المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌319 - باب في ليلة القدر - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٦

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌319 - باب في ليلة القدر

وقال ابن خزيمة (3/ 340)(3/ 74 - ط التأصيل): "وبعض أصحابه صلى الله عليه وسلم ممن قد صلى معه قارئٌ للقرآن، ليس كلهم أُمِّيِّين، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلته": دلالة على أن القارئ والأمي إذا قاما مع الإمام إلى الفراغ من صلاته كُتِب له قيام ليلته، وكَتْبُ قيام ليلةٍ أفضلُ من كَتْبِ قيام بعض الليل".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 116): "واختلفوا أيضًا في الأفضل من القيام مع الناس، أو الانفراد في شهر رمضان، فقال مالك والشافعي: صلاة المنفرد في بيته في رمضان أفضل، قال مالك: وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل ذلك، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته، واحتج الشافعي بحديث زيد بن ثابت؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان: "أيها الناس صلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، قال الشافعي: ولا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده على ما كان في ذلك كله من الفضل،

، وروينا عن ابن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع؛ أنهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس، وقال الليث بن سعد: لو أن الناسَ قاموا في رمضان لأنفسهم ولأهليهم كلَّهم حتى يُترَك المسجدُ لا يقوم فيه أحدٌ؛ لكان ينبغي أن يخرجوا من بيوتهم إلى المسجد حتى يقوموا فيه؛ لأن قيام الناس في شهر رمضان من الأمر الذي لا ينبغي تركه، وهو مما بين عمر بن الخطاب للمسلمين وجمعهم عليه، قال الليث: فأما إذا كانت الجماعة فلا بأس أن يقوم الرجل لنفسه في بيته ولأهل بيته، وحجة من قال بقول الليث: قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي"، ولا يختلفون أن عمر منهم رضي الله عنهم، وقال قوم من المتأخرين من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي

، قالوا: الجماعة في المسجد في قيام رمضان أحب إلينا وأفضل من صلاة المرء في بيته، واحتجوا بحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة"، وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل ".

***

‌319 - باب في ليلة القدر

1378 -

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد -المعنى-، قالا: حدثنا حماد [بن زيد]؛ عن عاصم، عن زِرٍّ، قال: قلت لأُبيِّ بن كعبٍ: أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر، فإن صاحبنا سُئل عنها، فقال: من يَقُمِ الحوْلَ يُصِبها، فقال: رحم الله أبا عبد الرحمن، والله لقد علم أنها في رمضان -زاد مسدد: ولكن كره أن تتكلوا، وأحب أن لا تتكلوا، ثم اتفقا- والله إنها لفي رمضان، ليلةَ سبعٍ وعشرين، لا يستثني، قلت:[يا] أبا المنذر، أنَّى علمتَ ذلك؟ قال: بالآية التي

ص: 166

أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لزرٍّ: ما الآية؟ قال: تصبح الشمسُ صبيحةَ تلك الليلةِ مثلَ الطَّستِ، ليس لها شعاعٌ حتى ترتفعَ.

* حديث صحيح، وقد ثبت رفع المقطوع

أخرجه من طريق أبي داود: أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 374)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 207)، وفي الاستذكار (3/ 413). [التحفة (18)، المسند المصنف (30)].

* تابع سليمان بن حرب ومسدد بن مسرهد:

محمد بن أبي بكر المقدمي، وعفان بن مسلم، وأحمد بن عبدة، وخلف بن هشام البزار، وعبيد الله بن عمر القواريري، وحجاج بن المنهال، وعارم أبو النعمان محمد بن الفضل [وهم جميعًا ثقات]:

قالوا: حدثنا حماد بن زيد: حدثنا عاصم، عن زر، قال: قلت لأبي بن كعب: أبا المنذر! أخبرني عن ليلة القدر، فإن صاحبنا -يعني: ابن مسعود- سئل عنها، فقال: من يقم الحول يصبها، قال: رحم الله أبا عبد الرحمن، لقد علم أنها في رمضان، ولكنه كره أن يتكلوا، أو أحب أن لا يتكلوا، والله إنها لفي رمضان، ليلة سبع وعشرين، لا يستثني، قال: قلت: أبا المنذر، أنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت لزر: ما الآية؟ قال: تطلع الشمس صبيحة تلك الليلة ليس لها شعاع مثل الطست حتى ترتفع. لفظ أحمد بن عبدة، وبنحوه رواه الجماعة.

ولفظ حديث المقدمي: قلت لأبي بن كعب: أبا المنذر! أخبرني عن ليلة القدر، فإن صاحبنا -يعني: ابن مسعود- كان إذا سئل عنها قال: من يقم الحول يصبها، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، أما والله لقد علم أنها في رمضان، ولكن أحب أن لا يتكلوا، وإنها ليلة سبع وعشرين -لم يستثنِ-[وفي رواية: يحلف، ولا يستثني]؛ قلت: أبا المنذر! أنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها، كأنها طست حتى ترتفع".

وفي رواية الطبراني: قال حماد: فقلت لعاصم: ما الآية؟ قال: "تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة ليس لها شعاع مثل الطست حتى ترتفع".

أخرجه ابن خزيمة (3/ 332/ 2193)، وأحمد (5/ 131)، وابنه عبد الله في زياداته على المسند (5/ 130 - 131)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسثده (3/ 359/ 1475)، والطبراني في الكبير (9/ 315/ 9581)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 315). [الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

* تابع حمادَ بن زيد عليه جماعةٌ من المقات:

1 -

فقد روى يحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن هارون، ووكيع بن الجراح،

ص: 167

ويعلى بن عبيد الطنافسي، وعبد الرزاق بن همام، وأبو داود الحفري عمر بن سعد، وعمرو بن محمد العنقزي [وهم ثقات]؛ ومهران بن أبي عمر [الرازي: لا بأس به، يغلط في حديث الثوري. التهذيب (4/ 167)، الميزان (4/ 196)، الثقات (7/ 523)، الإرشاد (2/ 662)]: عن سفيان [بن سعيد الثوري]:

حدثني عاصم، عن زر، قال: قلت لأبي: أخبرني عن ليلة القدر، فإن ابنَ أمِّ عبدٍ كان يقول: من يقم الحول يصبها، قال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، قد علم أنها في رمضان، فإنها لسبع وعشرين، ولكنه عمَّى على الناس لكي لا يتكلوا، فوالذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم إنها في رمضان ليلة سبع وعشرين، قال: قلت: يا أبا المنذر، وأنى علمتها؟ قال: بالآية التي أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعددنا وحفظنا، فواللّه إنها لهي -ما يستثني-، قلت لزر: ما الآية؟ قال: إن الشمس تطلع غداة إذ [وفي رواية: غداتئذ، كأنها طست، ليس لها شعاع. لفظ القطان [عند أحمد]؛ ومثله لفظ يزيد [عند عبد بن حميد].

ولفظ يزيد بن هارون [عند أحمد]: عن زر، قال: قال لي أبي: إنها ليلة سبع وعشرين، وإنها لهي هي -ما يستثني-، بالآية التي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحسبنا وعددنا، فإنها لهي هي -ما يستثني-.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 251/ 8675)(5/ 405/ 8914 - ط الشثري)، وأحمد (5/ 130)، وعبد بن حميد (163)، وابن نصر في قيام الليل (256 - مختصره)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 358/ 1474) و (3/ 360/ 1476) و (3/ 361/ 1478)، والطبراني في الكبير (9/ 315/ 9580)، وأبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة (12/ 193)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 253)، وابن أبي الصقر في مشيخته (64)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 387/ 1828). [الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

(2 و 3) ورواه زائدة بن قدامة، ومعمر بن راشد:

عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش به، نحو حديث الثوري.

أخرجه عبد الرزاق (4/ 252/ 7700)(4/ 76/ 7836 - ط التأصيل)، والطبراني في الكبير (9/ 316/ 9582)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 211). [المسند المصنف (30)].

4 -

ورواه عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الأبار [كوفي، نزل بغداد: لا بأس به. التهذيب (3/ 239)]؛ قال: نا منصور بن المعتمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: وفدت إلى عثمان بن عفان فلقيت أبي بن كعب، فقلت له: حدثني عن ليلة القدر؛ فإن ابن مسعود يقول: من يقم السُّنَّة يصبها أو يدركها، قال أبي: لقد علم أنها في رمضان، ولكنه أحب أن يعمِّيَ عليكم، وإنها لليلة سبع وعشرين، بالآية التي حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظناها وعلمناها، قال: فكاد أن يواصلها إلى السحر، فإذا كان قبلها

ص: 168

بيوم وبعدها بيوم صعد إلى المنارة، فنظر إلى مطلع الشمس، فقال: إنها تطلع صبيحتها لا شعاع لها حتى ترتفع، قال أُبي: فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فنحن نقول.

أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (3/ 463/ 736)، وابن حبان (8/ 447/ 3691)، والطبراني في الكبير (9/ 317/ 9585)، والدارقطني في الأفراد (654 و 610 - أطرافه). [الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

رواه عن أبي حفص الأبار: الحسن بن عرفة [وهو: صدوق]؛ وهذا لفظه [عند الطوسي]؛ وخالفه: داود بن رُشَيد [نزيل بغداد، ثقة]؛ فقال في آخره: فكان زر يواصل إلى السحر، فإذا كان قبلها بيوم أو بعدها صعد المنارة، فنظر إلى مطلع الشمس، ويقول: إنها تطلع لا شعاع لها حتى ترتفع. حسب [عند ابن حبان].

وخالفهما: سريج بن يونس [بغدادي، ثقة]؛ فقال في آخره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصلها إلى السحر، فإذا كان قبلها بيوم وبعدها بيوم صعد فنظر إلى الشمس، وقال:"إنها تطلع الشمس صبيحتها ولا شعاع لها حتى ترتفع "[عند الطبراني].

قال الدارقطني: "ورواه منصور بن المعتمر عن عاصم، تفرد به عنه: أبو حفص الأبار عمر بن عبد الرحمن، ورواه الحسن بن عرفة عن الأبار، فزاد فيه حديثين آخرين".

وقال في الموضع الثاني: "غريب من حديث منصور بن المعتمر عن عاصم عنه" تفرد به: أبو حفص عمر بن عبد الرحمن الأبار عن منصور، وعنه الحسن بن عرفة"، يعني: بحديث الرحم وليلة القدر.

قلت: وهذا غريب من حديث منصور بن المعتمر، وقد اضطرب في متنه أبو حفص الأبار، ولم يضبطه.

والأشبه بالصواب: رواية داود بن رُشَيد، حيث قال في آخره: فكان زر يواصل إلى السحر، فإذا كان قبلها بيوم أو بعدها صعد المنارة، فنظر إلى مطلع الشمس، ويقول: إنها تطلع لا شعاع لها حتى ترتفع.

(5 - 7) ورواه حماد بن شعيب [ضعفوه، وقال البخاري: "فيه نظر". اللسان (3/ 270)]؛ وشيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة]؛ وزيد بن أبي أنيسة [ثقة]:

عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبد الله؛ أنه قال في ليلة القدر: من يقم الحول يصبها، فانطلقت حتى قدمت على عثمان بن عفان، وأردت لقي أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، قال عاصم: فحدثني أنه لزم أبي بن كعب وعبد الرحمن بن عوف، فزعم أنهما كانا يقومان حين تغرب الشمس، فيركعان ركعتين قبل المغرب، قال: فقلت لأبي -وكانت فيه شراسة-: اخفض لنا جناحك رحمك الله، فإني إنما أتمتع منك تمتعاً، فقال: تريد أن لا تدع آية في القرآن إلا سألتني عنها، قال: وكان لي صاحب صدق، فقلت: يا أبا المنذر! أخبرني عن ليلة القدر، فإن ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصبها، فقال: والله لقد علم عبد الله أنها في رمضان، ولكنه عمَّى على الناس لكيلا

ص: 169

يتكلوا، والله الذي أنزل الكتاب على محمد! إنها لفي رمضان، وإنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: يا أبا المنذر! أنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أنبأنا بها محمد صلى الله عليه وسلم، فعددنا وحفظنا، فوالله إنها لهي ما يستثني، قال: فقلت: وما الآية [أبا المنذر]؟ فقال: "إنها تطلع حين تطلع ليس لها شعاع حتى ترتفع".

وكان عاصم ليلتئذ من السحر لا يطعم طعامًا، حتى إذا صلى الفجر، صعد على الصومعة، فنظر إلى الشمس حين تطلع لا شعاع لها، حتى تبيض وترتفع. لفظ حماد [عند عبد الله بن أحمد]؛ ولفظ الآخران بنحوه.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 131)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (13/ 357/ 473) و (3/ 360/ 1477)، والطبراني في الكبير (6/ 319/ 9584)، وفي الأوسط (2/ 28/ 1123) و (4/ 333/ 4353)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 182)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 26). [الإتحاف (31 و 32)، المسند المصنف (30)].

8 -

ورواه أبو بكر بن عياش [ثقة، صحيح الكتاب، وإن كان في حفظه كلام؛ إلا أنه من خاصة أصحاب عاصم بن أبي النجود، ومن أهل بلده، وقد لازمه مدة، وأخذ عنه القرآن][وعنه: واصل بن عبد الأعلى الكوفي، وهو: ثقة، وأحمد بن محمد بن أيوب البغدادي الوراق: لا بأس به]؛ عن عاصم، عن زر، قال: أتيت المدينة فدخلت المسجد، فإذا أنا بأبي بن كعب فأتيته، فقلت: يرحمك اللهْ أبا المنذر، اخفض لي جناحك، وكان امرأ فيه شراسة، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ليلة سبع وعشرين، قلت: أبا المنذر، أنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعددنا وحفظنا، وآية ذلك:"أن تطلع الشمس في صبيحتها مثل الطست لا شعاع لها، حتى ترتفع". لفظ ابن أيوب [عند عبد الله بن أحمد].

ولفظ واصل [عند الترمذي]: قلت لأبي بن كعب: أنى علمت أبا المنذر أنها ليلة سبع وعشرين؟ قال: بلى أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنها ليلة صييحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع"، فعددنا وحفظنا، والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا.

أخرجه الترمذي (793)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 132)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 182)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 317). [التحفة 181)، الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

(9 و 10) ورواه مالك بن مغول [ثقة ثبت]، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت [ضعيف في الحديث]:

عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: قلت لأبي بن كعب: إن عبد الله

ص: 170

كان يقول في ليلة القدر: من قام الحول أدركها، فقال: رحمة الله على أبي عبد الرحمن، أما والذي يحلف به! لقد علم أنها لفي رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، قال: فلما رأيته يحلف لا يستثني، قلت: ما علمك بذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحسبنا وعددنا، فإذا هي ليلة سبع وعشرين، يعني:"أن الشمس ليس لها شعاع".

أخرجه أبو يوسف في الآثار (827)، والطحاوي (3/ 92)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 356/ 1470)، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 533). [الإتحاف (32)].

11 -

ورواه بدون ذكر العلامة، أو مختصرًا:

زهير بن معاوية [ثقة ثبت]: ثنا عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: لقيت أبي بن كعب -وكان امرأ فيه شراسة-، فقلت: أبا المنذر اخفض لي جناحك رحمك الله، وسألته عن ليلة القدر؟ فقال: إنها في رمضان، وإنها ليلة سبع وعشرين، قلت: وأنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعددنا وحفظنا، فوالله إنها لهي، لا يستثني.

أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 316/ 9583).

12 -

يونس بن عبيد [ثقة ثبت، وليس من مشهور حديثه]؛ عن عاصم، عن زر، قال: قال رجل لأبي بن كعب: إن عبد الله بن مسعود، يقول في ليلة القدر: من يقم الحول يصبها، فقال أبي: رحم الله أبا عبد الرحمن لقد علم أنها في شهر رمضان في ليلة سبع وعشرين، ولكن أحب أن لا يتكلوا.

أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 317/ 9586)، وأبو بكر الإسماعيلي في المعجم (1/ 497)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 357 - ط الغرب).

13 -

ورواه روح بن عبد المؤمن المقرئ [وهو: ثقة]؛ ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب [ثقة]؛ قالا:

حدثنا الحجاج بن أبي الفرات [قال الحسيني في الإكمال: غير مشهور. الجرح والتعديل (3/ 165)، الإكمال (146)، التعجيل (186)]؛ أخو الفرات بن أبي الفرات: حدثنا عاصم، عن زر، عن أبي بن كعب، قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، لثلاث يبقين. ولم يرفعه.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 132)، وعنه: أبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (127)، والخطيب في تاريخ بغداد (148/ 10 - ط الغرب). [الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

14 -

ورواه سفيان بن عيينة، قال: ثنا عبدة بن أبي لبابة، وعاصم ابن بهدلة؛ أنهما سمعا زر بن حبيش، يقول: قلت لأُبيٍّ: إن أخاك ابن مسعود يقول: مَن يَقُم الحولَ يُصِبْ ليلةَ القدر، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، إنما أراد أن لا يتَّكِلَ الناس، ولقد علم أنها

ص: 171

في العشر الأواخر من شهر رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف أُبيٌّ لا يستثني أنها لليلة سبع وعشرين، فقلنا له: يا أبا المنذر بأي شيء علمته؟ قال: بالآية أو بالعلامة التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا:"أن الشمس تطلع صبيحة ذلك اليوم ولا شعاع لها".

أخرجه مسلم (762/ 220)، وأبو عوانة (8/ 296/ 3322 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 257/ 2671)، والترمذي (3351)، والنسائي في الكبرى (3/ 401/ 3392) و (3/ 402/ 3393)، وابن خزيمة (3/ 331/ 2191)، وابن حبان (8/ 445/ 3689)، وأحمد (5/ 130)، والشافعي في السنن (324 م)، والحميدي (379)[واللفظ له]. وسعدان بن نصر في جزئه (65)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 168/ 4306 - السفر الثالث)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 382)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (514)، وابن منده في الفوائد (57)، والبيهقي في السنن (4/ 312)، وفي الشعب (6/ 239/ 3411)، وفي المعرفة (3/ 456/ 2633)، وفي فضائل الأوقات (100 و 101)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 205/ 1181)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (25/ 221) و (51/ 233). [التحفة (18)، الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

رواه عن سفيان بن عيينة: أحمد بن حنبل، والشافعي، والحميدي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن حاتم، وابن أبي عمر العدني، وسعدان بن نصر، وعبد الجبار بن العلاء، وشعيب بن عمرو بن نصر الدمشقي، وعبد الله بن عون بن أبي عون الهلالي الخراز، وعامر بن أسيد بن واضح الأصبهاني.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

*ولابن عيينة فيه شيخ ثالث:

• فقد رواه الحميدي، ويعقوب الدورقي، عن سفيان، عن ابن أبي خالد، عن زر بن حبيش، قال سمعت أبي بن كعب، يقول: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين.

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 402/ 3394)، وابن خزيمة (3/ 331/ 2191)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 31). [التحفة (18)، الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

• وقد رواه عبد الله بن إدريس، ومروان بن معاوية، ووكيع بن الجراح [وهم ثقات أثبات]:

عن إسماعيل بن أبي خالد [ثقة ثبت]؛ قال: رأيت زر بن حبيش يختلج لحياه كبرًا. قال: وسمعته يقول: قال أبي بن كعب: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. لفظ ابن إدريس [عند ابن سعد].

ولفظه [عند النسائي]: سمعت إسماعيل، قال: رأيت زرًا في المسجد تختلج لحيته كبرًا، فسألته: كم بلغت؟ قال: عشرين ومائة سنة، قال: سمعت أبيًا يقول: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين.

ص: 172

ولفظ مروان [عند ابن أبي شيبة]: عن زر، قال: سمعت أبي بن كعب، يقول: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. وبنحوه رواه وكيع.

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 402/ 3395)، وابن سعد في الطبقات (6/ 105)، وابن أبي شيبة (2/ 250/ 8668)(5/ 403/ 8906 - ط الشثري)، و (2/ 251/ 8676)(5/ 405/ 8915 - ط الشثري)، و (2/ 326/ 9530)(6/ 64/ 9785 - ط الشثري (. [التحفة (18)، المسند المصنف (30)].

• ورواه بعضهم عن إسماعيل ببعض أطرافه بدون موضع الشاهد: أخرجه ابن سعد في الطبقات (6/ 105)، وابن أبي شيبة (7/ 15/ 33891 و 33892)، وأحمد في العلل (459)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (68/ 13/ 4303 - السفر الثالث)، والطبراني في الكبير (527)، والحاكم (3/ 303)(7/ 21/ 5404 - ط الميمان)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 31). [الإتحاف (31)].

* وله طرق أخرى عن عاصم بن أبي النجود لا تخلي من مقال:

• أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 71 - ط الغرب)[الراجح وقفه].

• وأخرجه أبو الشيخ في فوائده بانتقاء ابن مردويه (19)، والدارقطني في الأفراد (604 - أطرافه). [وفي إسناده: النعمان بن راشد، ومسلم بن خالد الزنجي، وليسا بالقويين].

• وأخرجه ابن مخلد البزاز في حديثه عن شيوخه (2)، وقاضي المارستان في مشيخته (675). [تفرد به عن الأعمش: يحيى بن عيسى التميمي النهشلي الكوفي، نزيل الرملة: ليس بالقوي. انظر: التهذيب (4/ 380)].

* والحاصل: فإن حديث أبي بن كعب هذا حديث صحيح، صححه مسلم والترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان.

فإن قيل: فإنه من رواية عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش، وروايته عنه مضطربة [انظر: التهذيب (2/ 250)، شرح علل الترمذي (2/ 788)، الميزان (2/ 357)]؛ فيقال: إنما عابوا عليه أنه كان يُختلف عليه في حديث زر وأبي وائل شقيق بن سلمة، أو كان يشك فيه، وهذا الحديث قد رواه عنه جمع من الثقات، فلم يختلفوا عليه في إسناده، ولم يذكر أحد منهم أبا وائل في الإسناد؛ بل قد اتفقوا على أنه من حديث زر بن حبيش وحده، ولم ينفرد به عاصم عن زر، بل قد تابعه عليه جماعة:

* نعم؛ له طرق أخرى عن زر بن حبيش:

أ- روى محمد بن جعفر غندر، ومعاذ بن معاذ، والنضر بن شميل، وشاذان أسود بن عامر [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في شعبة]؛ وعبد الصمد بن النعمان [بغدادي، صدوق مكثر، وله أوهام. تقدم الكلام عليه مفصلًا في فضل الرحيم الودود (8/ 456/ 782)]:

ص: 173

حدثنا شعبة، قال: سمعت عبدة بن أبي لبابة، يحدث عن زر بن حبيش، قال: قال أبي: ليلة القدر، والله إني لأعلمها، -قال شعبة: وأكثر علمي؛ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها- هي ليلة سبع وعشرين.

وإنما شك شعبة في هذا الحرف: هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحدثني صاحب لي بها عنه. لفظ غندر.

أخرجه مسلم (762/ 180 - صلاة المسافرين) و (762/ 221 - الصيام)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 357/ 1737) و (2/ 258/ 2672)، وابن خزيمة (3/ 329/ 2188)، وأحمد (5/ 130)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 361/ 1479)، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 535). [التحفة (18)، الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

هكذا رواه ثقات أصحاب شعبة.

• وخالفهم فوهم في إسناده ومتنه: سعيد بن عامر: ثنا شعبة، عن عاصم، عن زر، عن أبي بن كعب، قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، بالآية التي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أن الشمس تطلع صبيحتها صافية ليس لها شعاع".

أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 186).

قال أبو نعيم: "هذا حديث غريب من حديث شعبة، ورواه عن عاصم: سفيان الثوري، وابن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن شعيب، وأبو بكر بن عياش، في آخرين، والمشهور من حديث شعبة: روايته عن عبدة بن أبي لبابة عن زر، ورواه عن زر: الشعبي، ويزيد بن أبي سليمان".

قلت: المحفوظ عن شعبة رواية الجماعة عنه، وقد وهم فيه سعيد بن عامر الضبعي، وهو: صدوق، قال أبو حاتم:"وكان في حديثه بعض الغلط"، وقال البخاري:"كثير الغلط"[التهذيب (2/ 27)، علل الترمذي الكبير (179)].

• ورواه الوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد [وهما ثقتان ثبتان، أثبت أصحاب الأوزاعي]؛ وبشر بن بكر [التنيسي: ثقة، من أصحاب الأوزاعي]؛ وإسماعيل بن عبد الله بن سماعة [ثقة فاضل، من أجل أصحاب الأوزاعي وأقدمهم وأثبتهم]؛ ومحمد بن كثير [هو: ابن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، صاحب الأوزاعي، وهو: صدوق كثير الغلط]؛ وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [كاتب الأوزاعي، صدوق]:

حدثنا الأوزاعي: حدثني عبدة، عن زر [وفي رواية الوليد بن مسلم وابن مزيد: حدثني زر بن حبيش]؛ قال: سمعت أبي بن كعب، يقول: وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر، فقال أُبي: والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان، يحلف ما يستثني، ووالله إني لأعلم أي ليلةٍ هي، هي الليلة التي أمرنا بها

ص: 174

رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها:"أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها [كأنها طست] ".

أخرجه مسلم (762/ 179 - صلاة المسافرين)، وأبو عوانة (8/ 295/ 3321 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 357/ 1736)، وابن حبان (8/ 446/ 3690)، والطحاوي (3/ 92)، وابن حذلم في حديث الأوزاعي (41)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (177)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 384/ 1830). [التحفة (18)، الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

• ورواه بقية بن الوليد [صدوق][وعنه: يزيد بن عبد ربه الجرجسي، وهو: ثقة، من أثبت الناس في بقية]:

عن ابن ثوبان [عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الشامي الدمشقي: صدوق له أوهام، وتغير بأخرة، وفي حديثه بعض ما ينكر. تاريخ بغداد (11/ 486 - ط الغرب)، تاريخ دمشق (34/ 246)، التهذيب (2/ 494)]؛ قال: حدثني عبدة بن أبي لبابة، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر: ليلة سبع وعشرين، وعلامتها أن الشمس تصعد ليس لها شعاع، كأنها طست".

أخرجه الطحاوي (3/ 92). [الإتحاف (32)].

هكذا وهم فيه بقية حين رفع الحديث كله، وإنما المرفوع منه العلامة حسب.

• خالفه فأتى به على الصواب: علي بن الجعد [ثقة ثبت]، قال: أنا ابن ثوبان، عن عبدة بن أبي لبابة، عن زر بن حبيش، قال: ذُكر عند عبد الله بن مسعود ليلة القدر، فقال: من قام شهر رمضان كله أدركها، قال: فقدمت المدينة فذكرت ذلك لأبي بن كعب، فقال: والذي نفسي بيده! إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، قال: فسألته، فقال: ليلة سبع وعشرين.

أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3408)، والطبراني في الكبير (9/ 317/ 9587)، وفي مسند الشاميين (162)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 247).

• ورواه حبيب بن أبي ثابت [ثقة]؛ عن عبدة بن أبي لبابة، عن زر بن حبيش، قال: قلت لأبي بن كعب: إن ابن أم عبدٍ قال: من قام السنة كلها أصاب ليلة القدر، فقال أبي: والله إنها لفي رمضان، وإنها ليلة سبع وعشرين، أخبرنا رسول لله صلى الله عليه وسلم، وآية ذلك:"أن الشمس تطلع ليس لها شعاع".

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 132/ 3795)، قال: حدثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي [حافظ رحال جوال؛ إلا أنهم تكلموا في حفظه، وتفرد بأشياء لم يتابع عليها. اللسان (5/ 542)]؛ قال: نا الحسن بن عبد الواحد الخزاز الكوفي [روى عنه جماعة، ولم أقف له على ترجمة]؛ قال: نا حسن بن حسين الأنصاري، قال: نا سعَّاد بن سليمان، عن حبيب به.

ص: 175

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حبيب بن أبي ثابت، إلا سعاد بن سليمان، تفرد به: حسن بن حسين الأنصاري".

قلت: هو حديث منكر من حديث حبيب بن أبي ثابت، تفرد به عنه دون بقية أصحابه الثقات: سَعَّاد بن سليمان، وهو: ضعيف [التهذيب (1/ 688)]؛ وقد تفرد به عنه: الحسن بن الحسين العرني، وهو: منكر الحديث، قال أبو حاتم:"لم يكن بصدوق عندهم، وكان من رؤساء الشيعة"، وقال ابن حبان:"يأتي عن الأثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات لا، وقال ابن عدي: "روى أحاديث مناكير، ولا يشبه حديثه حديث الثقات" [الجرح والتعديل (3/ 6)، علل الحديث (941)، المجروحين (1/ 238)، الكامل (2/ 332)، الميزان (1/ 483)، اللسان (3/ 33)].

• وروي عن حبيب من وجه آخر: رواه الشجري في الأمالي (1465 - ترتيبه)، من طريق: أبي الحريش الكلابي [هو: أحمد بن عيسى بن مخلد أبو جعفر الكوفي: روى عنه جماعة، ولم أر من وثقه. معجم الإسماعيلي (1/ 342)، تاريخ جرجان (727)، الإكمال (2/ 421)]؛ قال: حدثنا أبو غريب أمحمد بن العلاء: ثقة حافظ]؛ قال: حدثنا فردوس، قال: حدثنا كامل، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبدة، عن زر، عن أبي بن كعب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليلة القدر ليلة سبع وعشرين".

قلت: وهذا منكر كسابقه، أبو العلاء كامل بن العلاء: ضعيف، له أحاديث مناكير، وأباطيل تفرد بها عن الثقات المشاهير، فضلًا عن كونه كثير الوهم على حبيب بن أبي ثابت [راجع ترجمته مفصلة تحت الحديث رقم (1354)]؛ وفردوس بن الأشعري: شيخ ليس بالمشهور، ذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (7/ 141)، الجرح والتعديل (7/ 93)، الثقات (7/ 321)].

• وقد روي أيضًا من قول عبدة، ومن قول زر، لكن وهم بعضهم في إسناده فسلك فيه الجادة: أخرجه عبد الرزاق (4/ 251/ 7693) و (4/ 253/ 7701)، ومسدد في مسنده (6/ 240/ 1119 - مطالب)، وابن أبي شيبة (2/ 251/ 8677)(5/ 405/ 8916 - ط الشثري)، و (2/ 326/ 9536)(6/ 66/ 9791 - ط الشثري).

ب- وروى أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]؛ وعبد الرحمن بن مهدي [ثقة حجة إمام]:

حدثنا جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي، قال: حدثني يزيد بن أبي سليمان، قال: سمعت زر بن حبيش، يقول: لولا مخافة سلطانكم لوضعت يديَّ في أذنيَّ ثم ناديتُ ألا إن ليلة القدر في العشر الأواخر، في السبع، قبلها ثلاث، وبعدها ثلاث، نبأ من لم يكذبني، عن نبأ من لم يكذبه.

قال أبو داود: يعني: أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. لفظ الطيالسي.

ولفظ ابن مهدي [عند ابن الجارود وعبد الله بن أحمد]: سمعت زر بن حبيش،

ص: 176

يقول: لولا سفهاؤكم؛ لوضعت يدي في أذني، ثم ناديت: ألا إن ليلة القدر في رمضان، في العشر الأواخر، في السبع الأواخر، قبلها ثلاث، وبعدها ثلاث، نبأ من لم يكذبني، عن نبإ من لم يكذبه. يعني: أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية [عند النسائي وابن خزيمة]: لولا سفهاؤكم؛ لوضعت يدي في أذني، فناديت: أن ليلة القدر سبع وعشرون، نبأ من لم يكذبني، عن نبإ من لم يكذبه. يعني: أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 341/ 11626)، وابن خزيمة (3/ 329/ 2187)، وابن الجارود (412 - ط التأصيل)، والطيالسي (544)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 131)، وابن سمعون في الأمالي (246)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 183)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 383)، وفي الاستذكار (3/ 416). [التحفة (18)، الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

قلت: يزيد بن أبي سليمان الكوفي: روى عنه جماعة، ولم يُذكر فيه جرح، ولم أر من وثقه [الجرح والتعديل (9/ 269)، التهذيب (4/ 415)]؛ وقد صحح له ابن خزيمة وابن الجارود.

والراوي عنه: جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي الموصلي: صدوق [سؤالات ابن الجنيد (637)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 426/ 5108) و (4/ 479/ 5381)، التاريخ الكبير (2/ 210)، سؤالات الآجري (1836)، الجرح والتعديل (2/ 498)، الثقات (6/ 142)، المتفق والمفترق (1/ 622)، تالي تلخيص المتشابه (403)، تاريخ الإسلام (4/ 320 - ط الغرب]؛ الميزان (1/ 384)، إكمال مغلطاي (3/ 145)، التهذيب (1/ 286)].

فهو إسناد لا بأس به، ويحمل تعيين الليلة على فهم أبي بن كعب، بناء على القدر المرفوع من الحديث، وهو العلامة بان تطلع الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، وقد وجدها أبي هكذا صبيحة سبع وعشرين.

ج- مصعب بن سلام [الأكثر على تضعيفه، وهو: ضعيف، يقلب الأسانيد. انظر: التهذيب (4/ 84)]: حدثنا الأجلح [أبو حجية الأجلح بن عبد الله بن حجية الكندي: لا بأس به، في حديثه لين. التهذيب (1/ 98)، الميزان (1/ 79)]، عن الشعبي، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، قال: تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر، فقال أبي: أنا -والذي لا إله غيره- أعلم أيُّ ليلةٍ هي، هي الليلة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة سبع وعشرين تمضي من رمضان، وآية ذلك:"أن الشمس تصبح الفد من تلك الليلة ترقرق، ليس لها شعاع".

فزعم سلمة بن كهيل؛ أن زرًا أخبره؛ أنه رصدها ثلاث سنين من أول يوم يدخل رمضان إلى آخره، فرآها تطلع صبيحة سبع وعشرين، ترقرق ليس لها شعاع.

أخرجه أحمد (5/ 130).

ص: 177

قلت: قوله في رواية مصعب بن سلام هذه: "تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر": منكر؛ إنما سأل زر بن حبيش أبيًا عن قول ابن مسعود: من يقم الحول يصبها، هذا هو المعروف في حديث زر عن أبي بن كعب، والخطأ فيه من مصعب.

• فقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، وأبو كريب محمد بن العلاء [وهم ثقات حفاظ]؛ وسلم بن جنادة [ثقة]؛ وعبد الله بن عامر بن براد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري [روى عنه ابن ماجه وأبو يعلى، ولم يوثق. إكمال الإكمال لابن نقطة (1/ 275)، تاريخ الإسلام (5/ 1159 - ط الغرب)، التهذيب (2/ 1 36)]:

حدثنا عبد الله بن إدريس [كوفي، ثقة ثبت]؛ عن الأجلح، عن الشعبي، عن زر بن حبيش، قال: سمعت أبي بن كعب، يقول: ليلة سبع وعشرين هي التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الشمس تطلع بيضاء ترقرق". زاد عثمان: "ليس لها شعاع". وقال عبد الله بن عامر: "أن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء ترقرق، ليس لها شعاع، كأنها طست".

وفي رواية أبي كريب: سمعت أبيًا، يقول: إني لأعرفها؛ هي ليلة سبع وعشرين، هي الليلة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها وليلتها:"تطلع في صبيحتها بيضاء، كأنها طست ليس لها شعاع".

وفي رواية سلم: سمعت أبيًا يذكر يقول: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين؛ التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم:"أنها تطلع الشمس في صبيحتها بيضاء ليس لها شعاع".

أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 402/ 3396)، وابن أبي شيبة (2/ 252/ 8685)(5/ 408/ 8924 - ط الشثري"، و (2/ 326/ 9533)(6/ 65/ 9788 - ط الشثري)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 130)، وأبو يعلى في المعجم (223)، والمحاملي في الأمالي (401 - رواية ابن البيع)، وابن عدي في الكامل (1/ 428)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 565). [التحفة (18)، الإتحاف (32)، المسند المصنف (30)].

قال النسائي: "الأجلح: ليس بذلك القوي، وكان له رأي سوء".

قلت: هو لا بأس به، ولم ينفرد بأصله عن الشعبي:

• فقد رواه أبو نعيم [الفضل بن دكين: ثقة ثبت]، قال: حدثنا زكريا [هو: ابن أبي زائدة: ثقة]؛ قال: حدثني عامر [هو: ابن شراحيل الشعبي]؛ قال: حدثني زر بن حبيش؛ أن أبي بن كعب حدثه؛ أن ليلة القدر في سبع وعشرين.

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 168/ 4305 - السفر الثالث).

وهذا موقوف على أبي بن كعب بإسناد صحيح متصل.

وحديث الأجلح: حديث صحيح، فقد توبع عليه.

د- وروى سلم بن قتيبة [الشعيري: ثقة]؛ وأبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]:

حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن زر بن حبيش، عن أبي، قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين.

ص: 178

أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 132)، وأبو نعيم الأصبهاني في تسمية الرواة عن أبي نعيم (7).

وهذا موقوف على أبي بن كعب بإسناد صحيح.

هـ- وروى مروان بن معاوية الفزاري [ثقة حافظ]؛ عن قنان بن عبد الله النهمي، قال: سألت زرًا عن ليلة القدر، فقال: كان عمر، وحذيفة، وناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين، تبقى ثلاث. قال زر: فواصلها.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 250/ 8667) و (2/ 324/ 9514)(5/ 402/ 8905 - ط الشثري) و (6/ 60/ 9767 - ط الشثري).

قلت: هذا حديث منكر، والمعروف أن زر بن حبيش إنما يروي هذا الحديث عن أبي بن كعب وحده، لا ذكر فيه لعمر ولا لحذيفة، والعهدة فيه على قنان بن عبد الله النهمي، فهو وإن وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، فقد قال النسائي:"ليس بالقوي"، وقال يحيى بن آدم:"قنان ليس من بابتكم"، قال أحمد:[كان يحيى قليل الذكر للناس، ما سمعته ذكر أحدًا غير قنان"، يعني: يجرحه، ويحط من شأنه، وقال ابن عدي: "كوفي عزيز الحديث، وليس يتبين على مقدار ما له ضعفٌ" [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 410/ 2002)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 148/ 4652)، ضعفاء النسائي (498)، الجرح والتعديل (7/ 148)، ضعفاء العقيلي (3/ 488)، الثقات (7/ 344)، الكامل (6/ 52)، الميزان (3/ 392)، التهذيب (3/ 443)].

وقد رواه عن زر من حديث أبي بن كعب وحده: عاصم بن أبي النجود، وعبدة بن أبي لبابة، وإسماعيل بن أبي خالد، وعامر بن شراحيل الشعبي، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، ويزيد بن أبي سليمان، وغيرهم.

و- وروى الثوري، عن عبد الله بن شريك، قال: رأيت زر بن حبيش، وقام الحجاج على المنبر يذكر ليلة القدر، فكأنه قال: إن قومًا يذكرون ليلة القدر، فجعل زر يريد أن يثب عليه، ويحبسه الناس، قال زر: هي ليلة سبع وعشرين، فمن أدركها فليغتسل، وليفطر على لبن، وليكن فطره بالسحر.

أخرجه عبد الرزاق (4/ 253/ 7701).

وهذا مقطوع على زر، بإسناد جيد، وعبد الله بن شريك العامري: كوفي صدوق، يروي عن زر واقعة عين رآها وشهدها، ولا يُعارض ذلك ما تقدم.

ز- وروى عبد الملك بن أبجر [هو: عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر الكوفي: ثقة]؛ قال: سمعت زر بن حبيش، قال: كان أبي بن كعب يحلف بالله! إن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، لا يستثني، قال: قلنا له: من أين عرفت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسبنا وحفظنا؛ أنها ليلة سبع وعشرين.

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 9/ 7794)، وعنه: أبو نعيم في الحلية (5/ 86).

ص: 179

قال الطبراني: حدثنا محمود بن محمد [الواسطي: وثقه الدارقطني. معجم شيوخ الإسماعيلي (392)، وسكت عنه. سؤالات حمزة السهمي (367)، سؤالات السلمي (316)، تاريخ بغداد (15/ 112 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (7/ 126)، السير (14/ 242)]: ثنا القاسم بن سعيد بن المسيب بن شريك: نا شجاع بن الوليد [ثقة]؛ قال: سمعت عبد الملك به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن أبجر إلا شجاع بن وليد، تفرد به: القاسم بن سعيد".

قلت: هو حديث غريب من حديث ابن أبجر، تفرد به القاسم بن سعيد بن المسيب بن شريك، عن أبي بدر شجاع بن الوليد، والقاسم: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب:"وكان ثقة"[الثقات (9/ 18)، تاريخ بغداد (14/ 421)، تاريخ الإسلام (6/ 136)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 5)].

* ومما روي في علامتها:

1 -

حديث ابن مسعود:

يرويه أبو معاوية شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وأبو عوانة، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وأبو الأحوص [وظاهر روايته الوقف، وهو مرفوع بدلالة السياق]:

عن أبي يعفور [هو: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وهو: كوفي ثقة، من الخامسة]؛ عن أبي الصلت، عن أبي عقرب [الأسدي]؛ قال: غدوت إلى ابن مسعود ذات غداة في رمضان، فوجدته فوق بيته جالسًا، فسمعنا صوته، وهو يقول: صدق الله، وبلغ رسوله، فقلنا: سمعناك تقول: صدق الله، وبلغ رسوله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر من رمضان، تطلع الشمس غداتئذ صافية [بيضاء]؛ ليس لها شعاع"، فنظرت إليها فوجدتها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 250/ 8665) و (2/ 324/ 9509)، وفي المسند (328)، وأحمد (1/ 406)، والبخاري في الكنى (62) [وفي سنده سقط. انظر: الجرح والتعديل (9/ 418)]. والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (2/ 287/ 863)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 207). [الإتحاف (10/ 539/ 13380)، المسند المصنف (18/ 253/ 8538)].

• خالفهم فقصر في إسناده: شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]؛ عن أبي يعفور، عن أبي عقرب الأسدي، قال: كنا ننتظر عبد الله بن مسعود ببابه إذ نزل علينا من غرفة وهو يقول: صدق الله ورسوله: "التمسوا ليلة القدر في نصف البواقي من رمضان".

أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (2/ 288/ 864)، قال: حدثنا عيسى بن أحمد [العسقلاني، من عسقلان بلخ، يقال: إن أصله من بغداد، وهو: ثقة]: نا محمد بن كثير الرملي: نا شريك به.

ص: 180

قلت: هو غريب جدًا من حديث شريك النخعي، ومحمد بن كثير الرملي: لم أعرفه؛ إلا أن يكون هو الفهري الشامي المترجم له في التهذيب (3/ 684)، وهو: متروك، منكر الحديث، وأما محمد بن كثير العبدي البصري الثقة: فإنه لا يُعرف بالرواية عن شريك النخعي الكوفي، ولا عنه: عيسى بن أحمد العسقلاني، والله أعلم.

• ولم يضبط إسناده: أبو داود الطيالسي [سليمان بن داود: ثقة حافظ، غلط في أحاديث]؛ قال: حدثنا شريك، وأبو عوانة، وشيبان، كلهم عن أبي يعفور، عن ابن أبي عقرب، قال: أتينا ابن مسعود فسمعناه يقول: صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، قلنا: يا أبا عبد الرحمن، ما هذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليلة القدر في النصف من السبع، تصبح الشمس ليس لها شعاع"، فرمقتها فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الطيالسي في مسنده (394).

قال أبو حاتم: "هذا الحديث وهم؛ إنما هو: أبو يعفور، عن الصعب البكري، عن أبي عقرب الأسدي، عن ابن مسعود"[العلل (3/ 164/ 777)].

قلت: أبو الصلت بياع الزاد أو المزاد أو المرور: روى عن أبي عقرب، روى عنه أبو يعفور: لا يُعرف إلا بهذا الإسناد، قال ابن عبد البر:"أبو الصلت في هذا الإسناد: مجهول"، وقال ابن حجر:"مجهول"[الكنى للبخاري (369)، الجرح والتعديل (9/ 394)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (4/ 322/ 3482 - ط الفاروق)، فتح الباب (3962)، الاستغناء في معرفة المشهورين بالكنى (3/ 1360/ 1980)، إكمال الحسيني (1108)، التعجيل (1312)].

* ورواه شجاع بن الوليد [ثقة]: حدثنا أبو خالد -الذي كان يكون في بني دالان- يزبد الواسطي، عن طلق بن حبيب [صدوق]؛ عن أبي عقرب الأسدي، قال: أتيت عبد الله بن مسعود، فوجدته على إنجار [وفي رواية: على إجار] له -يعني: سطحًا- فسمعته يقول: صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، فصعدت إليه، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ما لك؟ قلت: صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأنا "أن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر، وإن الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع"، قال: فصعدت، فنظرت إليها، فقلت: صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله.

أخرجه أحمد (1/ 457)، والبخاري في الكنى (62)، وأبو يعلى (9/ 251/ 5371). [الإتحاف (10/ 539/ 13380)، المسند المصنف (18/ 253/ 8538)].

قال ابن عبد البر: "أبو الصلت في هذا الإسناد: مجهول، وإسناد الأسود بن يزيد أثبت من هذا، والله أعلم، وأبو عقرب الأسدي اسمه: خويلد بن خالد، له صحبة، وهو والد نوفل بن أبي عقرب، فإن صح هذا الخبر فمعناه ليلة خمس وعشرين، والله أعلم".

قلت: يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني: لا بأس به، له أوهام، ولا يتابع على بعض حديثه [التهذيب (4/ 516)، الميزان (4/ 432)].

ص: 181

وأبو عقرب الأسدي؛ راوي هذا الحديث: ليس هو أبو عقرب خويلد بن خالد الصحابي، ولا هو والد أبي نوفل بن أبي عقرب، بل هو: تابعي مجهول، روى عن ابن مسعود، وروى عنه: أبو الصلت، وطلق بن حبيب [الطبقات الكبرى (5/ 457) و (6/ 197)، الجرح والتعديل (3/ 398) و (9/ 417 و 418)، الثقات (3/ 110)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (5/ 243/ 4123 - ط الفاروق) (5/ 244/ 4124 - ط الفاروق)، الاستغثاء في معرفة المشهورين بالكنى (3/ 1395/ 2264)، إكمال الحسيني (1132)، التعجيل (1347)].

وعليه: فإن حديث ابن مسعود هذا: حديث ضعيف.

2 -

حديث عبادة بن الصامت:

أ- رواه إسحاق بن سليمان [الرازي: ثقة]؛ قال: سمعت معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن محمد بن عبادة بن الصامت [مجهول]، عن أبيه؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ليلة القدر في رمضان، من قامها إيمانًا واحتسابًا كفر له ما تقدم من ذنبه، وهي ليلة وتر لثالثة أو خامسة أو سابعة أو تاسعة، ومن أمارتها أنها ليلة بلجة، صافية ساكنة، لا حارة ولا باردة، كان فيها قمرًا، ولا يحل لنجم أن يرمى به في تلك الليلة حتى الصباح، ومن أمارتها -يعني: علامتها- أن الشمس تطلع صبيحتها مستوية لا شعاع لها، كأنها القمر ليلة البدر، وحرم الله على الشيطان أن يخرج معها".

وهو حديث منكر؛ باطل من حديث الزهري، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1372).

ب- ورواه بقية: حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبتهن، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمارة ليلة القدر أنها صافيةٌ بلجةٌ، كان فيها قمرًا ساطعًا، ساكنةً ساجيةً، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستويةً ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ".

وهذا حديث ضعيف؛ لانقطاعه، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1372).

3 -

حديث واثلة بن الأسقع.

رواه أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن [الدمشقي، ابن بنت شرحبيل: صدوق، له مناكير]: حدثنا بشر بن عون، عن بكار بن تميم، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليلة القدر [طلقة] بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا سحاب فيها، ولا مطر ولا ريح، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها [أن] تطلع الشمس لا شعاع لها".

ص: 182

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 59/ 139)، وفي مسند الشاميين (4/ 309/ 3389)، وأبو طاهر المخلص في السابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (191)(1522 - المخلصيات).

قلت: هو حديث كذب موضوع؛ قال أبو حاتم عن حديث بهذا الإسناد: "هذا حديث كذب؛ وبشر وبكار: مجهولان"[علل ابن أبي حاتم (2/ 389/ 2678)]؛ وقال في حديث آخر بهذا الإسناد: "هذا حديث منكر"[علل ابن أبي حاتم (1/ 382/ 1141)]؛ وقال عنهما في الجرح والتعديل (2/ 362 و 408): "مجهولان"، وقال ابن حبان في المجروحين (1/ 190) (1/ 216 - ط الصميعي):"بشر بن عون القرشي الشامي: يروي عن بكار بن تميم عن مكحول، روى عنه سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، روى عن بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة نسخة نسبتها مئة حديث كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال"[انظر: اللسان (2/ 304 و 328)].

4 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه الفضيل بن سليمان [النميري: ليس بالقوي، وأُنكرت عليه أحاديث. التهذيب (3/ 398)، الميزان (3/ 361)]: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم [مكلى، صدوق]؛ عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني كنت أُريت ليلة القدر، ثم نُسِّيتُها، وهي في العشر الأواخر من ليلتها، وهي ليلة طلقة بلجة، لا حارة ولا باردة"، زاد في رواية:"كأن فيها قمرًا يفضح كواكبها"؛ "لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرُها".

أخرجه ابن خزيمة (3/ 330/ 2190)، وعنه: ابن حبان (8/ 444/ 3688). [الإتحاف (3/ 415/ 3360)، المسند المصنف (5/ 395/ 2739)].

• ورواه يححور بن أبي زكرياء [الغساني: ضعيف]؛ عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، في تاسعه أو سابعه أو خامسه أو ثالثه، أو آخر ليلة تبقى، لا تجاوزوها ولا تأخروا عنها، ولا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها".

أخرجه أبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (269).

قلت: ولا أظنه يثبت عن ابن خثيم؛ فضلًا عن كون ابن خثيم كان معروفًا بسوء الحفظ، فإنه وإن وثقه ابن معين والنسائي في رواية عنهما، فقد ليَّناه في أخرى، فقال ابن معين [في رواية الدورقي عنه]:"أحاديثه ليست بالقوية"، وقال النسائي في السنن (5/ 248/ 2993) في الخطبة قبل يوم التروبة: "ابن خثيم: ليس بالقوي في الحديث،

، ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خثيم ولا عبد الرحمن، إلا أن علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث، وكأنَّ علي بن المديني خُلِق للحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "كان يخطئ"، وقد وثقه العجلي، وقال أبو حاتم: "ما به بأس، صالح الحديث"، وقد فضَّل الإمامُ أحمدُ ابنَ جريج وإسماعيلَ بن أمية ونافعَ بن عمر على

ص: 183

ابن خثيم، في سؤالات متفرقة، والبخاري إنما أخرج له تعليقًا في المتابعات، ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد من رواية يحيى بن سليم الطائفي عنه؛ فلم يحتج به الشيخان! [التهذيب (2/ 383)، سؤالات المروذي (169)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 48/ 1512)، المعرفة والتاريخ (2/ 174)، الكامل (4/ 161)، راجع ترجمته مفصلة في فضل الرحيم الودود (8/ 535/ 788)].

* خالف ابنَ خثيم:

ابنُ لهيعة: حدثنا أبي الزبير، قال: أخبرني جابر؛ أن أمير البعث كان غالبًا الليثي، وقطبةَ بن عامر؛ الذي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم النخلَ وهو محرم، ثم خرج من الباب وقد تسوَّر من قبل الجدار، وعبدَ الله بن أنيس؛ الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وقد خلت اثنان وعشرون ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"التمسها في هذه السبع الأواخر التي بقين من الشهر". لفظ حسن [عند أحمد].

وقال أسد: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا أبو الزبير، قال: أخبرني جابر؛ أن عبد الله بن أنيس الأنصاري سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وقد خلت اثنتان وعشرون ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"التمسوها في هذه السبع الأواخر التي يبقين من الشهر".

أخرجه أحمد (3/ 336)، والطحاوي (3/ 85). [الإتحاف (3/ 420/ 3375)، المسند المصنف (5/ 394/ 2738)].

هكذا رواه عن ابن لهيعة: حسن بن موسى الأشيب [ثقة، من متثبتي أهل بغداد]؛ وأسد بن موسى [ثقة].

• ووهم فيه: سعيد بن كثير بن عفير [وهو: صدوق، ليس بالثبت]؛ قال: حدثني ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وقد خلت ثنتان وعشرون ليلة،

فذكره بمثل رواية أسد.

أخرجه أبو موسى المديني في اللطائف (22).

قال الدارقطني: "تفرد به ابن لهيعة عن أبي الزبير بهذا الإسناد".

قلت: هو وهم محض؛ إنما يرويه جابر حكاية عن عبد الله بن أنيس، وليس رواية عن أنس بن مالك، فإن هذه القصة مشهورة من حديث عبد الله بن أنيس، وهو الحديث الآتي (1379)، والله أعلم.

والحاصل: فإن حديث ابن لهيعة أشبه عندي بالصواب من حديث ابن خثيم، فإن ابن لهيعة وإن كان ضعيفًا؛ إلا أنه قد توبع على أصل حديثه، من جهةٍ، ومن جهة أخرى فهو أكثر رواية عن أبي الزبير، وأكثر اختصاصًا به من ابن خثيم، وقد صرح فيه ابن لهيعة بالسماع من أبي الزبير، وقد ذكر فيه قصة تدل على ضبطه لروايته، ثم إن ابن خثيم لم يتابع على هذه الزيادة التي انفرد بها عنه: الفضيل بن سليمان النميري، وليس هو بالقوي، لا سيما قوله:"كان فيها قمرًا يفضح كواكبها"، وكذلك قوله: "وهي ليلة طلقة بلجة، لا حارة

ص: 184

ولا باردة"، وأما زيادة: "لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرُها"، فقد رواها عنه: اثنان من الضعفاء، والله أعلم.

وعليه: فإن حديث ابن خثيم: حديث ضعيف.

5 -

حديث ابن عباس:

رواه أبو عامر العقدي، وأبو داود الطيالسي:

حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر:"ليلة [سمحة] طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة" وفي الترغيب: "قمراء ضعيفة".

أخرجه الطيالسي (4/ 401/ 2802)، والبزار (1/ 486/ 1034 - كشف الأستار)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (258 - مختصره)، وابن خزيمة (3/ 331/ 2192)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 146)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 451)، والبيهقي في الشعب (6/ 247/ 3419)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 384/ 1831)، والضياء في المختارة (11/ 402/ 424) و (11/ 403/ 425). [الإتحاف (7/ 502/ 8315)، المسند المصنف (12/ 101/ 5756)].

قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن سلمة بن وهرام، فقال: روى عنه زمعة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديثه حديثًا ضعيفًا"[العلل ومعرفة الرجال (2/ 527/ 3479)، الضعفاء الكبير (2/ 146)].

وذكر الترمذي حديثًا للبخاري من رواية زمعة بن صالح، وسأل عنه فقال البخاري:"هو منكر الحديث كثير الغلط، وذكر أحاديثه عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس، وجعل يتعجب منه، وقال: ولا أروي عنه شيئًا، وما أراه يكذب، ولكنه كثير الغلط"[علل الترمذي الكبير (267)].

وقال البزار: "سلمة بن وهرام: لا نعلم حدث عنه غير ابنه عبيد الله وزمعة، وهو من أهل اليمن: لا بأس به، أحاديثه عن ابن عباس غرائب، ولا نعلم هذا بهذا اللفظ إلا من حديثه".

وقال ابن خزيمة: " إن صح الخبر؛ فإن في القلب من حفظ زمعة".

وقال العقيلي بعد أن أخرج هذا الحديث في ترجمة سلمة بن وهرام: "وله عن عكرمة أحاديث لا يتابع منها على شيء، وفي ليلة القدر أحاديث صحاح بخلاف هذا اللفظ".

وقال ابن حبان في ترجمة سلمة من الثقات: "يعتبر حديثه من غير رواية زمعة بن صالح عنه"[الثقات (6/ 399)].

وقال ابن عدي: "ولسلمة عن عكرمة عن ابن عباس: أحاديث التي يرويها زمعة عنه، قد بقي منها القليل، وقد ذكرت عامتها، وأرجو أنه لا بأس برواياته [غير] هذه الأحاديث التي يرويها عنه زمعة"[الكامل (3/ 338) (5/ 403 - ط الرشد)].

ص: 185

وضعف البيهقي إسناده في الشعب، وفي فضائل الأوقات (101).

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به: زمعة بن صالح، وهو: ضعيف؛ لا سيما فيما يرويه عن سلمة بن وهرام، فقد روى عنه أحاديث مناكير [العلل ومعرفة الرجال (2/ 527/ 3479)، علل الترمذي الكبير (267)، الجرح والتعديل (4/ 175)، الثقات (6/ 399)، الكامل (3/ 338)، طبقات الشافعية الكبرى (1/ 266)، الميزان (2/ 81 و 193)، التهذيب (1/ 635) و (2/ 79)].

6 -

حديث جابر بن سمرة:

رواه عبد الرحمن بن شريك [قال فيه أبو حاتم: "هو واهي الحديث"، وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال: "ربما أخطأ"، وقال ابن عدي: "يغرب على أبيه". التهذيب (2/ 516)، الكامل (4/ 19)]؛ وخلاد بن يزيد الجعفي [ضعيف]:

عن شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ؛ يخطئ كثيرًا]؛ عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، في وتر، فإني قد رأيتها فنسِّيتها، هي ليلة مطر وريح"، أو قال:"قطر وريح".

ولفظ خلاد بن يزيد: "أُريت ليلة القدر فأُنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر"، وقال:"وهي ليلة ريح ومطر ورعد".

أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على مسند أبيه (5/ 98)، والبزار (10/ 185/ 4265 و 4266)، والطبراني في الكبير (2/ 231/ 1962)، والدارقطني في الأفراد (1/ 883/ 1343 - أطرافه)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 57)، وفي الاستذكار (3/ 407). [الإتحاف (3/ 100/ 2589)، المسند المصنف (4/ 586/ 4 232)].

وهو حديث منكر، يأتي تخريجه مفصلًا تحت الحديث الآتي برقم (1381).

7 -

حديث أبي هريرة:

رواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]؛ قال: حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر ليلة السابعة، أو التاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى".

أخرجه الطيالسي في مسنده (4/ 277/ 2668)، ومن طريقه: أحمد (2/ 519)، والبزار (16/ 261/ 9447)، وابن خزيمة (3/ 332/ 2194)، وعلقه البخاري في الكنى (74). [الإتحاف (16/ 273/ 20770)، المسند المصنف (31/ 623/ 14613)].

رواه عن الطيالسي: أحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وراويته يونس بن حبيب.

قال البزار: "ولا نعلم روى قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ إلا هذين الحديثين، ولا نعلم لهما طريقًا عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ إلا هذا الطريق الذي ذكرنا"، وقد وجدت له حديثًا واحدًا فقط، ولم أر الثاني، فلعله سقط، أو أنه رأى هذا الحديث مشتملًا على حديثين، الأول في تعيين ليلة القدر، والثاني في علامتها وفضلها.

ص: 186

• ورواه عمرو بن مرزوق [ثقة]؛ قال: نا عمران القطان، عن قتادة، عن اْبي ميمونة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ليلة القدر:"ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، إن الملائكة في تلك الليلة في الأرض كثر من عدد النجوم"، وفي رواية:"كثر من عدد الحصا".

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 72/ 2522) و (5/ 159/ 4937).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا عمران القطان".

قلت ة أبو ميمونة راوي هذا الحديث، هو الذي جهله الدارقطني وتركه:

قال البرقاني في سؤالاته (593): سمعت الدارقطني يقول: "قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة: مجهول، يترك"[اللسان (9/ 175)، التهذيب (4/ 596)].

وقد ذكر مسلم أبا ميمونة عن أبي هريرة: فيمن تفرد عنه قتادة [المنفردات والوحدان (553)].

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 447): "أبو ميمونة: روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، روى عنه قتادة. سمعت أبي يقوك ذلك"، وترجم له البخاري في الكنى (74) بهذا الحديث، وتبعه عليه أبو حاتم.

ثم قال ابن أبي حاتم: "ذكره إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين؛ أنه قال: أبو ميمونة الأبار: صالح"، ثم قال:"قال أبي: أبو ميمونة هذا لا يسمى"، يشير بذلك إلى التفريق بينه وبين أبي ميمونة الفارسي؛ فإنه مسمى لكن اختلفوا في اسمه، ولم أجد لابن أبي حاتم حجة في إيراد قول ابن معين في ترجمة أبي ميمونة هذا، وقد أورد ابن أبي حاتم تبعاً لأبيه قول ابن معين هذا مرة أخرى في ترجمة الفارسي؛ مما يدل على أن ابن أبي حاتم لم يكن معه حجة في تمييز أبي ميمونة الأبار.

وعلى هذا فإن إيراد توثيق ابن معين للأبار في الموضع الأول [أعني في ترجمة راوي حديث ليلة القدر]؛ يشبه أن يكون غلطًا، وإنما وثق ابن معين الثاني راوي حديث التخيير.

• وقد فرقوا بين أبي ميمونة راوي حديث ليلة القدر، وبين أبي ميمونة الفارسي راوي حديث تخيير الولد بين أبويه في الحضانة، والذي وثقه النسائي والعجلي والدارقطني، وقال فيه ابن معين:"صالح"؛ ولم يعرفه ابن حزم فقال: "مجهول".

قلت: فقد روى ابن جريج، قال: أخبرني زياد بن سعد، عن هلال بن أسامة، عن سليم أبي ميمونة [مولى من أهل المدينة، رجل صدق]؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: جاءت أم وأب يختصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ابن لهما، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: فداك أبي وأمي! إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ونفعني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا غلام! هذا أبوك، وهذه أمك، فخد بيد أيهما شئت"، فأخذ بيد أمه فانطلقت به.

أخرجه أبو داود (2277)، والنسائي في المجتبى (6/ 185/ 3496)، وفي الكبرى (5/ 292/ 5660)، والدارمي (2474)، وعبد الرزاق (7/ 157/ 12611) و (7/ 158/ 12612)،

ص: 187

والبزار (16/ 261/ 9448)، والحاكم (4/ 97)(9/ 24/ 7215 - ط الميمان)، والبيهقي (3/ 8). [التحفة (10/ 505/ 15463)، الإتحاف (15/ 76/ 18902)، المسند المصنف (368/ 32/ 14956)].

وأخرجه الترمذي (1357) من وجه آخر عن ابن عيينة عن زياد بن سعد به مختصرًا، وقال: "حديث أبي هريرة: حديث حسن صحيح، وأبو ميمونة: اسمه سليم،

، وهلال بن أبي ميمونة: هو هلال بن علي بن أسامة، وهو مدني، وقد روى عنه: يحيى بن أبي كثير، ومالك بن أنس، وفليح بن سليمان".

وقال في العلل (369): "سألت محمداً -يعني: البخاري-، عن اسم أبي ميمونة، الذي روى عن أبي هريرة؟ فقال: اسمه سليم".

وسئل أبو حاتم عن روايةٍ لهذا الحديث وهم فيها راويها، فقال:"إنما هو سليم أبو ميمونة"[العلل (1289)].

وقال الدارقطني بعد رواية خارجة بن مصعب عن زياد بن سعد: "هكذا قال: عن هلال بن أبي ميمونة، عن أبيه، ووهم في قؤله: عن أبيه، وإنما رواه هلال بن أبي ميمونة، وهو: هلال بن علي، وهو: هلال بن أسامة، ويقال: إنه هلال بن علي بن أسامة، عن أبي ميمونة الأعرابي، واسمه سليم، عن أبي هريرة، فلما رآه خارجة يرويه عن هلال بن أبي ميمونة، عن أبي ميمونة، توهم أنه أبوه وليس كذلك.

وتابعه على وهمه داود بن مهران، فرواه عن ابن عيينة، عن زياد بن سعد كذلك" [الطيوريات (891)].

قلت: كل من قال في إسناد هذا الحديث: عن هلال بن أبي ميمونة عن أبيه؛ فقد أخطأ، مثل: أبي معاوية الضرير، وخارجة بن مصعب.

قلت: هكذا وقعت تسمية أبي ميمونة في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج: عن سليم أبي ميمونة، وفي رواية: أن أبا ميمونة سليمًا مولى من أهل المدينة رجل صدق، وفي رواية ابن المبارك [عند الحاكم]: أن أبا ميمونة سليمًا من أهل المدينة رجل صدق، ووقع في رواية خالد بن الحارث [عند النسائي]: عن أبي ميمونة، واسمه قالوا: سليم، ووقع عند أبي داود من رواية عبد الرزاق وأبي عاصم: سلمَى مولى من أهل المدينة رجل صدق، وفي بعض النسخ: سليم، ووقع في رواية أبي عاصم النبيل عن ابن جريج: سليمان مولى لأهل المدينة؛ كما عند الدارمي.

فيترجح برواية أثبت الناس عن ابن جريج أن اسمه: سليم، وعلى ذلك أكثر النقاد.

سليم أبو ميمونة الفارسي؛ سمع أبا هريرة، روى عنه: هلال بن أبي ميمونة، وسالم أبو النضر، قاله البخاري ومسلم وأبو حاتم وابن حبان، وأكثر النقاد على أن اسمه سليم، وشذ الحاكم فقال في المعرفة:"هلال بن أبي ميمونة عن أبيه عن أبي هريرة، أبو ميمونة: اسمه أسامة بن زيد مديني" [التاريخ الكبير (4/ 129)، الجرح والتعديل (4/ 212)، علل

ص: 188

ابن أبي حاتم (1289)، الثقات (4/ 329)؛ الكنى لمسلم (3289)، علل الترمذي الكبير (369)، جامع الترمذي (1357)، الكنى للدولابي (3/ 1084)، معرفة علوم الحديث (185)، الطيوريات (891)].

لكن انفرد أبو حاتم الرازي حين قال في موضع آخر: "أسامة الفارسي أبو ميمونة: روى عن أبي هريرة، روى عنه: ابنه هلال بن أبي ميمونة، ويحيى بن أبي كثير، وقتادة "، ثم قال ابن أبي حاتم:"ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين؛ أنه قال: أبو ميمونة الأبار: صالح"[الجرح والتعديل (2/ 284]؛ وانظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 340/ 624)، جامع الترمذي (1357)، الثقات (4/ 329)، المحلى (10/ 150)، التكميل في الجرح والتعديل (3/ 466)، اللسان (9/ 175)، التهذيب (4/ 596)].

هكذا جعلهم أبو حاتم ثلاثةً من وجه، وواحدًا من وجه آخر، جعلهم ثلاثة حيث ترجم لأبي ميمونة الذي روى عنه قتادة بحديث ليلة القدر، وقال:"أبو ميمونة هذا لا يسمى"، وترجم لأبي ميمونة سليم، وترجم لأبي ميمونة أسامة، وجعلهم واحدًا بجمع من روى عن الثلاثة في موضع واحد.

قلت: وسليم أبو ميمونة إنما يروي عنه هلال بن أبي ميمونة [وهو: هلال بن علي بن أسامة، وينسب إلى جده، فيقال: هلال بن أسامة، وهم واحد، والصواب فيه قول البخاري وأبي حاتم وغيرهما، خلافًا للخطيب ومن تبعه. انظر: التاريخ الكبير (8/ 204)، الجرح والتعديل (9/ 76)، تاريخ ابن معين للدوري (758 و 991 و 1186 و 4030 و 4033)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (1/ 546 - السفر الثاني) و (2/ 278/ 2885 - 2891 - السفر الثالث)، معجم الصحابة للبغوي (2/ 372/ 985) و (4/ 429/ 3223)، المعجم الأوسط للطبراني (7/ 105/ 6987)، علل الدارقطني (7/ 82/ 1228)، التمهيد (22/ 75)، رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 778)، التعديل والتجريح (3/ 1179/ 1413)، الموضح (1/ 187) و (2/ 520)، التهذيب (4/ 290 و 291)، فضل الرحيم الودود (2/ 90/ 134) و (10/ 150 - 161/ 930 و 931)]، [وانظر للفائدة: الكنى للدولابي (3/ 1085/ 1899)، الطيوريات (891)].

وأما يحيى بن أبي كثير فإنما يروي حديث التخيير في الحضانة عن أبي ميمونة بواسطة هلال أيضًا على الصحيح؛ قال أحمد في العلل (624): "لا أُرى يحيى سمعه إلا من هلال بن أسامة عن أبي ميمونة"، وذلك فضلًا عن كون يحيى بن أبي كثير مشهورًا بالرواية عن هلال بن أبي ميمونة؛ لا عن أبي ميمونة.

وأما قتادة: فمانه لا يروي حديث التخيير أصالة، كما يدل عليه كلام البزار، وإنما يروي عن أبي ميمونة المجهول حديث ليلة القدر وغيره.

وعلى هذا فقد أخطأ من سمى أبا ميمونة الفارسي أسامة، اعتمادًا منه على كونه

ص: 189

والدًا لهلال بن أبي ميمونة، وهو: هلال بن أسامة، وأخطأ من قال بأن هلالًا يروي عن أبيه أبي ميمونة، والله أعلم.

كذلك فقد فرق مسلم في كناه (3289 و 3290) بين الفارسي والأبار، ولم يفرد راوي حديث ليلة القدر بترجمة في الكنى.

إلا أنه ذكر أبا ميمونة عن أبي هريرة: فيمن تفرد عنه قتادة، في كتابه: المنفردات والوحدان (553).

وقال البزار: "ولا نعلمٍ روى قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ إلا هذين الحديثين، ولا نعلم لهما طريقًا عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ إلا هذا الطريق الذي ذكرنا".

وهذا مما يؤكد أن قتادة لم يرو حديث التخيير في الحضانة.

• كذلك؛ فإن هنالك رجلًا ثالثًا يكنى بأبي ميمونة، وهو: سلمة بن المجنون الذي ضربه أبو هريرة الحد، يروي عنه: شعبة وسفيان الثوري وشريك، ويكنى أيضًا بأبي عثيمة [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 418/ 2044)، سؤالات ابن الجنيد (158)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 528/ 3484) و (3/ 167/ 4742 و 4743)، التاريخ الكبير (4/ 74)، الكنى لمسلم (2679 و 3288)، سؤالات الآجري (40)، المعرفة والتاريخ (3/ 196 و 197)، الكنى للدولابي (3/ 1084)، الجرح والتعديل (4/ 172)، الثقات (4/ 317)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (5/ 266/ 4154)، إكمال الإكمال لابن نقطة (4/ 124)، المقتنى (6152)، توضيح المشتبه (6/ 193)، اللسان (9/ 175)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 70)].

* والحاصل:

فإن قتادة قد روى عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة: حديثين، حديث ليلة القدر، وحديث إفشاء السلام:"أفشِ السلام، وأطعم الطعام، وصلِ الأرحام، وصلِّ والناسُ نيام، ثم ادخل الجنة بسلام"، ومقرون به حديث: إذا رأيتك قرت عيني وطابت نفسي، وحديث:"كل شيء خلق من الماء"[تقدم تحت الحديث رقم (1309)، الحديث رقم (8/ أ) في ذكر الأحاديث الواردة في فضل قيام الليل، وهو حديث حسن في الشواهد]؛ ثم وجدت له حديثًا ثالثًا عند ابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (389)، لكنه من رواية سعيد بن بشير عن قتادة، وسعيد بن بشير: ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات [كما أن لسعيد بن بشير منكرات أخرى رواها عن قتادة عن أبي ميمونة، لكن عن غير أبي هريرة، عن معاوية وسمرة؛ مقاطيع].

وأما سليم أبو ميمونة الفارسي المدني: فهو مشهور بحديث تخيير الولد بين أبويه في الحضانة، تفرد بروايته عنه على الصحيح: هلال بن أبي ميمونة، والله أعلم.

وبناءً على ما تقدم: فإن أبا ميمونة راوي هذا الحديث: رجل مجهول، كما قال الدارقطني، لكنه لا يترك؛ فقد روى حديثًا معروفًا ومتنًا مستقيمًا، وهو حديث إفشاء السلام الآنف الذكر.

ص: 190

وأما حديثه هذا: فقد تفرد به: عمران بن داور العمي، أبو العوام القطان البصري، وهو: صدوق يهم، كثير الرواية عن قتادة، إلا أنه كثير المخالفة والوهم [التهذيب (3/ 318)، الميزان (3/ 236)]؛ ولا يحتمل من مثله التفرد بهذا عن قتادة، فهو حديث منكر، والله أعلم [راجع: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (3/ 875/ 389)، فقد أنكروا عليه تفرده عن قتادة بحديث:"ليس شيء كرم على الله من الدعاء"].

8 -

حديث ابن عباس: روى يعقوب بن يوسف بن إسحاق القزويني [ثقة. تاريخ بغداد (16/ 418 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (6/ 642 و 855 - ط الغرب)]؛ وسلمة بن شبيب [ثقة]:

عن القاسم بن الحكم العرني [الهمَذاني: صدوق، في حديثه مناكير]: حدثنا هشام بن الوليد، عن حماد بن سليمان السدوسي شيخ لنا يكنى أبا الحسن، عن الضحاك بن مزاحم، عن عبد الله بن عباس، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الجنة لتنجَّد وتزيَّن من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان،

"، فذكر حديثًا طويلًا جدًا، وموضع الشاهد منه: "وإذا كانت ليلة القدر يأمر الله عز وجل جبريل عليه السلام، فيهبط في كبكية من الملائكة إلى الأرض، ومعهم لواء أخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة، وله مائة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في تلك الليلة، فينشرهما في تلك الليلة، فيجاوز المشرق إلى المغرب، فيبث جبريل عليه السلام الملائكة في هذه الليلة، فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر، يصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر ينادي جبريل معاشر الملائكة الرحيل الرحيل، فيقولون: يا جبريل، فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيقول جبريل: نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم، وغفر لهم إلا أربعة

" الحديث.

أخرجه السمرقندي في تنبيه الغافلين (452)، والبيهقي في الشعب (6/ 248/ 3421)، وفي فضائل الأوقات (109)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 291).

قال البيهقي: "في إسناده بعضر من لا يُعرف".

• ورواه بعضهم فأسقط من إسناده مَن بين القاسم بن الحكم العرني، والضحاك بن مزاحم، فجوَّده.

رواه عبد الله بن الحكم البجلي [لم أقف على من ترجم له، وهو: مجهول الحال، وبعض الطرق إليه لا تخلو من مقال]: ثنا القاسم بن الحكم العرني، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الجنة لتنجد وتزين من الحول إلى الحول،

"، فذكر الحديث بطوله، وفيه موضع الشاهد.

أخرجه أبو الحسن ابن الحمامي في الجزء الخامس من حديثه بتخريج أبي الفتح ابن أبي الفوارس (39)، وابن أبي الصقر في مشيخته (67)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 1768/358)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 534/ 880)، وعبد الغني المقدسي في فضائل شهر رمضان (25 و 26).

ص: 191

قال ابن الجوزي: "وهذا حديث لا يصح، قال يحيى بن سعيد: الضحاك عندنا ضعيف، وقال أبو حاتم الرازي: والقاسم بن الحكم مجهول، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بالعلاء بن عمرو".

قلت: هكذا رواه عبد الله بن الحكم البجلي فسوَّاه وجوَّده.

ورواه أبو محمد إسماعيل بن محمود [أحد شيوخ الفاكهي المجهولين]، عن هشام بن الوليد، قال: ثنا حماد بن سليمان السدوسي، قال: ثنا أبو الحسن -قال أبو محمد: أبو الحسن هو جويبر-، عن الضحاك بن مزاحم، عن عبد اللّه بن عباس رضي الله عنهما، قال: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الجنة لتنجد وتزخرف من الحول إلى الحول،

" فذكر الحديث، وفيه موضع الشاهد.

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2/ 315/ 1575).

قلت: وهذا حديث باطل كذب؛ وإن لم يكن في إسناده متهم ولا كذاب؛ ففي المتن من النكارة ما يشهد على بطلانه.

خذ مثالًا على ذلك: فقد قال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (1296 و 1297): "قال أبي: سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد: ضعيف؛ حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاتين: كذب، ليس بشيء".

وقال الدارقطني في العلل (14/ 425/ 3773): "تفرد به سعد بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، ويقال: إنه لم يرو حديثًا أَنكر من هذا، لأن المحفوظ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين، وهذا ضد ذلك.

وقال أحمد بن حنبل: وهذا الحديث باطل عن عمرة عن عائشة [وانظر: شرح علل الترمذي (2/ 891)].

قلت: وهو كما قال أحمد والدارقطني، ومع كونهما رأيا أن سعدًا قد أخطأ في هذا الحديث بعينه، حتى قال أحمد:"حديث عائشة: كذب، ليس بشيء"، ومع ذلك فلم يزد أحمد في حكمه على سعد على أن قال: ضعيف، وقد احتج به في غير هذا الحديث، وكذلك الدارقطني مع كونه أنكر حديث سعد هذا، فإنه مع ذلك لم يجرحه، بل عدله بقوله:"ليس به بأس"، وذلك مما يدل على أنهما وهماه في هذا الحديث حسب، ولم يحملا عليه حملًا شديدًا [راجع فضل الرحيم الودود (1273)].

° وقد تأتي الأباطيل والموضوعات من قبل المجاهيل الذين لا يُعرفون، نعم؛ جويبر بن سعيد: متروك، روى عن الضحاك أشياء مناكير [التهذيب (1/ 320)]، لكنا لسنا على يقين من وجوده في هذا الإسناد؛ إذ يحتمل أن شيخ الفاكهي جعل كنية حماد بن سليمان السدوسي شيخًا له، واللّه أعلم.

والعهدة في هذا الحديث: على حماد بن سليمان السدوسي وهشام بن الوليد؛ فإنهما مجهولان، والله أعلم.

ص: 192

وقد روي نحوه من حديث أنس بن مالك [أخرجه العقيلي (3/ 139)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 533/ 879)][وهو حديث منكر؛ يرويه عن أنس: أبو معمر عباد بن عبد الصمد، وهو: منكر الحديث جدًا، عامة ما يرويه مناكير. اللسان (4/ 393)، تخريج أحاديث الذكر والدعاء (3/ 1146/ 594)].

• ومن حديث أنس أيضًا [أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 182)، وابن عدي في الكامل (1/ 405)، والبيهقي في الشعب (6/ 264/ 3444)، وفي فضائل الأوقات (155)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 878/532)][من طريق: محمد بن يحيى الأزدي: حدثنا أصرم بن حوشب: حدثنا محمد بن يونس الحارثي، عن قتادة، عن أنس بن مالك به مرفوعًا][وهو حديث باطل كذب موضوع. محمد بن يونس الحارثي: قال الأزدي: متروك الحديث. ضعفاء ابن الجوزي (3255)، اللسان (7/ 602)، وأصرم بن حوشب: كذاب خبيث، يضع الحديث على الثقات. اللسان (2/ 210)].

9 -

حديث أبي هريرة:

رواه محمد بن عباد المكي، وابن أبي عمر العدني، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ومؤمل بن الفضل، وزكريا بن عدي، وإبراهيم بن عبد اللّه الهروي، وهشام بن عمار [وهم ثقات]، والحارث بن سريج [النقال الخوارمي: ضعيف، تركه بعضهم، واتُّهم. سؤالات ابن الجنيد (119 و 333 و 334)، سؤالات الآجري (558)، الجرح والتعديل (3/ 76)، الثقات (8/ 183)، الكامل (2/ 196)، ضعفاء الدارقطني (157)، تاريخ بغداد (8/ 209)، اللسان (2/ 514)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 243)]:

عن مروان بن معاوية الفزاري، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أيكم يذكر حين طلع القمر، وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنةٍ?".

ولفظ زكريا بن عدي [عند أبي عوانة]، ولفظ دحيم [عند أبي نعيم الحداد]:"أيكم يذكر ليالينا الصهباوات، ونحن بخيبر، إذ طلع القمر وهو مثل شق جفنة?"[وهو مروي بهذا اللفظ عند أبي نعيم الأصبهاني، لكنه لم يذكر من رواه بهذا اللفظ، حيث رواه من طريق ثلاثة من أصحاب مروان].

أخرجه مسلم (1170)، وأبو عوانة (8/ 297/ 3323 - ط الجامعة الإسلامية) و (8/ 298/ 3324 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 258/ 2673)، وأبو يعلى (11/ 36/ 6176)، والبيهقي (4/ 312)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 206/ 1182). [التحفة (9/ 454/ 13451)، المسند المصنف (31/ 622/ 14612)].

قال البيهقي: "وقد قيل: إن ذلك إنما يكون لثلاث وعشرين، واللّه أعلم".

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (4/ 148): "شق جفنة: أى نصف، يدل أنها

ص: 193

لم تكن إلا فى آخر القمر، إذ لا يكون بهذه الصورة في أوله عند طلوعه، ولا في نصفه عند تمامه" [وقال نحوه في المشارق (2/ 258)].

وقال ابن حجر في الفتح (4/ 264): "قال أبو الحسن الفارسي: أي ليلة سبع وعشرين؛ فإن القمر يطلع فيها بتلك الصفة".

قلت: بل معناه أنه في السبع الأواخر، حيث يكون القمر على هيئة نصف جفنة، مع اختلاف امتلائها، أو اختلاف جهة النظر إليها، سواء من الأعلى، أو من الجانب، وعندئذ فالحديث ليس نصًا في ليلة السابعة والعشرين، أو الثالثة والعشرين، واللّه أعلم.

ومراد النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم- أن ذلك كان في سنة بعينها، أو أنه أراد منهم الاجتهاد في طلبها في السبع الأواخر، والتي يكون فيها القمر بهذه الصفة، على اختلافه في الزيادة والنقصان.

10 -

حديث علي بن أبي طالب:

روى محمد بن بكار [هو: ابن الريان الهاشمي البغدادي: ثقة]، ومحمد بن سليمان بن حبيب لوين [ثقة]:

حدثنا حديج بن معاوية [ليس بالقوي. التهذيب (1/ 366)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1420)]، عن أبي إسحاق، عن أبي حذيفة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"رأيت القمر ليلة القدر كأنه شق جفنة". لفظ ابن بكار [عند أبي يعلى].

ولفظ لوين في حديثه، وعند المخلص وأبي نعيم: خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين بزغ القمر كأنه فلق جفنة، فقال:"الليلة ليلة القدر". ولفظه عند عبد اللّه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خرجت حين بزغ القمر، كأنه فلق جفنة"، فقال:"الليلة ليلة القدر". وهو وهم، والصواب الأول؛ الذي رواه به الجماعة عن لوين.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على مسند أبيه (1/ 793/101)، ولوين في حديثه (36)، وأبو يعلى (525)، وعنه: ابن عدي في الكامل (2/ 431)(4/ 168/ 5779 - ط الرشد)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (229)(844 - المخلصيات)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 233)، وقاضي المارستان في مشيخته (237)[الإتحاف (11/ 674/ 14849)، المسند المصنف (21/ 265/ 9588)].

هكذا رواه عن لوين: عبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز [وهما ثقتان ثبتان]، وإبراهيم بن ميمون أبو إسحاق الأسدي [ترجم له أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 233) بهذا الحديث حسب]، وأبو جعفر محمد بن إبراهيم بن يحيى بن الحكم بن الحزور [الثقفي الحزوري مولى السائب بن الأقرع: راوي جزء المصيصي، روى عنه جماعة من الحفاظ. تاريخ أصبهان (2/ 212)، الإكمال لابن ماكولا (3/ 32)، الأنساب (2/ 215)، إكمال الإكمال (2/ 44)، تاريخ الإسلام (7/ 191 - ط الغرب) توضيح المشتبه (3/ 198)].

ص: 194

خالفهم: علي بن أحمد بن بسطام [أبو الحسن الزعفراني: روى عنه: ابن حبان والطبراني وابن عدي. الأنساب (3/ 154)، تاريخ الإسلام (7/ 157)، توضيح المشتبه (1/ 507)]]، فرواه عن لوين، قال: حدثنا حديج بن معاوية: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم يذكر القمر حين صار كأنه فلق جفنة?"، قالوا: ليلة إحدى وعشرين، قال:"فإنها ليلة القدر".

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 431)(4/ 168/ 5780 - ط الرشد).

قلت: هذا حديث غلط، والمعروف عن لوين هو الأول الذي رواه عنه الجماعة، لا سيما والثاني ليس في جزئه، والذي انفرد به ليس بالحافظ الذي يحتمل منه التفرد.

قال ابن عدي: "وهذان الحديثان متنهما قريب، وإسناداهما يرويهما حديج عن أبي إسحاق ومحمد بن عمرو".

ثم قال بعد أن ساق لحديج جملة أحاديث عن أبي إسحاق السبيعي: "وهذه الأحاديث عن أبي إسحاق: يروي ذلك حديج عنه، وإن كان بعض ذلك شورك فيه عن أبي إسحاق".

قلت: هذا الحديث من دلائل قلة ضبط حديج وكثرة وهمه:

• فقد روى محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، أنه سمع أبا حذيفة، يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"نظرت إلى القمر [صبيحة] ليلة القدر فرأيته كأنه فِلق جفنة".

قال أبو إسحاق: إنما يكون [القمر، ذلك [ليلة] صبيحة ثلاث وعشرين.

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 403/ 3397)(4/ 490/ 3596 - ط التأصيل)، وأحمد (5/ 369)(10/ 5489/ 23599 - ط المكنز)[التحفة (10/ 564/ 15585)، الإتحاف (16/ 719/ 21182)، المسند المصنف (21/ 265/ 9588)].

هكذا رواه غندر عن شعبة، وغندر: ثقة، من أثبت الناس في شعبة، لزم شعبة عشرين سنة، وكتابه حكمٌ بين أصحابه؛ فالقول قوله في هذا الحديث بإبهام الصحابي.

• خالفه فوهم بتعيين الصحابي المبهم:

يوسف بن يعقوب [ابن أبي القاسم السدوسي: ثقة]، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي حذيفة، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "نظرت إلى القمر صبيحة ليلة القدر كأنه فلق جفنة". قال أبو إسحاق: ربما يكون ذلك لثلاث وعشرين.

أخرجه ابن المظفر في غرائب شعبة (216).

قال الدارقطني في العلل (4/ 497/186): "يرويه حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي حذيفة، عن علي.

وخالفه شعبة، فرواه يوسف بن يعقوب السدوسي عنه، عن أبى إسحاق، عن أبي حذيفة، عن عبد اللّه بن مسعود.

ص: 195

وغيره يرويه عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي حذيفة رجل من أصحاب عبد الله بن مسعود، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير مسمى. وهو المحفوظ".

قلت: شعبة: من أثبت الناس في أبي إسحاق السبيعي، وأقدمهم منه سماعًا؛ فالقول قوله بإبهام الصحابي.

وأبو حذيفة سلمة بن صهيب: ثقة، من أصحاب ابن مسعود [التهذيب (2/ 73)]، ولم يذكر سماعًا من الصحابي المبهم، فلا يثبت عندنا اتصاله، لكنه جيد في الشواهد.

ويقال فيه ما قيل في حديث أبي هريرة، من أن هذه العلامة توجد في السبع الأواخر، ولا تختص بليلة دون غيرها، لعدم مجيء التعيين من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

11 -

حديث ابن مسعود:

روى عمرو بن الهيثم أبو قطن [ثقة، ممن سمع من المسعودي قبل اختلاطه]، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم [وهما ثقتان حافظان، ممن سمع من المسعودي بعد الاختلاط. تاريخ بغداد (10/ 218)، الكواكب النيرات (35)، التقييد والإيضاح (430)، شرح علل الترمذي (2/ 747)]، وأحمد بن خالد الوهبي [ثقة]، ويحيى بن أبي بكير [ثقة]، وعبد اللّه بن رجاء [الغداني البصري: ثقة، ممن سمع من المسعودي قبل الاختلاط؛ لكن الراوي عنه: شيخ الطبراني، محمد بن زكريا الغلابي: متروك، متهم بالوضع. اللسان (7/ 139)، شعب الإيمان (1/ 247)، دلائل النبوة للبيهقي (1/ 139) و (2/ 427)]:

عن المسعودي [صدوق، اختلط، فمن حدث عنه قبل الاختلاط، فهو صحيح]، عن سعيد بن عمرو بن جعدة [ثقة، وثقه ابن معين، وقال ابن خراش: "كوفي صدوق، لا بأس به". العلل ومعرفة الرجال (3/ 5/ 3886)، الجرح والتعديل (4/ 49)، الثقات (6/ 370)، تاريخ أسماء الثقات (445)، تاريخ دمشق (21/ 252)، تاريخ الإسلام (3/ 239 و 663 - ط الغرب)، التعجيل (382)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 6)]، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود؛ أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: متى ليلة القدر؟ قال: "مَن يذكر منكم ليلة الصهباوات؟ "، قال عبد اللّه: أنا بأبي أنت وأمي! وإن في يدي لتمرات أتسحر بهن، مستترًا بمؤخرة رحلي من الفجر، وذلك حين طلع القمر [وفي رواية: القمير].

زاد في رواية الغلابي [وهو: متهم بالوضع]: وذلك ليلة سبع وعشرين.

أخرجه أحمد (1/ 376 و 396 و 452 - 453)، والطيالسي (327)، وأبو يعلى (9/ 270/ 5393)، والطحاوي (3/ 93)، والطبراني في الكبير (10/ 152/ 10289)، والبيهقي (4/ 312)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 250 و 251). [الإتحاف (10/ 530/ 13351)، المسند المصنف (18/ 256/ 8540)].

قال يعقوب بن شيبة: "وهذا إسناد كوفي صالح"[تاريخ دمشق (21/ 251)].

ص: 196

قلت: وهذا حديث جيد.

فإن قيل: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه؟ فيقال: لكن حديثه عنه صحيح، كما سبق تقريره قبل ذلك مرارًا، راجع مثلًا: الأحاديث السابقة برقم (754 و 877 و 1267).

قال الترمذي: "حديث عبد الله: ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد اللّه".

وقال النسائي في حديثٍ يرويه أبو عبيدة عن أبيه: "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، والحديث جيد".

وقال ابن رجب في شرح العلل (1/ 544): "قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: هو منقطع، وهو حديث ثبت.

قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند، يعني: في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه، وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر".

وقال في الفتح (5/ 187): "وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه؛ إلا أن أحاديثه عنه صحيحة، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المديني وغيره"[وانظر أيضًا: الفتح (5/ 60) و (6/ 14)].

وقال الدارقطني في السنن (3/ 172 و 173) في حديث لأبي عبيدة عن أبيه: "وهذا إسناد حسن، ورواته ثقات"، ثم رواه من حديث خشف بن مالك عن ابن مسعود، ثم قال: "هذا حديث ضعيف، غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة، أحدها: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه، بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه، ولا تأويل عليه، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه، وبمذهبه وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه،

".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هو عالم بحال أبيه، متلقٍّ لآثاره من أكابر أصحاب أبيه،

، ولم يكن في أصحاب عبد اللّه من يُتَّهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل: إنه لم يسمع من أبيه" [مجموع الفتاوى (6/ 404)].

فتحصل من مجموع هذه النقول وغيرها: احتجاج الأئمة بحديث أبي عبيدة عن أبيه، مع تصريحهم بأنه لم يسمع منه، وذلك لكونه أخذ هذه الأحاديث عن كبار أصحاب ابن مسعود، وأهل بيته، وليس فيهم مجروح، وأنه لم يرو فيها منكرًا.

ولهذا الحديث ما يشهد له، كما تقدم بيانه، ويقال فيه: بأن ابن مسعود لم يعين لنا الليلة، وكذلك فإنا لا نعرف السنة التي وقعت فيها بحيث يمكننا معرفة ما إذا كان شروق القمر قبيل طلوعٍ الفجر موافقًا لأي ليلة من ليالي رمضان على ما وصف ابن مسعود، وهل كان فعلًا موافقًا لليلة سبع وعشرين في هذه السنة بعينها، أم لا؛ واللّه أعلم.

ص: 197

وعلى فرض أنه كان موافقًا لليلة سبع وعشرين في تلك السنة، فلا يلزم من ذلك استدامتها بعد ذلك في جميع الدهر في تلك الليلة؛ فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة القدر في إحدى وعشرين، كما في حديث أبي سعيد الخدري، وأمر عبد اللّه بن أنيس بأن ينزل فيصلي معه ليلة ثلاث وعشرين، وأمرهم بطلبها ليلة ثلاث وعشرين، كما في حديث أبي هريرة، فدل ذلك على تنقلها، ويأتي لذلك مزيد بيان في آخر الباب، والله أعلم.

• وروي أيضًا من مرسل الحسن البصري، أو موقوفًا عليه قوله.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 251/ 8678)(5/ 405/ 8917 - ط الشثري)، و (2/ 327/ 9543)(6/ 68/ 9798 - ط الشثري)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (119)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 254).

° فائدة:

من العجب بعد أن اطلع بعضهم على إنكار أبي بن كعب على ابن مسعود قوله: من يقم الحول يصبها، وأن ابن مسعود قد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان؛ إلا أنه كره أن يتكلوا، ولذا أحب أن يعمِّي عليهم تلك الليلة حتى يجتهدوا في العبادة طول العام.

ومع ذلك، قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 374):"ولم يقل ابن مسعود: من يقم الحول يصيبها؛ إلا من طريق التوقيف؛ إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فثبت بذلك أن ليلة القدر غير مخصوصة بشهر من السنة، وأنها قد تكون في سائر السنة".

قلت: وهذا قول مردود لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل الكتاب والسُّنَّة والإجماع بخلافه، واللّه أعلم.

قال المهلب: "ومن ذهب إلى قول ابن مسعود وتأول منه أنها في سائر السُّنَّة: فلا دليل له إلا الظن من دوران الزمان بالزيادة والنقصان في الأهلة، وذلك ظن فاسد"[شرح البخاري لابن بطال (4/ 152)].

* * *

1379 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حفص [بن عبد الله السلمي]: حدثني أبي: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن عَبَّاد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن ضمرة بن عبد اللّه بن أنيس، عن أبيه، قال: كنت في مجلس بني سَلِمة وأنا أصغرُهم، فقالوا: مَن يسألُ لنا رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؛ وذلك صبيحةَ إحدى وعشرين من رمضان، فخرجتُ، فوافيتُ مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاةَ المغرب، ثم قمتُ بباب بيته، فمر بي فقال:"ادخل"، فدخلت، فأُتيَ بعشائه، فرأيتُني أَكُفُّ عنه من قِلَّتِه، فلما فرغ قال:"ناولني نعلي"، فقام، وقمتُ معه، فقال:"كأنَّ لك حاجةً"، قلت: أجل، أرسلني إليك رهطٌ من بني سلِمة يسألونك عن ليلة القدر، فقال: "كلم

ص: 198

الليلة؟ "، فقلت: اثنتان وعشرون، قال: "هي الليلة"، ثم رجع، فقال: "أو القابلة"، يريد: ليلةَ ثلاثٍ وعشرين.

حديث غريب

أخرجه من طريق حفص بن عبد الله بن راشد السلمي النيسابوري [كاتب إبراهيم بن طهمان، وراوي حديثه بنسخة عنه، وهو: صدوق]: النسائي في الكبرى (3/ 399/ 3387)(4/ 485/ 3586 - ط التأصيل)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 251). [التحفة (4/ 145/ 5143)، المسند المصنف (11/ 12/ 5128)].

رواه عن حفص: ابنه أحمد [ثقة، روى عنه البخاري في الصحيح]، ومحمد بن عقيل بن خويلد الخزاعي النيسابوري [وثقه النسائي وغيره، حدث بأحاديث من حفظه فأخطأ فيها، وقال أبو أحمد الحاكم: "حدث عن حفص بن عبد الله بحديثين لم يتابع عليهما، ويقال: دخل له حديث في حديث، وكان أحد الثقات النبل". التهذيب (3/ 649)، الأسامي والكنى للحاكم الكبير (5/ 422/ 3392)، الإرشاد (2/ 816)].

• والحديث قد رواه ابن طهمان في مشيخته (49).

وهي نسخة مروية من طريق: أبي بكر محمد بن عبدوس النيسابوري بالرملة [السيسمراباذي: شيخ لابن حبان وأبي علي الحافظ، يحدث من أصل كتابه، وأخذ عنه ابن حبان بالرملة، وكان يحدث بنسخة ابن طهمان وغيره بالرملة. الأنساب (3/ 360)، تاريخ الإسلام (24/ 162)]: نا أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري: نا أبي: حدثني إبراهيم بن طهمان بها.

• ورواه كنانة بن جبلة الهروي، قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن الزهري، عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 16).

وهذه متابعة واهية؛ كنانة بن جبلة: قال عثمان بن سعيد الدارمي: "وسألت يحيى [يعني: ابن معين]، قلت: كنانة بن جبلة الذي كان يكون بخراسان من أهل الحديث؛ قال: ذاك كذاب خبيث"، قال عثمان:"وهو قريب مما قال يحيى، خبيث الحديث"، وقال الجوزجاني:"ضعيف الأمر جدًا"، وقال ابن حبان:"كان مرجئًا، يقلب الأخبار، وينفرد عن الثقات بالأشياء المعضلات"، وقال ابن عدي:"ومقدار ما يرويه غير محفوظ"، وقال الأزدي:"متروك الحديث"، وخفي أمره على أبي حاتم، فقال:"محله الصدق، يكتب حديثه، حسن الحديث"[تاريخ ابن معين للدارمي (717)، أحوال الرجال (377)، ضعفاء العقيلي (4/ 11)، الجرح والتعديل (7/ 169)، علل الحديث (2097)، المجروحين (2/ 229)، الكامل (6/ 74)، علل الدارقطني (11/ 201/ 2221)، ضعفاء ابن الجوزي (3/ 26)، اللسان (6/ 425)].

ص: 199

• ورواه عدي بن الفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس، وعبد الرحمن بن كعب؛ أنهما سمعا عبد الله بن أنيس، يقول: جلست في مجلس بني سلمة -وأنا أصغرهم- صبيحة إحدى وعشرين من رمضان،

فذكر الحديث بنحوه.

أخرجه الطبراني في الكبير (14/ 4928/ 14928)، بإسناد صحيح إلى عدي.

وهذه المتابعة ليست بشيء؛ فإن عدي بن الفضل التيمي: متروك الحديث.

وعلى هذا: فإنما يُعرف هذا الحديث من رواية: حفص بن عبد اللّه بن راشد السلمي النيسابوري، عن إبراهيم بن طهمان به.

خولف فيه إبراهيم بن طهمان:

رواه أحمد بن صالح [المصري: ثقة حافظ]، وعبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي [قال الدارقطني:"ثقة"، وروى عنه البخاري حديثين في المتابعات، كما روى له النسائي في سننه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما خالف"، وروى عنه أبو زرعة، وسئل عن حديثين من حديثه فأمر بالضرب عليهما، وسئل عنهما مرة أخرى، فقال في كل منهما:"هذا حديث منكر"، وليس في الإسناد من يحمل عليه غيره، وقال أبو بكر بن أبي داود:"ضعيف"، وقال أبو أحمد الحاكم:"ليس بالمتين عندهم"، وقال الذهبي:"صدوق"، وقال ابن حجر في هدي الساري:"فتبين أنه [يعني: البخاري] ما احتج به". سؤالات البرذعي (2/ 400)، علل ابن أبي حاتم (897 و 1514 و 1546)، الجرح والتعديل (5/ 259)، الثقات (8/ 375)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (1/ 385/ 744)، الثالث من أفراد الدارقطني (47)، أطراف الغرائب والأفراد (1134 و 6256)، سؤالات الحاكم (383)، تاريخ الإسلام (5/ 616 - ط الغرب)، السير (11/ 128)، الميزان (2/ 578)، هدي الساري (2/ 1112)، التهذيب (2/ 529)]، قالا:

حدثني ابن أبي فديك [محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: مدني، صدوق]، عن موسى بن يعقوب، عن عبد الرحمن بن إسحاق؛ أن محمد بن مسلم الزهري أخبره؛ أن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، وعمرو بن عبد اللّه بن أنيس الجهني أخبراه؛ أن عبد الله بن أنيس أخبرهما؛ أن نفرًا من الأنصار قالوا: من رجل يسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قال عبد اللّه: فقلت: أنا، قالوا: اذهب فسله لنا: متى ليلة القدر؟ فخرجت حتى وافيت غروب الشمس عند بعض أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى المغرب، فلما صلى وفرغ خرجت معه حتى دخل بيته وأنا معه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفطره، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بنعليه، ثم قال:"إني لأظن أن لك حاجة"، قلت: أجل يا رسول الله! أرسلني إليك فلان وفلان يسألونك متى ليلة القدر؟ فقال: "الليلة"، وتلك ليلة اثنين وعشرين من رمضان، فقلت: الليلة ليلة اثنين وعشرين من رمضان؟ قال: "بل القابلة، ليلة ثلاث وعشرين".

ص: 200

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 399/ 3388)، والطبراني في الكبير (14/ 289/ 14926)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 16). [التحفة (4/ 5143/145)، المسند المصنف (11/ 13/ 5128)].

قال النسائي: "موسى بن يعقوب: ليس بذاك القوي".

قلت: موسى بن يعقوب الزمعي: قال ابن معين وابن القطان الفاسي: "ثقة"، وقال أبو داود:"هو صالح، روى عنه ابن مهدي، وله مشايخ مجهولون"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي:"وهو عندي لا بأس به وبرواياته".

وقال ابن المديني: "ضعيف الحديث، منكر الحديث"، وقال أحمد بن حنبل:"لا يعجبني حديثه"، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وقال ابن حبان في المشاهير:"وكان يغرب"، وقال الدارقطني:"ولا يحتج به"، وقال الساجي: "وقد روى عن عمه أبي عبيدة حديثًا منكرًا ليس عليه العمل

" [انظر: تاريخ الدوري (3/ 157/ 672)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (2/ 336/ 3231 - السفر الثالث)، ضعفاء النسائي (553)، الجرح والتعديل (8/ 167)، علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 309/ 929)، الثقات (7/ 458)، مشاهير علماء الأمصار (1114)، الكامل (6/ 343)، علل الدارقطني (5/ 113)، تاريخ أسماء الثقات (1349)، الميزان (4/ 227)، تاريخ الإسلام (4/ 238 - ط الغرب)، إكمال مغلطاي (12/ 43)، التهذيب (4/ 192)، وغيرها][تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (196)].

فإن قيل: موسى بن يعقوب الزمعي: مدني، وهو أخص بأهل المدينة من الغرباء، فيقدم حديثه على حديث إبراهيم بن طهمان، فيقال: قد قدَّم عليه أبو حاتم وأبو زرعة خالد بن عبد اللّه الواسطي، في حديث روياه [أعني: الزمعي وخالدًا] عن عبد الرحمن بن إسحاق، واختلفا عليه فيه، وقال أبو حاتم وأبو زرعة في حديث الزمعي:"هذا خطأ"، وجعل أبو زرعة الخطأ فيه من الزمعي [العلل (929)].

وقدَّم أبو حاتم مرةً رواية الزمعي على رواية الدراوردي، وذلك لاشتهار طريق الزمعي من وجوه أخرى، فهي قرينة على كون طريقه محفوظًا [العلل (2613)].

ووهَّم أبو حاتم الزمعيَّ مرةً أخرى في حديث رواه عن أبي حازم سلمة بن دينار المدني [العلل (2780)].

وذكر الدارقطني في العلل (5/ 112/ 759) الاختلاف على موسى بن يعقوب الزمعي في حديث ابن مسعود مرفوعًا: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أ كثرهم عليَّ صلاة"، ثم قال:"والاضطراب فيه من موسى بن يعقوب، ولا يحتج به".

ووهمه في موضع آخر من العلل (14/ 168/ 3510) في حديث رواه عن أبي حازم، وخالف فيه ثقات أصحاب أبي حازم.

وانظر أيضًا في أوهامه: أطراف الغرائب والأفراد (222 و 3492 و 3710 و 5081 و 6270 و 6293 و 6394).

ص: 201

فدل تصرف الأئمة على أنه لم يكن عندهم بالحافظ، الذي تقدم روايته عند الاختلاف، بل على العكس؛ فقد كانوا يقدمون عليه رواية الثقات، ولا يحتملون تفرداته وغرائبه، والله أعلم.

قلت: فلما لم يتابع الزمعي على هذا الوجه، كان المحفوظ هو ما رواه إبراهيم بن طهمان، وإن كان غريبًا، واللّه أعلم.

تابع عبدَ الرحمن بن إسحاق في إسناده، وخالفه في المتن:

بكيرُ بن مسمار [وعنه: فضيل بن سليمان النميري]، عن الزهري، قال: قلت لضمرة بن عبد الله بن أنيس: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيك في ليلة القدر؟ قال: كان أبي صاحب بادية، قال: فقلت: يا رسول اللّه! مرني بليلة أنزل فيها، قال:"انزل ليلة ثلاث وعشرين"، قال: فلما تولى، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"اطلبوها في العشر الأواخر".

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 211)، والطبراني في الكبير (14/ 287/ 14922)، وفي الأوسط (3/ 2858/181)، والبيهقي في الشعب (6/ 233/ 3403)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 302 - ط الغرب).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن بكير إلا فضيل".

قلت: بغير بن مسمار؛ أخو مهاجر بن مسمار: مدني صدوق، قال فيه العجلي:"مدني ثقة"، وقال النسائي:"ليس به بأس"، وقال الدارقطني:"ثقة"، ويبدو أن في روايته عن الزهري شيئًا؛ فإن البخاري لما ذكر روايته عن الزهري قال:"فيه بعض النظر"، وجعلهما ابن حبان اثنين، فذكر أحدهما في الثقات، ثم قال في الراوي عن الزهري:"ضعيف"، وقال في المجروحين:"كان مرجئًا، يروي من الأخبار ما لا يتابع عليها، وهو قليل الحديث؛ على مناكير فيه، ليس هو أخو مهاجر بن مسمار؛ ذاك مدني ثقة"، قلت: هما واحد، لكن قال ابن عدي:"وبكير بن مسمار: لم أخرج له شيئًا هاهنا؛ لأني لم أجد في رواياته حديثًا منكرًا، وأرجو أنه لا بأس به"، ثم قال:"والذي قاله البخاري هو كما قال، روى عنه أبو بكر الحنفي أحاديث لا أعرف فيها شيئًا منكرًا، وعندي أنه مستقيم الحديث، فاستغنى عن أن أذكر له حديثًا؛ لاستقامة حديثه، ولأن من روى عنه صدوق، وأرجو أنه لا بأس به"، وقال الحاكم:"استشهد به مسلم في موضعين"، قلت: بل أخرج له في ثلاثة مواضع، ليس فيها موضع عن الزهري، كلها عن عامر بن سعد بن أبي وقاص [صحيح مسلم (2404 و 2412) كلاهما في فضائل الصحابة استشهادًا، وموضع ثالث في الزهد والرقائق (2965) محتجًا به، [التاريخ الكبير (2/ 115)] معرفة الثقات (179)، الجرح والتعديل (2/ 403)، الثقات (6/ 105)، المجروحين (1/ 194)، الكامل (2/ 42)(2/ 469 - ط الرشد)، التعليقات على المجروحين (32)، تاريخ الإسلام (4/ 32 - ط الغرب)، الميزان (1/ 350)، إكمال مغلطاي (3/ 32)، التهذيب (1/ 250)].

ص: 202

والراوي عنه: فضيل بن سليمان النميري: ليس بالقوي، وأُنكرت عليه أحاديث [التهذيب (3/ 398)، الميزان (3/ 361)].

قلت: إسناده لا بأس به في المتابعات، فإن فضيل بن سليمان النميري قد استشهد به البخاري ومسلم، وقد أكثر عنه البخاري فيما توبع عليه، حيث أخرج له في أكثر من عشرين موضعًا [صحيح البخاري (483 و 1535 و 1545 و 1625 و 1731 و 2338 و 2525 و 2854 و 3152 و 3247 و 3826 و 4307 و 4468 و 4521 و 4936 و 5132 و 5935 6414 و 6705 و 6849 و 7039 و 7345 و 7357)، صحيح مسلم (1091 و 1196 و 2065)].

قال ابن حجر في هدي الساري (2/ 1161) بعد أن ذكر فيه أقوال المجروحين، ومن تكلموا فيه، قال:"روى له الجماعة، وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها"، ثم ذكر بعضها وبين من تابعه عليها.

لكن يبقى الحديث غريبًا من حديث الزهري؛ حيث لم يروه عنه أحد من ثقات أصحابه المشهوربن أو المكثرين عنه، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني، المعروف بعباد بن إسحاق: ليس به بأس، وليس هو ممن يعتمد على حفظه، ففي بعض حديثه ما ينكر ولا يتابع عليه ل [التهذيب (2/ 487)، الميزان (2/ 547)]، وقد تفرد به عنه: إبراهيم بن طهمان، وليس مدنيًا، وكذلك بغير بن مسمار؛ فإن البخاري لما ذكر روايته عن الزهري قال:"فيه بعض النظر"، وضعفه ابن حبان، ولم يخرج له مسلم شيئًا من روايته عن الزهري، وقد تفرد به عنه: فضيل بن سليمان، وليس بالقوي.

ومع ذلك فقد صححه ابن عبد البر، عند الكلام على طريق مالك الآتي ذكره تحت الحديث القادم، قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 410)، وفي التمهيد (21/ 210):"وهذا حديث منقطع، ولم يلق أبو النضر عبد اللّه بن أنيس، ولا رآه، ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة، منها ما رواه الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم متصل".

ثم عاد فضعفه بعدُ، فقال (3/ 413):"وفي هذا الحديث دليل على جواز كونها ليلة اثنتين وعشرين، وليس ذلك بوتر؛ إلا أنه حديث انفرد به عباد بن إسحاق عن الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه، وعباد: ليس بالقوي"[وانظر: التمهيد (2/ 205)].

قلت: لا تحتمل رواية هذين عن الزهري دون أصحاب الزهري الثقات على كثرتهم، وتقدمهم في الحفظ والضبط والإتقان، وكثرة الرواية عن الزهري، وطول صحبته، واختصاصهم به، مثل: ما لك، ومعمر، والزبيدي، وشعيب، وعقيل، ويونس، وابن عيينة، وصالح بن كيسان، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وزياد بن سعد، وسليمان بن كثير، والأوزاعي، وابن إسحاق، وابن جريج، وابن أبي ذئب، وإبراهيم بن سعد، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعبد الرحمن بن نمر

ص: 203

اليحصبي، ومحمد بن أبي حفصة، وكذلك: ابن أخي الزهري، والنعمان بن راشد، وإسحاق بن راشد، وصالح بن أبي الأخضر، وخلائق غيرهم كثير.

ثم إن مالكًا لو كان عنده عن الزهري متصلًا؛ فلماذا يعدل عنه إلى حديث أبي النضر المنقطع، فيخرجه في موطئه [الموطأ (893)، ويأتي تخريجه في طرق حديث ابن أنيس، تحت الحديث الآتي].

وكذلك؛ فإن ابن إسحاق قد روى حديث ابن أنيس هذا عن ثلاثة من شيوخه، ولم يروه من حديث الزهري، ولو كان عنده لطارت به الركبان.

وقد روي هذا الحديث عن ضمرة من وجهين آخرين:

أ- رواه ابن لهيعة [ضعيف]، [وعنه: عبد الله بن يوسف التنيسي، وهو: ثقة، ويحيى بن كثير الناجي، وهو مجهول الحال، ولم أجد من ترجم له]، قال: ثنا بكير بن الأشج [بكير بن عبد الله بن الأشج: مدني، نزيل مصر، ثقة ثبت، إمام]، قال: سألت ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن ليلة القدر، فقال: سمعت أبي، يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:"تحروها ليلة ثلاث وعشرين"، فكان ينزل كذلك.

أخرجه الطحاوي (3/ 86)، والطبراني في الكبير (14/ 286/ 14921).

[الإتحاف (6/ 497/ 6885)].

وهذا إسناد ضعيف، صالح في المتابعات.

ب- ورواه عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، بحديث: "ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين

" الحديث.

أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 69/ 4074 - أطرافه).

قال الدارقطني:"حديث: "ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين

" الحديث: غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله بن أبي قتادة عن ضمرة، وهو ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه، تفرد به: شريك عنه، وتفرد به: عبد الرحمن بن شريك عن أبيه".

وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم،قال:"ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين".

قلت لأبي: سمع أبو إسحاق من عبد الله بن أبي قتادة؟ فقال: قد روى عن عبد الله بن أبي قتادة: إسماعيل بن أبي خالد، وأبو إسحاق الهمداني هذا الحديث، فيدل أن عبد الله بن أبي قتادة قدم الكوفة" [العلل (736)].

قلت: هو كما قال الدارقطني؛ غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي، تفرد به عنه: شريك بن عبد الله النخعي، وهو: صدوق، سيئ الحفظ، وابنه عبد الرحمن؛ قال فيه

ص: 204

أبو حاتم: "هو واهي الحديث"، وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال:"ربما أخطأ"، وقال ابن عدي:"يغرب على أبيه"[التهذيب (2/ 516)، الكامل (4/ 19)].

• وضمرة بن عبد اللّه بن أنيس: روى عن أبيه عبد الله بن أنيس، روى عنه: الزهري، وبكير بن الأشج، وأما بكير بن مسمار فإنما يروي عن الزهري عنه، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (4/ 336)، الجرح والتعديل (4/ 466)، الثقات (4/ 388)، التهذيب (2/ 230)].

قال البيهقي في الشعب: "وفي هذا دلالة على أنه لم يقطع القول بذلك".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 413): "وفي هذا الحديث دليل على جواز كونها ليلة اثنتين وعشرين، وليس ذلك بوتر؛ إلا أنه حديث انفرد به عباد بن إسحاق عن الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه، وعباد: ليس بالقوي"[وانظر: التمهيد (2/ 205)].

قلت: ينظر في دلالة الحديث إن ثبت، فإذا كان غريبًا لا يثبت؛ فلا يحتج به، ولا وجه للاستدلال به، والله أعلم.

وأصلح ما روي هنا من حديث ضمرة عن أبيه:

ما رواه ابن لهيعة، قال: ثنا بكير بن الأشج، قال: سألت ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن ليلة القدر، فقال: سمعت أبي، يخبر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:"تحروها ليلة ثلاث وعشرين"، فكان ينزل كذلك.

ففيه القطع بليلة ثلاث وعشرين، وهي ليلة وترية، وقد صح الحديث بذلك من وجوه:

* * *

1380 -

. . . محمد بن إسحاق: حدئني محمد بن إبراهيم، عن ابن عبد اللّه بن أنيس الجهني، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، إن لي باديةً أكون فيها، وأنا أصلي فيها بحمد اللّه، فمُرني بليلةٍ أنزلها إلى هذا المسجد، فقال:"انزل ليلةَ ثلاثٍ وعشرين".

فقلت لابنه: فكيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر، فلا يخرج منه لحاجةٍ حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد، فجلس عليها فلحِق بباديته.

حديث حسن

أخرجه ابن خزيمة (3/ 334/ 2200)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 343/ 1230 - السفر الثاني)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (254 - مختصره)، والطحاوي (3/ 88)، والطبراني في الكبير (14/ 288/ 14923 و 14924)، والبيهقي (4/ 309)، وابن

ص: 205

عبد البر في التمهيد (21/ 211)، وفي الاستذكار (3/ 410)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 385/ 1826)، وقال:"حديث حسن". [التحفة (4/ 146/ 5145)، الإتحاف (6/ 497/ 6885)، المسند المصنف (11/ 7/ 5124)].

رواه عن ابن إسحاق: زهير بن معاوية، وإسماعيل بن عليه، ويزيد بن زريع، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وأحمد بن خالد الوهبي [وهم ثقات].

زاد في رواية الوهبي [عند ابن نصر والطحاوي]: "انزل ليلة ثلاث وعشرين، فصلها فيه، وإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل، وإن أحببت فكُفَّ".

وفي رواية عبد الأعلى [عند الطبراني]: "انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلِّها، وإن أحببت أن تستتم إلى آخر الشهر فافعل، وإن أحببت أن ترجع إلى أهلك بليل فاصنع".

وفي رواية يزيد بن زريع [عند ابن أبي خيثمة]: عن ابن عبد اللّه بن أنيس الجهني، قال: حدثني أبي، قال: قلت: يا رسول اللّه إني أكون في باديتي، وأنا بحمد اللّه أصلي بها، فمرني بليلةٍ من هذا الشهر أنزلها بهذا المسجد أصليها فيه، قال:"انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلِّها فيه".

خالفهم؛ فوهم في إسناده:

عبد الرحمن بن محمد المحاربي [لا بأس به، وكان يدلس، وليس بالمكثر عن ابن إسحاق، ولا من أصحابه المشهورين]، فرواه عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن عبد اللّه بن جحش، عن أبيه الجهني، قال: قلت: يا رسول اللّه إن لي بادية أصلي فيها فمرني بليلة أنزلها إلى المسجد فأصلي فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انزل ليلة ثلاث وعشرين"، زاد في رواية:"فإن شئت فصل بعد، وإن شئت فدع".

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 288/ 2199)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 647/ 1727).

والمحفوظ عن ابن إسحاق: عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني، عن أبيه عبد الله بن أنيس.

ولا أستبعد أن يكون ابن عبد الله بن أنيس هذا هو: ضمرة؛ الذي روى عنه: الزهري وبغير بن الأشج، وإن كان غيره مثل: عطية، أو بلال، أو عيسى؛ ممن روى هذا الحديث عن عبد اللّه بن أنيس؛ فليس فيهم مجروح.

وعليه: فهو إسناد لا بأس به.

• ورواه إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق]، عن ابن إسحاق، قال: حدثني معاوية بن أبي عياش الأنصاري [مدني، روى له مالك في الموطأ، وروى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير (7/ 332)، المنفردات والوحدان (616)، الجرح والتعديل (8/ 380)، الثقات (7/ 467)]، عن وهب بن محمد بن جد بن قيس [ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكروا له راويًا سوى ابن إسحاق، وإنما

ص: 206

روى عنه بواسطة شيخه معاوية بن أبي عياش، فهو مجهول. التاريخ الكبير (8/ 164)، وقال:"سمع ابن أنيس". الجرح والتعديل (9/ 24)، الثقات (7/ 556)]؛ أن عبد الله حدثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 16)، قال: وقال سعيد بن محمد [الجرمي: صدوق، من شيوخ البخاري في الصحيح]: حدثنا يعقوب بن إبراهيم [ثقة]: حدثنا أبي به.

وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات.

ومحمد بن إسحاق بن يسار المدني: إمام في المغازي والسير، ؤهو: صدوق، حسن الحديث، واسع الرواية جدًا، سبق الكلام عن تدليسه مفصلًا عند الحديث رقم (814)، وخلاصة الكلام فيه: أنه لا يُردُّ حديثه بمجرد العنعنة، وإنما بثبوت التدليس في حديث بعينه، وأن العنعنة في أسانيده محمولة على الاتصال حتى يثبت عندنا التدليس أو الانقطاع، ثم إن ابن إسحاق هنا قد صرح بالسماع في أسانيده الثلاثة لهذا الحديث [انظر: فضل الرحيم الودود (9/ 60/ 814)].

والحاصل: أن ابن إسحاق يحتمل منه التعدد في الأسانيد لسعة مروياته، وكثرة شيوخه، ولا يُعدُّ هذا اضطرابًا منه، لا سيما وهو هنا يروي عن شيوخه المدنيين أهل بلده.

° وله في هذا الحديث إسناد ثالث:

فقد روى إبراهيم بن سعد، وإسماعيل بن عليه، ويزيد بن زريع، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وأحمد بن خالد الوهبي [وهم ثقات، وقد رواه إبراهيم بن سعد بالوجه الثاني والثالث، ورواه الآخرون بالوجه الأول والثالث]:

عن ابن إسحاق، قال: حدثني معاذ بن عبد اللّه بن خبيب الجهني، عن أخيه عبد اللّه بن عبد اللّه بن خبيب- قال: وكان رجلًا في زمان عمر بن الخطاب قد سأله فأعطاه-، قال: جلس معنا عبد اللّه بن أنيس صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مجلسه في مجلس جهينة، قال: في رمضان، قال: فقلنا له: يا أبا يحيى! سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة من شيء؟ فقال: نعم، جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الشهر، فقلنا له: يا رسول اللّه! متى نلتمس هذه الليلة المباركة؟ قال: "التمسوها هذه الليلة"، وقال: وذلك مساء ليلة ثلاث وعشرين، فقال له رجل من القوم: وهي إذًا يا رسول اللّه أول ثمان؟ قال: فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنها ليست بأول ثمان، ولكنها أول السبع؛ إن الشهر لا يتم".

لفظ إبراهيم بن سعد [عند أحمد]، ووقع في رواية ابن علية [عند ابن خزيمة]: فلان بن عبد الله بن خبيب، بدل: عبد اللّه، لم يضبطه إسماعيل، ووقع عنده: جلسنا مع عبد الله بن أنيس في مجلس جهينة في هذا الشهر.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 16)[وتحرف عنده: معاذ إلى: معاوية]. وابن خزيمة (3/ 328/ 2185)، وأحمد (3/ 495)، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه (633)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 78/ 2033)، وابن نصر المروزي في

ص: 207

قيام الليل (254 - مختصره)، والدولابي في الكنى (1/ 289/ 505)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 86)، وفي المشكل (14/ 99/ 5481)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 213). [الإتحاف (6/ 497/ 6885)، المسند المصنف (11/ 11/ 5127)].

• ورواه الليث بن سعد [ثقة ثبت، إمام فقيه]، عن يزيد بن أبي حبيب [ثقة فقيه، من الطبقة الخامسة، وهو أكبر من ابن إسحاق]، عن محمد بن إسحاق، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن عبد الله بن عبد الله بن خبيب، عن عبد الله بن أنيس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه سئل عن ليلة القدر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التمسوها الليلة"، وتلك ليلة ثلاث وعشرين، فقال رجل: يا رسول الله! هي إذًا أولى ثمانٍ، فقال:"بل أولى سبع، فإن الشهر لا يتم". وفي رواية: "التمسوها ليلة ثلاث وعشرين".

أخرجه ابن خزيمة (3/ 328/ 2186)، والطحاوي (3/ 86)، وابن قانع في المعجم (2/ 96)، والطبراني في الكبير (14/ 302/ 14939)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 214). [الإتحاف (6/ 497/ 6885)، المسند المصنف (11/ 11/ 5127)].

رواه عن الليث بن سعد: ابنه شعيب بن الليث بن سعد [ثقة نبيل فقيه، من أثبت الناس في أبيه]، وعبد الله بن عبد الحكم بن أعين [مصري، ثقة، من أصحاب الليث]، ويحيى بن عبد اللّه بن بكير [مصري ثقة، ثبت في الليث بن سعد]، وأبو صالح عبد اللّه بن صالح [كاتب الليث، صدوق، وكانت فيه غفلة].

خالفهم؛ فأسقط من إسناده رجلين:

شبابة بن سوار، فرواه عن ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن عبد اللّه بن خبيب، عن عبد الله بن أنيس- صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؛ أنه سئل عن ليلة القدر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التمسوا تلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين".

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 251/ 8683) و (2/ 324/ 9512)(5/ 407/ 8922 - ط الشثري) و (6/ 59/ 9765 - ط الشثري)، وفي المسند (852). [المسند المصنف (11/ 11/ 5127)].

قلت: وهذا وهم من شبابة، وشبابة بن سوار: ثقة حافظ، وهو مدائني، أصله من خراسان، وقد وقعت منه بعض الأوهام التي تُكُلِّم فيه لأجلها، فقد أنكر الإمام أحمد على شبابة أحاديث، وتكلم فيه أيضًا: البخاري، وأبو حاتم، والترمذي، وابن عدي [راجع ترجمة شبابة، والكلام عن أوهامه: فضل الرحيم الودود (7/ 34/ 605)].

والمحفوظ في هذا: ما رواه جماعة الثقات من أصحاب الليث وأهل بيته، وخاصته، وأهل بلده، وأثبت الناس فيه.

والحاصل: فإن حديث ابن إسحاق هذا قد اشتهر في بلده وخارجها، وهو حديث مدني جيد.

وعبد اللّه بن عبد اللّه بن خبيب: تابعي، كان رجلًا في زمان عمر بن الخطاب قد

ص: 208

سأله فأعطاه، ولأبيه صحبة ورواية، وقد ذكره مسلم في طبقة سعيد بن المسيب وأبناء الصحابة من تابعي أهل المدينة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ولا يُعرف له راوٍ غير أخيه معاذ، ومثله تحتمل جهالته، لا سيما وقد روى عن ابن أنيس ما رواه عنه أهل بيته والناس [التاريخ الكبير (5/ 126)، الطبقات لمسلم (877)، الجرح والتعديل (5/ 90)، الثقات (5/ 30)، المؤتلف للدارقطني (2/ 632)، تعجيل المنفعة (558)، مغاني الأخيار (2/ 99)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 47)، التحفة اللطيفة (2/ 48)].

وأخوه معاذ بن عبد اللّه بن خبيب الجهني: مدني، صدوق، قليل الحديث [التهذيب (4/ 100)، سؤالات الحاكم (491)، إكمال مغلطاي (11/ 249)، اللسان (8/ 94)].

قال الطحاوي في المشكل: "فكان في هذا الحديث ما قد دل على أنه أراد شهرًا بعينه، كان فيه منه ذلك القول، بقوله: "ما تريد إلى شهر لا يتم"، أي: أن غيره للسبع فيه ما لها في الشهر التام الذي هو ثلاثون، لا فيما سواه من الشهور الناقصة عن الثلاثين".

وللحديث طرق أخرى عن عبد اللّه بن أنيس:

أ- فقد رواه أبو زيد بن أبي الغمر [عبد الرحمن بن عمر بن أبي الغَمر المصري الفقيه: روى عنه جماعة من الثقات، منهم: البخاري في غير الصحيح، وأبو زرعة الرازي، وقال ابن وضاح: "لقيته بمصر، وهو شيخ ثقة". الجرح والتعديل (5/ 274)، المؤتلف للدارقطني (3/ 1708)، فتح الباب (2934)، ترتيب المدارك (4/ 22) (2/ 57/ 133 - ط الرسالة)، الإكمال (7/ 33)، تاريخ الإسلام (17/ 242)، التهذيب (2/ 543)]، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن [القاري، المدني، نزيل الإسكندرية: ثقة]، عن أبيه [عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري: ثقة. التاريخ الكبير (6/ 297)]، الجرح والتعديل (5/ 281)، الثقات (7/ 86)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 297)]، قال: كنت جالسًا مع أبي على الباب، إذ مر بنا ابن عبد الله بن أنيس، فقال أبي: ما سمعت من أبيك يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر؟ فقال: سمعت أبي يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني رجل ينازعني البادية، فمرني بليلة آتي فيها المدينة، فقال:"ائت في ليلة ثلاث وعشرين".

أخرجه الطحاوي (3/ 86). [الإتحاف (6/ 499/ 6885)].

وهذا إسناد جيد؛ لو كان ابن عبد الله بن أنيس هذا هو ضمرة، وإن كان غيره مثل: عطية، أو بلال، أو عيسى؛ ممن روى هذا الحديث عن عبد الله بن أنيس؛ فليس فيهم مجروح.

ب- ورواه أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي [بغدادي، ثقة ثبت حافظ]، قال: حدثنا عبد اللّه بن جعفر المخرمي، عن يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن حزم، عن عبد اللّه بن أنيس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم، وسألوه عن ليلة يتراءونها في رمضان؟ قال:"ليلة ثلاث وعشرين".

ص: 209

أخرجه أحمد (3/ 495). [الإتحاف (6/ 497/ 6885)، المسند المصنف (11/ 10/ 5125)].

قلت: رواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن أنيس: مرسلة، فإن عامة روايته عن التابعين، وهو من الطبقة الخامسة، وبين وفاتيهما ما يزيد على الستين سنة بست سنين، فهو لم يدركه.

• خالفه: أبو المطرف بن أبي الوزير [محمد بن عمر بن مطرف: بصري، ثقة]، قال: حدثنا عبد اللّه بن جعفر المخرمي ثقة، عن يزيد بن عبد اللّه بن الهاد، عن أبي بكر بن حزم، عن عبد الرحمن بن كعب، عن عبد الله بن أنيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"أُريت أنه أنزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان".

أخرجه أبو عوانة (8/ 294/ 3320 - ط الجامعة الإسلامية)(6/ 498/ 6885 - إتحاف)[الإتحاف (6/ 497/ 6885)].

قلت: عبد اللّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة المخرَمي: مدني، ليس به بأس، والحكم هنا لمن زاد في الإسناد رجلًا، وأبو المطرف: ثقة، وقد توبع على ذلك:

تابعه: يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: صدوق سيئ الحفظ][وعنه: سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وهو: ثقة ثبت فقيه]، عن ابن الهاد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم؛ أنه أخبره عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن عبد الله بن أنيس، قال: كنا بالبادية، فقلنا: إن قدمنا بأهلنا شق ذلك علينا، وإن خلفناهم أصابهم ضيعة فبعثوني -وكنت أصغرهم- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأمرنا بليلة ثلاث وعشرين.

أخرجه الطحاوي (3/ 86)، والبيهقي في السنن (4/ 309)، وفي فضائل الأوقات (90)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 212). [الإتحاف (6/ 497/ 6885)].

قلت: والدة عبد الرحمن بن كعب بن مالك، هي: ابنة عبد اللّه بن أنيس، فهو هنا يروي عن جده لأمه [انظر: طبقات ابن سعد (5/ 209)، تاريخ ابن جرير الطبري (2/ 497)، الثقات (3/ 462)].

• ورواه مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري [شيخ للطحاوي والعقيلي والطبراني، وأكثر عنه الأخير، وقال ابن الجزري: "ضابط محقق، قرأ على قالون، وله عنه نسخة، وهو من جلة أصحابه"، ولا تثبت روايته عن مالك. غاية النهاية (2/ 299)، المعجم الأوسط للطبراني (9/ 76/ 9174)، توضيح المشتبه (4/ 280)، مجمع الزوائد (5/ 117)، مغاني الأخيار (3/ 911)]، قال: حدثني أبي [ليس به بأس. التهذيب (1/ 63)]، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن عبد الله بن أنيس، قال: كنا

ص: 210

نتدارا [كذا] في رمضان، فقال قومنا: إنه ليشق علينا أن ننزل بعيالنا ونسائنا، وإنا لنخشى عليهم الضيعة إن نزلنا وتركناهم، وإنا نكره أن تفوتنا هذه الليلة؛ فهل لكم أن يُرسَل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر هذا له، ويسأله أن يأمرنا بليلة ننزلها؟! قال عبد الله: فأرسلوني، وكنت أحدَثَهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، وسألته أن يأمرنا بليلة ننزلها، فقال:"انزلوا ليلة ثلاث وعشرين". فكان عبد الله ينزل تلك الليلة، فإذا أصبح رجع.

أخرجه الطبراني في الكبير (14/ 290 - 291/ 14927)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1586/ 4001).

• ورواه إبراهيم بن حمزة [ليس به بأس][وعنه: الإمام الكبير، الحافظ المتقن، الفقيه المتفنن؛ إسماعيل بن إسحاق القاضي]، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني [صدوق]، قالا:

حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن يزيد بن الهادي، عن أبي بكر بن محمد [بن عمرو بن حزم]، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن كعب، عن عبد الله بن أنيس، قال: كنا نبتدئ في رمضان، فقال قومنا: إنه ليشق علينا أن ننزل بعيالنا وثقلنا، وإنا نخشى عليهم الضيعة إن نزلنا وتركناهم، وإنا لنكره أن تفوتنا هذه الليلة، فهل لكم أن نرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكر له هذا ونسأله أن يأمرنا بليلة ننزلها، قالوا: نعم، قال عبد الله بن أنيس: فأرسلوني وكنت أحدث القوم، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته أن يأمرنا بليلة ننزلها، فقال:"انزلوا ليلة ثلاث وعشرين"، فكان عبد الله بن أنيس ينزل تلك الليلة فإذا أصبح رجع. لفظ إبراهيم بن حمزة [عند ابن عبد البر].

ولفظ ابن أبي عمر [عند الخطيب]: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته أن يأمرنا بليلة ننزلها -يعني: في رمضان-، فقال:"انزلوا ليلة ثلاث وعشرين". قال: وكان عبد الله بن أنيس ينزل تلك الليلة فإذا أصبح رجع.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (21/ 211)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1247/ 783).

قلت: وهذه الرواية أشبه بالصواب من سابقتها.

° هكذا اختلف على يزيد بن الهاد في إسناد هذا الحديث:

فرواه عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المخرَمي [مدني، ليس به بأس]، ويحيى بن أيوب الغافقي [مصري، صدوق]:

كلاهما، عن ابن الهاد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم؛ أنه أخبره عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن عبد الله بن أنيس.

• وخالفهما: عبد العزيز بن محمد الدراوردي [صدوق، كان سيئ الحفظ، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان كتابه صحيحًا؛ إلا أنه كان يحدث من كتب الناس فيخطئ أيضًا. انظر: التهذيب (2/ 592) وغيره]، فرواه عن ابن الهاد، عن أبي بكر بن محمد، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب، عن عبد الله بن أنيس.

ص: 211

قلت: والأشبه عندي بالصواب رواية المخرمي والغافقي، فإن رواية الاثنين أبعد عن الوهم من الواحد، كما أن حديثهما عرف في بلده وخارجها، بينما لم يُعرف حديث الدراوردي إلا في بلده، والله أعلم.

وبناء على ذلك: فإنه حديث صحيح.

• ولا يلتفت إلى ما رواه: عبد الملك بن قدامة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن عمه معقل، عن أبيه، عن أمه، عن أبيها، قال: قالت بنو سلمة: مَن رجلٌ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأله عن هذه الليلة التي نتحرى؟ قال عبد الله بن أنيس: أنا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم عشية اثنين وعشرين من رمضان، فصليت معه المغرب، ليلة ثلاث وعشرين من رمضان، ثم انصرفت معه إلى بيته، فأُتيَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بطعام قليل في العين، وهو كثير طيب، قال: فطفقت أحطط ليشبع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كل يا عبد الله بن أنيس، فإني قد أرى ما تصنع، والله جاعل فيه بركة"، قال: فقلت: يا رسول الله إن أصحابي من بني سلمة قالوا: مَن رجل يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأله عن هذه الليلة التي نتحرى، فأخبرنا عنها يا رسول الله؟ قال:"اطلبوها يا عبد الله بن أنيس في هذه الليلة"، فلما انصرفت، قال:"اطلبوها يا عبد الله بن أنيس في العشر الأواخر".

قال عبد الله: فوقع في نفسي أنه لم يقل الذي قال إلا أنه خشي أن يتكل الناس عليها، قال: فكان عبد الله بن أنيس إذا كانت ثلاثة وعشرين من رمضان؛ نزل من أرضه من نقم، فيحييها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرف إلى أهله.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 17)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 268 - ط الرسالة).

قال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 212): "ورواه عبد الله بن قدامة الجمحي [كذا] عن عبد الله بن عبد الرحمن؛ فأخطأ فيه، وأظنه لم يسمعه منه".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عبد الملك بن قدامة، ولا يحتمل منه مخالفة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في إسناد هذا الحديث.

أبو بكر بن محمد: ثقة عابد مشهور، روى له الجماعة، بينما عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي: ليس بالقوي، نعم؛ وثقه ابن معين وابن المديني وغيرهما، لكن تكلم فيه جمهور النقاد، فمثلًا: قال البخاري: "تعرف وتنكر"، وقال أبو زرعة الرازي:"منكر الحديث"، وقال أبو حاتم:"ليس بالقوي، ضعيف الحديث، يحدث بالمناكير عن الثقات"، وقال الدارقطني:"مدني، يُترك"، وقد روى مناكير عن عبد الله بن دينار وأشياء غير محفوظة "التهذيب (2/ 621)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 74/ 297)، سؤالات ابن محرز (1/ 85/ 285)، سؤالات ابن الجنيد (222)، سؤالات ابن أبي شيبة (180)، سؤالات البرذعي (2/ 356)، المعرفة والتاريخ (1/ 230)، الجرح والتعديل

ص: 212

(5/ 362)، علل الحديث (6/ 185/ 2435)، المجروحين (2/ 135)، الكلا مل (5/ 309)، سؤالات البرقاني (301)، التقريب (496)، وقال:"ضعيف". وغيرها كثير].

ج- ورواه ابن أبي فديك [محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: مدني، صدوق]، قال: حدثني عبد العزيز بن بلال بن عبد الله بن أنيس [مجهول، روى عنه ثلاثة أحدهم متروك، وذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير (6/ 21)، الجرح والتعديل (5/ 378)، الثقات (8/ 393)، مغاني الأخيار (2/ 226)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 369)]، عن أبيه بلال بن عبد اللّه [مجهول، روى عنه ابنه عبد العزيز بن بلال، وذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير (2/ 107)، الجرح والتعديل (2/ 396)، الثقات (6/ 91)، مغاني الأخيار (1/ 120)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 97)]، عن عطية بن عبد الله [روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير (7/ 10)، الجرح والتعديل (6/ 383)، الثقات (5/ 262)، مغاني الأخيار (2/ 328)، الثقات لابن قطلوبغا (149/ 7)]، عن أبيه عبد الله بن أنيس، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن- ليلة القدر، فقال:"إني رأيتها فأُنسيتُها، فتحرَّها في النصف الآخر"، ثم عاد فسأله، فقال:"في ثلاث وعشرين تمضي من الشهر".

قال عبد العزيز: فأخبرني أبي [وفي رواية: فأخبرتني أمي]: أن عبد الله بن أنيس كان يحيي ليلة ست عشرة إلى ليلة ثلاث وعشرين، ثم تقصر.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 15)، والطحاوي (3/ 88)، والطبراني في الكبير (14/ 295/ 14930)، وفي الأوسط (6/ 338/ 568)[الإتحاف (6/ 497/ 6885)].

قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن عطية بن عبد الله إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن أبي فديك".

خالفه: يحيى بن محمد بن عبيد الجاري، قال: حدثني عبد العزيز بن بلال بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، عن خالدة بنت عبد الله بن أنيس، عن عبد اللّه بن أنيس؛ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ فقال:"رأيتُني أسجد في ماء وطين"، فقلت: بين لي متى أتحراها، فقال:"تحرَّها في النصف الأواخر"، قلت: في أي النصف الآخر؟ قال: "في ثلاث وعشرين".

أخرجه الطبراني في الكبير (14/ 294/ 14929)، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي [سكن بغداد: ثقة، اختلط في آخر عمره. سؤالات الحاكم (209)، تاريخ بغداد (2/ 233 - ط الغرب)، السير (13/ 545)، اللسان (6/ 513)]، قال: حدثنا بكر بن عبد الوهاب [المدني، ابن أخت الواقدي: صدوق]، قال: حدثنا يحيى بن محمد ابن عبيد الجاري به.

قلت: رواية ابن أبي فديك هي الصواب؛ فهو أشهر وأحفظ وأثبت من الجاري، وهو: يحيى بن محمد بن عبد الله بن مهران الجاري: قال العجلي ويحيى بن يوسف

ص: 213

الزِّمِّي: "ثقة"، وقال ابن عدي:"ليس بحديثه بأس"[راجع الكلام عن بعض إطلاقات ابن عدي، والتي تحمل على التعديل: فضل الرحيم الودود (8/ 333/ 755)]، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يُغرب"، ثم أعاد ذكره في المجروحين، وقال:"يروي عن الدراوردي، روى عنه مؤمَّل بن إهاب، كان ممن يتفرد بأشياء لا يتابع عليها، على قلة روايته، كأنه كان يهم كثيرًا، فمن هنا وقع المناكير في روايته، يجب التنكب عما انفرد من الروايات، وإن احتجَّ به محتجٌّ فيما وافق الثقات لم أر بذلك بأسًا"، قلت: ذكرُه في المجروحين أولى وأنسب لحاله من ذكره في عموم الثقات، فإن قليلَ الرواية إذا كان يهم كثيرًا في قلة ما يروي، وينفرد بما لا يُتابع عليه؛ فحري به أن يُضعَّف، لذا قال فيه البخاري إمام الصنعة:"يتكلمون فيه"، وهذا جرح شديد، يسقط روايته، ونقله عنه العقيلي فأدخله في ضعفائه، وأنكر عليه حديثًا، وقال:"وهذا الحديث لا يتابع عليه يحيى"، وبهذا يكون قد أدخله في الضعفاء: العقيلي وابن حبان وابن عدي وغيرهم، وساقوا الأدلة على ضعفه، وأما الدراقطني فإنه لما ذكره في العلل (87/ 13/ 2972) قال:"لا بأس به"، وذلك لما ذكر له رواية عن مالك خالف فيها أصحاب مالك، فرفعها، وزاد فيها ألفاظًا لم يأت بها غيره، وصرح الدارقطني بأن ما زاده الجاري هذا ليس بمحفوظ، وأن الصحيح عن مالك موقوف، فكيف يكون لا بأس به؟ لا سيما وقد لخص الذهبي القول فيه بقوله:"ليس بالقوي"[صحيح أبي عوانة (2/ 1 3868/ 47)، الضعفاء الكبير (428/ 4)، الجرح والتعديل (9/ 184)، الثقات (9/ 259)، المجروحين (3/ 130)، الميزان (4/ 406)، الكاشف (2/ 375)، إكمال مغلطاي (12/ 360)، التهذيب (4/ 386)، [فضل الرحيم الودود (13/ 109/ 1215)].

° والحاصل: فإن حديث ابن أبي فديك: إسناده ضعيف؛ لجهالة رواته، وقد انفرد عبد العزيز بن بلال بزيادة:"إني رأيتها فأُنسيتُها، فتحرَّها في النصف الآخر"، والله أعلم.

وروي من وجه آخر عن عطية بن عبد الله بن أنيس عن أبيه، ولا يثبت [أخرجه عبد الرزاق (4/ 251/ 7694) (4/ 75/ 7830 - ط التأصيل)، [وشيخ عبد الرزاق: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي: متروك، كذبه جماعة، [المسند المصنف (11/ 7/ 5124)].

د- ورواه محمد بن عبد اللّه الحضرمي [محمد بن عبد الله بن سليمان المعروف بمطين: ثقة حافظ]، قال: حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري [ثقة]، قال: حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الله بن أنيس، قال: حدثني بلال بن عبد اللّه بن أنيس، عن أبيه؛ أنه قال: يا رسول الله! أخبرني أية ليلة يبتغى فيها ليلة القدر؟ فقال: "لولا أن يتركَ الناسُ الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك، ولكن ابتغها في ثلاث وعشرين من الشهر".

أخرجه الطبراني في الكبير (14/ 289/ 14925).

ويحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد اللّه بن أنيس الأنصاري: روى عنه ابن معين

ص: 214

وأحمد بن حنبل، وقال أحمد:"كتبنا عنه، ولم يكن به بأس"، وأثنى عليه، وقال الدولابي في الكنى (1/ 104/ 215):"حدثنا إبراهيم بن يعقوب السعدي، قال: ثنا النفيلي، قال: ثنا يحيى بن عبد اللّه بن يزيد بن عبد اللّه بن أنيس الجهني؛ لا بأس به، ما كان أحسن عليه الثناء"، وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له في صحيحه، وقال ابن حجر:"صدوق"[الجرح والتعديل (9/ 163)، التهذيب (4/ 370)].

هكذا خالف يحيى بن عبد الله الأنيسي [وهو: لا بأس به، عبدَ العزيز بن بلال [وهو: مجهول] في إسناد هذا الحديث، فزاد فيه عبد العزيز رجلًا، والأقرب عندي إثباته؛ من جهتين: الأولى: أنها زيادة علم تدل على زيادة ضبط للإسناد، وكان الأسهل عليه إسقاطها، والثانية: أن الذي زادها ألصق بشيخه ممن تركها، فهو ابن الرجل؛ كما أن الرجل المزيد في الإسناد هو رجل من أهل بيتهم أيضًا، وحفظه له وضبطه لإسناده لا يستبعد؛ لما فيه من حفظ منقبة لجدهم الصحابي، وأنه بين فيه أن الذي حمل الحديث عن عبد اللّه بن أنيس هو ابنه عطية؛ لا ابنه بلال، وأن بلالًا لم يحمل هذا الحديث مباشرة عن أبيه، وإنما حمله عن أخيه عطية عن أبيه، واللّه أعلم.

غير أن يحيى هو الذي ضبط متن الحديث؛ لا عبد العزيز، حيث أتى فيه عبد العزيز بلفظة شاذة خلت منها رواية يحيى، والتي هي أقرب في عمومها لمن روى هذا الحديث عن عبد الله بن أنيس، والله أعلم.

وقد مضى معنا نظائر لهذا؛ في الجمع بين حديث رجلين أحدهما ضبط الإسناد، والآخر ضبط المتن [انظر: تصرف البخاري في الجمع بين حديثين في كل منهما علة، إحداهما في الإسناد والأخرى في المتن، أو كلاهما في الإسناد: راجع صحيح البخاري (382 - 384 و 663 و 1358 و 1359 و 1626 و 1984 و 3144 و 4344 و 4344 و 5404 و 5405 و 6243 و 7083)] [وقد سبق أن تكلمت عن بعض هذه الأحاديث في موضعها من فضل الرحيم الودود (1/ 74/ 21) و (8/ 57/ 711)، [وراجع الأحاديث المتقدمة التي راعيت فيها هذه القاعدة: (1322) و (1340)].

قلت: وهذا الحديث بطريقيه يمكن تحسينه، وتغتفر جهالة رواته لكونهم يروون قصة لجدهم فيها منقبة له، فهو أدعى لحفظهم لها، وضبطهم لإسنادها المتصل برواية أهل بيت الصحابي، لا سيما والحديث مشتهر بأسانيد متعددة بعضها أجود من بعض، والله أعلم.

د- وروى مالك رواه في موطئه (1/ 429/ 893)، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد اللّه؛ أن عبد الله بن أنيس الجهني قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إني رجل شاسع الدار، فمُرني ليلةً أنزِلُ لها، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"انزِلْ ليلةَ ثلاثٍ وعشرين من رمضان".

رواه من طريق مالك به: عبد الرزاق (4/ 250/ 7691)، والجوهري في مسند الموطأ (394)، والبيهقي في المعرفة (3/ 453 - 454/ 2626)، وفي الشعب (3/ 326/ 3675)،

ص: 215

وقال: "أرسله مالك عن أبي النضر هكذا". [الإتحاف (6/ 497/ 6885)، المسند المصنف (11/ 8/ 5124)].

قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 410): "وهذا حديث منقطع، ولم يلق أبو النضر عبد الله بن أنيس، ولا رآه، ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة، منها ما رواه الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ متصلًا".

هـ - ورواه عبد الله بن عمر [العمري: ليس بالقوي]، عن عيسى بن عبد الله بن أنيس [تابعي مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات، ولا يكاد يُعرف إلا بحديثين هذا أحدهما. الثقات (5/ 214)، التهذيب (3/ 360)]، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بليلة ثلاث وعشرين.

أخرجه عبد الرزاق (4/ 251/ 7692)(4/ 75/ 7828 - ط التأصيل)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (14/ 14919/285)[المسند المصنف (11/ 7/ 5124)].

وقد روى الترمذي في جامعه (1891) حديثًا لعيسى بن عبد الله، ثم قال:"هذا حديث ليس إسناده بصحيح، وعبد الله بن عمر العمري: يضعَّف من قِبل حفظه، ولا أدري سمع من عيسى أم لا".

قلت: وهذا الحديث من دلائل كون عيسى بن عبد الله بن أنيس هو الجهني الأنصاري، وأن عبد الله بن أنيس الأنصاري هو نفسه الجهني [انظر: التهذيب (2/ 304) و (3/ 360)]، والله أعلم.

والحاصل: فإن هذا الإسناد وإن كان ضعيفًا؛ إلا أنه صالح في المتابعات.

و- ورواه ابنُ لهيعة: حدثنا أبو الزبير، قال: أخبرني جابر؛ أن أمير البعث كان غالبًا الليثي، وقطبةَ بن عامر؛ الذي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم النخلَ وهو محرم، ثم خرج من الباب وقد تسوَّر من قبل الجدار، وعبدَ الله بن أنيس الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وقد خلت اثنان وعشرون ليلة، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"التمسوها في هذه السبع الأواخر التي بقين من الشهر". لفظ حسن [عند أحمد].

وقال أسد: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا أبو الزبير، قال: أخبرني جابر؛ أن عبد الله بن أنيس الأنصاري سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وقد خلت اثنتان وعشرون ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"التمسوها في هذه السبع الأواخر التي يبقين من الشهر".

أخرجه أحمد (3/ 336)، والطحاوي (3/ 85)[الإتحاف (3/ 420/ 3375)، المسند المصنف (5/ 2738/394)].

هكذا رواه عن ابن لهيعة: حسن بن موسى الأشيب [ثقة، من متثبتي أهل بغداد]، وأسد بن موسى [ثقة].

وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل ابن لهيعة، وهو صالح في المتابعات والشواهد، وتقدم الكلام على طرقه مفصلًا تحت الحديث السابق برقم (1378).

ص: 216

وهذا وإن كان من مسند جابر بن عبد الله؛ إلا أنه شاهد صالح لحديث عبد الله بن أنيس، ومما يؤكد شهرة هذه الواقعة عن ابن أنيس.

• وقد روي حديث عبد الله بن أنيس الجهني من وجوه أخرى لا تخلو من مقال [أخرجه عبد الرزاق (4/ 250/ 7689 و 7690) (4/ 74/ 7825 و 7826 - ط التأصيل)، وأبو يعلى (6/ 376/ 3712)، والضياء في المختارة (2601) [المسند المصنف (11/ 8/ 5124)].

° وحاصل ما تقدم: فإن حديث عبد الله بن أنيس قد جاءنا من طرق متعددة، فقد رواه عنه بنوه: ضمرة، وعطية، وبلال، وعيسى؛ وليس فيهم مجروح، ورواه عنه أيضًا: وهب بن محمد بن جد بن قيس، وعبد الله بن عبد الله بن خبيب، وعبد الرحمن بن كعب، كما قد روي عنه مرسلًا.

فهو حديث ثابت صحيح بمجموع هذه الطرق، حيث قد اشتهر عنه بالمدينة، ورواه عنه أهل بيته.

قال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 214): "يقال: إن ليلة الجهني معروفة بالمدينة؛ ليلة ثلاث وعشرين، وحديثه هذا مشهور عند خاصتهم وعامتهم".

° قال الطحاوي (3/ 89): "وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر عبد الله بن أنيس بتحري ليلة القدر في الليلة التي ذكرنا، على أن تحريه ذلك إنما تكون في تلك السنة كذلك لرؤياه التي كان رآها النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت قد تكون في غيرها من السنين بخلاف ذلك".

ولعبد الله بن أنيس في هذا حديث آخر، حيث يروي الواقعة التي رواها أبو سعيد الخدري؛ لكن وقع في حديثه ليلة ثلاث وعشرين، والصواب: ليلة إحدى وعشرين، كما في حديث أبي سعيد المتفق عليه:

رواه أبو ضمرة أنس بن عياض، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي:

عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن بسر بن سعيد، عن عبد الله بن أنيس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أُريتُ ليلة القدر، ثم أُنسيتُها، وأُراني صبحها أسجد في ماء وطين"، قال: فمُطرنا ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، فصلى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه، قال: وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاثَ وعشرين. لفظ أبي ضمرة [عند مسلم]، وفي رواية أبي ضمرة أيضًا [عند أبي نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 204/ 1180)]: قال في آخره: وكان عبد اللّه بن أنيس يقول: هي ليلة ثلاث وعشرين.

ولفظ الدراوردي [عند الطبراني في الكبير (14/ 300/ 14936)]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُريت ليلة القدر فأُنسيتُها، وإني أراني أسجد في ماء وطين"، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في ماء وطين، صبيحة ثلاث وعشرين.

ص: 217

أخرجه مسلم (1168)، وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (9/ 544/ 895)[المسند المصنف (11/ 10/ 5126)].

وقد قلت هناك: فكأني بمسلم يستنكر من هذه الرواية قول ابن أنيس فيها: ثلاث وعشرين، وذلك لكونها واقعة واحدة، وهي نفسها التي رواها أبو سعيد الخدري، وحديثه فيها أثبت من حديث عبد الله بن أنيس، وأنها وقعت ليلة إحدى وعشرين، والله أعلم.

ولعل عبد الله بن أنيس لما خصه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين، توهم أن الواقعة الأخرى التي رواها مثل ما رواها أبو سعيد وقعت ليلة ثلاث وعشرين، إنما كان وقوعها ليلة إحدى وعشرين، وفي قول بسر بن سعيد:"وكان عبد الله بن أنيس يقول: هي ليلة ثلاث وعشرين" ما يشير إلى هذا المعنى.

وقد جزم بوقوع الوهم في رواية ابن أنيس هذه أيضًا: أبو نعيم الحداد حيث قال في جامع الصحيحين (2/ 204/ 1180): "عندي أنها وهم؛ "لأنها بخلاف ما قبله، والمستفيض أنها كانت ليلة إحدى وعشرين، وهذا هو الخبر الذي مضى

"، يعني: حديث أبي سعيد.

ومما جاء في طلبها ليلة ثلاث وعشرين:

1 -

حديث أبي هريرة:

رواه أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وحفص بن غياث، وجرير بن عبد الحميد، ويعلى بن عبيد، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو بكر بن عياش، وسفيان الثوري [رواه عنه: النعمان بن عبد السلام، وهو: أصبهاني ثقة، وهو أرفع من روى عن الثوري من الأصبهانيين. وإسحاق بن يوسف الأزرق، وهو: ثقة وقد تحرف في مطبوعة علل الدارقطني إلى: ابن يونس، وقد صوبته؛ لأن راويه عنه: الحسن بن خلف البزاز معروف بالرواية عن الأزرق، كما في صحيح البخاري (4159)]:

عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم مضى من الشهر؟ "، قال: قلنا: مضت ثنتان وعشرون، وبقي ثمان، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"لا، بل مضت منه ثنتان وعشرون، وبقي سبع، اطلبوها الليلة". لفظ أبي معاوية [عند أحمد]. وزاد [عند ابن حبان بإسناد صحيح]: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهر هكذا وهكذا"، ثلاث مرات، عشرة عشرة مرتين، وواحدة تسعة. وزاد [عند البزار بإسناد صحيح]: ثم قال: "الشهر تسع وعشرون".

زاد حفص وجرير ويعلى وأبو إسحاق: "الشهر تسع وعشرون".

وفي رواية جرير [عند ابن خزيمة والبزار]: ذكرنا ليلة القدر عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"كم مضى من الشهر؟ " قلنا: مضى اثنان وعشرون، وبقي ثمان، قال:"لا، بل بقي سبع"، قالوا: لا، بل بقي ثمان، قال:"لا، بل بقي سبع"، قالوا: لا، بل بقي ثمان، قال:"لا، بل بقي سبع، الشهر تسع وعشرون"، ثم قال بيده، حتى عد تسعة وعشرين، ثم قال:"التمسوها الليلة".

ص: 218

وأظن هذا التكرار وهمًا من يوسف بن موسى القطان [عند ابن خزيمة والبزار]، فقد رواه إسحاق بن راهويه، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، كلاهما عن جرير بدون التكرار، كالجماعة [عند ابن حبان والقاسم المطرز].

أخرجه ابن ماجه (1656]، وابن خزيمة (3/ 326/ 2179)، وابن حبان (6/ 289/ 2548) و (8/ 233/ 3450)، وأحمد (2/ 251)، وابن أبي شيبة (2/ 332/ 9602)، والبزار (16/ 74/ 9126) و (16/ 75/ 9127)، والقاسم بن زكريا المطرز في فوائده (36 - 39)، والدارقطني في العلل (10/ 201/ 1971) و (10/ 202/ 1971)، وفي الأفراد (2/ 372/ 5754 - أطرافه)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (35)، والبيهقي (4/ 310)، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 534)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 386/ 1827)، وفي التفسير (4/ 511)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 385/ 1834). [التحفة (9/ 138/ 12551)، الإتحاف (14/ 532/ 18165)، المسند المصنف (31/ 623/ 14614)].

وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

خالفهم؛ فزاد في الإسناد ما ليس منه:

خلاد بن يزيد الجعفي [ضعيف]: حدثني أبو مسلم عبيد اللّه بن سعيد قائد الأعمش، عن الأعمش، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: ذكرنا ليلة القدر، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"كم مضى من الشهر؟ "، قلنا: اثنتان وعشرون وبقي ثمان، فقال:"مضى اثنتان وعشرون، وبقي سبع، اطلبوها الليلة، الشهر تسع وعشرون".

أخرجه القاسم بن زكريا المطرز في فوائده (40)، وأبو يعلى في المعجم (22)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (15)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (35)، والبيهقي (4/ 310).

وهذا حديث باطل بهذا الإسناد؛ أبو مسلم عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش، الجعفي الكوفي: ضعيف جدًا، عنده أحاديث موضوعة، ويروي عن الأعمش بواطيل، قال البخاري:"في حديثه نظر"، وقال أبو داود:"عنده أحاديث موضوعة"، وقال مرة:"ليس بشيء"، وقال العقيلي:"في حديثه عن الأعمش وهم كثير"، وقال ابن حبان:"كثير الخطأ، فاحش الوهم، ينفرد عن الأعمش ويغرب بما لا يتابع عليه"[سؤالات الآجري (125 و 230)، التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم [636]، ضعفاء العقيلي (3/ 121)، المجروحين (1/ 239)، علل الحديث (393 و 1577 و 1928)، علل الدارقطني (8/ 287/ 1573) و (13/ 91/ 2973) و (14/ 50/ 3412) و (14/ 166/ 3508)، أطراف الغرائب والأطراف (3357 و 3969 و 4019 و 5006 و 5755)، التهذيب (3/ 11)]، والراوي عنه: ضعيف.

قال الدارقطني في العلل (10/ 200/ 1971): "يرويه الأعمش، واختلف عنه:

ص: 219

فرواه أبو معاوية، وجرير، وأبو بكر بن عياش، وحفص بن غياث، وسليمان بن قرم، ويعلى بن عبيد، والثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

وقال أبو عوانة: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وابن عمر.

وقال أبو مسلم قائد الأعمش: عن الأعمش، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.

وقال أبو سمير حكيم بن خذام [متروك، منكر الحديث. اللسان (3/ 260)]: عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي هريرة؛ ولا يصح عن أبي ظبيان.

والصحيح: حديث أبي صالح، عن أبي هريرة".

قلت: الصواب: حديث جماعة الثقات عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

* والعجيب من الحاكم أنه أعل رواية ثقات أصحاب الأعمش، وفيهم أثبت الناس فيه، برواية رجلٍ لا يعتمد عليه في إثبات روايةٍ، فضلًا عن إثبات زيادةٍ في الإسناد ولا في المتن:

قال الحاكم في المعرفة بعد حديث يعلى بن عبيد عن الأعمش [وهي رواية الجماعة]: "لم يسمع هذا الحديثَ الأعمشُ من أبي صالح، وقد رواه أكثر أصحابه عنه هكذا منقطعًا".

ثم احتج على صحة دعواه برواية خلاد بن يزيد الجعفي [وهو: ضعيف]: حدثني أبو مسلم عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش [وهو: ضعيف جدًا، يروي الأباطيل عن الأعمش]، عن الأعمش، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة به مرفوعًا، وهي رواية منكرة باطلة، لا تسوي شيئًا؛ فضلًا عن أن يُحكم بها على رواية الثقات من أصحاب الأعمش، والله أعلم.

فكيف وقد صرح الأعمش بسماعه لهذا الحديث من أبي صالح؛ كما في رواية أبي بكر بن عياش [عند القاسم بن زكريا المطرز].

° قال ابن خزيمة: (باب: ذكر الخبر المفسر للدليل الذي ذكرت، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بطلبها ليلة ثلاث وعشرين مما قد مضى من الشهر، وكانت ليلة سابعة مما تبقى".

2 -

حديث أبي سعيد الخدري:

رواه عبد السلام بن حرب [ثقة حافظ]، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن سعيد بن عبد الملك، عن عمرو بن ثابت العتواري، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين".

أخرجه ابن حبان في الثقات (6/ 370).

عمرو بن ثابت العُتواري الليثي: سمع أبا سعيد الخدري وابن عمر، روى عنه ابناه محمد ونافع، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (6/ 318)، الجرح والتعديل (6/ 223)، الثقات (5/ 172)، التعجيل (781)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 335)].

ص: 220

والراوي عنه: سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي، يلقب بسعيد الخير: روى عنه جماعة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وكان متألهًا، وولي الغزو وإمارة فلسطين، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (3/ 497)، الجرح والتعديل (4/ 44)، الثقات (6/ 369)، تاريخ دمشق (21/ 213)، تاريخ الإسلام (3/ 421)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 498)].

وهذا حديث منكر؛ إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المدني: متروك، ذاهب الحديث [التهذيب (1/ 123)].

وقد روي من وجه آخر:

قال ابن أبي حاتم في العلل (3/ 90/ 714): "وسألت أبي عن حديث يحيى بن حسان التنيسي، عن عبد الله بن محمد بن أبي فروة، عن سعيد بن عبد الملك، عن عمر بن ثابت [كذا]، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ في ليلة القدر: "هي ليلة ثلاث وعشرين"؟

فقال أبي: عبد الله بن محمد بن أبي فروة هو: أبو علقمة الفروي [قلت: وهو ثقة]، وإنما هو: أبو علقمة، عن عمه إسحاق بن أبي فروة، عن سعيد بن عبد الملك، عن عمر بن ثابت [كذا]، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: إنما هو عمرو بن ثابت العتواري، كما جاء منسوبًا في رواية ابن حبان، وهو معروف بالرواية عن أبي سعيد الخدري.

وقد رجع الحديث مرة أخرى إلى إسحاق بن أبي فروة؛ فهو منكر، واللّه أعلم.

3 -

حديث ابن عمر:

رواه محمد بن علي بن سهل: حدثنا علي بن الجعد: حدثنا شعبة: حدثنا أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين".

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 296)(9/ 436/ 15741 - ط الرشد)، قال: حدثنا محمد بن علي بن سهل به.

قال ابن عدي بعد أن أخرجه في ترجمة شيخه: "وله غير هذا من الحديث ما كتبناه عنه مستقيمة، وسألت عنه بمرو فأثنوا عليه خيرًا، وأرجو أن لا بأس به"، لكن قال في فاتحة ترجمته:"ضعيف، وحدثنا بأحاديث لم يوافق عليها"، وعدَّ هذا الحديث منها.

وقد تعقبه الذهبي في الميزان (3/ 653) بقوله: "بل به كل البأس، فإن ابن عدي روى عنه حديثًا في ترجمة سعد بن طريف، وهو حديث باطل، رواه عن علي بن حجر، ما أرى الآفة إلا من ابن سهل هذا".

قلت: جميع رجاله ثقات "متفق على تخريج حديثهم في الصحيح، سوى علي بن الجعد، فقد أعرض مسلم عن تخريج حديثه، وسوى شيخ ابن عدي.

وهذا حديث باطل؛ تفرد به: محمد بن علي بن سهل الأنصاري المروزي، وهو:

ص: 221

ضعيف، روى أحاديث لم يتابع عليها، وهذا منها، واتهمه الذهبي [اللسان (7/ 365)، معجم شيوخ الإسماعيلي (1/ 493)، سؤالات حمزة السهمي (395)، تاريخ جرجان (396)، الكامل (6/ 296) (9/ 436 - ط الرشد)].

° والمعروف في هذا مرسل:

فقد رواه أحمد بن حنبل، قال: حدثنا محمد [يعني: ابن جعفر، غندر]، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر؛ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين".

قال شعبة: قال هشيم: حدث به أبو بشر عن نافع بن جبير.

أخرجه أبو جعفر القطيعي في جزء الألف دينار (132).

وهذا مرسل بإسناد صحيح.

4 -

مرسل سعيد بن المسيب [أخرجه عبد الرزاق (4/ 249/ 7686) (4/ 7823/73 - ط التأصيل)][بإسناد صحيح إلى ابن المسيب].

* * *

1381 -

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"التمسوها في العشر الأواخر من رمضان: في تاسعةٍ تبقى، وفي سابعةٍ تبقى، وفي خامسةٍ تبقى".

حديث صحيح

أخرجه من طريق موسى بن إسماعيل أبي سلمة التبوذكي: البخاري (2021)، والبيهقي في السنن (4/ 308)، وفي الشعب (6/ 235/ 3407)، وفي المعرفة (3/ 456/ 2632)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 202). [التحفة (4/ 540/ 5994)، المسند المصنف (12/ 98/ 5751)].

ولفظ البخاري: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى".

ثم قال البخاري في إثره: "تابعه عبد الوهاب عن أيوب".

* قلت: ولم ينفرد به أبو سلمة التبوذكي [ثقة ثبت]، فقد تابعه:

عفان بن مسلم [ثقة ثبت]، والمعلى بن أسد العمي [ثقة ثبت]:

حدثنا وهيب: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، أو سابعة تبقى، أو خامسة تبقى".

أخرجه أحمد (1/ 279/ 2520)، والطبرانى في الكبير (11/ 317/ 11858)، والبيهقي في الشعب (6/ 235/ 3407). [الإتحاف (7/ 502/ 8317)، المسند المصنف (12/ 98/ 5751)].

ص: 222

ولم ينفرد به وهيب عن أيوب؛ فقد تابعه:

أ- إسماعيل بن إبراهيم [هو: ابن عليه؛ ثقة ثبت، من أثبت الناس في أيوب السختياني]: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر، في تاسعة تبقى، أو خامسة تبقى، أو سابعة تبقى".

أخرجه أحمد (1/ 231/ 2052) و (1/ 360/ 3401). [الإتحاف (7/ 502/ 8317)، المسند المصنف (12/ 98/ 5751)].

ب - عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة، من أصحاب أيوب]، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوها في العشر الأواخر، في تاسعة تبقى، أو خامسة تبقى، أو سابعة تبقى".

أخرجه أحمد (1/ 365/ 3456)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (3/ 206 - التغليق)(4/ 262 - الفتح)، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 534)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 209/ 1189)، وابن حجر في التغليق (6/ 203). [الإتحاف (7/ 502/ 8317)، المسند المصنف (12/ 98/ 5751)].

قال ابن حجر في الفتح (4/ 262): "وصله أحمد وابن أبي عمر في مسنديهما عن عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي عن أيوب، متابعًا لوهيب في إسناده ولفظه، وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل عن إسحاق بن راهويه عن عبد الوهاب مثله، وزاد في آخره: "أو آخر ليلة""، قلت: وهي زيادة شاذة.

قلت: وحديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس هذا يمكن حمله على الحث على التماس ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وأنها أرجى ما تكون في ليلة إحدى وعشرين، أو في ليلة ثلاث وعشرين، أو في ليلة خمس وعشرين.

ويمكن حمله على المعنى الذي جاء به حديث ابن عمر من طرفي [ويأتي تخريجه بطرقه مفصلًا برقم (1385)]: "تحرَّوها في السبع الأواخر من شهر رمضان". وفي رواية: "التمسوها في السبع الأواخر".

وفي رواية: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرِّيها فليتحرَّها في السبع الأواخر". وفي رواية: "أُرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطليوها في الوتر منها".

وفي رواية: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعُف أحدُكم أو عجَز فلا يُغلَبنَّ على السبع البواقي".

وعلى هذا يصبح معنى حديث ابن عباس: التمسوها في العشر الأواخر، أو في التسع البواقي، أو في السبع البواقي، أو في الخمس البواقي، ويساعد على هذا التأويل: رواية أبي مجلز وعكرمة عن ابن عباس الآتية: "هي في العشر، في سبع يمضِين، أو في سبع يبقَين"، والله أعلم.

ص: 223

والأول عندي أولى؛ لمجموع ما ثبت عن ابن عباس في ذلك؛ أنه كان يراها في ليلة ثلاث وعشرين، وأنها في السابعة.

ورواه عبد الله بن محمد بن أبي الأسود البصري [ثقة حافظ]، ومحمد بن عقبة بن هرِم السدوسي البصري [ضعيف. التهذيب (3/ 649)]:

حدثنا عبد الواحد بن زياد [بصري، ثقة]: حدثنا عاصم الأحول، عن أبي مجلز [لاحق بن حميد]، وعكرمة، [وفي رواية محمد بن عقبة عند البيهقي وأبي نعيم الحداد: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من يعلم متى ليلة القدر؟]، قال: ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضِين، أو في سبع يبقَين"، يعني ليلة القدر.

أخرجه البخاري (2022)(3/ 136/ 2032 - ط التأصيل)، والبيهقي (4/ 309)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (9/ 202/ 1190). [التحفة (4/ 587/ 6135)، المسند المصنف (12/ 99/ 5752)].

* قال ابن حجر في الفتح (4/ 261): "قوله: "في تسع يمضين أو في سبع يبقين" كذا للأكثر بتقديم السين في الثاني وتأخيرها في الأول، وبلفظ المضي في الأول والبقاء في الثاني، وللكشمِيهَني بلفظ المضي فيهما، وفي رواية الإسماعيلي بتقديم السين في الموضعين".

قلت: وكذا وقع برواية الأكثر عند عبد الحق الإشبيلي في الجمع بين الصحيحين (2/ 183/ 1805)، ووقع من رواية الكشميهني وغيره عند الحميدي في الجمع بين الصحيحين (2/ 135/ 1150):"هي في العشر، في سبع يمضين، أو في سبع يبقين".

كما وقع أيضًا من رواية الأصيلي والقابسي عند المهلب بن أبي صفرة في المختصر النصيح (2/ 91/ 703): "هي في العشر، هي في سبع يمضين، أو في سبع يبقين".

وكذا وقع في رواية محمد بن عقبة السدوسي [عند أبي نعيم الحداد].

قلت: وهذه الرواية أقرب إلى الصواب، وهكذا رواه عفان، وهو: ثقة متقن.

رواه عفان بن مسلم [ثقة ثبت]، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد: حدثنا عاصم الأحول، عن لاحق بن حميد، وعكرمة، قالا: قال عمر: من يعلم متى ليلة القدر؟ قالا: فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي في العشر، في سبعٍ يمضِين، أو سبع يبقَين".

أخرجه أحمد (1/ 281/ 2543). [الإتحاف (8/ 131/ 9069)، المسند المصنف (12/ 99/ 5752)].

يعني: أن ليلة القدر تلتمس في العشر الأواخر، وهي أرجى في سابعة تمضي، وهي ليلة سبع وعشرين، أو في سابعة تبقى، وهي ليلة ثلاث وعشرين.

ويحتمل أن يكون المراد: هي أرجى في السبع الأوائل منها، أو في السبع الأواخر منها، والله أعلم.

ص: 224

والأول عندي أولى؛ لمجموع ما ثبت عن ابن عباس في ذلك؛ أنه كان يراها في ليلة ثلاث وعشرين، وأنها في السابعة.

° قال ابن حجر في الفتح (4/ 261) بعد أن ذكره من طريق عفان وغيره: "وبهذا يظهر عود الضمير المبهم في رواية الباب، وقد توقف الإسماعيلي في اتصال هذا الحديث؛ لأن عكرمة وأبا مجلز ما أدركا عمر، فما حضرا القصة المذكورة، والجواب: أن الغرض منه أنهما أخذا ذلك عن ابن عباس، فقد رواه معمر عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس، وسياقه أبسط من هذا كما سنذكره، وإن كان موصولًا عن ابن عباس؛ فهو المقصود بالأصالة، فلا يضر الإرسال في فصة عمر، فإنها مذكورة على طريق التبع؛ أن لو سلمنا أنها مرسلة".

* وقال ابن حجر أيضًا: "وقد اعترض على تخريجه هذا الحديث من وجه آخر: فإن المرفوع منه قد رواه عبد الرزاق موقوفًا؛ فروى عن معمر، عن قتادة وعاصم؛ أنهما سمعا عكرمة، يقول: قال ابن عباس: دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر، قال ابن عباس:

" فذكر الحديث، ثم قال: "فعلى هذا: فقد اختلف في رفع هذه الجملة ووقفها، فرجح عند البخاري المرفوع، فأخرجه وأعرض عن الموقوف، وللموقوف عن عمر طريق أخرى: أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده، والحاكم، من طريق عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس، وأوله: أن عمر كان إذا دعا الأشياخ من الصحابة، قال لابن عباس:

" فذكره.

قلت: أما قول أبي مجلز لاحق بن حميد، وعكرمة: قال عمر: من يعلم متى ليلة القدر؟؛ فهو محمول على الاتصال؛ حيث أخذا ذلك عن ابن عباس، وأنه هو الذي أخبرهما بذلك.

وأما الاختلاف في رفع هذا الحديث ووقفه، فسوف نرجئ الكلام عنه قليلًا.

° قال البخاري بعد حديث عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول (2022): "وعن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: التمسوا في أربع وعشرين"[التحفة (4/ 563/ 6063)].

قلت: وصله إسحاق بن راهويه [ثقة حافظ]، قال: أخبرنا الثقفي [يعني: عبد الوهاب بن عبد المجيد: ثقة]: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"التمسوا ليلة القدر في أربع وعشرين".

أخرجه ابن نصر المروزي في قيام الليل (256 - مختصره).

لكنه رواه مرفوعًا؛ وإنما علقه البخاري عن ابن عباس موقوفًا.

* وقد رواه سلام بن سليم [أبو الأحوص: ثقة متقن]، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتيت في منامي في رمضان وأنا نائم، فقيل لي: الليلة ليلة القدر، فاستيقظت، فإذا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلي، فأخدت بطنب الفسطاط، فإذا هي ليلة أربع وعشرين، فنظرت إلى الشمس صبيحتها، فإذا ليس لها شعاع.

ص: 225

أخرجه الطيالسي (4/ 392/ 2790).

هكذا رواه أبو داود سليمان بن داود الطيالسي [ثقة حافظ]، عن أبي الأحوص به، فوهم في قوله:"فإذا هي ليلة أربع وعشرين".

* خالفه: أبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان بن أبي شيبة، وعفان بن مسلم، ومسدد بن مسرهد، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، ولوين محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي [وهم ثقات حفاظ]:

حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أُتيت وأنا نائم في رمضان، فقيل لي: إن الليلة ليلة القدر، قال: فقمت وأنا ناعسٌ، فتعلقت [زاد الطيالسي: رجلي] ببعض أطناب فسطاط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنظرت في الليلة، فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين.

قال: وقال ابن عباس: إن الشيطان يطلع مع الشمس كل ليلة، إلا ليلة القدر، وذلك أنها تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها.

أخرجه مسدد في مسنده (7/ 503/ 8321 - إتحاف)، وابن أبي شيبة (2/ 250/ 8666)(5/ 402/ 8904 - ط الشثري)، و (2/ 325/ 9523)(6/ 62/ 9778 - ط الشثري)، وأحمد (1/ 255/ 2302) و (1/ 282/ 2547)، ولوين في جزئه (35)، والبلاذري في أنساب الأشراف (4/ 59)، والطبراني في الكبير (11/ 233/ 11777)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (133)(1152 - المخلصيات)، والبيهقي في فضائل الأوقات (1104، وفي الدلائل (7/ 33)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 214)، وإسماعيل الأصبهاني في التركيب والترهيب (2/ 385/ 1832)، وابن عساكر في المعجم (322)، والضياء في المختارة (12/ 83 و 84/ 94 و 95). [الإتحاف (7/ 503/ 8321)، المسند المصنف (12/ 100/ 5755)].

خالف أبا الأحوص جماعةٌ:

أ- فرواه أسباط بن نصر [ليس بالقوي، قال الساجي: "روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب". التهذيب (1/ 109)]، فرواه عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 250/ 8672)(5/ 404/ 8910 - ط الشثري)، و (2/ 326 / 9538)(6/ 66/ 9793 - ط الشثري)، والطبراني في الكبير (2/ 227/ 1941)[المسند المصنف (4/ 586/ 2324)].

من طريق: عمرو بن حماد بن طلحة [القناد: صدوق، قال الساجي: "عنده مناكير". التهذيب (3/ 265)]، عن أسباط به.

ب - ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا شعبة،

ص: 226

عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين".

أخرجه الطبراني في الصغير (285)، وفي الكبير (2/ 220/ 1906)، وابن المظفر في غرائب شعبة (98).

قال الطبراني: "لم يروه عن شعبة إلا محمد بن أبي شيبة وجادة في كتابه".

وهذا غريب جدًا من حديث شعبة؛ تفرد به محمد بن أبي شيبة، وليس من أصحابه، وهو: محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خُواستي العبسي، قال أحمد:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، وتوثيق ابن معين له لا يثبت؛ حيث إن في الإسناد إليه: محمد بن حميد بن سهيل المخرمي، وهو: ضعيف [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 469/ 2306)، سؤالات أبي داود (424)، التاريخ الكبير (1/ 25)، الجرح والتعديل (7/ 185)، الثقات (7/ 440)، تاريخ بغداد (2/ 265)، التهذيب (3/ 491)][تاريخ بغداد (3/ 67)، تاريخ الإسلام (8/ 197)].

والحاصل: فإنه حديث غير محفوظ سندًا ومتنًا.

ج - ورواه أبو داود سليمان بن داود الطيالسي [ثقة حافظ]، وعبد الرحمن بن شريك [قال فيه أبو حاتم:"هو واهي الحديث"، وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال:"ربما أخطأ"، وقال ابن عدي:"يغرب على أبيه". التهذيب (2/ 516)، الكامل (4/ 19)]، وخلاد بن يزيد الجعفي [ضعيف]:

عن شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ؛ يخطئ كثيرًا]، عن سماك، عن جابر بن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر". لفظ الطيالسي.

ولفظ عبد الرحمن بن شريك [عند عبد الله بن أحمد والبزار]: "التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، في وتر، فإني قد رأيتها فنُسِّيتها، هي ليلة مطر وريح"، أو قال:"قطر وريح".

ولفظ خلاد بن يزيد [عند الطبراني]: "أُريت ليلة القدر فأُنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر"، وقال:"وهي ليلة ريح ومطر ورعد".

أخرجه الطيالسي (2/ 132/ 815)، وأحمد (5/ 86 و 88)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على مسند أبيه (5/ 98)، والبزار (10/ 185/ 4265 و 4266) و (10/ 186/ 4267)، والطبراني في الكبير (2/ 231/ 1962)، والدارقطني في الأفراد (1/ 343/ 1883 - أطرافه)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 57)، وفي الاستذكار (3/ 407)[الإتحاف (3/ 100/ 12589)، المسند المصنف (4/ 586/ 2324)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه عن سماك إلا شريك، ولا نعلم أحدًا يرويه بهذا اللفظ عن شريك إلا عبد الرحمن بن شريك عن أبيه".

ص: 227

وقال الدارقطني: "تفرد به شريك عنه، ولا أعلم رواه عنه غير ابنه عبد الرحمن".

قلت: ليست التبعة فيه على عبد الرحمن بن شريك؛ فإنه لم ينفرد عن أبيه بهذا اللفظ، وقد تابعه عليه: خلاد بن يزيد؛ كما عند الطبراني (1962).

نعم لم يأت بهذه الزيادة: أبو داود الطيالسي، لكن شريك بن عبد اللّه النخعي: كان سيئ الحفظ، كثير الأوهام، فلعله أتي من سوء حفظه، وكثرة وهمه، فضلًا عن كون شريك لم يكن من طبقة من سمع من سماك قديمًا، مثل: سفيان الثوري وشعبة وزهير بن معاوية وزكريا بن أبي زائدة وزائدة بن قدامة وإسرائيل، ومن كان في طبقتهم؛ فلعل هذه الزيادة مما تلقنها سماك، والله أعلم.

كذلك فقد اختلف في إسناده على شريك، ويأتي ذكره في طرق حديث ابن عباس.

د- ورواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]: ثنا سليمان بن معاذ، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر".

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 245/ 2027).

قلت: سليمان بن معاذ؛ هو: سليمان بن قرم بن معاذ، نسبه أبو داود الطيالسي إلى جده، وهو: سيئ الحفظ، ليس بذاك [التهذيب (2/ 105)].

° قلت: والحاصل: فإن هذا الحديث لا يثبت من مسند جابر بن سمرة، إذ لم أقف له على إسناد واحد صحيح، ولم يروه عن سماك أحد من قدماء أصحابه، وكل من قال فيه: عن سماك عن جابر؛ لا يعتمد قوله، حيث سلك فيه الجادة والطريق السهل.

فلا يثبت من حديث شعبة، وشريك: كثير الخطأ والوهم، وكذلك سليمان بن قرم، وأسباط بن نصر: ليس بالقوي، روى عن سماك بن حرب أحاديث لا يتابع عليها.

وعليه: فإن حديث عبد الرحمن بن شريك، وخلاد بن يزيد: عن شريك بن عبد الله النخعي، عن سماك، عن جابر بن سمرة مرفوعًا:"التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، في وتر، فإني قد رأيتها فنسِّيتها، هي ليلة مطر وريح"، أو قال:"قطر وريح".

ولفظ خلاد بن يزيد: "أُريت ليلة القدر فأُنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر"، وقال:"وهي ليلة ريح ومطر ورعد".

حديث منكر؛ لم يروه عن شريك سوى ابنه عبد الرحمن، وخلاد بن يزيد، على سوء حفظ شريك، وتلقين سماك.

وسماك بن حرب: صدوق، تُكُلم فيه لأجل اضطرابه في حديث عكرمة خاصة، وكان لما كبر ساء حفظه؛ فربما لُقِّن فتلقن، وأما رواية القدماء عنه فهي مستقيمة، قال ابن المديني:"روايته عن عكرمة مضطربة، فسفيان وشعبة يجعلونها عن عكرمة، وأبو الأحوص وإسرائيل يجعلونها عن عكرمة عن ابن عباس"، وقال يعقوب بن شيبة:"وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا -مثل شعبة وسفيان -فحديثهم عنه: صحيح مستقيم" [انظر: الأحاديث المتقدمة برقم

ص: 228

(68 و 375 و 447، 622 و 656) وغيرها، [تاريخ دمشق (41/ 97)، شرح علل الترمذي (2/ 797)، التهذيب (3/ 517)، الميزان (2/ 232)].

قلت: أبو الأحوص هو أحفظ وأثبت من روى عن سماك هذا الحديث؛ فلا عبرة برواية من خالفه فيه؛ وعليه: فليس هو مما اضطرب فيه سماك عن عكرمة، حيث لم يختلف عليه أصحابه، ولم يروه أحد من القدماء بخلاف ما رواه أبو الأحوص.

فالذي يغلب على ظني رجحان رواية أبي الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، من ثلاثة أوجه:

الأول: أن مسلمًا قد أكثر في صحيحه من الاستشهاد برواية أبي الأحوص عن سماك في المتابعات والشواهد [انطر: صحيح مسلم (139 و 499 و 643 و 670 و 862 و 866 و 887 و 1385 و 2763 و 2923 و 2977)].

كما أني وقفت على مواضع كثيرة في تخريج السنن، وجدت فيها أبا الأحوص يتابع أصحاب سماك القدماء كسفيان وشعبة وغيرهما، أعني: أن حديثه عن سماك مستقيم غالبًا.

° وهذا وغيره مما يدل على أن رواية أبي الأحوص عن سماك: الأصل فيها أنها محفوظة من حديث سماك قبل التلقين، أو أنها مما لم يلقَّنه سماك، فالأصل فيها القبول؛ حتى يتبين لنا فيها الغلط، فتُردُّ حينئذ، ونحن نسلم بأن لأبي الأحوص عن سماك بعض الأوهام، كما ذكر ابن المديني، لكن لم نحكم فيها بالوهم على أبي الأحوص إلا بمخالفة من كان في طبقته أو في طبقة أعلى منه في سماك، مثل سفيان وشعبة وزائدة وزكريا وزهير، والله أعلم.

والوجه الثانى: أن أبا الأحوص قد حفظ فيه عن ابن عباس قصة تؤكد ضبطه للرواية عن سماك.

والوجه الثالث: أن حديث عكرمة عن ابن عباس هذا له ما يشهد له من وجوه أخر، بينما حديث جابر بن سمرة، لم أره من وجه آخر يقوي حديث الجماعة عن سماك عن جابر، لا سيما مع اختلاف ألفاظهم، واضطرابهم فيه، واشتمال بعضها على ألفاظ منكرة، والله أعلم.

* فقد روى أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى". [وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري (2021)].

وموضع الشاهد منه: "في سابعة تبقى"، وهي ليلة ثلاث وعشرين.

* وروى عاصم الأحول، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، وعكرمة، قال: ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي في العشر الأواخر، هي في سبع يمضِين، أو في سبع يبقَين". [وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري (2022)].

وموضع الشاهد منه: "في سبع يبقين"، وهي ليلة ثلاث وعشرين.

ص: 229

* وروى معاذ بن هشام: حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه! إني شيخ كبير عليل، يشق عليَّ القيام، فمرني بليلة لعل اللّه يوفقني فيها لليلة القدر، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"عليك بالسابعة".

وهو حديث صحيح غريب، يأتي ذكره قريبًا، وموضع الشاهد منه: أن السابعة تحتمل التي تبقى، وهي ليلة ثلاث وعشرين.

وبناءً على ما تقدم: فإن حديث أبي الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتيت وأنا نائم في رمضان، فقيل لي: إن الليلة ليلة القدر، قال: فقمت وأنا ناعسٌ، فتعلقت ببعض أطناب فسطاط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنظرت في الليلة، فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين.

قال: وقال ابن عباس: إن الشيطان يطلع مع الشمس كل ليلة، إلا ليلة القدر، وذلك أنها تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها.

حديث صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يصلي ليلة ثلاث وعشرين، والتي رأى ابن عباس في منامه أنها ليلة القدر.

* وقد صح عن ابن عباس أنه كان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين:

فقد روى يحيى بن سعيد القطان [ثقة حجة إمام]، وعبد الرزاق بن همام [ثقة حافظ]:

عن ابن جريج، قال: حدثني عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، قال: كان يرش الماء على أهله ليلة ثلاث وعشرين.

أخرجه أحمد في العلل (2/ 399/ 2780)، وعبد الرزاق (4/ 249/ 7686)، وابن أبي شيبة (2/ 252/ 8688) و (2/ 326/ 9541).

وهذا صحيح عن ابن عباس موقوفًا عليه، بإسناد على شرط الشيخين [انظر: التحفة (4/ 490 - 492/ 5864 - 5868)].

° وهم فيه وهمًا قبيحًا، حيث خالف ثقات أصحاب ابن جريج؛ فرفعه:

أبو بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان [ضعيف، له غرائب]، فرواه عن ابن جريج، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرش على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين.

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 128/ 11259)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (40).

وسئل عنه أبو زرعة الرازي؛ فقال: "هذا خطأ؛ إنما هو: ابن عباس؛ أنه كان يوقظ أهله، موقوف"[لعلل (3/ 138/ 760)].

نرجع بعد ذلك إلى حديث عكرمة عن ابن عباس: في سبع يمضين، أو سبع يبقين [الذي أخرجه البخاري، واعترض عليه في وصله وإرساله، وفي رفعه ووقفه]:

ص: 230

أ- فقد روى معمر بن راشد، عن قتادة، وعاصم؛ أنهما سمعا عكرمة، يقول: قال ابن عباس: دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا أنها في العشر الأواخر، قال ابن عباس: فقلت لعمر: إني لأعلم، أو إني لأظن أي ليلة هي؟، قال عمر: وأي ليلة هي؟ فقلت: سابعة تمضي، أو سابعة تبقى من العشر الأواخر، فقال عمر: ومن أين علمت ذلك؟ فقال: خلق اللّه سبع سماوات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإن الدهر يدور في سبع، وخلق الله الإنسان من سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطواف بالبيت سبع، ورمي الجمار سبع، لأشياء ذكرها، فقال عمر: لقد فطنتَ لأمر ما فطنا له.

وكان قتادة يزيد على ابن عباس في قوله: يأكل من سبع، قال: هو قول الله: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا} الآية [عبس: 27، 28].

أخرجه عبد الرزاق (4/ 246/ 7679)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (10/ 264/ 10618)، والبيهقي في السنن (4/ 313)، وفي الشعب (6/ 3413/242)، وفي فضائل الأوقات (103)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 211). [المسند المصنف (22/ 251/ 10065)].

قلت: معمر بن راشد: ثقة ثبت في الزهري وابن طاووس، إلا أنه كان سيئ الحفظ لحديث قتاد؛ لأنه إنما جلس إليه وهو صغير فلم يحفظ عنه، وفي حديثه عن العراقيين -أهل الكوفة وأهل البصرة-: ضعف [انظر: المعرفة والتاريخ (2/ 281)، علل الدارقطني (4/ ق 40)، تاريخ دمشق (59/ 414)، شرح علل الترمذي (2/ 698 و 1774].

ب - ورواه رشدين بن سعد [ضعيف]: نا ابن ثوبان [هو: الحسن بن ثوبان: مصري، صدوق]، قال: سئل عكرمة عن ليلة القدر، فقال: سمعت ابن عباس، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في السبع الأواخر من رمضان".

قلت لابن عباس: أي ليلة هي؟ قال: لا أراها إلا ليلة السابعة من آخر الشهر، لأن الله عز وجل خلق الإنسان على سبعة أصناف، فقال:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} إلى قوله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14]، ثم جعل رزقه في سبعة أصناف:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)} وإلى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31} [عبس 24: 31]، ثم تصلى الجمعة على رأس سبعة أيام كرامة لدينه وعيدًا، وجعل السموات سبعًا، وجعل الأرضين سبعًا، وجعل المثاني سبعًا، فلا أرى ليلة القدر إلا ليلة السابعة.

أخرجه أبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 535).

هكذا روى موضع الشاهد موقوفًا على ابن عباس، ورشدين: ضعيف.

ج- ورواه محمد بن فضيل، وعبد اللّه بن إدريس، وعبد الواحد بن زياد، وزائدة بن قدامة، وصالح بن عمر الواسطي [وهم ثقات]:

عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان عمر يدعوني مع

ص: 231

أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول لي: لا تكلم حتى يتكلموا، قال: فدعاهم فسألهم عن ليلة القدر، فقال: أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر [وترًا] "، أي ليلة ترونها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال آخر: خمس، وأنا ساكت، قال: فقال: ما لك لا تتكلم؟ قال: قلت: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت، قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم، قال: فقلت: أحدثكم برأيي؟ قال: عن ذلك نسألك، قال: فقلت: السبع، رأيت الله عز وجل ذكر سبع سماوات، ومن الأرض سبعًا، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع، قال: فقال: هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم؟ ما هو قولك: نبت الأرض سبع؟ قال: فقلت: إن الله يقول: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا} ، إلى قوله {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} ، والأب نبت الأرض مما يأكله الدواب، ولا يأكله الناس، قال: فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه بعد؟ إني والله ما أرى القول إلا كما قلت، وقال: قد كنت أمرتك أن لا تكلم حتى يتكلموا، وإني آمرك أن تتكلم معهم. لفظ ابن فضيل.

ولفظ ابن إدريس: كان عمر يسألني مع الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: لا تكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن ليلة القدر، فقال: لقد علمتم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "اطلبوها في العشر الأواخر وترًا"، ثم ذكر قصة ابن عباس مع عمر.

ولفظ زائدة [عند أحمد والطوسي] مختصر: قال عمر: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم ملتمسًا ليلة القدر، فليلتمسها في العشر الأواخر وترًا [من رمضان] ".

وفي رواية له [عند يعقوب بن شيبة، والطحاوي]: "التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وترًا".

ولفظ عبد الواحد [عند أحمد مختصرًا]: كان عمر رضي الله عنه إذا دعا الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم، فقال: لا تتكلم حتى يتكلموا، قال: فدعانا ذات يوم، أو ذات ليلة، فقال: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم، فالتمسوها في العشر الأواخر وترًا، ففي أي الوتر ترونها؟.

وحديثه بتمامه [عند يعقوب بن شيبة]: قال: ثنا عاصم بن كليب، قال: حدثني أبي، عن خالي الفلتان بن عاصم الجرمي، قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فجلس وفي وجهه الغضب، ثم جعل وجهه يسفر، فقال:"إني نبئت بليلة القدر، ومسيح الضلالة، فخرجت لأبينها لكم فلقيت بسدة المسجد رجلين يقتتلان أو يتلاحيان فحجزت بينهما فنُسِّيتها وسأشدو لكم منها شدوًا: أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وترًا، وأما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين عريض المنخر، كأنه فلان بن عبد العزى أو عبد العزى بن فلان".

قال أبي: فحدثت به ابن عباس، فقال: ما أعجبك من ذاك، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دعى الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم، وقال: لا تبدأ

ص: 232

بالكلام، فدعانا ذات ليلة أو ذات يوم، فقال: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم، "فالتمسوها في العشر الأواخر وترًا"، ففي أي الوتر ترونها؟ فقال رجل: تاسعة سابعة خامسة ثالثة، فقال لي: يا ابن عباس ما لك لا تتكلم؟ قلت: إن شئت تكلمت، فقال: ما دعوتك إلا لتتكلم، قلت: أقول برأيي، قال: عن رأيك أسألك؟ فقلت: إني سمعت الله عز وجل أكثر ذكر السبع، فقال: السموات السبع، والأرضين السبع، حتى قال: وما أنبتت الأرض السبع، فقال {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} [عبس: 26 - 31]، فالحدائق كل ملتف، وكل ملتف حديقة، والأبُّ ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس، فقال عمر رضي الله عنه: عجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم تستو شؤون رأسه، وقال عبد الواحد مرة: شواة رأسه.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 322/ 2172) و (3/ 323/ 2173)، والحاكم (1/ 438)(2/ 347/ 1614 - ط الميمان) و (3/ 539)(8/ 64/ 6430 - ط الميمان)، وأحمد (1/ 14/ 85) و (1/ 43/ 298)، وإسحاق بن راهويه (4/ 262 - الفتح)(3/ 265/ 3394 - ط التأصيل)، وابن أبي شيبة (2/ 250/ 8670)(5/ 403/ 8908 - ط الشثري) و (2/ 324/ 9510)(6/ 58/ 9763 - ط الشثري)، ويعقوب بن شيبة في العاشر من مسند عمر (165 و 166)، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي في زياداته على سيرة ابن إسحاق (131)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 283 و 284)، وإبراهيم بن إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 869)، والبزار (1/ 327/ 210)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (253 - مختصره)، وأبو يعلى (165 و 168)، وابن جرير الطبري في جامع البيان (24/ 121)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (3/ 461/ 735)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 91)، وفي المشكل (14/ 370/ 5686)، وابن منده في التوحيد (1/ 202/ 69)، والبيهقي في السنن (4/ 313)، وفي الشعب) (6/ 3412/241)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 210) و (23/ 64)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 277)، والضياء في المختارة (1/ 276/ 166) و (1/ 277/ 167). [الإتحاف (7/ 692/ 8770) و (12/ 235/ 15481)، و (12/ 249/ 15515)، المسند المصنف (22/ 10065/250)].

قال علي بن المديني: "هو حديث صالح، ليس مما يسقط، وليس مما يحتج به، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبيت هذا الحديث"[مسند الفاروق (1/ 441)].

وقال يعقوب بن شيبة: "وحديثه في ليلة القدر: حديث إسناده وسط، ليس بالثبت ولا الساقط، هو صالح، رواه عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضًا عن أبيه عن ابن عباس عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال علي بن المديني: وعاصم بن كليب: صالح، ليس ممن يسقط، ولا ممن يحتج به، وهو وسط، فرواه عن عاصم بن كليب: زائدة بن قدامة، وعبد الله بن إدريس، وصالح بن عمر،

ص: 233

وعبد الواحد بن زياد، فرووه جميعًا عن عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم الجرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاختصرنا ما كان منه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتركنا ما روى منه الفلتان بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يأتي في موضعه إن شاء الله، ونذكر منها حديثًا واحدًا بطوله عن عبد الواحد بن زياد، ليعرف وجه الاختصار إن شاء الله، وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثثبت هذا الحديث".

وقال أبو علي الطوسي: "وهذا حديث حسن".

قلت: هو حديث جيد، ويشهد له حديث معمر بن راشد، عن قتادة وعاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس. وحديث عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهو الحديث الآتي.

د- ورواه عبد اللّه بن إدريس [ثقة]، وإسحاق بن يوسف الأزرق [ثقة]:

عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي [ثقة، روى له مسلم عن سعيد بن جبير]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله؛ إلا أنه قال: الأب: مما أنبتت الأرض مما لا يأكله الناس، وتأكله الأنعام.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 324/ 2174)، والحاكم (1/ 438)(2/ 347/ 1614 - ط الميمان)، وابن جرير الطبري في جامع البيان (24/ 121)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 209). [الإتحاف (7/ 692/ 8770) و (12/ 235/ 15481)، المسند المصنف (22/ 251/ 10065)].

وهذا حديث صحيح؛ لكني لم أقف على لفظه.

هـ- ورواه محمد بن يونس الكديمي: ثنا أبو بكر الحنفي [عبد الكبير بن عبد المجيد البصري: ثقة]: ثنا عبيد الله بن موهب المدني [عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب: ليس بالقوي.

انظر: التهذيب (3/ 18)، إكمال مغلطاي (9/ 43)، الميزان (3/ 12)، التاريخ الأوسط (3/ 284/ 450)، الذكر والدعاء بتخريجي (142)] عن محمد بن كعب القرظي [ثقة، سمع ابن عباس. التاريخ الكبير (1/ 216)]، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه؛ أن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه جلس في رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين، فذكروا ليلة القدر، فتكلم منهم من سمع فيها بشيء مما سمع، فتراجع القوم فيها الكلام، فقال عمر: ما لك يا ابن عباس صامت لا تتكلم؟ تكلم ولا تمنعك الحداثة، قال ابن عباس: فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى وتر يحب الوتر، فجعل أيام الدنيا تدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، وخلق أرزاقنا من سبع، وخلق فوقنا سماوات سبعًا، وخلق تحتنا أرضين سبعًا، وأعطى من المثاني سبعًا، ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، وقسم الميراث في كتابه على سبع، ونقع في السجود من أجسادنا على سبع، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعًا، وبين الصفا والمروة سبعًا، ورمى الجمار بسبع

ص: 234

لإقامة ذكر الله مما ذكر في كتابه، فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان، والله أعلم، فتعجب عمر وقال: ما وافقني فيها أحد عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلا هذا الغلام الذي لم تستو شؤون رأسه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوها في العشر الأواخر"، ثم قال: يا هؤلاء من يؤديني في هذا كأداء ابن عباس؟.

أخرجه أبو القاسم الحرفي في الأمالي (76)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 317)، وأبو اليمن ابن عساكر في أحاديث شهر رمضان (27).

قلت: وهذا موضوع بهذا الإسناد؛ محمد بن يونس الكديمي: كذاب، يضع الحديث.

• والحاصل: فإن قصة عمر بن الخطاب في جمعه الأشياخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤالهم عن ليلة القدر؟ وإحضار ابن عباس لسؤاله عن رأيه في ذلك، وإجابة ابن عباس بأنها: سابعة تمضي، أو سابعة تبقى من العشر الأواخر؛ كما أنها اشتملت على حديث عمر مرفوعًا:"التمسوها في العشر الأواخر وترًا"، وإجماع الحاضرين من أشياخ الصحابة على ذلك: هو حديث صحيح، تعددت طرقه ومخارجه إلى ابن عباس.

فهل يُعارض به حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس المرفوع، وحديث عاصم الأحول عن أبي مجلز وعكرمة عن ابن عباس المرفوع؟

فالجواب: لا معارضة بينهما؛ فإن ابن عباس إنما سأله عمر عن رأيه، ولم يسأله عن علمه في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث إنه دلل برأيه على صحة كونها أرجى ما تكون في السابعة، لأجل تكرر ذكر السبع في موارد الشرع.

ثم إن الذي أوقفه من حديث عكرمة: معمر بن راشد، وقد علمت حاله في قتادة وعاصم، وأهل العراق عمومًا، بينما رفعه عن عاصم: عبد الواحد بن زياد، وهو: بصري ثقة، وأهل البلد أعلم بحديث أهلها من الغرباء، لا سيما من تُكلم فيهم مثل معمر حيث كان يستضعف في حديثه عن أهل العراق.

كما أن عبد الواحد هو ممن روى الحديثين جميعًا عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا، مما يعني أنه قد ضبط الرواية وفصل بين الحديثين.

وقد تابع عاصمًا الأحول على رواية الرفع: أيوب السختياني، أحد حفاظ وأعيان أهل البصرة، وهو: ثقة ثبت حافظ حجة، حتى قال فيه ابن مهدي:"أيوب حجة أهل البصرة"، وقد قدمه بعضهم على إمام المتثبتين مالك بن أنس [التهذيب (1/ 200)].

كذلك فإن رواية أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس المرفوعة تؤيد رواية من رفعوه، وبذلك يظهر جليًا: أن لا اعتراض على البخاري في إخراج حديث: أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"االتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى".

ولا في إخراج حديث: عبد الواحد بن زياد: حدثنا عاصم الأحول، عن أبي مجلز،

ص: 235

وعكرمة، قال: ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "هي فى العشر الأواخر، هي قي سبع يمضِين، أو في سبع يبقَين".

ويدل ذلك أيضًا على ثبوت حديث: أبي الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أُتيت وأنا نائم في رمضان، فقيل لي: إن الليلة ليلة القدر، قال: فقمت وأنا ناعسٌ، فتعلقت ببعض أطناب فسطاط رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنظرت في الليلة، فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين.

ومما يُثبِت الرفعَ أيضًا من حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس:

و- ما رواه إحمد بن حنبل، وعبيد الله بن عمر القواريري، ومحمد بن المثنى [وهم ثقات حفاظ]، ويزيد بن سنان أبو خالد القزاز البصري نزيل مصر [ثقة]:

عن معاذ بن هشام: حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه! إني شيخٌ كبيرٌ عليلٌ، يشقُّ عليٌ القيام، فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عليك بالسابعة".

أخرجه أحمد (1/ 240/ 2149)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (256 - مختصره)، والطبراني في الكبير (11/ 246/ 11836)، وابن عدي في الكامل (6/ 433)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 230)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (33)(1052 - المخلصيات)، وفي المنتقى من سبعة أجزاء من حديثه (8)(3047 - المخلصيات)، والبيهقي في السنن (4/ 313)، وفي الشعب (6/ 243/ 3414)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 213)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 246 - ط الغرب)، وابن أبي الصقر في مشيخته (49)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 385/ 1833)، وقاضي المارستان في مشيخته (221)، وابن عساكر في المعجم (294)، وأبو طاهر السلفي في التاسع والعشرين من مشيخته (23)(2397 - مشيخة المحدثين البغدادية)، والضياء في المختارة (12/ 236 - 237/ 262 - 264). [الإتحاف (7/ 501/ 8314)، المسند المصنف (12/ 100/ 5754)].

قال أبو القاسم البغوي: "ولا أعلم روى هذا الحديث بهذا الإسناد غير معاذ بن هشام، وهو ابن سَنبَر أبو بكر الدستوائي".

صحح إسناده ابن عبد البر، وقال:"يريد سابعة تبقى واللّه أعلم، وذلك محفوظ في حديث ابن عباس؛ إذ ذكر ما خص الله على سبع من خلقه، ثم قال: وما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين".

وقال ابن حجر في الإتحاف: "وإسناده صحيح، وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو عبد الله بن أنيس الجهني، قاله ابن عبد البر".

قلت: هو حديث صحيح غريب، ويحمل على معنى ما رواه أيوب عن عكرمة، وموضع الشاهد منه:"في سابعة تبقى"، وهي ليلة ثلاث وعشرين، وعلى ما رواه عاصم

ص: 236

الأحول عن أبي مجلز وعكرمة، وموضع الشاهد منه:"في سبع يبقين"، وهي ليلة ثلاث وعشرين، أو:"في سبع يمضِين"، وهي ليلة سبع وعشرين.

ز- وروى زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر:"ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة".

قلت: هو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1378).

ح- وروى الحسين بن إسحاق التستري [ثقة حافظ رحال، أكثر عنه الطبراني. تاريخ دمشق (14/ 39)، طبقات الحنابلة (1/ 380)، السير (14/ 57)، تاريخ الإسلام (21/ 157)]: ثنا يحيى الحماني [هو: ابن عبد الحميد: حافظ؛ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث، وكان يحفظ حديث شريك]: ثنا شريك [هو: ابن عبد اللّه النخعي: صدوق، سيئ الحفظ؛ يخطئ كثيرًا]، عن عبد الملك بن أبي بشير [بصري، نزل المدائن: ثقة]، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 299/ 1796).

قلت: إسناده ليس بذاك.

ولعل الأشبه بالصواب: ما رواه أبو داود الطيالسي وغيره، عن شريك، عن سماك، عن جابر بن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر".

أخرجه الطيالسي (2/ 132/ 815)، وغيره [تقدم قريبًا].

لكنه حديث شاذ، فلعل هذا من تخليط شريك، وسوء حفظه، واللّه أعلم.

ط- وروى عبيدة بن حميد [كوفي، صدوق]، وجرير بن عبد الحميد [كوفي، ثقة]: عن قابوس، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليهم مسرعًا [ونحن قعود]، قال: حتى أفزعنا من سرعته، فلما انتهى إلينا [سلم؛ ثم] قال:"جئت مسرعًا أخبركم بليلة القدر فأُنسيتها بيني وبينكم، ولكن التمسوها في العشر الأواخر من رمضان".

أخرجه أحمد (1/ 259/ 2352)، والبخاري في الأدب المفرد (813)، والطبراني في الكبير (12/ 110/ 12621)، والضياء في المختارة (9/ 544 - 545/ 535 و 536). [الإتحاف (7/ 47/ 7301)، المسند المصنف (12/ 99/ 5753)].

قلت: أبو ظبيان: حصين بن جندب: ثقة، من الثانية، سمع ابن عباس وجرير بن عبد اللّه البجلي، واختلف في سماعه من علي، وقد رآه وروى عنه [انظر: فضل الرحيم الودود (2/ 253/ 160)، التاريخ الكبير (3/ 3)، المراسيل (177)، تحفة التحصيل (78)].

وإنما الشأن في ابنه قابوس؛ فقد اختلف فيه، فقال جرير بن عبد الحميد:"أتينا قابوس بعد فساده"، وقال أيضًا:"نفق قابوس، نفق قابوس"، وقال أيضًا: "لم يكن قابوس

ص: 237

من النقد الجيد"، وحدَّث يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي عن الثوري عنه، ثم ضربا على حديثه، ووثقه ابن معين في رواية الدوري وابن أبي مريم وزاد الأخير: "جائز الحديث"، وقال في رواية ابن طهمان: "ليس به بأس"، وضعفه في رواية عبد اللّه بن أحمد عنه، وقال أحمد: "ليس هو بذاك"، وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، لين، يكتب حديثه، ولا يحتج به"، وقال أيضًا: "لم يكن قابوس بالقوي"، وقال النسائي: "ليس بالقوي"، وقال ابن سعد: "فيه ضعف، لا يحتج به"، وقال ابن خزيمة لما أخرج له حديثًا في صحيحه: "إن كان قابوس بن أبي ظبيان يجوز الاحتجاج بخبره؛ فإن في القلب منه"، وقال ابن حبان: "يروي عن أبيه، وأبوه ثقة، روى عنه الثوري وأهل الكوفة، كان رديء الحفظ، يتفرد عن أبيه بما لا أصل له، ربما رفع المراسيل، وأسند الموقوف"، وقال الدارقطني: "ضعيف، ولكن لا يُترَك"، وقال العجلي: "كوفي، لا بأس به"، وقال يعقوب بن سفيان: "ثقة"، وقال ابن عدي: "أحاديثه متقاربة، وأرجو أنه لا بأس به" [طبقات ابن سعد (6/ 339)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 1308/274)، معرفة الرجال لابن محرز (2/ 223/ 763)، من كلام أبي زكريا في الرجال (193)، العلل ومعرفة الرجال (771 و 4018)، التاريخ الكبير (7/ 193)، معرفة الثقات (1493)، المعرفة والتاريخ (3/ 214)، ضعفاء النسائي (519)، صحيح ابن خزيمة (865)، ضعفاء العقيلي (3/ 489) (3/ 393 - ط التأصيل)، الجرح والتعديل (7/ 145)، العلل لابن أبي حاتم (943)، الكامل (6/ 48)، سؤالات البرقاني (418)، الضعفاء لابن شاهين (521)، الثقات له (1169)، من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه (38)، بيان الوهم (4/ 626/ 2183) و (4/ 660/ 2221) و (5/ 81/ 2324 - 2326)، تاريخ الإسلام (9/ 254)، التهذيب (3/ 406)].

قلت: والحاصل من كلام الأئمة في قابوس: أنه ليس بالقوي، لين الحديث، لا يحتج به، وهو صالح في الشواهد والمتابعات، والله أعلم.

وحديثه هذا قد انفرد فيه عن ابن عباس بالقصة المذكورة، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"جئت مسرعًا أخبركم بليلة القدر فأُنسيتها بيني وبينكم"، والذي لم يتابع عليه من وجه يصح، فهو حديث شاذ بهذا السياق، وإنما يُعرف بنحو هذا السياق، أو قريبًا منه: من حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله الفلتان بن عاصم [تقدمت الإشارة إليه في طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس، ويأتي تخريجه قريبًا]، وكذلك من حديث عبادة بن الصامت [أخرجه البخاري (49 و 2023 و 6049)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1372)]، ومن حديث أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري [أخرجه مسلم (1167/ 217)، ويأتي برقم (1383)]، والله أعلم.

وأما طرفه الأخير: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان": فهو ثابت من حديث عكرمة عن ابن عباس، كما تقدم.

ص: 238