة عن أبي هريرة: ذكره النسائي عن عمرو بن علي عن عثمان بن عمر، وذكره الدارقطني قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد بن الواثق بالله: حدثنا أحمد بن الحسن الكرجي: حدثنا إسحاق بن موسى: حدثنا معن، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، فذكره مثل رواية يحيى سواءً، إلى آخر قول ابن شهاب".

ص: 84

ثم قال: "ورواه القعنبي، وأبو مصعب، ومطرف، وابن رافع، وابن وهب، وأكثر رواة الموطأ، ووكيع بن الجراح، وجويرية بن أسماء، كلهم: عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، لم يذكروا أبا هريرة، وساقوا الحديث بلفظ حديث يحيى هذا سواء، وقد روي هذا الحديث عن أبي المصعب في الموطأ مسندًا كرواية يحيى وابن بكير سواء، وهو أصح عن أبي المصعب، والله أعلم".

وقال الخطيب في المدرج (1/ 466): "وأما حديث مالك عن الزهري عن أبي سلمة الذي ذكرنا أنه اختلف عليه في إيصاله وإرساله:

فإن أصحاب الموطأ رووه عنه مرسلًا، لم يذكروا فيه أبا هريرة، ووصله عن مالك: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعثمان بن عمر بن فارس البصري، وإسحاق بن سليمان الرازي، ويحيى بن عبد الله بن بكير المصري، وقالوا كلهم: عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" [وانظر أيضًا: المدرج للخطيب (1/ 349)].

وقال أبو العباس أحمد بن طاهر الداني في الإيماء إلى أطراف أحاديث الموطأ (3/ 307): "هكذا هو هذا الحديث عند يحيى بن يحيى بهذا الإسناد مسندًا، وتابعه على إسناده: ابن بكير، والتنيسي، وابن عفير، وغيرهم.

وأرسله أكثر رواة الموطأ؛ فلم يذكروا فيه أبا هريرة.

ومنهم من قال في إسناده: الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة، وحذف أوله.

وأسنده جويرية عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة وحميد معًا، عن أبي هريرة.

وذكر الدارقطني أن هذا هو المحفوظ عن الزهري، والخلاف في متنه كثير".

قلت: هكذا اختلف النقل عن بعض أصحاب مالك ورواة الموطأ في وصل وإرسال هذا الحديث.

* ويمكن أن يقال بأن هذا الحديث قد وصله عن مالك -حسب كلام الأئمة النقاد، وفيما وقفت عليه من طرق الحديث-: يحيى بن يحيى الليثي، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وعثمان بن عمر بن فارس، ومعن بن عيسى، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وقتيبة بن سعيد، وأبو مصعب الزهري، وعبد الرحمن بن القاسم [من رواية الحارث بن مسكين عنه]، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [من رواية عثمان بن سعيد الدارمي عنه]، وعبد الله بن وهب، وإسحاق بن سليمان الرازي، وسعيد بن كثير بن عفير [مصري، صدوق].

* خالفهم فأرسله:

عبد الله بن مسلمة القعنبي [في المشهور عنه]، وعبد الله بن يوسف التنيسي، ومعن بن عيسى [وعنه: إسحاق بن موسى الأنصاري]، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن يحيى النيسابوري [وفي الراوي عنه جهالة]، وأبو مصعب الزهري [واختلف عليه]، وعبد الرحمن بن القاسم [وعنه: الحارث بن مسكين أيضًا]، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن وهب [وعنه: يونس بن

ص: 85

عبد الأعلى، وهو: مصري ثقة]، وكامل بن طلحة الجحدري [لا بأس به]، ومحمد بن الحسن الشيباني [ضعيف]:

فرووه عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمةٍ، فيقول:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".

قال مالك: قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرًا من خلافة عمر بن الخطاب.

أخرجه مالك في الموطأ (148 - رواية القعنبي)(276 و 277 - رواية أبي مصعب)(240 - رواية الشيباني)، ومن طريقه: ابن أبي شيبة (2/ 165/ 7704)، وأبو عوانة (2/ 249/ 3041)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (149)، وابن المظفر في غرائب مالك (106)، والخطيب في المدرج (1/ 467). [المسند المصنف (31/ 637/ 14619)].

قال أبو أحمد الحاكم بعد أن رواه مرسلًا: "روى هذا الحديث: عبد الله بن وهب وعبد الرزاق بن همام، عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: أخاف أن يكون الوهم وقع في رواية الخطيب لما رواه من طريق معن بن عيسى وابن القاسم؛ فإن ابن عبد البر عدهما فيمن رواه عن مالك متصلًا، وهو برواة الموطأ أبصر من غيره.

والحاصل: فقد اختلفت الرواية عن أصحاب مالك ورواة الموطأ في وصل وإرسال هذا الحديث، ووصلُه محفوظٌ عن الزهري، فلعل مالكًا احتاط فأرسله مرة، بعد أن وصله مرات، فوقع ذلك أيضًا لأصحابه، وعلى هذا: فالوصل محفوظ عن مالك، حيث رواه عنه بالوصل جماعة من ثقات أصحابه المتقنين بأسانيد صحيحة، والله أعلم.

* خالفهم في إسناده فوهم فيه:

أبو عاصم النبيل [الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت][وقد تحرف في بعض المصادر إلى: أبي صالح]:

فرواه عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب في قيام رمضان بغير عزيمة، وقال:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

قال ابن شهاب: وكان الأمر على ذلك حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر.

أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (4/ 12/ 742)، وأبو علي المدائني في فوائده (8)، والخطيب في المدرج (1/ 464).

وقد شنع الخطيب على أبي عاصم في هذا الوهم، فقال في سياق الكلام عن حديث

ص: 86

مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة في امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج في الليلة الثالثة أو الرابعة لما صلى بهم التراويح ليلتين أو ثلاثة [ويأتي تخريجه برقم (1373)]، قال في المدرج (1/ 459):"وأما أبو عاصم فأفرد فصل الترغيب دون ما قبله بإسناد خالفه فيه الجماعة من أصحاب مالك، فكثر بذلك وهمه، وشنع فيه خطؤه".

* قلت: هذا الاختلاف على مالك وأصحابه يدل على أنه كان أحيانًا يقصر به فيرسله، وهو عنده موصول، لا سيما وقد وصله عن الزهري جماعة من ثقات أصحابه؛ فلا يضره إرسال من أرسله عن مالك.

قال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 102): "عمل على توصيل حديث أبي سلمة جماعة أصحاب ابن شهاب، فممن وصله: معمر، وسفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد، وعقيل، وأبو أويس، وتبين بذلك صحة ما رواه يحيى وابن بكير؛ دون ما رواه القعنبي ومن تابعه من أصحاب مالك، وتبين لنا أن القعنبي ومن تابعه لم يقيموا الحديث ولم يتقنوه؛ إذ أرسلوه، وهو متصل صحيح الاتصال، ومما يزيد في ذلك صحةً: أن يحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عمرو، روياه عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا كله يشد ما رواه يحيى".

* قلت: رواه أيضًا عن الزهري بهذا الوجه موصولًا جماعةٌ من ثقات أصحابه المقدَّمين فيه:

أ- رواه عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة؛ أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرمضان: "من قامه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه البخاري (2008)، والبيهقي (2/ 492). [التحفة (10/ 429/ 15223)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

ب- ورواه شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أن أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لرمضان:"من قامه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 156/ 2196)، وفي الكبرى (3/ 125/ 2517) و (3/ 405/ 3407). [التحفة (10/ 418/ 15181)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

وهو حديث صحيح.

ج- ورواه صالح بن كيسان، عن ابن شهاب؛ أن أبا سلمة أخبره؛ أن أبا هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 156/ 2197)، وفي الكبرى (3/ 126/ 2518) و (3/ 404/ 3403)، وأبو عوانة (2/ 249/ 3039). [التحفة (10/ 421/ 15194). الإتحاف (16/ 108/ 20463)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

وهو حديث صحيح.

ص: 87

د- ورواه يونس بن يزيد [وعنه: ابن وهب]، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أن أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان: "من قامه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 155/ 2194)، وفي الكبرى (3/ 125/ 2515) و (3/ 406/ 3408)، وأبو عوانة (2/ 249/ 3038)، وابن حبان (6/ 287/ 2546)، والطحاوي في المشكل (6/ 128/ 2353)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 36)، والبيهقي في السنن (2/ 492)، وفي فضائل الأوقات (40). [التحفة (10/ 461/ 15345)، الإتحاف (16/ 108/ 20463)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

وهو حديث صحيح.

هـ- ورواه ابن أبي ذئب [ثقة، وفي روايته عن الزهري شيء]، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغِّب الناس في قيام رمضان، ويقول:"من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس على القيام.

أخرجه أحمد (2/ 241 و 289). [المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

وهو حديث صحيح؛ لكن أدرج ابن أبي ذئب آخره، ورواه بالمعنى، فقد رواه مالك عن الزهري به؛ ثم قال في آخره: قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر بن الخطاب.

* ذكر ابن عبد البر في التمهيد (7/ 101) أن أصحاب مالك قد أجمعوا على أن لفظ الحديث "من قام رمضان" بالإسنادين جميعًا، يعني: عن أبي سلمة وعن حميد، ثم قال:"وكذلك أدخله مالك في باب قيام رمضان، ويصحح ذلك قوله في حديث أبي سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب في قيام رمضان، وأما أصحاب ابن شهاب فإنهم اختلفوا في اللفظ"، فلم يقل:"من صام رمضان" من أصحاب الزهري، سوى ابن عيينة.

* * *

1372 -

. . . سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

قال أبو داود: كذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة.

* حديث صحيح

أخرجه البخاري (2014)، وأبو عوانة (8/ 288/ 3316 - ط الجامعة الإسلامية)، والنسائي في المجتبى (4/ 156 - 157/ 2202) و (4/ 157/ 2203 و 2204)

ص: 88

و (8/ 117/ 5024)، وفي الكبرى (3/ 127/ 2523 و 2524) و (3/ 128/ 2525) و (3/ 405/ 3404 - 3406)، وابن خزيمة (3/ 195/ 1894) و (3/ 334/ 2199)، وابن الجارود (404)، وأحمد (2/ 241)(3/ 1538/ 7400 - ط المكنز)، والشافعي في السنن المأثورة (167 و 328)[فرقه حديثين]. والحميدي (2/ 186/ 980) و (2/ 216/ 1037)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 724)، والبزار (14/ 273/ 7861)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (251 - مختصره) ، وأبو يعلى (10/ 371/ 5960)، والطحاوي في المشكل (6/ 128 - 129/ 2355)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 968/ 2060)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(182)، وأبو بكر الآجري في الأربعين (28)، وابن المقرئ في المعجم (606)، وابن منده في الإيمان (1/ 388/ 224)، وفي فوائده (43)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (5/ 987/ 1653 و 1654)، والبيهقي في السنن (4/ 304)، وفي المعرفة (3/ 448/ 2619) و (3/ 457/ 2634)، وفي الشعب (6/ 186/ 337) و (6/ 187/ 3338) و (6/ 188/ 3339)، وفي فضائل الأوقات (39)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 104)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده المهروانيات بتخريج الخطيب البغدادي (132) ، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 536)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 217/ 1706)، وغيرهم. [التحفة (10/ 410/ 15145)، الإتحاف (16/ 108/ 20463) و (16/ 109/ 20464)، المسند المصنف (31/ 627/ 14618)].

رواه عن سفيان بن عيينة: علي بن المديني، والحميدي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وإسحاق بن راهويه، وأبو خيثمة زهير بن حرب [وهم ثقات حفاظ أئمة، من أثبت أصحاب ابن عيينة]، وعمرو بن محمد الناقد، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، وعلي بن حرب، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وأحمد بن عبدة الضبي، وقتيبة بن سعيد، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وعبد الجبار بن العلاء، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي [وهم ثقات، من أصحاب ابن عيينة المكثرين عنه]، وإسحاق بن بهلول التنوخي، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، ومخلد بن خالد بن يزيد الشعيري، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف السلمي [وهم ثقات]، وأبو بكر يوسف بن يعقوب النجاحي [وثقه الخطيب. تاريخ بغداد (16/ 448 - ط الغرب)، الأنساب (5/ 457)، تاريخ الإسلام (6/ 236 - ط الغرب)].

وهم اثنان وعشرون رجلًا؛ فيما وقفت عليه من طرق الحديث.

هكذا رواه الجماعة عن ابن عيينة، وقال فيه قتيبة مرة [عند النسائي (2202)]:"من قام شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". وزاد قتيبة [عند النسائي في الكبرى (2523)]: "وما تأخَّر"، في الموضعين.

ص: 89

وزادها في الموضع الأَول: أبو بكر يوسف بن يعقوب النجاحي، عند ابن المقرئ في المعجم، فقال:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر".

وقال ابن المقرئ [في رواية عنه][عند النسائي في الكبرى (3406)]، وأحمد بن عبدة [عند البزار]:"من قام رمضان"، بدل:"من صام رمضان".

ورواه قتيبة أيضًا، وإسحاق بن راهويه [عند النسائي (2203 و 2204)]، والزعفراني،

والنجاحي [عند البيهقي]، عن ابن عيينة بشقه الأول حسب:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه"، وهذا اختصار لا يضر.

* ورواه حامد بن يحيى [هو: حامد بن يحيى بن هانئ البلخي، وهو: ثقة، من أعلم الناس بابن عيينة، لازمه طويلًا، لكن يتفرد أحيانًا عن ابن عيينة بما لا يتابع عليه. انظر مثلًا: فضل الرحيم الودود (9/ 267/ 832)]، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: أنبأنا أبو سلمة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (7/ 105).

قال ابن عبد البر: "هكذا قال حامد بن يحيى عنه: "قام رمضان"، ولم يقل: صام، وزاد: ما تأخر، وهي زيادة منكرة في حديث الزهري".

* قلت: زيادة "وما تأخر"؛ زيادة شاذة؛ لا تثبت من حديث سفيان بن عيينة، فقد أتى بها: قتيبة بن سعيد وحامد بن يحيى البلخي ويوسف بن يعقوب النجاحي، دون بقية أصحاب ابن عيينة على كثرتهم ممن روى عنه هذا الحديث، لا سيما وفيهم أثبت الناس فيه، وأرواهم عنه؛ مثل: ابن المديني، والحميدي، والشافعي، وأحمد، وعمرو بن علي الفلاس، وابن راهويه، وزهير بن حرب، وغيرهم، مما يقرب من عشرين رجلًا.

ثم إنه قد رواه عن الزهري جماعةٌ من متقني أصحابه المقدَّمين فيه؛ فلم يأت أحد منهم بهذه الزيادة، فقد رواه عن الزهري: مالك بن أنس، ومعمر بن راشد، وعقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كيسان، ويونس بن يزيد، وابن أبي ذئب [وقد تقدم ذكر هذه الطرق في الحديث السابق].

وللعلامة الألباني -رحمه الله تعالى- بحث ماتع في بيان شذوذ زيادة: "وما تأخر" في السلسلة الضعيفة (11/ 134/ 5083) أفاد فيه وأجاد، فليراجع.

* وقد قصر به مرةً أبو خيثمة زهير بن حرب، فقال: حدثنا سفيان به، فأوقفه؛ وهو مرفوع.

أخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (12).

وقد رواه عن أبي خيثمة به مرفوعًا: أبو يعلى (5960)، ولعل التقصير فيه من ابن أبي الدنيا، والله أعلم.

ص: 90

وقال أبو نعيم: "رواه ابن علية، وخالد بن الحارث، ومعاذ بن هشام، عن هشام".

* قلت: خالفهم: خالد بن الحارث، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، ووهب بن جرير [وهم ثقات]:

قالوا: حدثنا هشام به، لكن قالوا:"من قام رمضان"، بدل:"من صام رمضان".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 157/ 2206) و (8/ 118/ 5027)، وفي الكبرى (3/ 128/ 2527) و (3/ 403/ 3399)، والدارمي (1928 - ط البشائر)، وأحمد (2/ 473). [التحفة (10/ 488/ 15424)، المسند المصنف (31/ 627/ 14617)].

والأقرب عندي أنه محفوظ عن هشام باللفظ الأول: "من صام رمضان"؛ فقد رواه عنه به هكذا جماعة من الثقات الحفاظ، وفيهم ابنه معاذ، وأهل بيت الرجل أعلم به من الغرباء، وهي الرواية المشتهرة عن هشام، فقد أخرجها الشيخان، واستشهد بها أبو داود، كما قد توبع هشام عليه بلفظ الصيام.

* ولم ينفرد به الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير:

* فرواه عفان بن مسلم [ثقة ثبت]: حدثنا همام: حدثنا يحيى بن أبي كثير: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدَّموا بين يدي رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان صيامه فليصمه".

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، فإنه يُغفَر له ما تقدَّم من ذنبه".

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، فإنه يُغفَر له ما تقدَّم من ذنبه"، قال عفان: وحدثنا أبان، في هذا الإسناد بمثله.

أخرجه أحمد (2/ 347 و 348 و 408). [المسند المصنف (31/ 627/ 14618)].

* وتابع عفان عليه دون ذكر حديث أبان: أبو عمر حفص بن عمر الحوضي [ثقة ثبت]، قال: حدثنا همام به، بطرفيه الثاني والثالث موضع الشاهد.

أخرجه أبو الحسين ابن بشران في الأول من فوائده (63 و 64)(635 و 636 - فوائد ابن منده).

وطرفه الأول في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: متفق عليه [البخاري (1914)، مسلم (1082)].

* وهم في إسناده فسلك فيه الجادة والطريق السهل:

عمرو بن عاصم الكلابي، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره بأطرافه الثلاث، وفيه:"من صام رمضان".

أخرجه البزار (15/ 229/ 8655)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (62 و 63)، وأبو طاهر المخلص في جزء فيه سبعة مجالس من أماليه (86)(3180 - المخلصيات).

ص: 91

قال ابن أبي حاتم في العلل (764): "سألت علي بن الحسين بن الجنيد، وذكرت له حديثاً رواه عمرو بن عاصم الكلابي، عن همام، عن قتادة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تقدموا شهر رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه". وسمعته يقول:"من صام - أو: قام - شهر رمضان إيماناً واحتساباً فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه".

فسمعت ابن جنيد يقول: إنما هو: همام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الدارقطني: "غريب من حديث قتادة عن أبي سلمة، تفرد به: عمرو بن عاصم عن همام".

قلت: هو حديثٌ غلطٌ على قتادة، تفرد به عن همام: عمرو بن عاصم الكلابي، وهو: صدوق، وليس بذاك الحافظ الذي يعتمد على حفظه، ولا بالذي يقدم على غيره عند المخالفة، بل غيره مقدَّم عليه في همام، وله حديث منكر تقدم معنا تحت الحديث رقم (412)، خالف فيه عمرو بن عاصم أصحاب همام الحفاظ، وأعل حديثه الترمذي، وحمَّله تبعة الوهم فيه، كما أن الترمذي استغرب له أيضاً أحاديث ليس في أسانيدها من يُحمل عليه غير عاصم، انظر: الجامع (2559 و 3511)، وانظر أيضاً في أوهام عمرو بن عاصم: سنن النسائي (9/ 218/ 5374)، علل ابن أبي حاتم (1364)، علل الدارقطني (8/ 199/ 1510)[التهذيب (3/ 282)، الميزان (3/ 269)، تاريخ بغداد (12/ 202)، [راجع ما تقدم في فضل الرحيم (5/ 97/ 412) و (6/ 430/ 570)].

وقد خالفه اثنان من الثقات الأثبات: عفان بن مسلم، وأبو عمر حفص بن عمر الحوضي، قالا: حدثنا همام: حدثنا يحيى بن أبي كثير: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة به مرفوعاً، وهو المحفوظ.

* ورواه شيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة، من أثبت أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني أبو سلمة؛ أن أبا هريرة أخبره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه أحمد (2/ 423). [المسند المصنف (31/ 627/ 14618)].

هكذا رواه عن شيبان: حسن بن موسى الأشيب [ثقة].

وخالفه: أبو نعيم [الفضل بن دكين: ثقة ثبت]، وعبيد الله بن موسى [ثقة]، قالا: ثنا شيبان به؛ إلا أنهما قالا فيه: "من صام رمضان"، بدل:"من قام رمضان".

أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسنده (38).

قلت: وروايتهما أشبه بالصواب، وهي متابعة قوية لرواية الشيخين عن هشام الدستوائي.

ص: 92

* ورواه محمد بن يوسف الفريابي، وعقبة بن علقمة المعافري، ومبشر بن إسماعيل الحلبي، وبشر بن بكر التنيسي [وهم ثقات، من أصحاب الأوزاعي]، وبقية بن الوليد [صدوق، مشهور بالتدليس]، ومحمد بن كثير [هو: ابن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، صاحب الأوزاعي، وهو: صدوق كثير الغلط]، ومحمد بن بشر التنيسي [قال الحاكم أبو عبد الله:"ليس بالقوي عندهم". سؤالات السجزي (248)، تاريخ دمشق (52/ 152)، اللسان (7/ 13)]، وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [كاتب الأوزاعي، ليس به بأس، ذهب هشام بن عمار إلى القول بأنه أثبت أصحاب الأوزاعي][وعنه: هشام بن عمار، وهو: صدوق، تغير لما كبر، وكان يتلقن]:

عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 404/ 3400 - 3402)(4/ 491 و 492/ 3599 - 3601 - ط التأصيل) و (4/ 497/ 3614 و 3615 - ط التأصيل)، وأبو عوانة (2/ 168/ 2694)، والبزار (15/ 197/ 8589)، وأبو يعلى (10/ 394/ 5997)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (3/ 301/ 627)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 969/ 2062)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (31 - رواية أبي بكر الطوسي)، وجعفر الخلدي في الأول من فوائده (37)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 371/ 1798)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 78)[التحفة (10/ 480/ 15398)، الإتحاف (16/ 108/ 20463)، المسند المصنف (31/ 627/ 14618)].

تنبيه: اختلفت بعض نسخ السنن الكبرى للنسائي في ذكر شيخ الأوزاعي في الموضع الثالث (3402)(3601 و 3614 - ط التأصيل) من طريق بقية عن الأوزاعي، فوقع في رواية ابن حيويه والتحفة: عن يحيى، بينما وقع في رواية ابن الأحمر وابن سيار: عن الزهري، والأقرب عندي أنه وهم؛ فإن الحديث إنما اشتهر عند أصحاب الأوزاعي عنه عن يحيى بن أبي كثير، وليس عن الزهري.

وهذه أيضاً متابعة قوية لرواية الشيخين عن هشام الدستوائي.

* ورواه عمر بن عبد الواحد [السلمي، أبو حفص الدمشقي: ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، وهشام بن عمار [صدوق، تغير لما كبر، وكان يتلقن، والراوي عنه: إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان، أبو يعقوب الأنماطي، وهو: ثقة. سؤالات السهمي (189)، تاريخ بغداد (6/ 384)، تاريخ دمشق (8/ 104). لكن هشام بن عمار إنما يروي عن الأوزاعي بواسطة، وهذا الحديث إنما يرويه هشام عن ابن أبى العشرين، كما تقدم قبل قليل]:

عن الأوزاعي به؛ إلا أنهما قالا: "من قام رمضان"، بدل:"من صام رمضان".

ص: 93

أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسنده (19)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 103). قلت: ورواية الجماعة أولى بالصواب.

* وهم فيه على الأوزاعي، فأوقفه: شعيب بن إسحاق [الدمشقي، أصله بصري: ثقة]، قال أبو حاتم: "يروون هذا الحديث من حديث الأوزاعي مرفوعاً [علل الحديث لابن أبي حاتم (717].

* ورواه علي بن المبارك [ثقة، من أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن اْبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان

" فذكره.

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (3/ 968/ 2061)[وفي المتن بعض الخلل، وقد جمع أسانيد على متن واحد].

ورواه معاوية بن سلام [ثقة، سمع يحيى بن أبي كثير]، وأبو إسماعيل القناد [إبراهيم بن عبد الملك: صدوق، يخطئ ويهم على قتادة وغيره، وقد ضعفه ابن المديني وابن معين. سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (9 و 62)، الضعفاء الكبير (1/ 57)، الميزان (1/ 46)، إكمال مغلطاي (1/ 247)، التهذيب (1/ 75)]:

عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام شهر رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 157/ 2207)، وفي الكبرى (3/ 128/ 2528)(4/ 157/ 2723 - ط التأصيل)، وابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (10)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (25)(640 - المخلصيات)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 78). [التحفة (10/ 486/ 15418)، المسند المصنف (31/ 627/ 14618)].

كذا رواه عن معاوية بن سلام: مروان بن محمد الطاطري [دمشقي، ثقة].

* وخالفه: يحيى بن بشر الحريري [ثقة]، ويحيى بن صالح الوحاظي [حمصي، ثقة]:

قالا: ثنا معاوية بن سلام به؛ إلا أنهما قالا: "من صام رمضان".

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 93/ 2823)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 78).

قلت: وهو الأقرب للصواب.

ورواه أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسنده (29)، والطبراني في الأوسط (8/ 344/ 8821).

ص: 94

قلت: أيوب بن عتبة: حديث أهل اليمامة عنه مستقيم، وفي حديث أهل العراق عنه ضعف [التهذيب (1/ 206)، إكمال مغلطاي (2/ 338)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1212)، وتقدم تفصيل القول فيه عند الحديث المتقدم برقم (293)]، وهذا الحديث قد رواه عنه: خلف بن الوليد العتكي البغدادي [ثقة. الجرح والتعديل (3/ 371)، الثقات (8/ 227)، تاريخ بغداد (8/ 320)]، وأسد بن موسى [ثقة، مصري].

* والحاصل من طرق حديث يحيى بن أبي كثير: أن المحفوظ فيه قول من قال: "من صام رمضان"؛ حيث رواه عنه به هكذا: هشام الدستوائي [في المحفوظ عنه]، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي [في المحفوظ عنه]، والأوزاعي [في المحفوظ عنه]، وعلي بن المبارك، ومعاوية بن سلام [في المحفوظ عنه]، وأيوب بن عتبة.

فظهر بذلك صحة مسلك الشيخين في تصحيح حديث هشام عن يحيى، بلفظ:"من صام رمضان".

وكذلك صحة صنيع البخاري بتصحيح حديث ابن عيينة عن الزهري، بلفظ:"من صام رمضان"، والله أعلم.

ب - ورواه محمد بن فضيل، قال: حدثنا يحيى بن سعيد [الأنصاري]، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه البخاري (38)، والنسائي في المجتبى (4/ 157/ 2205)، وفي الكبرى (3/ 128/ 2526)، وابن ماجه (1641)، وابن حبان (8/ 218 - 219/ 3432)، وأحمد (2/ 232)، وابن أبي شيبة (2/ 271/ 8875)، وابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (14) والبزار (15/ 246/ 8701)، وأبو يعلى (10/ 336/ 5930)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(183)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (38)، والدارقطني في الأفراد (2/ 361/ 5665 - أطرافه)، وابن منده في الإيمان (1/ 389/ 226)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 103). [التحفة (10/ 464/ 15353)، الإتحاف (16/ 108/ 20463)، المسند المصنف (31/ 627/ 14618)].

ونقل المزي في التحفة عن النسائي قوله: "هذا حديث منكر من حديث يحيى، لا أعلم أحداً رواه غير ابن فضيل"، ولم أجده في المطبوع من الصغرى ولا الكبرى.

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة؛ إلا ابن فضيل".

وقال الدارقطني: "تفرد به محمد بن فضيل عن يحيى عنه".

قلت: هو حديث صحيح، غريب من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، مشهور من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة؛ فلا يبعد أن يكون حفظه ابن فضيل، وهو: كوفي، ثقة

ص: 95

مشهور، واسع الرواية، محتج به في الصحيح [راجع مكانة ابن فضيل، واحتماله لتعدد الأسانيد، وضبطه لمرويات الأعمش وغيره: الحديث السابق برقم (1354)، [وراجع أيضاً: فضل الرحيم الودود (5/ 387/ 459) و (6/ 109/ 518) و (6/ 626/ 600) و (10/ 114/ 923)، وغيرها].

وهذا الحديث قد رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً: الزهري، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة، فلم يأت فيه ابن فضيل بما ينكر عليه؛ سوى تفرده به عن إمام أهل المدينة يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحتمل في مثل هذا، والله أعلم.

وانظر فيمن وهم في متنه على ابن فضيل: علل الدارقطني (9/ 231/ 1731).

ج - ورواه محمد بن بشر العبدي، وعبدة بن سليمان، ويزيد بن هارون، والنضر بن شميل، وإسماعيل بن جعفر، وأنس بن عياض، وحماد بن سلمة، وعمر بن علي بن عطاء المقدمي، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، والقاسم بن معن، وأسامة بن زيد الليثي [وهم ثقات، بعضهم أثبات]، وثابت بن يزيد الأحول [ثقة ثبت، وعنه: غسان بن الربيع، وهو: صالح في المتابعات، وقد ضُعِّف. تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (199)]، وغيرهم:

عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه الترمذي (683)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه، مختصر الأحكام" (3/ 298/ 625)، وابن ماجه (1326)، وابن حبان في الصحيح (8/ 437/ 3682)، وفي الثقات (3/ 503)، وأحمد (2/ 385 و 503)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (147)، والطحاوي في المشكل (6/ 129/ 2356 - 2358)، وأبو طاهر المخلص في الخامس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (57) (937 - المخلصيات)، وتمام في الفوائد (947)، وأبو القاسم الحرفي في الأمالي (64)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 168) [وفيه زيادة: "وما تأخر"، وهي منكرة]. والبيهقي في الشعب (6/ 190/ 3341)، وفي فضائل الأوقات (41)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 103)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 218/ 1707)، وابن عساكر في المعجم (1605) [وفيه زيادة: "وما تأخر"، وهي منكرة]. [التحفة (10/ 382/ 15038) و (10/ 385/ 15051) و (10/ 396/ 15091)، الإتحاف (16/ 108/ 20463)، المسند المصنف (31/ 627/ 14618)].

قال الترمذي والبغوي: "هذا حديث صحيح"[وفي التحفة: "حسن صحيح"].

وهم في إسناده ومتنه على أبي سلمة:

النضر بن شيبان، ذكر أنه لقي أبا سلمة بن عبد الرحمن، فقال له: حدثني بأفضل

ص: 96

شيء سمعته يذكر في شهر رمضان، فقال أبو سلمة: حدثني عبد الرحمن بن عوف، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر شهر رمضان، ففضَّله على الشهور، وقال:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". لفظ نصر بن علي الجهضمي عند النسائي، ولفظه عند أحمد:"أن رمضان شهر افترض الله عز وجل صيامه، وإني سننت للمسلمين قيامه، فمن صامه إيماناً واحتساباً خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه".

ولفظ القاسم بن الفضل عن النضر به [عند النسائي، وابن أبي خيثمة، وغيرهما]: قال: لقيت أبا سلمة بن عبد الرحمن بمكة، فقلت: حدثني حديثاً [سمعته من أبيك]، سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبيك أحد، في شهر رمضان، قال: نعم، حدثني أبي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله فرض [عليكم] [صيام] شهر رمضان، وسننتُ [لكم] قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 158/ 2208 - 2210)، وفي الكبرى (3/ 129/ 2529 - 2531)، وابن ماجه (1328)، وأبو الحسن القطان في زياداته على السنن (1328 م)، وابن خزيمة (3/ 335/ 2201)(3/ 70/ 2272 - ط التأصيل)، وأحمد (1/ 191 و 194)، والطيالسي (1/ 181/ 221)، وابن أبي شيبة (2/ 165/ 7705) و (2/ 270/ 8870)، وعبد بن حميد (158)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 139/ 2088 - السفر الثالث]، وأحمد بن محمد بن عيسى البرتي في مسند عبد الرحمن بن عوف (19 و 20)، وابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (17)، والبزار (3/ 257/ 1048)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (213 - مختصره)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (4/ 72 - 74/ 1290 - 1293)، وجعفر الفريابي في الصيام (144 - 148)، وأبو يعلى (863 - 865)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 115/ 2614 و 2615)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (1/ 273/ 241)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(190 و 191)، والدارقطني في الأفراد (1/ 138/ 557 - أطرافه)، وابن شاهين في فضائل رمضان (28)، والمؤمل بن أحمد الشيباني في فوائده (31)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (68)، وأبو محمد الخلال في المجالس العشرة (25)، وأبو القاسم الحرفي في الأمالي (61 و 62)، والبيهقي في الشعب (6/ 190/ 3342) و (6/ 191/ 3343)، وفي فضائل الأوقات (42)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1998/ 1641)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 86/ 44) و (2/ 283/ 1829)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 236)، والضياء في المختارة (3/ 105 و 106/ 906 - 908)، وغيرهم. [التحفة (6/ 500/ 9729)، الإتحاف (10/ 628/ 13516)، المسند المصنف (19/ 450/ 9024)].

قال ابن أبي خيثمة (2087): "وسئل يحيى بن معين: عن حديث النضر بن شيبان،

ص: 97

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه؟ قال: ليس حديثه بشيء" [ونقله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 476)].

وقال البخاري في التاريخ الكبير (8/ 88): "النضر بن شيبان الحداني: سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً"، روى عنه نصر بن على، وقال الزهري، ويحيى بن أبي كثير، ويحيى بن سعيد الأنصاري: عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أصح".

وقال النسائي: "هذا خطأ، والصواب: أبو سلمة، عن أبى هريرة".

وقال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 119): "وهذا خطأ؛ لم يسمع أبو سلمة من أببه شيئاً".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن عوف، إلا بهذا الإسناد، من حديث النضر بن شيبان، ورواه عن النضر غير واحد".

وقال ابن خزيمة: "أما خبر: "من صامه وقامه

" إلى آخر الخبر: فمشهور من حديث. أبي سلمة عن أبي هريرة، ثابت لا شك ولا ارتياب في ثبوته أوَّلَ الكلام، وأما الذي [يُكره] ذكره: النضر بن شيبان عن أبي سلمة عن أبيه، فهذه اللفظة معناها صحيح من كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لا بهذا الإسناد، فإني خائف أن يكون هذا الإسناد وهماً، أخاف أن يكون أبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئاً، وهذا الخبر لم يروه عن أبي سلمة أحد أعلمه غير النضر بن شيبان".

وسئل الدارقطني في العلل (4/ 283/ 656) عن حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه ايماناً واحتساباً

" الحديث؟

فقال: "يرويه النضر بن شيبان، عن أبي سلمة، عن أبيه.

حدث به عنه نصر بن علي الجهضمي الأكبر، وأبو عقيل الدورقي بشير بن عقبة" والقاسم بن الفضل الحداني.

ورواه الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه:"وسننت للمسلمين قيامه"، وإنما ذكر فيه: فضل صيامه، وحديث الزهري أشبه بالصواب".

وقال في الأفراد: "تفرد به: النضر بن شيبان عن أبي سلمة عن أبيه، حدث به عنه مع القاسم بن الفضل: نصر بن علي الجهضمي الأكبر، وأبو عقيل الدورقي بشير بن عقبة"[وانظر أيضاً: المؤتلف للدارقطني (4/ 2211 - 2212)].

وقال المؤمل الشيباني: "هذا حديث غريب من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، لا أعلم حدث به غير النضر بن شيبان".

وقال البيهقي: "فرواية محمد بن عمرو وغيره، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أصح".

ص: 98

وقال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 62): "وقال يحيى بن معين: لم يسمع أبو سلمة من أبيه، ولا من طلحة بن عبيد الله، وضعَّف حديث النضر بن شيبان"، قال ابن عبد البر:"توفي أبوه سنة ثنتين وثلاثين قبل وفاة عثمان بأربع سنين أو نحوها".

ونقل الخطيب في المتفق (1642) بإسناده إلى عبد الرحمن بن يوسف بن خراش، قال:"النضر بن شيبان: لا يعرف إلا في هذا الحديث".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 252): "أبو سلمة: لم يسمع من أبيه شيئاً، وضعفوا حديث النضر بن شيبان هذا"، وضعفه أيضاً في الأحكام الكبرى (2/ 388).

وانظر كلام ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (3/ 443 - 445) عن تضعيفه للحديث، ووجه نقده له.

قلت: هو حديث منكر؛ وإثبات السماع فيه خطأ محض؛ فقد قال ابن معين والبخاري ويعقوب بن سفيان وابن خراش عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: "لم يسمع من أبيه شيئاً"، وقال أبو بكر محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع:"وقول أبي سلمة: سمعت أبي، غلط؛ لأن الحفاظ وأصحاب الحديث ذكروا أن أبا سلمة لم يسمع من أبيه، وأن عبد الرحمن مات وأبو سلمة ذو أربع سنين"[تاريخ ابن معين للدوري (3/ 80/ 332)، المراسيل (947)، أخبار القضاة (1/ 48)، تاريخ دمشق (29/ 296)، تحفة التحصيل (180)]، والنضر بن شيبان هذا قد ضعفه يحيى بن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"وكان ممن يخطئ"، والأفجع من ذلك قوله في المشاهير:"من جلة البصريين ومتقنيهم؛ إلا أنه كان يهم في الشيء بعد الشيء" [الثقات (7/ 533)، المشاهير (1232)، الميزان (4/ 258)، التهذيب (4/ 223)؛ فلم يصب ابن حبان في ذلك؛ وقد انتقده على ذلك ابن حجر في التهذيب؛ فقال:"وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان ممن يخطئ، قلت: فإذا كان أخطأ في حديثه وليس له غيره؛ فلا معنى لذكره في الثقات"، ثم استطرد في الكلام محاولاً الدفاع عن ابن حبان؛ إلى أن قال أخيراً:"فتضعيف النضر على هذا متعيِّن"، قلت: إذ ليس للنضر غير هذا الحديث الواحد؛ كما قال ابن خراش، ثم هو قد خالف فيه أئمة الحديث وحفاظ زمانهم: الزهري ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري، ثم إنه قد أتى فيه بقصة باطلة، فالأولى أن يقال في مثله: منكر الحديث، وقد ردَّ حديثه هذا: ابن معين، والبخاري، والنسائي، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني.

ولابن شهاب فيه إسناد آخر عن أبي هريرة:

فقد روى الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن يوسف، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن القاسم، وأبو مصعب الزهري، وعبد الله بن وهب [وعنه: يونس بن عبد الأعلى]، وعبد الرزاق بن همام،

ص: 99

وإسحاق بن عيسى الطباع، وقتيبة بن سعيد، وإسماعيل بن أبي أويس، وروح بن عبادة، وكامل بن طلحة، وعتيق بن يعقوب الزهري:

عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

زاد عبد الله بن يوسف، ويحيى بن يحيى النيسابوري: قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه.

وقال روح [عند البزار]: "من صام رمضان"؛ فأخطأ.

أخرجه مالك في الموطأ (148 م- رواية القعنبي)(278 - رواية أبي مصعب الزهري)(29 - رواية ابن القاسم بتلخيص القابسي)، ومن طريقه: البخاري (37 و 2009)، ومسلم (759/ 173)، وأبو عوانة (2/ 250/ 3044)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 354/ 1730)، وأبو داود (9/ 50/ 12277 - التحفة)[عزاه له في الصوم والصلاة، عن قتيبة عن مالك به]. والنسائي في المجتبى (3/ 201/ 1602) و (4/ 156/ 2199 و 2200) و (8/ 117/ 5025)، وفي الكبرى (2/ 113/ 1297) و (3/ 126/ 2520 و 2521) و (3/ 406/ 3410)، وابن خزيمة (3/ 336/ 2203)، وأحمد (2/ 486)، والشافعي في السنن (168)، وعبد الرزاق (4/ 258/ 7720)، والبزار (14/ 364/ 8071)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (213 - مختصره)، والحسن بن رشيق العسكري في جزئه (25)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (145)، والجوهري في مسند الموطأ (154)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (5/ 987 - 988/ 1655 و 1656)، والبيهقي في السنن (2/ 492)، وفي المعرفة (2/ 302/ 1362)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 98)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 279 - ط الغرب)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 116/ 988)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 367/ 1785). [التحفة (9/ 50/ 12277)، الإتحاف (14/ 461/ 18004)، المسند المصنف (31/ 636/ 14619)].

قال البزار: (وهذا الحديث يرويه ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ولا نعلم أحداً رواه عن الزهري عن حميد إلا مالك".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 96): "وعند القعنبي ومطرف والشافعي وابن نافع وابن بكير وأبي مصعب: عن مالك حديثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مسنداً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، هكذا رووا هذا الحديث الآخر في الموطأ بهذا اللفظ متصلاً مسنداً، ليس فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، كما في حديث أبي سلمة، وليس عند يحيى في الموطأ حديث حميد هذا أصلاً، وعند الشافعي عن مالك: حديث حميد: "من قام رمضان"، وليس عنده حديث أبي سلمة".

ص: 100

ثم ذكر أن إسماعيل بن أبي أويس أدرج في حديث حميد قصة الترغيب، ثم قال:"وهو عندي تخليط وغلط منه؛ لأنه أدخل إسناد حديث في متن آخر، ولم يتابع على ذلك".

* وانظر فيمن وهم في متنه: ما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 110)، وانظر: لسان الميزان (5/ 340).

ومنهم من رواه عن مالك؛ فجمع فيه بين الإسنادين:

رواه عبد الله بن وهب [وعنه: الربيع بن سليمان، وأحمد بن صالح]، وجويرية بن أسماء [ثقة]، وأبو أويس [عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي: ليس به بأس]:

عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وحميد ابني عبد الرحمن بن عوف، عن أبي "هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "من قام رمضان ايماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

زاد أبو أويس: قال الزهري: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر على ذلك.

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 302/ 1603) و (4/ 156/ 2201) و (8/ 118/ 5026)، وفي الكبرى (2/ 113/ 1298) و (3/ 126/ 2522) و (3/ 406/ 3411)، وأبو عوانة (2/ 249/ 3040)، وأبو علي المدائني في فوائده (14)، والطحاوي في المشكل (6/ 128/ 2354)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (150)، وابن المظفر في غرائب مالك (105)، والدارقطني في العلل (9/ 231/ 1731)، والبيهقي (2/ 492)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 100)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 28 - ط الغرب)، وقاضي المارستان في مشيخته (678). [التحفة (9/ 50/ 12277)، الإتحاف (14/ 461/ 18004)، المسند المصنف (31/ 633/ 14619)].

قلت: وهذان الإسنادان محفوظان عن ابن شهاب الزهري.

وممن وهم في إسناد هذا الحديث على الزهري:

أ - روى إسحاق بن راشد [ثقة، ليس بذاك في الزهري]، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب الناسَ في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمةِ أميرٍ فيه، فيقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، كان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 154/ 2192)، وفي الكبرى (3/ 124/ 2513) و (3/ 407/ 3412)، والطبراني في الأوسط (5/ 153/ 4922) و (9/ 120/ 9299)[التحفة (11/ 342/ 16411)، المسند المصنف (37/ 272/ 17879)].

ص: 101

قال النسائي: "إسحاق بن راشد: ليس بذاك القوي في الزهري، وموسى بن أعين: ثقة"، يعني: راويه عن إسحاق.

وقال المزي في التحفة حكاية عن النسائي: "ذكره في جملة أحاديث، ثم قال: وكلها عندي خطأ، وينبغي أن يكون: "وكان يرغبهم" من كلام الزهري، ليس عن عروة عن عائشة، وإسحاق بن راشد: ليس في الزهري بذاك القوي، وموسى بن أعين: ثقة".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسحاق بن راشد إلا موسى بن أعين".

قلت: غلط فيه إسحاق بن راشد؛ إنما هو: الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ب - ورواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع [مدني، ضعيف]، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما مضى من عمله".

وقال مرة: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 271/ 8877)، والبزار (18/ 165/ 141). [المسند المصنف (37/ 442/ 18016)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الزهري إلا إبراهيم بن إسماعيل، ورواه عن إبراهيم: جعفر بن عون وعبيد الله بن موسى".

وهذا حديث منكر.

ج - وروى خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 154/ 2191)، وفي الكبرى (3/ 124/ 2512)، بإسناد صحيح إلى خالد [التحفة (12/ 331/ 18742)].

ونقل المزي عن النسائي قوله: "لا أعلم أحداً تابع ابن أبي هلال".

وهذا حديث منكر بهذا الإسناد، والأصل الاحتجاج بهذا الإسناد؛ أعني: خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال؛ إلا أن يكون في المتن أو الإسناد ما يدل وقوع وهم فيه، فعندئذ نحمل الوهم على وقوع تدليس في إسناده، قال البرذعي:"قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال: صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان"، قال ابن رجب:"يعني: مدلَّسة عنهما"[سؤالات البرذعي (361)، شرح علل الترمذي (2/ 867)، الفتح لابن رجب (4/ 367)، الميزان (2/ 162)، التهذيب (2/ 48)، وانظر بعض أوهامه: علل الدارقطني (10/ 10/ 1819) و (12/ 35/ 2379)][وقد تقدم الكلام عن هذا الإسناد بتفصيل في مواضعٍ، انظر منها مثلاً: فضل الرحيم الودود (8/ 526/ 788) و (9/ 95/ 816)، وما تقدم قريباً برقم (1168)، وبرقم (1327)].

ص: 102

وكلام أبي زرعة وأبي حاتم لا يحمل على الرد المطلق لكل ما جاء بهذه السلسلة، وإنما ترد منها الأحاديث المنكرة، أو ما ثبت لنا بالقرائن وقوع الوهم فيه؛ دون الأحاديث التي استقامت متونها وعرفت مخارجها، والله أعلم.

وله طرق أخرى عن أبي هريرة:

أ - روى شعيب بن أبي حمزة، وورقاء بن عمر:

عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". لفظ شعيب [عند البخاري].

ولفظه عند الطبراني: "لا يقوم أحدٌ ليلةَ القدر فيوافقها إيماناً واحتساباً إلا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه".

ولفظ ورقاء [عند مسلم]: "من يقم ليلة القدر فيوافقُها - أُراه قال:- إيماناً واحتساباً، غفر له".

أخرجه البخاري (35)، ومسلم (760/ 176)، وأبو عوانة (8/ 289/ 3317 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 335/ 1733)، والنسائي في الكبرى (3/ 403/ 3398)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 294/ 3343)، والبيهقي (4/ 356). [التحفة (9/ 564/ 13730) و (9/ 615/ 13924)، الإتحاف (15/ 216/ 19181)، المسند المصنف (31/ 626/ 14617)].

* خالفهما في إسناده فوهم:

يحيى بن سليمان بن نضلة: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر فيوافقها إيماناً واحتساباً يغفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه أبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (32)(647 - المخلصيات).

قلت: هو حديث منكر، ولا يحتمل تفرد ابن نضلة به عن ابن أبي الزناد دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم، ويحيى بن سليمان بن نضلة الخزاعي المدني: قال ابن أبي حاتم: "كتب عنه أبي، وسألته عنه، فقال: شيخ حدث أياماً، ثم توفي"، وقال ابن خراش:"لا يسوي فلساً"، وذكره ابن حبان في الثقات وقال:"يخطئ ويهم"، وكان ابن صاعد يقدِّمه ويفخِّم أمره، وقال ابن عدي:"يروي عن مالك وأهل المدينة أحاديث عامتها مستقيمة"[الثقات (9/ 269)، الكامل (10/ 659 - ط الرشد)، تاريخ الإسلام (5/ 1287 - ط الغرب)، اللسان (8/ 450)].

وأبو عثمان التبان مولى المغيرة بن شعبة: روى عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في الثقات، وعلق له البخاري في الصحيح، وروى له أبو داود والنسائي، وحسن له الترمذي، وصحح حديثه ابن حبان والحاكم [التهذيب (4/ 554)، فضل الرحيم الودود (1/ 284/ 70)].

ص: 103

وابنه موسى: لا يعرف إلا بروايته عن أبيه، ولا عنه إلا أبو الزناد، ولم يوثَّق؛ فهو في عداد المجاهيل [انظر: التاريخ الكبير (7/ 290)، الجرح والتعديل (8/ 153)، التهذيب (8/ 414)، التقريب (983) وقال:"مقبول"].

والمعروف في إسناده عن أبي الزناد: ما رواه شعيب بن أبي حمزة، وورقاء بن عمر؛ كما أخرجه الشيخان، والله أعلم.

ب - وروى زيد بن أخزم أبو طالب [ثقة حافظ]: حدثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين [البصري: صالح، صدوق]: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه البزار (16/ 288/ 9495).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن سعيد إلا عمرو بن محمد بن أبي رزين، وكان ثقة، وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه من غير وجه".

قلت: هو غريب جداً من حديث ابن أبي عروبة، ولا يحتمل تفرد ابن أبي رزين به.

ورواه إبراهيم بن طهمان [ثقة يُغرب]، عن قتادة، عن الحسن، عن خلاس بن عمرو، عن أبي رافع، عن أبي هريرة؛ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه ابن مخلد العطار في حديث طاهر بن خالد بن نزار عن أبيه (14).

وهذا منقطع؛ فإن إبراهيم بن طهمان لم يدرك قتادة، يروي عنه بواسطة، إما بواسطة حجاج الباهلي، وإما شعبة، وإما سعيد بن أبي عروبة.

* وقد حدَّث به ابن مخلد العطار بعد سنة واحدة [سنة (331)]، عن طاهر بن خالد به، في جزء من حديثه (2)، لكنه أسقط من إسناده الحسن البصري، وأثبت فيه حجاجاً الباهلي بين إبراهيم وقتادة.

قال ابن مخلد: حدثنا طاهر بن خالد بن نزار الأيلي [صدوق، وله ما ينكر. الجرح والتعديل (4/ 499)، الكامل (4/ 121)، سؤالات السلمي (172)، تاريخ بغداد (9/ 355)، الميزان (2/ 334)، اللسان (3/ 255)، المغني (1/ 315)، مجمع الزوائد (8/ 73)]: حدثني أبي: أخبرني إبراهيم - يعني: ابن طهمان -، قال: وحدثني الحجاج [هو: ابن الحجاج الباهلي الأحول: ثقة، من أصحاب قتادة]، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

وهذا أيضاً غريب من حديث ابن طهمان، والحمل فيه على خالد بن نزار الأيلي؛ فإنه لا يحتمل من مثله التفرد بمثل هذا، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يغرب ويخطئ"، وأطلق توثيقه الدارقطني، وبعض المغاربة مثل: ابن وضاح، وابن عبد البر، وقدمه ابن الجارود على حرمي بن عمارة [الثقات (8/ 223)، سؤالات السلمي (188)،

ص: 104

جامع بيان العلم (1/ 396/ 570)، تاريخ الإسلام (16/ 149)، التهذيب (1/ 534)]، وله أوهام في الأسانيد، وغرائبه كثيرة [انظر: علل ابن أبي حاتم (71 و 85 و 2146)، علل الدارقطني (12/ 123/ 2508)، أطراف الغرائب والأفراد (577 و 939 و 1599 و 2447 و 2995 و 3527 و 4632 و 5266 و 5411 و 5577 و 5634 و 6001 و 6189 و 6241 و 6452 و 6486)، معرفة علوم الحديث (102)، فضل الرحيم الودود (9/ 267/ 832)]، والله أعلم.

وبذا تكون رواية حجاج متابعة لرواية ابن أبي عروبة؛ مع غرابة كل منهما.

* وخالفهما هشام الدستوائي:

فرواه معاذ بن هشام، عن أبيه، في قتادة، عن أنس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه أبو يعلى (5/ 43/ 2632). [وقد تحرف هذا الإسناد عند: الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 536)]. [المسند المصنف (31/ 637/ 14620].

وهذا إسناد صحيح غريب، هشام الدستوائي من أثبت أصحاب قتادة، لكن في تفرد معاذ به عن أبيه ما يجعل النفس تتردد في تصحيحه، فإن معاذ بن هشام كان يغلط في الشيء بعد الشيء مع صدقه، وقد قال فيه ابن معين مرة:"ليس بذاك القوي"[انظر: التهذيب (4/ 102) وغيره]، وله عن أبيه أوهام عُدَّت عليه، تقدم بعضها معنا في فضل الرحيم (6/ 270/ 549) و (8/ 34/ 703) و (8/ 38/ 704) و (8/ 271/ 745) والحديث المتقدم برقم (1177)؛ فلا يُؤمَن عليه الوهم في مثل هذا، لا سيما مع عدم المتابعة، ومع سلوك الجادة والطريق السهل؛ فإن قتادة عن أنس أسهل بكثير من قتادة عن خلاس بن عمرو، عن أبي رافع، والله أعلم.

وعلى هذا: فيبقى حديث قتادة لا يثبت؛ إذ الطرق المؤدية إليه كلها غرائب، رواه عنه: ابن أبي عروبة وهشام الدستوائي وحجاج الباهلي، ولم يشتهر عن أحد منهم، فضلاً عن اختلافهم في إسناده على قتادة.

ج - ابن أبي فديك [محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: مدني، صدوق]، سمع ربيعة بن عثمان، عن محمد بن المنكدر، عن إسحاق بن أبي إسحاق؛ أن أبا هريرة قال لكعب: تجدون رمضان عندكم؟ قال: نجده حِطَّةً، فهل سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو هريرة: نعم، سمعته يقول:"من صام رمضان" قال ربيعة: ولا أعلمه إلا قال: "وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، قال كعب: أخبرك أنه حطة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 382)، والبيهقي في الشعب (6/ 191/ 3344)، والخطيب في المتفق والمفترق (1/ 446/ 227).

قلت: إسحاق بن أبي إسحاق المدني: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكر البخاري له سماعاً من أبي هريرة [التاريخ الكبير (1/ 382)، الجرح والتعديل (2/ 213)، الثقات (4/ 23)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 310)].

ص: 105

ومحمد بن المنكدر وإن كان يروي عن أبي هريرة أحياناً؛ فإنه لم يسمع منه، ولم يلقه؛ كما قال ابن معين وأبو زرعة والبزار [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 201/ 927)، المراسيل (693 و 694)، تحفة التحصيل (289)، التهذيب (3/ 710)].

وربيعة بن عثمان بن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي أبو عثمان المدني: قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: "ثقة"، وقال أبو زرعة:"إلى الصدق ما هو، وليس بذاك القوي"، وقال أبو حاتم:"منكر الحديث، يكتب حديثه"، وقال النسائي:"ليس به بأس"، وقال ابن سعد:"وكان ثقةً ثبتاً، قليلَ الحديث، وكان فيه عسر"، وقال ابن وضاح:"سمعت ابن نمير يقول: ربيعة بن عثمان ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن شاهين:"وكان فيه عسر، وكان عنده أحاديث حسنة، وكان ثقة"، وقال السجزي عن الحاكم:"من ثقات أهل المدينة ممن يجمع حديثه"[طبقات ابن سعد (396 - القسم المتمم للتابعين (5/ 448)، التاريخ الكبير (3/ 289)، الجرح والتعديل (3/ 476)، الثقات (6/ 301)، مشاهير علماء الأمصار (1050)، تاريخ أسماء الثقات (361)، سؤالات السجزي (192)، إكمال مغلطاي (4/ 357)، التهذيب (1/ 599)].

قلت: فالأقرب أنه ليس به بأس؛ كما قال النسائي مع تشدده، ولعل أبا حاتم وقف له على بعض أوهام أوجبت له القول بنكارة حديثه، لكن لم يكثر منه ذلك حتى يقدح في ضبطه مطلقاً فيرد به حديثه؛ فاستدرك بعد ذلك بقوله:"يكتب حديثه".

ثم إن ربيعة هنا يروي عن ابن عم أبيه محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير، ومحمد أيضاً هو خاله أخو أمه أم يحيى بنت المنكدر، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه من غيرهم، وعليه: فإن تفرده به عن ابن المنكدر يحتمل، لا سيما مع شهرة الحديث عن أبي هريرة.

* وحاصل القول: فإن هذا الحديث إسناده مدني صالح في المتابعات؛ وموضع الشاهد المرفوع منه: صحيح، موافق لما رواه:

محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"[تقدم ذكره قريباً، وهو حديث صحيح].

وأما قصة كعب الأحبار؛ فقد جاءت من طريق أخرى:

د - فقد روى عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]، قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي [صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه. تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)]، قال: سمعت عمر بن إسحاق مولى زائدة [روى عنه اثنان، وقال العجلي: "مدني ثقة"، وذكره ابن حبان وابن خلفون في الثقات، واستشهد به مسلم، وقال الذهبي: "صدوق". الميزان (3/ 182)، إكمال مغلطاي (10/ 29)، التهذيب (3/ 215)]، قال: سمعت أبي [ثقة]، يقول: لقي أبو هريرة كعبَ الأحبار، فقال: كيف تجدون رمضان

ص: 106

في كتاب الله؟ فقال كعب: بل كيف سمعت صاحبك يقول فيه؟ قال: سمعته يقول: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

فقال كعب: وأنا والذي نفسي بيده! إني لأجده في كتاب الله عز وجل حِطَّة يحُطُّ الله عز وجل به الخطايا.

أخرجه الطحاوي في المشكل (6/ 127/ 2352).

وقد استشهد مسلم في صحيحه (234) بحديث لعمر بن إسحاق، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن؛ إذا اجتنب الكبائر"، وهو مروي عن أبي هريرة من وجوه أخرى أشهر وأصح.

وعليه: فهو إسناد جيد، وبه تصح قصة كعب الأحبار، والحديث صحيح.

هـ - وروي من طرقٍ بعضها حسن، وفي بعضها ضعف شديد؛ عن بكير بن مسمار [أخو مهاجر بن مسمار: مدني صدوق. الجرح والتعديل [2/ 403)، التهذيب (1/ 250)]، عن عبد الله بن خراش [الكعبي: روى عنه اثنان أحدهما ضعيف، وهو: مجهول، ولم يذكر سماعاً من أبي هريرة. الطبقات الكبرى (137 - متمم التابعين)(5/ 341)، الجرح والتعديل (5/ 46)، إكمال مغلطاي (7/ 325)]، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وفي بعضها قصة كعب الأحبار السابقة.

أخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (32 و 34)، والبيهقي في الشعب (6/ 192/ 3346)[واللفظ له، وإسناده أنظف وأشهر رجالاً].

وهذا إسناد صالح في المتابعات، والحديث صحيح.

و - وروى إسحاق بن راهويه: أنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة: ثنا عطاء الخراساني، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً وتصديقاً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه إسحاق بن راهويه (1/ 400/ 479 - ط التأصيل)، ومن طريقه: الطبراني في مسند الشاميين (3/ 319/ 2395)[واللفظ له].

ولا يتابع عليه عن عطاء، فإن كلثوم هذا: قال أبو حاتم: "كان جندياً بخراسان، لا يصح حديثه"، وقال أيضاً:"يتكلمون فيه"، وقال ابن عدي:"يحدث عن عطاء الخراساني بمراسيل وعن غيره بما لا يتابع عليه"، ثم ساق له عدة أحاديث بهذا الإسناد، ثم قال:"وهذه الأحاديث وإن كانت مراسيل؛ فليس يحدث بها عن عطاء الخراساني غير كلثوم هذا"، ويعني بقوله: مراسيل؛ أن عطاء الخراساني لم يسمع من أبي هريرة، وقال ابن حبان:"يعتبر حديثه إذا روى عن غير عطاء الخراساني"[الجرح والتعديل (7/ 164)، الثقات (9/ 28)، الكامل (6/ 72)، اللسان (6/ 423)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 83)]، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني: صدوق، يهم كثيراً، يرسل ويدلس، ولم يسمع من

ص: 107

أبي هريرة [انظر: المراسيل (156)، جامعٍ التحصيل (238)، تحفة التحصيل (229)، التهذيب (3/ 108)]؛ فهو إسناد ضعيف جداً.

وقد تقدم معنا أحاديث بهذا الإسناد، انظر: فضل الرحيم الودود (7/ 388/ 672) و (9/ 396/ 855) و (9/ 464/ 866)، وما تحت الحديث رقم (1325).

ولحديث أبي هريرة طرق أخرى لا تثبت أيضاً [انظر: ما أخرجه ابن المقرئ في الأربعين (56)، وتمام في الفوائد (951 و 1667)].

ولحديث أبي هريرة شواهد:

1 -

حديث عائشة:

يأتي ذكره مفصلاً في الحديث الآتي (1373) بعد هذا.

2 -

حديث أبي سعيد الخدري:

يرويه عبد الله بن المبارك: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن قريط [وفي رواية: عبد الله بن قرط، وشذ من قال: ابن قارظ]؛ أن عطاء بن يسار حدثه؛ أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ مما كان ينبغي له أن يتحفظ فيه، كفَّر ما قبله".

أخرجه أحمد (3/ 55)، وابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (11)، وأبو يعلى (2/ 322/ 1058)، وابن حبان (8/ 220/ 3433)، والطبراني في من اسمه عطاء من رواة الحديث (2)، وابن شاهين في فضائل رمضان (29 و 30)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (17)(632 - المخلصيات)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 185)، والبيهقي في السنن (4/ 304)، وفي الشعب (6/ 197/ 3351)، وفي فضائل الأوقات (53)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 372 - ط الغرب). [الإتحاف (5/ 317/ 5473)، المسند المصنف (28/ 275/ 12704)].

قال الطبراني: "لا نعلم هذا الحديث يروى بهذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عطاء عن أبي سعيد الخدري بهذا الإسناد".

وقال أبو نعيم: "غريب؛ لم يروه عن عطاء إلا عبد الله بن قرط، تفرد به عنه: يحيى بن أيوب".

هكذا رواه عن ابن المبارك موصولاً: حبان بن موسى، وعبدان عبد الله بن عثمان بن جبلة، وعلي بن إسحاق [وهم مراوزة ثقات، من أصحاب ابن المبارك]، وعبد الله بن محمد العبسي [أبو بكر ابن أبي شيبة: الكوفي الحافظ الكبير، صاحب المصنف]، وعبد الله بن عمر بن أبان [الجعفي الكوفي، لقبه مشكدانة: ثقة]، ولوين محمد بن سليمان بن حبيب [المصيصي: ثقة]، وأبو عاصم أحمد بن جواس الحنفي [الكوفي: ثقة]، وعبيد الله بن محمد ابن عائشة [البصري: ثقة]، وأبو أيوب سليمان بن عمر بن خالد الأقطع [الرقي؛ قال ابن أبي حاتم:"كتب عنه أبي بالرقة"، وذكره ابن حبان

ص: 108

في الثقات. الجرح والتعديل (4/ 131)، الثقات (8/ 280)، فتح الباب (399)]، وغيرهم.

* خالفهم: نعيم بن حماد المروزي [ضعيف، يروي المناكير عن الثقات، ويروي ما لا أصل له، يشبَّه عليه. انظر: التهذيب (4/ 234)، الميزان (4/ 267)]:

فرواه عن ابن المبارك، قال: أنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني عبد الله بن قريط؛ أن عطاء بن يسار حدثه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صام رمضان فعرف بحدوده، وتحفظ بما ينبغي له أن يتحفظ فيه، كفر ما قبله".

أخرجه ابن المبارك في الزهد (98 - زوائد نعيم بن حماد على الحسين المروزي).

وهذا في حقيقته ليس إرسالاً؛ فإن عطاء بن يسار من مشاهير التابعين، لا يدعي السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أرسل فإنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نحوها من العبارات الدالة على الإرسال، ولا يخفى هذا على أحد من أهل العلم بالرواية، وإنما سقط من إسناده أبو سعيد الخدري، إما من الناسخ، وإما من نعيم بن حماد نفسه، والله أعلم.

* خالف ابنَ المبارك: ابنُ أبي مريم [سعيد بن الحكم بن أبي مريم المصري، وهو: ثقة ثبت فقيه]، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: حُدِّثت عن عبد الله بن فرط، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما".

أخرجه ابن شاهين في فضائل رمضان (31)، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل: حدثنا ابن أبي مريم به. قلت: لعل ابن شاهين أسقط ذكر شيخه، فيما بينه وبين محمد بن إسماعيل، وعليه: فإما أن يكون الراوي عن ابن أبي مريم هو الإمام البخاري؛ جبل الحفظ وإمام الدنيا في الحديث، وإما أن يكون هو أبو إسماعيل الترمذي محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، وهو: ثقة حافظ مشهور، وابن شاهين يروي عنهما بواسطة، والله أعلم.

وأياً كان: فالذي يظهر لي أن لفظة: "حُدِّثت عن" لعلها تحرفت عن: حدثني، وذلك لأن المعروف في طرق الحديث وفي كتب الرجال أن يحيى بن أيوب الغافقي سمع عبد الله بن قريط أو ابن قرط، بل هو الراوي الوحيد عنه.

فقد جاء التصريح بسماع الغافقي من عبد الله بن قريط [في حديث ابن المبارك] في رواية عبدان عن ابن المبارك [عند البيهقي]، وفي رواية سليمان بن عمر الأقطع عن ابن المبارك [عند ابن شاهين والخطيب]، وفي رواية نعيم بن حماد عن ابن المبارك [في الزهد].

* وقد رواه على الصواب بلا واسطة: يحيى بن أيوب العلاف [مصري، صدوق]، قال: ثنا سعيد بن أبي مريم: أنا يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن قريط، عن عطاء بن

ص: 109

يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيام رمضان إلى رمضان كفارة ما بينهما".

أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 38/ 5445).

* ورواه أيضاً: عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن قريط؛ أن عطاء بن يسار - أخبره؛ أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صوم رمضان إلى رمضان كفارة ما بينهما".

أخرجه ابن شاهين في فضائل رمضان (32)، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان [هو: أبو بكر بن أبي داود: ثقة حافظ]: حدثنا الربيع بن سليمان [سواء كان المرادي أو الجيزي، فهو: ثقة، وأبو بكر يروي عنهما، وكلاهما يروي عن ابن وهب]: حدثنا عبد الله بن وهب به.

* وقد روى محمد بن يحيى الذهلي [إمام، ثقة حافظ]، وأبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي، وأحمد بن حماد بن زغبة، ومحمد بن سهل بن عسكر، وأبو زكريا يحيى بن أيوب العلاف [وهم ثقات]:

قالوا: ثنا سعيد بن أبي مريم: أنا يحيى بن أيوب: حدثني عبد الله بن قريظ [كذا]؛ أن عطاء بن يسار حدثه؛ أنه سمع أبا سعيد الخدري؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصلوات الخمس كفارة ما بينها"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرأيت لو أن رجلاً كان له معتمل، بين معتمله ومنزله خمسة أنهار، فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه الوسخ أو العرق، فكلما مر بنهر اغتسل، ما كان ذلك مبقياً من درنه، فكذلك الصلاة كلما عمل خطيئة أو ما شاء الله، ثم صلى صلاة فدعا واستغفر غفر له ما كان قبلها".

أخرجه البزار (1/ 174/ 344 - كشف الأستار)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (86)، والطبراني في الكبير (6/ 37/ 5444)، وفي الأوسط (1/ 71/ 198)، وأبو بكر الكلاباذي في بحر الفوائد (249).

قال البزار: "لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد".

وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به: يحيى بن أيوب".

فظهر بهذا الحديث الآخر أن يحيى بن أيوب قد سمع من شيخه عبد الله بن قريط، أو: ابن قريظ، أو: ابن قرط، وأن لا واسطة بينهما، وأن لفظة:"حُدِّثت عن" إنما هي تحريف وقع في الرواية، أو من الناسخ، والله أعلم.

يبقى الكلام عن الحديث موضع الشاهد:

فقد رواه ابن المبارك عن يحيى بن أيوب بلفظ: "من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ مما كان ينبغي له أن يتحفظ فيه، كفَّر ما قبله".

ص: 110

ورواه سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب بلفظ: "صيام رمضان إلى رمضان كفارة ما بينهما".

ورواه أيضاً عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب بلفظ: "صوم رمضان إلى رمضان كفارة ما بينهما".

هكذا تتابع ثقتان حافظان عنه بلفظ، وخالفهما ثقة حافظ فرواه بلفظ آخر، والأقرب عندي أن هذا اضطراب من يحيى بن أيوب الغافقي المصري؛ فإنه: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيراً، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه أوقد سبق ذكره مراراً، وانظر في أوهامه فيما تقدم معنا في السنن على سبيل المثال: الحديث رقم (158 و 718)، وما تحت الحديث رقم (228 و 335)، وانظر هناك ترجمته موسعة].

وعبد الله بن قُرَيط، أو: ابن قرط، أو: ابن قُرَيظ: لم يرو عنه سوى يحيى بن أيوب الغافقي، ومع ذلك فقد اختلف الرواة عنه في اسم أبيه، وذكره ابن حبان في الثقات، ونسبه شامياً، وقال الحسيني:"مجهول"، وهو كما قال؛ لا سيما وهو مقل جداً من الحديث، ولم أقف له على غير هذين الحديثين [الجرح والتعديل (5/ 140)، الثقات (7/ 6)، الإكمال للحسيني (475)، اللسان (4/ 546)، التعجيل (581)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 94)].

* وعلى هذا فلا يثبت حديث أبي سعيد بهذا اللفظ: "من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ مما كان ينبغي له أن يتحفظ فيه، غفر ما قبله"؛ لجهالة راويه، وتفرده به عن عطاء بن يسار الهلالي المدني، فهو غريب من حديث عطاء، ولا يُعرف بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه؛ كما قال الطبراني وأبو نعيم، ثم اضطراب يحيى بن أيوب في متنه، وقد قال فيه أبو نعيم:"غريب"، والله أعلم.

3 -

حديث عبادة بن الصامت، وله طرق:

أ - رواه: حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام [صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ من حفظه]، وزهير بن محمد التميمي [رواية أهل الشام عنه ضعيفة فيها مناكير، ورواية أهل العراق عنه مستقيمة؛ قال الإمام أحمد: "أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة: عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر"، وقال الإمام البخاري: "أحاديث أهل العراق عن زهير بن محمد: مقاربة مستقيمة]، وهذا الحديث مما رواه عنه من أهل العراق: أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، وأبو حذيفة موسى بن مسعود. انظر: التهذيب (1/ 639)، الميزان (2/ 84)، إكمال مغلطاي (5/ 90)، ترتيب علل الترمذي ص (395)، جامع الترمذي (3291)، وغيرها]، وعبيد الله بن عمرو الرقي [ثقة فقيه، في حديثه عن ابن عقيل شيء. التهذيب (3/ 24)]، وعمرو بن أبي المقدام [هو: عمرو بن ثابت: رافضي متروك]:

عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عمر بن عبد الرحمن، عن عبادة بن الصامت؛

ص: 111

أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في رمضان؛ فالتمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتر: في إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو في آخر ليلة [من رمضان]، فمن قامها ابتغاءها إيماناً واحتساباً، ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".

أخرجه أحمد (5/ 318 و 321 و 324)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 201/ 1288 و 1289)، والطبراني في الكبير (3/ 509/ 5780 - جامع المسانيد)، والخطيب في الموضح (2/ 328). [جامع المسانيد (3/ 509/ 5780 - 5782)، المسند المصنف (10/ 479/ 5027)].

وهذا حديث شاذ بهذا السياق، لا سيما زيادة:"وما تأخر" في آخره، وزيادة:"أو في آخر ليلة من رمضان".

راويه عن عبادة: مجهول، ولا يُعرف له سماع من عبادة، فإن عمر بن عبد الرحمن: لا يُعرف إلا بهذا الإسناد، وبهذا الحديث، لم يرو عنه سوى ابن عقيل، وذكره ابن حبان في الثقات على عادته، وقال:"عمر بن عبد الرحمن وليس بابن عوف، يروي عن عبادة بن الصامت، روى عنه عبد الله بن محمد بن عقيل"[التاريخ الكبير (6/ 171)، الجرح والتعديل (6/ 120)، الثقات (5/ 151)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 301)].

وعبد الله بن محمد بن عقيل: سبق الكلام عليه مراراً [انظر مثلاً: الأحاديث المتقدمة برقم (61 و 126 و 287 و 630)، وانظر: فضل الرحيم (3/ 348/ 287)]، وأن حديثه إنما يُقبل أو يُرد بحسب القرائن، وهو حسن الحديث إذا لم يخالف، ولم يختلف عليه في الإسناد أو المتن، وقد أُتي من سوء حفظه واضطرابه في الأسانيد، وهذا الحديث وإن لم يختلف عليه فيه، فإن ابن عقيل ممن لا يحتج به إذا تفرد بأصل وسنة.

ب - ورواه إسحاق بن سليمان [الرازي: ثقة]، قال: سمعت معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن محمد بن عبادة بن الصامت [مجهول]، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ليلة القدر في رمضان، من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي ليلة وتر لثالثة أو خامسة أو رابعة أو تاسعة، ومن أمارتها أنها ليلة بلجة، صافية ساكنة، لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً، ولا يحل لنجم أن يرمى به في تلك الليلة حتى الصباح، ومن أمارتها - يعني: علامتها - أن الشمس تطلع صبيحتها مستوية لا شعاع لها، كأنها القمر ليلة البدر، وحرم الله على الشيطان أن يخرج معها".

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 386)، ومن طريقه: البيهقي في الشعب (6/ 247/ 3420)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 98).

قال البيهقي بأن في إسناده ضعفاً.

قلت: هو حديث منكر؛ باطل من حديث الزهري، تفرد به عنه: معاوية بن يحيى الصدفي، وهو: ضعيف، روى عنه إسحاق بن سليمان الرازي أحاديث منكرة [التهذيب (4/ 113)].

ص: 112

قال البخاري وأبو حاتم: "روى عنه هقل بن زياد أحاديث مستقيمة كأنها من كتاب، وروى عنه عيسى بن يونس وإسحاق بن سليمان أحاديث مناكير كأنها من حفظه".

وقال ابن حبان في المجروحين: "منكر الحديث جداً، كان يشتري الكتب ويحدث بها، ثم تغير حفظه، فكان يحدث بالوهم فيما سمع من الزهري وغيره، فجاء رواية الراوين عنه إسحاق بن سليمان وذويه كأنها مقلوبة، وفي رواية الشاميين عند الهقل بن زياد وغيره أشياء مستقيمة تشبه حديث الثقات".

وقال الدارقطني: "ومعاوية الصدفي: ضعيف، حدثهم بالري بأحاديث من حفظه، وهم فيها على الزهري".

[انظر: التاريخ الكبير (7/ 336)، التاريخ الصغير (2/ 154)، الجرح والتعديل (8/ 383)، المجروحين (3/ 3)، الضعفاء الكبير (4/ 182)، الكامل (6/ 399)، الضعفاء والمتروكين (511)، العلل للدارقطني (6/ 95/ 1003)].

ج - ورواه حيوة بن شريح [واللفظ له]، ومحمد بن مصفى، وإسحاق بن راهويه، وعبد الوهاب بن نجدة [وهم ثقات]:

حدثنا بقية: حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبتهن، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجةٌ، كان فيها قمراً ساطعاً، ساكنةً ساجيةً، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستويةً ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذٍ".

أخرجه أحمد (5/ 324)، وابن نصر في قيام رمضان (252 و 258 - مختصره)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 166/ 1119)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 373)[وسنده محرف]، وفي الاستذكار (3/ 417)، والضياء في المختارة (8/ 279/ 342). [الإتحاف (6/ 465/ 6824)، المسند المصنف (10/ 480/ 5028)].

قال أبو حاتم الرازي: "خالد بن معدان لم يصح سماعه من عبادة بن الصامت"[المراسيل لابن أبي حاتم (183)، تحفة التحصيل (93)].

وقال ابن عبد البر في التمهيد: "هذا حديث حسن غريب، وبقية بن الوليد: ليس بمتروك، بل هو محتمل، روى عنه جماعة من الجلة، وهو من علماء الشاميين، ولكنه يروي عن الضعفاء، وأما حديثه هذا فمن ثقات أهل بلده، وأما إذا روى عن الضعفاء فليس بحجة فيما رواه، وحديثه هذا إنما ذكرنا أنه حديث حسن؛ لا يدفعه أصل، وفيه ترغيب، وليس فيه حكم".

وقال في الاستذكار: "هذا حديث حسن، حديث غريب، وهو من حديث الشاميين، رواته كلهم ثقات، وبقية إذا روى عن الثقات فليس بحديثه بأس".

ص: 113

وقال ابن كثير في تفسيره (8/ 445): "وهذا إسناد حسن، وفي المتن غرابة، وفي بعض ألفاظه نكارة".

وقال في جامع المسانيد (3/ 490/ 5729): "إسناد حسن، ولم يخرجوه إلا أنه منقطع، فإن خالداً لم يسمع من عبادة".

وقال ابن حجر في الإتحاف (13/ 233 - 234/ 16635) عن حديث غير هذا بنحو هذا الإسناد: "وإنما استشهد مسلم ببقية في شيء يسير مع كثرة حديثه، وقد أُمن تدليسه؛ لتصريحه في هذا بالتحديث، لكن يُنظر في حديث بحير عن خالد؛ لأن بقية كان يسوِّي".

قلت: أما بحير بن سعد السحولي فإنه: ثقة ثبت، من أصح الناس حديثاً عن خالد بن معدان، كما أن بقية معروف بالرواية عن بحير بن سعد، مكثر عنه، حتى إن شعبة طلب من بقية أن يكتب له حديث بحير، مما يدل على اختصاص بقية ببحير، وبقية بن الوليد: ثقة إذا حدث عن المعروفين وصرح عنهم بالتحديث، أمثال: بحير بن سعد، قال ابن عبد الهادي في شرح العلل (108):"رواية بقية عن بحير صحيحة، سواء صرح بالتحديث أم لا"، وقد صرح هنا بالتحديث [انظر: الحديث المتقدم برقم (175)] [سؤالات أبي داود (287)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 478/ 3141)، التاريخ الكبير (2/ 137 و 150)، ضعفاء العقيلي (1/ 162)، الجرح والتعديل (1/ 135) و (2/ 412 و 434)، تاريخ ابن عساكر (10/ 336 و 343)، السير (18/ 518)].

والحاصل: فإنه حديث ضعيف؛ لانقطاعه، والله أعلم.

* ولا تثبت هاتان الزيادتان من وجه: "وما تأخر" في ثواب من صام رمضان أو قامه أو قام ليلة القدر، وزيادة:"أو في أخر ليلة من رمضان"، في بيان موضع ليلة القدر.

والثابت من حديث عبادة:

ما رواه خالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن جعفر، ويحيى بن سعيد القطان، وزهير بن معاوية، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، وابن أبي عدي، ومعتمر بن سليمان، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعَبيدة بن حميد، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [وهم ثقات، أكثرهم أثبات]، وإبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية [وهو: حمصي، ليس به بأس، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (396)، لكن في الإسناد إليه: مجاهيل، فلا يثبت عنه؛ لا سيما وقد اشتمل حديثه على زيادة منكرة. عند الطبراني]:

رووه عن حميد: حدثنا أنس، عن عبادة بن الصامت، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال:"خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفِعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها [زاد يزيد بن هارون وابن أبي عدي: في العشر الأواخر، في التاسعة، والسابعة، والخامسة". وقال عبيدة: "التمسوها في التاسعة التي تبقى"، وقد اختصره بعضهم.

ص: 114

أخرجه البخاري (49 و 2023 و 6049)، والنسائي في الكبرى (3/ 396/ 3380) و (3/ 397/ 3381)، والدارمي (1933 - ط البشائر)، وابن خزيمة (3/ 334/ 2198)، وابن حبان (8/ 435/ 3679)، وأحمد (5/ 313 و 319)، والشافعي في السنن (329)، وابن أبي شيبة (2/ 251/ 8682) و (2/ 324/ 9511)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (74)، والبزار (7/ 127/ 2680)، وابن نصر في قيام رمضان (252 - مختصره)، والطحاوي (3/ 89)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 108/ 1166)، والطبراني في الأوسط (4/ 352/ 4409)[وقد اشتملت روايته على زيادة منكرة]. وفي مسند الشاميين (3/ 362/ 2468)، والحسن بن رشيق العسكري في جزئه (55)، والبيهقي في السنن (4/ 311)، وفي فضائل الأوقات (92)، وفي المعرفة (6/ 387/ 9075 - ط قلعجي)، وفي الشعب (6/ 234/ 3405)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 200)، وفي الاستذكار (3/ 411)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 380/ 1821)، وقال:"حديث صحيح"، وفي التفسير (4/ 510). [التحفة (4/ 108/ 5071)، الإتحاف (6/ 429/ 6759)، المسند المصنف (10/ 477/ 5026)].

ورواه عفان بن مسلم، وأبو داود الطيالسي، وهدبة بن خالد، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي [وهم ثقات]:

عن حماد بن سلمة [ثقة، وهو أثبت الناس في ثابت وحميد]: أخبرنا ثابت البناني، وحميد، عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة على أصحابه وهو يريد أن يخبرهم بليلة القدر،

فذكر الحديث؛ إلا أنه قال: "فاطلبوها في العشر الأواخر، في تاسعة، أو سابعة، أو خامسة". لفظ عفان [عند أحمد].

ولفظ الطيالسي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو يريد أن يخبر أصحابه بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خرجت وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فاختُلِجت مني، فاطلبوها في العشر الأواخر، في سابعة تبقى، أو تاسعة تبقى، أو خامسة تبقى".

ولفظ هدبة [عند ابن عساكر]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة، وهو يريد أن يخبرهم بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فاختلجت منه، فقال عليه الصلاة والسلام:"إني أردت أن أخبركم بليلة القدر، فتلاحى هذان الرجلان، فاختلجت مني، ولعل ذلك أن يكون خيراً لكم، فاطلبوها في العشر الأواخر، في التاسعة والسابعة والخامسة".

أخرجه الطيالسي (1/ 470/ 577)، وأحمد (5/ 313)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 89)، وفي التسوية بين حدثنا وأخبرنا (8)، والبيهقي في الشعب (6/ 235/ 3406)، وفي فضائل الأوقات (93)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 175). [الإتحاف (6/ 429/ 6759)، المسند المصنف (10/ 477/ 5026)].

ص: 115

وهو حديث صحيح.

خالفهم: مالك بن أنس، فجعله من مسند أنس، لم يذكر عبادة:

رواه الشافعي، وعبد الرحمن بن القاسم (148 - بتلخيص القابسي)، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (558)، وأبو مصعب الزهري (885)، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن وهب، وزياد بن عبد الرحمن الأندلسي شبطون (894 - رواية يحيى الليثي عن شبطون)، وسويد بن سعيد الحدثاني (451)، وعبد الملك بن أبي كريمة الأنصاري مولاهم المغربي [وهم جميعاً ثقات؛ عدا الحدثاني، فهو ضعيف]:

عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقال:"إني أُريت هذه الليلة في رمضان، حتى تلاحى رجلان، فرُفِعت، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة".

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 429/ 894)، ومن طريقه: النسائي في الكبرى (3/ 397/ 3382)، والشافعي في السنن (325)، وابن وهب في الجامع (307)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في الخامس من مسند حديث مالك (71)، والحسن بن رشيق العسكري في جزئه (54)، والجوهري في مسند الموطأ (316)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 253)، والبيهقي في المعرفة (6/ 387/ 9074 - ط قلعجي)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 271 - ط الغرب)، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 535). [التحفة (1/ 388/ 738)، الإتحاف (1/ 661/ 1026)، المسند المصنف (10/ 477/ 5026)].

قلت: قصر به مالك؛ إنما هو من مسند عبادة بن الصامت، يرويه عنه أنس بن مالك.

قال علي بن المديني: "وهم فيه مالك، وخالفه أصحاب حميد، وهم أعلم به منه، ولم يكن له بحميد علم كعلمه بمشيخة أهل المدينة"[الاستذكار (3/ 411)].

وقال ابن أبي حاتم في العلل (696): "سألت أبي وأبا زرعة، عن حديث رواه مالك بن أنس، عن حميد الطويل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في ليلة القدر.

فقالا: إنما هو عن أنس، عن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت لهما: الوهم ممن هو؟ قالا: من مالك".

وقال الدارقطني في العلل (12/ 54/ 2407): "اختلف فيه على حميد:

فرواه مالك بن أنس، عن حميد، عن أنس، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان. وتابعه أبو خالد الأحمر.

وقال معتمر: عن حميد، عن أنس؛ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر بليلة القدر، وقال في آخره: فقيل: يا أبا حمزة! سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حدثني به عبادة بن الصامت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال زهير بن معاوية، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن أبي عدي، وإسماعيل بن

ص: 116

جعفر، وخالد الواسطي، وعبد الله بن بكر السهمي: عن حميد، عن أنس، عن عبادة.

وكذلك قال حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، عن أنس، عن عبادة.

وهو الصحيح".

وقال في الأحاديث التي خولف فيها مالك (66): "خالفه حماد بن سلمة، وأبو شهاب الحناط، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق، ويحيى بن أيوب، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن بكر السهمي، وغيرهم، فرووه عن حميد، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو الصواب، ومالك قصر به؛ لم يذكر عبادة.

ورواه قتادة وثابت البناني، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 200): "هكذا روى مالك هذا الحديث، لا خلاف عنه في إسناده ومتنه، وفيه: عن أنس؛ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الحديث لأنس عن عبادة بن الصامت".

وقال في الاستذكار (3/ 411): "هكذا روى مالك هذا الحديث عن أنس، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخالفه أصحاب حميد، فإنهم رووه عن حميد، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .... "، ثم أسنده من طريق عبد الوهاب الثقفي، ثم قال:

"وكذلك رواه يحيى القطان، وبشر بن المفضل، وبن أبي عدي، وحماد بن سلمة، وغيرهم، عن حميد، عن أنس، عن عبادة، كلهم جعله من مسند عبادة"،

ثم ساق كلام ابن المديني الآنف ذكره.

وقال أبو العباس الداني في الإيماء إلى أطراف الموطأ (2/ 65): "وهذا محفوظ لأنس عن عبادة بن الصامت، وهكذا خرجه البخاري لأنس عن عبادة".

4 -

مرسل الحسن البصري:

رواه حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر".

أخرجه أحمد (2/ 385).

وهذا مرسل بإسناد صحيح.

وقد روي حديث الباب أيضاً:

5 -

من حديث سلمان [أخرجه ابن شاهين في فضائل رمضان (15)][وفي إسناده: علي بن زيد بن جدعان، وهو: ضعيف، وسلام بن سلم الطويل المدائني، وهو: متروك، منكر الحديث، ويحيى بن سعيد العطار، وهو: ضعيف، روى أحاديث منكرة].

[وأخرجه عبد الغني المقدسي في فضائل رمضان (36)] [وراويه عن ابن جدعان:

ص: 117

هلال بن عبد الرحمن الحنفي، وهو: متروك، منكر الحديث، يروي مناكير لا أصول لها، ولا يتابع عليها. اللسان (8/ 347)].

6 -

ومن حديث ابن عباس [أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (7/ 125 - ط الغرب)][الضحاك بن مزاحم: لم يسمع من ابن عباس، ولم يره. المراسيل لابن أبي حاتم (338 - 343 و 346)، الجرح والتعديل (1/ 131) و (4/ 458)، الضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 218)][والإسناد إليه مجهول، علي بن سعيد الباهلي، وإبراهيم بن منصور بن موسى السامري: مجهولان، فهو باطل من حديث حماد بن أبي سليمان، ومن حديث الضحاك بن مزاحم].

ومما جاء أيضاً في فضل قيام رمضان:

1 -

حديث عمرو بن مرة الجهني:

يرويه البخاري، ويحيى بن معين، ويعقوب بن سفيان، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وأبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي، وسمويه إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي، وعلي بن سعيد النسوي، وأحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، ومحمد بن رزق الله الكلوذاني، وعمر بن الخطاب السجستاني [وهم ثقات، أكثرهم أئمة حفاظ]، وأبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي [هو: أحمد بن عبد الرحيم بن يزيد الحوطي، قال ابن القطان:"لا يُعرف حاله"، ووصفه الذهبي بالمحدث. اللسان (1/ 524)، السير (13/ 153)]، وعلي بن الحسن بن معروف [القصاع الحمصي، روى له ابن منده في مواضع من كتاب الإيمان، وروى عنه أبو القاسم الطبراني، ولا يُعرف]:

عن أبي اليمان الحكم بن نافع [البهراني الحمصي: ثقة ثبت]، عن شعيب بن أبي حمزة [حمصي، ثقة، كان له كتاب يرويه عن ابن أبي حسين، وهو مكثر عنه]، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين [مكي، ثقة، عالم بالمناسك]: حدثني عيسى بن طلحة [هو: ابن عبيد الله التيمي المدني: ثقة فاضل]، عن [وفي رواية ابن معين: سمعت، عمرو بن مرة الجهني [وفي رواية أبي مسعود: وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم]، قال: جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة، فقال له: يا رسول الله أرأيتَ إن شهدتُّ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمتُ الشهر، وقمتُ رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 308)، ويحيى بن معين في الثاني من فوائده (190)، وابن خزيمة (3/ 340/ 2212)، وابن حبان (8/ 223/ 3438)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 333)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 23/ 2558)، والبزار (25 - كشف الأستار)(1/ 95 - الأحكام الكبرى)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 138 - 139/ 2939)، وابن منده في معرفة الصحابة (46/ 338 - تاريخ دمشق)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2010/ 5054) و (4/ 2011/ 5055)، وابن بشران في الأمالي (1024)، والبيهقي في الشعب (6/ 192/ 3345)، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه

ص: 118

(1/ 172/ 83)، وفي الجامع لأخلاق الراوي (2/ 207/ 1632)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 290/ 466) و (3/ 123/ 2207)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 364) و (46/ 337 و 338). [الإتحاف (12/ 526/ 16033)، المسند المصنف (23/ 197/ 10404)].

تنبيه: رواه إسماعيل الأصبهاني من طريق الطبراني، لكنه زاد عليه زيادتين لا تثبتان في هذا الحديث، زاد في قول القضاعي: وحججتُ البيتَ إن استطعتُ إليه سبيلاً فماذا لي؟، وزاد في المرفوع، فقال في آخره:"إلا أن يعقَّ والديه".

قال البزار: "وهذا الكلام لا نعلمه يروى إلا عن عمرو بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم له إسناداً غير هذا".

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، سمع بعضهم من بعض، ولم ينفرد به ابن أبي حسين عن عيسى بن طلحة.

فقد رواه عمرو بن خالد الحراني، وزيد بن الحباب، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، ومحمد بن أبي الخصيب [وهم ثقات]:

قالوا: ثنا ابن لهيعة [ضعيف، يعتبر به]، عن عبيد الله بن أبي جعفر [مصري، ثقة فقيه]، عن عيسى بن طلحة، عن عمرو الجهني، قال: جاء رجلٌ [من قضاعة] إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي، وصمت شهر رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من مات على هذا، كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة"، هكذا ونصب إصبعيه "ما لم يَعُقَّ والديه".

أخرجه أحمد (11/ 5747/ 24478 - ط المكنز)(12/ 526/ 16033 - إتحاف)(5/ 154/ 6843 - أطراف المسند)(5/ 96/ 8439 - جامع المسانيد)(2/ 355 - تفسير ابن كثير)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 378/ 1332 - السفر الثاني)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 197)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2011/ 5056). [الإتحاف (12/ 526/ 16033)، المسند المصنف (23/ 197/ 10404)].

وهذا إسناد صالح في المتابعات، فهو حديث صحيح دون زيادة:"ما لم يَعُقَّ والديه".

والحاصل: فإن حديث عمرو بن مرة: حديث صحيح.

وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان.

1373 -

. . . مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناسٌ، ثم صلى من القابلة فكثُرَ الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما

ص: 119

أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفرَضَ عليكم"، وذلك في رمضان.

حديث متفق على صحته

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 169/ 299)، ومن طريقه: البخاري (1129 و 2011)، ومسلم (761/ 177)، وأبو عوانة (2/ 251/ 3049)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 356/ 1734)، وأبو داود (1373)، والنسائي في المجتبى (3/ 202/ 1604)، وفي الكبرى (2/ 114/ 1299)، وابن حبان (6/ 283/ 2542)، وأحمد (6/ 177)، وجعفر الفريابي في الصيام (162 و 163)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (4/ 9/ 740)، والجوهري في مسند الموطأ (165)، والبيهقي في السنن (2/ 492)، وفي الشعب (5/ 482/ 2997)، وفي فضائل الأوقات (119)، والخطيب في المدرج (1/ 464 - 465)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 117/ 989). [التحفة (11/ 409/ 16594)، الإتحاف (17/ 188/ 22106)، المسند المصنف (37/ 267/ 17879)].

رواه عن مالك: عبد الله بن مسلمة القعنبي (147)، وعبد الله بن يوسف التنيسي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، ومعن بن عيسى، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو مصعب الزهري (274)، وعبد الرحمن بن القاسم (36)، ويحيى بن يحيى الليثي (299)، وبشر بن عمر الزهراني، ويحيى بن بكير، وقتيبة بن سعيد، وإسماعيل بن أبي أويس، ومحمد بن الحسن الشيباني (238).

وهذا لفظ القعنبي، وقال الجماعة:"صلى في المسجد ذات ليلةٍ"، وقالوا:"ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة"، هكذا بالشك.

هكذا اتفق رواة الموطأ، وأصحاب مالك على هذا الحديث، فلم يذكروا في آخره الزيادة المروية من حديث ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

* خالفهم فوهم فيه وهماً قبيحاً:

أبو عاصم النبيل [الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت][وقد تحرف في بعض المصادر إلى: أبي صالح]:

فرواه عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب في قيام رمضان بغير عزيمة، وقال:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

قال ابن شهاب: وكان الأمر على ذلك حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر.

أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (4/ 12/ 742)، وأبو علي المدائني في فوائده (8)، والخطيب في المدرج (1/ 464).

ص: 120

وقد شنع الخطيب على أبي عاصم في هذا الوهم، فقال (1/ 459):"وأما أبو عاصم فأفرد فصل الترغيب دون ما قبله بإسناد خالفه فيه الجماعة من أصحاب مالك، فكثر بذلك وهمه، وشفع فيه خطؤه".

* وقد وهم بعضهم لما قرن مالكاً في الإسناد بصالح بن أبي الأخضر؛ فحمل لفظ مالك على لفظ ابن أبي الأخضر، فجعل السياق للراوي الضعيف، وترك حديث أثبت الناس في الزهري؛ فإن صالح بن أبي الأخضر: ضعيف، من الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري، بينما مالك من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، بل هو من أثبت الناس فيه، إن لم يكن هو أثبتهم:

فقد روى أبو أمية [محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سالم الخزاعي، أبو أمية الطرسوسي، بغدادي الأصل: صدوق، يخطئ إذا حدَّث من حفظه. التهذيب (3/ 493)، الميزان (3/ 447)]: ثنا روح [يعني: ابن عبادة]، عن صالح بن أبي الأخضر، ومالك بن أنس، عن ابن شهاب؛ أن عروة أخبره؛ أن عائشة رضي الله عنها أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية وصلوا بصلاته، وأصبح الناس ليتحدثوا بذلك، فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد، فقال:"أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها".

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ويقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً فقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه".

أخرجه أبو عوانة (2/ 252/ 3051)، وأبو علي أحمد بن علي بن شعيب المدائني في فوائده (7)، ومن طريقه: الخطيب في المدرج (1/ 458). [الإتحاف (17/ 188/ 22106)].

قال الخطيب: "هكذا روى هذا الحديث روح بن عبادة عن مالك بن أنس، وساقه سياقةً واحدةً بإسناد واحد، ووهم في ذلك، ولعله حمل رواية مالك على رواية صالح بن أبي الأخضر لما جمع بينهما، والذي عند مالك بهذا الإسناد من أول الحديث إلى قوله: "فتعجزوا عنها"، وأما ما بعد ذلك من ذكر الترغيب في قيام رمضان إلى آخر الحديث، فإنما هو عنده عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، لا عن عروة.

واختلف عليه فيه، فقيل: عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقيل: عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

وقد روى عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد الأيليان، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ الحديث بطوله سياقة واحدة، كما ذكرناه عن روح عن صالح بن أبي الأخضر، وعن مالك".

ص: 121

تابع مالكاً عليه:

يونس بن يزيد الأيلي [وعنه: ابن وهب]، وعقيل بن خالد [وعنه: الليث بن سعد]: عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية، فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاةَ! فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد، فقال:"أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة [وفي رواية عقيل: فإنه لم يخف عليَّ مكانُكم]، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها"، زاد عقيل في آخره [عند البخاري]: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.

أخرجه البخاري (924 و 2012)، ومسلم (761/ 178)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 356/ 1735)، وابن حبان (6/ 285/ 2544) و (6/ 286/ 2545)، والخطيب في المدرج (1/ 461 و 462). [التحفة (11/ 395/ 16553) و (11/ 452/ 16713)، الإتحاف (17/ 188/ 22106)، المسند المصنف (37/ 267/ 17879)].

هكذا رواه البخاري في الموضعين، قال: حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل به، وانتهى في الموضع الأول إلى قوله:"فتعجزوا عنها"، ثم قال: تابعه يونس، وأما في الموضع الثاني، فزاد في آخره: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.

وأما مسلم، فقال: وحدثني حرملة بن يحيى: أخبرنا عبد الله بن وهب: أخبرني بونس بن يزيد به، وانتهى إلى قوله:"فتعجزوا عنها"، وكذا أخرجه أبو نعيم وابن حبان من طريق حرملة به هكذا.

ورواه معمر بن راشد، وابن جريج:

عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة في شهر رمضان

، فذكرا الحديث بمعناه، إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"ولكني خشيت أن يفرض عليكم فتعجزوا عنه"، بدون الزيادة التي في آخره الآتي ذكرها.

ولفظ ابن جريج [عند أحمد]: ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب، قال: قال عروة: قالت عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من جوف الليل، فصلى في المسجد، فثاب رجالٌ فصلوا معه بصلاته، فلما أصبح الناس تحدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، فصلى في المسجد من جوف الليل، فاجتمع الليلة المقبلة أكثر منهم، قالت: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، فصلى وصلوا معه بصلاته، ثم أصبح فتحدثوا بذلك، فاجتمع الليلة الثالثة ناسٌ كثير حتى كثر أهل المسجد، قالت: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فصلى، فصلوا

ص: 122

معه، فلما كانت الليلة الرابعة، اجتمع الناس حتى كاد المسجد يعجز عن أهله، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فلم يخرج، قالت: حتى سمعت ناساً منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صلى صلاة الفجر سلم، ثم قام في الناس، فتشهد، ثم قال:"أما بعد! فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها".

أخرجه من طريق ابن جريج وحده، أو: من طريق معمر وحده، أو: من طريق معمر وابن جريج مقرونين:

ابن خزيمة (2/ 172 - 173/ 1128)، وأبو عوانة (2/ 251/ 3047 و 3048)، وابن الجارود (402)، وأحمد (6/ 169 و 232)، وإسحاق بن راهويه (1/ 441/ 642 - ط التأصيل)، وعبد الرزاق (3/ 43/ 4723) و (4/ 265/ 7746 و 7747)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 145/ 2553)، والخطيب في المدرج (1/ 466). [الإتحاف (17/ 188/ 22106)، المسند المصنف (37/ 267/ 17879)].

* تنبيه: انفرد معمر في روايته بقوله: فلما أصبح قال له عمر بن الخطاب: ما زال الناس ينتظرونك البارحة يا رسول الله!، هكذا عين ما أبهم في رواية غيره.

ولفظه أخصر سياقاً من لفظ غيره: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً في المسجد في شهر رمضان، ومعه ناس، ثم صلى الثانية فاجتمع تلك الليلة أكثر من الأولى، فلما كانت الثالثة أو الرابعة امتلأ المسجد حتى اغتص بأهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الناس ينادونه: الصلاةَ، فلم يخرج، فلما أصبح، قال له عمر بن الخطاب: ما زال الناس ينتظرونك البارحة يا رسول الله؟ قال: "أما إنه لم يخف علي أمرهم، ولكني خشيت أن تكتب عليهم".

وهو حديث صحيح، صححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن الجارود.

قال الخطيب في المدرج (1/ 459): "وروى عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد وابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: الفصل الأول إلى ذكر العجز عن القيام.

وروى الفصل الثاني، وهو من ذكر الترغيب إلى آخر المتن، عن معمر ومالك معاً، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وميز أحد الفصلين من الآخر بإسناد مفرد مجدد له، ورواية عبد الرزاق للحديث على هذين الوجهين موافقة لما تواطأ على روايته عن مالك عامة أصحابه، وفي ذلك دليل على وهم روح بن عبادة وأبي عاصم في روايتهما، ودليل أيضاً على أن روايات عقيل ويونس وشعيب عن الزهري أُدرج متنُ حديث أبي سلمة فيها على إسناد حديث عروة عن عائشة، والله أعلم".

قلت: ويؤيد ذلك تصرف البخاري ومسلم في ترك إخراج هذه الزيادة المدرجة، بل إن البخاري لما زاد في الموضع الثاني من حديث عقيل:"فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك"، دل على أنه حذف الزيادة عمداً؛ لشذوذها عنده، وأبقى منها إشارة تدل عليها، والله أعلم.

ص: 123

ورواه سفيان بن حسين [ثقة في غير الزهري، فإنه ليس بالقوي فيه]، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى في المسجد ذات ليلة في رمضان، وصلى خلفه ناسٌ بصلاته، ثم نزل الليلة الثانية، فكانوا أكثر من ذلك، ثم كثروا في الليلة الثالثة، فلما كانت الليلة الرابعة، غصَّ المسجد بأهله، فلم ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا في ذلك: ما شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل؟ فسمع مقالتهم، فلما أصبح، قال:"يا أيها الناس! إني قد سمعت مقالتكم، وإنه لم يمنعني أن أنزل اليكم إلا مخافة أن يفترض عليكم قيام هذا الشهر".

وفي رواية: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان، فصلى في المسجد أناس خلفه، فلما أصبحوا ذكروا ذلك، فكثر الناس الليلة الثانية، فلما كانت الليلة الثالثة غص المسجد بأهله، فلم ينزل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، فلما أصبح ذكروا ذلك له، فقال:"قد علمت بمكانكم، وعمداً فعلت ذلك".

أخرجه أحمد (6/ 182)، وعبد بن حميد (1470)، وأبو محمد الخلال في المجالس العشرة (42). [الإتحاف (17/ 188/ 22106)، المسند المصنف (37/ 267/ 17879)].

قلت: وهو حديث حسن، وسفيان بن حسين وإن كان تكلم في روايته عن الزهري، وضُغِّف فيه، إلا أنه هنا قد تابع ثقات أصحاب الزهري في إسناده، لكنه قد رواه بالمعنى، ولم يخل بأصله، والرواية الأولى أشبه برواية الثقات، ولم يأت بالزيادة المدرجة في آخره.

ووجه آخر فيمن لم يأت بالزيادة المدرجة في آخره:

فقد روى الطبراني في الأوسط (2/ 6/ 1043)، قال: حدثنا أحمد، قال: نا أبو جعفر [هو: النفيلي، عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني: ثقة حافظ]، قال: قرأت على معقل بن عبيد الله [جزري حراني: لا بأس به]، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً في شهر رمضان فصلى في المسجد، فصلى رجال وراءه بصلاته، وأصبح الناس فتحدثوا بذلك، حتى إذا كان الليلة الثانية خرج فصلى في المسجد، فلما كانت الليلة الثالثة لم يخرج، فصاح الناس، وقرعوا بابه، فلم يخرج، فلما أصبح قال:"إنه لم يخف عليَّ مكانكم، ولكني خشيت أن يفرض عليكم، فلا تقوموا به".

قلت: شيخ الطبراني هو: أبو الفوارس أحمد بن عبد الرحمن بن يزيد بن عقال الحراني، قال فيه ابن عدي:"هو ممن يكتب حديثه"، وأنكر عليه حديثاً واحداً أخطأ في متنه، فرواه بالضد، قال ابن عدي: "وهذا حديث شُبِّه على أبي الفوارس هذا [يعني: ابن عقال الحراني]،

، فجاء بهذا الحديث بالضد،

ولم أر في حديثه أنكر من هذا، وهو ممن يكتب حديثه، وليس عندي عن أبي الفوارس عن النفيلي أنكر من هذا الحديث"، وقال فيه بلديُّه الحافظ أبو عروبة الحراني: "لم يكن بمؤتمن على نفسه ولا دينه"، وبلدي الرجل أعلم به من الغرباء، وقال الهيثمي: "ضعيف" [الكامل (1/ 203) (1/ 466 - ط الرشد)، اللسان (1/ 523)، مجمع الزوائد (5/ 48) و (9/ 272)].

ص: 124

قلت: يبدو أن ابن عدي لم يسبر حديث ابن عقال كله، فلم يكن عنده ما ينكر سوى هذا الحديث، لا سيما وقد قال ابن عدي في أول ترجمته:"كتبت عنه بها [يعني: بحران] انتقاء أبي زرعة الرازي على أبي جعفر النفيلي"، والغالب على انتقاء أبي زرعة الاستقامة، يعني: أنه كتب عنه أحاديث مستقيمة لأبي جعفر النفيلي فيما انتقاه أبو زرعة.

لكن يمكن حمل كلام ابن عدي على أن ابن عقال هذا كان عنده جملة وافرة من أحاديث أبي جعفر النفيلي؛ مما يتابعه عليها الثقات، وأن الأصل قبول حديثه ما لم يأت عن أبي جعفر بما يخالفه فيه الثقات، بينما كلام أبي عروبة فيه نقد شديد، لكنه مجمل غير مؤيد بأدلة تدل على قلة ضبطه في الرواية، أو القدح في عدالته، والذي يظهر لي: أن سبر ابن عدي لبعض مرويات أبي الفوارس مما يعطي الرجل قوة، وأنه ليس بساقط الرواية، ولا متهماً بحديث، والله أعلم.

وبناء على ذلك: فإن إسناد هذا الحديث إلى الزهري: إسناد حراني لا بأس به، رواته معروفون بالرواية عن بعضهم، وابن عقال مشهور بالرواية عن بلديه أبي جعفر النفيلي الحراني، مكثر عنه، وقد أخرج له ابن عدي في مواضع من كامله أحاديث لأبي جعفر النفيلي، وقد أكثر عنه الطبراني في مصنفاته، وأخرج له أحاديث قد توبع عليها.

* هذا ما وقفت عليه: فيمن روى هذا الحديث عن الزهري بدون الزيادة المدرجة، وهم: مالك بن أنس، ومعمر بن راشد، وابن جريج، ويونس بن يزيد الأيلي، وعقيل بن خالد، وسفيان بن حسين، ومعقل بن عبيد الله، وإن كان قد اختلف على بعضهم:

فأما حديث مالك؛ فقد تقدم ذكر من وهم عليه فيه، ولم يختلف على معمر وابن جريج وسفيان بن حسين.

وأما حديث عقيل:

فقد خالف فيه البخاريَّ فزاد في آخره الزيادة المدرجة:

أبو محمد عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار [وهو: بغدادي صدوق، حدث عن جماعة من أهل مصر، وله أوهام. الثقات (8/ 434)، سؤالات الحاكم (154)، تاريخ بغداد (11/ 99)، تاريخ دمشق (38/ 208)، سير أعلام النبلاء (13/ 385)، اللسان (5/ 355)]: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير: ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب؛ أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً من جوف الليل يصلي في المسجد، فصلى رجال يصلون بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة الثانية فصلى فصلوا معه، فتحدثوا بذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاةَ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال:"أما بعد! فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها".

ص: 125

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم فى قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه، فيقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

أخرجه البيهقي في السنن (2/ 493)(5/ 320/ 4663 - ط هجر)، وفي المعرفة (2/ 303/ 1364)، والخطيب في المدرج (1/ 460).

قال الخطيب: "رواه محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه الصحيح عن ابن بكير، وساقه بطوله إلى قوله: "فتعجزوا عنها"، وقال بعده: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ولم يزد، ولا ذكر فصل الترغيب، ونرى أنه إنما حذفه لما ثبت عنده أنه في حديث أبي سلمة، وليس من حديث عروة".

* ورواه عبد الله بن صالح [أبو صالح كاتب الليث: صدوق، كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]: حدثني الليث، قال: أخبرني عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه جعفر الفريابي في الصيام (169).

وهذه الرواية عن الليث بن سعد تؤيد كلام الخطيب، وهو أن هذه الزيادة المدرجة في آخر الحديث كانت عند البخاري من رواية عقيل، لكنه حذفها عمداً، بدليل أنه أشار إلى وجودها؛ فأورد منها لفظة واحدة:"فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك".

وأما حديث يونس:

فرواه عبد الله بن الحارث المخزومي، وعثمان بن عمر بن فارس، والليث بن سعد [وهم ثقات] [رواه عن الليث: أبو صالح عبد الله بن صالح]:

عن يونس الأيلي، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في جوف الليل فصلي في المسجد، فصلى بالناس [وفي رواية عثمان بن عمر: فصلى رجال بصلاته]، وأصبح الناس يتحدثون ذلك، فكثر الناس فخرج عليهم الليلة الثانية، فصلى فصلوا بصلاته، فأصبحوا يتحدثون ذلك، حتى كثر الناس فخرج الليلة الثالثة، فصلى فصلوا بصلاته، فأصبحوا يتحدثون ذلك، فكثر الناس حتى عجز المسجد عن أهله [وفي رواية عثمان بن عمر: فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله]، فلم يخرج إليهم، فطفق الناس يقولون: الصلاة! فلم يخرج إليهم، [وفي رواية عثمان بن عمر: فكمن رسول الله صلى الله عليه وسلم] حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس [بوجهه] فتشهد [فحمد الله، وأثنى عليه]، ثم قال:"أما بعد! فإنه لم يخفَ علي شأنكم الليلة، ولكني خشيتُ أن يفرض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عن ذلك".

قال: فكان يرغِّبهم في قيام الليل من غير أن يأمرهم بعزيمة أمرٍ، ويقول: "من قام

ص: 126

ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". [وفي رواية عثمان بن عمر: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبها].

قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كذلك حتى كان في خلافة أبي بكر الصديق، وصدراً من خلافة عمر، حتى جمعهم عمر على أبي بن كعب، فقام بهم في رمضان، فكان ذلك أول اجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان [وفي رواية عثمان بن عمر: فكان ذلك أول ما اجتمع الناس على قيام رمضان].

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 155/ 2193)، وفي الكبرى (3/ 124/ 2514)، وابن خزيمة (2/ 172 - 173/ 1128) و (3/ 338/ 2207)، وابن حبان (6/ 284/ 2543)، وأحمد (6/ 232)، وإسحاق في مسنده (1/ 497/ 824 - ط التأصيل)، وجعفر الفريابي في الصيام (167 و 168)، والخطيب في المدرج (1/ 461). [التحفة (11/ 452/ 16713)، الإتحاف (17/ 188/ 22106)، المسند المصنف (37/ 267/ 17879)].

قال الخطيب في المدرج (1/ 463): "ونرى أن مسلماً اقتدى بالبخاري في حذفه من المتن ما بعد هذا؛ لكونه حديثاً غيره بإسناد آخر".

ورواه شعيب بن أبي حمزة [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزهري][وعنه: ابنه بشر]، ومعقل بن عبيد الله [جزري حراني: لا بأس به] [وعنه: سعيد بن حفص خال النفيلي، قال ابن القطان في بيان الوهم (5/ 48/ 2287):"سعيد بن حفص، خال النفيلي: لا أعرف حاله"، وقال ابن قطلوبغا في ثقاته (4/ 468):"حراني ثقة، روى عنه بقي، قاله مسلمة":

عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً في جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج في الليلة الثانية، وكثر أهل المسجد في الليلة الثانية، فصلى فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، وكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم، فطفق رجال يقولون: الصلاةَ، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الصلاة أقبل على الناس، وتشهد، ثم قال:"أما بعد! فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها".

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه، ويقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 155/ 2195)، وفي الكبرى (3/ 125/ 2516)، وأبو عوانة (2/ 251/ 3050)، وابن حبان (1/ 353/ 141)، وجعفر الفريابي في الصيام

ص: 127

166 -

، ومن طريقه: الخطيب في المدرج (1/ 463). [التحفة (11/ 372/ 16488)، الإتحاف (17/ 188/ 22106)، المسند المصنف (37/ 267/ 17879)].

ورواه الليث بن سعد [وعنه: قتيبة بن سعيد]، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة فيه، فيقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أخرجه جعفر الفريابي في الصيام (170).

قلت: إنما يرويه الليث عن الزهري بواسطة، فرواه مرة عن عقيل عن الزهري، ورواه مرة أخرى عن يونس عن الزهري.

وروى إسحاق بن راشد [ثقة، ليس بذاك في الزهري]، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب الناسَ في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمةِ أمرٍ فيه، فيقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، كان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 154/ 2192)، وفي الكبرى (3/ 124/ 2513) و (3/ 407/ 3412)، والطبراني في الأوسط (5/ 153/ 4922) و (9/ 120/ 9299). [التحفة (11/ 342/ 16411)، المسند المصنف (37/ 272/ 17879)].

قال النسائي: "إسحاق بن راشد: ليس بذاك القوي في الزهري، وموسى بن أعين: ثقة"، يعني: راويه عن إسحاق.

وقال المزي في التحفة حكاية عن النسائي: "ذكره في جملة أحاديث، ثم قال: وكلها عندي خطأ، وينبغي أن يكون: "وكان يرغبهم" من كلام الزهري، ليس عن عروة عن عائشة، وإسحاق بن راشد: ليس في الزهري بذاك القوي، وموسى بن أعين: ثقة".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسحاق بن راشد إلا موسى بن أعين".

قلت: غلط فيه إسحاق بن راشد؛ إنما هو: الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: هكذا روى هذا الحديث عن الزهري: عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، ومعقل بن عبيد الله، وصالح بن أبي الأخضر، فزادوا في آخره:

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه، ويقول:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر.

وجعلوه من حديث الزهري عن عروة عن عائشة.

ص: 128

* قلت: أما آخره: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك

، فالمحفوظ أنه من قول الزهري، فصله مالك في روايته. راجع الحديث السابق برقم (1371).

* وأما الترغيب في قيام رمضان مع بيان فضل قيامه: فقد رواه مالك بن أنس ومعمر بن راشد، من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به مرفوعاً.

لا من حديث الزهري عن عروة عن عائشة.

* ورواه عقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كيسان، ويونس بن يزيد، وابن أبي ذئب:

عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".

* ورواه سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم:"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

* ورواه يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أن أبا هريرة حدثهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

* ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

* ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

راجع تخريج هذه الروايات في الحديثين السابقين (1371 و 1372).

فتبين بذلك اشتهار هذا الحديث في التركيب في قيام رمضان، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة؛ وأن من رواه في آخر حديث الزهري عن عروة عن عائشة، فقد أدرجه فيه.

* والدليل على الإدراج: أن مالكاً ومعمر بن راشد قد فصلا الحديثين، فجعلا الترغيب في قيام رمضان: من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

وجعلا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قيام رمضان بالناس في المسجد ثلاث ليال: من حديث الزهري عن عروة عن عائشة.

وعليه؛ يدل تصرف البخاري ومسلم في صحيحيهما، حيث أخرجاه من هذين الوجهين المذكورين، مع حذف موضع الإدراج من حديث عروة عن عائشة.

* وقد سبق أن فرقت كلام الخطيب عن هذه المسألة في مواضع متفرقة، وها أنا أسوقه مجموعاً في موضع واحد، حتى يتبين به المراد:

ص: 129

قال الخطيب في المدرج: "هكذا روى معمر بن راشد هذا الحديث عن الزهري، وآخر المسند المرفوع قوله: "ما تقدم من ذنبه"، وأما الكلام الذي بعده فليس من قول أبي هريرة، وإنما هو من قول الزهري، بين ذلك مالك بن أنس في روايته عنه هذا الحديث".

وقال أيضاً: "هكذا روى هذا الحديث روح بن عبادة عن مالك بن أنس، وساقه سياقةً واحدةً بإسناد واحد، ووهم في ذلك، ولعله حمل رواية مالك على رواية صالح بن أبي الأخضر لما جمع بينهما، والذي عند مالك بهذا الإسناد من أول الحديث إلى قوله: "فتعجزوا عنها"، وأما ما بعد ذلك من ذكر الترغيب في قيام رمضان إلى آخر الحديث؛ فإنما هو عنده عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، لا عن عروة.

واختلف عليه فيه، فقيل: عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقيل: عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

وقد روى عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد الأيليان، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ الحديث بطوله سياقة واحدة، كما ذكرناه عن روح عن صالح بن أبي الأخضر، وعن مالك".

وقال أيضاً (1/ 459): "وروى عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد وابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: الفصل الأول إلى ذكر العجز عن القيام.

وروى الفصل الثاني، وهو من ذكر الترغيب إلى آخر المتن، عن معمر ومالك معاً، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وميز أحد الفصلين من الآخر بإسناد مفرد مجدد له، ورواية عبد الرزاق للحديث على هذين الوجهين موافقة لما تواطأ على روايته عن مالك عامةُ أصحابه، وفي ذلك دليل على وهم روح بن عبادة وأبي عاصم في روايتهما، ودليل أيضاً على أن روايات عقيل ويونس وشعيب عن الزهري أُدرج متنُ حديث أبي سلمة فيها على إسناد حديث عروة عن عائشة، والله أعلم".

وقال أيضاً: "رواه محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه الصحيح عن ابن بكير، وساقه بطوله إلى قوله: "فتعجزوا عنها"، وقال بعده: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ولم يزد، ولا ذكر فصل الترغيب، ونرى أنه إنما حذفه لما ثبت عنده أنه في حديث أبي سلمة، وليس من حديث عروة".

وقال أيضاً (1/ 463): "ونرى أن مسلماً ا قتدى بالبخاري في حذفه من المتن ما بعد هذا؛ لكونه حديثاً غيره بإسناد آخر".

وقال أيضاً (1/ 463): "وفي روايات عقيل ويونس وشعيب التي ذكرناها ألفاظ ليست من حديث عروة، ولا من حديث أبي سلمة، وهي: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، إلى آخر المتن.

وهذا الألفاظ إنما هي قول الزهري أُدرجت أيضاً في الحديث، وقد رواها مبينةً مفصولةً من المتن الذي وُصلت به: مالك عن الزهري".

ص: 130

* وقد سئل الدارقطني عن حديث عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"؟

فقال في العلل (15/ 10/ 3805)(9/ 10/ 3805 - ط الريان): "يرويه الزهري، واختلف عنه:

فرواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

وتابعه أبو عاصم، وروح، عن مالك، فقالا: عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

وقال ابن وهب، وجويرية: عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، وحميد، عن أبي هريرة. وقال يحيى بن بكير، وأيوب بن سويد، وعبد الرزاق، وعثمان بن عمر، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة.

وقال أصحاب الموطأ: عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، مرسلاً. وعن مالك، عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة. وكذلك قال معمر، ويونس: عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة.

وقال ابن عيينة: عن الزهري، عن أبي سلمة، وحميد، عن أبي هريرة.

وقال ابن أخي الزهري، عن عمه، عن سالم، عن أبيه.

والمحفوظ: عن الزهري، عن أي سلمة، وحميد، عن أبي هريرة".

1374 قال أبو داود: حدثنا هناد: حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعاً، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت له حصيراً، فصلى عليه

، بهذه القصة، قال فيه: قال- وتعني النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، أما والله ما بتُّ ليلتي هذه بحمد الله غافلاً، ولا خفِيَ عليَّ مكانُكم".

حديث حسن

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1126)(12/ 100/ 1126 - فضل الرحيم الودود). [التحفة (11/ 788/ 17747)].

وانظر بقية طرق حديث عائشة فيما تقدم برقم (1126)، وبرقم (1368)، وراجع أيضاً بعض طرقه في فضل الرحيم الودود (7/ 315/ 656) و (7/ 334/ 659).

ومما جاء في الباب أيضاً:

1 -

حديث زيد بن ثابت:

يرويه عبد الله بن سعيد بن أبي هند: حدثنا سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، قال: احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة، أو

ص: 131

حصير، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم[وفي رواية: من الليل، يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاؤوا ليلةً فحضروا، وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، قال: فلم يخرج إليهم، [وفي رواية: فتنحنحوا] فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".

أخرجه البخاري (6113)، ومسلم (781/ 213)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (1/ 207/ 1044).

* ورواه أيضاً: وهيب بن خالد: حدثنا موسى بن عقبة، قال: سمعت أبا النضر، يحدث عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير [في رمضان]، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي، حتى اجتمع إليه ناس [وفي رواية: فصلى بصلاته ناس من أصحابه]، ثم فقدوا صوته ليلةً [وفي رواية: فلما علم بهم جعل يقعد]، فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، [وفي رواية: فخرج إليهم]، فقال:"ما زال بكم الدي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".

أخرجه البخاري (731 و 731 م و 7290)، ومسلم (781/ 214)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (11/ 208/ 1044)، وراجع بقية طرقه هناك.

2 -

حديث أنس بن مالك:

يرويه عفان بن مسلم، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وبهز بن أسد، وحجاج بن محمد المصيصي، وهدبة بن خالد، وعاصم بن علي [وهم ثقات]:

عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء رجل آخر فقام أيضاً، [ثم جاء آخر]، حتى كنا رهطاً، فلما حسَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّا خلفه؛ جعل يتجوَّز في الصلاة، ثم دخل رحله [منزله]، [فلما دخل منزله] صلى صلاةً لا يصليها عندنا، قال: قلنا له حين أصبحنا: [يا رسول الله!] أفطنت لنا الليلة [البارحة]؟ قال: فقال: "نعم، ذاك الذي حملني على الذي صنعت".

قال: فأخذ يواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك في آخر الشهر، فأخذ رجال من أصحابه يواصلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما بال رجال يواصلون؟ انكم لستم مثلي، أما والله! لو تمادَّ لي الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمِّقون تعمُّقهم".

أخرجه مسلم (1104/ 59)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (3/ 179/ 2485)، وأحمد (3/ 193)، وعبد بن حميد (1266)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (216 - مختصره)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 210/ 2048)، وابن حجر في التغليق (5/ 315)،

ص: 132

وعلقه البخاري بعد الحديث رقم (7241). [التحفة (1/ 289/ 407)، الإتحاف (1/ 534/ 662)، المسند المصنف (2/ 176/ 705)].

3 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه يعقوب بن عبد الله بن سعد القمى الأشعري [ليس به بأس]، قال: حدثنا عيسى بن جارية، عن جابر بن عبد الله، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان [ليلةً] ثمان ركعاتٍ، وأوتر، فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج فيصلي بنا، فأقمنا فيه حتى أصبحنا، فقلنا: يا رسول الله! رجونا أن تخرج فتصلي بنا، قال:"إني كرهت - أو: خشيت - أن يكتب عليكم الوتر".

وروي من نفس الوجه بقصة أخرى مغايرة:

رواه يعقوب بن عبد الله القمي: ثنا عيسى بن جارية الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، قال: جاء أبي بن كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنه كان مني البارحة شيء، قال:"وما هو يا أبي؟ "، قال: نسوة معي في الدار، قلن لي:[إنا لا نقرأ القرآن] نصلي الليلة بصلاتك [فصليت بهن ثمان ركعات والوتر]، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شبهَ الرضا [ولم يقل شيئاً]، قال: وذلك في شهر رمضان.

وفي رواية: عن جابر، عن أبي، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! عملت الليلة عملاً، قال:"ما هو؟ "، قال: نسوة معي في الدار قلن لي: إنك تقرأ ولا نقرأ، فصل بنا، فصليت ثمانياً والوتر، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرأينا أن سكوته رضاً بما كان.

أخرجه ابن عدي في ترجمة عيسى بن جارية، وقال:"وبهذا الإسناد ثمانية أحاديث أخر، غير محفوظة"، ثم قال عن هذا الحديث وغيره:"وكلها غير محفوظة".

قلت: كلاهما حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1340).

* فائدة:

قال ابن العربي في القبس شرح الموطأ (1/ 281) تعليقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها"؛ قال: "وذلك أنه سأل لأمته ليلة الإسراء التخفيف، والحطَّ من خمسين صلاة إلى خمس، فلو أجمعوا على هذه الصلاة لجاز أن يقال له: سألت التخفيف عنهم فخففنا، فتراهم قد التزموا من قبل أنفسهم زائداً على ذلك فيلزمهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، وهذا يدلك على فضل الجماعة وعظيم موقعها في الدين؛ لأن كل أحد كان يصلي في بيته ليلاً، ولم يخَفِ النبي صلى الله عليه وسلم بوجه الفرضية بذلك، وإنما خافها عند الاجتماع عليها، فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدته، وأبو بكر رضي الله عنه خلافته؛ لاشتغاله بتأسيس القواعد وربط المعاقد وبنيان الدعائم وتحصين الحوزة وسد الثغور بأهل النجدة، ثم جاء عمر رضي الله عنه والأمور منتظمة والقلوب لعبادة الله تعالى فارغة والنفوس إلى الطاعات صبة، فلما رآهم في المسجد أوزاعاً رأى أن ينظم شملهم

ص: 133

بإمام واحد أفضل ديناً، وأكثر انتفاعاً، فجمعهم على أبي، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في لياليه الثلاث التي صلى فيها، ولعلمه بأن العلة التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لها من خوف الفريضة قد زال، فصار قيام رمضان سنةً للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد زوال العلة التي تركه لأجلها، وصار بدعة، لأنه لم يكن مفعولاً فيما سلف من الأزمنة، ونعمت البدعة: سنة أحييت وطاعة فعلت".

1375 -

. . . داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر، قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب ثلثُ الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتى ذهب شطرُ الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفَّلتنا قيامَ هذه الليلة، قال: فقال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبَ له قيامُ ليلة"، قال: فلما كانت الرابعةُ لم يقم، فلما كانت الثالثةُ جمع أهلَه ونساءَه والناسَ، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاحُ، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقُم بنا بقيةَ الشهر.

حديث صحيح

أخرجه الترمذي (806)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(4/ 11/ 741)، والنسائي في المجتبى (3/ 83/ 1364) و (3/ 202/ 1605)، وفي الكبرى (2/ 108/ 1289) و (2/ 114/ 1300)، وابن ماجه (1327)(1406 - ط المكنز)، والدارمي (1929 - ط البشائر)، وابن خزيمة (3/ 337/ 2206)، وابن حبان (6/ 288/ 2547)، وابن الجارود (403)، وأحمد (5/ 159 و 163)، والطيالسي (1/ 373/ 468)، وعبد الرزاق (4/ 254/ 7706)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (5/ 44)، وابن أبي شيبة (2/ 164/ 7695)، وابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (42)، وفي التهجد وقيام الليل (400)، والبزار (9/ 432 - 434/ 4041 - 4043)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (215 - مختصره)، وجعفر الفريابي في الصيام (152 - 154)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 187/ 2664)، والطحاوي (1/ 349)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 189)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 207 و 276)، والبيهقي في السنن (2/ 494)، وفي الشعب (5/ 488/ 3007) - و (5/ 489/ 3008) و (6/ 238/ 3410)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 112)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 124/ 991)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (63/ 159). [التحفة (8/ 416/ 11903)، الإتحاف (14/ 108/ 17480 و 17481)، المسند المصنف (27/ 317/ 12316)].

ص: 134

رواه عن داود بن أبي هند: يزيد بن زريع، وهثيم بن بشير، وسفيان الثوري [وعنه: عبد الرزاق، وعبيد الله بن موسى، وهما ثقتان، وتابعهما: مهران بن أبي عمر الرازي، وهو: لا بأس به، يغلط في حديث الثوري]، وخالد بن عبد الله الواسطي الطحان، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وبشر بن المفضل، ومحمد بن فضيل، ووهيب بن خالد، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى [وهم ثقات، أكثرهم أثبات]، وعلي بن عاصم [الواسطي: صدوق، كثير الغلط والوهم، فماذا روجع أصر ولم يرجع، لذا فقد تركه بعضهم]، ومسلمة بن علقمة [لين الحديث في ابن أبي هند، يروي عنه مناكير]، وغيرهم.

وفى رواية ابن فضيل [عند الترمذي والنسائي وغيرهما]: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيامُ ليلتة" وبنحوه رواه علي بن عاصم، وخالد الطحان، وقال:"إنه من قام مع الإمام حتى ينفتل حسب له قيام ليلة"، وبنحوه رواه بشر بن المفضل، قال:"إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة".

وفي رواية يزيد [عند الفريابي]، وهشيم [عند أبي عبيد]:"إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلته".

وفي رواية ابن أبي زائدة [عند الفريابي والطوسي]: "إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام بقية ليلته".

وفي رواية مسلمة [عند ابن ماجه]: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف فإنه يعدل قيامَ ليلة".

وفي رواية الثوري [عند أحمد عن عبد الرزاق]: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له بقية ليلته".

وفي رواية وهيب [عند الطحاوي]: "إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة".

* وقد جاء التصريح بسماع جبير بن نفير من أبي ذر، قال: حدثنا أبو ذر، بأسانيد صحيحة، من رواية هشيم [عند أبي عبيد والبغوي]، ومن رواية علي بن عاصم [عند البيهقي]، لكنه عند أحمد من طريق علي بن عاصم بالعنعنة، كما ورد التصريح بالسماع أيضاً عند ابن المنذر لكن سقط عنده من الإسناد مَن دون داود بن أبي هند؛ فصار كالمعلق، فلم أقف على راويه عن داود.

وجبير بن نفير الحمصي: ثقة جليل، مخضرم، من كبار التابعين، حتى قال أبو داود:"أكبر تابعي أهل الشام: جبير بن نفير"، وقال أبو حاتم:"ثقة، من كبار تابعي أهل الشام القدماء"، ثبت سماعه من أبي ذر في هذا الحديث، وقال البخاري في التاريخ الكبير:"سمع أبا الدرداء وأبا ذر"، وتبعه على ذلك مسلم في الكنى، ولم يذكر أحدٌ من الأئمة أن روايته عن أبي ذر مرسلة [انظر: التاريخ الكبير (2/ 223)، الكنى لمسلم (2035)، المراسيل (74)، الجرح والتعديل (2/ 513)، طبقات ابن سعد (7/ 440)، سؤالات

ص: 135

الآجري (125)، الثقات (4/ 111)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 525)، الاستيعاب (314)، تاريخ الإسلام (5/ 381)، السير (4/ 76)، إكمال مغلطاي (3/ 170)، تحفة التحصيل (47)، الإصابة (1/ 631)، التهذيب (1/ 292)].

والوليد بن عبد الرحمن الجرشي، مولى آل أبي سفيان، الأنصاري: حمصي ثقة، من الطبقة الرابعة، سمع جبير بن نفير، قاله البخاري [التاريخ الكبير (8/ 147)، الجرح والتعديل (9/ 9)، الثقات (7/ 552)، التهذيب (4/ 319)].

وداود بن أبي هند: بصري، ثقة متقن، من الطبقة الخامسة.

فهو إسناد صحيح متصل.

وأما تسمية الليالي التي قامها النبي صلى الله عليه وسلم، فهكذا سماها محمد بن فضيل، وتابعه على ذلك: يزيد بن زريع، وهشيم، وخالد الطحان، وابن أبي زائدة، وابن المفضل، ومسلمة بن علقمة، ووهيب بن خالد [عند الطحاوي]، فكان العد عندهم بما بقي من الشهر.

وجاء في رواية ابن أبي زائدة تسمية الليلة الخامسة التي بقيت، والتي صلى بهم حتى ذهب شطر الليل، قال:"ثم قام بنا ليلةَ خمسٍ وعشرين حتى ذهب نحوٌ من شطر الليل".

ولفظ الثوري يزيده وضوحاً: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبعٌ [ليال]، فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم لم يقم بنا الليلة الرابعة، وقام بنا الليلة التي تليها [ليلة الخامسة] حتى ذهب نحو من شطر الليل، قال: فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له بقية ليلته"، ثم لم يقم بنا [ليلة] السادسة، وقام بنا [ليلة] السابعة، وقال: وبعث إلى أهله [ونسائه]، واجتمع الناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.

وهاتان الروايتان تؤكدان أن الشهر كان ناقصاً في هذه السُّنَّة، وأن الليالي التي صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها: هي ليلة الثالث والعشرين، وليلة الخامس والعشرين، وليلة السابع والعشرين، والثوري وابن أبي زائدة: من كبار الحفاظ المتقنين، الذين تقبل زيادتهم، وتقدم روايتهم على غيرهم عند الاختلاف.

بينما وقع في رواية علي بن عاصم [عند أحمد]: أن الليالي التي قامها النبي صلى الله عليه وسلم على الترتيب الوارد في الحديث: ليلة أربع وعشرين، وليلة ست وعشرين، وليلة ثمان وعشرين، وفسرها في رواية البيهقي، فقال علي بن عاصم في الأولى: هذه السابعة، وقال في الثانية: هذه الخامسة، وقال في الثالثة: ثلاث بقين.

وعلى هذه الرواية يكون الشهر تاماً ثلاثين يوماً.

وهذه الرواية وهم بلا شك، وعلي بن عاصم الواسطي: صدوق، كثير الغلط والوهم، فإذا روجع أصر ولم يرجع، لذا فقد تركه بعضهم.

ص: 136

وكذلك وقع في رواية وهيب [عند الطيالسي، ومن طريقه: البيهقي في الشعب (3410)]: صمنا رمضان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا شيئأ من الشهر، حتى إذا كانت ليلة أربع وعشرين السابعة مما يبقى، صلى بنا حتى كاد أن يذهب ثلث الليل، فلما كانت ليلة خمس وعشرين لم يصل بنا، فلما كانت ليلة ست وعشرين الخامسة مما يبقى صلى بنا حتى كاد أن يذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال:"لا، إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتبت له قيام ليلة"، فلما كانت ليلة سبع وعشرين لم يصل بنا، فلما كانت ليلة ثمان وعشرين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله واجتمع له الناس فصلى بنا حثى كاد أن يفوتنا الفلاح، ثم يا ابن أخي لم يصل بنا شيئاً من الشهر، قال: والفلاح السحور.

قلت: ورواية وهيب هذه معارضة لرواية ابن أبي زائدة؛ فوهيب نفى الصلاة في ليلة خمس وعشرين، بينما أثبت ابن أبي زائدة الصلاة في نفس الليلة.

قلت: وقد اختلف فيه على وهيب، فهكذا رواه عنه أبو داود الطيالسي، وهو: ثقة حافظ، غلط في أحاديث، وخالفه فيه من هو أثبت منه وأضبط، فرواه عن وهيب كالجماعة:

رواه عفان بن مسلم، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا داود - وهو ابن أبي هند -، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبي ذر، قال: صمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، ولم يقم بنا، حتى بقي سبعٌ من الشهر، فلما كانت الليلة السابعة خرج فصلى بنا، حتى مضى ثلث الليل، ثم لم يصل بنا السادسة، حتى خرج ليلة الخامسة، فصلى بنا حتى مضى شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا؟ فقال: "إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف، كتب لهم قيام تلك الليلة"، ثم لم يصل بنا الرابعة، حتى إذا كانت ليلة الثالثة، خرج وخرج بأهله، فصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.

وعفان بن مسلم: كان متيقظاً فطناً، ضابطاً للألفاظ والأخبار، لا يجاريه في ذلك أقرانه، قدَّمه أحمد وغيره على بعض المتثبتين من أقرانه، مثل: بهز بن أسد، وحَبان بن هلال، وكلاهما: ثقة ثبت، بل قال أحمد مرة:"عفان أثبت من عبد الرحمن بن مهدي"، وقدمه ابن معين على أبي الوليد الطيالسي وأبي نعيم، وكلاهما: ثقة ثبت، وقدمه مرة على ابن مهدي، وكان يحيى بن سعيد القطان يرجع إلى قوله؛ لشدة تثبته، وكان أبو داود يقدمه على حجاج وحَبان عند الاختلاف، ويكفي شهادةً له على ضبطه وتثبته في الرواية قول أبي حاتم - الإمام المتشدد -، إذ يقول فيه:"ثقة متقن متين"، فإنه يندر أن يقول هذا في أحد، وقد قدَّمه مرة في الاختلاف على همام [انظر: التهذيب (3/ 118)، السير (10/ 242)، الميزان (3/ 81)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 434/ 5847)، الجرح والتعديل (7/ 30)، علل الحديث (2750)، سؤالات الآجري (4/ ق 7) و (5/ ق 7)، تاريخ بغداد (12/ 273)، وغيرها].

ص: 137

قال ابن حبان: "قول أبي ذر: لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، يريد: مما بقي من العشر لا مما مضى منه، وكان الشهر الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أمته بهذا الخطاب فيه تسعاً وعشرين، فليلة السادسة من باقي تسع وعشرين تكون ليلة أربع وعشرين، وليلة الخامسة من باقي تسع وعشرين تكون ليلة الخامس والعشرين".

قلت: وكلام ابن حبان هذا يوافق رواية الجماعة، والتي فصلتها رواية الثوري وابن أبي زائدة، وبه يُحكم على رواية علي بن عاصم، ورواية الطيالسي عن وهيب بالوهم.

بينما فسر البيهقي رواية الجماعة برواية وهيب [عند الطيالسي]، ومال إلى ترجيحها على رواية الثوري، فلم يصب في ذلك، فإن رواية الثوري وابن أبي زائدة قاضية على ما رواه علي بن عاصم، وعلى ما رواه الطيالسي عن وهيب، والله أعلم.

* قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

قلت: وهو كما قال؟ حديث صحيح ثابت.

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أبي ذر، ولا نعلم له طريقاً عن أبي ذر غير هذا الطريق، ورواه عن داود غير واحد".

* وقد احتج به أحمد بن حنبل:

قال أبو داود في مسائله لأحمد (437 و 438): "سمعت أحمد وقيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال: يصلي مع الناس، وسمعته أيضاً يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته".

قلت لأحمد: الإمام يصلي التراويح بالناس وناس في المسجد يصلون لأنفسهم؟ فقال: لا يعجبني، يعجبني أن يصلوا مع الإمام، فقيل لأحمد، وأنا أسمع: يوتر الإمام بثلاث، أوتر أو أنصرف، فأوتر وحدي؟ قال: توتر معه، قيل: يضجون في القنوت؟ قال: أوتر معه، قيل لأحمد، وأنا أسمع: يؤخر القيام، يعني: التراويح إلى آخر الليل؟ قال: لا، سنة المسلمين أحب إليَّ.

وكان أحمد يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام، شهدته شهر رمضان كله يوتر مع إمامه إلا أرى ليلة لم أحضر" [وانظر: مسائل ابن هانئ (503)]. وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (384): "قلت: الصلاة في الجماعة أحب إليك أم يصلي وحده في قيام شهر رمضان؟ قال: يعجبني أن يصلي في الجماعة؛ يحيي السُّنَّة، قال إسحاق: أجاد، كما قال".

وقال أبو بكر الأثرم: "كان أحمد بن حنبل يصلي مع الناس التراويح كلها - يعني: الأشفاع إلى آخرها - ويوتر معهم، ويحتج بحديث أبي ذر، قال أحمد بن حنبل: كان جابر وعلي وعبد الله يصلونها في جماعة"[التمهيد (8/ 118)].

وقال ابن خزيمة (3/ 340)(3/ 74 - ط التأصيل): "وبعض أصحابه صلى الله عليه وسلم ممن قد

ص: 138

صلى معه قارئٌ للقرآن، ليس كلهم أُمِّيِّين، وفي قوله صلى الله عليه وسلم:"من قام مع الإمام حتى ينصرف كلتب له قيام ليلته": دلالة على أن القارئ والأمي إذا قاما مع الإمام إلى الفراغ من صلاته كُتِب له قيام ليلته، وكَتْبُ قيام ليلةِ أفضلُ من كَتْبِ قيام بعض الليل".

واحتج به أيضاً ابن المنذر في الصلاة خلف الإمام الذي لا يفصل بين الشفع والوتر بالتسليم، فقال:"أوتر معهم ولا أخالفهم، ولا أحب أن أنصرف ولا أوتر معهم؛ لحديث أبي ذر"، ثم أسنده ثم قال:"في قوله: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتبت له بقية ليلته": دليلٌ على أن الصلاة في الجماعة مع الإمام في شهر رمضان أفضل من صلاة المنفرد، مع ما يدل عليه قوله: "صلاة الجميع تفضل صلاة الفد بخمس وعشرين درجة"،

"، إلى آخر ما قال.

ولحديث أبي ذر طرق أخرى:

أ - فقد رواه صفوان بن صالح [الدمشقي، وهو: ثقة، من أصحاب الوليد]: حدثنا الوليد بن مسلم [دمشقي، ثقة ثبت]: حدثنا صفوان بن عمرو [هو: ابن هرم السكسكي: حمصي ثقة، من الطبقة الخامسة]، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول، ثم انصرف إلى معتكفه، فأتيته فقلت: يا رسول الله لقد جئناك، ولقد تشدَّدنا للقيام، وما كنا نظن أنك تفارق مقامك حتى نصلي الصبح، فقال:"يا أبا ذر انك إذا صليت بصلاة إمامك وانصرفت، كتب لك قنوت ليلتك".

أخرجه جعفر الفريابي في الصيام (150).

ب - خالفه: أبو اليمان [الحكم بن نافع، البهراني الحمصي: ثقة ثبت]: حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد الحضرمي، يرده إلى أبي ذر؛ أنه قال: لما كان العشر الأواخر اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر من يوم اثنين وعشرين، قال:"إنا قائمون الليلة إن شاء الله، فمن شاء منكم أن يقوم فليقم"، وهي ليلة ثلاث وعشرين، فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم جماعةً بعد العتمة حتى ذهب ثلث الليل، ثم انصرف، فلما كان ليلة أربع وعشرين لم يصل شيئاً [وفي رواية: لم يقل شيئاً] ولم يقم، فلما كان ليلة خمس وعشرين قام بعد صلاة العصر يوم أربع وعشرين، فقال:"إنا قائمون الليلة إن شاء الله"، يعني: ليلة خمس وعشرين، "فمن شاء فليقم"، فصلى بالناس حتى ذهب ثلث الليل [وفي رواية: نصف الليل"، ثم انصرف، فلما كان ليلة ست وعشرين لم يقل شيئاً ولم يقم، فلما كان عند صلاة العصر من يوم ست وعشرين، قام فقال: "إنا قائمون إن شاء الله"، يعني: ليلة سبع وعشرين، "فمن شاء أن يقوم فليقم"، قال أبو ذر: فتجلدنا للقيام فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب ثلثا الليل، ثم انصرف إلى قبته في المسجد، فقلت له: إن كنا لقد طمعنا يا رسول الله أن تقوم بنا حتى تصبح، فقال: "يا أبا ذر، إنك إذا صليت مع إمامك وانصرفت إذا انصرف، كتب لك قنوت ليلتك".

ص: 139

أخرجه أحمد (5/ 172)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 91/ 972)، وفي المعجم الأوسط (1/ 140/ 442). [الإتحاف (14/ 130/ 17517)، المسند المصنف (27/ 319/ 12318)].

رواه عن أبي اليمان: أحمد بن حنبل [ثقة حجة، إمام فقيه]، وأحمد بن خليد الحلبي [ثقة. مختصر تاريخ دمشق (3/ 93)، الثقات (8/ 53)، تعليقات الدارقطني على المجروحين (292)، بغية الطلب في تاريخ حلب (2/ 730)، السير (13/ 489)، تاريخ الإسلام (21/ 56)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 331)].

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن شريح بن عبيد إلا صفوان بن عمرو". قلت: هذا الحديث وإن كان معروفاً من حديث جبير بن نفير عن أبي ذر؛ إلا أن في رواية الوليد بن مسلم سلوكاً للجادة، وهو غريب من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ويبدو لي: أن رواية أبي اليمان أشبه بالصواب، فإن رواية أهل بلد الرجل أولى من رواية الغرباء، والحديث الذي عرف في بلده أولى من الحديث الذي لم يُعرف إلا خارجها.

وبناءً عليه: فالحديث رجاله ثقات، وهو منقطع؛ فإن شريح بن عبيد الحضرمي: حمصي تابعي ثقة، كثير الإرسال، لم يدرك أبا ذر، وأبو ذر متقدم الوفاة، بين وفاتيهما قرابة سبعين سنة، وأيضاً فإن شريحاً لم يسمع ممن تأخرت وفاته عن أبي ذر [المراسيل (327)، تاريخ دمشق (23/ 64)، جامع التحصيل (283)، تحفة التحصيل (146)، التهذيب (2/ 161)].

ج - ورواه زيد بن الحباب [ثقة][وعنه: أحمد بن حنبل، وعبدة بن عبد الله الصفار]، وعبد الله بن وهب [ثقة حافظ]:

عن معاوية بن صالح، قال: حدثني أبو الزاهرية حدير بن كريب، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر، قال: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول، ثم قال:"لا أحسب ما تطلبون إلا وراءكم"، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قال:"لا أحسب ما تطلبون إلا وراءكم"، فقمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى أصبح، وسكت. لفظ زيد بن الحباب [عند أحمد وابن خزيمة].

ولفظ ابن وهب [عند الفريابي والطبراني]: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، فقلنا: يا رسول الله قد كنا نظن أنك تستقلنا [وفي رواية: ستعطينا] ليلتنا هذه، فقال:"ما أحسب ما تظنون إلا وراءكم"، ثم قام بنا ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقلنا: يا رسول الله قد كنا نرجو أنك تستقلنا ليلتنا هذه، فقال:"ما أحسب ما تطلبون إلا وراءكم"[وفي رواية: "ما أحسب ما تطلبون إلا أمامكم"]، ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين [حتى الصبح]، فلم يقل شيئاً [وفي رواية: ثم لم يقم بنا شيئاً].

أخرجه ابن خزيمة (3/ 337/ 2205)، وأحمد (5/ 180)، وجعفر الفريابي في الصيام (151)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 142/ 1957). [الإتحاف (14/ 108/ 17480 و 17481)، المسند المصنف (27/ 319/ 12317)].

ص: 140

وهذا حديث شامي جيد.

وقد استشهد مسلم بمثل هذا الإسناد في المتابعات [صحيح مسلم (1975)]، وأبو الزاهرية قد سمع من جبير بن نفير [السير (5/ 193)، تاريخ الإسلام (6/ 517)].

ومعاوية بن صالح الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 358/ 666)].

وقد صححت لمعاوية بن صالح أحاديث معروفة قد توبع عليها [انظر مثلاً: فضل الرحيم الودود (1/ 285/ 69) و (3/ 46/ 211) و (3/ 102/ 226) و (4/ 243/ 366) و (5/ 416/ 472) و (7/ 589/ 699) و (8/ 355/ 759) و (8/ 613/ 797) و (9/ 339/ 845) و (9/ 477/ 873)، وما تحت الحديث رقم (1091)، الشاهد الرابع، والحديث رقم (1118)، والحديث رقم (1273) طريق رقم (13) من طرق حديث عائشة، والحديث رقم (1289)، والحديث رقم (1333)].

ورددت له أحاديث لم يتابع عليها [انظر: فضل الرحيم الودود (2/ 10/ 105) و (7/ 356/ 666) و (8/ 355/ 759) و (8/ 393/ 766)، والحديث رقم (1277)، وما تحت الأحاديث رقم (1255 و 1345 و 1352)].

وهذا الحديث إسناده فيه شامي؛ فإن أبا الزاهرية حدير بن كريب: تابعي حمصي ثقة، بلدي لمعاوية بن صالح، ولم يختلف الثقات عليه فيه اختلافاً مؤثراً، مما يجعل النفس تطمئن لكونه ضبطه وحفظه، لا سيما والحديث محفوظ من وجه آخر عن جبير بن نفير عن أبي ذر، كما تقدم بيانه، وقد صححه ابن خزيمة.

* قال ابن خزيمة: "هذه اللفظة: "إلا وراءكم"، هو عندي من باب الأضداد، ويريد: أمامكم؛ لأن ما قد مضى هو وراء المرء، وما يستقبله هو أمامه، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد: "ما أحسب ما تطلبون" - أي: ليلة القدر - إلا فيما تستقبلون، لا أنها فيما مضى من الشهر، وهذا كقوله عز وجل: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)} [الكهف: 79]، يريد: وكان أمامهم".

وله شاهد من حديث النعمان بن بشير:

رواه زيد بن الحباب، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن صالح [وهم ثقات]:

عن معاوية بن صالح، قال: حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة [الأنماري]، قال: سمعت النعمان بن بشير على منبر حمص، يقول: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلةَ ثلاثٍ وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلةَ خمسٍ وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلةَ سبعٍ وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور. لفظ زيد بن الحباب، وعبد الله بن صالح.

زاد في رواية لزيد: قال: فأنتم تقولون: ليلة سابعة، ليلة تسع وعشرين، ونحن نقول: ليلة سابعة ليلة سبع وعشرين، فأيما أصوب نحن أو أنتم؟

ص: 141

ولفظ ابن وهب [عند الفريابي، والطبراني في مسند الشاميين]: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين حتى ذهب ثلث الليل، ثم صلينا معه ليلة أربع وعشرين فخفف، ثم صلينا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فلما كانت ليلة صت وعشرين خفف، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين، حتى ظننا أنا لا ندرك الفلاح، وكنا ندعو السحور الفلاح.

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 253/ 1606)، وفي الكبرى (2/ 114/ 1301)، وابن خزيمة (3/ 336/ 2204)، والحاكم (1/ 440)(2/ 353/ 1625 - ط الميمان)، وأحمد (4/ 272)، وابن أبي شيبة (2/ 164/ 7696)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 173)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (216 - مختصره)، وجعفر الفريابي في الصيام (155 و 156)، والطبراني في الكبير (211 - قطعة من مسند النعمان بن بشير)، وفي مسند الشاميين (3/ 193/ 2063)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 113). [التحفة (9/ 258/ 11642)، الإتحاف (13/ 520/ 17086)، المسند المصنف (25/ 368/ 11372)].

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وفيه الدليل الواضح أن: صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة، وقد كان علي بن أبي طالب يحث عمر رضي الله عنهما على إقامة هذه السُّنَّة إلى أن أقامها".

فتعقبه الذهبي بقوله: "كذا قال، ومعاوية إنما احتج به مسلم، وليس الحديث على شرط واحد منهما، بل هو حسن".

وقال النووي في الخلاصة (1960): "رواه النسائي بإسناد حسن".

قلت: هو حديث جيد، احتج به النسائي، وصححه ابن خزيمة والحاكم.

نعيم بن زياد أبو طلحة الأنماري: ثقة، سمع النعمان بن بشير [التاريخ الكبير (8/ 95 و 97)، التهذيب (4/ 236)]، ويحتمل من معاوية بن صالح في مثل هذا التعدد في الأسانيد، إذ قد رواه عنه بالوجهين اثنان من أصحابه: زيد بن الحباب، وعبد الله بن وهب، والله أعلم.

لكن مما ينبغي التنبيه عليه: اشتمال رواية ابن وهب على زيادة لا تثبت في هذه الواقعة، فالأقرب أن حديث النعمان بن بشبر يروي نفس الواقعة التي رواها أبو ذر الغفاري، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثلاث ليال فقط: ليلة الثالث والعشرين إلى ثلث الليل، وليلة الخامس والعشرين إلى منتصف الليل، وليلة السابع والعشرين إلى أن خافوا أن يفوتهم السحور، وقد نص على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بهم بقية الليالي، ومن ثم فإن قول ابن وهب في هذه الرواية:"ثم صلينا معه ليلة أربع وعشرين فخفف"، ثم قال:"فلما كانت ليلة ست وعشرين خفف"، فهاتان الجملتان شاذتان لا تثبتان في هذه الواقعة، ولعلها من أوهام معاوية بن صالح، وهم فيها حين حدث به ابن وهب، لا سيما وسماع ابن وهب منه كان في القدمة الثانية إلى مصر، كما قد حررت ذلك عند الحديث رقم (666)، راجع فضل الرحيم الودود (7/ 359/ 666).

ص: 142

• قال أبو عبيد في الغريب (5/ 45): " أصل الفلاح: البقاء،

"، ثم استشهد من كلام العرب ما يدل على هذا المعنى، ثم قال: "فكأن معنى الحديث: أن السَّحور به بقاء الصوم؛ فلهذا سماه فلاحًا".

وقال الخطابي في المعالم (1/ 282): "أصل الفلاح البقاء، وسمي السحور فلاحًا إذ كان سببًا لبقاء الصوم ومعينًا عليه".

* قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 113): "فهذه الآثار في معنى حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة المذكور في هذا الباب، وفيها تفسير له".

قلت: الذي يظهر لي أنهما واقعتان، واقعة رواها زيد بن ثابت وعائشة، وواقعة أخرى رواها أبو ذر والنعمان بن بشير، ويحتمل أن يكون حديث أنس الذي أخرجه مسلم واقعة مستقلة، والله أعلم.

* وروى محمد بن مقاتل المروزي [ثقة. التهذيب (3/ 707)]: ثنا هاشم بن مخلد [هو: ابن إبراهيم الثقفي المروزي: صدوق. التكميل (773)، التهذيب (4/ 261)]: ثنا محمد بن عبد الرحمن البصري [لم أقف له على ترجمة]، عن الفضل الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أهله ليلة إحدى وعشرين فيصلي بهم إلى ثلث الليل، ثم يجمعهم ليلة ثنتي وعشرين فيصلي بهم إلى نصف الليل، ثم يجمعهم ليلة ثلاث وعشرين فيصلي بهم إلى ثلثي الليل، ثم يأمرهم ليلة أربع وعشرين أن يغتسلوا، فيصلي بهم حتى يصبح، ثم لا يجمعهم.

أخرجه ابن نصر المروزي في قيام رمضان (216 - مختصره).

وهذا حديث منكر؛ تفرد به: الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي، وهو: متروك، منكر الحديث، لم يدرك أنس بن مالك، إنما يروي عن عمه يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس، ويزيد: ضعيف، يحدث عن أنس بن مالك بما فيه نظر [التهذيب (3/ 394)، الميزان (3/ 356)، المجروحين (2/ 210)].

***

1376 -

. . . أن سفيان أخبرهم، عن أبي يعفور -وقال داود: عن ابن عبيد بن نسطاس-، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشرُ أحيا الليلَ، وشدَّ المئزرَ، وأيقظَ أهلَه.

قال أبو داود: وأبو يعفور اسمه: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس.

* حديث متفق على صحته

أخرجه البخاري (2024)، ومسلم (1174)، وأبو عوانة (2/ 253/ 3054)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 261/ 2681)، والنسائي في المجتبى (3/ 217 1639)، وفي الكبرى (2/ 130/ 1336) و (3/ 395/ 3377)، وابن ماجه (1768)، وابن

ص: 143

خزيمة (3/ 341/ 2214)، وابن حبان (2/ 25/ 321) و (8/ 222/ 3436) و (8/ 223/ 3437)، وأحمد (6/ 40)، وإسحاق بن راهويه (2/ 135/ 1445)، وعبد الرزاق (4/ 254/ 7704)، والحميدي (187)، وسعدان بن نصر المخرمي في جزئه (113)، وابن نصر في قيام رمضان (247 - مختصره)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 812/ 1664)، والبيهقي في السنن (4/ 313)، وفي الشعب (6/ 218/ 3384)، وفي فضائل الأوقات (73)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 296)، وفي الاستذكار (3/ 409)، والبغوي في شرح السنَّة (6/ 389/ 1829)، وفي الشمائل (708)، وفي التفسير (4/ 510)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 774/ 136).

[التحفة (11/ 737/ 17637)، الإتحاف (17/ 544/ 22764)، المسند المصنف (37/ 602/ 18103)].

رواه عن سفيان بن عيينة: أحمد بن حنبل، والحميدي، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وابن أبي عمر العدني، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وعلي بن حرب، وعبد الجبار بن العلاء، وعبد الرزاق بن همام، وعبد الله بن محمد الزهري، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي، والعباس بن الوليد النرسي، وسعدان بن نصر، ومحمد بن الوليد، وداود بن أمية الأزدي أوهم ثقات، بعضهم أئمة حفاظ، وفيهم أثبت أصحاب ابن عيينة وراويته]، وغيرهم.

ولفظ ابن راهويه وابن أبي عمر العدني: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر. ووقعت هذه الزيادة لأحمد والعباس النرسي عن سفيان مرة.

ولفظ ابن المديني [عند البخاري]: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.

ولفظ الحميدي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من شهر رمضان: أيقظ أهله، وأحيا الليل، وشد المئزر. قال: فقال غيره: وجدَّ.

• قال الخطابي في أعلام الحديث (2/ 981):" قولها: "شد مئزره" معناه هجران النساء، ويحتمل أن تكون قد أرادت أيضًا الجد والانكماش في العبادة".

وقال في المعالم (1/ 282): "شد المئزر يتأول على وجهين: أحدهما: هجران النساء وترك غشيانهن، والآخر: الجد والتشمير في العمل".

وقال القاضي عياض في المشارق (1/ 29): "والإزار: ما ائتزر به الرجل من أسفله، وفي قوله: شدَّ مئزره؛ تأويلان: أحدهما: الكناية عن البعد عن النساء،

ويدل عليه أنه قد روى في كتاب ليلة القدر عند بعض الرواة: اعتزل فراشه وشد مئزره، قال القابسي: كذا في كتب بعض أصحابنا، قال ابن قتيبة: وهذا من لطيف الكناية عن اعتزال النساء، والثاني: أنه كناية عن الشدة في العمل والعبادة".

• ورواه نهشل، عن الضحاك، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر شد المئزر، واجتنب النساء.

ص: 144

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 307/ 7577).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الضحاك عن مسروق إلا نهشل، تفرد به: عامر بن إبراهيم".

قلت: تفرد به: نهشل بن سعيد، وهو: متروك، متهم [التهذيب (4/ 243)]؛ فلا يُعتبر به، وفي الإسناد إليه من يجهل حاله.

* وله طرق أخرى عن عائشة:

أ- روى سريج بن النعمان [بغدادي، ليس به بأس، غلِط في أحاديث. التهذيب (1/ 686)، الميزان (6/ 112)]؛ قال: حدثنا أبو معشر [نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني: ضعيف]؛ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشرٌ من رمضان شدَّ مئزره، واعتزل أهله.

أخرجه أحمد (6/ 66). [المسند المصنف (37/ 604/ 18105)].

قلت: هو حديث منكر؛ وهم فيه أبو معشر، وقد رواه جماعة من الثقات عن هشام بغير هذا اللفظ:

• رواه وكيع بن الجراح، وعبدة بن سليمان، وعبد الله بن نمير، ويحيى بن سعيد القطان، وحفص بن غياث، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وشعيب بن إسحاق، وعلي بن مسهر، وغيرهم:

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان". لفظ وكيع.

ولفظ عبدة [عند البخاري وغيره]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان، وكان يقول:"تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من أشهر، رمضان".

وفي رواية مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان.

وفي رواية القطان [عند أحمد]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر، ويقول:"التمسوها في العشر الأواخر"، يعني: ليلة القدر.

أخرجه البخاري (2019 و 2020)، ومسلم (1169 و 1172)، وأبو عوانة (8/ 277/ 3302 و 3303 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 257/ 2670) و (3/ 259/ 2677)، والترمذي (792)، وقال:"حسن صحيح". وأحمد (6/ 50 و 56 و 204)، وابن أبي شيبة (2/ 249/ 8660) و (2/ 325/ 9525)، وإسحاق بن راهويه (1/ 443/ 650 و 651) و (1/ 447/ 665) و (1/ 503/ 839)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (252 - مختصره)، وابن المنذر في الإقناع (1/ 201/ 68)، والطحاوي (3/ 91)، ومكرم البزاز في الثاني من فوائده (177)، وابن عدي في الكامل (4/ 205)، والبيهقي (4/ 307 و 314)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 288)، والواحدي في التفسير الوسيط (4/ 534)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 380/ 1822)، وفي الشمائل

ص: 145

706 -

، وفي التفسير (4/ 510)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (57/ 393)، وفي المعجم (1257). [التحفة (11/ 476/ 16789) و (11/ 534/ 1699) و (11/ 535/ 17009) و (11/ 548/ 17061) و (11/ 589/ 17222) و (11/ 602/ 17279) و (11/ 612/ 17322)، الإتحاف (17/ 316/ 22310)، المسند المصنف (37/ 617/ 18111)].

• هكذا رواه جماعة من الحفاظ عن هشام بن عروة به موصولًا، وقصر به مالك فأرسله:

فقد رواه مالك في الموطأ (1/ 428/ 891 - رواية يحيى الليثي عن زياد بن عبد الرحمن الأندلسي)(884 - رواية أبي مصعب)(559 - رواية القعنبي)(451 - رواية سويد بن سعيد الحدثاني)(376 - رواية الشيباني)، عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان".

قال الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس (83): "روى مالك في الموطأ، عن هشام، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر من العشر الأواخر".

خالفه ابن أبي حازم وغير واحد، رووه عن هشام، عن أبيه، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 294): "لم يختلف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث، وقد رواه أنس بن عياض أبو ضمرة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة".

وسوف يأتي تخريج بقية طرقه عند أبي داود برقم (2462) إن شاء الله تعالى.

ب- وروى سليمان بن بلال [والإسناد إليه صحيح]؛ وعبد العزيز بن محمد الدراوردي أولا يثبت الإسناد إليه إن كان قد تفرد به شيخ ابن عدي: القاسم بن عبد الله بن مهدي، وقد كان راويةً لأبي مصعب الزهري راويه عن الدراوردي؛ وقد مشاه ابن عدي، فقال: "ولم أر له حديثًا منكرًا فاذكره، وهو عندي لا بأس به،

، وكان بعض شيوخ مصر يضعفه"، وقد ذكر له حديثين، قال الذهبي في أحدهما: "هذا موضوع باطل"، ثم اتهمه بحديث آخر أبطل منه، ثم تعقب قول ابن عدي فيه فقال: "قد ذكرت له حديثًا باطلًا فيكفيه [وفي نسخة: حديثين باطلين]؛ وروى له الدارقطني حديث النضح، فقال: متهم بوضع الحديث"، وقال الدارقطني في سؤالات السهمي لما سئل عن روايته لنسخة يزيد بن يونس. قال: "كان لينًا"، وقال:"وله أحاديث منكرة غير النسخة"، وقال: "ليس هو بشيء" [الكامل (6/ 38)، سؤالات السهمي (6 35)، الميزان (3/ 372)، اللسان (6/ 373]:

حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان شدَّ مئزره، ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ [رمضان]. لفظ سليمان بن بلال.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 342/ 2216)، وابن عدي في الكامل (5/ 116)، والبيهقي

ص: 146

في الشعب (6/ 197/ 3352)، وفي فضائل الأوقات (66). [الإتحاف (17/ 569/ 22809)، المسند المصنف (603/ 37/ 18104)].

قلت: ولا يثبت حديث عائشة بهذا اللفظ؛ المطلب بن عبد الله بن حنطب: عامة حديثه مرسل، ولم يدرك إلا صغار الصحابة، قال أبو حاتم:"لم يدرك عائشة"، وسئل أبو زرعة: هل سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب من عائشة؟ فقال: "نرجو أن يكون سمع منها"[المراسيل (784)، الجرح والتعديل (8/ 359)، تحفة التحصيل (307)].

قلت: فلم يجزم أبو زرعة بالسماع، وجزم أبو حاتم بعدم الإدراك، وهو الأقرب، ولم يذكر ابن حنطب سماعًا من عائشة، ولم يثبت له البخاري سماعًا إلا من صحابي مبهم [التاريخ الكبير (8/ 8)].

وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المدني: تقدم الكلام عليه عند الحديث رقم (353)(4/ 189 - فضل الرحيم الودود)، وزدته تفصيلًا عند الحديث رقم (1327)، وخلاصة ما قيل فيه: أنه ثقة، متفق على تخريج حديثه في الصحيح، والاحتجاج به، إلا أنهما لم يخرجا له شيئًا من روايته عن عكرمة، لما فيها من مناكير، وحديثه هذا إنما هو عن مولاه المطلب، والله أعلم.

قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 255): "حديث مسلم أصح إسنادًا من هذا وأجل"، يعني: حديث أبي الضحى عن مسروق عن عائشة، المتفق عليه.

ج- وروى شعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر]؛ وشريك بن عبد الله النخعي:

عن جابر بن يزيد الجعفي، عن يزيد بن مرة، عن لميس، أنها قالت: سألت عائشة، قالت: قلت لها: المرأة تصنع الدهن تحبَّب إلى زوجها؟ فقالت: أميطي عنك تلك التى لا ينظر الله عز وجل إليها، قالت: وقالت امرأة لعائشة: يا أمه، فقالت عائشة: إني لست بأمِّكُنَّ، ولكني أختُكنَّ، قالت عائشة: وكان وسول الله صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر، وشدَّ المئزر، -أو: شدا الإزار، وشمر-.

وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشرين الأول يخلط صلاة بنوم؛ فإذا دخل العشر أيقظ أهله وأحيى الليل.

وفي رواية: كان يخلط في العشرين الأولى النبي صلى الله عليه وسلم من نوم وصلاة، فإذا دخلت العشر جدَّ، وشدَّ المئزر.

أخرجه أحمد (6/ 68 و 146)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 2103/ 1794). [الإتحاف (17/ 780/ 23217)، المسند المصنف (37/ 605/ 18107)].

وقد اختلف في إسناده على شعبة، والمحفوظ عنه ما رواه غندر [انظر: علل الدارقطني (15/ 164/ 3925)].

قلت: هو حديث باطل، لميس: مجهولة [انظر: التعجيل (2/ 659/ 1652)].

ويزيد بن مرة: شيخ لجابر الجعفي، قال فيه البخاري:"لا يصح حديثه" [التاريخ

ص: 147

الكبير (8/ 359)، الجرح والتعديل (9/ 287)، المتفق والمفترق (3/ 2103/ 1794)، التعجيل (2/ 375/ 1184)].

وجابر بن يزيد الجعفي: متروك، يكذب؛ فإن قيل: رواية شعبة عنه هنا مما تقوي حاله؛ إذ هي محمولة على روايته عنه قبل أن يُظهر القول بالرجعة، وقبل أن يتهم بالكذب.

فيقال: جوابه في كلام ابن حبان حيث يقول في المجروحين (1/ 209):"وأما شعبة وغيره من شيوخنا فإنهم رأوا عنده أشياء لم يصبروا عنها، وكتبوها ليعرفوها، فربما ذكر أحدهم عنه الشيء بعد الشيء على جهة التعجب، فتداوله الناس، والدليل على صحة ما قلنا: أن محمد بن المنذر، قال: ثنا أحمد بن منصور: ثنا نعيم بن حماد، قال: سمعت وكيعاً، يقول: قلت لشعبة: مالك تركت فلانًا وفلانًا، ورويت عن جابر الجعفي؟ قال: روى أشياء لم نصبر عنها"[وانظر أيضًا: الكامل لابن عدي (2/ 117)، الميزان (1/ 382)، التهذيب (1/ 284)].

• وله أسانيد أخرى لا تثبت، ولا تخلو من مقال، وبعضها مراسيل: أخرجها أبو يوسف في الآثار (213)، وعبد الرزاق (4/ 253/ 7702)، وابن أبي شيبة (2/ 252/ 8686)(8/ 405/ 8925 - ط الشثري) و (2/ 327/ 9546)(6/ 68/ 9801 - ط الشثري)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 191).

* وله شواهد:

1 -

حديث عائشة:

يرويه عفان بن مسلم، وقتيبة بن سعيد، وأبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، وعارم محمد بن الفضل، ومعلى بن منصور، وأبو سعيد مولى بني هاشم، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي أوهم ثقات]:

حدثنا عبد الواحد بن زياد: حدثنا الحسن بن عبيد الله: حدثنا إبراهيم، عن الأسود [وفي رواية: سمعت الأسود بن يزيد]؛ عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.

أخرجه مسلم (1175)، وأبو عوانة (2/ 254/ 3055)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 261/ 2682)، والترمذي (796)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح غريب". والنسائي في الكبرى (3/ 395/ 3376)، وابن ماجه (1767)، وابن خزيمة (3/ 342/ 2215)، وأحمد (6/ 82 و 122 و 255)، وعفان بن مسلم في جزء من حديثه (274 - رواية أبي علي الحسن بن المثنى العنبري)، وابن أبي شيبة (2/ 252/ 8691)(9/ 405/ 8930 - ط الشثري) و (2/ 327/ 9548)(6/ 69/ 9803 - ط الشثري)، وابن نصر في قيام رمضان (247 - مختصره)، وتمام في الفوائد (574)، والبيهقي في السنن (4/ 313)، وفي الشعب (6/ 219/ 3385)، وفي فضائل الأوقات (74)، والبغوي في شرح السُّنَّة

ص: 148

6/ 390/ 1830)، وفي الشمائل (709)، وفي التفسير (4/ 510). [التحفة (11/ 132/ 15924)، الإتحاف (16/ 1049/ 21592)، المسند المصنف (37/ 604/ 18106)].

2 -

حديث علي بن أبي طالب:

يرويه أبو بكر بن عياش [وهو: ثقة، ساء حفظه لما كبر، وكتابه صحيح]، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم-إذا دخلت العشر الأواخر أيقظ أهله ورفع المئزر.

قيل لأبي بكر بن عياش: ما رفع المئزر؟ قال: اعتزل النساء.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 250/ 8673)(5/ 404/ 8911 - ط الشثري) و (2/ 327/ 9544)(6/ 68/ 9799 - ط الشثري)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (1/ 132 و 133)، وعلى الزهد (1193)، والبزار (2/ 301/ 725)، وجعفر الفريابي في الصيام (157 و 158)، وأبو يعلى (374)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (4/ 737/5)، والضياء في المختارة (2/ 402/ 790 و 791). [الإتحاف (11/ 651/ 14806)، المسند المصنف (21/ 266/ 9590)].

* ورواه سفيان الثوري [وعنه: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد الرزاق بن همام، ومؤمل بن إسماعيل]:

وشعبة بن الحجاج [وعنه: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وغندر محمد بن جعفر، والنضر بن شميل، وأبو داود الطيالسي، وسلم بن قتيبة]:

وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [وعنه: ابن مهدي، وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى، وسلم بن قتيبة]:

عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن علي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان. زاد أبو نعيم عن الثوري: ويشمِّر.

وقال شعبة في رواية: عن أبي إسحاق، قال: سمعت هبيرة، يحدث عن علي.

وقال في أخرى: عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم: سمعت عليًا.

أخرجه الترمذي (795)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(4/ 6/ 738)، وأحمد (1/ 98 و 128 و 137)، وابنه عبد الله في زياداته على المسند (1/ 132 و 133)، والطيالسي (120)، وعبد الرزاق (4/ 254/ 7703)، وابن أبي شيبة (2/ 251/ 8674)(5/ 405/ 8913 - ط الشثري)، وعبد بن حميد (93)، والسري بن يحيى في حديثه عن شيوخه عن الثوري (50 و 77)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (477)، والبزار (2/ 300/ 724)، وجعفر الفريابي في الصيام (159)، وأبو يعلى (282 و 372 و 373)، وابن عدي في الكامل (7/ 133)، وابن المقرئ في المعجم (1286)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 250)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 135)،

ص: 149

والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 237)(4/ 387 - ط الغرب)، والضياء في المختارة (2/ 401/ 789).

[التحفة (7/ 134/ 10307)، الإتحاف (11/ 651/ 14806)، المسند المصنف (21/ 266/ 9590)].

قال التومذي: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه من غير وجه، فروي عن عائشة من وجوه، وعن أبي سعيد، وعن أبى هريرة، وعن أبي ليلى، وعن أنس".

وقال ابن عدي بعد أن أخرجه في ترجمة هبيرة: "وهذه الأحاديث التي ذكرتها هي مستقيمة، وأرجو أن لا بأس به".

وقال أبو نعيم: "مشهور من حديث الثوري".

قلت: هو حديث صحيح، وهبيرة بن يريم: لا بأس به.

وسفيان الثوري وشعبة وإسرائيل: هم أثبت الناس في أبي إسحاق السبيعي، وتابعهم على إسناده: أبو بكر بن عياش.

• خولف أصحاب شعبة: رواه عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي [ثقة مأمون. الثقات (8/ 423)، تاريخ بغداد (1/ 781)، السير (13/ 335)]: حدثنا محمد بن عيسى الطباع [بغدادي، ثقة حافظ فقيه، من أعلم الناس بحديث هشيم]: حدثنا هشيم: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان العشر الأواخر من رمضان شدَّ المئزر واعتزل النساء، وفي رواية: شمر، وشدَّ المئزر.

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (3/ 955/ 2529)، والدارقطني في الأفراد (1/ 104/ 383 - أطرافه)، والبيهقي في السنن (4/ 314)(9/ 169/ 8639 - ط هجر)، وفي فضائل الأوقات (75).

تنبيه: وقع في إسناد البيهقي: محمد بن الصباح، بدل: محمد بن عيسى الطباع، وهو عندي تحريف من: محمد بن الطباع، وذلك لاتحاد المخرج، وإلا فمان الثلاثة يروون عن هشيم: محمد بن الصباح الدولابي، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، ومحمد بن عيسى الطباع، والله أعلم.

ويؤكد أنه حديث ابن الطباع، وأنه المتفرد به هنا؛ أن البرقاني راجع الدارقطني في العلل (4/ 68/ 433)، فقال: "قلت: هل سمعت من ابن صاعد حديث هشيم عن شعبة؟ فإنه كان عنده عن عبد الكريم بن الهيثم، عن محمد بن عيسى بن الطباع، عن هشيم.

قال الشيخ: حدثناه ابن السماك، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، تفرد به عبد الكريم".

وقال الدراقطني في الأفراد: "تفرد به هشيم عن شعبة عن أبي إسحاق عثه، وهو غريب عنه، لم يروه عنه غير محمد بن عيسى والقاسم بن عيسى الواسطي".

قلت: هكذا أخطأ هشيم بن بشير، وهو: ثقة ثبت، أخطأ على شعبة، فقلب إسناده،

ص: 150

حيث جعل عاصم بن ضمرة، مكان هبيرة بن يريم، فسلك فيه الجادة، وضبطه أصحاب شعبة الأثبات: يحيى القطان وابن مهدي وغندر والطيالسي والنضر بن شميل وغيرهم.

وقد سئل الدارقطني في العلل (4/ 66/ 433) عن حديث عاصم بن ضمرة هذا فقال: "يرويه هشيم، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي. ووهم فيه.

وخالفه غير واحد عن شعبة، فقالوا: عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي.

وكذلك قال الثوري، وإسرائيل، وأبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي"، ثم ذكر وهمًا آخر، ثم قال: "والصحيح حديث هبيرة".

• وانظر أيضًا فيمن وهم في إسناده على شعبة، فجعله من مسند سعد؛ وإنما هو من مسند علي: علل الدارقطني (4/ 394/ 653)، غرائب شعبة لابن المظفر (210).

• وخالفهم أيضًا: أبو شيبة [إبراهيم بن عثمان العبسي: متروك، منكر الحديث. التهذيب (1/ 76)، الميزان (1/ 47)]؛ فرواه عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن علي، قال: كان التبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أمر أهله بالاحتشاد وأحيى الليل كله.

أخرجه ابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (594)، وأبو طاهر المخلص في التاسع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (129)(2016 - المخلصيات"، وفي العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (239)(2394 - المخلصيات).

• وخالفهم أيضًا: إسماعيل بن عمرو البجلي [ضعيف، صاحب كرائب ومناكير. اللسان (1/ 155)]؛ ثنا عبد الغفار بن القاسم أبو مريم [رافضي، متروك الحديث، بل كان يضع الحديث. اللسان (5/ 226)]؛ عن أبي إسحاق الهمداني، عن هانئ بن هانئ، وهبيرة بن يريم، عن علي بن أبي طالب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكل صغير وكبير يطيق الصلاة.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 253/ 7425).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن هانئ إلا أبو مريم، تفرد به: إسماعيل بن عمرو، وحديث هبيرة: عند الثوري وشعبة وغيرهما".

قلت: هو حديث باطل.

وانظر أيضًا: فيمن وهم فيه على أبي إسحاق السبيعي: ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (1/ 133)، وابن بشران في الأمالي (1019). [المسند المصنف (21/ 266/ 9589)].

3 -

حديث) أنس بن مالك:

روى حفص بن واقد: حدثنا هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حان العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه، وشد مئزره، واجتنب النساء، وجعل عشاءه سحورًا.

ص: 151

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 13/ 5653)، وابن عدي في الكامل (2/ 392)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 281).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا هشام الدستوائي، ولا عن هشام إلا حفص بن واقد، تفرد به: عبد الله بن الحكم".

قلت: عبد الله بن الحكم هو: ابن أبي زياد القطواني، وهو: ثقة؛ لكن الشأن في حفص بن واقد، وتفرده به عن هشام الدستوائي.

قال ابن عدي: "وهذه الأحاديث أنكر ما رأيت لحفص بن واقد هذا"، إلى أن قال:"وحديث هشام الدستوائي: بعض متنه قد شورك فيه، وبعض المتن لا يرويه عن هشام غير حفص، ولم أر لحفص أنكر من هذه الأحاديث، وليس له من الأحاديث إلا شيء يسير".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن هشام الدستوائي دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم: حفص بن واقد اليربوعي العلاف، وهو: مقل، يروي أحاديث منكرة [اللسان 31/ 239)].

• وقد روي نحوه من حديث أبي الزبير عن جابر [أخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 76)، [وهو حديث منكر].

***

1377 -

. . . عبد الله بن وهب: أخبرني مسلم بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال:"ما هؤلاء؟ "، فقيل: هؤلاء ناسٌ ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يصلي، وهم يصلون بصلاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أصابوا، ونِعمَ ما صنعوا".

قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقوي، مسلم بن خالد: ضعيف.

* حديث ضعيف

أخرجه ابن خزيمة (3/ 339/ 2208)، وابن حبان (6/ 282/ 2541)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (217 - مختصره)، والبيهقي (2/ 495). [التحفة (10/ 35/ 14094)، الإتحاف (15/ 280/ 19307)، المسند المصنف (31/ 626/ 14616)].

رواه عن ابن وهب: أحمد بن سعيد الهمداني [صدوق] أوهذا لفظه، عند أبي داود، ومن طريقه البيهقي]؛ والربيع بن سليمان المرادي [ثقة].

وفي رواية الربيع بن سليمان [عند ابن خزيمة وابن حبان وابن نصر]: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصابوا"، أو:"نعم ما صنعوا".

وقد ذهب إلى الاحتجاج به: ابن عبد البر في التمهيد (8/ 111).

ص: 152

لكن قال أبو داود: "ليس هذا الحديث بالقوي، مسلم بن خالد: ضعيف".

وقال البيهقي: "إسناد موصول؛ إلا أنه ضعيف".

وقال ابن حجر في الفتح (4/ 252): "وفيه مسلم بن خالد، وهو ضعيف، والمحفوظ: أن عمر هو الذي جمع الناس على أبي بن كعب".

قلت: مسلم بن خالد الزنجي المكي الفقيه: ليس بالقوي، كثير الغلط، قال البخاري وأبو حاتم:"منكر الحديث"[التهذيب (68/ 4)]؛ وقد تفرد بهذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي المدني، على كثرة أصحابه، لا سيما وفيهم جماعة من أئمة الحفاظ، مثل: مالك، والثوري، وشعبة، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وأخيه محمد، وعبيد الله بن عمر، وروح بن القاسم، وسليمان بن بلال، ومحمد بن عجلان، وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز الدراوردي، وعبد الملك بن جريج، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم كثير.

وانظر: الأحكام الوسطى (2/ 254)، بيان الوهم والإيهام (3/ 446/ 1202).

* ولابن وهب فيه إسناد آخر:

رواه الربيع بن سليمان، وبحر بن نصر:

عن ابن وهب [ثقة حافظ]؛ قال: أخبرني بكر بن مضر [ثقة ثبت]؛ وعبد الرحمن بن سلمان، عن ابن الهاد [يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المدني: ثقة]؛ أن ثعلبة بن أبي مالك القرظي حدثه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان، فرأى ناسًا في ناحية المسجد يصلون، فقال: لاما يصنع هؤلاء؟ "، قال قائل: يا رسول الله، هؤلاء ناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يقرأ، وهم معه يصلون بصلاته، قال: "قد أحسنوا"، أو: "قد أصابوا"، ولم يكره ذلك لهم.

أخرجه ابن وهب في الجامع (303)، ومن طريقه: البيهقي في السنن (2/ 495)، وفي المعرفة (2/ 303/ 1363)، وفي فضائل الأوقات (122).

قال البيهقي: "هذا مرسل حسن؛ ثعلبة بن أبي مالك القرظي: من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وقد أخرجه ابن منده في الصحابة، وقيل: له رواية، وقيل: سنه سن عطية القرظي أُسِرا يوم قريظة ولم يقتلا، وليست له صحبة، وقد روي بإسناد موصول إلا أنه ضعيف "، يعني: حديث مسلم بن خالد الزنجي السالف الذكر.

قلت: ثعلبة بن أبي مالك القرظي: روى له ابن أبي حاتم حديثًا مرفوعًا في المراسيل، ثم قال:"فسألت أبي عن ثعلبة بن أبي مالك هذا، فقال: هو من التابعين، وهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل"، ثم قال ابن أبي حاتم: "وروى ثعلبة بن أبي مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في سيل مهزول، وأدخله أحمد بن سنان في مسنده، قال أبي: ليست له صحبة.

قرئ على العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: ثعلبة بن أبي مالك القرظي قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 153

حدثنا عمر بن شبة: نا أبو عاصم، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة، قال: كنت غلامًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم" [المراسيل (65 - 163، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 144/ 608)].

وقال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 174): "كان كبيرًا إمام بني قريظة، سمع عمر، وحارثة بن النعمان، وعن ابن عمر، سمع منه: ابن الهاد والزهري وابنه مالك"؛ فلم يثبت له الصحبة، ولا الرواية، ولا الرؤية، وتبعه على ذلك أبو حاتم، وذكره ابن حبان في ثقات النابعين، وذكره ابن سعد ومسلم في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وقال العجلي:"مدني، تابعي، ثقة"، وقال البيهقي عن هذا الحديث: "هذا مرسل حسن؛ ثعلبة بن أبي مالك القرظي: من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة،

، وليست له صحبة لما [الطبقات الكبرى (5/ 79)، التاريخ الأوسط (1/ 225/ 1070)، الطبقات لمسلم (656)، معرفة الثقات (196)، الجرح والتعديل (2/ 463)، الثقات (4/ 98)، تاريخ الإسلام (6/ 309)].

والذي يظهر لي أن هؤلاء الأئمة لم يعتمدوا قول مصعب الزبيري في مقارنته بعطية القرظي؛ فإنهم قد شهدوا لعطية بالصحبة [التاريخ الكبيو (8/ 7)، الجرح والتعديل (6/ 384)، الثقات (3/ 308)].

وذكر البرقي ثعلبة في فصل من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم[إكمال مغلطاي (3/ 99)].

وممن عده في الصحابة بناء على روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو اعتمادًا على قول ابن معين، أو اعتمادًا على ما حكاه مصعب الزبيري: أبو القاسم البغوي وابن قانع وابن منده وابن السكن وأبو نعيم وابن عبد البر والباوردي وغيرهم [معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي (1/ 444)، المعجم لابن قانع (1/ 123)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 490)، الاستيعاب (277)، التعديل والتجريح (1/ 451)، الإنابة (119)].

وقال ابن منده: "إمام بني قريظة، وكان كبيرًا، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم،

، قال يحيى بن معين: له رؤية، وقال مصعب الزبيري: ثعلبة بن أبي مالك، سنه سن عطية القرظي، وقصته كقصته، تركا جميعًا فلم يقتلا" [معرفة الصحابة (1/ 367)، فتح الباب (1438)].

وقال ابن حجر في الإصابة (1/ 522): "مختلف في صحبته"، ثم نقل كلام بعضهم ثم قال:"ومن يُقتل أبوه بقريظة، ويكون هو بصدد من يقتل لولا الإنبات؛ لا يمتنع أن يصح سماعه، فلهذا الاحتمال ذكرته هنا".

قلت: لو سلمنا لكلام مصعب الزبيري لجزمنا بصحبته، كما جزم الأئمة بصحبة عطية القرظي، لكن في عدم تسليم الأئمة بذلك ما يجعل النفس تتوقف عن الجزم له بالصحبة، وابن حجر نفسه لم يجزم بصحبته في التقريب، بل قال:"مختلف في صحبته، وقال العجلي: تابعي ثقة".

وعلى هذا: فالراجح أنه تابعي، كما قال بذلك البخاري ومسلم وأبو حاتم وابن سعد والعجلي وابن حبان والبيهقي، والله أعلم.

ص: 154

فإن قيل: قد سبق أن شهدت لطارق بن شهاب بالصحبة؟ فأقول: نعم؛ هو صحابي؛ قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبير، ولم يثبت له منه سماع، وغزا في خلافة أبي بكر، وهو ممن أدرك الجاهلية، وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، ومراسيل الصحابة مقبولة وهي حجة [راجع ترجمته تحت الحديث رقم (339)، والحديث رقم (1067)].

ثم إن رجال هذا السند كلهم ثقات، غير عبد الرحمن بن سلمان الحجري الرعيني المصري، فقد قال البخاري:"عبد الرحمن بن سلمان: عن عقيل، سمع منه عبد الله بن وهب، فيه نظر"، وفسر ذلك أبو حاتم بقوله:"مضطرب الحديث، يروي عن عقيل أحاديث عن مشيخةٍ لعقيل يدخل بينهم الزهري في شيء سمعه عقيل من أولئك المشيخة، ما رأيت في حديثه منكرًا، وهو صالح الحديث"، وأمر أن يحول من كتاب الضعفاء، وذكره أبو زرعة الرازي في أسامي الضعفاء، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وقيل عنه أنه قال:"ليس به بأس"، وقال ابن يونس:"روى عن عقيل بن خالد غرائب، تفرد بها، وكان ثقة"[التاريخ الكبير (5/ 294)، التاريخ الأوسط (3/ 103/ 1953)، الضعفاء الصغير (215)، أسامي الضعفاء (2/ 632)، ضعفاء النسائي (362)، الجرح والتعديل (5/ 241)، ضعفاء العقيلي (2/ 333)، الكامل (4/ 318)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 472/ 2608)، الإكمال لابن ماكولا (3/ 84)، ضعفاء ابن الجوزي (1872)، بيان الوهم (3/ 18)، تهذيب الكمال (17/ 150)، الميزان (2/ 567)، التهذيب (2/ 512)].

فدل ذلك أن من تكلم فيه إنما تكلم في روايته عن عقيل خاصة دون بقية شيوخه، وعلى هذا تبقى روايته عن ابن الهاد على الاستقامة، وهذه منها، لا سيما وقد توبع عليها، تابعه الثقة الثبت بكر بن مضر.

وعلى هذا: فإنه مرسل بإسناد صحيح.

فإن قيل: ألا تعتضد رواية مسلم بن خالد المتصلة، برواية ابن الهاد المرسلة:

فيقال: الأقرب عندي أنها لا تعتضد لأمور:

الأول: أن كلا الوجهين مداره على ابن وهب، فيخاف من وقوع الوهم من قبل ابن وهب، وإن كان حافظًا، لاتحاد مخرج الحديثين من جهته، والقصة واحدة.

الثاني: تضعيف أبي داود لحديث مسلم بن خالد، وعدم سكوته عليه، على عادته في مثل هذه الأسانيد التي تحتمل في الشواهد والمتابعات، فكأنه لا يعتضد عنده من وجه آخر.

الثالث: احتمال أن ابن وهب اعتمد لفظ عبد الرحمن بن سلمان، لما قرنه في الإسناد ببكر بن مضر، دون لفظ بكر الثقة الثبت، وأن ابن سلمان لم يضبط الحديث.

الرابع: أن قصة جمع الناس في صلاة التراويح على أبي بن كعب محفوظة من حديث: ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ

ص: 155

مثفرِّقون،

فذكر الحديث، وقد أخرجه البخاري (2010)، ويأتي تخريجه بعد سطور.

وعلى هذا فالحديث ضعيف، لا يعتضد أحد الوجهين بالآخر، والله أعلم.

* وروي شيء قريب من هذا من حديث جابر، ومرة من حديث أبي:

رواه يعقوب بن عبد الله القمي: ثنا عيسى بن جارية الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، قال: جاء أبي بن كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنه كان مني البارحة شيء، قال:"وما هو يا أبي؟ "، قال: نسوة معي في الدار، قلن لي:[إنا لا نقرأ القرآن] نصلي الليلة بصلاتك [فصليت بهن ثمان ركعات والوتر]؛ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شبة الرضا [ولم يقل شيئًا]؛ قال: وذلك في شهر رمضان.

وفي رواية: عن جابر، عن أبي، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! عملت الليلة عملًا، قال:"ما هو؟ "، قال: نسوة معي في الدار قلن لي: إنك تقرأ ولا نقرأ، فصل بنا، فصليت ثمانيًا والوتر، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرأينا أن سكوته رضًا بما كان.

وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1340)، وذكرته آنفًا في شواهد الحديث السابق برقم (1374).

* والمعروف في هذا قصة عمر في جمع الناس على أبي بن كعب:

رواه عبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، ومعن بن عيسى، وأبو مصعب الزهري، ويحيى بن بكير، ويحيى بن يحيى الليثي، وقتيبة بن سعيد، وعبد الله بن وهب:

عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرِّقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أَرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئٍ واحدٍ، لكان أمثلَ، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه [وفي رواية القعنبي والنيسابوري والليثي وقتيبة والشيباني: نعمت البدعة هذه]؛ والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون [وفي رواية القعنبي والنيسابوري والليثي: والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون]. يريد آخرَ الليل، وكان الناس يقومون أوله.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 171/ 301 - رواية الليثي)(149 - رواية القعنبي)(279 - رواية أبي مصعب)(241 - رواية الشيباني)، ومن طريقه: البخاري (2010)، وابن وهب في الجامع (304)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (217 - مختصره)، وجعفر الفريابي في الصيام 1641 و 165)، وأبو العباس المستغفري في فضائل القرآن (529)، والبيهقي في السنن (2/ 493)، وفي الشعب (5/ 484/ 2999)، وفي فضائل الأوقات (121)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 118/ 990)، وقال:"هذا حديث صحيح". وابن

ص: 156

عساكر في تبيين كذب المفتري (98)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 367/ 1786). [التحفة 7/ 268/ 10594)].

• ورواه معمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وإسماعيل بن أبي خالد:

عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدِ القاري -وكان يعمل لعمر مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال-، قال: فخرج عمر ليلةً، ومعه عبد الرحمن بن عوف [في رواية شعيب ويونس أن الذي كان معه: عبد الرحمن بن عبدٍ القاري]؛ وذلك في رمضان، والناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته النفر [الرهط]؛ فقال عمر بن الخطاب: إني لأظن أن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد كان أفضل، فعزم أن يجمعهم على قارئ واحد، فأمر أبي بن كعب فأمَّهم، فخرج ليلةً والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعم البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون، يريد: آخر الليل، وكانوا يقومون في أول الليل.

وزاد في رواية يونس [عند ابن خزيمة]: وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللَّهُمَّ قاتل الكفرة، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين.

قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة، وصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات، ومسألته: اللَهُمَّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجدًا.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 155/ 1100)، وابن وهب في الجامع (304)، وعبد الرزاق (4/ 259/ 7723)، وجعفر الفريابي في الصيام (166)، ومحمد بن مخلد العطار في فوائده (5)، والبيهقي في السنن (2/ 493)، وفي المعرفة (2/ 304/ 1364)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 587). [الإتحاف (12/ 306/ 15645)].

وهذا صحيح عن عمر.

• ورواه ليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، فال: خرج عمر بن الخطاب في شهر رمضان والناس يصلون قطعاً، فقال: لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان خيرًا، فجمعهم على أبي بن كعب، [فقال: نعمت البدعة هذه].

أخرجه ابن وهب في الجامع (304)، وابن أبي شيبة (2/ 165/ 7703)، وجعفر الفريابي في الصيام (171).

• ورواه ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: قال عمر في الساعة التي ينامون فيها: أعجب إليَّ من الساعة التي يقومون فيها.

ص: 157

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 165/ 7701).

وانظر فيمن وهم في إسناده على الزهري: ما أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (1/ 379/ 1186).

* وله عن عمر طرق أخرى كثيرة أغلبها منقطع، وبعضها متصل:

أ- روى مالك بن أنس، وإسماعيل بن جعفر، ويحيى بن سعيد القطان [وهم ثقات حفاظ]؛ وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]؛ وأسامة بن زيد [الليثي المدني: ليس به بأس]؛ وغيرهم:

عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد الكندي [ابن أخت السائب][المدني الأعرج: ثقة ثبت، وروايته عن السائب في الصحيحين]؛ عن السائب بن يزيد [صحابي صغير]، أنه قال: أمر عمرُ بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: فكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. لفظ مالك.

ولفظ إسماعيل بن جعفر: أنهم كانوا يقومون في زمن عمر بن الخطاب بإحدى عشرة ركعة يقرؤون في الركعة بالمائتين حتى إنهم ليعتمدون بالعصي.

ولفظ القطان [عند ابن أبي شيبة وابن شبة واللفظ له]: جمع عمر رضي الله عنه الناس على أبي وتميم الداري، فكانا يقومان بإحدى عشرة ركعة، يقرآن بالمئتين، حتى يعتمد على العصا من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 172/ 302 - رواية يحيى الليثي)(150 - رواية القعنبي)(280 - رواية أبي مصعب الزهري)، وابن أبي شيبة (2/ 162/ 7671)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (440)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 378/ 1181 أو 1182) و (1/ 379/ 1188)، والنسائي في الكبرى (4/ 424/ 4670 - كتاب المزارعة)(7/ 198/ 1044 - تحفة الأشراف)، وجعفر الفريابي في الصيام (174)، والطحاوي (1/ 293)، وأبو العباس المستغفري في فضائل القرآن (502 و 530)، والبيهقي في السنن (2/ 496)، وفي المعرفة (2/ 305/ 1367)، وفي فضائل الأوقات (126). [التحفة (7/ 198/ 10444)، الإتحاف (12/ 158/ 15299)].

وهذا موقوف بإسناد صحيح.

قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 114): "هكذا قال مالك في هذا الحديث: إحدى عشرة ركعة، وغيره يقول فيه: إحدى وعشرين".

قلت: لم ينفرد به مالك، فقد تابعه إسماعيل بن جعفر ويحيى بن سعيد القطان، وكفى بهما حفظًا وضبطًا.

• ورواه عبد الرزاق في مصنفه (4/ 260/ 7730)، عن داود بن قيس [الفراء: مدني، ثقة] وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد؛ أن عمر جمع الناس في

ص: 158

رمضان على أبيَّ بن كعب، وعلى تميم الداري، على إحدى وعشرين ركعة، يقرؤون بالمئين، وينصرفون عند فروع الفجر.

• ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]؛ عن داود بن قيس، عن محمد بن يوسف الأعرج، عن السائب بن يزيد، قال: كنا في زمن عمر بن الخطاب نفعله، يعني: نربط الحبال في شهر رمضان بين السواري، ثم نتعلق بها حتى نرى فروع الفجر.

أخرجه جعفر الفريابي في الصيام (175).

قلت: رواية جماعة الحفاظ عن محمد بن يوسف أولى من رواية داود بن قيس، وقد اختلف عليه فيها، وعليه: فإن المحفوظ في رواية محمد بن يوسف: إحدى عشرة ركعة.

وانظر فيمن وهم فيه على محمد بن يوسف: علل ابن أبي حاتم (2/ 410/ 477).

ب- وروى يزيد بن هارون [ثقة متقن]؛ وعلي بن الجعد [ثقة ثبت]:

حدثنا ابن أبي ذئب [مدني، ثقة]؛ عن يزيد بن خصيفة [ابن أخي السائب بن يزيد: مدني ثقة، سمع السائب بن يزيد، وروايته عنه في الصحيحين]؛ عن السائب بن يزيد، قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة، ولكن كانوا يقرؤون بالمائتين في ركعة حتى كانوا يتوكؤون على عصيهم من شدة القيام.

أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2825 و 2826)، وجعفر الفريابي في الصيام (176)، والبيهقي في السنن (2/ 496)، وفي فضائل الأوقات (127).

وهذا موقوف بإسناد صحيح.

• ورواه محمد بن جعفر [هو: ابن أبي كثير: مدني، ثقة]، قال: حدثني يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، قال: كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب بعشرين ركعة والوتر.

أخرجه البيهقي في المعرفة (2/ 305/ 1365)، بإسناد لا بأس به إلى محمد بن جعفر.

وهذا موقوف بإسناد صحيح.

• ورواه عبد الرزاق (4/ 261/ 7733)، من وجه آخر واهٍ، رواه: عن الأسلمي، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب [مدني، ثقة، من الخامسة]؛ عن السائب بن يزيد، قال: كنا ننصرف من القيام على عهد عمر، وقد دنا فروع الفجر، وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرين ركعة.

وهذا إسناد واهٍ بمرة، ليس بشيء، شيخ عبد الرزاق هو: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهو: متروك، كذبه جماعة.

* قال ابن حجر في الفتح (4/ 253): "والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال".

قلت: مع اتحاد المخرج واتفاق القرائن يتعذر الجمع، لذا فالترجيح هو المتعين،

ص: 159

فراوي القصتين هو السائب بن يزيد، وذكر في الروايتين أنهم كانوا يقرؤون بالمائتين في ركعة حتى كانوا يتوكؤون على عصيهم من شدة القيام.

لذا فمن التكلف القول بأنهم كانوا يطيلون القيام والقراءة بادئ الأمر، حين اقتصروا على إحدى عشرة ركعة، فلما شق عليهم طول القيام؛ خففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات، فتعين الترجيح، والله أعلم.

فإذا بحثنا عن موجب الترجيح بين الروايتين، بالنظر إلى الراوي عن السائب بن يزيد، وجدنا:

محمد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني الأعرج، ابن أخت السائب بن يزيد، وقيل: السائب جده لأمه، وهو: ثقة ثبت، وروايته عن السائب في الصحيحين.

قال ابن معين وأحمد وابن المديني والنسائي: "ثقة"، وقال يحيى بن سعيد القطان:"محمد بن يوسف: أثبت من عبد الرحمن بن حميد وعبد الرحمن بن عمار، وكان أعرج، وكان ثبتاً"، وقال ابن معين: قال لي يحيى: "لم أر شيخًا يشبهه في الثقة"، وقال أحمد بن صالح المصري:"ثبت، له شأن"[العلل ومعرفة الرجال (2/ 502/ 3315)، التاريخ الكبير (1/ 264)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (2/ 281/ 2921 - السفر الثالث)، مسند البزار (935)، التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم للمقدمي (948)، الجرح والتعديل (8/ 118)، الثقات (7/ 433)، تاريخ أسماء الثقات (1198)، التعديل والتجريح (2/ 685)، إكمال مغلطاي (10/ 450)، التهذيب (3/ 739)].

تنبيه: وقع في بعض النسخ المطبوعة من سنن الترمذي برقم (2161): حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، قال: حج يزيد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وأنا ابن سبع سنين.

فقال علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد القطان:"كان محمد بن يوسف ثبتًا، صاحب حديث، وكان السائب بن يزيد جده، وكان محمد بن يوسف يقول: حدثني السائب بن يزيد، وهو جدي من قبل أمي".

كتب الدكتور بشار: "هذا الحديث تقدم في أبواب الحج، من هذا الكتاب (926)، وتكراره في هذا الموضع خطأ، إذ لم يذكره المزي في التحفة، ولا استدركه عليه المستدركون، فلم ينصوا أنه مذكور في الفتن، ولا وجدناه في شيء من النسخ، أو الشروح التي بين أيدينا".

وفي المقابل: فإن يزيد بن عبد الله بن خصيفة؛ ابن أخي السائب بن يزبد: مدني ثقة، وقد سمع من السائب بن يزيد، وروايته عنه في الصحيحين، قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي:"ثقة"، وقال ابن معين مرة:"ثقة حجة"، وقال أبو بكر الأثرم: سألت أبا عبد الله عن يزيد بن خصيفة، فقال:"ثقة ثقة"، وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: "ما أعلم إلا خيرًا"، ولا يثبت عن أحمد تضعيفه، حيث خالف الآجري، فروى عن أبي داود: قال

ص: 160

أحمد: "منكر الحديث"، ولا يحتمل من الآجري مخالفة أثبت أصحاب أحمد في ذلك، وأبو عبيد الآجري لم يُعثر له على ترجمة، وإن كان كتابه قد حاز قبول العلماء في النقل عنه؛ إلا أنه صاحب غرائب في النقل عن أبي داود [انظر مثلًا: الحاشية رقم (3) على تهذيب الكمال (32/ 173)، حاشية طارق عوض الله على المنتخب من علل الخلال ص (218)، فضل الرحيم الودود (12/ 193)]؛ وعلى هذا فلا يوثق بهذا النقل عن أبي داود، وقال ابن سعد:"كان عابداً ناسكاً، ثقة، كثير الحديث، ثبتًا"، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال في المشاهير:"من جلة أهل المدينة، وكان يهم كثيرًا إذا حدث من حفظه"، فانفرد بذلك عن الأئمة في إجماعهم على توثيق ابن خصيفة، وقد سبق أن برهنت على رد تجريح المتأخر إذا خالف إجماع النقاد المتقدمين على توثيق رجل، وذلك لأن الأوهام الواقعة في مروياته يقع الحمل فيها على من دونه، فلا نقبل الجرح حينئذ حتى يأتي على صحة دعواه ببرهان بين، وابن خصيفة قد أجمع أئمة النقاد على توثيقه والاحتجاج بحديثه [طبقات ابن سعد (155 - القسم المتمم لتابعي أهل المدينة)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 490/ 3232)، سؤالات ابن طهمان (347)، التاريخ الكبير (8/ 345)، الجرح والتعديل (9/ 274)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (2/ 303/ 3040 - السفر الثالث)، الثقات (7/ 616)، المشاهير (1066)، التهذيب (4/ 419)].

وحاصل ما تقدم: فإن كلاً من محمد بن يوسف وابن خصيفة: ثقة ثبت، من أهل بيت السائب بن يزيد، احتج به الشيخان، ورويا له عن السائب، فحينئذ نبحث عن قرينة مرجحة من خارج النص، فيما روي عن عمر بشان التراويح:

* فوجدنا: مالك بن أنس، قد روى عن يزيد بن رومان؛ أنه قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 172/ 303 - رواية يحيى الليثي)(151 - رواية القعنبي)(281 - رواية أبي مصعب الزهري)، ومن طريقه: جعفر الفريابي في الصيام (179 و 180)، والببهقي في السنن (2/ 496)، وفي الشعب (5/ 485/ 3000)، وفي المعرفة (2/ 305/ 1366)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 367/ 1787).

قال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 351): "لكنه مرسل؛ فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر"[وقاله قبله النووي في المجموع (4/ 33)، وفي الخلاصة (1964)].

قلت: وهذا على انقطاعه؛ فإنه يقوي رواية ابن خصيفة.

قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 69): "وهذا كله يشهد بأن الرواية بإحدى عشرة ركعة: وهمٌ وغلطٌ، وأن الصحيح: ثلاث وعشرون وإحدى وعشرون ركعة، والله أعلم".

• هكذا رواه أصحاب مالك ورواة الموطأ:

ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]؛ عن مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد [يعني: الأنصاري]؛ أن عمر بن الخطاب أمر رجلًا يصلي بهم عشرين ركعة.

ص: 161

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 163/ 7682)، ومن طريقه: إسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 367/ 1788).

وهذا منقطع أيضًا؛ يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدرك عمر.

* وروى حميد بن عبد الرحمن [الرؤاسي: كوفي، ثقة]؛ عن حسن [هو: الحسن بن صالح بن حي، وهو: ثقة]؛ عن عبد العزيز بن رفيع قال: كان أبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة، ويوتر بثلاث.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 163/ 7684)، ومن طريقه: إسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 368/ 1790).

وهذا أيضًا منقطع، عبد العزيز بن رفيع: تابعي ثقة، من الطبقة الرابعة، لم يدرك أبي بن كعب.

* وروى شجاع بن مخلد، قال: ثنا هشيم، قال منصور [هو: ابن زاذان، وهو: ثقة ثبت]: أخبرنا الحسن، قال: كانوا يصلون عشرين ركعة، فإذا كانت العشر الأواخر زاد ترويحة شفعين.

أخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (53).

وهذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري، وهو محمول على حكاية الحال على عهد عمر، والحسن البصري لم يدرك عمر، وسيأتي ذكره بسياق آخر بعد قليل.

• وباجتماع هذه المراسيل التي تعددت مخارجها، ودلت بمجموعها على اشتهار ذلك الأمر على عهد عمر، وأنه قد جمع الناس على عشرين ركعة غير الوتر، حيث تتابع على ذلك: أربعة من التابعين، بعضهم أئمة بلدانهم وحفاظ أعصارهم، ولا يخفى مثل هذا مع اشتهاره عليهم، فهذا كله مما يرجح رواية ابن خصيفة عن السائب بن يزيد، كما قال ابن عبد البر، والله أعلم.

ج- وروى سفيان الثوري [وعنه: وكيع بن الجراح، وعبد الرزاق]؛ وأبو عوانة، وزائدة بن قدامة، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير:

عن عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي عثمان النهدي [عبد الرحمن بن مل: مخضرم، سمع عمر. كنى مسلم (2173)]؛ أن عمر بن الخطاب دعا ثلاثة قراء في شهر رمضان، فأمر بأسرعهم قراءة يقرأ ثلاثين آية، وبأوسطهم أن يقرأ خمسًا وعشرين آية، وأمر بأطولهم أن يقرأ عشرين آية.

أخرجه عبد الرزاق (4/ 261/ 7732)(4/ 82/ 7870 - ط التأصيل)[ووقع فيهما: عن القاسم؛ تحرف عن عاصم]. وابن أبي شيبة (2/ 162/ 7672)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 379/ 1184)، وجعفر الفريابي في الصيام (186 و 187)، والبيهقي في السنن (2/ 497)، وفي الشعب (5/ 487/ 3004).

ص: 162

وهذا موقوف على عمر، بإسناد صحيح متصل، على شرط الشيخين.

د- روى يزيد بن هارون [ثقة متقن]؛ وآدم بن أبي إياس [ثقة]:

أخبرنا ابن أبي ذئب [ثقة]؛ عن مسلم بن جندب [تابعي، ثقة، من الطبقة الثالثة]؛ عن نوفل بن إياس الهذلي، قال: كنا نقوم في عهد عمر بن الخطاب فرقًا في رمضان في المسجد إلى هاهنا وهاهنا، فكان الناس يميلون على أحسنهم صوتًا، فقال عمر: ألا أراهم قد اتخذوا القرآن أغاني، أما والله لئن استطعت لأغيرن هذا، قال: فلم يلبث إلا ثلاث ليال حتى أمر أبي بن كعب، فصلى بهم، ثم قام في مؤخر الصفوف، فقال: إن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (5/ 59)، والبخاري في خلق أفعال العباد (275)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 379/ 1185)، وجعفر الفريابي في الصيام (172).

قلت: نوفل بن إياس الهذلي: روى عنه مسلم بن جندب، وذكره مسلم بن الحجاج في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن جرير الطبري في كتابه تهذيب الآثار:"نوفل بن إياس: غير معروف عندهم في نقلة العلم والآثار"، قال هذا على لسان المخالف، غير مقر به، وأما هو فقد احتج به وصحح حديثه، فقال: "وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح لعلل:

"، ثم ذكر هذا منها، وقال الذهبي: "لا يُعرف"، قلت: هو تابعي كبير، تحتمل جهالته في مثل هذا، حيث لم يرو منكرًا؛ وهو حسن الحديث ما لم يخالف، أو ينفرد بما لا يتابع عليه [التاريخ الكبير (08/ 8 1)، الطبقات لمسلم (674)، تهذيب الآثار (164 - الجزء المفقود)، الثقات (5/ 479)، الميزان (4/ 280)، إكمال مغلطاي (12/ 99)، التهذيب (4/ 249)].

وهذا موقوف جيد الإسناد، والله أعلم.

* ورواه أبو داود في سننه من طريق الحسن البصري عن عمر مرسلًا، والحسن لم يدرك عمر:

رواه شجاع بن مخلد: حدثنا هشيم: أخبرنا يونس بن عبيد، عن الحسن؛ أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين ليلة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلف، فصلى في بيته، فكانوا يقولون: أبق أبي.

أخرجه أبو داود (1429)، وابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (48)، والبيهقي في السنن (2/ 498)، وفي الخلافيات (3/ 336/ 2543). [التحفة (1/ 111/ 10)].

وهذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري؛ إلا أن الحسن لم يدرك عمر، ولم يسمع من أبي بن كعب.

قال النووي في المجموع (4/ 18): "وهو منقطع؛ لأن الحسن لم يدرك عمر، بل ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه".

ص: 163

* وأما ما روي مرفوعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عشرين ركعة، أو أنه زاد على ثلاث عشرة ركعة، فلا يصح منه شيء [راجع في ذلك الأحاديث السابقة برقم (1334 - 1367)]:

ومنها أيضًا: ما رواه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان [في غير جماعة، عشرين ركعة والوتر [وفي رواية: ويوتر بثلاث].

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 164/ 7692)، وعبد بن حميد (653)، والطبراني في الكبير (11/ 393/ 12102)، وفي الأوسط (1/ 243/ 798) و (5/ 324/ 5440)، وابن عدي في الكامل (1/ 240)، والبيهقي (2/ 496)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 115)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 21 - ط الغرب) و (13/ 501 - ط الغرب)، وفي الموضح (1/ 387)، وأبو الطاهر ابن أبي الصقر فى مشيخته (19). [المسند المصنف (12/ 102/ 5757)].

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الحكم إلا أبو شيبة، ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد".

وأنكره ابن عدي حيث أخرجه في جملة المناكير التي أنكرها على أبي شيبة، وقال:"ولأبي شيبة أحاديث غير صالحة، غير ما ذكرت، عن الحكم وعن غيره، وهو ضعيف على ما بينته".

وقال البيهقي: "تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، وهو ضعيف".

وقال ابن عبد البر: "إلا أنه حديث يدور على أبي شيبة إبراهيم بن عثمان جد بني أبي شيبة، وليس بالقوي".

وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 153): "وهو معلول بأبي شيبة إبراهيم بن عثمان، جد الإمام أبي بكر بن أبي شيبة، وهو متفق على ضعفه، ولينه ابن عدي في الكامل، ثم إنه مخالف للحديث الصحيح: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟، قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة

"، وذكر الحديث.

وقال ابن حجر في الفتح (4/ 254): "إسناده ضعيف، وقد عارضه حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين، مع كونها أعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم ليلًا من غيرها، والله أعلم".

قلت: هذا حديث منكر؛ إبراهيم بن عثمان أبو شيبة العبسي الكوفي: متروك الحديث، روى عن الحكم أحاديث مناكير [التهذيب (1/ 76)، الميزان (1/ 47)]؛ وهذا منها، قال صالح بن محمد جزرة:"أبو شيبة قاضي واسط: ضعيف، روى عن الحكم أحاديث مناكير، لا يكتب حديثه، منها: عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر"[تاريخ بغداد (7/ 21 - ط الغرب)]؛

ص: 164

وقد دلت الأحاديث الصحيحة المتكاثرة في الصحيحين وغيرهما على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة [راجع الأحاديث السابقة برقم (1334 - 1367)].

* مسألة:

قال أبو داود في مسائله لأحمد (437 و 438): "سمعت أحمد وقيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال: يصلي مع الناس، وسمعته أيضًا يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته".

قلت لأحمد: الإمام يصلي التراوبح بالناس وناس في المسجد يصلون لأنفسهم؟ فقال: لا يعجبني، يعجبني أن يصلوا مع الإمام، فقيل لأحمد، وأنا أسمع: يوتر الإمام بثلاث، أوتر أو أنصرف، فأوتر وحدي؟ قال: توتر معه، قيل: يضجون في القنوت؟ قال: أوتر معه، قيل لأحمد، وأنا أسمع: يؤخر القيام، يعني: التراويح إلى آخر الليل؟ قال: لا، سنة المسلمين أحب إليَّ.

وكان أحمد يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام، شهدته شهر رمضان كله يوتر مع إمامه إلا أرى ليلة لم أحضر" [وانظر: مسائل ابن هانئ (503)].

وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (384): "قلت: الصلاة في الجماعة أحب إليك أم يصلي وحده في قيام شهر رمضان؟ قال: يعجبني أن يصلي في الجماعة؛ يحيي السُّنَّة، قال إسحاق: أجاد، كما قال".

وقال أبو بكر الأثرم: "كان أحمد بن حنبل يصلي مع الناس التراويح كلها - يعني: الأشفاع إلى آخرها - ويوتر معهم، ويحتج بحديث أبي ذر، قال أحمد بن حنبل: كان جابر وعلي وعبد الله يصلونها في جماعة"[التمهيد (8/ 118)].

وقال الترمذي بعد حديث أبي ذر (806): "واختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم: أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة.

وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: عشرين ركعة، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي.

وقال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة.

وقال أحمد: روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء.

وقال إسحاق: بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب.

واختار ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: الصلاة مع الإمام في شهر رمضان.

واختار الشافعي: أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئًا".

ص: 165