المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وقد رويت قصة عثمان بن مظعون من وجوه متعددة: - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٦

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌وقد رويت قصة عثمان بن مظعون من وجوه متعددة:

أخرجه مسلم (1402/ 6)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 64/ 3239)، والنسائي في المجتبى (6/ 58/ 3212)، وفي الكبرى (5/ 151/ 5304)، وابن أبي شيبة (3/ 453/ 15905). [التحفة (3/ 244/ 3856)، المسند المصنف (9/ 53/ 4290)].

• وقد رواه إبراهيم بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد الأيلي [وهم من ثقات أصحاب الزهري المكثرين عنه]، وعبيد الله بن أبي زياد الرُّصافي [صدوق، قال الذهلي: "أخرج إلي جزءاً من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحاً". التهذيب (3/ 10)]، والنعمان بن راشد [ليس بالقوي]:

عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت سعد بن أبي وقاص، يقول: ردَّ [رسول الله صلى الله عليه وسلم] على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. لفظ إبراهيم بن سعد [عند الشيخين].

ولفظ عقيل [عند مسلم]: أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أجاز له ذلك لاختصينا.

أخرجه البخاري (5073 و 5074)، ومسلم (1402/ 7 و 8)، وأبو عوانة (3/ 8/ 3995 - 3999)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 65/ 3240 و 3241)، وابن ماجه (1848)، والدارمي (2338 - ط البشائر)، وابن حبان (9/ 337/ 4027)، وابن الجارود (674)، وأحمد (1/ 175 و 183)، والطيالسي (1/ 177/ 216)، وابن سعد في الطبقات (3/ 394)، والدورقي في مسند سعد (107)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 389/ 1460 - السفر الثالث)، والبلاذري في أنساب الأشراف (10/ 255)، والبزار (3/ 279/ 1069 و 1070)، وأبو يعلى (2/ 120/ 788) و (2/ 128/ 802)، والهيثم بن كليب الشاشي (1/ 198/ 152)، وأبو جعفر ابن البختري في ستة مجالس من أماليه (100)، وخيثمة الأطرابلسي في حديثه (186)، والطبراني في الكبير (9/ 34/ 8314 و 8315)، وفي مسند الشاميين (4/ 164/ 3007)، وتمام في الفوائد (1343)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 92)، والبيهقي في السنن (7/ 79)، في الشعب (8/ 399/ 5098)، والبغوي في شرح السُّنَّة (9/ 5/ 2237)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 244). [التحفة (3/ 244/ 3856)، الإتحاف (5/ 151/ 5101)، المسند المصنف (9/ 53/ 4290)].

قال البزار: "ولا نعلم يروى هذا الكلام عن سعد إلا من حديث الزهري عن سعيد عن سعد".

• وانظر فيمن وهم في إسناده على الزهري، وسلك فيه الجادة: علل الدارقطني (4/ 368/ 634).

‌وقد رويت قصة عثمان بن مظعون من وجوه متعددة:

أ- رواه إسرائيل بن يونسى بن أبي إسحاق [وعنه: أبو نعيم الفضل بن دكين]، وزهير بن معاوية [وعنه: الحسن بن موسى]:

ص: 37

عن أبي إسحاق، عن أبي بردة: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك؟ فما في قريش أغنى من بعلك، قالت: ما لنا منه شيء، أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرن ذلك له، فلقيه فقال:"يا عثمان بن مظعون، أما لك بي أسوة؟ "، فقال: يا بأبي وأمي وما ذاك؟ قال: "تصوم النهار، وتقوم الليل"، قال: إني لأفعل، قال:"لا تفعل، إن لعينيك عليك حقاً، وإن لجسدك حقاً، وإن لأهلك حقاً، فصل ونم، وصم وأفطر"، قال: فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه، قالت: أصابنا ما أصاب الناس.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 395)، والبلاذري في أنساب الأشراف (10/ 256). وهذا مرسل لإسناد كوفي صحيح، ويشهد لحديث ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

• سلك فيه الجادة فوصله: أبو جابر محمد بن عبد الملك [الأزدي البصري، نزيل مكة، قال أبو حاتم: "أدركته، وليس بقوي"، وذكره ابن حبان في الثقات، وله عن شعبة ما لا يتابع عليه، الجرح والتعديل (8/ 5)، التهذيب (3/ 635)، اللسان (7/ 316)]: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأينها سيئةَ الهيئة،

فذكر الحديث بنحوه.

أخرجه أبو يعلى (13/ 216/ 7242)، وعنه: ابن حبان (2/ 19/ 316). [المسند المصنف (29/ 475/ 13474)].

• وقصر بإسناده فأعضله: شريك بن عبد الله النخعي [سيئ الحفظ]، فرواه عن أبي إسحاق السبيعي، قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون

فذكر الحديث بنحوه.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 106)، بإسناد فيه لين إلى شريك.

والحمل فيه عندي على راويه عن شريك: محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي، فإنه: لا بأس به، وله أوهام، وقد ضعفه بعضهم، وله أفراد لا يتابع عليها، فليس هو بالحافظ الذي يعتمد على حفظه [التهذيب (3/ 541). هدي الساري (438)، الميزان (3/ 512)][وقد تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (574) (6/ 475/ 574 - فضل الرحيم)].

ب - وروى أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس؛ قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]، قال: هم رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر لهم، فقالوا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأنكح النساء، فعن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني".

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 611)، وابن أبي حاتم في التفسير (4/ 1187/ 6689).

ص: 38

وهذا أصلح إسناد لابن عباس في هذا؛ مما يشهد لحديث عائشة في قصة عثمان بن مظعون [راجع المصادر المذكورة فيما روي بمعنى حديث عائشة].

وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، ولا يحتج به على انفراده، وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وله عنه مناكير كثيرة تفرد بها، أو خالف ثقات أصحاب ابن عباس فيما رووه عنه، ولي في هذا بحث مستقل تتبعت فيه مرويات ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وأما دعوى أنه أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد وعكرمة، فهي دعوى لا برهان عليها إلا الظن والتخمين، وقد أطلت في بيان رد هذه الدعوى، وبسطت القول في البحث المذكور، فلا أعيده هنا، وراجع أيضاً الحديث المتقدم برقم (1305).

كما أن علي بن أبي طلحة متكلم فيه، فهو: ليس به بأس، وله أشياء منكرات، فلا يحتج به على انفراده حتى يتابع، وأما مسلم فإنه قد روى له حديثاً واحداً في العزل (1438) عن أبي الوداك عن أبي سعيد، رواه له متابعة ولم يحتج به، ولم يرو لابن أبي طلحة عن ابن عباس شيئاً، وقد نقل البخاري من تفسيره عن ابن عباس شيئاً كثيراً في التراجم وغيرها، ولكنه لا يسميه، يقول: قال ابن عباس، أو: يُذكَر عن ابن عباس، ولعل ذلك كان فيما توبع عليه عنده، والله أعلم.

وعليه: فهو شاهد لا بأس به لحديث عائشة.

ج - وروى عارم بن الفضل [أبو النعمان محمد بن الفضل عارم: ثقة ثبت، من أثبت الناس في حماد بن زيد، تغير في آخر عمره، وابن سعد ممن سمع منه قبل التغير]، وعبيد الله بن عمر القواريري [ثقة ثبت]:

عن حماد بن زيد، قال: أخبرنا معاوية بن عياش الجرمي، عن أبي قلابة؛ أن عثمان بن مظعون اتخذ بيتاً فقعد يتعبد فيه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ بعضادتي باب البيت الذي هو فيه، فقال:"يا عثمان، إن الله لم يبعثني بالرهبانية"، مرتين أو ثلاثاً، "وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة".

أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 395)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 65/ 2507).

معاوية بن عياش الجرمي: ابن أخي أبي قلابة؛ مجهول الحال، روى عنه اثنان، ولم يوثق [المؤتلف للدارقطني (3/ 1281)، الإكمال لابن ماكولا (4/ 272)، توضيح المشتبه (5/ 326)]، وبقية رجاله ثقات.

وهذا مرسل بإسناد لا بأس به في الشواهد.

• وروى معمر بن راشد [ثقة ثبت، حديثه عن أهل البصرة ليس بذاك، وقد توبع هنا][وعنه: عبد الرزاق][واللفظ له]، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة ثبت، من أصحاب أيوب]:

عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: أراد أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا

ص: 39

ويتركوا النساء ويترهبوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة، ثم قال:"إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم"، قال: ونزلت فيهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} .

ولم يذكر الثقفي الآية في آخره، ولفظه: أن ناساً ذكروا أشياء من أمر العبادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدَّدوا على أنفسهم فشُدِّد عليهم، هؤلاء بقاياهم"، يعني: في الديارات والصوامع، "اعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم".

أخرجه عبد الرزاق في التفسير (1/ 192)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1031)، وابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 608).

وهذا مرسل بإسناد صحيح.

د - وروى إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني [ليس به بأس، له غرائب لا يتابع عليها]، قال: حدثني عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي، عن أبيه [قدامة بن إبراهيم: تابعي، روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب (3/ 433)، تاريخ الإسلام (8/ 519)، وقال:"صويلح"]، وعن عمر بن حسين [مولى عائشة بنت قدامة: ثقة، من الرابعة]، عن عائشة بنت قدامة مظعون [صحابية، وهي أم قدامة بن إبراهيم، الثقات (3/ 323) و (5/ 289)، الاستيعاب (4/ 1886)، الإصابة (8/ 236)]، عن أبيها [قدامة بن مظعون: صحابي]، عن أخيه عثمان بن مظعون؛ أنه قال: يا رسول الله! إني رجل تشق علي هذه العزبة في المغازي، فتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي؟ قال:"لا، ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفرة". قال إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس: والمجفر: الذي إذا أتى النساء فإذا قام انقطع ذلك.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 395)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 310)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 114)، والبلاذري في أنساب الأشراف (10/ 256)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 67/ 2511)، والطبراني في الكبير (9/ 38/ 8320)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 957/ 4924)، والبيهقي في الشعب (6/ 175/ 3324).

• خالفه: حجاج بن منهال [ثقة]، فرواه عن عبد الملك بن قدامة، عن أبي عثمان الجمحي، عن أمه [هي عائشة بنت قدامة]، عن أبيها [قدامة بن مظعون]؛ أن عثمان بن مظعون قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث (2/ 93).

وشيخ عبد الملك هنا لا أدري من هو؟ إلا أن يكون عمه عثمان بن إبراهيم

ص: 40

الجمحي، وكنى عن عمه بقوله: حدثنا أبي عثمان؛ ثم تصرف الرواة في صيغة التحديث فأبدلوها بالعنعنة، قال عنه أبو حاتم:"روى عنه ابنه عبد الرحمن أحاديث منكرة"، قال ابن أبي حاتم لأبيه: فما حاله؟ قال: "يكتب حديثه، وهو شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات [سؤالات ابن الجنيد (903 - مع الحاشية)، الجرح والتعديل (6/ 144)، الثقات (5/ 154 و 159)، تاريخ دمشق (38/ 310)، اللسان (5/ 373)، التعجيل (718)]، والله أعلم.

• ورواه عبد الله بن لهيعة [ضعيف، وعنه: ابن وهب]، قال: كتب إليَّ عبد الملك بن قدامة الجمحي؛ أن أباه حدثه؛ أن أمه أخبرته؛ أن عثمان بن مظعون استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإخصاء، فقال: إني رجل تشتد علي العزوبة في هذه المغازي، فنهاه عن ذلك، فقال:"عليك بالصيام فإنه مجفرة".

أخرجه ابن وهب في الجامع (323).

قلت: إن كان ابن لهيعة حفظه، فيكون متابعاً لابن أبي أويس؛ غير أنه أسقط ذكر قدامة بن مظعون من الإسناد، ولا يضر؛ فإن عائشة صحابية.

والحاصل: فإن هذا الحديث ضعيف، وإسناده ليس بذاك؛ فإن مداره على عبد الملك بن قدامة، وليس هو بالقوي، وله مناكير عن عبد الله بن دينار وغيره [التهذيب (2/ 621)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 297/74)، سؤالات ابن محرز (1/ 85/ 285)، سؤالات ابن الجنيد (222)، سؤالات ابن أبي شيبة (185)، سؤالات البرذعي (2/ 356)، المعرفة والتاريخ (1/ 230)، الجرح والتعديل (5/ 362)، الكامل (5/ 309)، التقريب (496)، وقال: "ضعيف"].

وحديثه هذا: "عليك بالصيام فإنه مجفرة" غير محفوظ بهذا اللفظ في قصة عثمان، ولم يتابع عليه.

هـ- وروى الوليد بن مسلم [ثقة ثبت]: ثنا عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: كانت امرأة عثمان بن مظعون امرأة جميلة عطرة، تحب اللباس، والهيأة لزوجها، فزارتها عائشة وهي تَفِلةٌ، قالت: ما حالك هذه؟ قالت: إن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وعثمان بن مظعون قد تخلوا للعبادة، وامتنعوا من النساء، وأكل اللحم، وصاموا النهار، وقاموا الليل، فكرهت أن أريه من حالي ما يدعوه إلى ما عندي لما يخلي له، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم نعله، فحملها بالسبابة من إصبعه اليسرى، ثم انطلق سريعاً حتى دخل عليهم، فسألهم عن حالهم، قالوا: أردنا الخير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت بالحنيفية السمحة، ولم أبعث بالرهبانية البدعة، ألا وإن أقواماً ابتدعوا الرهبانية فكتبت عليهم، فما رعوها حق رعايتها، ألا فكلوا اللحم، وائتوا النساء، وصوموا وأفطروا، وصلوا وناموا، فإني بذلك أمرت".

أخرجه الروياني (1279)، والطبراني في الكبير (8/ 170/ 7715)[واللفظ له].

ص: 41

وهذا حديث منكر؛ عفير بن معدان: ضعفوه، منكر الحديث، يروي عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما لا أصل له [التهذيب (3/ 119)، الميزان (3/ 83)].

و- وروى هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد: ثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر ببيت عثمان بن مظعون، فقام على باب البيت، فقال:"مالك يا كحيلة مبتذلة، أليس عثمان شاهدًا؟ "، قالت: بلى، وما اضطجع على فراشي منذ كذا وكذا، ويصوم الدهر فما يفطر، فقال:"مريه أن يأتيني"، فلما جاء، قالت له، فانطلق إليه، فوجده في المسجد فجلس إليه، فأعرض عنه فبكى، ثم قال: لقد علمت أنه بلغك عني أمر، قال:"أنت الذي تصوم الدهر، وتقوم الليل، لا تضع جنبك على فراش؟ "، قال عثمان: قد فعلت ذلك ألتمس الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لعينك حظ، ولجسدك حظ، ولزوجك حظ، فصم وأفطر، ونم وقم، وائت زوجك، فإني أنا أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآتي النساء، فمن أخذ بسنتي فقد اهتدى، ومن تركها ضل، فإن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فإذا كانت الفترة إلى الغفلة فهي الهلكة، وإذا كانت الغفلة إلى الفريضة، لا يضر صاحبها شيئًا، فخذ من العمل بما تطيق، وإني إنما بعثت بالحنيفية السمحة، فلا تثقل عليك عبادة ربك لا تدري ما طول عمرك".

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 222/ 7883).

وهذا حديث منكر بهذا السياق، إسناده واهٍ؛ علي بن يزيد الألهاني: متروك، والراوي عنه: عثمان بن أبي العاتكة: ضعيف، حديثه عن الألهاني: منكر [تقدم تفصيل القول في هذا الإسناد عند الحديث رقم (472)، وتقدم أيضًا تحت الحديث رقم (48)، والحديث رقم (468)].

ز- وروى محمد بن أحمد بن تميم [أبو بكر الأصبهاني الشميكاني: قال أبو الشيخ: "ثقة مأمون". طبقات المحدثين (3/ 500). تاريخ أصبهان (2/ 215)، الأنساب (3/ 458)]، قال: ثنا محمد بن حميد، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن قومًا حرموا اللحم والطيب والنساء، فأرادوا أن يستخصوا، منهم عثمان بن مظعون، وعبد الله بن مسعود، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فأوعد في ذلك الوعيد، حتى أوعد القتل، وقال:"إني لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة، إنما هلكوا بالتشديد، فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع"، ثم قال:"اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا، واعتمروا، واستقيموا، نعم بكم".

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 500)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 215).

قال أبو الشيخ بعد أن أخرجه في ترجمة محمد بن أحمد بن تميم: "هذا الحديث ما

ص: 42

كتبنا إلا عنه"، وكان قال فيه قبل: "ابن أخي الحسين بن تميم، نزل شميكان، كتب عن ابن حميد، ومحمد بن علي الشقيقي والناس: ثقة مأمون".

قلت: وهذا حديث باطل؛ لا يُعرف من حديث الأعمش، ولا من حديث جرير بن عبد الحميد؛ إلا من هذا الوجه.

وهو غريب جدًا من حديث جرير، حيث تفرد به: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ، أجمع أهل بلده على ضعفه، وكذبه بعضهم، وهو كثير المناكير.

ثم إنه غريب جدًا من حديث ابن حميد الحافظ المشهور، فقد روى عنه جم غفير من الناس، وفي تفرد أبي بكر الأصبهاني محمد بن أحمد بن تميم به غرابة شديدة.

ح- وروى إبراهيم بن زكريا: ثنا أبو أمية الطائفي: حدثني جدي، عن جده سعيد بن العاص؛ أن عثمان بن مظعون قال: يا رسول الله! ائذن لي في الاختصاء، فقال له:"يا عثمان! إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة، والتكبير على كل شرف، فإن كنت منا فاصنع كما نصنع".

أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 62/ 5519).

وهو حديث باطل بهذا الإسناد، إبراهيم بن زكريا أبو إسحاق الضرير المعلم العبدسي: منكر الحديث، يحدث عن الثقات بالبواطيل [اللسان (1/ 282)، مسند البزار (4/ 235)، كشف الأستار (2947)، علل ابن أبي حاتم (1476)، الجرح والتعديل (2/ 101)، سنن الدارقطني (1/ 127)، سؤالات السهمي (185)].

وأبو أمية الطائفي من ولد سعيد بن العاص: ليس هو: أبا أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي البصري [متروك، منكر الحديث. اللسان (2/ 186)] ، فإنه متقدم في الطبقة على صاحب الترجمة، ولا هو أيضًا: عمرو بن صالح أبو أمية الكوفي.

والأقرب أنه: أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، السعيدي المكي، وهو: ثقة، من رجال البخاري.

وجده: سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، وهو: ثقة، من الثالثة، من رجال الشيخين. وجدهم الأعلى سعيد بن العاص الأموي: صحابي.

* وقد أعرضت عن بعض الطرق التي خلت عن موضع الشاهد، وهي مرسلة أيضًا: انظر ما أخرجه أبو داود في المراسيل (201)، وسعيد بن منصور في سننه (4/ 1515/ 771)، وابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 607).

وانظر تخريج د. سعد الحميد على سنن سعيد (4/ 1515/ 771).

* وروي أيضًا من مرسل سعيد بن المسيب وقتادة وعكرمة ومجاهد والسدي وغيرهم.

* انظر فيما روي في معنى حديث عائشة مما في إسناده مقال: ما أخرجه ابن المبارك في الزهد (845)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1106)، وابن

ص: 43

وهب في الجامع (323)، وعبد الرزاق (6/ 167/ 10374)، وابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 607 - 612)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 214)، وابن حمكان في فوائده (12)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1957/ 4923) ، وابن بشران في الأمالي (1636)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 226)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 370/ 484)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 172 - 173)، وابن بشكوال في الذيل على جزء بقي بن مخلد (77)، وغيرهم.

* وله شواهد منها:

1 -

حديث أنس بن مالك:

رواه بهز بن أسد، وعفان بن مسلم، وأسود بن عامر، وأبو النعمان عارم محمد بن الفضل، وروح بن عبادة، ومؤمل بن إسماعيل:

عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس؛ أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، [وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر]، فحمد الله وأثنى عليه، فقال:"ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

أخرجه مسلم (1401)، وأبو عوانة (3/ 5/ 3986)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (4/ 64/ 3238)، والنسائي في المجتبى (6/ 60/ 3217)، وفي الكبرى (5/ 152/ 5305)، وابن خزيمة (1/ 467/ 475 - الإتحاف)، وابن حبان (14)، وأحمد (3/ 241 و 259 و 285)، وابن سعد في الطبقات (1/ 371)، وعبد بن حميد (1318)، والبزار (13/ 267/ 6807)، والبيهقي في السنن (7/ 77). [التحفة (1/ 268/ 334)، الإتحاف (1/ 467/ 475)، المسند المصنف (2/ 228/ 756)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ثابت عن أنس؛ إلا حماد بن سلمة".

قلت: ولا يضره؛ فهو أثبت الناس فيه.

* ورواه سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر: أخبرنا حميد بن أبي حميد الطويل؛ أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

أخرجه البخاري (5063)، ومن طريقه: ابن حبان (317)، والبيهقي في السنن (7/ 77)، وفي الشعب (8/ 393/ 5093)، والبغوي في شرح السُّنَّة (96)، وفي الشمائل

ص: 44

1229 -

. [التحفة (1/ 390/ 745)، الإتحاف (1/ 631/ 937)، المسند المصنف (2/ 229/ 757)].

2 -

حديث عبد الله بن عمرو:

روى يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عبد الله! ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ "، فقلت: بلى يا رسول الله! قال: "فلا تفعل؛ صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله".

فشدَّدت، فشُدِّد عليَّ؛ قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، قال:"فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه"، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: "نصف الدهر"، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري (1975)[واللفظ له]. ومسلم (1159/ 182).

ويأتي تخريجه بطرقه وألفاظه في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى، قريبًا برقم (1388 - 1391).

3 -

حديث أبي جحيفة في قصة أبي الدرداء:

رواه بندار محمد بن بشار، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأبو بكر ابن أبي شيبة، ويوسف بن موسى القطان، وأحمد بن منصور الرمادي، وحسين بن محمد، وعثمان ابن أبي شيبة، والعباس بن عبد العظيم العنبري، وشعيب بن أيوب الصريفيني، وعلي بن مسلم الطوسي، وأبو أحمد الفراء محمد بن عبد الوهاب [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، وغيرهم:

عن جعفر بن عون: حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا [زاد بعضهم: يصوم النهار، ويقوم الليل]، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: كل؟ قال: فإني صائم، قال:[أقسمتُ عليك لما طعمتَ]، ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل [وفي رواية: فلما كان وجه الصبح]، قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه [زاد أبو خيثمة وغيره: صم وأفطر، وقم ونم، وائت أهلك]، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق سلمان". لفظ بندار [عند البخاري والترمذي].

وفي رواية أبي خيثمة [عند ابن حبان]: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان.

وفي رواية [عند الطبراني والبيهقي]: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لجسدك حقًا مثل ما قال سلمان".

ص: 45

أخرجه البخاري (1968 و 6139)، والترمذي (2413)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح". وابن خزيمة (3/ 309/ 2144)، وابن حبان (2/ 23/ 320)، وابن أبي شيبة (5/ 341/ 26697)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 678/ 2839 - السفر الثاني)، والبزار (10/ 152/ 4223)، وبحشل في تاريخ واسط (233)، وأبو يعلى (2/ 193/ 898)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 310/ 498 - مسند عمر)، والطبراني في الكبير (22/ 112/ 285)، والدارقطني (2/ 176)، وقال:"كلهم ثقات". وأبو نعيم في الحلية (1/ 188)، والبيهقي (4/ 275)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (3/ 40/ 2033)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 115). [التحفة (8/ 352/ 11815) ، الإتحاف (13/ 692/ 17315)، المسند المصنف (25/ 506/ 11548)].

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي جحيفة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".

* ورواه أبو نعيم في الحلية (1/ 187)، من وجه آخر بإسناد لا يثبت مثله، من حديث أبي الدرداء، وفي آخره: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"لقد أوتي سلمان من العلم".

* بوب البخاري لهذا الحديث في عدة مواضع معلقًا وموصولًا، وترجم للموصول بقوله: باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له، وباب صنع الطعام والتكلف للضيف.

ومما ذكره ابن بطال في فوائد الحديث (9/ 313): "وفيه: أنه لا بأس أن يفطر رب الدار لضيفه فى صيام التطوع، وفيه: كراهية التشدد فى العبادة والغلو فيها خشية ما يخاف من عاقبة ذلك، وأن الأفضل فى العبادة القصد والتوسط فهو أحرى بالدوام، ألا ترى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان"، وفيه: أن الصلاة آخر الليل أفضل، لأنه وقت تنزل الله إلى سماء الدنيا فيستجيب الدعاء".

وقال ابن حزم في المحلى (6/ 269): "فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد صوب قول سلمان في إفطار الصائم المتطوع ولم ينكره".

وقال الشاطبي في الاعتصام (1/ 388): "وهذا الحديث قد جمع التنبيه على حق الأهل بالوطء والاستمتاع وما يرجع إليه، والضيف بالخدمة والتأنيس والمؤاكلة وغيرها، والولد بالقيام عليهم بالاكتساب والخدمة، والنفس بترك إدخال المشقات عليها، وحق الرب سبحانه بجميع ما تقدم وبوظائف أخر فرائض ونوافل آكد مما هو فيه، والواجب أن يعطي لكل ذي حق حقه.

وإذا التزم الإنسان أمرًا من الأمور المندوبة أو أمرين أو ثلاثة؛ فقد يصده ذلك عن القيام بغيرها، أو عن كماله على وجهه، فيكون ملومًا".

وقال في الموافقات (2/ 247): "فإن المكلف مطلوب بأعمال ووظائف شرعية لا بد له منها، ولا محيص له عنها، يقوم فيها بحق ربه تعالى، فإذا أوغل في عملٍ شاقٍّ، فربما

ص: 46

قطعه عن غيره، ولا سيما حقوق الغير التي تتعلق به، فيكون عبادته أو عمله الداخل فيه قاطعًا عما كلفه الله به، فيقصر فيه، فيكون بذلك ملومًا غيرَ معذور؛ إذ المراد منه القيام بجميعها على وجه لا يخل بواحدة منها، ولا بحال من أحواله فيها".

وقال ابن حجر في الفتح (3/ 32): "وقوله صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان"، أي في جميع ما ذكر، وفيه منقبة ظاهرة لسلمان".

وقال أيضًا: "وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعية المؤاخاة في الله، وزيارة الإخوان والمبيت عندهم، وجواز مخاطبة الأجنبية والسؤال عما يترتب عليه المصلحة، وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل، وفيه النصح للمسلم، وتنبيه من أغفل، وفيه فضل قيام آخر الليل، وفيه مشروعية تزين المرأة لزوجها، وثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة، وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء؛ لقوله: ولأهلك عليك حقًا، ثم قال: وائت أهلك، وقرره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور، وإنما الوعيد الوارد على من نهى مصليًا عن الصلاة: مخصوص بمن نهاه ظلمًا وعدوانًا، وفيه كراهية الحمل على النفس في العبادة، وفيه جواز الفطر من صوم التطوع؛ كما ترجم له المصنف، وهو قول الجمهور، ولم يجعلوا عليه قضاء إلا أنه يستحب له ذلك؛

".

* * *

1370 -

. . . جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: سألت عائشة: كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، [كان] كلُّ عمله دِيمةٌ، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع.

* حديث متفق على صحته

أخرجه البخاري (6466)، ومسلم (783/ 217)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 374/ 1778)، والنسائي في الرقائق من الكبرى (11/ 640/ 17406 - التحفة)، وابن خزيمة (2/ 263/ 1281)، وابن حبان (2/ 26/ 322) و (8/ 408/ 3647)، وأحمد في المسند (6/ 43)، وفي الزهد (4)، وإسحاق بن راهويه (2/ 170/ 1571 - ط التأصيل)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1935)، والبيهقي في الدلائل (1/ 355)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 54/ 938)، وفي الشمائل (689). [التحفة (11/ 640/ 17406)، الإتحاف (17/ 422/ 22553)، المسند المصنف (39/ 479/ 19003)].

رواه عن جرير بن عبد الحميد: أحمد بن حنبل، وعثمان ابن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم ابن راهويه، وأبو عمار الحسين بن حريث، ويعقوب بن

ص: 47

إبراهيم الدورقي، وأبو الربيع الزهراني سليمان بن داود، وقتيبة بن سعيد، ويوسف بن موسى القطان، ومحمود بن خداش [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ].

* ورواه سفيان الثوري، قال: حدثني منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: سألت عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق.

أخرجه البخاري (1987)، والترمذي في الشمائل (310)، وأحمد (6/ 55 و 189)، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (46 - رواية أبي بكر النيسابوري)(362 - مجموع مصنفاته)، والدارقطني في العلل (14/ 368/ 3715)، والبيهقي (4/ 299)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 146). [التحفة (11/ 640/ 17406)، الإتحاف (17/ 422/ 22553)، المسند المصنف (39/ 479/ 19003)].

رواه عن الثوري: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي [وهما أثبت الناس في الثوري]، وعبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي [ثقة مأمون، أثبت الناس كتابًا في الثوري].

* ورواه شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كانت صلاته ديمة.

أخرجه أبو عوانة (2/ 253/ 3053)، وأحمد (6/ 174)، وموسى بن هارون الحمال في فوائده (25)، وابن المظفر في حديث شعبة (43). [الإتحاف (17/ 422/ 22553)، المسند المصنف (39/ 479/ 19003)].

وهو حديث صحيح.

رواه عن شعبة: غندر محمد بن جعفر، ووهب بن جرير، وأبو النضر هاشم بن القاسم [وهم ثقات، من أصحاب شعبة، وأثبتهم فيه غندر]، ونصر بن حماد الوراق [متروك، ذاهب الحديث، منكر الحديث عن شعبة، له عنه أوابد، وكذبه ابن معين. الكامل (7/ 38)، تاريخ بغداد (13/ 281)، الميزان (4/ 250)، التهذيب (4/ 217)].

* ورواه أيضًا: زياد بن عبد الله البكائي، وإبراهيم بن طهمان، ومفضل بن مهلهل، وشيبان بن عبد الرحمن، وعَبيدة بن حميد [وهم ثقات]:

عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: سألت عائشة: كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل. لفظ زياد البكائي [عند أحمد].

ولفظ عبيدة [عند الحمال]: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شيئًا من الأعمال؟ فقالت: لا، إنما كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديمة. ولم أقف على رواية الباقين مسندة.

أخرجه أحمد (6/ 278)، وموسى بن هارون الحمال في فوائده (24)، وذكره الدارقطني في العلل (14/ 367/ 3715). [الإتحاف (17/ 422/ 22553)، المسند المصنف (39/ 479/ 19003)].

ص: 48

وهو حديث صحيح.

* خالفهم: سليمان بن معاذ الضبي، فرواه عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: سألت عائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل ليلة الجمعة أو يوم الجمعة؟ فقالت: كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.

أخرجه الطيالسي (3/ 26/ 1501)، ومن طريقه: ابن سمعون في الأمالي (318)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 374/ 1778).

قلت: وهذا منكر بتخصيص الجمعة بالذكر في السؤال، انفرد به دون بقية أصحاب منصور بن المعتمر الثقات: سليمان بن قرم بن معاذ الضبي، وهو: سيئ الحفظ، ليس بذاك [التهذيب (2/ 105)].

* هكذا روى هذا الحديث: سفيان الثوري، وشعبة، وجرير بن عبد الحميد، وزياد بن عبد الله، وإبراهيم بن طهمان، ومفضل بن مهلهل، وشيبان بن عبد الرحمن، وسليمان بن معاذ الضبي:

قالوا: حدثنا منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: سألت عائشة:

الحديث.

* ورواه مغيرة بن مقسم الضبي، واختلف عليه، والصواب عنه: أنه رواه عن إبراهيم عن عائشة مرسلًا؛ لم يذكر علقمة، قال الدارقطني في العلل (14/ 367/ 3715):"والصواب عن مغيرة: عن إبراهيم مرسلًا عن عائشة".

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (5/ 339 - 340).

قلت: القول قول منصور بن المعتمر؛ فإنه ثقة ثبت، وكان من أثبت الناس في إبراهيم بن يزيد النخعي، وقد زاد في الإسناد رجلًا، والحكم هنا لمن زاد، واتفق الشيخان على إخراج حديثه هذا، وأما مغيرة فإنه: ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس عن إبراهيم، فحديثه عن إبراهيم مدخول، وقال أحمد بأن عامة ما رواه عن إبراهيم إنما سمعه من غيره [التهذيب (4/ 138)].

* وفي الباب أيضًا:

1 -

حديث أنس بن مالك:

رواه إسماعيل ابن عليه: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ، وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال:"ما هذا؟ " قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال:"حُلُّوه"، ثم قال:"لِيُصلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا كسِل أو فتَر فليقعُد".

أخرجه مسلم (784)، وتقدم برقم (1312).

* ورواه عبد الوارث بن سعيد: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال:"ما هذا الحبل؟ "، قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا، حُلُّوه، ليُصلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فتر فليقعد".

ص: 49

أخرجه البخاري (1150)، ومسلم (784)، وتقدم برقم (1312).

2 -

حديث أنس بن مالك:

رواه أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي، فلينصرف فلينم، حتى يعلم ما يقول"، وفي رواية:"حتى يعلم ما يقرأ"، وفي رواية:"حتى يعقل ما يقول".

أخرجه البخاري (213)، وتقدم تحت الحديث رقم (1312).

3 -

حديث أبي هريرة:

رواه معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدُكم من الليل، فاستعجم القرآنُ على لسانِه، فلم يَدْرِ ما يقول، فليضطجع".

أخرجه مسلم (787)، وتقدم برقم (1311).

4 -

حديث عائشة:

رواه مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا نَعَس أحدُكم في الصلاة، فليرقُد حتى يذهبَ عنه النومُ، فإنَّ أحدَكم إذا صلَّى وهو ناعسٌ، لعلَّه يذهبُ يستغفرُ، فيسُبَّ نفسَه".

أخرجه البخاري (212)، ومسلم (786)، وتقدم برقم (1310).

* تابع مالكًا عليه: أيوب السختياني، وسفيان الثوري، وشعبة، وزائدة بن قدامة، ووكيع بن الجراح، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبدة بن سليمان، وعيسى بن يونس، وعبد الله بن نمير، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وأنس بن عياض، والليث بن سعد، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وعلي بن مسهر، ومالك بن سُعير بن الخِمس، ويحيى بن عبد الله بن سالم العمري، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي [وهم ثقات في الجملة، وفيهم أئمة الحديث وحفاظهم]:

رووه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا نعس أحدكم فليرقد؛ فإن أحدكم يريد أن يستغفر فيسب نفسه". لفظ وكيع.

ولفظ أيوب: "إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري".

ولفظ ابن عيينة: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي، فلينفتل؛ فإنه لا يدري لعله يذهب يستغفرُ فيسبَّ نفسه" أو قال: "فيدعو على نفسه".

ولفظ ابن نمير: "إذا نعس أحدكم فليرقد، حتى يذهب عنه النوم، فإنه إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر، فيسب نفسه".

ولفظ حماد بن سلمة: "إذا وجد أحدكم النوم وهو يصلي؛ فليرقد حتى يذهب نومه، إن أحدكم عسى أن يذهب يستغفر الله فيسب نفسه".

ص: 50

ولفظ جرير: "إذا أخذ أحدكم النوم وهو يصلي فليرقد، حتى يذهب عنه النوم، ثم يصلي؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس؛ لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه".

أخرجه مسلم (786)، وتقدم تحت الحديث رقم (1310).

5 -

حديث الحكم بن حزن:

يرويه شهاب بن خِراش: حدثني شعيب بن رُزَيق الطائفي، قال: جلست إلى رجلٍ له صحبةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له: الحكم بن حَزْنٍ الكُلَفي، فأنشأ يحدثنا، قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابعَ سبعةٍ -أو: تاسعَ تسعةٍ- فدخلنا عليه، فقلنا: يا رسول الله! زُرناك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا، وأمر لنا بشيءٍ من التمر، والشأنُ إذ ذاك دونٌ، فأقمنا بها أيامًا شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكِّئًا على عصًا، أو قوسٍ، فحمد الله وأثنى عليه، كلماتٍ خفيفاتٍ طيباتٍ مباركاتٍ، ثم قال:"أيها الناس، إنكم لن تطيقوا - أو: لن تفعلوا- كلَّ ما أُمرتم به، ولكن سدَّدوا، وأبشروا".

وهو حديث حسن، تقدم برقم (1096).

6 -

حديث أبي هريرة:

يرويه عمر بن علي المقدمي، عن [وفي رواية: قال: سمعت] معن بن محمد الغفاري، عن [وفي رواية: قال: سمعت] سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة".

أخرجه البخاري في الصحيح (39)، وفي التاريخ الكبير (7/ 390)، والنسائي في المجتبى (8/ 121/ 5034)، وابن حبان (2/ 63/ 351)، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (420)، وفي عيون الأخبار (1/ 447)، والقضاعي في مسند الشهاب (976)، والبيهقي في السنن (3/ 18)، وفي الشعب (6/ 384/ 3598)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 50/ 935)، وقال:"هذا حديث صحيح". [التحفة (9/ 310/ 13069). الإتحاف (14/ 688/ 18492)، المسند المصنف (33/ 566/ 15759)].

قال ابن رجب في الفتح (1/ 136): "وهذا الحديث تفرد به البخاري، وتفرد بالتخريج لمعن الغفاري، ومعنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين بأن يحمِّل الإنسانُ نفسَه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه"، يعني: أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة، فمن شادَّ الدين غلبه وقطعه".

وقال ابن حجر في الفتح (1/ 94): "وهو من أفراد معن بن محمد، وهو مدني ثقة قليل الحديث، لكن تابعه على شقه الثاني: ابن أبي ذئب عن سعيد".

* ورواه ابن أبي ذئب [ثقة، من أثبت الناس في سعيد المقبري]، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن ينجيَ أحدًا منكم عملُه"،

ص: 51

قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله [منه] برحمةٍ، سددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيءٌ من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا".

أخرجه البخاري في الصحيح (6463)، وفي الأدب المفرد (461)، وأحمد (2/ 514 و 537)(4/ 2199/ 10828 - ط المكنز) و (4/ 2254/ 11095 - ط المكنز)، والطيالسي (4/ 83/ 2441)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2772 و 2773)، والبيهقي (3/ 18)، والبغوي في شرح السُّنَّة (14/ 389/ 4192)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 455) و (34/ 6). [التحفة (9/ 297/ 13029) ، الإتحاف (14/ 712/ 18559)، المسند المصنف (34/ 415/ 16300)].

* ورواه وهب بن بقية [ثقة]: أخبرنا خالد [هو: ابن عبد الله الواسطي: ثقة ثبت]، عن عبد الرحمن بن إسحاق المديني [ليس به بأس، وليس هو ممن يعتمد على حفظه، وفي بعض حديثه ما ينكر، وما لا يتابع عليه. التهذيب (2/ 487)، الميزان (2/ 547)]، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغُدُوِّ والرَّواح، وشيءٍ من الدلجة، وعليكم بالقصد تبلغوا، واعلموا أنه ليس أحدٌ منكم ينجيه عملُه"، قلنا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله عز وجل منه برحمة وفضل".

أخرجه أبو يعلى (11/ 473/ 6594). [المسند المصنف (34/ 415/ 16300)].

وهذا حديث حسن، رواه عبد الرحمن بن إسحاق بالمعنى، فقدَّم فيه وأخَّر.

* ورواه أيضًا: يحيى بن قزعة [ثقة. التهذيب (4/ 382). سؤالات الحاكم (510)]: نا داود بن خالد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن ينجي أحدًا منكم عملُه"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله منه برحمةٍ، ولكن سددوا وقاربوا، والقصدَ القصدَ تبلغوا".

أخرجه الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (172)، وعنه: ابن بشران في الأمالي (1155)، وأبو طاهر السلفي في الثاني والثلاثين من المشيخة البغدادية (8)(2601 - مشيخة المحدثين البغدادية).

وهذا إسناد جيد في المتابعات: داود بن خالد أبو سليمان الليثي المدني العطار: روى عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين:"لا أعرفه"، وروى له النسائي حديثًا واحدًا، وخلطه ابن عدي بداود بن خالد بن دينار، ثم قال:"وكأن أحاديثه إفرادات، وأرجو أنه لا بأس به"، وقد أورد في ترجمته ثلاثة أحاديث، أحدها لصاحب الترجمة، وقد توبع عليه عن المقبري، واثنان لابن دينار لم يتابع عليهما، وقال الذهبي في المغني:"لا يكاد يُعرف"، قلت: هو مع قلة حديثه، وجهالته، لم يرو منكرًا عن المقبري، وأحاديثه مستقيمة معروفة [التاريخ الكبير (3/ 239). الجرح والتعديل (3/ 410)، الثقات (6/ 285)، الكامل (4/ 443 - ط الرشد)، الميزان (2/ 6)، المغني (1989)، التهذيب (1/ 562)].

ص: 52

* وروي أيضًا من وجه آخر عن سعيد المقبري: ذكره الدارقطني في العلل (8/ 141/ 1460).

* ولحديث أبي هريرة هذا طرق أخرى كثيرة، بل وشواهد أيضًا، في الصحيحين وغيرهما، تركت ذكرها اختصارًا لعدم اشتمالها على موضع الشاهد في القصد في العبادة، وعدم المشادة في الدين، والله أعلم.

* وأذكر له شاهدًا واحدًا اشتمل على موضع الشاهد في القصد في العبادة:

رواه موسى بن عقبة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سددوا وقاربوا، وأبشروا، فإنه لن يُدخِلَ الجنةَ أحدًا عملُه"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة [وفي رواية: بمغفرة ورحمة]، واعلموا أن أحبَّ العمل إلى الله أدومُه وإن قلَّ".

أخرجه البخاري (6464 و 6467)، ومسلم (2818). [تقدم تخريجه في طرق حديث عائشة المتقدم برقم (1368)].

* قلت: والحاصل: فإن حديث معن بن محمد الغفاري هذا قد احتج به البخاري، وترجم له بقوله:"باب: الدين يسر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"؛ هكذا احتج البخاري بهذه اللفظة التي انفرد بها معن عمن روى هذا الحديث عن سعيد المقبري: ابن أبي ذئب، وعبد الرحمن بن إسحاق، وداود بن خالد.

وقد أخرج البخاري لمعنٍ حديثًا آخر بنفس الإسناد (6419)، وهو حديث:"أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله، حتى بلَّغه ستين سنة"، ثم قال:"تابعه أبو حازم وابن عجلان، عن المقبري".

وأخرج له حديثًا ثالثًا (5985)، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه"، ثم أتبعه بحديث أنس (5986).

وعلق له البخاري أيضًا: حديث: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر"، في الأطعمة، وبوب به، وقال:"فيه: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وأشهر طرقه بهذا اللفظ حديث معن بن محمد.

وقد احتج النسائي بحديثنا هذا، وبوب له:"الدين يسر"، ولم يذكر فيه اختلافًا على سعيد المقبري، وصححه أيضًا: ابن حبان والبغوي.

ومعن بن محمد الغفاري: مدني، روى عنه جماعة من الثقات، وقال البزار:"ومعن رجل من أهل المدينة، ليس به بأس"، وقال الدارقطني:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في الفتح:"مدني ثقة قليل الحديث".

قلت: وأحاديثه مستقيمة، وقد صحح له البخاري وابن خزيمة وابن حبان وأبو عوانة والحاكم، وحسن له الترمذي، واحتج به النسائي [جامع الترمذي (2486). مسند البزار

ص: 53

(15/ 297/ 8808). صحيح ابن خزيمة (1898 و 1899)، صحيح أبي عوانة (8242)، صحيح ابن حبان (351)، المستدرك (2/ 313/ 1551 - ط الميمان) و (9/ 115/ 7377 - ط الميمان)، الجرح والتعديل (8/ 277)، الثقات (7/ 490)، بيان الوهم (3/ 585)، الفتح لابن حجر (1/ 94)، التهذيب (4/ 130)].

وهاتان الجملتان اللتان انفرد بهما معن: "إن الدين يسر"، "ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه": قد جاء ما يشهد لهما في القرآن والسُّنَّة، ويأتي ذكر بعض شواهدهما بعد هذا؛ فهما من خصائص هذه الشريعة السمحة؛ فلم يأت معن في الحديث بما ينكر، وقد يكون سعيد المقبري قد خصه بما لم يخص به ابن أبي ذئب، ثم إن الجملة الأخيرة التي انفرد بها ابن أبي ذئب عن معن:"والقصد القصد تبلغوا"؛ هي في معنى يسر الدين وعدم المشادة فيه والمغالبة، فقد جاءت بنفس معنى الجملة الأولى التي انفرد بها معن، والله أعلم.

7 -

حديث أعرابي:

يرويه أبو سلمة الخزاعي [منصور بن سلمة: ثقة ثبت حافظ]، قال: أخبرنا أبو هلال [محمد بن سليم الراسبي: ليس بالقوي. راجع ترجمته تحت الحديث رقم (574)، فضل الرحيم الودود (6/ 482/ 574)]، عن حميد بن هلال العدوي [تابعي ثقة]، سمعه منه عن أبي قتادة [العدوي، تميم بن نُذَير، وهو: بصري، تابعي كبير، ثقة، يروي عن عمر]، عن الأعرابي الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره".

أخرجه أحمد (3/ 479). [الإتحاف (16/ 765/ 21217)، المسند المصنف (35/ 420/ 17207)].

فهذا إسناد ليس بذاك القوي، لأجل أبي هلال الراسبي، ولم يذكر فيه أبو قتادة العدوي سماعًا من الصحابي المبهم، وأبو قتادة: تابعي كبير، أدرك عمر، وأثبت له البزار السماع منه، وذكره بعض المتأخرين في الصحابة وهمًا [طبقات ابن سعد (7/ 130)، التاريخ الكبير (2/ 151)، كنى مسلم (2804)، الجرح والتعديل (2/ 441)، الثقات (4/ 85)، المؤتلف والمختلف (4/ 2258)، الإصابة (865)][راجع الحديث رقم (1214)].

وهو صالح في الشواهد.

8 -

حديث بريدة بن الحصيب:

يرويه إسماعيل بن عليه، ووكيع بن الجراح، وأبو داود الطيالسي، ومحمد بن بكر البرساني، وروح بن عبادة، وابن أبي عدي، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، ويزيد بن هارون [من رواية أبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي بكر ابن أبي شيبة][وهم جميعًا ثقات أثبات]، وأشهل بن حاتم [محله الصدق، وليس بالقوي. التهذيب (1/ 182)، الجرح والتعديل (2/ 347)]:

عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن [بصري، ثقة، سمع أباه]، عن أبيه، عن بريدة

ص: 54

الأسلمي قال: خرجت ذات يوم لحاجة، فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم يمشي بين يدي، فأخذ بيدي فانطلقنا نمشي جميعًا، فإذا نحن بين أيدينا برجل يصلي يكثر الركوع والسجود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتراه يراثي؟ "، فقلت: الله ورسوله أعلم، فترك يدي من يده، ثم جمع بين يديه فجعل يصوبهما ويرفعهما، ويقول:"عليكم هديًا قاصدًا، عليكم هديًا قاصدًا، عليكم هديًا قاصدًا؛ فإنه من يشادَّ هذا الدين يغلبه". بألفاظ متقاربة، وهذا لفظ ابن عليه.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 199/ 1179)، والحاكم (1/ 312)، وأحمد (4/ 422) و (5/ 350 و 361)، ووكيع في الزهد (235)، والطيالسي (2/ 154/ 847)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (3/ 386)، وأحمد بن منيع (1/ 113/ 82 - إتحاف الخيرة)، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (95 و 96)، وحسين المروزي في زوائده على الزهد لابن المبارك (1113)، والروياني (48)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 161/ 2599)، والطحاوي في المشكل (3/ 262/ 1235)، وابن الأعرابي في المعجم (22)، والقضاعي في مسند الشهاب (398)، والبيهقي في السنن (3/ 18)، وفي الشعب (6/ 385/ 3599 و 3600)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 655 - ط الغرب)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (446)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 53/ 936)، وإسماعيل الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (163). [الإتحاف (2/ 606/ 2385 و 2386)، المسند المصنف (4/ 301/ 2112)].

* وهم في إسناده: يزيد بن هارون [من رواية أحمد بن حنبل عنه]، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ [ثقة]:

فروياه عن عيينة، عن أبيه، عن أبي برزة الأسلمي، قال: خرجت يومًا أمشي فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم متوجهًا، فظننته يريد حاجةً، فجعلت أخنس عنه وأعارضه، فرآني فأشار إليَّ فأتيته، فأخذ بيدي، فانطلقنا نمشي جميعًا، فإذا نحن برجل يصلي يكثر الركوع والسجود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتراه مرائيًا؟ "، فقلت: الله ورسوله أعلم، فأرسل يدي، ثم طبق بين كفيه فجمعهما، ثم جعل يرفعهما بحيال منكبيه ويضعهما ويقول:"عليكم هديًا قاصدًا"، ثلاث مرات؛ "فإنه من يشاد الدين يغلبه". لفظ أحمد، ورواية المقرئ مختصرة.

أخرجه أحمد (4/ 422)، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (97). [الإتحاف (13/ 508/ 17068)، المسند المصنف (4/ 301/ 2112)].

قال أحمد في المسند بعد هذا الحديث: "وقال يزيد ببغداد: بريدة الأسلمي، وقد كان قال: عن أبي برزة، ثم رجع إلى بريدة، حدثنا وكيع، ومحمد بن بكر قالا: بريدة الأسلمي".

قلت: ورواية الجماعة هي المحفوظة، إنما هو من مسند بريدة بن الحصيب، لا من مسند أبي برزة.

قلت: وعبد الرحمن بن جوشن: بصري، ثقة، ولم يذكر سماعًا من بريدة، ولم أقف

ص: 55

له عن بريدة على غير هذا الحديث، وليست له رواية عن بريدة في الكتب الستة، ولا في أطراف العشرة سوى هذا الحديث، وكان صهرًا لأبي بكرة وبلديَّه، وقد سمع منه، قال الدارقطني في العلل (7/ 167/ 1281):"عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني: من أصحاب أبي بكرة، قاله عيينة بن عبد الرحمن"، وغالب من ترجم له بروايته عن أبي بكرة [انظر مثلًا: معرفة الثقات (1029)، الجرح والتعديل (5/ 220)، الثقات (5/ 84)، المؤتلف للدارقطني (1/ 518)، إكمال ابن ماكولا (2/ 165)، التهذيب (2/ 496)].

وقد تأخرت وفاة بريدة عن أبي بكرة بنحو عشر سنين أو أكثر، وعليه فإن لقاء عبد الرحمن بن جوشن له ممكن؛ لا سيما وقد نزل بريدة بالبصرة، وسكنها مدة قبل أن ينتقل إلى مرو [السير (2/ 469)].

وعليه: فإن رجال إسناده ثقات، واحتمال اتصاله قوي، وهو صحيح بشاهده الآتي، والله أعلم.

وحديث بريدة قد صححه ابن خزيمة، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وحسن ابن حجر إسناده في الفتح (1/ 94).

9 -

حديث محجن بن الأدرع، وله طرق:

* روى محمد بن جعفر، وحجاج بن محمد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وشبابة بن سوار، وابن أبي عدي، وشاذان الأسود بن عامر، وإبراهيم بن طهمان [وهم ثقات]:

عن شعبة، عن أبي بشر [جعفر بن أبي وحشية]، عن عبد الله بن شقيق [وفي رواية شاذان: سمعت عبد الله بن شقيق]، عن رجاء بن أبي رجاء، قال: كان بريدة على باب المسجد، فمر محجنٌ عليه وسَكَبَة يصلي، فقال بريدة -وكان فيه مزاح- لمحجن: ألا تصلي كما يصلي هذا؟ فقال محجن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي، فصعد على أُحُد، فأشرف على المدينة، فقال:"ويل أمِّها قرية يدعها أهلها خير ما تكون، أو كأخير ما تكون، فيأتيها الدجال، فيجد على كل باب من أبوابها ملكا مصلتًا بجناحه فلا يدخلها".

قال: ثم نزل وهو آخذ بيدي، فدخل المسجد، وإذا هو برجل يصلي، فقال لي:"من هذا؟ "، فأثنيت عليه خيرًا، فقال:"اسكت؛ لا تُسمعه فتهلكَه"، قال: ثم أتى حجرة امرأة من نسائه، فنفض يده من يدي، قال:"إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره".

أخرجه النسائي في الرابع من الإغراب (11)، وأحمد (4/ 338) و (5/ 32)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 492/ 37484)، وفي المسند (596)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 273)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 349/ 2383) وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 83/ 137 - مسند عمر)، وأبو جعفر ابن البختري في جزء من أماليه (6 - رواية ابن مخلد البزاز)(765 - مجموع مصنفاته)، والطبراني في الكبير (20/ 297/ 705)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (325)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/

ص: 56

2573/ 6205)، والقضاعي في مسند الشهاب (1224)[وسقط من إسناده رجاء بن أبي رجاء]، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 939/ 568). [الإتحاف (13/ 127/ 16498) المسند المصنف (24/ 203/ 10842)].

* ورواه أيضًا: أبو عوانة، حدثنا أبو بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء الباهلي، عن محجن -قال عفان بن مسلم: وهو ابن الأدرع-، قال: قال رجاء: أقبلت مع محجن ذات يوم حتى إذا انتهينا إلى مسجد البصرة، فوجدنا بريدة الأسلمي على باب من أبواب المسجد جالسًا، قال: وكان في المسجد رجل يقال له: سكبة يطيل الصلاة، فلما انتهينا إلى باب المسجد وعليه بريدة، قال: وكان بريدة صاحب مزاحات، قال: يا محجن، ألا تصلي كما يصلي سكبة، قال: فلم يرد عليه محجن شيئًا ورجع، قال: وقال لي محجن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي، فانطلق يمشي حتى صعد أُحُدًا فأشرف على المدينة، فقال:"ويل أمِّها من قرية يتركها أهلها كأعمر ما تكون، يأتيها الدجال فيجد على كل باب من أبوابها ملكًا مصلتًا، فلا يدخلها".

قال: ثم انحدر حتى إذا كنا بسدة المسجد، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي في المسجد، ويسجد ويركع، ويسجد ويركع، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ "، قال: فأخذت أطريه له، قال: قلت: يا رسول الله هذا فلان، وهذا وهذا، قال:"اسكت؛ لا تسمعه فتهلكه"، قال: فانطلق يمشي حتى إذا كنا عند حجره، لكنه رفض يدي، ثم قال:"إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره".

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (341)، وأحمد (5/ 32) ، والطيالسي (2/ 627/ 1391) و (2/ 628/ 1392)، وحنبل بن إسحاق في الفتن (8)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 350/ 2384)، والطبراني في الكبير (20/ 297/ 704)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2572/ 6204). [الإتحاف (13/ 127/ 16498)، المسند المصنف (24/ 203/ 10842).

هكذا رواه عن أبي عوانة: عفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وخالد بن خداش، وعبد الواحد بن غياث، وإبراهيم بن حجاج، وأبو داود الطيالسي [في رواية][وهم ثقات].

ورواه أبو داود الطيالسي، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن رجاء، قال: أخذ محجن بيدي

فذكره.

هكذا هو في نسخ المسند، ورواه من طريقه هكذا: أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1444/ 3663). [انظر: توضيح المشتبه (5/ 123)].

ثم رواه أبو نعيم (5/ 2572/ 6204) من طريقه مرة أخرى مقرونًا بإسناد عبد الواحد بن غياث، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء الباهلي، قال: أخذ محجن بيدي

فذكره.

ص: 57

وكذا أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة (5/ 64) من طريق الطيالسي، كالجماعة [وكذا نقله ابن حجر في الإصابة (3/ 112)].

ورواية الجماعة هي الصواب، بإثبات عبد الله بن شقيق في الإسناد، وإسقاطه وهم.

* هكذا رواه شعبة، وأبو عوانة:

عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء الباهلي، عن محجن به مرفوعًا.

* خالفهما في إسناده الأعمش فوهم:

رواه جرير بن عبد الحميد [ثقة]، وأبو بكر بن عياش [ثقة، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح]، وأبو إسماعيل المؤدب إبراهيم بن سليمان بن رزين [لا بأس به]: عن الأعمش، عن جعفر بن إياس اليشكري، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: إني لأمشي مع عمران بن حصين رضي الله عنه، فانتهينا إلى مسجد البصرة، فإذا بريدة رضي الله عنه جالس فيه وسكبة -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي الضحى، فقال بريدة رضي الله عنه: يا عمران، أما تستطيع أن تصلي كما يصلي سكبة؟

فذكر الحديث بنحوه تامًا.

أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 275)، والطبراني في الكبير (18/ 230/ 573)، وأبو طاهر المخلص في السابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (23)(4 135 - المخلصيات)، وذكره ابن حجر في الإصابة (3/ 112)، وعزاه لابن شاهين.

قال أبو القاسم الطبراني: "هكذا رواه الأعمش عن أبي بشر عن عبد الله بن شقيق عن عمران بن حصين، وخالفه شعبة وأبو عوانة، فروياه عن أبي بشر عن عبد الله بن شقيق عن رجاء بن أبي رجاء عن محجن بن الأدرع".

وقال الدارقطني في العلل (14/ 24/ 3390) بعد ذكر وجوه الاختلاف فيه: "والصحيح: حديث شعبة وأبي عوانة، عن أبي بشر".

وقال ابن منده في المعرفة: "رواه شعبة عن أبي بشر عن عبد الله بن شقيق عن رجاء بن أبي رجاء عن محجن، ورواه أبو بكر بن عياش وغيره عن الأعمش عن أبي بشر عن عبد الله بن شقيق عن عمران بن حصين، ووهم فيه، والصواب ما تقدم"[توضيح المشتبه (5/ 123)].

وقال أبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2573/ 6206): "ورواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي بشر عن عبد الله بن شقيق عن عمران بن حصين، وهو وهم، والصواب ما تقدم".

* ورواه حماد بن سلمة [ثقة، سمع من الجريري قبل الاختلاط]، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن محجن بن الأدرع السلمي، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجز يمين المدينة في حاجة،

فذكر الحديث بنحوه، وفي آخره: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر، وكره لها العسر" قالها ثلاثًا. لفظه عند الطبراني.

ص: 58

أخرجه أحمد (5/ 32)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 274 - 275)، والحارث بن أبي أسامة (337 - بغية الباحث)، وابن قانع في المعجم (3/ 67)، والطبراني في الكبير (20/ 298/ 707)، والواحدي في التفسير (1/ 282). [الإتحاف (13/ 127/ 16498)، المسند المصنف (24/ 203/ 10842)].

هكذا رواه عن حماد بن سلمة: عفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل، وأبو عمر حفص بن عمر الضرير، وعبيد الله بن محمد ابن عائشة، وداود بن شبيب [وهم ثقات]، وغيرهم.

* ورواه يزيد بن هارون، وعثمان بن عمر بن فارس، ومحمد بن جعفر [وهم ثقات]، وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي [لا بأس به]:

عن كهمس بن الحسن [ثقة]، قال: سمعت عبد الله بن شقيق، قال: قال محجن بن الأدرع: بعثني نبي الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، ثم عرض لي وأنا خارج من طريق من طرق المدينة، قال: فانطلقت معه حتى صعدنا أُحُدًا، فأقبل على المدينة، فقال:"ويلَ أمِّها قرية يوم يدعها أهلها"، قال يزيد:"كأينع ما تكون"، قال: قلت: يا نبي الله، من يأكل ثمرتها؟ قال:"عافية الطير والسباع"، قال:"ولا يدخلها الدجال، كلما أراد أن يدخلها تلقاه بكل نقب منها ملك مصلتًا"، قال: ثم أقبلنا حتى إذا كنا بباب المسجد، قال: إذا رجل يصلي، قال:"أتقوله صادقًا؟ "، قال: قلت: يا نبي الله، هذا فلان، وهذا من أحسن أهل المدينة، أو قال: أكثر أهل المدينة صلاة، قال:"لا تسمعْه فتهلكَه" مرتين أو ثلاثًا، "إنكم أمة أُريد بكم اليسر".

أخرجه الحاكم (4/ 427)(10/ 208/ 8520 - ط الميمان)، وأحمد (5/ 32)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 274)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 551/ 2265 - السفر الثاني)، وابن قانع في المعجم (3/ 67)، والطبراني في الكبير (20/ 297/ 706) ، وفي الأوسط (3/ 60/ 2476)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2573/ 6206)، وفي الحلية (6/ 214)، وذكره ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه (5/ 124). [الإتحاف (13/ 127/ 16498)، المسند المصنف (24/ 203/ 10842)].

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

وقال أبو نعيم: "رواه حماد بن سلمة عن الجريري عن عبد الله بن شقيق نحوه، ورواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي بشر عن عبد الله بن شقيق عن عمران بن حصين، وهو وهم، والصواب ما تقدم".

وقال الدارقطني في العلل (14/ 24/ 3390) بعد ذكر وجوه الاختلاف فيه: "والصحيح: حديث شعبة وأبي عوانة، عن أبي بشر".

* قلت: وحاصل هذا الاختلاف؛ أنه قد اختلف فيه على عبد الله بن شقيق:

أ- فرواه أبو بشر جعفر بن إياس [ثقة، احتج به صاحبا الصحيح]، عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء الباهلي، عن محجن به مرفوعًا.

ص: 59

ب- وخالفه: حماد بن سلمة [ثقة]، وكهمس بن الحسن [ثقة]:

فروياه عن عبد الله بن شقيق، عن محجن بن الأدرع، هكذا بلا واسطة.

قلت: والمحفوظ إثبات الواسطة، وهو: رجاء بن أبي رجاء الباهلي البصري في الإسناد بين محجن وعبد الله بن شقيق، كما قال الدارقطني وأبو نعيم وغيرهما، والحكم هنا لمن زاد؛ فقد جاء بالزيادة اثنان من كبار الحفاظ الأثبات، شعبة وأبو عوانة عن أبي بشر، ورجاء: قال العجلي: "بصري تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ونقل الخطيب في المتفق (2/ 940/ 569) [وكذا هو في تلخيصه: تجريد الأسماء والكنى المذكورة في كتاب المتفق (1/ 208)]؛ أنه قرئ على مكي بن عبدان؛ قال: "سمعت مسلم بن الحجاج ذكر رجاء بن أبي رجاء الباهلي في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة، وكان ثقة رحمه الله"، والظاهر أن هذا التوثيق الأخير من الخطيب البغدادي، فقد وجدت رجاءً الباهلي مترجمًا له في الطبقات لمسلم برواية مكي بن عبدان، في الطبقة الأولى من التابعين من أهل البصرة، برقم (1706)، وقال:"ورجاء بن أبي رجاء الباهلي"، ولم يزد على ذلك شيئًا، والله أعلم [التاريخ الكبير (3/ 311)، الطبقات لمسلم (1706)، معرفة الثقات (475)، الجرح والتعديل (3/ 501)، الثقات (4/ 237)، التهذيب (1/ 602)، التعجيل (318)].

فإن قيل: قد اقتصر الذهبي في الميزان (2/ 46) في ترجمته بما يشير إلى جهالته، حيث قال:"وما روى عنه سوى عبد الله بن شقيق، وثقه ابن حبان"؛ فيقال: قد وثقه أيضًا: العجلي، والخطيب، ولم يرو منكرًا؛ كما أن الراوي عنه: عبد الله بن شقيق العقيلي البصري، وهو: تابعي من الطبقة الثالثة، من رجال مسلم، وهذا مما يرفع من شأنه، وقد تقدم له معنا حديث آخر محفوظ [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 184/ 630)].

وعلى هذا فإن توثيقه أقرب عندي من الحكم عليه بالجهالة، لا سيما وقد سمع رجاء محجنًا، وشهد القصة بينه وبين بريدة وسكبة، كما جاء في رواية أبي عوانة؛ فضلًا عن كون الراوي عنه تابعيًا مشهورًا، فاتصل بذلك الإسناد، وصح، والحمد لله أولًا وآخرًا.

فهو حديث صحيح، والله أعلم.

* وروى وكيع بن الجراح [كوفي، ثقة حافظ]، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو [ثقة]، وجعفر بن عون [كوفي، ثقة]:

عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن ابن الأدرع، قال: كنت أحرس النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فخرج لبعض حاجته، قال: فرآني، فأخذ بيدي، فانطلقنا، فمررنا على رجل يصلي يجهر بالقرآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عسى أن يكون مرائيًا"، قال: قلت: يا رسول الله! يصلي يجهر بالقرآن [وفي رواية: يصلي ويدعو]، قال: فرفض يدي، ثم قال:"إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة"، قال: ثم خرج ذات ليلة، وأنا أحرسه لبعض حاجته، فأخذ بيدي، فمررنا على رجل يصلي بالقرآن [رافعًا صوته]، قال: فقلت: عسى أن يكون مرائيًا،

ص: 60

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا، إنه أواب"[وفي رواية: "لا، ولكنه أواه"]، قال: فنظرت، فإذا هو عبد الله ذو البجادين [والآخر أعرابي].

أخرجه أحمد (4/ 337)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 79/ 2887 - زوائد المسند ط التأصيل)(12/ 372/ 2911 - مطالب)(1/ 114/ 83 - إتحاف الخيرة)، وابن منده في معرفة الصحابة (2/ 686)، والبيهقي في الشعب (2/ 299/ 576). [الإتحاف (16/ 341/ 20874)، المسند المصنف (34/ 719/ 16662)].

قال البيهقي: "وإسناد هذا الحديث مرسل".

يعني: أن زيد بن أسلم لم يدرك ابن الأدرع.

* خالفهم: عبد الله بن نافع [الصائغ المدني: ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين]، فرواه عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن سلمة بن ذكوان، قال: كنت أحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة،

ثم ذكر الحديث.

أخرجه ابن منده في معرفة الصحابة (2/ 687)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1343/ 3394).

وقد اعتمد ابن منده وأبو نعيم هذا الطريق، فأخرجا الحديث في ترجمة: سلمة بن ذكوان، وقالا في أول الترجمة:"سلمة بن ذكوان، يقال له: ابن الأدرع، وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا مع ابن الأدرع"، وكان ممن يحرس النبي صلى الله عليه وسلم".

وأما أحمد فقد أخرجه في مسند ابن الأدرع، ويبدو أنه فرق بينه وبين محجن بن الأدرع، حيث أخرج أحاديث محجن بعده بترجمة.

وقد ذهب جماعة من النقاد إلى أن ابن الأدرع الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارموا وأنا مع ابن الأدرع"، هو: محجن بن الأدرع، منهم: ابن سعد، وابن أبي خيثمة، وابن أبي عاصم، وابن شاهين، وابن عبد البر، وغيرهم [الطبقات الكبرى (4/ 316) و (7/ 12)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (1/ 105/ 277 - السفر الثاني)، المعجم الكبير للطبراني (3/ 158/ 2989)، الناسخ لابن شاهين (265)، الاستيعاب (3/ 1363)، إيضاح الإشكال (102)، أسد الغابة (5/ 71) و (6/ 353)، تاريخ الإسلام (4/ 299)، التوضيح لابن الملقن (17/ 614)]، قلت: وهذا هو الأقرب، فإنه هو المشهور برواية هذا الحديث، والله أعلم.

* وخالفهم أيضًا: طلحة بن يحيى، فرواه عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن سلمة بن الأكوع، قال: كنت أحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً،

فذكر معناه، وقال في آخره: فإذا هو عبد الله ذو النجادين.

أخرجه البيهقي في الشعب (2/ 300/ 576 م).

قال البيهقي: "وهذا ليس بشيء، والصحيح: رواية جعفر بن عون".

قلت: وهو كما قال؛ فإن المحفوظ رواية جماعة الثقات عن هشام بن سعد، وقالوا

ص: 61

فيه: عن ابن الأدرع، والوهم فيه من طلحة بن يحيى، والأقرب أنه: ابن النعمان الزرقي الأنصاري المدني، نزيل بغداد، وثقه ابن معين وعثمان بن أبي شيبة، وقال أبو داود:"لا بأس به"، وقال أحمد:"مقارب الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم:"ليس بقوي"، وقال يعقوب بن شيبة:"طلحة بن يحيى: شيخ ضعيف جدًا، ومنهم من لا يكتب حديثه لضعفه"[الجرح والتعديل (4/ 482)، تاريخ بغداد (10/ 474)، تاريخ الإسلام (11/ 195)، إكمال مغلطاي (7/ 88)، التهذيب (2/ 245)].

* وقد خولف فيه هشام بن سعد:

فقد رواه أبو يعلى، قال: نا محمد بن إسحاق المسيبي [مدني، ثقة]: نا سليمان بن داود بن قيس [قال أبو حاتم: "شيخ لا أفهمه كما ينبغي"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأزدي: "تُكُلِّم فيه". الجرح والتعديل (4/ 111)، الثقات (8/ 275)، اللسان (4/ 149)]، عن داود بن قيس [الفراء: مدني، ثقة]، عن زيد بن أسلم، عن سلمة بن الأكوع؛ أنه قال: كنت أحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته، فاتكأ على يدي، فمررنا برجل في المسجد رافعًا صوتَه يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عسى أن يكون هذا مرائيًا"، قال: فقلت: يا رسول الله! رجل يصلي، ويدعو ربه! قال: فرفض يدي، ثم قال:"إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة والشدة"، قال أحدهما، قال: ثم خرج ليلة أخرى فوجدني، فاتكأ على يدي، فمررنا برجل يصلي في المسجد رافعًا صوته، فقلت: يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيًا، قال:"لا، ولكنه أواه"، فذهبت أنظر فإذا هو عبد الله ذو البجادين، والآخر أعرابي.

أخرجه أبو يعلى (12/ 372/ 2911 - مطالب)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 102).

قلت: فلا يثبت هذا من حديث داود بن قيس الفراء، وقد اشتهر الحديث من حديث هشام بن سعد، حيث رواه عنه جماعة من الثقات والحفاظ.

فلا يُعرف هذا من حديث سلمة بن الأكوع، وإنما هو حديث محجن بن الأدرع.

وهشام بن سعد: مدني، صدوق، لم يكن بالحافظ، يهم ويخطئ؛ ثبت في زيد بن أسلم، وليس بذاك القوي في غيره، قال أبو داود:"هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم"، وإنما يُقبل حديثه أو يُردُّ بالقرائن الدالة على حفظه للحديث، أو عدم ضبطه له، وقد ضعفه النسائي وابن معين، وليناه في رواية، ووافقهما على تليينه جماعة [انظر: التهذيب (4/ 270) وغيره] [وقد سبق الكلام على هشام بن سعد مرارًا، ومتى يقبل حديثه، ومتى يردُّ، وانظر مثلًا: ما تقدم برقم (117 و 410 و 424 و 905 و 927 و 941)].

والحاصل: فإن إسناده منقطع؛ كما قال البيهقي، وهو صالح في المتابعات.

* وله إسناد آخر فيه رجل مبهم:

رواه يزيد بن زريع [بصري، ثقة ثبت]: حدثنا يونس [هو: ابن عبيد البصري: ثقة

ص: 62

ثبت]، عن زياد بن مخراق [بصري، ثقة، من الخامسة]، عن رجل من أسلم، قال: كان منا ثلاثة نفر صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم: بريدة ومحجن وسكبة،

بقصة الصلاة وحدها.

أخرجه مسدد في مسنده (12/ 375/ 2912 - مطالب)(1/ 112/ 82 - إتحاف الخيرة)، والروياني (58)، وابن قانع في المعجم (1/ 323).

وبهذا الإسناد الثالث يزداد حديث محجن ثبوتًا، والله أعلم.

10 -

حديث جابر بن عبد الله:

يرويه يعقوب بن عبد الله الأشعري [ليس به بأس]، عن عيسى بن جارية، عن جابر بن عبد الله، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يصلي على صخرة، فأتى ناحية مكة، فمكث مليًا، ثم انصرف، فوجد الرجل يصلي على حاله، فقام فجمع يديه، ثم قال:"يا أيها الناس! عليكم بالقصد، عليكم بالقصد" ثلاثًا، "فإن الله لا يمل حتى تملوا".

أخرجه ابن ماجه (4241) ، وابن حبان (2/ 72/ 357)، وأبو يعلى (3/ 333/ 1796) و (3/ 334/ 1797)، والطبراني في الأوسط (4/ 107/ 3729)، وأبو بكر الكلاباذي في بحر الفوائد (199)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 257). [التحفة (2/ 335/ 2570)، الإتحاف (3/ 309/ 3078)، المسند المصنف (6/ 474/ 3365)].

قلت: هذا حديث ضعيف، عيسى بن جارية: قال فيه أبو زرعة: "لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات؛ لكن قال فيه ابن معين [في رواية ابن أبي خيثمة]:"ليس بذاك"، وقال [في رواية الدوري]:"روى عنه يعقوب القمي، لا نعلم أحدًا روى عنه غيره، وحديثه ليس بذاك"، وقال [في رواية الدوري أيضًا]:"عنده أحاديث مناكير"، وقال [في رواية ابن الجنيد]:"ليس بشيء"، وقال فيه أبو داود:"منكر الحديث"، وقال أيضًا:"ما أعرفه، روى مناكير"، وقال النسائي:"منكر الحديث"، وذكره العقيلي وابن عدي في الضعفاء، وهو مقل، كما قال الذهبي في التاريخ [تاريخ الدوري (4/ 365 و 369/ 4810 و 4825)، سؤالات ابن الجنيد (122)، التاريخ الكبير (6/ 385)، الجرح والتعديل (6/ 273)، الثقات (5/ 214)، ضعفاء النسائي (423)، الضعفاء الكبير (3/ 383)، الكامل (5/ 248)، تاريخ الإسلام (7/ 439)، التهذيب (3/ 356)، التقريب (485)].

11 -

حديث عروة الفقيمي:

يرويه يزيد بن هارون، وعلي بن المديني، وعمرو بن علي الفلاس، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ووهب بن بقية، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، والحسن بن الربيع، ومحمد بن عقبة، وبشر بن يوسف البصري، والليث بن خالد، ومحمد بن عبد الله الرُّزِّي [وهم ثقات]، وغيرهم:

عن عاصم بن هلال: حدثنا غاضرة بن عروة الفقيمي: حدثني أبي عروة، قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج رجلٌ يقطر رأسه من وضوء أو غسل، فصلى، فلما قضى الصلاة،

ص: 63

جعل الناس يسألونه: يا رسول الله! أعلينا حرج في كذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا؛ أيها الناس! إن دين الله في يسر"، ثلاثًا يقولها.

وقال يزيد مرة: جعل الناس يقولون: يا رسول الله! ما تقول في كذا؟ ما تقول في كذا؟. وهكذا رواه الجماعة.

وفي رواية: "أيها الناس إن دين الله في يسر، أيها الناس إن دين الله في يسر".

أخرجه ابن المديني في الخامس من العلل (60 و 61)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 30)، وأحمد (5/ 69)، وابن سعد في الطبقات (7/ 68)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 393/ 1401 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 397/ 1190)، وأبو يعلى (12/ 274/ 6863)، والدولابي في الكنى (3/ 1090/ 1908)، وابن قانع في المعجم (2/ 262)، وابن حبان في الثقات (5/ 293)، والطبراني في الكبير (17/ 146/ 372)، والدارقطني في الأفراد (2/ 99/ 4222 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في الثاني عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (13)(2766 - المخلصيات)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2186/ 5483 و 5484). [الإتحاف (11/ 164/ 13836)، المسند المصنف (20/ 342/ 9288)].

فائدة: قال عمرو بن علي في روايته: حدثنا عاصم بن هلال البارقي، قال: حدثنا غاضرة بن عروة الفقيمي منذ ستون سنة؛ قال أبو حفص عمرو بن علي: وحدثنا به في سنة ثمانين. يعني: أن عاصمًا سمع هذا الحديث من غاضرة سنة (120) تقريبًا.

قال علي بن المديني: "غاضرة بن عروة الفقيمي: شيخ مجهول، لم يرو عنه غير عاصم بن هلال"، وقد ذكره ابن حبان في الثقات [العلل (175)، الجرح والتعديل (7/ 56)، الثقات (5/ 293) و (7/ 312)، الميزان (3/ 330)، التعجيل (842)، اللسان (6/ 295)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 474)].

وقال الدارقطني: "تفرد به عاصم بن هلال أبو النضر، عن غاضرة بن عروة، عن أبيه". قال أبو حاتم: "عروة الفقيمى التميمي: له صحبة، روى عنه ابنه غاضرة بن عروة"[الجرح والتعديل (6/ 395)].

قلت: عاصم بن هلال البارقي البصري؛ إمام مسجد أيوب السختياني: مختلف فيه، قال ابن معين [في رواية الدوري عنه]:"وعاصم بن هلال صاحب غاضرة: ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"صالح، هو شيخ محله الصدق"، وقال أبو داود والبزار:"ليس به بأس"، وقال الدارقطني:"لا بأس به".

لكن قال ابن معين [في رواية ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عنه]: "ضعيف"، ولما سئل عنه أبو زرعة الرازي قال:"ما أدري ما أقول لكم، حدث عنه الناس، وقد حدث عن أيوب بأحاديث مناكير"، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وقال ابن حبان:"كان ممن يقلب الأسانيد توهمًا لا تعمدًا؛ حتى بطل الاحتجاج به"، وأما ابن عدي فقد أورد له

ص: 64

جملة من أحاديثه عن أيوب التي وهم فيها عليه، فذكر تسعة أحاديث له عن أيوب، وحديثين عن قتادة، ثم قال:"وهذه الأحاديث عن أيوب ليست بمحفوظة عن أيوب"، ثم قال في آخر ترجمته:"ولعاصم غير ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه ليس يتابعه عليه الثقات"؛ إلا أنه لم يورد له هذا الحديث فيما أنكره عليه، وهو مما تفرد به، وقال الذهبي:"نكارة حديثه من قبل الأسانيد لا المتون"[تاريخ ابن معين للدوري (4/ 316/ 4573)، سؤالات البرذعي (2/ 536)، الجرح والتعديل (6/ 351)، ضعفاء العقيلي (3/ 337)، المجروحين (2/ 129)، الكامل (5/ 232) (8/ 197 - 202 - ط الرشد)، علل الدارقطني (9/ 202) و (12/ 358) و (13/ 40)، سؤالات البرقاني (340)، سؤالات السهمي (107)، المؤتلف (4/ 2223)، تاريخ أسماء الضعفاء لابن شاهين (479)، الميزان (2/ 358)، إكمال مغلطاي (7/ 122)، التهذيب (2/ 260)].

قلت: لا يحتمل منه ما تفرد به عن أيوب، أو خالف فيه أصحابه، فقد روى عن أيوب أحاديث منكرة، خالف فيها أصحاب أيوب، وعليه يحمل تضعيف من أطلق فيه الضعف أو التليين.

وأما هذا الحديث الذي تفرد به عن غاضرة بن عروة الفقيمي؛ فإن عبارات الأئمة تدل على غض الطرف عن إنكاره ورده، فهذا ابن معين مع كونه أطلق فيه الضعف في رواية ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح، لكنه في رواية الدوري قال:"وعاصم بن هلال صاحب غاضرة: ليس به بأس"، أي أنه احتمل تفرده به، وأنه لا بأس بروايته لهذا الحديث؛ مع كونه لم يجئ إلا من طريقه، وهذا أبو حاتم مع تشدده في الرجال يحتمل الرجل نوعًا ما ويمشي حاله فيقول:"صالح، هو شيخ محله الصدق"، ثم هو يثبت الصحبة لعروة الفقيمي؛ مع كونه لا يُعرف بغير هذا الحديث، ولم يأتنا إلا من طريق عاصم، وقد مشاه أيضًا واحتمله أبو داود والبزار والدارقطني.

وأبو زرعة إنما حصر مناكيره فيما يرويه عن أيوب وحده، كذلك فإن النسائي مع تشدده في الرجال فقد اقتصر على تليينه، مع كثرة أوهامه على أيوب.

وأما ابن حبان فإنه لما حمل عليه لم يذكر له متنًا واحدًا منكرًا؛ إنما بين بأن أوهامه كانت في الأسانيد من غير تعمد.

وأما ابن عدي فقد أنكر عليه أوهامه عن أيوب فتابع في ذلك أبا زرعة، وزاد له حديثين تفرد بهما عن قتادة، ولم يورد له هذا الحديث في منكراته.

وأما أحمد فلم يخرج له في مسنده أوهامه عن أيوب، وإنما أخرج له هذا الحديث الواحد عن غاضرة.

فباجتماع هذه القرائن: فإن حديث عروة الفقيمي: حديث لا بأس به، ويحتمل تفرد عاصم بن هلال به، كما تحتمل فيه جهالة غاضرة بن عروة حيث لم يرو منكرًا، وقد شهد لصحة معناه أحاديث تقدم ذكرها.

ص: 65

12 -

حديث أنس بن مالك:

روى زيد بن الحباب، قال: أخبرني عمرو بن حمزة: حدثنا خلف أبو الربيع -إمام مسجد سعيد بن أبي عروبة-: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق".

أخرجه أحمد (3/ 198)، قال عبد الله بن أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا زيد بن الحباب،

فذكره. وأبو بكر الخلال في العلل (35 - المنتخب)، من طريق حنبل: حدثني أبو عبد الله به. ومن طريق عبد الله بن أحمد: أخرجه الضياء في المختارة (6/ 120/ 2115). [الإتحاف (1/ 675/ 1072)، المسند المصنف (3/ 138/ 1337)].

قال حنبل: "حدث به أبو عبد الله، ثم تركه، وقال: هو منكر".

وقال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 193): "خلف أبو الربيع؛ إمام مسجد سعيد بن أبي عروبة: في فضل رمضان، وهذا الدين متين، سمع منه عمرو بن حمزة القيسي"، قال أبو عبد الله البخاري:"لا يتابع عمرو في حديثه".

وقال البخاري أيضًا في التاريخ الكبير (6/ 325): "عمرو بن حمزة القيسي البصري:

سمع خلفًا أبا الربيع؛ لا يتابع في حديثه"، وكذا قال العقيلي: "لا يتابع على حديثه"، وقال ابن خزيمة بعد أن أخرج حديثه في فضل رمضان: "إن صح الخبر؛ فإني لا أعرف خلفًا أبا الربيع هذا بعدالة ولا جرح، ولا عمرو بن حمزة القيسي الذي هو دونه"، وقال ابن عدي: "ولعمرو بن حمزة من الروايات غير ما ذكرت قليل، ومقدار ما يرويه غير محفوظ"، وقال الدارقطني: "ضعيف الحديث"، وخالفهم ابن حبان فذكره في الثقات [صحيح ابن خزيمة (3/ 189/ 1885)، الجرح والتعديل (6/ 228) ، ضعفاء العقيلي (3/ 265)، الثقات (8/ 479)، الكامل (5/ 143) (7/ 607 - ط الرشد)، اللسان (6/ 202)، التعجيل (787)، الإتحاف (1/ 675/ 1071)، المطالب العالية (6/ 37/ 1008)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 341)].

وأما راويه عن أنس: فهو خلف أبو الربيع، إمام مسجد سعيد بن أبي عروبة: له حديثان عن أنس في فضل رمضان، وهذا الدين متين، رواهما عنه: عمرو بن حمزة القيسي، ولم يتابع عليهما، وقد فرق البخاري ومسلم وأبو حاتم وابن حبان وابن منده بينه وبين خلف بن مهران، أبي الربيع إمام مسجد بني عدي بن يشكر البصري العدوي، والذي سمع عامرًا الأحول وعمرو بن عثمان، وروى عنه حرمي بن عمارة وعبد الواحد بن واصل، وقال عبد الواحد:"كان ثقة مرضيًا"[انظر: سؤالات ابن محرز (2/ 166)، التاريخ الكبير (3/ 193)، كنى مسلم (1121 و 1122)، الجرح والتعديل (3/ 368 و 369)، الثقات (8/ 227)، فتح الباب (2786 و 2787)، الأنساب (4/ 169)، إكمال مغلطاي (4/ 205)، التهذيب (1/ 549)].

ص: 66

وعليه: فهو حديث منكر.

13 -

حديث أنس بن مالك:

قال الطبراني في معجمه الصغير (1066): حدثنا محمد بن أحمد الزهري الأصبهاني: حدثنا إسماعيل بن يزيد: حدثنا أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]: حدثنا سلام بن مسكين [بصري، ثقة]، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير دينكم أيسره".

رواه من طريق الطبراني به: أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 220)، والقضاعي في مسند الشهاب (1225)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 429) والضياء في المختارة (7/ 132/ 2565).

قال الطبراني: "لم يروه عن قتادة إلا سلام، تفرد به: إسماعيل بن يزيد".

قلت: هو حديث باطل؛ تفرد به عن أبي داود الطيالسي: إسماعيل بن يزيد بن حريث بن مردانبه أبو أحمد القطان، قال أبو الشيخ:"يروي عن ابن عيينة، وسمع منه، وسمع من الحميدي عن ابن عيينة، فاختلط حديثه ولم يتعمد الكذب، وكان خيرًا فاضلًا، كثير الفوائد والغرائب"، وقال أبو نعيم:"اختلط عليه بعض حديثه في آخر أيامه، حسن الحديث، كثير الغرائب والفوائد، صنف المسند والتفسير" [طبقات المحدثين (2/ 270)،

تاريخ أصبهان (1/ 252)، تاريخ الإسلام (6/ 54 - ط الغرب)، اللسان (2/ 184)].

وشيخ الطبراني؛ محمد بن أحمد بن يزيد الزهري: قال أبو الشيخ: "لم يكن بالقوي في حديثه، كثير الحديث"، وقال أبو نعيم:"كثير الحديث والمصنفات"[طبقات المحدثين (3/ 542)، تاريخ أصبهان (2/ 220)، تاريخ الإسلام (7/ 192 - ط الغرب)، اللسان (6/ 505)].

* ورواه عبد الله بن عمر، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير دينكم أيسره".

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 555 و 577)، وعنه: أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 9).

وهذا باطل مثل سابقه، تفرد به عن أبي داود الطيالسي بهذا الوجه: عبد الله بن عمر بن يزيد بن كثير الزهري الأصبهاني أخو رستة: قال أبو الشيخ: "وقد حدث بغير حديث يتفرد به"، وقال أبو نعيم الأصبهاني:"تفرد بغير حديث"، وقال ابن مردويه:"له أحاديث يتفرد بها"، وقال الذهبي:"له أفراد وغرائب"[الجرح والتعديل (5/ 111)، طبقات المحدثين (2/ 389)، تاريخ أصبهان (2/ 8)، تكملة الإكمال (2/ 697)، تاريخ الإسلام (19/ 183)].

* وروي بإسناد آخر، وهو باطل أيضًا:

رواه سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي: حدثني ابن أخي الزهري [محمد بن

ص: 67

عبد الله بن مسلم: صدوق، من الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري]، وعبد الله بن عامر [الأسلمي: ضعفوه. التهذيب (2/ 364)، الميزان (2/ 449)]، عن الزهري، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير دينكم أيسره".

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 406)(5/ 542/ 8638 - ط الرشد)، بإسناد فيه جهالة إلى سعيد به.

قلت: هو حديث باطل من حديث الزهري عن أنس، تفرد به: سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي، وهو: منكر الحديث، قال ابن عدي:"ليس بمستقيم الحديث، حدث بأحاديث ليست بمحفوظة"[الكامل (3/ 406)، المتفق والمفترق (2/ 1081)، اللسان (4/ 80)].

* وروي عن الزهري به من وجه آخر باطل أيضًا، تفرد به: أبو عبد الله العذري عن يونس بن يزيد بخبر منكر، قاله الذهبي في الميزان (4/ 545).

أخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 240/ 1225 - أطرافه)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (91)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 117).

* ورواه أيضًا: أبان بن أبي عياش [متروك]، عن أنس به مرفوعًا.

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 214)، وعنه: أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 295).

14 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن زكريا بن الحارث بن أبي مسرة [ثقة مشهور. انظر: الجرح والتعديل (5/ 6)، الثقات (8/ 369)، سنن الدارقطني (1/ 40)، السير (12/ 632)]، ومحمد بن منصور الجواز [ثقة]، وأحمد بن محمد بن الحسين بن حفص [أبو جعفر الأصبهاني: ثقة، من بيت حشمة وسؤدد، ويلقب بأحمولة، كان سخيًا جوادًا، كثير البر. طبقات المحدثين (3/ 69)، تاريخ أصبهان (1/ 115)، الأنساب (3/ 10)، تاريخ الإسلام (6/ 277 - ط الغرب)]، وأحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي [صدوق]، وغيرهم:

عن خلاد بن يحيى [ليس به بأس]: ثنا أبو عقيل يحيى بن المتوكل، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:"إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى".

أخرجه البزار (74 - كشف الأستار)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1179)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 899/ 1883)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (57)، وأبو الشيخ في أمثال الحديث (229)، وأبو بكر الكلاباذي في بحر الفوائد (200)، والخطابي في العزلة (97)، وأبو هلال العسكري في

ص: 68

جمهرة الأمثال (1000)، والحاكم في المعرفة (95)، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين (61)، وابن بشران في الأمالي (847)، وأبو عثمان البحيري في الرابع من فوائده (68)، والقضاعي في مسند الشهاب (1147 و 1148)، والبيهقي (3/ 18)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 201)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (447)، وغيرهم.

قال البزار: "وهذا روي عن ابن المنكدر مرسلًا، ورواه عبيد الله بن عمرو عن ابن سوقة عن ابن المنكدر عن عائشة، وابن المنكدر: لم يسمع من عائشة"[قال ابن حجر في الفتح (11/ 297) بعدما عزاه للبزار: "ولكن صوب إرساله"].

وقال الحاكم: "هذا حديث غريب الإسناد والمتن، فكل ما روي فيه فهو من الخلاف على محمد بن سوقة، فأما ابن المنكدر عن جابر: فليس يرويه غير محمد بن سوقة، وعنه: أبو عقيل، وعنه: خلاد بن يحيى".

وقال البيهقي في السنن بعد حديث جابر: "هكذا رواه أبو عقيل، وقد قيل: عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن عائشة، وقيل: عنه عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقيل عنه غير ذلك، وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال في الشعب (3602) بعد حديث عائشة: "ورواه أبو عقيل يحيى بن المتوكل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر، ورواه أبو معاوية عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو الصحيح، وقيل غير ذلك".

* قلت: اختلف فيه على محمد بن سوقة:

أ- فرواه أبو عقيل يحيى بن المتوكل [ضعفوه، وقال ابن عدي: "عامة أحاديثه غير محفوظة". التهذيب (4/ 384)]، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ب- ورواه عبد الله بن أبي مريم: حدثنا علي بن معبد [بن شداد الرقي: ثقة فقيه]: حدثنا عبيد الله بن عمرو [الرقي: ثقة فقيه]، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تُكَرِّه عبادةَ الله إلى عباده، فإن المنبتَّ لا يقطع سفرًا، ولا يستبقي ظهرًا".

أخرجه البيهقي في الشعب (6/ 386/ 3602).

قلت: وهذا باطل من هذا الوجه؛ عبد الله بن محمد بن سعيد بن الحكم بن أبي مريم: قال ابن عدي: "يحدث عن الفريابي وغيره بالبواطيل"، هكذا افتتح ترجمته، ثم ختمها بقوله:"إما أن يكون مغفلًا لا يدري ما يخرج من رأسه، أو يتعمد، فإني رأيت له غير حديث مما لم أذكره أيضًا ها هنا غير محفوظ"[الكامل (4/ 255)، الإرشاد (2/ 473)، ضعفاء ابن الجوزي (2/ 139)، اللسان (4/ 562)].

ج- ورواه مروان بن معاوية الفزاري [ثقة حافظ]، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير [ثقة]:

ص: 69

عن محمد بن سوقة، قال: أخبرني محمد بن المنكدر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله تعالى، فإن المنبتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى".

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (3/ 382)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1178).

قال أبو عبيد: "وغير أبي معاوية لا يرفعه".

وقال ابن صاعد: "وقد رواه أبو عقيل، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، قال: عن جابر".

وقال البيهقي: "ورواه أبو معاوية عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو الصحيح".

قلت: وهذا المرسل هو المحفوظ، والله أعلم.

د- ورواه عيسى بن يونس [ثقة مأمون]، قال: حدثنا محمد بن سوقة، قال: حدثني ابن محمد بن المنكدر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين".

قال عيسى: أنا نصصت ابن سوقة عنه، فقال: ابن محمد بن المنكدر.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 102).

قال البخاري: "ورواه أبو عقيل يحيى، عن ابن سوقة، عن ابن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أصح"، يعني: المرسل.

هكذا وجدته في التاريخ الكبير: "ابن محمد بن المنكدر"؛ لكن وقع في التاريخ الأوسط: "محمد بن المنكدر" مثل رواية الفزاري والضرير، وهو الأقرب للصواب.

* عيسى بن يونس، قال: حدثنا ابن سوقة، قال: حدثني محمد بن المنكدر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا الدين متين".

قال عيسى: أنا نصصت ابن سوقة، فقال: محمد بن المنكدر.

أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 198 و 199/ 939 و 940)(1/ 338/ 730 - ط الصميعي)(2/ 1056/ 843 - ط الرشد).

قال البخاري: "وروى أبو عقيل، عن ابن سوقة، عن ابن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح".

قلت: وعبارة الأوسط أقرب للصواب.

وبذا يكون رواه ثلاثة من الثقات، عن ابن سوقة، عن محمد بن المنكدر مرسلًا، وهو الصواب.

وقول عيسى: "أنا نصصتُ ابن سوقة، فقال: محمد بن المنكدر"، يعني: أن ابن سوقة لم يوصله، ولم يذكر فيه جابرًا ولا غيره، مع كونه قد استثبته فيه، وراجعه فيه، مخافة وقوع الغلط والسهو منه، ومن معاني النص: التوقيف، ويقال: نصصتُ الرجلَ: إذا

ص: 70

استقصيت مسألته عن الشيء حتى يستخرج كلَّ ما عنده [معجم تهذيب اللغة (4/ 3585)].

هـ- ورواه وكيع في الزهد (234)، قال: حدثنا شيخ من بني جعفر [مبهم]، قال: سمعت محمد بن المنكدر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إليكم عبادة الله، فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى".

* وله وجوه أخرى من الاختلاف؛ راجعها في علل الدارقطني (13/ 335/ 3213) و (14/ 346/ 3693)، وقال في الموضع الثاني:"ليس فيها حديث ثابت".

وذكره النووي في فصل الضعيف من الخلاصة (2041).

والحاصل: أنه قد رجح المرسل: البخاري، والبزار، والبيهقي، وهو الصواب، فليس في طرقه شيء يثبت، كما قال الدارقطني.

15 -

حديث عبد الله بن عمرو:

رواه محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى [الماسرجسي النيسابوري، وكان أحد وجوه خراسان، ورؤسائهم وفصحائهم، وهو قديم السماع، وقد ضيع جملة من سماعاته، وقد عمر طويلًا. تاريخ نيسابور (872)، الأنساب (5/ 50)، السير (16/ 23)، تاريخ الإسلام (25/ 452)]: ثنا الفضل بن محمد الشعراني [ثقة حافظ، تُكُلِّم فيه بغير حجة، السير (13/ 317)، التذكرة (2/ 626)، اللسان (6/ 350)]: ثنا أبو صالح [عبد الله بن صالح المصري، كاتب الليث: صدوق، كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]: ثنا الليث، عن ابن عجلان، عن مولى لعمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:"إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبتَّ لا سفرًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبدًا، واحذر حذرًا تخشى أن يموت غدًا".

أخرجه البيهقي في السنن (3/ 19)، وفي الشعب (6/ 387/ 3603).

قلت: نعم؛ الليث بن سعد: ثقة ثبت، إمام فقيه، من أثبت الناس في ابن عجلان؛ لكنه لم يشتهر من حديثه، ولم يُعرف إلا عند أهل خراسان، وهو أيضًا غريب من حديثهم.

* خالفهم فأوقفه: ابن المبارك [ثقة حجة، إمام جامع لخصال الخير]، قال: أخبرنا محمد بن عجلان؛ أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبت لا بلغ بعدًا، ولا أبقى ظهرًا، واعمل عمل امرئ يظن أن لا يموت إلا هرمًا، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدًا. أخرجه ابن المبارك في الزهد (1334)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 266).

قلت: وهذا أشبه بالصواب من حديث الخراسانيين، وهو موقوف على عبد الله بن عمرو بإسناد منقطع، بل معضل؛ فإن ابن عجلان يروي عن ابن عمرو بواسطة اثنين في الغالب.

ص: 71

16 -

حديث سهل بن حنيف:

يرويه عبد الله بن صالح أبو صالح [كاتب الليث: صدوق، كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]: حدثني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح [الإسكندراني: ثقة]؛ أنه سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشدِّدوا على أنفسكم، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 97)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 159)، وابن قانع في المعجم (1/ 266)، والطبراني في الكبير (6/ 73/ 5551)، وفي الأوسط (3/ 258/ 3078)، والبيهقي في الشعب (6/ 386/ 3601).

قال الطبراني بعد أن أخرج حديثين بهذا الإسناد: "لا يروى هذان الحديثان عن سهل بن حنيف إلا بهذا الإسناد".

* ورواه أحمد بن صالح [المصري: ثقة حافظ]، وأحمد بن عيسى بن حسان المصري [صدوق، تُكلِّم في سماعه]:

قالا: حدثنا عبد الله بن وهب [مصري؛ ثقة حافظ]، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء؛ أن سهل بن أبي أمامة حدثه؛ أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاةً خفيفةً ذفيفةً [قال الخطابي: بمعنى الخفيفة]؛ كأنها صلاة مسافر أو قريبًا منها، فلما سلم قال أبي: يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنفلته؟ قال: إنها المكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئًا سهوت عنه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا تشدِّدوا على أنفسكم فيشدَّد عليكم، فإن قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27] ".

ثم غدا من الغد، فقال: ألا تركب لتنظر ولتعتبر؟، قال: نعم، فركبوا جميعًا فإذا هم بديارٍ [قفْرٍ قد] بادَ أهلُها وانقضوا وفنوا، [وبقيت] خاوية على عروشها، فقال: أتعرف هذه الديار؟، فقلت: ما أعرفني بها وبأهلها، هذه ديار قوم أهلكهم البغي والحسد، إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني، والكف، والقدم، والجسد، واللسان، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.

أخرجه أبو داود (4904)[في كتاب الأدب، وعزاه المزي في التحفة لكتاب الصلاة أيضًا، لكن في نسخة ابن العبد]. وأبو يعلى (6/ 365/ 3694)، والخطابي في غريب الحديث (2/ 509)، والواحدي في التفسير الوسيط (4/ 255)، والضياء في المختارة (6/ 173/ 2178). [التحفة (1/ 437/ 899)، المسند المصنف (1/ 685/ 513)].

قلت: يبدو لي أن أبا صالح كاتب الليث قد وهم في إسناده، وحفظه عبد الله بن وهب، لسببين:

ص: 72

الأول: أن أبا صالح قد سلك فيه الجادة والطريق السهل، حيث جعله: عن أبيه عن جده سهل بن حنيف، بينما الإسناد الثاني يحتاج إلى حافظ.

الثاني: أن ابن وهب قد حفظ فيه قصة تدل على ضبطه للحديث، والله أعلم.

قال مغلطاي في إكماله (5/ 323): "لما ذكر ابن يونس في تاريخ مصر حديثه: "لا تشددوا على أنفسكم"؛ قال: وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن شريح، عن سهل بن أبي أمامة، فقال فيه: عن أبيه عن جده، والصواب فيه: ما رواه سعيد بن عبد الرحمن هذا، والله أعلم".

قال ابن القيم في كتاب الصلاة (133) حكاية عمن احتج بهذا الحديث: "فأما سهل بن أبي أمامة: فقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وروى له مسلم.

وأما ابن أبي العمياء: من أهل بيت المقدس، وهو إن جُهلت حالُه؛ فقد رواه أبو داود وسكت عنه، وهذا يدل على أنه حسن عنده".

ثم كرَّ عليهم بتضعيفه فقال (156): "وأما حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، ودخول سهل بن أبي أمامة على أنس بن مالك؛ فإذا هو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر، فقال: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مما تفرد به ابن أبي العمياء، وهو شبه المجهول، والأحاديث الصحيحة عن أنس كلها تخالفه".

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 98): "إسناد جيد".

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة (4/ 259/ 3520): "هذا إسناد صحيح".

قلت: سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري المدني، نزيل مصر: ثقة، مات بالإسكندرية، روى له مسلم والأربعة.

وسعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء الكتاني المصري: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، وليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث الواحد، وقال ابن القيم:"هو شبه المجهول"، واعترف الخصم بجهالة حاله [التاريخ الكبير (3/ 491)، الجرح والتعديل (4/ 41)، الثقات (6/ 354)، التهذيب (2/ 31)].

قلت: وعلى هذا فإن حديثه هذا حديث ضعيف؛ لأجل جهالة ابن أبي العمياء، ويصلح حديثه في الشواهد.

وقد اشتمل على عدة أطراف:

* أما طرفه الأول: في تخفيف المكتوبة كأنها صلاة مسافر؛ فإنه مخالف لما ثبت عن أنس من طرق متعددة؛ فهو حديث منكر [راجع طرق حديث أنس، وشواهده في تخفيف المكتوبة: فضل الرحيم الودود (8/ 587/ 795) و (9/ 72/ 815) و (9/ 372/ 853) و (9/ 507/ 888)].

ونذكر منها على سبيل المثال:

* ما رواه حماد بن زيد، وشعبة بن الحجاج، وسليمان بن المغيرة، ومعمر بن راشد:

ص: 73

عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت: كان أنس بن مالك يصنع شيئًا لم أركم تصنعونه؛ كان إذا رفع رأسه من الركوع قام [وفي رواية: انتصب قائمًا] حتى يقول القائل: قد نسي، وبين السجدتين [وفي رواية: وإذا رفع رأسه من السجدة مكث] حتى يقول القائل: قد نسي. لفظ حماد.

وفي رواية شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قام، حتى يقول القائل: قد نسي [وفي رواية: من طول ما يقوم]، وإذا رفع رأسه من السجود قعد، حتى نقول: قد نسي.

أخرجه البخاري (800 و 821)، ومسلم (472).

* وفي رواية أخرى لمسلم (473): ما صليت خلف أحدٍ أوجز صلاةً من صلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمامٍ، كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربةً، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة، فلما كان عمر بن الخطاب مدَّ في صلاة الفجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال:"سمع الله لمن حمده" قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يسجد، ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم.

* وأما طرفه موضع الشاهد: في ترك التشديد على النفس في العبادة، فأصله صحيح ثابت بما صح من أحاديث الباب، وقد جاء بعض لفظه؛ فيما رواه:

* محمد بن أحمد بن تميم [أبو بكر الأصبهاني الشميكاني: ثقة مأمون]، قال: ثنا محمد بن حميد، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن قومًا حرموا اللحم والطيب والنساء، فأرادوا أن يستخصوا، منهم عثمان بن مظعون، وعبد الله بن مسعود، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فأوعد في ذلك الوعيد، حتى أوعد القتل، وقال:"إني لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة، إنما هلكوا بالتشديد، فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع"، ثم قال:"اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا، واعتمروا، واستقيموا، نعم بكم".

وهو حديث باطل، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1369).

* وروى معمر بن راشد [ثقة ثبت، حديثه عن أهل البصرة ليس بذاك، وقد توبع هنا][وعنه: عبد الرزاق][واللفظ له]، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة ثبت، من أصحاب أيوب]:

عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: أراد أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة، ثم قال:"إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدَّدوا على أنفسهمٍ فشدَّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم"، قال: ونزلت فيهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} .

ص: 74

ولم يذكر الثقفي الآية في آخره، ولفظه: أن ناسًا ذكروا أشياء من أمر العبادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدَّدوا على أنفسهم فشُدِّد عليهم، هؤلاء بقاياهم"، يعني: في الديارات والصوامع، "اعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم".

أخرجه عبد الرزاق في التفسير (1/ 192)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1031)، وابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 608).

وهذا مرسل بإسناد صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1369)].

* وروى جامع بن حماد، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، في قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية، ذكر لنا أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رفضوا النساء واللحم وأرادوا أن يتخذوا الصوامع، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس في ديني ترك النساء واللحم، ولا اتخاذ الصوامع"،

فذكر حديثًا طويلًا، وفي آخره: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأناس من أصحابه: "إن مَن قبلكم شدَّدوا على أنفسهم، فشدَّد الله عليهم، فهؤلاء إخوانهم في الدور والصوامع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم".

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 609).

وليس هذا من حديث قتادة، ولا من حديث ابن أبي عروبة، ولا من حديث يزيد بن زريع، تفرد به: جامع بن حماد، ولا يُعرف.

* والحاصل: فإن موضع الشاهد من حديث أنس: "لا تشدِّدوا على أنفسكم فيشدَّد عليكم، فإن قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار": حديث حسن؛ بشاهده من مرسل أبي قلابة دون ذكر الآية في آخره، والله أعلم.

* وأما بقية أطراف الحديث فيأتي الكلام عليها في موضعها من السنن إن شاء الله تعالى.

* ويدخل في معنى أحاديث الباب أيضًا:

الأحاديث الدالة على التخفيف على المأمومين، وقد تقدم ذكرها في موضعها من السنن، ونذكر منها مثالين، وراجع بقيتها في موضعها:

* فقد روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مسعود الأنصاري؛ أن رجلًا قال: والله! يا رسول الله! إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلانٍ مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظةٍ أشدَّ غضبًا منه يومئذٍ، ثم قال:"إن منكم منفرين، فأيُّكم ما صلى بالناس فليتجوَّز، فإن فيهم الضعيفَ والكبيرَ وذا الحاجة".

أخرجه البخاري (90 و 702 و 704 و 6110 و 7159)، ومسلم (466). [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 586/ 795)] [وراجع: باب تخفيف الصلاة، من فضل الرحيم (8/ 580 - 598)].

ص: 75

* وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار: سمع جابر بن عبد الله، يقول: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي فيؤمُّ قومه، فصلى ليلةً مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمَّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجلٌ فسلَّم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقتَ يا فلان؟ قال: لا والله، ولآتِيَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأُخبرنَّه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنا أصحاب نواضح، نعمل بالنهار، وإن معاذًا صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال:"يا معاذ أفتَّان أنت، اقرأ بكذا، واقرأ بكذا".

قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر؛ أنه قال: "اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، {وَالضُّحَى (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} "، فقال عمرو: نحو هذا.

أخرجه مسلم (465/ 178)، وأصله متفق عليه [راجع تخريجه في فضل الرحيم الودود (6/ 615 - 644/ 599 و 600)] [وراجع أيضًا حديث عثمان بن أبي العاص في التخفيف: فضل الرحيم الودود (6/ 174/ 531)].

* وأخيرًا: أحب التنبيه على ما يروى مرفوعًا بلفظ: "شر السير الحقحقة".

* يرويه هشام بن عمار [دمشقي صدوق، إلا أنه لما كبر صار يتلقَّن]، ودحيم عبد الرحمن بن إبراهيم [ثقة حافظ]:

حدثنا مروان [هو: ابن معاوية الفزاري: ثقة حافظ]: حدثنا الحكم بن أبي خالد، عن زيد بن رفيع [الجزري: وثقه أحمد وأبو داود، وضعفه الدارقطني،. وقال النسائي:"ليس بالقوي". اللسان (3/ 555)]، عن معبد الجهني [صدوق، مبتدع]، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلم أفضل من العمل، وخير الأعمال أوسطها، ودين الله عز وجل بين القاسي والغالي، والحسنة بين السيئتين لا ينالها إلا بالله، وشر السير الحقحقة".

أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3171/ 7296)، والبيهقي في الشعب (6/ 388/ 3604).

وهذا حديث باطل؛ آفته الحكم بن ظهير الفزاري، وهو: متروك، منكر الحديث، اتهمه ابن معين وصالح جزرة، وعامة أحاديثه غير محفوظة [التهذيب (1/ 464)، الميزان (1/ 571)].

* ورواه داود بن المحبر: حدثنا الحسن بن دينار، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقصدوا تبلغوا، وإن شر السير الحقحقة".

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 300).

قال ابن عدي: "وهذا لعل البلاء فيه من الحسن بن دينار، أو داود بن المحبر، فإن داود يهم الكثير ويخطئ".

ص: 76

قلت: هو حديث موضوع؛ الحسن بن دينار: متروك، كذبه جماعة من الأئمة النقاد [اللسان (3/ 40)]، وداود بن المحبر: متروك، منكر الحديث، متهم بالوضع [انظر: التاريخ الكبير (3/ 244)، التهذيب (1/ 570)، إكمال مغلطاي (4/ 263)، الميزان (2/ 20)].

* وإنما يُروى هذا من كلام مطرف بن عبد الله بن الشخير بإسناد صحيح إليه.

أسنده أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (3/ 384)، والبيهقي في الشعب (6/ 389/ 3605).

كما يروى أيضًا من كلام سلمان الفارسي، والحسن البصري، ومن كلام العرب [راجع: ما أخرجه ابن المبارك في الزهد (1330)، وابن هانئ في مسائله لأحمد (2040)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 439)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 440)]، [وانظر: كتاب الألفاظ لابن السكيت (457)، جمهرة الأمثال (1/ 21 و 544)، مجمع الأمثال (1920)، المستقصي في أمثال العرب (2/ 129)، وغيرها كثير].

* وأختم بحث الاقتصاد في العبادة بنص قامع للبدعة:

فقد روى أبو معاوية الضرير، وسفيان الثوري، وعبد الله بن نمير، وحفص بن غياث، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وإدريس بن يزيد الأودي، وأبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث، وأبو شهاب الحناط عبد ربه بن نافع [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب الأعمش]، وغيرهم:

عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، ومالك بن الحارث [قرنهما أبو معاوية، وابن نمير، وحفص، وعيسى، وأبو شهاب]، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، قال: الاقتصاد في السُّنَّة أحسن من الاجتهاد في البدعة.

وفي رواية: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة. وفي أخرى: القصد في السُّنَّة خير من الاجتهاد في البدعة.

أخرجه أحمد في الزهد (871)، والدارمي (236 - ط البشائر)، وابن نصر المروزي في السُّنَّة (88)، وأبو بكر ابن أبي مريم فيما رواه من حديث الفريابي عن الثوري (300)، والدارقطني في الأفراد (2/ 17/ 3739 - أطرافه)، وابن بطة في الإبانة (1/ 320/ 161) و (1/ 337/ 201) و (1/ 358/ 246 و 247)، والحاكم (1/ 103)(1/ 243/ 357 و 358 - ط الميمان)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (13 و 14 و 114)، والبيهقي (3/ 19)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 383)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله (437 و 438)، وعلقه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2334). [الإتحاف (10/ 335/ 12882)].

قال الحاكم: "هذا حديث مسند صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه".

قال البيهقي: "هذا موقوف، وروي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا بزيادة ألفاظ".

ص: 77

قلت: وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

* وانظر فيمن وهم فيه على الأعمش أو من دونه: ما أخرجه مسدد في مسنده (253 - إتحاف الخيرة)(12/ 514/ 2981 - مطالب)، وابن بطة فى الإبانة (1/ 329/ 178)، وانظر: علل الدارقطني (5/ 213/ 827).

* ويروى عن ابن مسعود بإسناد آخر فيه انقطاع: أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف (11/ 219)، وابن نصر المروزي في السُّنَّة (89)، والطبراني في الكبير (10/ 209/ 10488)، وابن بطة في الإبانة (1/ 329/ 179).

* قال الشاطبي في الموافقات (2/ 233): "اعلم أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين:

أحدهما: الخوف من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، .... والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، مثل قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف أخر تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلًا عنها، وقاطعًا بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما".

* * *

ص: 78