المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌320 - باب فيمن قال: ليلة إحدى وعشرين - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٦

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌320 - باب فيمن قال: ليلة إحدى وعشرين

وأحب أن أشير في نهاية هذا البحث في طرق حديث ابن عباس في ليلة القدر: أن رواية خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال:"التمسوا ليلة القدر في أربع وعشرين": رواية شاذة، خالف فيها خالد بن مهران الحذاء [وهو: ثقة] أصحاب عكرمة؛ أيوب السختياني، وعاصم بن سليمان الأحول، وسماك بن حرب، وقتادة، وهم جميعًا ثقات، ولم يقل أحد منهم:"في أربع وعشرين"، والله أعلم.

* * *

‌320 - باب فيمن قال: ليلة إحدى وعشرين

1382 -

. . . يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتى إذا كانت ليلةَ إحدى وعشرين، وهي الليلةُ التي يخرج فيها من اعتكافه، قال:"من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثم أُنسيتُها، وقد رأيتني أسجد [من] صبيحتها في ماءٍ وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر".

قال أبو سعيد: فمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوَكَفَ المسجد، فقال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثرُ الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين.

حديث متفق على صحته

أخرجه البخاري (2018 و 2027)، ومسلم (1167/ 213 و 214)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (9/ 539/ 895).

وله شاهد من حديث عبد الله بن أنيس:

رواه الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن بسر بن سعيد، عن عبد اللّه بن أنيس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أُريتُ ليلة القدر، ثم أُنسيتُها، وأُراني صبحها أسجد في ماء وطين"، قال: فمُطرنا ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، فصلى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه.

أخرجه مسلم (1168)، وسبق ذكره تحت الحديث رقم (1380)، وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (9/ 544/ 895).

والصواب: ليلة إحدى وعشرين، كما في حديث أبي سعيد المتفق عليه؛ لاتفاق الواقعة، وعدم تعددها، وقد جزم بوقوع الوهم في رواية ابن أنيس هذه: أبو نعيم الحداد

ص: 239

حيث قال في جامع الصحيحين (2/ 204/ 1180): "عندي أنها وهم؛ لأنها بخلاف ما قبله، والمستفيض أنها كانت ليلة إحدى وعشرين"، واللّه أعلم.

* * *

1383 -

. . . عبد الأعلى: حدثنا سعيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة".

قال: قلت: يا أبا سعيد، إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل، قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون، فالتي تليها التاسعة، وإذا مضى ثلاث وعشرون، فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون، فالتي تليها الخامسة.

قال أبو داود: لا أدري أخفي عليَّ منه شيءٌ، أم لا؟.

حديت صحيح

أخرجه مسلم (217/ 1167)، وابن حزم في المحلى (7/ 34)، والبيهقي في الشعب (6/ 237/ 3409). [التحفة (3/ 456/ 4332) و (3/ 459/ 4343)، المسند المصنف (28/ 314/ 12725)].

رواه عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي: محمد بن المثنى [أبو موسى الزمن: ثقة ثبت]، وأبو بكر بن خلاد [محمد بن خلاد بن كثير الباهلي: ثقة].

وعبد الأعلى: ثقة، ممن روى له الشيخان عن سعيد بن إياس الجريري، قال ابن معين لما سئل عن رواية عبد الأعلى ويزيد بن زريع عن الجريري:"هؤلاء كتبوا قبل أن ينكرا على الجريري وسعيد"، يعني: ابن أبي عروبة [سؤالات ابن طهمان (328)].

وقال العجلي في معرض كلامه عمن سمع من الجريري قبل الاختلاط: "وعبد الأعلى أصحهم سماعًا، سمع منه قبل أن يختلط بثماني سنين"[معرفة الثقات (576)].

ولفظه عند مسلم بتمامه: اعتكف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، يلتمس ليلة القدر قبل أن تُبانَ له، فلما انقضَينَ أَمَر بالبناء فقُوِّضَ، ثم أُبينَت له أنها في العشر الأواخر، فأَمَر بالبناء فأُعيدَ، ثم خرج على الناس، فقال:"يا أيها الَناس، إنها كانت أُبِينت لي ليلةُ القدر، وإني خرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان يحتقَّان معهما الشيطان، فنُسِّيتُها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة".

قال: قلت: يا أبا سعيد، إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل، نحن أحق بذلك منكم، قال قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون، فالتي تليها ثنتين وعشرين وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون، فالتي تليها السابعة، فإذا

ص: 240

مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة. وقال ابن خلاد مكان يحتقَّان: يختصمان.

• تنبيه: وهم المزي تبعًا لأبي مسعود الدمشقي وخلف الواسطي في الأطراف؛ حيث جعلوا حديث مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة عن أبي نضرة، وإنما هو عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة.

قال البيهقي في السنن بعد أن رواه من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن أبي مسعود الجريري به، قال:"أخرجه مسلم في الصحيح، عن محمد بن مثنى وغيره، عن عبد الأعلى، عن سعيد الجريري".

وقال في الشعب بعدما أخرجه من طريق أبي داود: "رواه مسلم عن محمد بن المثنى، أتم من ذلك"، ولم ينبه على كون سعيد المذكور في إسناد مسلم ليس هو الجريري.

وقال ابن حجر في النكت الظراف (3/ 462 - حاشية التحفة): "قال شيخنا [يعني: الحافظ زين الدين العراقي]: وليس كما قالا، بل هو سعيد بن إياس الجريري، هكذا رويناه في كتاب الصيام ليوسف القاضي، من طريق الجريري منسوبًا عنه مسمى، ولأن الجريري معروف بالرواية عن أبي نضرة، بخلاف سعيد بن أبي عروبة، وقد ذكر البخاري في التاريخ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن حبان في الثقات: رواية الجريري عن أبي نضرة، ولم يذكر واحد منهم رواية ابن أبي عروبة عن أبي نضرة". [وانظر: حاشية التحفة (3/ 460 - ط الغرب)].

قلت: وسعيد بن أبي عروبة لا يعرف بالرواية عن أبي نضرة مباشرة، إنما يروي عنه بواسطة قتادة، وكذلك وقع في صحيح مسلم في مواضع [انظر على سبيل المثال: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 302/ 3452) و (7/ 394/ 36880)، مسند أحمد (3/ 22)، الأدب المفرد (585)، صحيح مسلم (18 و 672 و 1996)، مسند أبي يعلى (1291)، مسند الروياني (862)، صحيح ابن خزيمة (1508)، مسند السراج (1279 و 1285)، مسند أبي عوانة (1270 و 2826 و 8034)، شرح المعاني (2/ 68)، علل ابن أبي حاتم (247)، المعجم الكبير (7/ 233/ 6970)، علل الدارقطني (11/ 331/ 2319) و (12/ 152/ 5852)، وغيرها كثير] [فضل الرحيم الودود (61 و 589)].

• ورواه إسماعيل بن عليه، وخالد بن عبد الله الواسطي، ويزيد بن زريع، وبشر بن المفضل [وهم ثقات أثبات، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق]:

عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، وهو يلتمس ليلة القدر قبل أن تُبان له، فلما انقضَين أمر بالبناء فنُقض، ثم أُبينت أنها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأُعيد، واعتكف العشر الأواخر، فخرج على الناس، فقال: "إني أُنبئت [وفي رواية: إنها أُبِينت لي] ليلة

ص: 241

القدر، فخرجت لأخبركم بها فجاء رجلان [يختصمان] معهما الشيطان فنُسِّيتُها، فالتمسوها في التاسعة وفي السابعة وفي الخامسة". لفظ إسماعيل، وزاد خالد وعبد الوهاب تفسير أبي سعيد للعدد، قال: قلت: يا أبا سعيد، إنكم أعلم بالعدد منا، فأي ليلة التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: أجل، ونحن أحق بذاك، إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، فالتي تليها هي التاسعة، ثم دع ليلة، ثم التي تليها السابعة، ثم دع ليلة، ثم التي تليها الخامسة، قال: أبا سعيد، التي تسمونها أربعاً وعشرين، وستاً وعشرين، واثنتين وعشرين.

ووقع في رواية الواسطي [عند ابن حبان بإسناد صحيح]: قلت: يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا، فأي ليلة التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا كان ليلة واحد وعشرين ثم دع ليلةً، ثم التي تليها هي السابعة، ثم دع ليلةً والتي تليها هي الخامسة.

وزاد الواسطي والخفاف:

قال الجريري: وحدثني أبو العلاء، عن مطرف؛ أنه سمع معاوية يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والثالثة".

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 401/ 3391)، وأبو عوانة (2/ 257/ 3564)(8/ 4 25/ 3285 - ط الجامعة الإسلامية)، وابن خزيمة (3/ 324/ 2176)، وابن حبان (8/ 420/ 3661) و (43/ 878/ 3687)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 256/ 2668)، وأحمد (3/ 10)، وأبو يعلى (2/ 334/ 1076) و (2/ 488/ 1324)، والبيهقي في السنن (4/ 308)، وفي فضائل الأوقات (96)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 201) و (22/ 295)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 208/ 1872). [التحفة (3/ 456/ 4332)، الإتحاف (5/ 427/ 5702)، المسند المصنف (28/ 314/ 12725)].

° ثم انفرد الطيالسي [سليمان بن داود بن الجارود: ثقة حافظ، غلط في أحاديث]، فرواه عن حماد بن سلمة [ثقة، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه]، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين".

أخرجه الطيالسي (3/ 622/ 2281)، ولم يتابع عليه.

وهذا حديث شاذ؛ والمحفوظ: ما رواه الجماعة عن الجريري.

° ورواه عفان بن مسلم، وأسد بن موسى، وأبو داود الطيالسي [وهم ثقات]:

عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر، تسعاً يبقَين، وسبعاً يبقَين، وخمساً يبقَين". لفظ أسد.

ولفظ الطيالسي: "التمسوها لسبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين".

ولفظ عفان [عند أحمد]: "اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر، في تسع يبقَين، وسبع يبقَين، وخمس ييقَين، وثلاث يبقَين".

أخرجه الطيالسي (3/ 621/ 2280)، وأحمد (3/ 71)، والطحاوي في شرح المعاني

ص: 242

(3/ 90)، وفي المشكل (14/ 100/ 5482). [الإتحاف (5/ 5603/369) و (5/ 428/ 5703)، المسند المصنف (28/ 316/ 12726)].

وهذا حديث جيد.

قال ابن حبان: "الأمر بالتماس ليلة القدر في الليالي المعلومة المذكورة في الخبر أمرُ نفلٍ، أُمر من أجل سبب، وهو مصادفة ليلة القدر، فمتى صودفت في إحدى الليالي المذكورة سقط عنه طلبها في سائر الليالي".

• ثم انفرد الطيالسي عنهما؛ فرواه عن حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين".

أخرجه الطيالسي (3/ 622/ 2281)، ولم يتابع عليه.

وهذا حديث شاذ؛ والمحفوظ: ما رواه عفان وغيره عن حماد.

* وروي مثله من حديث أبي هريرة، ولا يثبت؛ إنما جاء من حديث معاوية:

رواه خالد بن عبد الله الواسطي الطحان [ثقة ثبت، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه، وروى له الشيخان من حديثه عن الجريري]، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف؛ أنه سمع أبا هريرة ، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله، وزاد:"الثالثة".

أخرجه ابن خزيمة (3/ 325/ 2177). [الإتحاف (5/ 427/ 5702) (15/ 601/ 19971)، المسند المصنف (28/ 314/ 12725)].

قال ابن خزيمة: حدثنا إسحاق بن شاهين أبو بشر الواسطي [لا بأس به]، حدثنا خالد به.

• قلت: خالفه: وهب بن بقية [واسطي، ثقة، مكثر عن خالد الواسطي]، قال: أخبرنا خالد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد،

فذكر الحديث، ثم قال: قال الجريري: فحدثني أبو العلاء، عن مطرف، أنه سمع معاوية يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والثالثة".

أخرجه أبو يعلى (1076)، ومن طريقه: ابن حبان (3661).

• ورواه محمود بن محمد الواسطي [ثقة؛ إلا أنه خلط في آخر عمره، وقيل: إنه اعتل قبل موته ومنع الناس من الدخول إليه. معجم أبي بكر الإسماعيلي (392/ 3/ 783)، سؤالات السلمي (316)، سؤالات السهمي (367)، تاريخ بغداد (15/ 113 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (7/ 126 - ط الغرب)، السير (14/ 242)،: ثنا وهب بن بقية: أنا خالد بن عبد الله، عن سعيد الحراني [كذا قال، وهو تحريف من: الجريري]، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير [يعني: أبا العلاء]، عن مطرف، عن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين".

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 349/ 814).

قلت: وعليه: فرواية وهب بن بقية أشبه بالصواب، حين جعله من مسند معاوية، وقد

ص: 243

رواه قتادة عن مطرف عن معاوية، وهو الحديث الآتي برقم (1386)، ويأتي الكلام عليه، والحكم عليه هناك.

• ورواه عبد الوهاب بن عطاء، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد،

فذكر الحديث، وقال في آخره: قال الجريري: فأخبرني أبو العلاء، عن مطرف، أنه قال:"وفي الثالثة".

أخرجه أبو عوانة (2/ 257/ 3064)(8/ 254/ 3285 - ط الجامعة الإسلامية)، قال: حدثنا الصاغاني أمحمد بن إسحاق الصغاني، وهو: ثقة ثبت حافظ،: حدثنا عبد الوهاب به.

• وقد رواه البيهقي في السنن (4/ 308)، بإسناد صحيح إلى: يحيى بن أبي طالب [وثقه الدارقطني وغيره ، وتكلم فيه جماعة، وقد سبق ذكره مراراً. اللسان (8/ 423 و 452)، تاريخ بغداد (14/ 220)، السير (12/ 619)]: أنبأ عبد الوهاب بن عطاء، عن الجريري بحديث أبي سعيد، ثم قال: قال أبو مسعود [يعني: الجريري]: وأخبرني أبو العلاء، عن مطرف، عن معاوية؛ أنه قال:"وفي الثالثة".

وهذا الوجه أولى بالصواب؛ فإنه معروف من حديث مطرف عن معاوية، ويأتي تخريجه مفصلاً برقم (1386) إن شاء الله تعالى.

° قال ابن خزيمة (3/ 326): "خبر أبي سعيد: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة إحدى وعشرين، وإن جبينه وأرنبة أنفه لفي الماء والطين من هذا الجنس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أعلمهم أنه رأى أنه يسجد صبيحة ليلة القدر في ماء وطين، فكانت ليلة إحدى وعشرين الوتر مما مضى من الشهر، فيشبه أن يكون رمضان في تلك السنة كان تسعاً وعشرين، فكانت تلك الليلة التاسعة مما بقي من الشهر، الحادية والعشرين مما مضى منه".

* فإن قيل: كلام أبي سعيد في تفسير العدد يخالف ذلك، وأن التاسعة التي تبقى هي ليلة اثنتين وعشرين،

إلى آخر ما قال، فيقال: الحجة عندنا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

فإن رواية أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة".

تفسرها رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط

فذكر الحديث إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر".

فقام قوله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في كل وتر"، مقام قوله في الرواية الأخرى:"التمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة"، مفسراً ومبيناً له.

كذلك فإن التاسعة الباقية المذكورة في هذا الحديث بعينه قد وقعت فعلاً موافقة لليلة إحدى وعشرين فيما مضى من الشهر، كما نص على ذلك أبو سعيد نفسه، في رواية أبي سلمة عنه، وبعض الروايات يزيد هذا المعنى وضوحاً، فمنها: "وإني أُريتُها ليلةَ وترٍ، وإني

ص: 244

أسجد صبيحتها في طينٍ وماءٍ"، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح، وجبينه ورَوثَة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر.

ونحن إذا قلنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم عنى بالوتر التاسعة التي تبقى، والسابعة التي تبقى، والخامسة التي تبقى، على الدوام في كل شهر يأتي؛ سواء كان ناقصاً أم تاماً؛ لم يكن له معنى لعموم المكلفين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن عموم المكلفين إذا طلبوها في الأوتار من العشر، فليس لهم سوى سبيل واحد، وهو عد الليالي فيما مضى من الشهر، لا فيما بقي؛ لكون الأخير مما اختص الله بعلمه، من تمام الشهر أو نقصانه، وأما عده فيما مضى فهو ما يمكن المكلف فعله، ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها.

وكذلك في حديث أبي هريرة السابق ذكره تحت الحديث رقم (1380)[وهو حديث صحيح على شرط الشيخين]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم مضى من الشهر؟ "، قال: قلنا: مضت ثنتان وعشرون، وبقي ثمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا، بل مضت منه ثنتان وعشرون، وبقي سبع، اطلبوها الليلة"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الشهر هكذا وهكذا"، ثلاث مرات، عشرة عشرة مرتين، وواحدة تسعة. وفي رواية:"الشهر تسع وعشرون".

وكذلك في حديث أبي ذر المتقدم برقم (1375)[وهو حديث صحيح]: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم لم يقم بنا الليلة الرابعة، وقام بنا الليلة التي تليها [ليلة الخامسة] حتى ذهب نحو من شطر الليل، قال: فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له بقية ليلته"، ثم لم يقم بنا [ليلة] السادسة، وقام بنا [ليلة] السابعة، وقال: وبعث إلى أهله [ونسائه]، واجتمع الناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.

وهذا الحديث يؤكد أن الشهر كان ناقصاً في تلك السنة، وأن الليالي التي صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها: هي ليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين.

وبناء على هذه الأحاديث يمكن تفسير الأحاديث الواردة في الباب، في طلب ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى، في ثالثة تبقى، يعني على الترتيب الوارد: في ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وهكذا، بناء على نقصان الشهر وعدم تمامه، يعني في ليالي الوتر من العشر بحسابها فيما مضى من الشهر، والله أعلم.

° وهذا هو نفس ما ذهب إليه مالك في تفسيرها:

قال مالك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة"؛

ص: 245

قال: "أرى -واللّه أعلم- أنه إنما أراد بالتاسعة من العشر الأواخر: ليلة إحدى وعشرين، والسابعة: ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة: ليلة خمس وعشرين"[المدونة (1/ 239)، التمهيد (2/ 02 2)].

° أو يكون البناء على ما تيقنوه من الشهر، فالشهر إما أن يكون تاماً ثلاثين يوماً، أو ينقص يوماً فيصبح تسعةً وعشرين، فاليقين هو البناء على الأقل، وهو التسعة والعشرون، وقد استدل ابن رجب بحديث أبي هريرة المذكور سلفاً على ذلك فقال:"فهذا يدل على أنه تشريع عام، وإنه حسب الشهر على تقدير نقصانه أبداً؛ لأنه المتيقن، كما ذهب إليه أيوب ومالك وغيرهما، وعلى قولهما: تكون ليلة سابعة تبقى ليلة ثلاث وعشرين، وليلة خامسة تبقى ليلة خمس وعشرين، وليلة تاسعة تبقى ليلة إحدى وعشرين"[لطائف المعارف (196)].

قلت: فإن قيل: ألا يحتج على هذا المعنى، وهو التشريع العام بحساب الشهر على تقدير نقصانه: بحديث حميد عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد آلى من نسائه شهراً، فمكث تسعاً وعشرين ليلة ثم ترك، فقالوا: يا رسول الله، أليس آليت شهراً؟ قال:"الشهر تسع وعشرون".

وفي رواية: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهراً، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة له تسعاً وعشرين ليلة ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله آليت شهراً؟ فقال: "الشهر تسع وعشرون"[أخرجه البخاري (378 و 1911 و 2469 و 5201 و 5289 و 6684)].

وقد روى هذه القصة جمع من الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب، وجاء في آخر حديثه وهو مطول جداً: فلما مضت تسع وعشرون، دخل على عائشة، فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً، وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعُدُّها عدًّا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الشهر تسع وعشرون"، وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين،

الحديث [أخرجه البخاري (2468 و 5191)، ومسلم (1479/ 134)، لكنه أسند موضع الشاهد من حديث عائشة (1475/ 35)].

فدل قول عائشة على أن لام التعريف في الشهر إنما هي للعهد، يعني: الشهر الذي آلى فيه نساءه، وعلى هذا شراح الحديث، وعليه فلا ينبغي الاحتجاج بهذه الواقعة على كون الشهر إنما يحسب ناقصاً أبداً، وأن ذلك تشريع دائم.

• وقد روي حديث أبي سعيد من طريق أخرى واهية:

أخرجه عبد الرزاق (4/ 248/ 7683 و 7684)(4/ 72 و 73/ 7818 - 7820 - ط التأصيل)[المسند المصنف (28/ 316/ 12727)، [وفي إسناده: أبو هارون العبدي، عمارة بن جوين، وهو: متروك، كذبه جماعة. التهذيب (3/ 207)].

* وقد روي بعضه من طريق أخرى:

رواه محمد بن العلاء [أبو كريب: ثقة حافظ]: حدثنا يونس بن بكير [كوفي،

ص: 246

صدوق]، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط [مدني تابعي ثقة]، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: "يا أيها الناس! إني قد كنت أريت ليلة القدر، وقد انتزعت مني، وعسى أن يكون ذلك خيراً، ورأيت كأن في ذراعي سوارين من ذهب، فكرهتهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمن"، واسمه الأسود بن كعب العنسي، "وصاحب اليمامة"، وكان الأسود قد تكلم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أبو يعلى (2/ 325/ 1063). [المسند المصنف (28/ 719/ 13102)].

• وقد رواه إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، أثبت الناس في ابن إسحاق]، وزياد بن عبد الله البكائي [ثقة ثبت في مغازي ابن إسحاق، وفيما عدا المغازي فهو: ليس بالقوي]: عن ابن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن عطاء بن يسار، أو أخيه سليمان بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب الناس على منبره، وهو يقول:"أيها الناس، إني قد رأيت ليلة القدر، ثم أُنسيتها، ورأيت أن في ذراعي سوارين من ذهب، فكرهتهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمن، وصاحب اليمامة".

أخرجه أحمد (3/ 86)، وابن هشام في السيرة (2/ 599). [الإتحاف (5/ 315/ 5468)، المسند المصنف (28/ 719/ 13102)].

قلت: هو حديث جيد، والشك في شيخ ابن قسيط لا يضر؛ فكلاهما ثقة، والله أعلم.

وانظر فيمن رواه من الضعفاء أو المجاهيل: ما أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (2/ 577)، والبزار (3/ 17/ 2134 - كشف الأستار).

[وحديث السوارين متفق عليه من حديث أبي هريرة. البخاري (3621 و 4374 و 4375 و 4379 و 7034 و 7037)، مسلم (2274)].

* ومن شواهد حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد، في التماس ليلة القدر في العشر الأواخر:

1 -

حديث عائشة:

أ- رواه وكيع بن الجراح، وعبدة بن سليمان، وعبد الله بن نمير، ويحيى بن سعيد القطان، وحفص بن غياث، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وشعيب بن إسحاق، وعلي بن مسهر، وغيرهم:

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان". لفظ وكيع.

ولفظ عبدة [عند البخاري وغيره]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان، وكان يقول:"تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من [شهر] رمضان".

ص: 247

وفي رواية القطان [عند أحمد]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر، ويقول:"التمسوها في العشر الأواخر"، يعني: ليلة القدر.

أخرجه البخاري (2019 و 2020)، ومسلم (1169 و 1172)، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1376).

ب- ورواه إسماعيل بن جعفر، وسليمان بن بلال:

حدثنا أبو سهيل نافع بن مالك، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان". لفظ إسماعيل.

أخرجه البخاري في الصحيح (2017)، وفي التاريخ الكبير (6/ 472)، وأحمد (6/ 73)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (458)، والبيهقي في السنن (4/ 308)، وفي الشعب (6/ 229/ 3399)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 381/ 1824)، وفي التفسير (4/ 510). [التحفة (11/ 706/ 17573)، الإتحاف (17/ 512/ 22703)، المسند المصنف (8/ 2137/ 18116)].

تنبيه: أخرجه البخاري في التاريخ من طريق سليمان بن بلال بإسنادين هذا أحدهما، والآخر من طريق كعب الأحبار عن صهيب به مرفوعاً، وقال:"ولم يتابع عليه سليمان"، يعني: حديث كعب الأحبار عن صهيب، والله أعلم.

2 -

حديث عبادة بن الصامت:

أ- رواه خالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن جعفر، ويحيى بن سعيد القطان، وزهير بن معاوية، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، وابن أبي عدي، ومعتمر بن سليمان، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعَبيدة بن حميد، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [وهم ثقات، أكثرهم أثبات]، وإبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية [وهو: حمصي، ليس به بأس، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (396)، لكن في الإسناد إليه: مجاهيل، فلا يثبت عنه؛ لا سيما وقد اشتمل حديثه على زيادة منكرة. عند الطبراني]:

عن حميد: حدثنا أنس، عن عبادة بن الصامت، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال:"خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفِعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها أزاد يزيد بن هارون وابن أبي عدي: في العشر الأواخر] في التاسعة، والسابعة، والخامسة". وقال عبيدة: "التمسوها في التاسعة التي تبقى"، وقد اختصره بعضهم.

أخرجه البخاري (49 و 2023 و 6049)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1372).

ب- ورواه عفان بن مسلم، وأبو داود الطيالسي، وهدبة بن خالد، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي [وهم ثقات]:

عن حماد بن سلمة [ثقة، وهو أثبت الناس في ثابت وحميد]: أخبرنا ثابت البناني،

ص: 248

وحميد، عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة على أصحابه وهو يريد أن يخبرهم بليلة القدر،

فذكر الحديث؛ إلا أنه قال: "فاطلبوها في العشر الأواخر، في تاسعة، أو سابعة، أو خامسة". لفظ عفان [عند أحمد].

ولفظ الطيالسي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو يريد أن يخبر أصحابه بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خرجت وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فاختُلِجت مني، فاطلبوها في العشر الأواخر، في سابعة تبقى، أو تاسعة تيقى، أو خامسة تبقى".

ولفظ هدبة [عند ابن عساكر]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة، وهو يريد أن يخبرهم بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فاختلجت منه، فقال عليه الصلاة والسلام:"إني أردت أن أخبركم بليلة القدر، فتلاحى هذان الرجلان، فاختلجت مني، ولعل ذلك أن يكون خيراً لكم، فاطلبوها في العشر الأواخر، في التاسعة والسابعة والخامسة".

أخرجه الطيالسي (1/ 470/ 577)، وأحمد (5/ 313) ، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1372).

وهو حديث صحيح.

ج- خالفهم: مالك بن أنس، فجعله من مسند أنس، لم يذكر عبادة:

رواه مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقال:"إني أُريت هذه الليلة في رمضان، حتى تلاحى رجلان، فرُفِعت، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة".

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 4291/ 894)، وقد قصر به مالك؛ إنما هو من مسند عبادة بن الصامت، يرويه عنه أنس بن مالك. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1372)].

د- ورواه عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عمر بن عبد الرحمن، عن عبادة بن الصامت؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"في رمضان؛ فالتمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتر: في إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو في آخر ليلة [من رمضان]، فمن قامها ابتغاءها إيماناً واحتساباً، ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".

أخرجه أحمد (5/ 318 و 321 و 324).

وهذا حديث شاذ بهذا السياق، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1372).

3 -

حديث أبي هريرة:

رواه يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أُريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي، فأُنسيتُها فالتمسوها في العشر الغوابر".

أخرجه مسلم (1166)، وأبو عوانة (8/ 281/ 3307 - ط الجامعة الإسلامية)،

ص: 249

وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 246/ 2661)، والنسائي في الكبرى (3/ 395 - 396/ 3378)، والدارمي (1934 - ط البشائر)، وابن خزيمة (3/ 333/ 2197)، وابن حبان (8/ 435/ 3678)، وابن وهب في الجامع (306)، والطحاوي (3/ 90)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 250)، والبيهقي (4/ 308) وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 207/ 1185). [التحفة (10/ 458/ 15325)، الإتحاف (16/ 117/ 20475)، المسند المصنف (31/ 621/ 14610)].

° ورواه شعيب بن أبي حمزة [ثقة، من أثبت الناس في الزهري]، وإسحاق بن يحيى [الكلبي الحمصي، المعروف بالعوصي: مجهول، أحاديثه صالحة. سؤالات الحاكم (280)، الإرشاد (1/ 199)، التعديل والتجريح (1/ 384)، إكمال مغلطاي (2/ 120)، التهذيب (1/ 130)، وعنه: يحيى بن صالح الوحاظي، وهو: حمصي ثقة]، ومعاوية بن يحيى الصدفي [ضعيف، روى عنه إسحاق بن سليمان الرازي أحاديث منكرة. التهذيب (4/ 113)]:

عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة؛ أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُ ليلةَ القدر ثم نُسِّيتُها، فالتمسوها في العشر الغوابر".

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 396/ 3379)، وأبو يعلى (10/ 377/ 5972)، والطحاوي (3/ 90)، والمحاملي في الأمالي (401 - رواية ابن مهدي الفارسي)، وابن عدي في الكامل (6/ 400). [التحفة (10/ 418/ 15178)، الإتحاف (16/ 117/ 20475)، المسند المصنف (31/ 621/ 14610)].

وهذا حديث صحيح.

• تنبيه: لفظ معاوية بن يحيى [عند أبي يعلى وابن عدي]: "أُريتها، ثم أُنسيتها، وعسى أن يكون خيراً لهم، ولكن اطلبوها في العشر الأواخر من رمضان".

ولا يصح بهذا اللفظ من حديث الزهري.

قال ابن حجر في الفتح (4/ 268): "وهذا سبب آخر، فأما أن يحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث أبي هريرة مناماً، فيكون سبب النسيان الإيقاظ، وأن تكون الرؤية في حديث غيره في اليقظة، فيكون سبب النسيان ما ذكر من المخاصمة، أو يحمل على اتحاد القصة ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين، ويحتمل أن يكون المعنى: أيقظني بعض أهلي فسمعت تلاحي الرجلين فقمت لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما".

4 -

حديث أبي هريرة:

رواه أسد بن موسى، ويزيد بن هارون، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو داود الطيالسي، قالوا:

ثنا المسعودي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". لفظ أسد بن موسى.

ص: 250

ولفظ يزيد بن هارون، وبنحوه لفظ أبي النضر والطيالسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرجت إليكم وقد بُيِّنت لي ليلة القدر ومسيح الضلالة، فكان تلاحٍ بين رجلين بسُدَّة المسجد، فأتيتهما لأحجز بينهما، فأُنسيتهما، وسأشدو لكم منهما شدواً: أما ليلة القدر، فالتمسوها في العشر الأواخر وتراً، وأما مسيح الضلالة، فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر، فيه دَفَأ، كأنه قَطَن بن عبد العزى"، قال: يا رسول الله! هل يضرُّني شبهه؟ قال: "لا؛ أنت امرؤ مسلم، وهو امرؤ كافر".

أخرجه الطيالسي (4/ 264/ 2655)، وأحمد (2/ 291)، والطحاوي (3/ 90). [الإتحاف (15/ 458/ 19689) و (15/ 460/ 19693)، المسند المصنف (31/ 622/ 14611)].

قلت: هذا الحديث مما حدث به المسعودي بعد الاختلاط، فإن يزيد بن هارون، وأبا النضر هاشم بن القاسم، وأبا داود الطيالسي: ممن روى عنه بعد الاختلاط، وأما أسد بن موسى: فلم أجد من نص على سماعه من المسعودي قبل الاختلاط [الكواكب النيرات (35)، التقييد والإيضاح (430)، شرح علل الترمذي (2/ 747)].

قال ابن حجر في الفتح (13/ 101): "ووقع في حديث أبي هريرة عند أحمد نحوه لكن قال: "كأنه قطن بن عبد العزى"، وزاد فقال: يا رسول اللّه هل يضرني شبهه؟ قال: "لا؟ أنت مؤمن، وهو كافر"، وهذه الزيادة ضعيفة؛ فإن في سنده المسعودي، وقد اختلط، والمحفوظ أنه: عبد العزى بن قطن، وأنه هلك في الجاهلية، كما قال الزهري، والذي قال هل يضرني شبهه: هو أكثم بن أبي الجون".

وقال في الإصابة (5/ 341): "وقع ذكره عند أحمد من مسند أبي هريرة في حديث فيه ذكر الدجال، فقال في رواية من طريق المسعودي، فقال قطن: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: "لا، أنت مسلم، وهو كافر".

والمسعودي اختلط، والمحفوظ أن القصة لعبد العزى بن قطن، وهو عند البخاري، وفي بعض طرقه عنده، قال الزهري: وهو رجل من خزاعة، هلك في الجاهلية، والمحفوظ أن الذي قال: أيضرني شبهه: أكثم".

قلت: قد صح في وصف الدجال: ما أخرجه مسلم (2137) من حديث النواس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة،

فذكر الحديث، وفيه:"إنه شاب قططٌ، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قَطَن".

وما أخرجه البخاري (3441 و 7026 و 7128)، ومسلم (169 و 171)، من حديث ابن عمر، في ذكر الدجال، وفيه:"كأشبه من رأيت من الناس بابن قَطَن"، قال الزهري:"رجل من خزاعة، هلك في الجاهلية"، أي: إنه رجل معروف، مذكور في الأنساب، وله نسل.

وصح أيضاً من حديث الفلتان بن عاصم [ويأتي بعد قليل]، بنحو سياق المسعودي، إلا أنه قال في آخره:"كأنه عبد العزى بن قطن"، ولم يقل في آخره: قال: يا رسول الله! هل يضرُّني شبهه؟ قال: "لا؛ أنت امرؤ مسلم، وهو امرؤ كافر".

ص: 251

• وأما قصة أكثم بن أبي الجون، فيمن وقع له السؤال عن الشبه، فقيل: شبه بالدجال، وقيل: شبه بعمرو بن لحي، وهو أصح؛ لما صح عن أبي هريرة:

فقد روى محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرضت عليَّ النار، فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة، وهو أول من غيَّر عهد إبراهيم، وسيَّب السوائب، وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون"، فقال أكثم: أي رسول الله! أيضرني شبهه؟ قال: "لا؛ أنت مسلم، وهو كافر".

وقد روى نحوه أيضاً: محمد بن إسحاق، قال، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بنحوه مرفوعاً.

انظر: طبقات ابن سعد (4/ 292)، مصنف ابن أبي شيبة (7/ 247 / 35740)، نسب قريش (8)، حديث هشام بن عمار (102)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (1/ 38/ 3 - السفر الثاني)، الأوائل لابن أبي عاصم (166)، مسند أبي يعلى (10/ 504/ 6121)، جامع البيان لابن جرير (9/ 27 و 28 و 31)، معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي (1/ 311)، صحيح ابن حبان (16/ 535/ 7490)، المؤتلف والمختلف للدارقطني (1/ 497)، مستدرك الحاكم (4/ 605)(10/ 549/ 9004 - ط الميمان)، جمهرة أنساب العرب (234)، الاستيعاب (155)، الإصابة (1/ 258)، الفتح لابن حجر (6/ 488)، المسند المصنف (34/ 697/ 16645)، وغيرها.

* وهذا الحديث قد خلط فيه المسعودي، وأتى فيه بعجائب:

• فقد رواه صالح بن عمر الواسطي، ومحمد بن فضيل، وعبد الواحد بن زياد، وعلي بن مسهر [وهم ثقات]:

عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق؟ حدثنا رسول الله أبو القاسم الصادق المصدوق: "إن الأعور الدجال مسيح الضلالة يخرج من قبل المشرق، في زمان اختلافٍ من الناس وفرقةٍ، فيبلغ ما شاء الله من الأرض في أربعين يوماً، الله أعلم ما مقدارها، الله أعلم ما مقدارها - مرتين -، وينزل الله عيسى ابن مريم، فيؤمهم، فإذا رفع رأسه من الركعة، قال: سمع الله لمن حمده، قتل الله الدجال، وأظهر المؤمنين". لفظ الواسطي [عند ابن حبان].

ولفظ ابن فضيل [عند البزار]: قال أبو هريرة: سمعت من أبي القاسم الصادق المصدوق يقول: "يخرج الأعور الدجال مسيح الضلالة قبل المشرق، في زمن اختلاف من الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض في أربعين يوماً، الله أعلم ما مقدارها؟ فيلقى المؤمنون شدة شديدة، ثم ينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه من السماء فيؤم الناس، فإذا رفع رأسه من ركعته، قال: سمع الله لمن حمده؛ قتل الله الدجال، وظهر المؤمنون".

فأحلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: إنه لحقٌّ، وأما قريبٌ: فكلٌّ ما هو آتٍ قريبٌ.

ص: 252

ولفظ عبد الواحد [عند ابن راهويه]: كنت جالساً مع أبي هريرة رضي الله عنه في مسجد الكوفة: فأتاه رجل فقال: أأنت القائل: تصلي مع عيسى ابن مريم، قال: يا أهل العراق! إني قد علمت أن ستكذبوني، ولا يمنعني ذلك أن أحدِّث بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق:"أن الدجال يخرج من المشرق في حين فرقةٍ من الناس، فيبلغ كل مبلغ في أربعين يوماً، فيأزِل المؤمنين منه أزلاً شديداً، وتأخذ المؤمنين فيه شدة شديدة، فينزل عيسى ابن مريم فيصلي بهم، فإذا رفع رأسه من الركوع أهلك الله الدجال ومن معه".

فأما قولي: إنه حقٌّ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو الحق، وأما قولي: إني أطمع أن أدرك ذلك؛ فلعلي أن أدركه على ما يُرى من بياض شعري ورقة جلدي وقدح مولدي، فيرحمني الله تعالى فأدركه فأصلي معه، ارجع إلى أهلك فأخبرهم بما أخبرك أبو هريرة رضي الله عنه، فقال الرجل: أين يكون ذلك؟ قال: فأخذ حصى من مسجد، فقال: "من هاهنا، وأعاد الرجل عليه، فقال: أتريد أن أقول من مسجد الكوفة، هو يخرج من الأرض قبل أن تبدل، يجعله الله حيث شاء.

أخرجه إسحاق بن راهويه (1/ 344/ 260)، والبزار (17/ 96/ 9642)، وابن حبان (15/ 223/ 6812)، وأبو بكر الكلاباذي في بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار (75). [الإتحاف (15/ 460/ 19693)، المسند المصنف (34/ 592/ 16530)].

وهذا حديث جيد، وليس فيه ذكر لليلة القدر، وحديث المسعودي وهم.

5 -

حديث عمر بن الخطاب:

ورواه أيضاً: محمد بن فضيل، وعبد الله بن إدريس، وعبد الواحد بن زياد، وزائدة بن قدامة، وصالح بن عمر [وهم ثقات]:

عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان عمر يدعوني مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول في: لا تكلم حتى يتكلموا، قال: فدعاهم فسألهم عن ليلة القدر، فقال: أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوهما في العشر الأواخر [وتراً] "، أي ليلة ترونها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال آخر: خمس، وأنا ساكت، قال: فقال: ما لك لا تتكلم؟ قال: قلت: إن أذنت في يا أمير المؤمنين تكلمت، قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم، قال: فقلت: أحدثكم برأي؟ قال: عن ذلك نسألك، قال: فقلت: السبع، رأيت الله عز وجل ذكر سبع سماوات، ومن الأرض سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع، قال: فقال: هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم؟ ما هو قولك: نبت الأرض سبع؟ قال: فقلت: إن الله يقول: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا} ، إلى قوله {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} ، والأب نبت الأرض مما يأكله الدواب، ولا يأكله الناس، قال: فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه بعد؟ إني والله ما أرى القول إلا كما قلت، وقال: قد كنت أمرتك أن لا تكلم حتى يتكلموا، وإني آمرك أن تتكلم معهم. لفظ ابن فضيل.

ص: 253

ولفظ عبد الواحد [عند يعقوب بن شيبة]: قال: ثنا عاصم بن كليب، قال: حدثني أبي، عن خالي الفلتان بن عاصم الجرمي، قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فجلس وفي وجهه الغضب، ثم جعل وجهه يسفر، فقال:"إني نبئت بليلة القدر، ومسيح الضلالة، فخرجت لأبينها لكم فلقيت بسدة المسجد رجلين يقتتلان أو يتلاحيان فحجزت بينهما فنُسِّيتها وسأشدو لكم منها شدواً: أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وتراً، وأما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين عريض المنخر، كأنه فلان بن عبد العزى أو عبد العزى بن فلان".

قال أبي: فحدثت به ابن عباس، فقال: ما أعجبك من ذلك، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دعى الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم، وقال: لا تبدأ بالكلام، فدعانا ذات ليلة أو ذات يوم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم، "فالتمسوها في العشر الأواخر وتراً"، ففي أي الوتر ترونها؟ فقال رجل: تاسعة سابعة خامسة ثالثة، فقال في: يا ابن عباس ها لك لا تتكلم؟ قلت: إن شئت تكلمت، فقال: ما دعوتك إلا لتتكلم، قلت: أقول برأيي، قال: عن رأيك أسألك؟ فقلت: إني سمعت الله عز وجل أكثر ذكر السبع، فقال: السموات السبع، والأرضين السبع، حتى قال: وما أنبتت الأرض السبع، فقال {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} [عبس: 26 - 31]، فالحدائق كل ملتف، وكل ملتف حديقة، والأب ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس، فقال عمر رضي الله عنه: عجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم تستو شؤون رأسه، وقال عبد الواحد مرة: شواة رأسه.

وهذا حديث جيد، تقدم تخريجه بطرقه وذكر ألفاظه تحت الحديث رقم (1381)، وحديث المسعودي وهم.

6 -

حديث الفلتان بن عاصم:

رواه عبد الله بن إدريس، ومحمد بن فضيل، وعبد الواحد بن زياد، وزائدة بن قدامة، وخالد بن عبد الله الواسطي، وصالح بن عمر الواسطي [وهم ثقات]:

عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله الفلتان بن عاصمٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني رأيت ليلة القدر فأُنسيتُها، فاطلبوها في العشر الأواخر وتراً" لفظ ابن إدريس.

ولفظ زائدة: "أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وتراً".

وفي رواية عبد الواحد [عند ابن نصر][وتقدم ذكر لفظه عند يعقوب بن شيبة بأتم منه]: كنا قعوداً ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فجاءنا وفي وجهه الغضب حتى جلس، ثم رأينا وجهه يسفر، فقال:"إنه بينت في ليلة القدر، فخرجت لأبينها لكم، فلقيت بسدة المسجد رجلين يتلاحيان"، أو قال:"يقتتلان ومعهما الشيطان، فحجزت بينهما فأنسيتها، وسأشدو لكم منها شدواً، أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وتراً".

ص: 254

قال أبي: فحدثت به ابن عباس رضي الله عنه، فقال: وما أعجبك من ذلك، كان عمر رضي الله عنه إذا دعا الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم، وقال: لا تتكلم حتى يتكلموا، فدعانا ذات يوم أو ليلة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم: "التمسوها في العشر الأواخر وتراً"، ففي أي وتر ترونها؟، فقال رجل برأيه: تاسعة، سابعة، خامسة، ثالثة، فقال في: ما لك لا تتكلم يا ابن عباس؟ قلت: يا أمير المؤمنين إن شئت تكلمت، فقال: ما دعوتك إلا لتتكلم، فقلت: إنما أقول برأيي، فقال: عن رأيك أسألك، فقلت: إني سمعت الله أكثر ذكر السبع، فذكر السموات سبعاً، والأرضين سبعاً، حتى قال فيما قال: وما أنبتت الأرض سبعاً، فقلت له: كل ما قلت قد عرفته غير هذا، ما تعني بقولك ما أنبتت الأرض سبعاً؟ فقال:{ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} [عبس: 26 - 31] فالحدائق كل ملتف حديقة، والأب ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس، فقال عمر رضي الله عنه: أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم يستو شوي رأسه، ثم قال: إني كنت نهيتك أن تتكلم معهم فإذا دعوتك تتكلم معهم.

ولفظ ابن فضيل [عند البزار]: "أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها، وأُريت مسيح الضلالة، فرأيت رجلين يتلاحيان فحجزت بينهما فأُنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر وتراً، فأما مسيح الضلالة: فرجل أجلى الجبهة، ممسوح العين اليسرى، عريض النحر، كأنه عبد العزى بن قطن".

ورواه أيضاً ابن إدريس [عند الثعلبي]، بالإسنادين جميعاً، وبالقصتين أيضاً، وزاد فيه:"فيه دمامة".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 252/ 8684)(5/ 407/ 8923 - ط الشثري) و (2/ 325/ 9527)(6/ 63/ 9782 - ط الشثري) و (7/ 488 / 37458)(21/ 318/ 40244) - ط الشثري)، وإسحاق بن راهويه (6/ 221/ 1115 - مطالب)(3/ 491/ 4003 - ط التأصيل)، ويعقوب بن شيبة في العاشر من مسند عمر (167)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 282/ 1040) و (5/ 58/ 2594)، والبزار (9/ 143/ 3698)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (253 - مختصره)، والطبراني في الكبير (18/ 334 و 335/ 857 - 860)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (292)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 251)، وابن/ عبد البر في التمهيد (22/ 295). [المسند المصنف (23/ 483/ 10637) و (23/ 485/ 10640)].

قال يعقوب بن شيبة: "وحديثه في ليلة القدر: حديث إسناده وسط، ليس بالثبت ولا الساقط، هو صالح، رواه عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضاً عن أبيه عن ابن عباس عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال علي بن المديني: وعاصم بن كليب: صالح، ليس ممن يسقط، ولا ممن يحتج به، وهو وسط،

ص: 255

فرواه عن عاصم بن كليب: زائدة بن قدامة، وعبد الله بن إدريس، وصالح بن عمر، وعبد الواحد بن زياد، فرووه جميعاً عن عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم الجرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه عن ابن عباس عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاختصرنا ما كان منه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتركنا ما روى منه الفلتان بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يأتي في موضعه إن شاء الله، ونذكر منها حديثاً واحداً بطوله عن عبد الواحد بن زياد، ليعرف وجه الاختصار إن شاء الله، وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه تثبت هذا الحديث".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحداً يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ولا نعلم للفلتان طريقاً غير هذا الطريق، وقد روي نحو كلامه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه بألفاظ مختلفة".

قلت: هذا حديث جيد، وحديث المسعودي وهم.

7 -

حديث أبي بكرة:

رواه يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، وإسماعيل بن عليه، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن هارون، وأبو داود الطيالسي، وأبو أسامة حماد بن أسامة [مقتصراً على آخره الموقوف] [وهم ثقات حفاظ]:

عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، قال: حدثني أبي، قال: ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة، فقال: ما أنا ملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى العشر الأواخر، فإني سمعته يقول:"التمسوها [في العشر الأواخر] [من رمضان] في تسع يبقَين، أو في سبع يبقَين، أو في خمس يبقَين، أو في ثلاثٍ [يبقين]، أو [في] آخر ليلة".

وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة، فإذا دخل العشر اجتهد. لفظ يزيد. وفي رواية:"التمسوها في العشر الأواخر، في الوتر منه".

ولفظ القطان [عند أحمد]: ما أنا بطالبها إلا في العشر الأواخر بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:"التمسوها في العشر الأواخر، من تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة".

وفي رواية الطيالسي: "التمسوها في العشر الأواخر، لتاسعة تبقى، أو سابعة تبقى، أو خامسة تبقى، أو ثالثة تبقى، أو آخر ليلة".

وفي رواية ابن عليه [عند ابن خزيمة]: "التمسوها في العشر الأواخر، في تسع بقين، أو في سبع بقين، أو في خمس بقين، أو في ثلاث بقين، أو في آخر ليلة".

أخرجه الترمذي (794)، والنسائي في الكبرى (3/ 400/ 3389 و 3390)، وابن خزيمة (3/ 324/ 2175)، وابن حبان (8/ 442/ 3686)، والحاكم (1/ 438)(2/ 348/ 1615 - ط الميمان)، وأحمد (5/ 36 و 39 و 40)، والطيالسي (2/ 206/ 922)، وابن أبي شيبة (2/ 249/ 8661)(5/ 400/ 8899 - ط الشثري)، و (2/ 252/ 8690) (5/ 409/

ص: 256

8929 -

ط الشثري)، و (2/ 326/ 9532)(6/ 9787/65 - ط الشثري)، و (2/ 327 / 9547)(6/ 68/ 9852 - ط الشثري)، والبزار (9/ 130/ 3681)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 254)، والبيهقي في الشعب (6/ 236/ 3458)، وفي فضائل الأوقات (95)، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 536)، وابن أبي الصقر في مشيخته (88)، والبغوي في التفسير (487/ 8 - ط طيبة). [التحفة (8/ 290/ 11696) ، الإتحاف (13/ 568/ 17147)، المسند المصنف (26/ 505 / 12029)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا من حديث عيينة عن أبيه عن أبي بكرة".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

قلت: وهو حديث صحيح، صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.

8 -

حديث أنس بن مالك:

رواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، قال: سئل سعيد [يعني: ابن أبي عروبة] عن ليلة القدر، فاخبرنا عن قتادة، عن أنس، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوها في العشر الأواخر، في تاسعة وسابعة وخامسة".

أخرجه أحمد (3/ 234)، والبزار (13/ 403/ 7110). [الإتحاف (2/ 239/ 1626)، المسند المصنف (2/ 182/ 715)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحد رواه عن قتادة عن أنس إلا سعيد، ولا عن سعيد إلا عبد الوهاب".

قلت: هو حديث غريب من حديث سعيد بن أبي عروبة، تفرد به عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وهو: صدوق، كان عالماً بسعيد بن أبي عروبة؛ إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا [شرح العلل (2/ 743)، الكواكب النيرات (25)]، فلعل هذا الحديث مما حمله عنه في الاختلاط، والله أعلم.

ولعل الأشبه بالصواب:

ما رواه معاذ بن هشام: حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني شيخٌ كبيرٌ عليلٌ، يشقُّ عليَّ القيام، فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عليك بالسابعة".

وهو حديث صحيح غريب، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1381).

° وسوف يأتي ذكر بعض الأحاديث الأخرى في العشر الأواخر، عند الكلام عن حديث ابن عمر برقم (1385).

* وقد طلبها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثلاث ليال من الوتر، حين جمع الناس وقام بهم في المسجد ليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين:

ص: 257

فقد روى داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر، قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب ثلثُ الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتى ذهب شطرُ الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفَّلتنا قيامَ هذه الليلة، قال: فقال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبَ له قيامُ ليلة"، قال: فلما كانت الرابعةُ لم يقم، فلما كانت الثالثةُ جمع أهلَه ونساءَه والناسَ، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاحُ، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقُم بنا بقيةَ الشهر.

وفي رواية: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبعٌ [ليال]، فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم لم يقم بنا الليلة الرابعة، وقام بنا الليلة التي تليها [ليلة الخامسة] حتى ذهب نحو من شطر الليل، قال: فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له بقية ليلته"، ثم لم يقم بنا [ليلة] السادسة، وقام بنا [ليلة] السابعة، وقال: وبعث إلى أهله [ونسائه]، واجتمع الناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1375)، وانظر طرقه وألفاظه هناك.

* وله شاهد من حديث النعمان بن بشير:

رواه زيد بن الحباب، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن صالح [وهم ثقات]:

عن معاوية بن صالح، قال: حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة [الأنماري]، قال: سمعت النعمان بن بشير على منبر حمص، يقول: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلةَ ثلاثٍ وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلةَ خمسٍ وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلةَ سبعٍ وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور.

وهو حديث جيد، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1375).

° وأما ما روي بخلاف ذلك من حديث أنس فلا يثبت:

فقد روى محمد بن مقاتل المروزي: ثنا هاشم بن مخلد: ثنا محمد بن عبد الرحمن البصري، عن الفضل الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أهله ليلة إحدى وعشرين فيصلي بهم إلى ثلث الليل، ثم يجمعهم ليلة ثنتي وعشرين فيصلي بهم إلى نصف الليل، ثم يجمعهم ليلة ثلاث وعشرين فيصلي بهم إلى ثلثي الليل، ثم يأمرهم ليلة أربع وعشرين أن يغتسلوا، فيصلي بهم حتى يصبح، ثم لا يجمعهم.

وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1375).

***

ص: 258