المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌325 - باب في كم يقرأ القرآن - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٦

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌325 - باب في كم يقرأ القرآن

‌أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله

‌325 - بابٌ في كم يُقرأ القرآن

؟

1388 -

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، قالا: حدثنا أبان، عن يحيي، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"اقرأ القرآن في شهرٍ"، قال: إني أجد قوةً، قال:"اقرأ في عشرين"، قال: إني أجد قوةً، قال:"اقرأ في خمسً عشرةَ"، قال: إني أجد قوةً، قال:"اقرأ في عشرٍ"، قال: إني أجد قوةً، قال:"اقرأ في سبعٍ، ولا تزيدَنَّ على ذلك".

قال أبو داود: وحديث مسلم أتم.

* حديث صحيح

لم أقف على من أخرجه من هذا الوجه [التحفة (6/ 151/ 8962)، المسند المصنف (17/ 138/ 8007)].

• ورواه علي بن عبد العزيز [البغوي: ثقة حافظ]: ثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا أبان بن يزيد العطار: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:

فذكر مثله.

أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 378/ 14195)، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز به.

ومن طريقه: الضياء في فضائل القرآن (19).

وهذا حديث صحيح؛ رجاله كلهم ثقات، يحيى بن أبي كثير واسع الرواية، يحتمل منه التعدد في الأسانيد.

فالحديث محفوظ عن يحيى بن أبي كثير على الوجهين، فإنه كان يروي هذا الحديث عن ثلاثة شيوخ: محمد بن إبراهيم بن الحارث [التيمي: مدني تابعي، ثقة، من الطبقة الرابعة]، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان [القرشي العامري المديني: تابعي، ثقة، من الطبقة الثالثة]، ثم سمعه بعدُ من أبي سلمة بن عبد الرحمن، فحدث به عنه بلا واسطة [انظر: النكت الظراف (6/ 396/ 8962 - بحاشية التحفة)].

ص: 315

والدليل على صحَة ما ذكَرَت، يأتي بيانه في سياق طرق هذا الحديث:

• فإن هذا الحديث لم ينفرد به يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم؛ فهو معروف عنه من وجوه أخر؛ فقد رواه:

أ - محمد بن سلمة [الباهلي الحراني: ثقة]، وإبراهيم بن سعد [ثقة حجة، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق]، ومحمد بن عبيد [هو: ابن أبي أمية الطنافسي: ثقة]:

عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو [داره، فساءلني وهو يظن أني من بني أم كلثوم بنة عقبة، ففلت له: إنما أنا للكلبية بنة الأصبغ]، قلت: أي عم حدثني عما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن أخي، إني قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهاداً شديدًا حتى قلت: لأصومنَّ الدهر، ولأقرأنَّ القرآن في كل يوم وليلة، فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاني حتى دخل علىَّ في داري، فقال:"بلغني أنك قلت: لأصومنَّ الدهر، ولأقرأنَّ القرأن"، فقلت: قد قلت ذلك يا رسول الله، قال:"فلا تفعل، صم من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"فصم من الجمعة يومين: الاثنين والخميس"، قلت: فإني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"فصم صيام داود عليه السلام، فإنه أعدل الصيام عند الله، يومًا صائمًا ويوماً مفطرًا، وإنه كان إذا وعد لم يخلف، وإذا لاقى لم يفر".

زاد إبراهيم بن سعد: "واقرأ القرآن في كل شهر مرة"، قال: فقلت: إني لأقوى على أكثر من ذلك يا نبي الله، قال:"فاقرأه في كل نصف شهر مرة"، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك يا نبي الله، قال:"فاقرأه في كل سبع، لا تزيدن على ذلك"، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزادها محمد بن عبيد في أول الحديث.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 212/ 2393)، وفي الكبرى (3/ 189/ 2714)، وأحمد (2/ 200 و 200 - 201)(3/ 1446/ 6995 - ط المكنز) و (3/ 1447/ 6999 - ط المكنز)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 87). [التحفة (6/ 150/ 8960)، الإتحاف (9/ 654/ 12132)، المسند المصنف (17/ 133/ 8001)].

قلت: انفرد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم في هذا الحديث بزيادتين: "فصم من الجمعة يومين: الاثنين والخميس"، حيث عيَّن اليومين، وقال:"وإنه كان إذا وعد لم يخلف"، وهما زيادتان شاذتان، فقد رواه عن محمد بن إبراهيم: يحيى بن أبي كثير، ويزيد بن الهاد، ولم يتابعا ابن إسحاق على ذلك، كما قد رواه أيضًا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بدون هاتين الزيادتين: يحيى بن أبي كثير، والزهري، ومحمد بن عمرو بن علقمة.

ب - ورواه شعيب بن الليث [ثقة نبيل فقيه، من أثبت الناس في أبيه. التقريب (438)، سؤالات ابن بكير (53)]، وعبد الله بن صالح [كاتب الليث، صدوق، وكانت فيه غفلة]:

ص: 316

حدثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أخبر أنك تصوم النهار لا تفطر، وتصلي الليل لا تنام؟ "، قلت: بلى، قال:"بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فيكون ذلك كصيام الدهر".

أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 329/ 529 - مسند عمر)، والطحاوي (2/ 86).

وهذا حديث صحيح.

ج - ورواه أبو ثابت محمد بن عبيد الله بن محمد المديني [ثقة]، وأبو مصعب الزهري [أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث الزهري المدني: صدوق]، وإبراهيم بن حمزة [الزبيري: ليس به بأس. التهذيب (1/ 63)]:

عن عبد العزيز بن أبي حازم [مدني، ثقة]، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:"إنك تصوم النهار فلا تفطر، وتصلي الليل فلا تنام، فبحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: يا رسول الله، إني أجد بي قوةً هي أقوى من ذلك، قال:"فبحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين"، قلت: يا رسول الله،

حتى بلغ صوم داود: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا". لفظ أبي ثابت.

زاد في رواية أبي مصعب: فقلت: يا رسول الله، إني أجد بي قوةً هي أقوى من ذلك، قال:"إنك لعلك أن تبلغ بذلك سناً وتضعف".

ورواية الزبيري [عند البخاري] مختصرة: "اقرأ في سبع ولا تنثره".

أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (378)، والطبراني في الكبير (13/ 387/ 14207)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 284)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 218). [المسند المصنف (17/ 418/ 8251)].

وهذا حديث صحيح.

* تابع أبان بن يزيد العطار على الوجه الثاني: شيبان بن عبد الرحمن النحوي [وكلاهما ثقة من أصحاب يحيى بن أبي كثير]:

أ - فقد رواه سعد بن حفص [المعروف بالضخم: ثقة]، حدثنا شيبان، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"في كم تقرأ القرآن؟ ".

أخرجه البخاري (5053)، والبيهقي في الشعب (4/ 297/ 1975). [التحفة (6/ 151/ 8962)، المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

ب - ورواه عبيد الله بن موسى [ثقة]، عن شيبان، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن [بن ثوبان] مولى بني زهرة، عن أبي سلمة، قال [يعني: يحيى بن أبي كثير]:

ص: 317

وأحسبني قد سمعته أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرإ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: إني أجد قوةً، قال:"فاقرأه في عشرين ليلة"، قال: قلت: إني أجد قوةً، [زاد في الشعب:"فاقرأه في خمس عشرة ليلة"، قلت: إني أجد قوةً، قال:"فاقرأه في عشر"، قلت: إني أجد قوةً]، قال:"فاقرأه في سبعٍ، ولا تزد على ذلك".

أخرجه البخاري (5054)، ومسلم (1159/ 184)، والبيهقي في السنن (2/ 396)، وفي الشعب (4/ 297/ 1975). [التحفة (6/ 151/ 8962)، المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

رواه عن عبيد الله بن موسى: إسحاق بن راهويه [ثقة حافظ إمام]، والقاسم بن زكريا بن دينار الكوفي [ثقة]، وسعيد بن مسعود المروزي [ثقة. الجرح والتعديل (4/ 95)، الثقات (8/ 271)، الإرشاد (3/ 897 و 921)، السير (12/ 504)، تاريخ الإسلام (6/ 549 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 20)].

• تابع عبيدَ الله بن موسى على هذا الوجه الذي رواه عنه الجماعة:

يزيدُ بن هارون [ثقة متقن]: أخبرني أبو معاوية شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي سلمة، قال: وأحسبني قد سمعته من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر"، قال: قلت: إني أجد قوةً، قال:"فاقرأه في عشر"، قال: قلت: إني أجد قوةً، قال:"فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك".

أخرجه أبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (1)(245 - مجموع مصنفاته)، قال: حدثنا يحيى بن جعفر بن أبي طالب [يحيى بن جعفر بن الزبرقان: وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه جماعة، مثل: أبي داود؛ فقد خطَّ على حديثه، وموسى بن هارون؛ فقد كذبه، وأبي أحمد الحاكم؛ حيث قال: "ليس بالمتين". انظر: اللسان (8/ 423 و 452)، الجرح والتعديل (9/ 134)، الثقات (9/ 270)، سؤالات الحاكم (239)، تاريخ بغداد (14/ 220)، السير (12/ 619)]، قال: حدثنا يزيد به.

• ويؤيد هذه الرواية: ما رواه يوسف بن موسى [القطان: ثقة]، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة،

ومحمد بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر".

أخرجه البزار (6/ 351/ 2359).

• لم يخالفهم: محمد بن عثمان بن كرامة [ثقة]، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: دخل عليَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم أخبر أنك تقوم الليل، وتصوم النهار؟ "،

وساق الحديث بمثل حديث الأوزاعي الآتي ذكره.

ص: 318

أخرجه البزار (6/ 336/ 2344)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 236/ 2633).

• تابع عبيدَ الله بن موسى على هذا الوجه:

آدم بن أبي إياس [ثقة]، قال: حدثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو،

فذكر الحديث.

أخرجه أبو عوانة (2/ 230/ 3953). [الإتحاف (9/ 654/ 12132)].

قلت: يحيى بن أبي كثير قد سمع هذا الحديث من محمد بن إبراهيم بن الحارث، ومن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ثم سمعه بعدُ من أبي سلمة بن عبد الرحمن، فصار يحدث به عنه بلا واسطة، ومثل هذا لا يمتنع في حق يحيى بن أبي كثير؛ لسعة مروياته وكثرة شيوخه.

• وللحديث طرق أخرى عن يحيى بن أبي كثير، حيث يرويه عن أبي سلمة بلا واسطة، مصرحاً فيه بالسماع:

1 -

روى عبد الله بن المبارك، والوليد بن مزيد، وعمر بن عبد الواحد، وبشر بن بكر التنيسي، ومحمد بن يوسف الفريابي [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب الأوزاعي]، ومحمد بن مصعب القرقساني [لا بأس به، كان سيئ الحفظ، كثير الغلط، يخطئ كثيرًا عن الأوزاعي. التهذيب (3/ 702)، سؤالات البرذعي (400)]، وعلي بن ربيعة البيروتي [مجهول، لا يُعرف روى عنه سوى عمر بن الوليد الصوري. المتفق والمفترق (3/ 1636)، تاريخ دمشق (41/ 482)]:

أخبرنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله! ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ "، فقلت: بلى يا رسول الله، قال:"فلا تفعل؛ صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وإن بحسبك أن تصوم كلَّ شهرٍ ثلاثةَ أيام، فإن لك بكل حسنةٍ عشرَ أمثالها، فإن ذلك صيامُ الدهر كلِّه"، فشدَّدت، فشُدِّد عليَّ، قلت: يا رسول الله! إني أجد قوةً، [زاد الوليد بن مزيد وعمر والفريابي: قال: "فصم من كل جمعة ثلاثة أيام"، قال: فشدَّدت، فشُدِّد عليَّ، قلت: يا رسول الله! إني أجد قوةً قال: "فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه"، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: "نصف الدهر"، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري (1975 و 5199)، والنسائي في الكبرى (3/ 258/ 2934)، وابن حبان (8/ 337/ 3571)، وأحمد (2/ 198)، وابن سعد في الطبقات (4/ 263)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 311/ 499 - مسند عمر) و (1/ 330/ 532 - مسند عمر)، والطحاوي (2/ 85)، والطبراني في الكبير (13/ 379/ 14196)، والبيهقي

ص: 319

(4/ 299 و 300)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1637/ 1121)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 366/ 1810)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (55/ 235). [التحفة (6/ 150/ 8960)، الإتحاف (9/ 654/ 12132)، المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

2 -

ورواه علي بن المبارك [ثقة، من أصحاب يحيى]، حدثنا يحيى، قال: حدثني أبو سلمة، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم،

فذكر الحديث، يعني:"إن لزورك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقاً"، فقلت: وما صوم داود؟ قال: "نصف الدهر".

أخرجه البخاري (1974)، وأبو عوانة (2/ 230/ 2953). [التحفة (6/ 150/ 8960)، الإتحاف (9/ 654/ 12132)، المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

3 -

ورواه روح بن عبادة، ويزيد بن زريع:

عن حسين بن ذكوان المعلم [ثقة]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ "، قلت: بلى، قال:"فلا تفعل، قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإنك عسى أن يطول بك عمر، وإن من حسبِك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن بكل حسنة عشر أمثالها، فدلك الدهر كله"، قال: فشدَّدتُ فشُدِّد عليَّ، فقلت: فإني أطيق غير ذلك، قال:"فصم من كل جمعة ثلاثة أيام"، قال: فشدَّدتُ فشُدِّد. عليَّ، قلت: أطيق غير ذلك، قال:"فصم صوم نبي الله داود"، قلت: وما صوم نبي الله داود؟ قال: "نصف الدهر". لفظ البخاري [من رواية إسحاق بن منصور عن روح به].

وفي رواية مسلم: ولم يقل "وإن لزورك عليك حقاً"، ولكن قال:"وإن لولدك عليك حقاً"[من رواية زهير بن حرب عن روح به، وقد رواه جماعة عن روح بدون اللفظ الأخير].

أخرجه البخاري (6134)، ومسلم (1159/ 183)، وأبو عوانة (2/ 230/ 2951)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 236/ 2632)، والنسائي في الكبرى (3/ 259/ 2935)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 330/ 531 - مسند عمر)، والطحاوي (2/ 85). [التحفة (6/ 150/ 8960)، الإتحاف (9/ 654/ 12132)، المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

4 -

ورواه النضر بن محمد [هو: النضر بن محمد بن موسى الجرشي اليمامي: ثقة، روى عن عكرمة بن عمار ألف حديث، قال العجلي: "هو من أروى الناس عن عكرمة بن عمار اليمامي". التهذيب (3/ 133) و (4/ 226)، الميزان (3/ 90)، الجرح والتعديل (8/ 479)، معرفة الثقات (1851)، الثقات (7/ 535)]، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك [ثقة ثبت]:

ص: 320

حدثنا عكرمة -وهو: ابن عمار-: حدثنا يحيى، قال: انطلقت أنا وعبد الله بن يزيد، حتى نأتي أبا سلمة، فأرسلنا إليه رسولاً، فخرج علينا، وإذا عند باب داره مسجد، قال: فكنا في المسجد حتى خرج إلينا، فقال: إن تشاؤوا أن تدخلوا، وإن تشاؤوا أن تقعدوا هاهنا، قال فقلنا: لا، بل نقعد هاهنا فحدِّثنا، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إليَّ فأتيته، فقال لي:"ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟ "، فقلت: بلى، يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير، قال:"فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال "فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً"، قال:"فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أعبدَ الناس"، قال: قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟ قال:"كان يصوم يومًا ويفطر يومًا"، قال:"واقرأ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فاقرأه في كل عشرين"، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فاقرأه في كل عشر"، قال قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقًا"، قال: فشدَّدتُ، فشُدِّد عليَّ، قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر"، قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم (1159/ 182)، وأبو عوانة (2/ 230/ 2953) و (2/ 476/ 3894)(11/ 109/ 4335 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 235/ 2631)، وابن خزيمة (3/ 296/ 2110)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (151)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 120). [التحفة (6/ 150/ 8960)، الإتحاف (9/ 654/ 12132)، المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

5 -

ورواه هشام الدستوائي [ثقة ثبت، وهو أثبت الناس في يحيى بن أبي كثير]، عن يحيى، عن أبي سلمة: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فذكر نحوه.

أخرجه أحمد (2/ 188)، قال: حدثنا عبد الصمد [عبد الصمد بن عبد الوارث: ثقة]: حدثنا هشام به. [المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

6 -

ورواه أبو إسماعيل القناد، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير؛ أن أبا سلمة حدثه؛ أن عبد الله، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرتي، فقال:"ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ "، قال: بلى، قال: "فلا تفعلنَّ، نم وقم، وصم وأفطر، فإن لعينك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لزوجتك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لصديقك عليك حقاً، وإنه عسى أن يطول بك عمر، وإنه حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثاً، فذلك صيام

ص: 321

الدهر كله، والحسنة بعشر أمثالها"، قلت: إني أجد قوةً، فشدَّدت، فشُدِّد علىَّ، قال: "صم من كل جمعة ثلاثة أيام"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فشدَّدت، فشُدِّد علىَّ، قال: "صم صوم نبي الله داود عليه السلام"، قلت: وما كان صوم داود، قال: "نصف الدهر".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 210/ 2391)، وفي الكبرى (3/ 188/ 2712)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 329/ 530 - مسند عمر). [التحفة (6/ 150/ 8960)، المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

قلت: وهم أبو إسماعيل القناد في زيادة: "وإن لصديقك عليك حقاً"، فإنها لا تُعرف إلا من طريقه، والحديث محفوظ بدونها، مع العلم بأن هذه الزيادة لم ترد إلا في المجتبى دون الكبرى، ولم ترد أيضًا في رواية ابن جرير -وإن كانت مختصرة-، مع كون الحديث مرويًا في المصادر الثلاثة عن شيخ واحد، وهو: يحيى بن درست [وهو: ثقة]، قال: حدثنا أبو إسماعيل القناد به.

وإبراهيم بن عبد الملك أبو إسماعيل القناد: صدوق، يخطئ ويهم على قتادة وغيره، وقد ضعفه ابن المديني وابن معين [سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (9 و 62)، الضعفاء الكبير (1/ 57)، إكمال مغلطاي (1/ 247)، التهذيب (1/ 75)، الميزان (1/ 46)].

7 -

ورواه يحيى بن صالح الوحاظي [حمصي، ثقة]، ويحيى بن بشر الحريري [كوفي، ثقة]، ومحمد بن المبارك [الصوري، نزيل دمشق، ثقة]:

ثنا معاوية بن سلام [دمشقي، ثقة، سمع يحيى بن أبي كثير]، عن يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة؛ أن عبد الله بن عمرو أخبره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه، فقال:"ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ "، قلت: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فلا تفعل، صمٍ وأفطر، وارقد، فإن لنفسك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقًا، وإن لزوجتك عليك حقاً".

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 97/ 2835)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 73 - 74).

وهذا حديث صحيح.

* وله طرق أخرى عن أبي سلمة:

أ - رواه شعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد، وعقيل بن خالد، وصالح بن كيسان، ويونس بن يزيد الأيلي، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وسعيد بن أبي هلال [وهم ثقات، وفيهم جماعة من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، وأثبتهم فيه]، والنعمان بن راشد الجزري [ليس بالقوي]، ومحمد بن أبي حفصة [صدوق يخطئ، ضعفه ابن معين في الزهري. التقريب (530)، شرح العلل (2/ 673 و 676)]، وعيسى بن المطلب [ذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه الدارقطني في العلل، وذكر في غرائب مالك: أنه روى عن الزهري حديثاً منكراً. التاريخ الكبير (6/ 398)، الجرح والتعديل (6/ 289)،

ص: 322

الثقات (8/ 490)، علل الدارقطني (1/ 171/ 7)، اللسان (6/ 281)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 465)، والإسناد إليه ضعيف]، وبكر بن وائل [التيمي الكوفى: صدوق، والإسناد إليه غريب]:

عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أن عبد الله بن عمرو، قال: أُخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومَنَّ النهار، ولأقومَنَّ الليل ما عشتُ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنت الذي تقول: والله لأصومَنَّ النهار، ولأقومَنَّ الليل ما عشتُ؟ "، قلت: قد قلته، قال:"إنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر"، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال:"فصم يومًا، وأفطر يومين"، قال: قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فصم يومًا وأفطر يومًا، وذلك صيام داود وهو أعدل الصيام [وفي روايةٍ لشعيب: وهو أفضل الصيام] "، قلت إني أطيق أفضل منه يا رسول الله، قال:"لا أفضل من ذلك".

زاد يونس في آخره [عند مسلم وغيره]: قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: لأن أكون قبلتُ الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحبُّ إلي من أهلي ومالي.

أخرجه البخاري (1976 و 3418)، ومسلم (1159/ 181)، وأبو عوانة (2/ 224/ 2930 و 2931)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 235/ 2630)، وأبو داود (2427)، والنسائي في المجتبى (4/ 211/ 2392)، وفي الكبرى (3/ 188/ 2713)، وابن حبان (2/ 64/ 352) و (8/ 418/ 3660)، وأحمد (2/ 187 - 188 و 188)، وعبد الرزاق (4/ 294/ 7862)، وابن سعد في الطبقات (4/ 263)، والبزار (6/ 334/ 2341)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 328/ 527 و 528 - مسند عمر)، والطحاوي (2/ 85 و 86)، والطبراني في الكبير (13/ 384 - 386/ 14203 - 14206)، وفي الأوسط (4/ 157/ 3859) و (8/ 322/ 8760) و (8/ 347/ 8832)، وفي مسند الشاميين (4/ 172/ 3032)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 233)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 283)، وفي تاريخ أصبهان (2/ 128)، والبيهقي في الشعب (6/ 380/ 3594)، وفي المعرفة (3/ 443/ 2609)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 364/ 1808)، وأبو موسى المديني في اللطائف (392). [التحفة (6/ 27/ 8645)، الإتحاف (9/ 466/ 11688)، المسند المصنف (17/ 131/ 8006)].

ب - ورواه إسماعيل بن جعفر، ويزيد بن هارون، وعبد الوهاب بن عطاء [وهم ثقات]: عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه بيته، فقال:"يا عبد الله بن عمرو! ألم أخير أنك تَكلَّفُ قيام الليل وصيام النهار؟ "، قال: إني لأفعل، فقال:"إن حسبك، ولا أقول: افعل، أن تصومَ من كل شهر ثلاثةَ أيام، الحسنةُ عشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله"، قال: فغلَّظتُ فغُلِّظ

ص: 323

عليَّ، قال: فقلت: إني لأجد قوةً من ذلك، قال:"إن من حسبك أن تصوم من كل جمعة ثلاثة أيام"، قال: فغلَّظتُ فغُلِّظ عليَّ، فقلت: إني لأجد بي قوةً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أعدلُ الصيام عند الله صيام داود، نصف الدهر"، ثم قال:"لنفسك عليك حقٌّ، ولأهلك عليك حقٌّ"[وفي رواية يزيد: "إن لعينيك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقًا"]، قال: فكان عبد الله، يصوم ذلك الصيام، حتى إذا أدركه السن والضعف، كان يقول: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي.

أخرجه أحمد (2/ 200)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (206)، والطبراني في الكبير (13/ 378/ 14194)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 284)، والشجري في الأمالي الخميسية (2/ 136)، وابن عساكر في المعجم (773). [المسند المصنف (17/ 133/ 8007)].

قال ابن عساكر: "هذا حديث حسن صحيح"، وهو كما قال.

• خالفهم فزاد في حديث محمد بن عمرو بن علقمة ما ليس منه:

غسان بن الربيع، عن ثابت، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي هذا، فقال:"يا عبد الله! ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار؟ "، قال: قلت: إني لأفعل، قال: فقال: "إنه من حسبك" ولم يقل: افعل، "أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فالحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله"، قال: قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، قال:"فخمسة أيام"، قال: قلت: إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، قال:"سبعة أيام"، قال: فجعل يستزيده، ويزيده يومين يومين، حتى بلغ النصف، فقال:"إن أخي داود كان أعبد البشر، وإنه كان يقوم نصف الليل، ويصوم نصف الدهر؛ إن لأهلك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً"، قال: فكان عبد الله بعدما كبر وأدركه السن، يقول: ألا كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ من أهلي ومالي.

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 251).

قلت: ثابت بن يزيد الأحول: ثقة ثبت، لكن الشأن في الراوي عنه؛ إذ الحمل على: غسان بن الربيع الأزدي الموصلي: ليس بحجة في الحديث، قال الدارقطني:"ضعيف"، وقال مرة:"صالح"، وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له في صحيحه، وقال أبو يعلى الخليلي:"ثقة صالح"[الجرح والتعديل (7/ 52)، الثقات (9/ 2)، الإرشاد (2/ 618)، تاريخ بغداد (14/ 284 - ط الغرب)، سنن الدارقطني (1/ 330)، تاريخ الإسلام (5/ 652 - ط الغرب)، الميزان (3/ 334)، تعجيل المنفعة (841)، اللسان (6/ 304)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 481)].

ج - ورواه أبو عوانة [ثقة ثبت]، عن عمر بن أبي سلمة [ليس بالقوي]، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو به مرفوعًا.

ص: 324

أخرجه البزار (6/ 335/ 2343).

وإسناده صالح في المتابعات.

د - ورواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي [صدوق، كان سيئ الحفظ، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان كتابه صحيحاً؛ إلا أنه كان يحدث من كتب الناس فيخطئ أيضًا. انظر: التهذيب (2/ 592) وغيره]، عن محمد بن طحلاء [قال أبو حاتم:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب (3/ 595)]، عن أبي سلمة، قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: حدثني مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قال لك، قال: دخل عليَّ فقال: "يا عبد الله بن عمرو! ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار؟ "، قال: قلت: إني أفعل ذلك يا رسول الله، قال:"إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإذا أنت صمت الدهر كله"، فغلَّظت فغُلِّظ عليَّ، فقلت: إني أجدني أقوى من ذلك يا رسول الله، فقال:"إن أعدل الصيام عند الله عز وجل صيام داود عليه السلام"، قال: فأدركني الكبر والضعف حتى وددت أني غرمت مالي وأهلي وأني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل شهر ثلاثة أيام.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 284)، بإسناد لا بأس به إلى الدراوردي.

قلت: إسناده حسن غريب.

قال أبو نعيم: "رواه محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة".

* * *

1389 قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صُم من كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، واقرإ القرآن في شهر"، فناقصني وناقصته، فقال:"صم يومًا، وأفطر يومًا".

قال عطاء: واختلفنا عن أبي، فقال بعضنا:"سبعة أيام"، وقال بعضنا:"خمساً".

* حديث صحيح دون الخمس، والمحفوظ:"اقرأه في سبع".

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في الشعب (4/ 299/ 1977). [التحفة (6/ 26/ 8642)، المسند المصنف (17/ 148/ 8014)].

قلت: إسناده صحيح إلى حماد، وهو: ابن زيد، وهو ممن سمع من عطاء في حال الصحة، قبل الاختلاط.

• ورواه علي بن عبد العزيز [البغوي: ثقة حافظ]: ثنا عارم أبو النعمان [محمد بن الفضل السدوسي: ثقة ثبت، من أثبت الناس في حماد بن زيد]: ثنا حماد بن زيد [ثقة ثبت]، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 325

"إنه بلغني عنك أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي ولا تنام"، قال:"فصم من كل شهر ثلاثة أيام، واقرإ القرآن في شهرين"، فناقصني وناقصته، فلم يزل يناقصني حتى قال:"صم يومًا وأفطر يومًا، واقرإ القرآن في سبع".

أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 563/ 14460).

قلت: وهذه رواية منكرة بلفظ: "واقرإ القرآن في شهرين"، فقد قال العقيلي تبعًا لأبي داود السجستاني بأن علي بن عبد العزيز البغوي هو ممن سمع من عارم بعد الاختلاط، قال العقيلي:"وسمع منه علي بن عبد العزيز في نفس الاختلاط"، وقال أبو حاتم:"اختلط عارم في آخر عمره وزال عقله، فمن كتب عنه قبل سنة عشرين ومائتين فسماعه جيد"، وسماع البغوي منه كان سنة سبع عشرة، وقال الدارقطني في عارم:"ثقة، وتغير بأخرة، وما ظهر عنه بعد اختلاطه حديث منكر"[الثقات للعجلي (735)، ضعفاء العقيلي (4/ 121) (3/ 534 - ط التأصيل)، الجرح والتعديل (8/ 58)، المجروحين (2/ 294)، سؤالات السلمي (390)، تاريخ الإسلام (5/ 685 - ط الغرب)، السير (10/ 265) 4 الميزان (4/ 7)، التهذيب (3/ 675)، الكواكب النيرات (53)].

قلت: وهذه اللفظة المنكرة تدل على أن علي بن عبد العزيز البغوي قد سمع هذا الحديث من عارم بعد الاختلاط، إلا أنه قد أصاب في بقية ألفاظه، حيث تابعه الثقات على ذلك، لا سيما قوله:"واقرإ القرآن في سبع"، والله أعلم.

* ورواه عبد الواحد بن غياث [بصري، صدوق]، وعبد الأعلى بن حماد [النرسي: بصري، ثقة]: عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كيف تصوم؟ " قلت: أصوم ولا أفطر، قال:"صم وأفطر، صم من الشهر ثلاثة أيام"، قال: زدني يا رسول الله، فإن بي قوة، قال: فلم أزل أناقصه ويناقصني حتى قال: "صُمْ أحبَّ الصيام إلى الله تبارك وتعالى صوم داود؛ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

فلما كبر عبد الله قال: لأن أكون انتهيت إلى ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، لكني لا أدع فريضة فرضها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البزار (6/ 335/ 2342) و (6/ 434/ 2464)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 252 و 253).

وحماد بن سلمة شأنه شأن أبي عوانة: سمع من عطاء بن السائب في حال الصحة والاختلاط، ولم يفصل هذا من هذا، كما قال الأمام الناقد يحيى بن سعيد القطان، وله عنه أحاديث مستقيمة كما قال ابن معين وغيره، والأصل في هذه الأحاديث أنه لم ينفرد بها دون من سمع من عطاء قبل الاختلاط، أو قامت القرائن على أنه حمله عنه حال الصحة دون الاختلاط [راجع فضل الرحيم الودود (3/ 215/ 249) و (9/ 434/ 863) و (12/ 413/ 1194)].

ص: 326

قلت: وحماد. بن سلمة هنا قد تابع مَن سمع مِن عطاء قبل الاختلاط، فحديثه عنه صحيح، والله أعلم.

* ورواه عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت، ممن سمع من عطاء بعد الاختلاط]، وجرير بن عبد الحميد [ثقة، ممن سمع من عطاء بعد الاختلاط]، وإسماعيل بن عليه [ثقة ثبت، ممن سمع من عطاء بعد الاختلاط]، وعَبيدة بن حميد [كوفي صدوق، لم يُذكر فيمن سمع من عطاء قبل الاختلاط]، وهشام الدستوائي [ثقة ثبت، ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط][وعنه: أبو داود الطيالسي، وعبد الصمد بن عبد الوارث]، وزائدة بن قدامة [ثقة ثبت، ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط][وعنه: عبد الله بن رجاء الغداني]:

عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فقال: "في كم تقرأ القرآن؟ "، قلت: في يومين وليلتين [وفي رواية عبيدة وهشام: في يومي وليلتي، وهو المحفوظ]، فقال:"بخ! صل وارقد، وارقد وصل؛ اقرأ في شهر"، قلت: إني أقوى من ذلك، فناقصني وناقصته، حتى بلغ سبعًا [وفي رواية: فناقصني وناقصته، حتى قال:"اقرأه في سبع"].

قال: "كيف تصوم؟ "، قلت: أصوم ولا أفطر، فقال:"صم وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: إني أقوى من ذلك، فناقصني وناقصته، قال:"فإن أبيت فصم أحب الصوم إلى الله؛ صوم داود؛ صم يومًا وأفطر يومًا".

فلأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي.

ولفظ هشام الدستوائي: عن عبد الله بن عمرو؛ أنه سأله النبي صلى الله عليه وسلم: "في كم تقرأ القرآن؟ "، قال: في يومي وليلتي، فناقصني وناقصته حتى قال:"اقرأه في سبع".

ولفظ زائدة [عند الطحاوي]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف تصوم؟]، قلت: أصوم فلا أفطر، قال: "صم من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: إني أقوى من ذلك؟ قال: فلم يزل يناقصني وأناقصه حتى قال: "فصم أحب الصيام إلى الله عز وجل صوم داود: صوم يوم، وإفطار يوم".

أخرجه الطيالسي (4/ 31/ 2387)، وابن سعد في الطبقات (4/ 264)، وأحمد (2/ 162 و 216)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1484)، والطحاوي (2/ 86)، والطبراني في الكبير (13/ 562/ 14457 و 14458). [الإتحاف (9/ 463/ 11680)، المسند المصنف (17/ 148/ 8014)].

راجع الكلام عن عطاء بن السائب، ومن سمع منه قبل وبعد الاختلاط: فضل الرحيم الودود (3/ 216/ 249) و (9/ 434/ 863).

وهذا إسناد صحيح متصل، سمع بعضهم من بعض، والسائب بن مالك والد عطاء، قد سمع عبد الله بن عمرو [انظر: التاريخ الكبير (4/ 154)].

ص: 327

* تنبيهان:

* الأول: رواه عن هشام الدستوائي كالجماعة: اثنان من الحفاظ: أبو داود الطيالسي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وروايتهما هي الصواب.

* وهم في متنه:

مسلم بن إبراهيم [وعنه: علي بن عبد العزيز البغوي، ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس البجلي، وهما ثقتان حافظان]: ثنا هشام الدستوائي، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو؛ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أقرأ القرآن؟ قال: "في سبع ليال"، قال: فما زلت أناقصه حتى قال: "اقرأه في يوم وليلة، لا تزيد على ذلك شيئًا".

أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 563/ 14459)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 254).

قلت: مسلم بن إبراهيم الفراهيدي: ثقة مشهور، روى له الجماعة، لكنه كغيره من الثقات يقع له الوهم في الشيء بعد الشيء، وهذا منه، وقد تقدم ذكر بعض الأوهام التي وقعت له في مواضع من فضل الرحيم الودود، وهنا قد رواه عن هشام اثنان من الثقات وتتابعا على لفظ السبع:"اقرأه في سبع"، وهو محفوظ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو [أخرجه البخاري (5054)، ومسلم (1159/ 184)، وقد تقدم ذكره في الحديث السابق (1388)]، وهو غاية ما انتهى إليه في قراءة القرآن، وكان قد بدأه بشهر، فقال في حديث حماد بن زيد والجماعة:"واقرإ القرآن في شهر".

وأدنى مدة أجاز فيها النبي صلى الله عليه وسلم قراءة القرآن: ثلاثة أيام، ففي حديث شعبة، عن مغيرة بن مقسم، قال: سمعت مجاهدًا، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

فذكر الحديث، وفيه: فقال: "اقرإ القرأن في كل شهر"، قال: إني أطيق أكثر فما زال، حتى قال:"في ثلاث". [أخرجه البخاري (1978)].

والعجب من ابن حزم أن يأتي إلى رواية مسلم بن إبراهيم الشاذة فيعتمد عليها في تضعيف الحديث ونسبة الوهم فيه إلى عطاء بن السائب:

قال ابن حزم في المحلى (2/ 98): "فإن ذكروا حديثًا رويناه من طريق هشام الدستوائي، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف أقرأ القرآن؟ قال: "اقرأه في يوم وليلة، لا تزيد على ذلك".

فإن رواية عطاء لهذا الخبر مضطربة معلولة، وعطاء قد اختلط بأخرة، روينا هذا الخبر نفسه من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"اقرإ القرآن في شهر"، قال: فناقصني وناقصته، قال عطاء: فاختلفنا عن أبي؛ فقال بعضنا: سبعة أيام، وقال بعضنا خمسة.

فعطاء يعترف باختلافهم على أبيه، وأنه لم يحقق ما قال أبوه".

قلت: قد اشتمل كلام ابن حزم على عدة مغالطات:

ص: 328

الأولى: نسبة الرواية الأولى لهشام الدستوائي، وهي شاذة من حديثه.

والثانية: إعلال رواية عطاء وردِّها بضرب الروايات المحفوظة بالروايات الشاذة.

والثالثة: نسبة الرواية الثانية إلى حماد بن سلمة، وإنما راويها حماد بن زيد.

والرابعة: أن المحفوظ من حديث عطاء: أنه انتهى به إلى السبع، وهي الرواية الموافقة لرواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو.

والخامسة: أنه لم يميز بين رواية من روى عنه قبل الاختلاط وبعده، والأئمة على تصحيح حديث عطاء قبل الاختلاط.

قال يحيى بن سعيد القطان: "من سمع من عطاء بن السائب قديمًا فسماعه صحيح"[جامع الترمذي (2816)، شرح العلل (2/ 734)].

وقال أيضًا: "ما سمعت أحدًا من الناس يقول في عطاء بن السائب شيئًا في حديثه القديم، [التاريخ الكبير (6/ 465)، الجرح والتعديل (6/ 333)، الضعفاء الكبير (3/ 399)].

وقال ابن معين: "حديث سفيان وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة عن عطاء بن السائب: مستقيم"[تاريخ الدوري (2/ 403)، الكامل (5/ 361)، شرح علل الترمذي (2/ 735)].

وقال أحمد بن حنبل: "من سمع منه قديمًا كان صحيحًا، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء"[الجرح والتعديل (6/ 333)، التهذيب (3/ 104)].

وكذا قال أبو حاتم، والعجلي، والنسائي، والساجي، ويعقوب بن سفيان، وغيرهم [انظر: التهذيب (3/ 104) وغيره].

وقد سمع منه قديمًا: شعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني، وسفيان بن عيينة، وهشام الدستوائي، وزهير بن معاوية، وزائدة بن قدامة.

* التنبيه الثاني: روى عبد الله بن رجاء [الغداني: ثقة، معروف بالرواية عن زائدة]، قال: ثنا زائدة بن قدامة [ثقة ثبت، ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط]، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف تصوم؟ "، قلت: أصوم فلا أفطر، قال:"صم من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: إني أقوى من ذلك؟ قال: فلم يزل يناقصني وأناقصه حتى قال: "فصم أحب الصيام إلى الله عز وجل صوم داود: صوم يوم، وإفطار يوم".

أخرجه الطحاوي (2/ 86).

• خالفه: حسين بن علي الجعفي [ثقة، من أصحاب زائدة، وقد ينفرد عن زائدة بما لا يتابع عليه. انظر: فضل الرحيم الودود (10/ 120/ 924)]، فرواه عن زائدة، عن عطاء بن السائب: حدثني حرب بن عبيد الله، عن السائب [وفي رواية الطبراني: السائب بن يزيد]، قال: حفظت عن عبد الله بن عمرو؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ القرآن في خمس.

ص: 329

أخرجه الترمذي في العلل الكبير (648)، ومحمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني في جزئه (15)، والطبراني في الكبير (13/ 368/ 14183)، وأبو موسى المديني في اللطائف (852).

قال الترمذي: "سألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث زائدة"، ثم قال الترمذي:"والسائب هو عندي: السائب بن مالك، والد عطاء بن السائب، وعبد الله هو: ابن عمرو".

قلت: وهذا الحديث قد رواه جمع من الثقات عن حسين الجعفي، فقالوا فيه: عن السائب، ولم ينسبوه، لكن وقع في رواية الطبراني منسوبًا: السائب بن يزيد، وهو وهم.

قال أبو موسى المديني بعد كلام: "ورواه محمد بن سهيل، وأبو مسعود الرازي، عن حسين مثله، وقال أبو مسعود في روايته: عن السائب بن مالك أبو عطاء، وقد وهم الطبراني رحمه الله في هذا الحديث، فترجم للسائب بن يزيد عن عبد الله بن عمرو في جملة رواية الصحابة عنه؛ ظنه السائب بن يزيد الصحابي وأخرج له هذا الحديث".

قلت: وكلام الترمذي قبله يؤكد ذلك، بأنه هو السائب بن مالك والد عطاء، كما قد رواه جمع من الثقات عن عطاء بن السائب عن أبيه، وهو السائب بن مالك.

يبقى أن يقال: إن البخاري قد استغرب حديث حسين بن علي الجعفي عن زائدة، وقد اشتمل على زيادتين غريبتين: الأولى: زاد في الإسناد رجلًا ضعيفًا [حرب بن عبيد الله بن عمير الثقفي]، والثانية: قوله: في خمس.

والمحفوظ في هذا الإسناد من رواية الثقات عن عطاء، وفيهم من سمع من عطاء قبل الاختلاط؛ فقالوا: عن عطاء بن السائب عن أبيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اقرأه في سبع"، والله أعلم.

* * *

1390 قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى: حدثنا عبد الصمد: حدثنا همام: حدثنا قتادة، عن يزيد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو؛ أنه قال: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ قال:"في شهرٍ"، قال: إني أقوى من ذلك، -ردَّد الكلامَ أبو موسى وتناقصه، حتى قال:- "اقرأه في سبعٍ"، قال: إني أقوى من ذلك، قال:"لا يفقَهُ مَن قرأه في أقلَّ من ثلاثٍ".

* حديث معلول

أخرجه من طريق أبي داود: ابن حزم في المحلى (3/ 53). [التحفة (6/ 145/ 8951)، المسند المصنف (17/ 415/ 8249)].

• ورواه يزيد بن هارون [ثقة متقن]، وبهز بن أسد [ثقة ثبت]:

ص: 330

عن همام، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال: "اقرأه في كل شهر"، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"اقرأه في خمس وعشرين"، قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"اقرأه في عشرين"، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"اقرأه في خمس عشرة"، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"اقرأه في عشر"، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"اقرأه في سبع"، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال:"لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث". لفظ يزيد.

اختصر بهز شقه الأول، ثم زاد: وقال: كيف أصوم؟ قال: "صم من كل شهر ثلاثة أيام، من كل عشرة أيام يومًا، ويكتب لك أجر تسعة أيام"، قال: إني أقوى من ذلك، قال:"صم من كل عشرة يومين، ويكتب لك أجر ثمانية أيام"، حتى بلغ خمسة أيام.

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (231)، وأحمد (2/ 165 و 189)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (321).

[الإتحاف (9/ 640/ 12110)، المسند المصنف (17/ 415/ 8249)].

قلت: ويظهر برواية همام هذه أن قتادة هو الذي اختصر الحديث، فكان أحياناً يحدث به تاماً بقصة القراءة والصيام، وأحياناً يختصره بقصة القراءة وحدها، وأحياناً يفصلها، وأحياناً يقتصر منها على آخر الحديث:"من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه".

• ورواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ، وعنه: إمامان ثقتان حافظان، أبو بكر ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وتابعهما: قتيبة بن سعيد، وهو: ثقة ثبت]، وعفان بن مسلم [ثقة ثبت]: عن همام، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القران في أقل من ثلاث لم يفقهه".

أخرجه الطيالسي (4/ 33/ 2389)، وابن أبي شيبة (2/ 241/ 8573)، وأحمد (2/ 164)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (142 - 144)[ولفظه الأخير مطول]. والطبراني في الكبير (13/ 588/ 14503)، والبيهقي في الشعب (4/ 302/ 1981). [الإتحاف (9/ 640/ 12110)، المسند المصنف (17/ 415/ 8249)].

• ورواه وكيع مرةً على الشك في إسناده، ورواية الجزم عنه هي المحفوظة:

قال وكيع: حدثنا همام، عن قتادة، عن رجل: يزيد، أو أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه".

أخرجه أحمد (2/ 193). [المسند المصنف (17/ 416/ 8249)].

• ووهم يوسف بن موسى القطان [وهو: صدوق]، فقال: أخبرنا وكيع، قال: أخبرنا همام -يعني: ابن يحيى-، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فلم يفقه".

ص: 331

أخرجه البزار (6/ 406/ 2430).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا قال: عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو؛ غير وكيع عن همام، وقد خالفه شعبة، فقال: عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

قلت: وقع الشك من وكيع، وقد رواه في رواية الأكثر عنه كالجماعة، وعليه: فإن ذكر أبي أيوب في إسناد هذا الحديث وهم، والله أعلم.

وأبو أيوب هذا هو: المراغي الأزدي، قيل: اسمه يحيى، وقيل: حبيب بن مالك، وهو: بصري، تابعي، ثقة [التهذيب (4/ 483)].

والمحفوظ: ما رواه الجماعة عن همام، وكذا رواه شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

* وهذا الحديث قد رواه عن قتادة أيضًا: شعبة، وسعيد بن أبى عروبة:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن المنهال [الضرير البصري: ثقة حافظ]: حدثنا يزيد بن زريع [وهو: ثقة ثبت متقن، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وهو من أثبت من روى عن ابن أبي عروبة، وهو المقدَّم فيه على غيره، قديم السماع منه، روى عنه قبل الاختلاط. الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح العلل (2/ 743)]: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله- يعني: ابن عمرو-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاثٍ".

أخرجه أبو داود برقم (1394).

أخرجه من طريق محمد بن المنهال به: ابن حبان (3/ 35/ 758 - ترتيب ابن بلبان)(3/ 343/ 2531 - التقاسيم والأنواع). [الأحكام الكبرى (4/ 9)، التحفة (6/ 145/ 8950)، الإتحاف (9/ 640/ 12110)، المسند المصنف (17/ 415/ 8249)].

رواه عن محمد بن المنهال به هكذا، فقال فيه: عن سعيد؛ يعني: ابن أبي عروبة: أبو داود سليمان بن الأشعث [ثقة حافظ، ثبت حجة، مصنف إمام]، وأبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى [ثقة ثبت، حافظ متقن، مصنف].

• خالفهما: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي [الإمام الحافظ، صاحب المسند: ثقة متقن]، قال: أخبرنا محمد بن المنهال: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".

أخرجه الدارمي (1637 - ط البشائر)(2/ 936/ 1534 - ط المغني).

[الإتحاف (9/ 640/ 12110)، المسند المصنف (17/ 415/ 8249)].

قلت: والأشبه عندي أن الحديث لسعيد بن أبي عروبة، والله أعلم.

ص: 332

* ورواه النضر بن شميل، وغندر محمد بن جعفر، وخالد بن الحارث، وعفان بن مسلم، وإبراهيم بن طهمان [وهم ثقات، من أصحاب شعبة]:

حدثنا شعبة، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".

أخرجه الترمذي (2949 و 2949 م)، والنسائي في الكبرى (7/ 277/ 8013)، وابن ماجه (1347)، وأحمد (2/ 195)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (145)، والطبراني في الكبير (13/ 588/ 14503)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 316)، والبيهقي في الشعب (4/ 302/ 1981). [التحفة (6/ 145/ 8950)، الإتحاف (9/ 640/ 12110)، المسند المصنف (17/ 415/ 8249).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

• وانظر فيمن وهم فيه على قتادة، فقصر بإسناده: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 356/ 5958)[المسند المصنف (17/ 417/ 8249)][قصر به معمر، وهو ممن يهم في حديث قتادة، كان سيئ الحفظ لحديث قتادة؛ لأنه إنما جلس إليه وهو صغير فلم يحفظ عنه].

° وانظر أيضًا فيمن وهم في إسناده على قتادة، فقلب إسناده، ولم يضبطه: ما أخرجه أبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (321)[تفرد به عن قتادة: إسماعيل بن مسلم المكي، وهو: ضعيف، عنده عجائب، ويروي عن الثقات المناكير. العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 167)، والراوي عنه: سلمة بن الفضل الأبرش الرازي: ليس بالقوي، عنده غرائب ومناكير، وهو صاحب مغازي ابن إسحاق، وهو ثبت فيها. التهذيب (2/ 76)، الميزان (2/ 192)].

* وقد اختلف في هذا الحديث على أبي العلاء:

أ - فرواه قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره. وتقدم.

ب - ورواه محمد بن عبد الأعلى [الصنعاني البصري: ثقة]، وعارم أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي [ثقة ثبت، تغير في آخر عمره، وعنه: أحمد بن حنبل، وهو: ممن سمع من عارم قبل التغير]، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك الرقاشي [بصري، ثقة ثبت]:

حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو العلاء، عن مطرف، عن ابن أبي ربيعة، عن عبد الله بن عمرو، قال: ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم، فقال:"صم من كل عشرة أيام يومًا، ولك أجر تلك التسعة"، فقلت: إني أقوى من ذلك، قال:"صم من كل تسعة أيام يومًا، ولك أجر تلك الثمانية"، قلت: إني أقوى من ذلك، قال:"فصم من كل ثمانية أيام يومًا، ولك أجر تلك السبعة"، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل حتى قال: "صم يومًا وأفطر يومًا".

ص: 333

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 213/ 2395)، وفي الكبرى (3/ 190/ 2716)، وأحمد (2/ 224)، والطبراني في الكبير (13/ 589/ 14504). [التحفة (6/ 157/ 8971)، الإتحاف (9/ 671/ 12164)، المسند المصنف (17/ 149/ 8015)].

° ورواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق]: أخبرني الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! مرني بصيام، قال:"صم يومًا ولك أجر تسعةٍ"، قال: قلت: يا رسول الله! إني أجد قوةً، فزدني، قال:"صم يومين، ولك أجر ثمانية أيام"، قال: قلت: يا رسول الله! إني أجد قوةً، فزدني، قال:"فصم ثلاثة أيام ولك أجر سبعة أيام"، قال: فما زال يحط لي، حتى قال:"إن أفضل الصوم صوم أخي داود"، أو:"نبي الله داود"؛ شك الجريري، "صم يومًا وأفطر يومًا"، فقال عبد الله لما ضعف: ليتني كنت قنعت بما أمرني به النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (2/ 200)، والطحاوي في المشكل (15/ 127/ 5890). [الإتحاف (9/ 630/ 12089)، المسند المصنف (17/ 150/ 8015)].

• وحديث عبد الوهاب عن الجريري هذا لا يُعلُّ بما رواه:

° إسماعيل ابن عليه، وخالد بن عبد الله الواسطي، وبشر بن المفضل [وهم ثقات أثبات، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه]، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى [ثقة، من أصحاب الجريري، روى له الشيخان عن الجريري]، وسفيان الثوري [وعنه: قبيصة بن عقبة، تفرد به عنه: حفص بن عمر بن الصباح الرقي الرافقي المعروف بسنجة ألف؛ قال عنه أبو أحمد الحاكم: "حدث بغير حديث لم يتابع عليه"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"، وقال الخليلي:"وكان يحفظ، وينفرد برفع حديث"، وقال الدارقطني:"ثقة"، وقال الذهبي:"احتج به أبو عوانة، وهو صدوق في نفسه، وليس بمتقن". الثقات (8/ 201)، الإرشاد (2/ 473)، الإكمال (4/ 385)، علل الدارقطني (11/ 97)، تاريخ الإسلام (20/ 339)، السير (13/ 405)، اللسان (3/ 236)]

[ورواه عن الثوري أيضًا: محمد بن يوسف الفريابي؛ لكن الراوي عنه: عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم: ضعيف، حدث عن الفريابي بالبواطيل. اللسان (4/ 562)][وعليه: فلا يثبت من حديث الثوري عن الجريري][وقد ثبت من رواية أربعة من أصحابه عنه]:

عن سعيد بن إياس الجريري، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرف، عن عمران بن الحصين، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلانًا لا يفطر نهارًا الدهر، قال:"لا أفطر ولا صام".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 206/ 2379)، وفي الكبرى (3/ 181/ 2694)، وابن خزيمة (3/ 311/ 2151)(3/ 46/ 2227 - ط التأصيل)، وابن حبان (8/ 348/ 3582)، والحاكم (1/ 435)، وأحمد (4/ 426 و 431 و 433)، ومحمد بن يوسف الفريابي

ص: 334

في حديثه عن الثوري (286)، والروياني (117)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 298/ 472 - مسند عمر)، والطبراني في الكبير (18/ 113/ 216 - 218) و (18/ 116/ 227)[ووقع في سنده سقط]. [التحفة (7/ 401/ 10858)، الإتحاف (12/ 44/ 15052)، المسند المصنف (23/ 238/ 10431)].

قلت: وهذا حديث صحيح.

• وقد خالف قتادةُ الجريريَّ في إسناده:

• فقد رواه شعبة [وعنه: يحيى بن سعيد القطان، وأبو داود الطيالسي، وبهز بن أسد، ويزيد بن هارون، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعمرو بن مرزوق، وعاصم بن علي، وعبيد بن سعيد بن أبان الأموي، وغيرهم]، وسعيد بن أبي عروبة [وعنه: يزيد بن زريع، وروح بن عبادة، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وغندر محمد بن جعفر]، وهشام الدستوائي [وعنه: ابنه معاذ]، وهمام بن يحيى، وأبان بن يزيد العطار، والأوزاعي:

عن قتادة، قال: سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير، يحدث عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صوم الدهر:"لا صام ولا أفطر". لفظ شعبة.

وفي رواية أخرى لشعبة [عند أحمد]: "من صام الدهر لا صام ولا أفطر، وما صام ولا أفطر".

وفي رواية همام [عند أحمد]: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صام ولا أفطر"، أو قال:"لم يصم ولم يفطر".

وفي رواية الأوزاعي، قال: حدثني قتادة بن دعامة: حدثني مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: حدثني أبي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لرجل ذُكر عنده أنه يصوم الدهر، فقال:"لا صام ولا أفطر".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 206/ 2380) و (4/ 207/ 2381)، وفي الكبرى (3/ 182/ 2695 و 2696)، وابن ماجه (1705)، والدارمي (1896 - ط البشائر)، وابن خزيمة (3/ 311/ 2150)، وابن حبان (8/ 348/ 3583)، والحاكم (1/ 435)، والضياء في المختارة (9/ 469 - 471/ 448 - 453)، وأحمد (4/ 24 و 25 و 26)، والطيالسي (2/ 464/ 1243)، وابن أبي شيبة (2/ 327/ 9552)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 340/ 1230 - السفر الثاني)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 296 - 298/ 465 - 471 - مسند عمر)، وجعفر الخلدي في الأول من فوائده (35). [التحفة (5350)، الإتحاف (6/ 692/ 7205) و (19/ 539/ 25331)، المسند المصنف (11/ 322/ 5381)].

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وشاهده على شرطهما صحيح ولم يخرجاه"، ثم أسند حديث عمران.

قال أبو عيسى الترمذي: "سألت محمدًا -يعني: البخاري-، عن هذا الحديث،

ص: 335

فقلت: حديث مطرف عن عمران بن حصين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً لا يفطر، قال:"لا صام ولا أفطر".

رواه الجريري، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرف، عن عمران.

ورواه قتادة، عن مطرف، عن أبيه، أيهما أصح؟ فقال: يحتمل عنهما كليهما" [علل الترمذي الكبير (207)].

وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر".

قلت: رواه قتادة عن مطرف عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم.

قال أبي: قتادة أحفظ.

وقال أبو زرعة: ما أقف من هذا الحديث على شيء، يحتمل أن يكون جميعًا صحيحين، ومطرف عن أبيه ما أدري كيف هو؟.

والجريري بأخرة ساء حفظه، وليس هو بذاك الحافظ". [علل الحديث (3/ 43/ 679)].

قلت: وهو كما قال البخاري، ومال إليه أبو زرعة؛ إذ لا يبعد أن يكون مطرف حفظه عن عمران بن حصين، فحدث به أخاه أبا العلاء، وحفظه أيضًا عن أبيه، فحدث به قتادة.

والمقصود من هذا الاستطراد بيان كون حديث عمران بن حصين وحديث عبد الله بن الشخير فيمن صام الدهر مرفوعًا: "لا صام ولا أفطر": حديث محفوظ، ولا يُعَلُّ به حديث الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عبد الله بن عمرو.

° نرجع بعد ذلك مرة أخرى إلى حديث عبد الله بن عمرو:

• فقد رواه قتادة [ثقة ثبت، حافظ عصره، قال فيه ابن سيرين: "قتادة هو أحفظ الناس"، وقد شهد له بالحفظ الذي لا نظير له جماعةٌ، منهم: سعيد بن المسيب، وبكر بن عبد الله المزني، وسفيان الثوري، وابن مهدي، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم. التهذيب (3/ 428)، السير (5/ 269)]، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكر الحديث في القراءة والصيام. وتقدم.

• ورواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق]: أخبرني الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! مرني بصيام،

فذكر الحديث في الصيام، ولم يذكر القراءة.

• ورواه المعتمر بن سليمان التيمي البصري [ثقة]، عن أبيه [سليمان بن طرخان التيمي البصري: تابعي ثقة]، قال: حدثنا أبو العلاء [يزيد بن عبد الله بن الشخير: بصري تابعي، ثقة]، عن مطرف [هو: أخو أبي العلاء، وأكبر منه بعشر سنين]، عن ابن أبي ربيعة [يقال: هو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المكي، استعمله ابن الزبير على

ص: 336

البصرة: تابعي ثقة، وإلا فهو مجهول، وهو الأقرب]، عن عبد الله بن عمرو، قال: ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم،

فذكر الحديث في الصيام، ولم يذكر القراءة.

فزاد الجريري في إسناده رجلًا، وزاد سليمان التيمي رجلين، واجتماع اثنين من الثقات على مطلق الزيادة، يجعل النفس تميل إلى إثبات الزيادة، وأن أبا العلاء لم يسمع هذا الحديث من عبد الله بن عمرو، لا سيما مع عدم الوقوف على ما يثبت له السماع.

فإن أبا العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري: لم أقف له على سماع من عبد الله بن عمرو، ولم يُثبِت له أحدٌ علمته السماعَ من عبد الله، ولم يذكر له البخاري في تاريخه رواية عنه، وليس له في الكتب الستة، ولا في أطراف العشرة سوى هذا الحديث، بل لم أقف له على رواية عن عبد الله سوى هذا الحديث في الكتب المسندة [التحفة (6/ 145/ 8950)، الإتحاف (9/ 640/ 12110)، المسند المصنف (17/ 415/ 8249)].

وأبو العلاء مات سنة إحدى عشرة ومائة، وقيل قبلها، وكان أكبر من الحسن البصري بعشر سنين، وولد في خلافة عمر [التاريخ الكبير (8/ 345)، التهذيب (4/ 419)].

فإذا كان يروي عن بلديه الذي أدركه؛ عمران بن حصين [ت سنة (52)] بواسطة أخيه مطرف [وكان أكبر من أبي العلاء بعشر سنين]، فكيف بغير أهل بلده، وهو عبد الله بن عمرو [ت سنة (65)] وكان بمصر والحجاز؛ لا سيما ومعنا قرينة عدم ذكر السماع، وأنه ليس له عنه رواية سوى هذا الحديث؛ ثم مع وجود الاختلاف عليه في إسناده.

لكن يبقى أن يقال: إذا كانت زيادة سليمان التيمي في الإسناد هي المحفوظة؛ فهل يصح الحديث أم لا؟ فالجواب: الشأن في ابن أبي ربيعة، وليس عندنا يقين بأنه الحارث المخزومي، ولم أقف على من ترجم لابن أبي ربيعة هذا، ولا يُعرف الحارث بالرواية عن عبد الله بن عمرو، ولا عنه: مطرف بن عبد الله بن الشخير.

كما أن موضع الشاهد: "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" لم يذكر في حديث التيمي، ولا في حديث الجويري.

ثم إن الشيخين قد أعرضا عن إخراج هذا الحديث بطرقه الثلاث، مع كونهما قد أخرجا قصة عبد الله بن عمرو هذه من طرق متعددة.

وكذلك فقد ثبت من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو؛ النهي عن الزيادة على السبع.

• رواه عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة، عن أبي سلمة، قال [يعني: يحيى بن أبي كثير]: وأحسبني قد سمعته أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرإ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: إني أجد قوةً، قال:"فاقرأه في عشرين ليلة"، قال: قلت: إني أجد قوةً، قال:"فاقرأه في سبعٍ، ولا تزد على ذلك".

أخرجه البخاري (5054)، ومسلم (1159/ 184). [تقدم برقم (1388)].

ص: 337

• ورواه عكرمة بن عمار: حدثنا يحيى، قال: انطلقت أنا وعبد الله بن يزيد، حتى نأتي أبا سلمة، فأرسلنا إليه رسولًا،

فذكر الحديث بطوله، والشاهد منه: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً"

الحديث.

أخرجه مسلم (1159/ 182). [تقدم تحت الحديث رقم (1388)].

• وروى هشام الدستوائي، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو؛ أنه سأله النبي صلى الله عليه وسلم:"في كم تقرأ القرآن؟ "، قال: في يومي وليلتي، فناقصني وناقصته حتى قال:"اقرأه في سبع".

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1389).

وقد صح الإذن أيضًا بقراءته في ثلاث، كما في صحيح البخاري (1978) وغيره [ويأتي ذكره في طرق حديث ابن عمرو]؛ لكن بدون هذا القيد المذكور في حديث أبي العلاء.

كذلك فقد تعددت طرق الحديث إلى عبد الله بن عمرو، وكثرت مخارجه، فلم يذكر أحد منهم هذا القيد:"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".

° وعليه: فإن حديث قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لم يفقه من قرأ القرأن في أقل من ثلاث": حديث معلول.

كما لا يثبت أيضًا: حديث التيمي لجهالة ابن أبي ربيعة، ولا حديث الجريري لنفس السبب، وهو سقوط الواسطة مع جهالتها، وقد اختلفا أيضًا في متن الحديث، والله أعلم.

* وقد وجدت لحديث أبي العلاء متابعة، لكنها واهية:

فقد رواه عبد الله بن سعيد [أبو سعيد الأشج: ثقة]: حدثنا عقبة بن خالد [السكوني: صدوق]، عن عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثني عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أقرأ القرآن في أقل من ثلاث.

أخرجه الدارمي (3816 - ط البشائر). [الإتحاف (9/ 580/ 11982)، المسند المصنف (17/ 419/ 8253)].

قلت: عبد الرحمن بن رافع التنوخي: في حديثه مناكير، كذا قال البخاري، وذكره أبو زرعة الرازي في أسامي الضعفاء، وأنكر أبو حاتم عليه حديثًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"لا يحتج بخبره إذا كان من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وإنما وقع المناكير في حديثه من أجله"، وقال في المشاهير:"من ثقات المصريين، وإنما وقعت المناكير في روايته من جهة عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، لا من جهته"، وقال الذهبي:"حديثه منكر، وكان على قضاء أفريقية، ولكن لعل تلك النكارة جاءت من قبل صاحبه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي" [الضعفاء الصغير (211)، التاريخ الكبير (5/ 280)، أسامي الضعفاء لأبي زرعة (2/ 632)، الجرح والتعديل (5/ 232)،

ص: 338

المعرفة والتاريخ (2/ 307)، الثقات (5/ 95)، مشاهير علماء الأمصار (938)، بيان الوهم (3/ 136/ 836)، الميزان (2/ 560)، المغني (2/ 379)، التهذيب (2/ 503)].

وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم: ضعيف، وقد أنكروا عليه أحاديث، ومن مناكيره ما لا يُحتمل [التهذيب (2/ 505)، الميزان (2/ 561)][وانظر في مناكيره: ما تقدم برقم (514 و 617)].

* وقد روي ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة:

فقد روى يوسف بن الغرق، عن الطيب بن سلمان، قال: حدثتنا عمرة، أنها سمعت عائشة، تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (230)، وابن سعد في الطبقات (1/ 376)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 122/ 820)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (321 - 322).

قلت: روى الطبراني في الأوسط (6/ 106/ 5940 و 5941) حديثين من طريق: الطيب بن سلمان، قال: سمعت عمرة، تقول: سمعت عائشة؛ فذكرهما ثم قال: "لم يرو هذين الحديثين عن عمرة بنت أرطأة، وهي العدوية، بصرية، وليست بعمرة بنت عبد الرحمن؛ إلا الطيب بن سلمان المؤدب، ويكنى أبا حذيفة، بصري، ثقة".

قلت: خالفه الدارقطني، فقال:"شيخ ضعيف بصري"، وذكره ابن حبان في الثقات، وترجم له بالرواية عن عمرة، ولم ينسبها، وترجم له ابن أبي حاتم بروايته عن معاذة العدوية وحدها، وعنه: بشر بن محمد أبو أحمد السكري، وسكت عنه، وقد وجدت له أحاديث عن عمرة، ولم تنسب في شيء منها، ثم وجدت له حديثًا منكراً عند الطبراني في الدعاء (2161) قال فيه: سمعت عمرة العدوية، ثم وجدت في المحدث الفاصل (338) بعد حديث رواه من هذا الطريق:"قال عبدان [يعني: ابن أحمد الأهوازي] هذه عمرة الطاحية، وليست بعمرة بنت عبد الرحمن بن زرارة"[الجرح والتعديل (4/ 497)، الثقات (6/ 493)، سؤالات البرقاني (243 و 660)، اللسان (4/ 360)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 399)، فضائل القرآن لابن كثير (254)][فضل الرحيم الودود (14/ 357/ 1292)].

قلت: هو حديث باطل؛ إن كان تفرد به عن عمرة بنت عبد الرحمن: الطيب بن سلمان، وهو حديث منكر؛ إن كان تفرد به عن عمرة العدوية، وهي مجهولة، والطيب: ضعيف، كما قال الدارقطني، فهو أقعد بعلم الجرح والتعديل من ابن حبان والطبراني، لا سيما وقد روى الطيب عن عمرة أحاديث منكرة، والله أعلم.

ويوسف بن الغرق: كذبه الأزدي، وقال صالح بن محمد جزرة:"منكر الحديث"، وقال أبو حاتم:"ليس بالقوي"، وقال محمود بن غيلان:"ضرب أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة على حديثه وأسقطوه"[الجرح والتعديل (9/ 227)، الثقات (9/ 279)، الكامل (7/ 167)، تاريخ بغداد (14/ 297)، تاريخ الإسلام (13/ 488)، اللسان (8/ 563)].

ص: 339

* وقد صح عن ابن مسعود أنه كره أن يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وأنه كان يقرؤه في ثلاث، وفي سبع:

أ - فقد روى حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: كان عبد الله يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث.

أخرجه الشافعي في الأم (7/ 199).

وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

ب - ورواه معمر بن راشد، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، قال: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 353/ 5946)، والطبراني في الكبير (9/ 142/ 8701).

قلت: معمر بن راشد: ثقة، وهو ثبت في الزهري وابن طاووس، وكان يضعَّف حديثه عن أهل الكوفة والبصرة [انظر: شرح العلل (2/ 709 و 774)].

• خالفه: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة، من أثبت الناس في جده أبي إسحاق]، وأبو الأحوص [سلام بن سليم: ثقة متقن]، وحديج بن معاوية [ليس بالقوي]: فرووه عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز، [زاد أبو الأحوص: هذًّا كهذِّ الشعر، ونثرًا كنثر الدقل].

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/ 444/ 147) و (2/ 456/ 153)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (147 و 148)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (322).

قلت: وهذا هو المحفوظ: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه.

وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد جيد.

ج - ورواه سفيان الثوري، وشعبة، ومسعر بن كدام، ومعمر بن راشد:

عن علي بن بذيمة [ثقة]، عن أبي عبيدة بن عبد الله [وفي رواية شعبة: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله]، قال: قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 353/ 5947)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (233)، وابن أبي شيبة (2/ 241/ 8574)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (146)، وأبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (162)(406 - مجموع مصنفاته)، والطبراني في الكبير (9/ 142/ 8702 - 8704)، وابن المقرئ في المعجم (1221)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 257)، وابن حزم في المحلى (3/ 54)، والبيهقي في الشعب (4/ 304/ 1983).

قال يعقوب بن إسحاق الحضرمي: قال شعبة: "ولم أسمع من علي بن بذيمة إلا هذين الحديثين"، يعني: هذا الموقوف على ابن مسعود، وقراءةٍ شاذة لعكرمة.

قلت: وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد جيد.

د - ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين [وهو ثقة ثبت، ممن سمع من المسعودي قبل

ص: 340

الاختلاط]، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ [ثقة، لم يُذكر فيمن روى عن المسعودي قبل الاختلاط. انظر: التهذيب (2/ 523)، شرح العلل (2/ 747)، التقييد والإيضاح (430)، الكواكب النيرات (35)، تاريخ بغداد (10/ 218)، وغيرها]:

عن المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: كان عبد الله يقرأ القرآن في كل ثلاث، وقلما يأخذ منه بالنهار.

أخرجه ابن أبي عمر العدني في مسنده (6/ 345/ 5993 - إتحاف الخيرة)(14/ 423/ 3511 - مطالب)، والطبراني في الكبير (9/ 143/ 8711).

قلت: وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد جيد.

فإنَّ قيل: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه؟ فيقال: لكن حديثه عنه صحيح، كما سبق تقريره قبل ذلك مراراً، راجع مثلاً: الأحاديث السابقة برقم (754 و 877 و 1267 و 1378)، وقد نقلت هناك أقوال الأئمة في جعله من قبيل المسند المتصل.

هـ- ورواه سفيان الثوري، وشعبة، وأبو معاوية، وزائدة بن قدامة [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في الأعمش]، وحجاج بن أرطأة [ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين]:

عن الأعمش، عن عمارة بن عمير [وفي رواية لشعبة: سمعت عمارة]، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد الله: لا تقرؤوا القرآن في أقل من ثلاث، اقرؤوه في سبع، ويحافظ الرجل يومًا وليلة على جزئه. لفظ سفيان، وفي رواية أبي معاوية: وليحافظ الرجل في يومه وليلته على جزئه. وفي رواية شعبة: وليحافظ أحدكم على حزبه في يومه وليلته.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 353/ 5948)، وسعيد بن منصور في سننه (2/ 442/ 146)، وابن أبي شيبة (2/ 242/ 8585)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (130 و 131)، والطبراني في الكبير (9/ 143/ 8707 - 8709)، والبيهقي في السنن (2/ 396)، وفي الشعب (4/ 305/ 1985).

وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح.

و - ورواه يحيى بن سعيد القطان، والنضر بن شميل، وأبو داود الطيالسي، وحجاج بن محمد المصيصي، وعلي بن الجعد، وآدم بن أبي إياس، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي [وهم من ثقات أصحاب شعبة]:

عن شعبة، عن محمد بن ذكوان [وفي رواية الطيالسي: قال شعبة: وكان كخير الرجال]، قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود؛ أنه كان يختم القرآن في رمضان في ثلاث، وفي غيرِ رمضان من الجمعة إلى الجمعة.

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (223 و 234)، وسعيد بن منصور

ص: 341

في سننه (2/ 449/ 150)، ومسدد في مسنده (6/ 346/ 5993 - إتحاف الخيرة) 14/ 421/ 3510 - مطالب)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 78)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (132)، والطبراني في الكبير (9/ 142/ 8706)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 166)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (325)، والبيهقي في الشعب (4/ 356/ 2055).

قال الطيالسي: "لم يرو شعبة عنه إلا هذا".

شيخ شعبة ليس هو: محمد بن ذكوان الأزدي الطاحي البصري، مولى الجهاضم [وهو: منكر الحديث. التهذيب (3/ 558)]، بل هو الأسدي بياع الأكسية، وهو جزري سكن الكوفة، فرق بينهما الأئمة، والأسدي هذا: روى عنه شعبة هذا الأثر، وأثنى عليه خيرًا، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين:"محمد بن ذكوان الذي روى عنه شعبة: ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (1/ 78)، الجرح والتعديل (1/ 152) و (7/ 251)، ووقع خلط في الجرح والتعديل بين ترجمته وترجمة مولى الجهاضم؛ أدت إلى اضطراب الترجمة على من جاء بعده. الثقات (7/ 419)، تاريخ أسماء الثقات (1307)، الميزان (3/ 543)، التهذيب (3/ 558 و 559)].

وعليه: فهو موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح.

وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: ثقة، اختلف في سماعه من أبيه، والصحيح: أنه سمع منه بإطلاق [انظر تقرير هذه المسألة فيما تقدم: تحت الحديث رقم (432)، تخريج أحاديث الذكر والدعاء (2/ 507/ 246)].

* ولأثر ابن مسعود هذا أسانيد أخرى لا تخلو من مقال كالانقطاع وغيره، تركت ذكرها اختصارًا.

° فائدة:

قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث (1/ 739): "في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز.

قيل: إنما قاله لأن الرجز أخف على لسان المنشد، واللسان به أسرع من القصيدة" [وانظر أيضًا: نفس المرجع (2/ 9)، النهاية (2/ 200 و 296)].

* * *

1391 -

قال أبو داود: حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان - خال عيسى بن شاذان -: أخبرنا أبو داود: حدثنا الحَرِيشُ بن سُلَيم، عن طلحة بن مصرف، عن خيثمة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرإ القرآن في شهر"، قال: إن بي قوةً، قال:"اقرأه في ثلاث".

ص: 342

[قال أبو علي:] سمعت أبا داود، يقول: سمعت أحمد - يعني: ابن حنبل - يقول: عيسى بن شاذان كيِّسٌ.

* حديث غريب

لم أقف على من أخرجه من هذا الوجه. التحفة (6/ 15/ 8623)، المسند المصنف (17/ 419/ 8252)].

ومحمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان؛ خال عيسى بن شاذان: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة من الأئمة المصنفين [الثقات (9/ 92 و 95)، تاريخ الإسلام (5/ 914 - ط الغرب)]، وهو من شيوخ أبي داود المقلين الذين لم يكثر عنهم في السنن؛ حيث أخرج له حديثين هذا أحدهما، والآخر في كتاب المناسك برقم (2039).

قال الذهبي في الميزان (3/ 526): "بغدادي، متهم بالكذب، وقيل: هو خال عيسى بن شاذان، روى عنه أبو داود. وقال ابن منده: حدث عن سفيان ويحيى القطان مناكير"، وحكى ابن حجر قول ابن منده هذا في التهذيب (3/ 544)، وقد وجدت لابن منده رواية من طريق محمد بن حفص هذا عن يحيى بن سعيد القطان فيها نكارة الجامع لأخلاق الراوي (1/ 983/411)]، وفي الإسناد إليه: عمر بن الحسن بن علي الشيباني المعروف بابن الأشناني، وقد وثقه جماعة، وتكلم فيه آخرون، لكنه ممن يحتمل، ويُقوَّى أمره [انظر: تخريج الذكر والدعاء (3/ 1006/ 460)]؛ فإن كان توبع عليه ابن الأشناني، فالحمل فيه على محمد بن حفص، وإلا فالحمل فيه على ابن الأشناني، والله أعلم.

ولم ينفرد به محمد بن حفص القطان هذا:

* فقد رواه أبو حفص عمرو بن علي [الفلاس: ثقة ثبت، حافظ إمام]: حدثنا أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]: حدثنا الحريش بن سليم: حدثنا طلحة بن مصرف، عن خيثمة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر"، قلت: يا رسول الله، زدني [وفي رواية: قلت: إني أجد قوةً]، قال:"اقرأ في ثلاث"، فاستزدته، فأبى.

أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 525/ 14407)، وفي الأوسط (7/ 250/ 7415)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 575)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (194)(1213 - المخلصيات)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 122).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن طلحة بن مصرف إلا الحريش بن سليم، ولا عن الحريش إلا أبو داود، تفرد به: أبو حفص".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث طلحة وخيثمة، تفرد به: عمرو عن أبي داود".

قلت: لم ينفرد به الإمام الحافظ الناقد عمرو بن علي الفلاس، تابعه: محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان على كلام فيه.

ص: 343

وقال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث طلحة عنه، تفرد به حريش بن سليم"[أطراف الغرائب والأفراد (1/ 608/ 3555)].

قلت: طلحة بن مصرف اليامي: ثقة فاضل مشهور، روى عنه جماعة من أقرانه المبرزين مثل إسماعيل بن أبي خالد، وزبيد بن الحارث اليامي، والأعمش، وروى عنه أيضًا جماعة من الثقات الحفاظ من أهل الكوفة وغيرهم، مثل: منصور بن المعتمر، ومسعر بن كدام، وشعبة، ورقبة بن مصقلة، وإدريس بن يزيد الأودي، ومالك بن مغول.

وقد تفرد عنه دونهم: الحريش بن سليم أبو سعيد الكوفي، قال أبو مسعود أحمد بن فرات:"نا أبو داود، قال: نا الحريش بن سليم؛ كوفي ثقة"، وقال أحمد:"كوفي، ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وأما قول ابن معين:"حريش بن سليم: ليس بشيء"؛ فيحمل على إرادة قلة روايته، وهو كذلك قليل الرواية [سؤالات الأثرم (889)، المعرفة والتاريخ (3/ 104)، الجرح والتعديل (3/ 292)، الثقات (6/ 245)، تاريخ أسماء الثقات (160)، المؤتلف للدارقطني (2/ 606)، إكمال مغلطاي (4/ 47)، التهذيب (1/ 378)].

فأين الحريش بن سليم على قلة حديثه من ثقات أصحاب طلحة بن مصرف على كثرتهم وجمعهم لحديثه.

فهو غريب من حديث طلحة بن مصرف، كما قال الطبراني والدارقطني وأبو نعيم.

• ورواه أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني الفقيه: ثقة حافظ إمام.

الأنساب (1/ 158)، السير (16/ 292)، تاريخ الإسلام (8/ 353 - ط الغرب)، تذكرة الحفاظ (3/ 947)]: حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي مطين، وهو: ثقة حافظ]: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني: صدوق حافظ؛ إلا أنه اتُّهم بسرقة الحديث. التهذيب (4/ 370)]: حدثنا أبو بكر بن عياش [ثقة، ساء حفظه لما كبر، وكتابه صحيح]، عن خيثمة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كم تقرأ القرآن؟ "، قال: قلت: في كل ليلة، قال:"فلا تفعل، ولكن اقرأه في ثلاث".

أخرجه البيهقي في الشعب (4/ 303/ 1982)، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإمام الإسفراييني المهرجاني: ثقة. الأنساب (1/ 149)، المنتخب من السياق (269)، السير (17/ 353)، تاريخ الإسلام (9/ 291 - ط الغرب)]، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي.

وهذا غريب من حديث أبى بكر بن عياش، ولا يرفع الغرابة عن حديث طلحة.

• ولخيثمة عن عبد الله بن عمرو أثر له فائدة متعلقة بالحديث:

فقد روى أبو كامل [الجحدري فضيل بن حسين، وهو: ثقة متقن]: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو، وإنسان قد أخذ عليه المصحف، وهو يقرأ، فقلت: ما هذا؟ قال: أقرأ جزئي الذي أقوم به الليل.

ص: 344

أخرجه جعفر الفريابي في فضائل القرآن (151)، قال: حدثنا أبو كامل به.

وهذا موقوف على عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح، وعبد الواحد بن زياد البصري: ثقة، من أصحاب الأعمش، وافق أصحاب الأعمش في كثير من حديثه، وروايته عنه في الصحيحين، وقد يهم عليه أحيانًا [وقد تقدم ذكره مرارًا، وراجع مثلًا: الحديث رقم (468 و 1261)].

وفي هذا الأثر إثبات دخول خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي [وهو: ثقة] على عبد الله بن عمرو، وسماعه منه، كما له حديث آخر عند مسلم فيه إثبات السماع، وقد أثبت البخاري له السماع منه في تاربخه [انظر: التاريخ الكبير (3/ 215)، التاريخ الأوسط (3/ 15/ 23 و 24)، صحيح مسلم (996)].

لكن يبقى الحديث غريبًا، مع صحة معناه، ومجيئه بإسناد ثابت من وجه آخر، يأتي ذكره ضمن طرق حديث عبد الله بن عمرو، والله أعلم.

* ولحديث عبد الله بن عمرو طرق أخرى كثيرة:

1 -

رواه أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وحجاج بن محمد المصيصي، وعبد الرزاق بن همام، ومحمد بن بكر البرساني، وروح بن عبادة [وهم ثقات، من أصحاب ابن جريج]:

عن ابن جريج: سمعت عطاء؛ أن أبا العباس الشاعر أخبره؛ أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يقول: بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم وأصلي الليل، فإما أرسل إليَّ وإما لقيتُه، فقال:"ألم أُخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي [الليل]؟ [فلا تفعل]، فصم وأفطر، وقم ونم، فإن لعينك عليك حظًا، وإن لنفسك وأهلك عليك حظًا، [وصم من كل عشرة أيام يومًا، ولك أجر تسعةٍ] "، قال: إني لأقوى لذلك، قال:"فصم صيام داود عليه السلام" قال: وكيف [كان دواد يصوم]؟ قال: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى"، قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صام من صام الأبد" مرتين، وأعادها في رواية عبد الرزاق ثلاثًا.

أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159/ 186)، وأبو عوانة (2/ 223/ 2929) و (2/ 247/ 3032) و (2/ 248/ 3033)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 237 / 2635)، والنسائي في المجتبى (4/ 206/ 2378) و (4/ 215/ 2401)، وفي الكبرى (3/ 184/ 2704) و (3/ 193/ 2722)، وابن خزيمة (3/ 295/ 2109)، وأحمد (2/ 199)، وعبد الرزاق (4/ 294/ 7863). [التحفة (6/ 21/ 8635)، الإتحاف (9/ 456/ 11668)، المسند المصنف (17/ 125/ 8005)].

قال مسلم: "أبو العباس السائب بن فروخ: من أهل مكة، ثقة عدل".

وقال النسائي: "أبو العباس الشاعر؛ اسمه السائب بن فروخ: ثقة، وابنه العلاء بن أبي العباس: يُروى عنه الحديث".

ص: 345

هكذا رواه ابن جريج عن عطاء، وهو أثبت الناس فيه، وأرواهم عنه:

* ووهم فيه الأوزاعي، فلم يضبط إسناده:

• فرواه الوليد بن مسلم [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، والحارث بن عطية [صدوق]، ورواد بن الجراح [ضعيف]:

عن الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح [وفي رواية للوليد: حدثنا عطاء]، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 205/ 2373 و 2374)، وفي الكبرى (3/ 183/ 2699 و 2750)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 299/ 473 و 474 - مسند عمر)، والطبراني في الكبير (12/ 445/ 13617). [التحفة 5/ 288/ 7330)، المسند المصنف (17/ 130/ 8005)].

• • ورواه الوليد بن مزيد [ثقة ثبت، أثبت الناس في الأوزاعي]، وعقبة بن علقمة المعافري [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، وموسى بن أعين [ثقة عابد]، وبشر بن بكر التنيسي [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]:

عن الأوزاعي، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، قال: حدثني من سمع ابن عمر، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام الأبد فلا صام".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 205/ 2375) و (4/ 206/ 2376)، وفي الكبرى (3/ 183/ 2701) و (3/ 184/ 2702)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار 11/ 299/ 475 و 476 - مسند عمر)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (27 - رواية أبي بكر الطوسي). [التحفة (5/ 288/ 7330)، المسند المصنف (17/ 131/ 8005)].

• • • ورواه محمد بن مصعب القرقساني [لا بأس به، كان سيئ الحفظ، كثير الغلط، يخطئ كثيرًا عن الأوزاعي. التهذيب (3/ 702)، سؤالات البرذعي (400)]، والوليد بن مسلم [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، ومحمد بن كثير [هو: ابن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، صاحب الأوزاعي، وهو: صدوق كثير الغلط]، ورواد بن الجراح [ضعيف]:

عن الأوزاعي، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر".

أخرجه أحمد (2/ 198)، والبزار (6/ 382/ 2400)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 299/ 477 - مسند عمر)، وابن حبان (8/ 347/ 3581)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 320). [الإتحاف (9/ 589/ 12000)، المسند المصنف (17/ 125/ 8005)].

• • • • ورواه يحيى بن حمزة [دمشقي ثقة]، عن الأوزاعي، عن عطاء أنه حدثه، قال: حدثني من سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر".

ص: 346

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 206/ 2377)، وفي الكبرى (3/ 184/ 2703). [التحفة (6/ 21/ 8635)، المسند المصنف (17/ 125/ 8005)].

وهذا الوجه هو الذي دل صنيع النسائي على ترجيحه، حيث ختم به ذكر الاختلاف على الأوزاعي، ثم أتبعه بحديث ابن جريج، والذي في التصريح باسم الواسطة التي أبهمها الأوزاعي، وهو أبو العباس الشاعر؛ السائب بن فروخ، والله أعلم.

وانظر: المعجم الكبير للطبراني (13/ 466/ 14329).

• ووهم فيه أيضًا: حجاج بن أرطاة [ليس بالقوي]، وإسماعيل بن مسلم المكي [ضعيف]، وعبد الله بن لهيعة [ضعيف]؛ فاسقطوا أبا العباس من الإسناد:

رووه عن عطاء، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:

الحديث. اختصره إسماعيل وابن لهيعة، وطوله حجاج.

أخرجه عبد بن حميد (321)، والبزار (6/ 379/ 2397) و (6/ 380/ 2398)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1133/ 2445)، والطبراني في الكبير (13/ 465/ 14328)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 320)، والقضاعي في مسند الشهاب (405).

2 -

ورواه شعبة [وعنه جماعة من ثقات أصحابه: غندر محمد بن جعفر، وعبد الرحمن بن مهدي، ومعاذ بن معاذ العنبري، وخالد بن الحارث، وأبو داود الطيالسي، وآدم بن أبي إياس، وعلي بن الجعد، وابن أبي عدي، وروح بن عبادة، وأمية بن خالد، ويحى بن أبي بكير، وأسد بن موسى]،

وسفيان الثوري [وعنه جماعة من ثقات أصحابه: وكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، ويزيد بن هارون]،

ومسعر بن كدام [وعنه جماعة من ثقات أصحابه: وكيع بن الجراح، وأبو أحمد الزبيري، ويحى بن آدم، وجعفر بن عون، وخلاد بن يحيى، وعلي بن قادم، وغيرهم]،

وحجاج بن أرطاة [ليس بالقوي]:

أربعتهم عن حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت أبا العباس المكي،- وكان شاعرًا، وكان لا يُتَّهم في حديثه [وفي رواية: وكان صدوقًا]-[وهو: السائب بن فروخ: ثقة، من الثالثة]، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال [لي] النبي صلى الله عليه وسلم: " [يا عبد الله بن عمرو!] إنك لتصوم الدهر، وتقوم الليل؟ "، فقلت: نعم، قال:"إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفِهت له النفس [وفي رواية روح: نهثت له النفس] [وفي رواية: ونهِكت له النفس]، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله [وفي رواية مسعر: صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر، أو كصوم الدهر] "، قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال:"فصم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى".

ولفظ مسعر [عند أبي عوانة]: "ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ " فقلت: فإني

ص: 347

أقوى، قال:"فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين، وضعفت النفس [وفي رواية الطحاوي: نفهت له النفس، وهجمت له العين]، صم من الشهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر - أو: كصوم الدهر"، قلت: إني أجد قوةً، قال:"فصم صوم داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى".

ورواية سفيان مختصرة: "أفضل الصوم صوم أخي داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا صام من صام الأبد".

أخرجه البخاري (1979 و 3419)، ومسلم (1159/ 187)، وأبو عوانة (2/ 223/ 2927 و 2928)(8/ 135 - 138/ 3146 و 3147 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم 31/ 238/ 2636 و 2637)، والترمذي (770)، وقال:"حديث حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 427/ 713)، والنسائي في المجتبى (4/ 214/ 2398 و 2399)، وفي الكبرى (3/ 192/ 2719 و 2720)، وابن ماجه (1706)، وابن حبان (14/ 118/ 6226)، وأحمد (2/ 164 و 188 و 190 و 212)، والطيالسي (4/ 14/ 2369)، ومحمد بن يوسف الفريابي في حديثه عن الثوري (284 و 285)، وابن سعد في الطبقات (4/ 262)، وابن أبي شيبة (2/ 327/ 9550)، وعبد بن حميد (321)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 300 / 479 - مسند عمر) و (1/ 301/ 480 و 481) و (1/ 312/ 501) و (1/ 313/ 502) و (1/ 322/ 516 - 518) و (1/ 330/ 533) و (1/ 331/ 535 - مسند عمر)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (543)، والطحاوي في المشكل (15/ 135/ 5900) و (15/ 137/ 5901)، وفي شرح المعاني (2/ 87)، والطبراني في الكبير (13/ 426/ 14270) و (13/ 427/ 14271)، وفي الأوسط (9/ 18/ 8997)، وأبو أحمد العسكري في تصحيفات المحدثين (1/ 211)، وابن حزم في المحلى (7/ 13)، والبيهقي (4/ 299)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 143 - ط الغرب)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 362/ 1807)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 87)، وفي المعجم (1568). [التحفة (6/ 21/ 8635)، الإتحاف (9/ 456/ 11668)، المسند المصنف (17/ 125/ 8005)].

3 -

ورواه أسباط بن محمد [كوفي ثقة، وهو ثبت فيما يروي عن مطرف بن طريف الكوفي. التهذيب (1/ 230)]، وخالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]، وجرير بن عبد الحميد [كوفي، ثقة]:

عن مطرف بن طريف [كوفي ثقة]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، قال:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار"، قلت: يا رسول الله، ما أردت بذلك إلا الخير، قال:"لا صام من صام الأبد، ولكن أدلك على صوم الدهر، ثلاثة أيام من الشهر"، قلت: يا رسول الله، إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم خمسة أيام"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"فصم عشرًا"، فقلت: إني

ص: 348

أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا". لفظ أسباط [عند النسائى وغيره].

ولفظ خالد عند الطبراني]، وجرير [عند البزار]: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ "، قلت: بلى يا رسول الله، وما أردت بذلك إلا الخير، قال:"فلا تفعل؛ فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له النفس، ولا صام من صام الأبد، ولكن أدلك على صوم الدهر؛ ثلالة أيام من كل شهر، فذلك صوم الدهر"، قلت: يا رسول الله، إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"فصم من الشهر خمسًا"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"فصم صوم داود؛ فإنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى".

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 213/ 2397)، وفي الكبرى (3/ 191/ 2718)، والبزار (6/ 380/ 2399)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 302/ 482 - مسند عمر) و (1/ 312/ 500 - مسند عمر) و (1/ 331/ 534 - مسند عمر)، والطبراني في الكبير (13/ 428/ 14272).

[التحفة (6/ 21/ 8635)، المسند المصنف (17/ 125/ 8005)].

وهو حديث صحيح.

• وانظر فيمن وهم في إسناده على حبيب بن أبي ثابت: ما أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 300/ 478 - مسند عمر)، والطبراني في الكبير (12/ 130/ 12676). [وفي إسناده: عبيدة بن معتب الضبي، وهو: ضعيف، والراوي عنه: يحيى بن عيسى الرملي، وهو: التميمي النهشلي، الكوفي: ليس بالقوي. التهذيب (4/ 380)].

4 -

ورواه علي بن المديني، والحميدي، وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وعبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، ومحمود بن آدم المروزي، وبشر بن مطر [وهم ثقات] وفيهم جماعة من أثبت أصحاب ابن عيينة]:

حدثنا سفيان [هو: ابن عيينة]، عن عمرو [هو: ابن دينار]، عن أبي العباس، قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"ألم أُخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ "، قلت: إني أفعل ذلك، قال:"فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينُك، ونفِهت نفسُك، وإن لنفسك حقًا، ولأهلك حقًا، فصم وأفطر، وقم ونم". وفي رواية ابن أبي شيبة: "فإنك إذا فعلت ذلك، هجمت عيناك، ونفهت نفسك، لعينك حق، ولنفسك حق، ولأهلك حقٌّ، قم ونم، وصم وأفطر".

وقال الحميدي: ثنا سفيان، قال: ثنا عمرو بن دينار، قال: سمعت أبا العباس الأعمى، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ "، قلت: إني لأفعل ذلك، قال:"فلا تفعل، فإن لعينيك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، وإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك، ونفهت نفسك، فقم، ونم، وصم، وأفطر".

ص: 349

أخرجه البخاري (1153)، ومسلم (1159/ 188)، وابن خزيمة (3/ 312/ 2152)، والحميدي (601)، وأبو علي القالي في الأمالي (1/ 10)، والبيهقي في السنن (3/ 16)، وفي المعرفة (2/ 310/ 1380)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 217)، وقاضي المارستان في مشيخته (285). [التحفة (6/ 21/ 8635)، الإتحاف (9/ 456/ 11668)، المسند المصنف (17/ 125/ 8005)].

5 -

ورواه محمد بن جعفر غندر، وروح بن عبادة، والربيع بن يحيى الأشناني [وهم ثقات؛ عدا الأخير فهو: صدوق، فيه لين]:

حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال:"في خمسة أيام"، وقال:"صُم ثلاثة أيام من الشهر"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال:"صُم أحبَّ الصيام إلى الله عز وجل؛ صومَ داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا". لفظ غندر.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 214/ 2400)، وفي الكبرى (3/ 192/ 2721)، وأحمد (2/ 195)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1617)، والطبراني في الكبير (13/ 428/ 14273)، وابن منده في التوحيد (3/ 743/233). [التحفة (6/ 21/ 8635)، الإتحاف (9/ 458/ 11671)، المسند المصنف (17/ 125/ 8005)].

وهو حديث صحيح.

• وهم في إسناده أبو داود الطيالسي؛ فقال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمع أبا العباس، يحدث عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ القرآن في خمسٍ.

أخرجه الطيالسي (4/ 16/ 2370)، ومن طريقه: البيهقي في الشعب (4/ 300/ 1978).

هكذا قال: عمرو بن مرة، وإنما هو: عمرو بن دينار.

• وانظر أيضًا في الأوهام: ما أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 626).

6 -

وروى محمد بن إسحاق: حدثني أبو الزبير المكي، عن أبي العباس مولى بني الديل، عن عبد الله بن عمرو، قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجالٌ ينصبون في العبادة من أصحابه نصبًا شديدًا [وفي رواية: يجتهدون في العبادة اجتهادًا شديدًا]، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك ضراوة الإسلام وشِرَّته، ولكل ضراوة شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى الكتاب والسُّنَّة [وفي رواية: اقتصاد وسنة] فَلَأمٍّ ما هو [وفي رواية: فنعما هو]، ومن كانت فترته إلى معاصي الله، فذلك الهالك".

وفي رواية البزار: "

فمن كانت فترته إلى اقتصاد فلا يلام، -أو: فلا لوم عليه-، ومن كانت فترته إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون".

أخرجه أحمد (2/ 165)، وابنه عبد الله في السُّنَّة (2/ 640/ 1533)، والبزار (6/ 383/ 2401)، والطبراني في الكبير (13/ 429/ 14274). [الإتحاف (9/ 657/ 12138)، المسند المصنف (17/ 498/ 8334)].

ص: 350

رواه عن ابن إسحاق: إبراهيم بن سعد، ويزيد بن هارون.

وهذا إسناد جيد.

قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث (1/ 89): "في حديث عبد الله بن عمرو: "ومن كانت فترته إلى سنة فَلَأَمٍّ ما هو"؛ أي: قصد الطريق المستقيم. يقال: تأممته، وتيممته، وقصدته، ويحتمل أن يكون الأمُّ أقيم مقام المأموم، أي: هو على طريق ينبغى أن يقصد ويتبع، وأَمَّ مأموم: يأخذ به الناس ويأتمون به، وإن كانت الرواية بضم الهمزة: أي أنه يرجع إلى أصله، وأُمُّ الشيء: أصله وموضعه. وفي رواية "فنعما هو"، فقوله: "فلأم ما هو" بمعناه".

7 -

ورواه علي بن المديني، والحميدي، وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة زهير بن حرب، ويحيى بن يحيى النيسابوري، ومسدد بن مسرهد، وقتيبة بن سعيد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد الرزاق بن همام، وعبد الجبار بن العلاء، وأبو إسحاق الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس، ويونس بن عبد الأعلى، ويوسف بن موسى القطان، ومحمد بن عيسى بن نجيح ابن الطباع، وعيسى بن إبراهيم الغافقي [وهم ثقات، وفيهم. جماعة من أثبت أصحاب ابن عيينة]:

عن سفيان بن عيينة، قال: حدثنا عمرو بن دينار [وفي رواية عبد الجبار: قال ابن عيينة: سمعته من عمرو منذ سبعين سنة]؛ أن عمرو بن أوس أخبره؛ أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أخبره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أحبّ الصلاةِ إلى الله صلاةُ داود عليه السلام، وأحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، و [كان] يصوم يومًا، ويفطر يومًا".

ولفظ قتيبة: "أحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحبُّ الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه".

أخرجه البخاري (1131 و 3420)، ومسلم (1159/ 189)، وأبو عوانة (2/ 30/ 2200) و (2/ 248/ 3034)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 238/ 2638) و (3/ 239/ 2639)، وأبو داود (2448)، والنسائي في المجتبى (3/ 214/ 1630) و (4/ 198/ 2344)، وفي الكبرى (2/ 127/ 1329) و (3/ 173/ 2665)، وابن ماجه (1712)، وابن خزيمة (2/ 181/ 1145)، وابن حبان (6/ 325/ 2590)، وأحمد (2/ 160)، والحميدي (650)، وعبد الرزاق (4/ 295/ 7864)، والبزار (6/ 356/ 2364)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (22)، وفي قيام الليل (61 و 95 - مختصره)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 150/ 2566)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 85)، وفي المشكل (3/ 1253/291) و (15/ 131/ 5893)، وابن منده في التوحيد (3/ 232/ 739) و (3/ 233/ 742)، والبيهقي (3/ 3)، والبغوي في شرح السُّنَة (4/ 943/60)، وابن عساكر في المعجم (291). [التحفة (6/ 119/ 8897)، الإتحاف (9/ 599/ 12024)، المسند المصنف (17/ 123/ 8004)].

ص: 351

• خالفهم فوهم في متنه:

عثمان بن محمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو - يعني: ابن دينار -، عن عمرو بن أوس، عن عبد الله بن عمرو يرفعه، قال:"أحب الصيام إلى الله عز وجل: صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى الله: صلاة داود، كان يصلي نصفًا، وينام ثلثًا، ويسبح سدسًا".

أخرجه الدارمي (1904 - ط البشائر). [الإتحاف (9/ 599/ 12024)].

قال أبو محمد الدارمي: "هذا اللفظ الأخير غلط، إنما هو: أنه كان ينام نصف الليل، ويصلي ثلثه، ويسبح سدسه".

وفي نسخة: "هذا اللفظ الأخير غلط وخطأ، إنما هو: أنه كان ينام نصف الليل، وبصلي ثلثه، ويسبح السحر".

قلت: انقلب متنه على عثمان بن أبي شيبة، وهو: ثقة حافظ، إلا أنه قد حُفظت عليه بعض الأوهام [انظر: التهذيب (3/ 77)]، وقد تقدم له معنا في الفضل بعض الأوهام.

والمحفوظ ما رواه جماعة الحفاظ المتقنين عن ابن عيينة: "كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه".

8 -

ورواه عبد الرزاق بن همام، وهشام بن يوسف، ومحمد بن بكر البرساني، وروح بن عبادة [وهم ثقات، من أصحاب ابن جريج]:

عن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار؛ أن عمرو بن أوس أخبره؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم نصف الدهر، وأحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود عليه السلام، كان يرقد شطر الليل، ثم يقوم، ثم يرقد آخره، يقوم ثلث الليل بعد شطره".

قال: قلت لعمرو بن دينار: أعمرو بن أوس كان يقول: يقوم ثلث الليل بعد شطره؟ قال: نعم.

أخرجه مسلم (1159/ 190)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 239/ 2639)، وأحمد (2/ 206)، وعبد الرزاق (4/ 295/ 7864)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 150/ 2565)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 85)، وفي المشكل (3/ 291/ 1254)، و (15/ 132/ 5896)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (64)(733 - مجموع مصنفاته)، والطبراني في الكبير (13/ 430/ 14275)، وابن منده في التوحيد (3/ 231/ 738) و (3/ 232/ 740)، والبيهقي في السنن (4/ 295)(9/ 110/ 8526 - ط هجر)، وفي المعرفة (2/ 307/ 1373). [التحفة (6/ 119/ 8897)، الإتحاف (9/ 599/ 12024)، المسند المصنف (17/ 123/ 8004)].

9 -

ورواه ورقاء بن عمر [ثقة]، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس الثقفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب

ص: 352

الصلاة إلى الله صلاة داود، كان يصوم نصف الدهر، وينام شطر الليل الأول، ثم يقوم الثلث بعد الشطر، ثم ينام السدس".

2827 أخرجه ابن منده في التوحيد (3/ 233/ 741)، والبيهقي في الشعب (5/ 392/ 2827).

وهو حديث صحيح.

10 -

ورواه محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو، قال: سمعت عمرو بن أوس، يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير الصيام صيام داود، كان يصوم نصف الدهر، وخير الصلاة صلاة داود، كان يرقد نصف الليل الأول، ويصلي آخر الليل حتى إذا بقي سدس الليل رقده".

أخرجه عباس بن عبد الله التَّرقُفي الباكُسائي في حديثه (40)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (429)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 87).

ومحمد بن مسلم: صدوق، يخطئ إذا حدث من حفظه، وله غرائب، وقد ضعفه أحمد على كل حال، من كتاب وغير كتاب، كما أنه كثيرًا ما يخالف سفيان بن عيينة في عمرو بن دينار [انظر: التهذيب (3/ 696)، الميزان (4/ 40)، التقريب (564)].

والمحفوظ في هذا عن عمرو بن دينار: ما رواه عنه ثقات أصحابه: سفيان بن عيينة، وابن جريج، وورقاء بن عمر، والله أعلم.

* وانظر فيمن وهم في إسناده على عمرو بن دينار: ما أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 469/ 14335)، وعنه: أبو نعيم في الحلية (3/ 279). [وفي إسناده: أبو بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان، وهو: ضعيف، له غرائب].

؟ وما أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 8/ 2400)، وأبو الفتح الأزدي في المخزون (115)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1679/ 4204)، وعلقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 66).

11 -

وروى شعبة [وعنه: غندر]، وأبو عوانة:

عن مغيرة بن مقسم، قال: سمعت مجاهدًا، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"صم من الشهر ثلاثة أيام"، قال: أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال:"صم يومًا وأفطر يومًا"، فقال:"اقرأ القرآن في كل شهر"، قال: إني أطيق أكثر فما زال، حتى قال:"في ثلاث". لفظ شعبة [عند البخاري].

ولفظ أبي عوانة [عند البخاري]: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كَنَّته، فيسألها عن بَعلها، فتقول: نعم الرجل من رجلٍ لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"القَني به"، فلقيته بعد، فقال:"كيف تصوٍم؟ " قال: كل يوم، قال:"وكيف تختم؟ "، قال: كل ليلة، قال:"صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم ثلاثة أيام

ص: 353

في الجمعة"، قلت: أطَيق أكثر من ذلك، قال: "أفطر يومين وصم يومًا"، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم أفضل الصوم؛ صوم داود: صيام يوم، وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة"، فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار، ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أيامًا وأحصى، وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئًا فارق النبي صلى الله عليه وسلم عليه.

قال أبو عبد الله البخاري: وقال بعضهم: في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع.

أخرجه البخاري (1978 و 5052)، والنسائي في المجتبى (4/ 209/ 2389)، وفي الكبرى (3/ 187/ 2710) و (7/ 276/ 8012)، وأحمد (2/ 198)، والطبراني في الكبير (13/ 450 / 14307)، والبيهقي في الشعب (4/ 351/ 1980). [التحفة (6/ 128/ 8916)، الإتحاف (9/ 615/ 12057)، المسند المصنف (17/ 143/ 8009)].

12 -

ورواه محمد بن جعفر غندر، وروح بن عبادة، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ووهب بن جرير، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي [وهم ثقات]:

حدثنا شعبة، عن حصين، عن مجاهد [وفي رواية روح: سمعت مجاهدًا]، عن عبد الله بن عمرو؛ أنه تزوج امرأةً من قريش، فكان لا يأتيها، كان يشغله الصوم والصلاة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"صم من كل شهر ثلاثة أيام"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال به حتى قال له:"صم يومًا، وأفطر يومًا"، وقال له:"اقرأ القرآن في كل شهر"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"اقرأه في كل خمس عشرة"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"اقرأه في كل سبع"، حتى قال:"اقرأ في كل ثلاث".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد هلك". لفظ غندر.

ومنهم من رواه مختصرًا بلفظ: "من رغب عن سنتي فليس مني".

أخرجه بتمامه أو بطرف منه: ابن خزيمة (1/ 99/ 197) و (3/ 258/ 2024)، وابن حبان (11)، وأحمد (2/ 188 و 210)، والحارث بن أبي أسامة (236 - بغية الباحث)، والبزار (6/ 340/ 2347)، والطحاوي في المشكل 31/ 266/ 1237)، والطبراني في الكبير (13/ 439/ 14291)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 97/ 140)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 196)، والخطيب في التاريخ (4/ 529 - ط الغرب)، وفي الفقيه والمتفقه (1/ 375)، وأبو القاسم عبد الرحمن ابن منده في الرد على من يقول الم حرف (1)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (447 و 456)، وابن حجر في الأمالي المطلقة (76)، وقال:"هذا حديث صحيح". [الإتحاف (8/ 650/ 10157) و (9/ 615/ 12055 و 12057) و (9/ 616/ 12058)، المسند المصنف (17/ 143/ 8009)].

ص: 354

وهذا حديث صحيح.

13 -

ورواه أحمد بن حنبل، وأحمد بن منيع [وهما ثقتان حافظان]، ومحمد بن الصباح الجرجرائي [ثقة]، والحسن بن عرفة [صدوق]، وسريج بن النعمان الجوهري [ليس به بأس. التهذيب (1/ 686)، الميزان (2/ 116)]:

عن هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، ومغيرة الضبي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت عليَّ جعلتُ لا أنحاش لها، مما بي من القوة على العبادة، من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنَّته، حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدتِ بعلَك؟ قالت: خيرَ الرجال أو كخير البعولة من رجلٍ لم يفتش لنا كنفًا، ولم يعرف [وفي رواية ابن منيع: ولم يقرب] لنا فراشًا، فأقبل على، فعذَمني، وعضني بلسانه، فقال: أنكحتك امرأةً من قريش ذات حسب، فعضلتَها، وفعلتَ وفعلتَ، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني، فأرسل إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته، فقال لي:"أتصوم النهار؟ "، قلت: نعم، قال:"وتقوم الليل؟ "، قلت: نعم، قال:"لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"، قال:"اقرأ القرأن في كل شهر"، [وفي رواية الحسن بن عرفة: قال: "فاقرأه في خمس عشرة"، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال:"فاقرأه في كل عشرة أيام"، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، -قال أحدهما، إما حصين وإما مغيرة - قال:"فاقرأه في كل ثلاث".

قال: ثم قال: "صم في كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتى قال: "صم يومًا وأفطر يومًا، فإنه أفضل الصيام، وهو صيام أخي داود صلى الله عليه وسلم".

قال حصين في حديثه: ثم قال صلى الله عليه وسلم: "فإن لكل عابد شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فإما إلى سُنَّةٍ، وإما إلى بدعةٍ، فمن كانت فترته إلى سُنَّةٍ فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".

قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيث ضعُف وكبِر، يصوم الأيام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوى بذلك، ثم يفطر بعدُ تلك الأيام، قال: وكان يقرأ في كل حزبه كذلك، يزيد أحيانًا، وينقص أحيانًا، غير أنه يوفي العدد، إما في سبع، وإما في ثلاث، قال: ثم كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي مما عدل به أو عدل، لكني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره. لفظ أحمد بن حنبل، ولفظ ابن منيع [عند أبي القاسم] بنحوه، وكذا لفظ الحسن بن عرفة [عند البزار]، ولفظ أحمد أتم.

وفي لفظ لابن منيع مختصرًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

أخرجه بتمامه أو بطرف منه: النسائي في المجتبى (4/ 209/ 2388)، وفي الكبرى (3/ 186/ 2709)، وأحمد (2/ 158)(3/ 1361/ 6588 - ط المكنز)، والبزار (6/ 338/ 2346)، والسرقسطي في الدلائل (3/ 1107/ 609 - ط العبيكان)، وأبو القاسم البغوي في

ص: 355

معجم الصحابة (3/ 337/ 2034)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 187، وفي المشكل (3/ 266/ 1236) و (3/ 372/ 1341)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 97/ 139)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 285)، والقضاعي في مسند الشهاب (1026)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 407/ 1887)[التحفة (6/ 128/ 8916)، الإتحاف (9/ 615/ 12057)، المسند المصنف (17/ 143/ 8009)].

وهو حديث صحيح.

° قلت: ورواية هشيم هذه تؤلف بين الروايات المختلفة؛ حيث وقع في رواية شعبة عن مغيرة أنه انتهى به في القراءة إلى ثلاث، وكذا وقع في رواية شعبة عن حصين، وقال أبو عوانة عن حصين: حتى انتهى إلى ثلاث.

بينما انتهى به في رواية أبي عوانة عن مغيرة إلى سبع، وكذا وقع في رواية ابن فضيل عن حصين: فما زال حتى بلغ سبعًا.

ورواية هشيم تفسر ذلك وتجمعه؛ حيث قال: وكان يقرأ في كل حزبه كذلك، يزيد أحيانًا، وينقص أحيانًا، غير أنه يوفي العدد، إما في سبع، وإما في ثلاث.

وهذه الرواية هي التي تقوي القول بتعدد وقوع المراجعة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كلمه في أمر تشدده في العبادة أكثر من مرة:

ففي مرة انتهى به في القراءة إلى سبع [كما في بعض طرق حديث مجاهد عن ابن عمرو، وكذا هو في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمرو، وكلاهما في الصحيح، وكذا رواه عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو؛ وفيه: فناقصني وناقصته حتى قال: "اقرأه في سبع"، وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1389)].

ومرة انتهى به إلى ثلاث [كما في بعض طرق حديث مجاهد عن ابن عمرو، وهو في الصحيح أيضًا، وكذا وقع في رواية خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرإ القرآن في شهر"، قال: إن بي قوةً، قال: "اقرأه في ثلاث"، لكنه حديث غريب، وهو حديث الباب]، والله أعلم.

لكن الذي يظهر من صنيع البخاري أنه رجح السبع؛ وإن أخرج رواية الثلاث، فإنه لما أخرج رواية شعبة عن مغيرة في الثلاث إنما أخرجها في الصيام في باب صوم يوم وإفطار يوم (1978)، ولم يحتج منه بلفظة الثلاث في القراءة؛ فإنه لما ترجم في صحيحه في فضائل القرآن؛ باب في كم يقرأ القرآن، أورد حديث أبي عوانة عن مغيرة (5052)، وفيه:"واقرأ في كل سبع ليال مرة"،

فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، ثم قال البخاري بعده:"وقال بعضهم: في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع"، ثم أتبعه بحديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمرو (5053 و 5054)، وفيه:"فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك"، وهذا بيِّنٌ في ترجيحه لرواية السبع، والله أعلم.

ومسلم وإن أخرج من طرق حديث عبد الله بن عمرو ما لم يخرجه البخاري، حيث

ص: 356

عدَّد الطرق ونوَّعها، إلا أنه لم يخرج في قصة القراءة سوى حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمرو:"فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك"، ولم يخرج شيئًا من ذكر الثلاث، والله أعلم.

14 -

ورواه عبثر بن القاسم، ومحمد بن فضيل، وأبو عوانة، وعلي بن عاصم [وهم ثقات]:

عن حصين، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: زوجني أبي امرأةً فجاء يزورها، فقال: كيف ترين بعلك؟ فقالت: نعم الرجل من رجلٍ؛ لا ينام الليل، ولا يفطر النهار، فوقع بي، وقال: زوَّجتكَ امرأةً من المسلمين فعضلتها، قال: فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما أرى عندي من القوة والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"لكني أنا أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فقم ونم، وصم وأفطر"، قال:"صم من كل شهر ثلاثة أيام"، فقلت: أنا أقوى من ذلك، قال:"صم صوم داود عليه السلام، صم يومًا وأفطر يومًا"، قلت: أنا أقوى من ذلك، قال:"اقرأ القرآن في كل شهر"، ثم انتهى إلى:"خمس عشرة"، وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك. لفظ عبثر [عند النسائي]، وقد وقع فيها اختصار في آخرها.

فقد رواه ابن فضيل [عند البزار، بنحوه إلى قوله: "

واقرأ القرآن في كل شهر"، فقلت: يا رسول الله، أنا أقوى من ذلك، قال: "اقرأه في خمس عشرة"، فقلت: يا رسول الله، أنا أقوى من ذلك، فما زال حتى بلغ سبعًا.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".

فقال عبد الله بن عمرو لما كبر وضعف: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي.

ورواه أبو عوانة [عند البيهقي في الشعب] بنحو رواية عبثر إلى قوله: "

واقرأ القرآن في كل شهر"، قال: قلت إني أقوى أكثر من ذلك، قال: إلى أن قال: "خمس عشرة"، قال: قلت: إني أقوى من ذلك، قال: "اقرأ في سبع"، حتى انتهى إلى ثلاث، قال: قلت: ثلاث؟ قال: فقال: "إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك"، فسمعته وهو يقول: قد كبرت وضعفت، ولا أستطيع أن أدع ما انتهيت إليه.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 210/ 2390)، وفي الكبرى (3/ 187/ 2711)، وابن خزيمة (3/ 293/ 2105)، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (51)، والبزار (6/ 337/ 2345)، والبيهقي في الشعب (6/ 382 / 3595)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 196)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 299/ 487). [التحفة (6/ 128/ 8916)، الإتحاف (9/ 615/ 12057)، المسند المصنف (17/ 143/ 8009)].

ص: 357

وهو حديث صحيح.

* تنبيهان:

* الأول: قوله في حديث ابن فضيل [عند البزار]: فما زال حتى بلغ سبعًا؛ لم يسمعه حصين من مجاهد، ففي رواية ابن خزيمة: قال حصين: فذكر لي منصور عن مجاهد أنه بلغ سبعًا، ومثل هذا لا يقدح في صحة الرواية؛ فإن منصور بن المعتمر: ثقة ثبت، وكان لا يدلس.

• وقد روى أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد بن رفاعة القاضي [العجلي: ليس بالقوي]، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو - قال أبو هشام: أظنه رفعه - قال: "اقرؤوا القرآن في سبع".

أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (917)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (198)(1774 - المخلصيات).

* الثاني: هذه الزيادة التي انفرد بها حصين في حديثه عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو: ثم قال صلى الله عليه وسلم: "فإن لكل عابد شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فإما إلى سُنَّةٍ، وإما إلى بدعةٍ، فمن كانت فترته إلى سُنَّةٍ فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".

• لا تعلها: رواية سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن جعدة بن هبيرة [تابعي كبير، سمع عليًا، قيل: له صحبة. التاريخ الكبير (2/ 239)، معجم الصحابة للبغوي (2/ 5)، الجرح والتعديل (2/ 526)، الثقات (4/ 115)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 618)، الإصابة (1/ 527)]، قال: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم مولاة [وفي رواية: مولى] لبني عبد المطلب تصلي ولا تنام، وتصوم ولا تفطر، فقال صلى الله عليه وسلم:"أنا أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، ولكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن تكن إلى غير ذلك فقد ضل".

• ورواه أيضًا: جرير بن عبد الحميد [ثقة]، وعبيدة بن حميد النحوي [صدوق]:

عن منصور، عن مجاهد، قال: دخلت أنا ويحيى بن جعدة [هو: ابن هبيرة المخزومي؛ ثقة، من الثالثة، على رجل من الأنصار من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاة لبني عبد المطلب

، ثم ذكر بقية هذا الحديث.

أخرجه أحمد (5/ 409)، وأحمد بن منيع في مسنده (1/ 191/ 246 - إتحاف الخيرة)، ومسدد في مسنده (1/ 191/ 246 - إتحاف الخيرة)، والطحاوي في المشكل (3/ 1238/ 267 - 1240)، والطبراني في الكبير (2/ 284/ 2186)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 618/ 1674). [المسند المصنف (35/ 303/ 17053)].

قلت: لا تُعَلُّ رواية حصين برواية منصور، وذلك لأن هذه الجملة محفوظة من حديث ابن عمرو من وجه آخر، مما يدل على كون حصين قد حفظها عن مجاهد، وحصين: ثقة ثبت، وقد رواه عنه بالزيادة اثنان من أثبت أصحابه وقدمائهم: هشيم بن بشير، وشعبة، وتابعهما أبو عوانة وابن فضيل.

ص: 358

• وقد رواه محمد بن إسحاق: حدثني أبو الزبير المكي، عن أبي العباس مولى بني الديل، عن عبد الله بن عمرو، قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجالٌ ينصبون في العبادة من أصحابه نصبًا شديدًا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك ضراوة الإسلام وشِرَّته، ولكل ضراوة شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى الكتاب والسُّنَّة فَلَأمٍّ ما هو [وفي رواية: فنعما هو]، ومن كانت فترته إلى معاصي الله، فذلك الهالك".

أخرجه أحمد (2/ 165)، وتقدم ذكره في الطريق السادسة، وإسناده جيد.

* ورواه أبو النضر هاشم بن القاسم [ثقة ثبت]: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة [تابعي، ثقة]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة، ثم تعود الشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".

أخرجه الحارث بن أبي أسامة (235 - بغية الباحث).

وهذا مرسل بإسناد صحيح؛ ولا يُعَلُّ به حديث حصين أيضًا:

• فقد رواه أيضًا: محمد بن جعفر غندر، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وروح بن عبادة، ووهب بن جرير [وهم ثقات]:

عن شعبة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد هلك".

أخرجه أحمد (2/ 188 و 210)، والحارث بن أبي أسامة (235 - بغية الباحث)، والطحاوي في المشكل (3/ 266/ 1237)، وابن حبان (11)، والطبراني في الكبير (13/ 439/ 14291)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 196)، وأبو القاسم عبد الرحمن ابن منده في الرد على من يقول الم حرف (1)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (456)، وابن حجر في الأمالي المطلقة (76)، وقال:"هذا حديث صحيح". وتقدم تخريجه ضمن طريق شعبة عن حصين.

وهذا يدل على كونه محفوظًا عن شعبة بالوجهين، وشعبة من قدماء أصحاب حصين.

قال ابن حجر في الأمالي المطلقة: "وذكر ابن منده أن زيد بن أبي أنيسة رواه عن شعبة فخالف في موضعين، قال: عن الحكم، بدل حصين، وقال: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، بدل عبد الله بن عمرو، وليست هذه بعلة قادحة، بل يحمل على أن لشعبة فيه طريقين".

• كما رواه أيضًا: عاصم بن علي [صدوق]، عن أبيه [علي بن عاصم الواسطي: صدوق، كثير الغلط]، عن حصين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن لكل عمل شرةً، ولكل شرةٍ فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".

ص: 359

أخرجه إسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 299/ 487).

* ورواه جرير بن عبد الحميد [واللفظ له]، وأبو معاوية محمد بن خازم، ومحمد بن فضيل [وهم ثقات]:

عن مسلم [هو: ابن كيسان الأعور الملائي]، عن مجاهد، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل". زاد أبو معاوية [عند الطحاوي]: "إني لأقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

أخرجه البزار (11/ 193/ 4940)، والطحاوي في المشكل (3/ 268/ 1241)، والقضاعي في مسند الشهاب (1027).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن ابن عباس، ولا نعلم له طريقًا عن ابن عباس بهذا اللفظ إلا عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس".

قلت: هو حديث منكر؛ مسلم بن كيسان الملائي الأعور: منكر الحديث، واهٍ، وقد تفرد بجعله من مسند ابن عباس [التهذيب (4/ 71)، الميزان (4/ 106)].

* فإن قيل: قد رواه عمرو بن مرة [وهو: ثقة]؛ فأرسله عن مجاهد؟

فيقال: قد اختلف فيه على عمرو بن مرة، فأرسله محمد بن عبيد الطنافسي [وهو: ثقة].

• رواه محمد بن عبيد، قال: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن مجاهد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كان فترته إلى سنة فقد اهندى، ومن كانت فترته إلى غير سنة فقد ضل، إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، فمن اتبع سنتي فهو مني، ومن ركب عن سنتي فليس مني".

أخرجه الحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1102).

* ورواه على الصواب: الحسن بن علي بن عفان العامري [ثقة]: نا ابن نمير [ثقة]، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن مجاهد، قال: ذكر عبد الله رجلًا يصوم فلا يفطر، ويصلي فلا ينام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعلي [كذا، ولعلها: لكني] أنا أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، فمن تبع سنتي فهو مني، ومن رغب عن سنتي فليس مني، إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فما كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل".

أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (2/ 314/ 894)[لكنه أخطأ حين أدخله في مسند عبد الله بن مسعود؛ إنما هو من مسند عبد الله بن عمرو].

قلت: وهذا صورته مرسل؛ إلا أنه موصول، فالحديث مشهور عن عبد الله بن عمرو من طرق متعددة موصولًا، وقد سمعه مجاهد من عبد الله بن عمرو، ورواه عنه رواية، فعاد

ص: 360

بذلك الحديث إليه، وعليه: فحديث عمرو بن مرة هذا يعتبر متابعة قوية لحديث حصين عن مجاهد عن ابن عمرو، والله أعلم.

* فإن قيل: قال ابن أبي حاتم في العلل (5/ 208/ 1927): "وسألت أبي عن حديث رواه حصين، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة، ثم يصير إلى فترة، فمن صارت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل"؟

قال أبي: روى هذا الحديث مسلم الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل.

وقد اختلفوا في هذا الحديث أيضًا؛ حديث الحكم بن عتيبة:

فأما ابن أبي ليلى فإنه يقول: عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. والناس يقولون: عن الحكم، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل.

قال أبي: وحديث عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، أشبه".

قلت: الأشبه أن ترجيح أبي حاتم الأخير متعلق بالاختلاف على الحكم بن عتيبة حسب، فقد رواه شعبة عنه مرسلًا، ووصله محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وليس هو بالقوي، ولا شك أن رواية شعبة المرسلة هي الصواب من حديث الحكم؛ لا سيما وأن أبا حاتم لم يعرض في كلامه لحديث منصور، ولا لحديث عمرو بن مرة مع اشتهار طرقها.

وشعبة هنا قد رواه عن الحكم مرسلًا، وعن حصين موصولًا، وهو محفوظ عنه بالوجهين، ثم إن حصينًا لم يتفرد بوصله عن مجاهد، فقد تابعه عليه عمرو بن مرة، فتبين بذلك صحة حديث حصين، وأما حديث مسلم الملائي فهو حديث منكر؛ كما تقدم بيانه.

والحاصل: فإن هذه الجملة: "فإن لكل عابد شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فإما إلى سُنَّةٍ، وإما إلى بدعةٍ، فمن كانت فترته إلى سُنَّةٍ فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".

حديث صحيح؛ ثبت من حديث: حصين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، وتابعه عليه: عمرو بن مرة، عن مجاهد، قال: ذكر عبد الله، ومن حديث: محمد بن إسحاق، عن أبي الزبير، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، وقد كان لمجاهد فيه ثلاثة أسانيد، أحدها متصل، وهو هذا، والآخران مرسلان، ومثله يحتمل منه التعدد؛ لحفظه وضبطه، كما أن الرواة عنه كلهم ثقات، والله أعلم.

ولا يستغرب هذا؛ فإن شعبة مثلًا قد روى حديث عبد الله بن عمرو هذا من وجوه متعددة، وكلها محفوظة عنه، وبعضها في الصحيح:

ص: 361

1 -

رواه شعبة، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".

2 -

وروى شعبة، عن قتادة قال: سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير، يحدث عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صوم الدهر:"لا صام ولا أفطر".

3 -

ورواه شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت أبا العباس المكي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لتصوم الدهر، وتقوم الليل؟ "

الحديث [أخرجه البخاري (1979 و 3419)، ومسلم (1159/ 187)].

4 -

ورواه شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر"،

الحديث.

5 -

ورواه شعبة، عن مغيرة بن مقسم، قال: سمعت مجاهدًا، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"صم من الشهر ثلاثة أيام"،

الحديث. [أخرجه البخاري (1978)].

6 -

ورواه شعبة، عن حصين، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو؛ أنه تزوج امرأةً من قريش، فكان لا يأتيها،

الحديث.

7 -

وروى شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة،

" الحديث.

8 -

ورواه شعبة، عن زياد بن فياض، قال: سمعت أبا عياض، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"صم يومًا، ولك أجر ما بقي"،

الحديث. أخرجه مسلم (1159/ 192)].

9 -

ورواه شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن طلحة بن هلال، أو: هلال بن طلحة، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله! صم ثلاثة أيام من كل شهر،

" الحديث.

فهذه تسعة أوجه كلها محفوظة عن شعبة، واحتملها الأئمة، ولم يعدوها اختلافًا على شعبة في هذا الحديث، وكذلك نحتمل التعدد الواقع في الرواية عن مجاهد، فيما رواه الثقات عنه، لا سيما وأن مسألة الاجتهاد في العبادة والتبتل كانت مشتهرة عن عدد من الصحابة:

وقد تقدم ذكر طرف من ذلك عند الحديث عن قصة عثمان بن مظعون [تقدم برقم (1369)]، وقد أخرج الشيخان من حديث ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت سعد بن أبي وقاص، يقول: ردَّ [رسول الله صلى الله عليه وسلم] على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. [أخرجه البخاري (5073 و 5074)، ومسلم (1402/ 7 و 8)].

10 -

وروى مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس؛ أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج

ص: 362

النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، [وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر]، فحمد الله وأثنى عليه، فقال:"ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس مني". [أخرجه مسلم (1401)].

11 -

وروى البخاري من حديث حميد الطويل؛ أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". [أخرجه البخاري (5063)].

12 -

وروى مسلم من حديث ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته؛ أن الحولاء بنت تويت مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذه الحولاء بنت تويت، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تنام الليل! خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا". [أخرجه مسلم (785/ 220)][راجع الحديث المتقدم برقم (1368)].

وراجع في الموضعين المشار إليهما بقية ما في هذا المعنى، والمقصود: أنه لا يستغرب أن يكون عند مجاهد أسانيد من وجوه متعددة في هذا المعنى عن عدد من الصحابة، والله أعلم.

* فائدة:

13 -

روى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3/ 212/ 952)، بإسناد مجهول إلى: إسحاق بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد، قال: قال رجل يا رسول الله! من قرأ القرآن في سبع؟ قال: "ذاك عمل المقربين"، قالوا: يا رسول الله! فمن قرأه في خمس؟ قال: "ذاك عمل الصديقين"، قالوا: يا رسول الله! فمن قرأه في ثلاث؟ قال: "ذاك عمل النبيين، وذاك الجهد، ولا أراكم تطيقونه؛ إلا أن تصبروا على مكابدة الليل، أو يبدأ أحدكم بالسورة وهمه في آخرها"، قالوا: يا رسول الله! وفي أقل من ثلاث؟ قال: "لا، ومن وجد منكم نشاطًا فليجعله في حسن تلاوتها".

14 -

ورواه ابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (426) مختصرًا من وجه آخر، وفيه نفس الراوي المجهول، عن إسحاق بن خليفة، عن رجل من أهل الرباط، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ القرآن في سبعٍ؛ كُتِبَ من العابدين".

قلت: هو حديث باطل؛ إسحاق بن خليفة: مجهول، والراوي عنه مجهول [التاريخ الكبير (1/ 385)، الجرح والتعديل (2/ 218)، الثقات (7/ 108)، المغني في الضعفاء

ص: 363

553 -

، اللسان 2/ 56)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 320)]، وليث بن أبي سليم: ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه؛ ولا يثبت من حديثه.

15 -

وروى خالد بن عبد الله الواسطي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، قال: أخبرني أبو المليح، قال: دخلت مع أبيك [زيد] على عبد الله بن عمرو، فحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر له صومي، فدخل عليَّ، فألقيتُ له وسادةً من أدَمٍ حشوُها لِيفٌ، فجلس على الأرض، وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال:"أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ "، قال: قلت: يا رسول الله! قال: "خمسًا"، قلت: يا رسول الله! قال: "سبعًا"، قلت: يا رسول الله! قال: "تسعًا"، قلت: يا رسول الله! قال: "أحد عشر"، قلت: يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صوم فوق صوم داود: شطرُ الدهر، صيامُ يوم، وإفطار يوم".

أخرجه البخاري في الصحيح (1980 و 6277)، وفي الأدب المفرد (1176)، ومسلم (1159/ 191)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 239/ 2640)، والنسائي في المجتبى (4/ 215/ 2402)، وفي الكبرى (3/ 193/ 2723)، وابن حبان (8/ 402/ 3640)، والبغوي في شرح السُّنَّة (12/ 302/ 3336)، وفي الشمائل (411). [التحفة (6/ 156/ 8969)، الإتحاف (9/ 667/ 12158)، المسند المصنف (17/ 146/ 8011)].

• ورواه معلى بن أسد [ثقة ثبت]، قال: ثنا عبد العزيز بن المختار [بصري، ثقة]، قال: ثنا خالد الحذاء، قال: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني أبو المليح، قال: دخلت مع أبيك زيد بن عمرو، على عبد الله بن عمرو بن العاص، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر له صومُه، قال: فدخل عليَّ فألقيتُ له وسادةً من أدم حشوُها لي، فجلس على الأرض، وقال لي:"إنما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: يا رسول الله! قال: "فخمسة أيام"، قلت: يا رسول الله! قال: "فسبعة أيام"، قلت: يا رسول الله! قال: "فتسعة أيام"، قلت: يا رسول الله! قال: "فأحد عشر يومًا"، قلت: يا رسول الله! قال: أظنه قال: "ثلاثة عشر يومًا"، قلت: يا رسول الله! قال: "لا صيام فوق صيام داود، شطر الدهر: صيام يوم، وإفطار يوم".

أخرجه أبو عوانة (2/ 225/ 2932)، والطحاوي (2/ 86). [الإتحاف (9/ 667/ 12158)].

وهو حديث صحيح.

16 -

وروى محمد بن جعفر غندر، وحجاج بن محمد المصيصي، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وموسى بن داود الضبي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وروح بن عبادة، وآدم بن أبي إياس، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وعمرو بن مرزوق [وهم ثقات]:

عن شعبة، عن زياد بن فياض، قال: سمعت أبا عياض، عن [وفي رواية: سمعت] عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"صم يومًا، ولك أجر ما بقي"، قال:

ص: 364

إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم يومين، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم ثلاثة أيام، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم أفضل الصيام عند الله، صوم داود - عليه الزمن -، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

أخرجه مسلم (1159/ 192)، وأبو عوانة (2/ 248/ 3535 - 3037)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 240/ 2641)، والنسائي في المجتبى (4/ 212/ 2394) و (4/ 217/ 2403)، وفي الكبرى (3/ 190/ 2715) و (3/ 194/ 2724) و (3/ 203/ 2755)، وابن خزيمة (3/ 294/ 2106) و (3/ 300/ 2121)، وابن حبان (8/ 417/ 3658)، وأحمد (2/ 205 و 225)، والطيالسي (4/ 45/ 2402)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 331/ 536 - مسند عمر)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 85)[وفي المطبوعة خطأ]. وفي المشكل (15/ 132/ 5894 و 5895)، والطبراني في الكبير (13/ 533/ 14421)، والبيهقي (4/ 296)(9/ 110/ 8527 - ط هجر)، والخطيب في التاريخ (8/ 541 - ط الغرب). [التحفة (6/ 119/ 8896)، الإتحاف (9/ 659/ 12142)، المسند المصنف (17/ 144/ 8010)].

تنبيه: وقع [عند غير مسلم والنسائي وأحمد] في رواية أبي داود الطيالسي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وعمرو بن مرزوق: عن شعبة، أنه قال فيه: "صم يومًا من الشهر ولك أجر ما بقي،

"، وزيادة الشهر شاذة.

وتفسر الروايةَ المحفوظة روايةُ ابن جريج: سمعت عطاء؛ أن أبا العباس الشاعر أخبره؛ أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم وأصلي الليل،

فذكر الحديث، وفيه:"وصم من كل عشرة أيام يومًا، ولك أجر تسعةٍ"،

الحديث.

أخرجه مسلم (1159/ 186)، وتقدم في الطريق الأول.

17 -

وروى عبد الرحمن بن مهدي، وعفان بن مسلم، وموسى بن مسعود:

حدثنا سليم بن حيان: حدثنا سعيد بن ميناء، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن عمرو! بلفني أنك تصوم النهار وتقوم الليل، فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حظًا، ولعينك عليك حظًا، وإن لزوجك عليك حظًا، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر"، قلت: يا رسول الله، إن بي قوة، قال:"فصم صوم داود عليه السلام، صم يومًا"، وأفطر يومًا، فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة.

أخرجه مسلم (1159/ 193)، وأبو عوانة (2/ 230/ 2952)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 240/ 2642)، وابن حبان (8/ 400/ 3638)، وأحمد (2/ 194 و 197 - 198). [التحفة (6/ 28/ 8649)، الإتحاف (9/ 469/ 11692)، المسند المصنف (17/ 139/ 8008)].

ص: 365

• ورواه عبيد الله بن عمر القواريري، وأحمد بن عبدة، وبشر بن معاذ العقدي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن بكار بن الريان البغدادي [وهم ثقات]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [كوفي حافظ؛ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث]:

ثنا حماد بن يحيى الأبح [لا بأس به، يهم في الشيء بعد الشيء، لينه بعضهم]، عن سعيد بن مينا، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم صوم الدهر؟ قال:"لا"، قلت: أصوم يومين وأفطر يومًا؟ قال: "لا"، فجعلت أناقصه، فقال:"صم صوم داود عليه السلام فإنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 302/ 483 - مسند عمر)، والطبراني في الكبير (13/ 599/ 14515)، وابن عدي في الكامل (2/ 247)(3/ 334/ 4516 - ط الرشد)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (157)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 240/ 2643)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 87).

قلت: وهذا حديث شاذ بهذا اللفظ؛ والمحفوظ ما رواه مسلم من طريق سَليم بن حيان الهذلي، وهو: ثقة.

18 -

وروى الحسن بن إسماعيل بن سليمان بن مجالد، والحسن بن علي بن عفان، وأحمد بن حرب، وعبيد بن أسباط [وهم ثقات]:

عن أسباط بن محمد [كوفي ثقة] وهو ثبت فيما يروي عن مطرف بن طريف الكوفي. التهذيب (1/ 230)]، عن مطرف بن طريف [كوفي ثقة]، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت: يا رسول الله، في كم أختم القرآن؟ قال:"اختمه في كل شهر"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"اختمه في خمس وعشرين"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، [وفي رواية عبيد بن أسباط: قال: "اختمه في عشرين"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك،]، قال:"اختمه فبم خمس عشرة"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"اختمه في عشر"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"اختمه في خمس"، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فما رخَّص لي.

أخرجه الترمذي في الجامع (2946)، وفي العلل الكبير (647)، والنسائي في الكبرى (7/ 276/ 8011)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1040)، والبيهقي في الشعب (4/ 300/ 1979). [التحفة (6/ 147/ 8956)، المسند المصنف (17/ 417/ 8250)].

قال الترمذي في الجامع: "هذا حديث حسن صحيح غريب، يستغرب من حديث أبي بردة عن عبد الله بن عمرو.

وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عبد الله بن عمرو، وروي عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"، وروي عن عبد الله بن

ص: 366

عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"اقرأ القرآن في أربعين"، وقال إسحاق بن إبراهيم: ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين يومًا ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث.

وقال بعض أهل العلم: لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث للحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورخص فيه بعض أهل العلم، وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها، وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة في الكعبة، والترتيل في القراءة أحبُّ إلى أهل العلم".

وقال في العلل: "سألت محمدًا [يعني: البخاري، عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث أسباط بن محمد عن مطرف؛ كأنه لم يعرفه إلا من هذا الوجه".

• قلت قد رواه جرير بن عبد الحميد [ثقة]، وخالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]:

عن مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت: يا رسول الله في كم أختم القرآن؟ قال: "اختمه في شهر"، قلت: يا رسول الله إني أطيق، قال:"اختمه في خمس وعشرين" قلت: إني أطيق، قال:"اختمه في عشرين"، قلت: إني أطيق، قال:"اختمه في خمسة عشرة"، قلت: إني أطيق، قال:"اختمه في عشر"، قلت: إني أطيق، قال:"اختمه في خمس"، قلت: إني أطيق، قال:"لا".

أخرجه الدارمي (3815 - ط البشائر)، والطبراني في الكبير (13/ 542/ 14434)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 497/ 1223)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 252). [الإتحاف (9/ 646/ 12119)، المسند المصنف (17/ 417/ 8250)].

قال البغوي: "هذا حديث صحيح، غريب من حديث أبي بردة عن عبد الله بن عمرو".

قلت: هو حديث صحيح غريب، تفرد به مطرف بن طريف، وهو: كوفي ثقة، قديم الوفاة، توفي سنة (141) أو بعدها، فهو أقدم وفاة من شعبة وسفيان بما يقرب من عشرين عامًا، وقد رويا عنه [انظر: التهذيب (4/ 90)]، وعليه فهو قديم السماع من أبي إسحاق، وروايته عنه مستقيمة، والله أعلم.

وقد انتهى به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى خمس، ويؤيده حديث:

شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال:"لي خمسة أيام"،

الحديث.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 214/ 2400)، وهو حديث صحيح [راجع الطريق رقم (5)].

وقد سبق أن بينت عند الكلام عن حديث هشيم [تقدم برقم (13)]، أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى ثلاث، وإلى سبع، فيصبح المجموع ثلاثة أحوال: ثلاث، وخمس،

ص: 367

وسبع. قال البخاري بعد حديث أبي عوانة عن مغيرة (5052)، وفيه:"واقرأ في كل سبع ليال مرة"، قال:"وقال بعضهم: في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع".

19 -

وروى يزيد بن هارون، وعبد الأعلى بن حماد، وعفان بن مسلم، وحجاج بن المنهال، وروح بن عبادة، وعبد الواحد بن غياث [وهم ثقات]:

عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه [عبد الله بن عمرو بن العاص]، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صم يوما، ولك أجر عشرة"، فقلت: زدني، فقال: "صم يومين، ولك أجر تسعة"، قلت: زدني، قال: "صم ثلاثة أيام، ولك أجر ثمانية".

قال ثابت: فذكرت ذلك لمطرف، فقال: ما أراه إلا يزداد في العمل وينقص من الأجر.

أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 213/ 2396)، وفي الكبرى (3/ 190/ 2717)، وأحمد (2/ 165 و 209)، والبزار (6/ 435/ 2466)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 85)، وفي المشكل (15/ 128/ 5891) و (15/ 129/ 5892)، والطبرانى في الكببر (13/ 418/ 14258) و (13/ 645/ 14571). [التحفة (6/ 30/ 8655)، الإتحاف (9/ 472/ 11697)، المسند المصنف (17/ 147/ 8013)].

وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات.

قال الترمذي في الجامع (322): "وعمرو بن شعيب هو: ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال محمد بن إسماعيل: رأيت أحمد وإسحاق - وذكر غيرهما - يحتجون بحديث عمرو بن شعيب. قال محمد: وقد سمع شعيب بن محمد، من عبد الله بن عمرو".

قلت: قد أثبت سماعَ شعيب من جده عبد الله أئمةُ هذا الشأن وعليهم المعوَّل: البخاريُّ، وابنُ المديني، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن صالح، والدارقطني [راجع بحث هذه المسألة: فضل الرحيم الودود (2/ 116/ 135)].

* وقد جاء معنى حديث حماد بن سلمة هذا:

من حديث ابن جريج: سمعت عطاء؛ أن أبا العباس الشاعر أخبره؛ أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم وأصلي الليل،

فذكر الحديث، وفيه: "وصم من كل عشرة أيام يومًا، ولك أجر تسعةٍ،

الحديث. [أخرجه مسلم (1159/ 186)، وتقدم في الطريق الأول].

* وكذلك من حديث شعبة، عن زياد بن فياض، قال: سمعت أبا عياض، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"صم يومًا، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم يومين، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم ثلاثة أيام، ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:

ص: 368

"صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"صم أفضل الصيام عند الله، صوم داود عليه السلام، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا". [اخرجه مسلم (1159/ 192)، وتقدم في الطريق رقم (16)].

وقد تأوله بعضهم بخلاف ظاهره؛ بأن الأجر ما بقي من الشهر في جميعها؛ لأن نيته كانت صوم جميعه، فمنعه منه ما حضه عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأبقاء على نفسه، وحقوق زوره، وأهله، فبقي أجر نيته في صومه [انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (4/ 129)، غريب الحديث للخطابي (1/ 512)].

قال ابن حبان (3658): "قوله صلى الله عليه وسلم: "صم يومًا من كل شهر ولك أجر ما بقي ": يريد أجر ما بقي من العشرين، وكذلك في الثلاث، إذ محال أن كدَّه كلما كثر كان أنقص لأجره".

قلت: وهذا مخالف لعامة الروايات عن عبد الله بن عمرو:

ففي الصحيح مثلًا: "وإن بحسبك أن تصوم كلَّ شهرٍ ثلاثةَ أيام، فإن لك بكل حسنةٍ عشرَ أمثالها، فإن ذلك صيامُ الدهر كلِّه"[البخاري (1975)].

وفيه أيضًا: "وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر"[البخاري (1976 و 3418)، مسلم (1159/ 181)].

وقد فسره الطحاوي في المشكل (15/ 130) على ظاهره موافقًا لقول مطرف؛ بناء على ما يحصل له من الضعف بسبب الصوم، وما يترتب عليه من الإخلال ببعض الحقوق والعبادات؛ فكان له الأجر كاملًا مع بقاء قوته، ثم نقص أجره بقدر ما نقص من قوته. [وانظر: غريب الحديث للخطابي (1/ 512)].

قلت: خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو كان لسابق علمه بأنه سوف يعجز عن الاستمرار على عمله هذا إذا كبر؛ كما أقر بذلك عبد الله بن عمرو بعدما كبر، ولذا أرشده لما هو أنفع له، ولما يتناسب مع قدرته، فكان يكفيه أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها، بحيث لا يقع منه التقصير في الواجبات؛ لكن ذلك لا يعني بإطلاقِ أن من زاد في العمل نقص في الأجر بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"أحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه"[أخرجه البخاري (1131 و 3420)، ومسلم (1159/ 189)، وتقدم برقم (7)]؛ ولذلك فإنه قد قيده في الرواية الأخرى بقوله: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى"، يعني: أن صومه هذا لم يكن يحدث له خللًا في بقية وظائفه وواجباته، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نبه عبد الله بن عمرو على ما سوف يترتب على فعله هذا، وهو التقصير في حق النفس والعين والأهل والزور؛ فقال:"فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا"، بينما لم يقع ذلك لداود، فجمع بين الأمرين فاكتمل له الأجر، مع زيادة العمل، لأجل عدم تقصيره في بقية الحقوق

ص: 369

والواجبات، والله أعلم [وانظر في آخر طرق هذا الحديث ما نقلته عن جملة من الأئمة؛ لا سيما كلام الذهبي، فهو كلام نفيس].

20 -

ورواه عبد الواحد بن غياث، وعبد الأعلى بن حماد:

عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عطاء بن فروخ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

يعني: بنحو حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن ابن عمرو [تقدم برقم (1389)].

أخرجه البزار (6/ 435/ 2465)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 253).

قلت: إسناده ضعيف؛ عطاء بن فروخ المدني نزيل البصرة: روى عنه يونس بن عبيد وعلى بن زيد بن جدعان، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكر له سماع من عبد الله بن عمرو، ولا له كثير رواية [العلل ومعرفة الرجال (3/ 111/ 4452)، التاريخ الكبير (6/ 467)، الجرح والتعديل 61/ 335)، الثقات (5/ 204)، التهذيب (3/ 107)].

وعلي بن زيد بن جدعان: ضعيف.

21 -

وروى يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرزاق بن همام، والمفضل بن فضالة [وهم ثقات]:

عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: جمعت القرآن، فقرأت به في كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"إني أخشى أن يطول عليك زمان أن تمل؛ اقرأه في كل شهر"، قلت: يا رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال:"اقرأه في كل عشرين"، قلت: يا رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال:"اقرأه في عشر"، قلت: يا رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال:"اقرأه في كل سبع"، قلت: يا رسول الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى. لفظ يحيى بن سعيد [عند أحمد]، وقد صرح ابن جريج بالسماع في رواية يحيى عند ابن المديني، وابن حبان. وفي رواية عبد الرزاق [عند أحمد، وهو ممن سمع منه قديمًا]: أخبرنا ابن جريج: سمعت ابن أبي مليكة، يحدث عن يحيى بن حكيم بن صفوان؛ أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:

فذكره.

أخرجه النسائي في الكبرى (7/ 276/ 8010)، وابن ماجه (1346)، وابن حبان (3/ 33/ 756) و (3/ 34/ 757)، وأحمد (2/ 163 و 199)، وابن المديني في الخامس من العلل (107)، وعبد الرزاق (3/ 355/ 5956)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (127)، والطبراني في الكبير (13/ 482/ 14350)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 285)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 254). [التحفة (6/ 142/ 8945)، الإتحاف (9/ 638/ 12105)، المسند المصنف (17/ 413/ 8247)].

وقد علقه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 267)، فقال:"يحيى بن حكيم بن صفوان: عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصوم، قاله ابن جريج عن ابن أبي مليكة".

ص: 370

وهذا مما يدل على أن يحيى بن حكيم هذا لا يُعرف بغير هذا الحديث، ولا له في كتب الأطراف كالتحفة والإتحاف سوى هذا الحديث الواحد، كما لا يُعرف له سماع في الرواية من عبد الله بن عمرو، ورواية عبد الرزاق عند أحمد تؤكد عدم الاتصال، وقد عده مسلم فيمن تفرد عنه ابن أبي مليكة بالرواية ممن دون الصحابة لمنفردات والوحدان (182)].

وأما ابن أبي حاتم وابن حبان فلم يزيدا على هذه الترجمة شيئًا، سوى أن قال ابن حبان:"أمه سكينة بنت أبي خلف"، وقال ابن سعد:"وكان يحيى بن حكيم والي مكة ليزيد بن معاوية"، وقيل: حج للناس سنة ثلاث وستين، وهي السنة التي توفي فيها ابن عمرو على قولٍ، أو قبلها بسنتين [طبقات ابن سعد (5/ 475)، أنساب الأشراف (5/ 307)، الجرح والتعديل (9/ 134)، الثقات (5/ 522)، تالي تلخيص المتشابه (2/ 621)، غنية الملتمس (637)، المستخرج من كتب الناس (3/ 30)، تاريخ دمشق (11/ 416) و (28/ 207)، الميزان (4/ 369)، التكميل في الجرح والتعديل (2/ 183)].

والحاصل: فإن يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية الجمحي: مجهول في الرواية؛ وإن كان أميرًا معروفًا، ولا يُعرف له سماع من ابن عمرو؛ مع تحقق المعاصرة، وحديثه هذا في جملته مستقيم قد ثبت معناه عن عدد من أصحاب عبد الله بن عمرو، كما أن قوله في أوله:"إني أخشى أن يطول عليك زمان أن تمل؛ اقرأه في كل شهر"، معروف من حديث حسين المعلم وعكرمة بن عمار وأبي إسماعيل القناد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، وفيه:"واقرأ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فاقرأه في كل عشرين"، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فاقرأه في كل عشر"، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:"فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقًا، ولزورك عليك حقًا، ولجسدك عليك حقًا"، قال: فشدَّدتُ، فشُدِّد علىَّ، قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر"، قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم. [راجع الطرق رقم (3 و 4 و 6)، تحت الحديث رقم (1388)؛ وحديث حسين عند البخاري (6134)، ومسلم (1159/ 183)، وحديث عكرمة عند مسلم (1159/ 182)].

ولكن يحيى بن حكيم هذا قد انفرد هنا بهذه العبارة: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، وقد رواه الثقات بلفظ: إني أطيق أفضل من ذلك، إني أجد قوةً، إني أجدني أقوى من ذلك، إني أطيق أكثر من ذلك، ونحو ذلك من العبارات، والله أعلم.

فهو حديث صحيح؛ مع جهالة تابعيه وعدم ثبوت اتصاله، لاستقامة متنه، ومجيئه من وجوه أخرى عن ابن عمرو، لكن بدون هذه العبارة: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، والله أعلم.

ص: 371

• وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 474/ 14340). [وفي إسناده: عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات. التهذيب (3/ 321)، تاريخ الإسلام (12/ 319)، وأبوه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: ليس بالقوي، كان سيئ الحفظ جدًا، كثير الوهم، غلب عليه الاشتغال بالفقه والقضاء؛ فلم يكن يحفظ الأسانيد والمتون. انظر: التهذيب (3/ 627)، الميزان (3/ 613)].

22 -

وروى عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن سماك بن الفضل، عن وهب بن منبه، عن عبد الله بن عمرو؛ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: في كم يقرأ القرآن؟ قال: "في أربعين يومًا"، ثم قال:"في شهرٍ"، ثم قال:"في عشرين"، ثم قال:"في خمسَ عشرةَ"، ثم قال:"في عشرٍ"، ثم قال:"في سبعٍ"، لم ينزل من سبعٍ.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/ 356/ 5957)، ومن طريقه: أبو داود (1395)، والنسائي في الكبرى (7/ 277/ 8014)، والطبراني في الكبير (13/ 487/ 14358)، والبيهقي في الشعب (4/ 299/ 1976).

[التحفة (6/ 142/ 8944)، المسند المصنف (17/ 414/ 8248)].

رواه عن عبد الرزاق: نوح بن حبيب القومسي [ثقة][وهذا لفظه عند أبي داود]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [راوي مصنف عبد الرزاق، وهو: صدوق؛ إلا أن سماعه من عبد الرزاق متأخر جدًا، وقد سمع منه بعد ما عمي، وروى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة. انظر: اللسان (2/ 36)].

ولفظه في المصنف: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن؟ قال: "في أربعين"، قال: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال:"في شهر"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"في خمس عشرة"، ثم قال:"في عشر"، ثم قال:"في سبع"، لم ينزل من سبع.

قال النسائي: "وهب لم يسمعه من عبد الله بن عمرو".

* تابع عبد الرزاق على إسناده:

عبد الله بن المبارك [ثقة حجة، إمام فقيه، أثبت الناس في معمر]، عن معمر، عن سماك بن الفضل، عن وهب بن منبه، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"اقرأ القرآن في أربعين". زاد في النوادر: فاستزاده حتى رجع إلى سبع.

أخرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه (2947)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3/ 210/ 951). [التحفة (6/ 142/ 8944)، المسند المصنف (17/ 414/ 8248)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب.

وقد روى بعضهم عن معمر، عن سماك بن الفضل، عن وهب بن منبه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أربعين".

ص: 372

• خالف ابنَ المبارك، وعبدَ الرزاق:

محمد بن ثور [الصنعاني: ثقة]، فرواه عن معمر [بن راشد؛ نزيل اليمن: ثقة]، عن سماك بن الفضل [يماني: ثقة]، عن وهب بن منبه [يماني تابعي ثقة]، عن عمرو بن شعيب [حجازي ثقة]، عن أبيه، حدث بحديث عبد الله بن عمرو، قال: أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ في أربعين، ثم في شهر، ثم في عشرين، ثم في خمسة عشر، وفي عشر، ثم في سبع، قال: انتهى إلى سبع.

أخرجه النسائي في الكبرى (7/ 277/ 8015)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (155 - مختصره). [التحفة (6/ 142/ 8944)، المسند المصنف (17/ 414/ 8248)].

° قلت: معمر بن راشد: ثقة ثبت في حديث الزهري وابن طاووس، وقد يهم في حديث غيرهما، وقد رواه أثبت الناس فيه: عبد الله بن المباك، وعبد الرزاق، وهو راويته؛ فلم يذكرا أحدًا بين وهب وعبد الله بن عمرو؛ لذا قال النسائي:"وهب لم يسمعه من عبد الله بن عمرو"، مشيرًا بذلك إلى ترجيح حديث محمد بن ثور، والذي زاد في الإسناد رجلين، كما أشار الترمذي أيضًا إلى إرساله.

هذا من وجه، ومن وجه آخر؛ فإن رواية عبد الرزاق قد اشتملت على لفظة شاذة، حيث قال في آخره: لم ينزل من سبع؛ وهذا خلاف المحفوظ عن عبد الله بن عمرو فيما رواه الثقات عنه؛ ففي بعض الطرق: أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى به في القراءة إلى خمس، وثبت عنه أيضًا: أنه انتهى به إلى ثلاث، فقد نزل عن السبع.

ومما يؤكد شذوذ هذه اللفظة: أن ابن المبارك لم يأت بها، فقال:"اقرأ القرآن في أربعين"، وزاد في رواية: فاستزاده حتى رجع إلى سبع، وأما محمد بن ثور فرواه بنحو رواية عبد الرزاق؛ إلا أنه قال في آخره: انتهى إلى سبع، وهو أقرب للصواب، والله أعلم.

وثمة لفظة أخرى غير محفوظة في هذا الحديث: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأه بأربعين؛ حين سأله: في كم يقرأ القرآن؟ قال صلى الله عليه وسلم: "في أربعين يومًا"، ثم نزل به إلى سبع، وهذا الحديث قد رواه عن عبد الله بن عمرو جماعة، فقالوا في الابتداء:"اقرإ القرآن في كل شهر".

1 -

فقد رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرإ القرآن في كل شهر"،

إلى أن قال: "فاقرأه في سبعٍ، ولا تزد على ذلك". [أخرجه البخاري (5054)، ومسلم (1159/ 184)].

2 -

ورواه عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صُم من كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، واقرإ القرآن في شهر"،

الحديث.

3 -

ورواه شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر"،

الحديث.

ص: 373

4 -

ورواه مغيرة بن مقسم، قال: سمعت مجاهدًا، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

فذكر الحديث، وفيه: فقال: "اقرإ القرآن في كل شهر". [أخرجه البخاري (1978 و 5052)].

5 -

ورواه شعبة، عن حصين، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو؛

فذكر الحديث، وفيه: وقال له: "اقرإ القرآن في كل شهر".

6 -

ورواه هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، ومغيرة الضبي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو،

فذكر الحديث، وفيه: قال: "اقرأ القرآن في كل شهر".

7 -

ورواه عبثر بن القاسم، ومحمد بن فضيل، وأبو عوانة، وعلي بن عاصم: عن حصين، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال:

فذكر الحديث، وفيه: قال: "اقرأ القرأن في كل شهر".

8 -

ورواه مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت: يا رسول الله، في كم أختم القرآن؟ قال:"اختمه في كل شهر"،

الحديث.

9 -

ورواه ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال:

فذكر الحديث، وفيه:"اقرأه في كل شهر".

وعليه فإن تتابع هؤلاء [وهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن، والسائب بن مالك، وأبو العباس السائب بن فروخ، ومجاهد بن جبر، وأبو بردة بن أبي موسى، ويحيى بن حكيم بن صفوان] على البداءة بالشهر دون الأربعين؛ لدليل بيِّن على وقوع الوهم في هذه الرواية.

ثم إن هذا الحديث قد تفرد به أهل اليمن عن أهل الحجاز، مع كثرة من روى عن عمرو بن شعيب من أهل الحجاز، وأهل العراق، وأهل الشام، وغيرهم؛ ففي تفرد أهل اليمن به دون الناس، مع اقتران ذلك بهذه الأوهام، لدليل ظاهر على شذوذ هذا الحديث، ولا أستبعد أن يكون الوهم فيه من معمر بن راشد نفسه، فهو حديث شاذ والله أعلم.

وانظر: فتح الباري لابن حجر (9/ 97).

* تنبيه: وأما ما ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث (3 760)، وتبعه على ذلك جماعة من أهل اللغة، قال:"جاء في الحديث: من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزَّب. أي: بعُد عهده بما ابتدأ منه، وأبطأ في تلاوته"، فلم أقف له على إسناد، والله أعلم.

23 -

ورواه محمد بن جعفر غندر، ووهب بن جرير، وروح بن عبادة، وعفان بن مسلم، والنضر بن شميل، ومحمد بن بكر البرساني [وهم ثقات]:

عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن طلحة بن هلال، أو: هلال بن طلحة، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله! صم ثلاثة أيام من كل شهر، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك قال: "صم صوم داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

ص: 374

أخرجه الطيالسي (4/ 38/ 2394)، وأحمد (2/ 205)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 346)، والطحاوي (2/ 86)، وابن حبان في الثقات 41/ 1392، والطبراني في الكبير (13/ 415/ 14254). [الإتحاف (9/ 634/ 12097)، المسند المصنف (17/ 147/ 8012)].

قلت: وهذا حديث صحيح، وتابعيه مجهول، وقد سمع من عبد الله بن عمرو [التاريخ الكبير (4/ 346)، الجرح والتعديل (4/ 473)، الثقات (4/ 392)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 392)].

24 -

وروى مبشر بن إسماعيل الحلبي [ثقة]، وعبد الله بن المبارك [ثقة ثبت متقن، إمام فقيه، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، والوليد بن مسلم [ثقة ثبت] من أثبت أصحاب الأوزاعي]، والوليد بن مزيد [ثقة ثبت من أثبت الناس في الأوزاعي]، وعمر بن عبد الواحد [السلمي، أبو حفص الدمشقي: ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري [ثقة حافظ]، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير [ثقة]، ومحمد بن كثير المصيصي [صاحب الأوزاعي] وهو: صدوق كثير الغلط]، ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي الحراني [ضعيف، طعنوا في سماعه من الأوزاعي]:

عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله! لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل، فترك قيام الليل". لفظ ابن المبارك.

أخرجه البخاري (1152)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1309).

* ومن الأوهام الواقعة في هذه القصة:

25 -

روى محمد بن الحسين بن أبي الحنين [محمد بن الحسين بن موسى الحنيني: من أقران أبي داود، صنف المسند، وصل إلينا منه الأول والثاني من مسند أنس، قال ابن أبي حاتم: "صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: "كان ثقة مأمونًا"، وقال مرة: "كان ثقة صدوقًا"، ووصفه الذهبي بالحافظ المتقن. الجرح والتعديل (7/ 230)، الثقات (9/ 136 و 152)، المؤتلف للدارقطني (1/ 373) و (2/ 957)، فتح الباب (1567)، تاريخ بغداد (3/ 9 - ط الغرب)، إكمال ابن ماكولا (2/ 28)، السير (13/ 243)، تاريخ الإسلام (6/ 605 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 245 و 252)]، قال: ثنا الفضل بن دكين [أبو نعيم: ثقة ثبت]، قال: ثنا أبان بن عبد الله [هو: البجلي؛ صدوق، الأكثر على توثيقه، وله أوهام أنزلته عن رتبة الثقات. راجع ترجمته في فضل الرحيم (1/ 174/ 45)]، قال: حدثني عمرو بن شعيب، قال: حدثني أبي، عن جدي؛ أنه تزوج امرأة من غفار بني عامر، فطال طوالها مع جدي، لا يصيب منها ولدًا، قال: فزارها أبوها، قال: فقال لها: أبنية! مالك عن الولد؟! وأنت من نسوة ولد، فقالت: أتلد المرأة

ص: 375

إلا من زوجها؟ قال: فما شأن زوجك؟ قالت: نهاره صائم، وليله قائم، قال: فأتى أبوها عبدَ الله بن عمرو، فقال: إن ابنتي من النساء، تريد ما يريد النساء من قرة العين والولد، قال: هو الذي بلغك، وأمر بنتك بيدك، قال: فإني قد ضممت ابنتي إليَّ، وفرقت بينكما، ثم انطلق حتى أتى النيي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله إن ابنتي عند رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، فقال:"من هو؟ "، قال: عبد الله بن عمرو، قال: فأرسل إليه، فأتاه، فقال:"يا عبد الله بن عمرو! إن لنا سنةً، فمن أخذ بها فهو منا، ومن تركها فليس منا، يصوم ويفطر، ويصلي وينام، فاقرأ القرأن في ثلاثين ليلة"، قال: فأنا أقوى من ذلك، قال: فما زال يزايدني حتى قال: "اقرأه في سبع".

قال: فقال في الصيام: "صم من كل شهر ثلاثة أيام"، قال: أنا أقوى من ذلك، قال: فما زال يزايدني حتى قال: "صم صيام داود؛ فإنه لا يعدو ولا يفر من الزحف إذا لقي".

قال حين ضعف: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلىَّ مما في الأرض من شيء، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام".

أخرجه أبو علي ابن شاذان في الثامن من حديثه (135).

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق؛ ولعل الوهم فيه من أبان بن عبد الله بن أبي حازم البجلي، وهو وإن كان صدوقًا، وثقه أحمد وابن معين وابن نمير والعجلي وابن شاهين وابن خلفون، وقال البخاري:"صدوق الحديث"، وقال ابن عدي:"وأبان هذا عزيز الحديث، عزيز الروايات، ولم أجد له حديثًا منكر المتن فأذكره، وأرجو أنه لا بأس به"؟ إلا أنه قد لينه جماعة، فقد قال النسائي:"ليس بالقوي"، وذكره العقيلي وابن حبان في الضعفاء، وقد تحامل عليه ابن حبان حين قال:"وكان ممن فحش خطؤه، وانفرد بالمناكير".

وأما الدارقطني فقد بيَّن حجته في تضعيفه حيث قال في العلل (8/ 276): "وحديث آخر يرويه أبان بن عبد الله البجلي - وكان ضعيفًا - عن مولى لأبي هريرة في المسح على الخفين مرفوعًا، وأبان: ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وكلها باطلة [يعني: ما روي عن أبي هريرة في المسح على الخفين]، ولا يصح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح".

وضعف مسلم في التمييز (209) ما رُوي من أحاديث المسح عن أبي هريرة، قال مسلم: "فقد صح برواية أبي زرعة وأبي رزين عن أبي هريرة إنكاره المسح على الخفين، ولو كان قد حفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجدر الناس وأولاهم للزومه والتدين به

وإن من أسند ذلك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم واهي الرواية، أخطأ فيه إما سهوًا أو تعمدًا".

وبذا يظهر جليًا أن أبان بن عبد الله البجلي هذا قد استنكرت عليه بعض الأحاديث، مثل حديث أبي هريرة في المسح على الخفين، وذكر له الذهبي في الميزان مما أنكر عليه

ص: 376

أيضًا: حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: "جرير منا أهل البيت، ظهرًا لبطن، ظهرًا لبطن"[انظر ترجمة أبان: التهذيب (1/ 121)، إكمال مغلطاي (1/ 162)، الميزان (1/ 9)، المجروحين (1/ 99)، ضعفاء العقيلي (1/ 42)، السير (2/ 534)، وغيرها مع فضل الرحيم الودود (1/ 174/ 45)].

• أما حديث: "كل مسكر حرام":

فقد رواه أبو بكر ابن أبي شيبة، وأبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، وهارون بن عبد الله الحمال [وهم ثقات]:

حدثنا الفضل بن دكين، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام".

أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 67/ 23745)، وأحمد (2/ 185)، وابن عدي في الكامل (1/ 387). [الإتحاف (9/ 514/ 11802)، المسند المصنف (17/ 279/ 8117)].

هكذا رواه هؤلاء الثقات، وفيهم الحافظ الكبير أبو بكر ابن أبي شيبة بدون قصة ابن عمرو الطويلة في اجتهاده في العبادة.

• ورواه عبيد الله بن عمر العمري [ثقة ثبت]، وأخوه عبد الله بن عمر [ليس بالقوي]، وأبو يونس القوي الحسن بن يزيد [ثقة]، والأوزاعي أولا يثبت عنه، الراوي عنه: سعيد بن مسلمة الأموي: منكر الحديث. التهذيب (2/ 43)، الميزان (2/ 158)]: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده [عبد الله بن عمرو]، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما أسكر كثيره فقليله حرام".

أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 300/ 5670)، وفي الكبرى (5/ 81/ 5097) و (6/ 285/ 6790)، وابن ماجه (3394)، وأحمد في المسند (167 و 179)، وفي الأشربة (5)، وابن وهب في الجامع (39)، وعبد الرزاق (9/ 221/ 17007)، والطحاوي (4/ 217)، والسهمي في تاريخ جرجان (327)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ (1/ 590/ 140)، والطبراني في الأوسط (6/ 170/ 6103)، وفي الصغير (983)، والدارقطني (4/ 254 و 257 و 258)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (588)، وتمام في الفوائد (111)، والبيهقي (8/ 296)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 3) و (53/ 160). [التحفة (6/ 67/ 8760)، الإتحاف (9/ 514/ 11802)، المسند المصنف (17/ 278/ 8116)].

قال النسائي: "إنما يتكلم في حديث عمرو بن شعيب إذا رواه عنه غير الثقات، فأما إذا رواه الثقات فهو حجة، وعبد الله بن عمرو جد عمرو بن شعيب كان يكتب ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه من أصح الحديث"[الناسخ (140)].

قلت: وهو حديث صحيح.

• ورواه ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن أبي وهب الجيشاني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام".

ص: 377

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 244/ 2773)، وعلقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3042/ 7044).

واختلف فيه على ابن عجلان: انظر ما أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 330 / 928)، والطبراني في الأوسط (2/ 311/ 2071).

وليس المقصود هنا تخريج حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "كل مسكر حرام"، وإنما المقصود بيان كون الحديث محفوظًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

° وإنما انفرد أبان بن عبد الله هنا عن عمرو بن شعيب على كثرة أصحابه بهذه القصة الغريبة التي لم يشركه فيها أحد من الثقات، بل المعروف عن الثقات خلاف ذلك؛ فإن الذي دخل يتفقد حال امرأة عبد الله بن عمرو إنما هو أبوه عمرو لا أبوها، وأن الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا إنما هو أبوه عمرو لا أبوها.

فقد روى أبو عوانة، عن مغيرة بن مقسم، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كَنَّته، فيسألها عن بَعلها فتقول: نعم الرجل من رجلٍ لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتِّش لنا كنفًا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"القَني به"، فلقيته بعد، فقال:"كيف تصوم؟ " قال: كل يوم، قال:"وكيف تختم؟ "، قال: كل ليلة،

وذكر الحديث.

ورواه هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، ومغيرة الضبي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: زوجني أبي امرأةً من قريش، فلما دخلت عليَّ جعلتُ لا أنحاش لها، مما بي من القوة على العبادة، من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنَّته، حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدتِ بعلَك؟ قالت: خيرَ الرجال أو كخير البعولة من رجلٍ لم يفتش لنا كنفًا، ولم يعرف [وفي رواية ابن منيع: ولم يقرب، لنا فراشًا، فأقبل عليَّ، فعذَمني، وعضني بلسانه، فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتَها، وفعلتَ وفعلتَ، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني، فأرسل إلىَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته، فقال لي:"أتصوم النهار؟ "، قلت: نعم، قال:"وتقوم الليل؟ "، قلت: نعم،

فذكر الحديث بطوله. وهو حديث صحيح.

وعليه: فإن هذا الحديث أيضًا يعدُّ من مناكير أبان بن عبد الله، والله أعلم.

26 -

وروى سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي فراس؛ أنه سمع عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صام نوح الدهر؛ إلا يوم الفطر ويوم الأضحى".

وفي رواية: "صام نوح الدهر؛ إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر".

أخرجه ابن ماجه (1714)، والبيهقي في الشعب (6/ 356/ 3563)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 275 - 276)[التحفة (6/ 144/ 8949)، المسند المصنف (17/ 123/ 8003)].

ص: 378

• وأخرج الطبراني في الكبير (14/ 14717/101)، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد الحراني، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي قنان [أيوب بن أبي العالية]، عن يزيد بن رباح أبي فراس؛ أنه سمع عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

فذكر مثله.

وهذا حديث منكر؛ تفرد به ابن لهيعة، وهو: ضعيف، وقد اضطرب في إسناده.

* ولحديث عبد الله بن عمرو إسناد آخر لا يخلو من مقال: أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 561/ 14396).

* ورويت نحو هذه القصة في قراءة القرآن من حديث قيس بن أبي صعصعة:

فقد روى سعيد بن أبي مريم [ثقة ثبت]، وعمرو بن الربيع بن طارق [ثقة]، ويحيى بن عبد الله بن بكير [ثقة]، وحجاج بن سليمان الرعيني [منكر الحديث. اللسان (2/ 561)]:

كلهم عن ابن لهيعة، عن حبان بن واسع، عن أبيه، عن قيس بن أبي صعصعة، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن؟ فقال: "في كل خمس عشرة"، فقال: إني أجدني أقوى من ذلك، فقال:"ففي كل جمعة"، قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: فمكث كذلك يقرؤه في كل سبع، وكان يقرؤه في كل خمس عشرة ليلة، قال: يا ليتني قبلت فريضة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: فمكث كذلك يقرؤه زمانًا حتى كبر، وكان يعصب على عينيه، ثم رجع فكان يقرؤه في خمس عشرة، قال: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولى.

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (222)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 298)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 62/ 2008)، والطبراني في الكبير (18/ 344/ 877)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2307/ 5690)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (322)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (49/ 467 و 468)، وعلقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 100)، وابن قانع في المعجم (2/ 368)، وابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1294).

* ورواه أيضًا: يحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن المبارك، وحسن بن موسى الأشيب، وقتيبة بن سعيد [وهم ثقات، وابن المبارك أصحهم سماعًا من ابن لهيعة]: عن ابن لهيعة: حدثنا حبان بن واسع، عن أبيه، عن سعد بن المنذر الأنصاري؛ أنه قال: يا رسول الله أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: "نعم؛ أن استطعت".

فكان يقرؤه كذلك حتى توفي.

أخرجه أحمد (11/ 5736/ 24432 - ط المكنز)، وابن المبارك في الزهد (1274)، وفي المسند (67)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (229)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (128)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 551/ 1306)، والطبراني في الكبير (6/ 51/ 5481)[وفي سنده سقط]. وأبو نعيم في معرفة الصحابة

ص: 379

(3/ 1264/ 3183)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (326). [الإتحاف (5/ 513/ 5866)، أطراف المسند (2/ 465/ 2607)، المسند المصنف (8/ 473/ 4257)].

قال البخاري في التاريخ الكبير (4/ 50): "سعد بن المنذر: رواه ابن لهيعة، ولم يصح حديثه".

وقال في الضعفاء الصغير (150): "سعد بن المنذر: يُذكر له صحبة، يعد في أهل المدينة، وحديثه ليس من وجه صحيح".

قال أبو القاسم: "ولا أعلم له غيره".

وقال ابن السكن: "روي عنه حديث تفرد به ابن لهيعة"[الإصابة (5/ 364)].

قلت: هو حديث ضعيف؛ اضطرب فيه ابن لهيعة، وهو من دلائل ضعفه وسوء حفظه.

* وقد رويت أيضًا نحو هذه القصة من حديث حكيم بن حزام:

رواه محمد بن عبد الله الحضرمي [المعروف بمطين: ثقة حافظ]: ثنا أبو غريب [محمد بن العلاء: ثقة حافظ]: ثنا عثمان بن سعيد [بن مرة الكوفي: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جمع من الثقات]، عن يزيد بن عطاء أبن يزيد اليشكري: لين الحديث]، عن حريث بن أبي مطر [ضعيف]، عن أبي بكر بن حفص [عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، وهو مشهور بكنيته: أبو بكر بن حفص، وهو: ثقة، ولا يُعرف له سماع من حكيم بن حزام]، عن حكيم بن حزام، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم، فقال:"صم ثلاثة أيام من كل شهر"، قلت: إني أطيق حتى نازلني، ثم قال:"صم ثلاثة أيام من الشهر"، قلت: إني أطيق حتى نازلني، ثم قال:"صم صيام داود، صم يومًا وأفطر يوما".

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 201/ 3123).

قلت: هو حديث ضعيف، غريب الإسناد.

° قال الخطابي في أعلام الحديث (2/ 976): "قوله: "هجمت له العين" معناه: سقطت وغارت. وقوله: "نفهت" معناه: أعيت وكلت.

والمعنى: أن المؤمن لم يُتعبد بالصوم فقط؛ حتى إذا أمعن فيه واجتهد كان قد قضى حق التعبد كله، وإنما تُعبد بأنواع من العمل كالجهاد والحج ونحوهما، فإذا استفرغ جهده في الصوم، فبلغ به حد غور العين، وكلال البدن، انقطعت قوته، وبطلت سائر أبواب العبادة، فأمره بالاقتصاد في الصوم ليستبقي بعض القوة لسائر الأعمال ....

وقوله عند ذكر داود: "وكان لا يفر إذا لاقى" يؤيد ما قلناه، يريد أنه كان لا يستنفد وسعه الصوم، وإنما كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، استبقاء لقوته من أجل الجهاد لئلا يضعف، فإنه كان لا يفر إذا لاقى" [وانظر أيضًا: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 143)،

ص: 380

الزاهر في المعاني (1/ 448)، تهذيب اللغة (6/ 45)، أعلام الحديث (1/ 641) و (2/ 971)].

وقال ابن العربي في القبس (514): "وأما من كان فيه رجاء للقوة وتتوكف منه المنفعة ففطره أفضل من صومه، وفي مثله لا يقال: لا صام من صام الأبد؛ لأنه يهدم الأعلى بالأدنى، وإلى هذا المعنى وقعت الاشارة بقولي النبي صلى الله عليه وسلم: "صم صوم أخي داود؛ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى".

وأما من لا منفعة في بدنه، ولا في علمه؛ فالصوم أفضل له".

ويأتي تحرير المسألة أن شاء الله تعالى في كتاب الصوم، وانظر أيضًا: الأعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/ 335)، التوضيح (9/ 59) و (13/ 465).

° قال أبو داود في مسائله لأحمد (493 و 494): "سمعت أحمد، يقول: ما أشد ما جاء فيمن حفظ القرآن ثم نسيه، قيل لأحمد: يعني ينسى من حفظه؟ قال: نعم، ينام عنه حتى ينسى. سمعت أحمد، يقول: أكثر ما سمعنا أن يختم القرآن في أربعين".

وقال إسحاق الكوسج في مسائل لأحمد وإسحاق (379): "قلت: في كم يقرأ الرجل القرآن؟ قال: أقل ما سمعنا أربعون، وأكره له دون ثلاث.

قال إسحاق: كما قال، أجاد".

وقال إسحاق بن راهويه: "وأما قارئ القرآن حفظًا أو نظرًا فإنه يستحب له أن لا يجاوز أربعين يومًا حتى يكون خاتمًا فيه مرة، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يقرأه في أربعين حين سأله: إني جمعت القرآن ففي كم أقرؤه؟ فبدأه: "اقرأه في أربعين".

فالرخصة لمن جمع القرآن هذا الوقت أكثره، مع أن أكثر الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث سأله، قال له:"اقرأه في شهر"، ونرجو في أربعين لما ذكر في الحديث.

وأما الذي نستحب لمن حمل القرآن حتى حفظ أن يقرأه في السبع أو الثمان، وإن كان في ثلاث فهو أفضل، ولا يقرؤه في دون ثلاث؛ إلا أن يحب في الأحايين ختم القرآن ليدعو دعوة يطمع في الإجابة، كنحو دخوله الكعبة، أو ليلة القدر وما أشبه ذلك، فأما الإدمان ففي ثلاث".

وقال ابن قدامة في المغني (2/ 128): "يستحب أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام، ليكون له ختمة في كل أسبوع، قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة يقرأ في كل يوم سبعًا، لا يتركه نظرًا، وقال حنبل: كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة"، إلى أن قال:"فقد روي عن أبي عبد الله أنه قال: أكره أن يقرأه في أقل من ثلاث. وذلك لما روى عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث"، رواه أبو داود.

وروي عن أحمد أن ذلك غير مقدر، وهو على حسب ما يجد من النشاط والقوة؛ لأن عثمان كان يختمه في ليلة، وروي ذلك عن جماعة من السلف".

ص: 381

وقال أبو بكر الأثرم في الناسخ (153) بعد أن ذكر روايات الحديث: "فهذه الأحاديث مختلفة في ظاهرها، وإنما الوجه فيها: أن ذلك على قدر الإطاقة، فمن أطاق: قرأ به في أدنى ما جاء من ذلك، ومن لم يطق: كانت الرخصة له إلى الأربعين".

وقال الترمذي في الجامع (2946): "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عبد الله بن عمرو، وروي عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"، وروي عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اقرأ القرآن في أربعين"، وقال إسحاق بن إبراهيم: ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين يومًا ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث.

وقال بعض أهل العلم: لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث للحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورخص فيه بعض أهل العلم، وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها، وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة في الكعبة، والترتيل في القراءة أحبُّ إلى أهل العلم".

وقال ابن رجب في اللطائف (171): "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة؛ كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره".

وقال الذهبي في السير (3/ 84): "وصح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نازله إلى ثلاث ليال، ونهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث، وهذا كان في الذي نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن.

فأقلُّ مراتب النهي: أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث، فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك.

ولو تلا ورتل في أسبوع، ولازم ذلك، لكان عملًا فاضلًا، فالدين يسر، فواللّه إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل؛ مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة، والقول عند النوم واليقظة ودبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به، مخلصًا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك، لشغل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين، وأولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب.

فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم، فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه، ولا تدبر ما يتلوه.

ص: 382

هذا السيد العابد الصاحب كان يقول لما شاخ: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك قال له عليه الصلاة والسلام في الصوم، وما زال يناقصه حتى قال له: (صم يومًا، وأفطر يومًا، صوم أخي داود عليه السلام. وثبت أنه قال:"أفضل الصيام صيام داود". ونهى عليه الصلاة والسلام عن صيام الدهر. وأمر عليه الصلاة والسلام بنوم قسط من الليل، وقال:"لكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وكل من لم يزُمَّ نفسه في تعبده وأوراده بالسُّنَّة النبوية، يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال صلى الله عليه وسلم معلمًا للأمة أفضل الأعمال، وآمرًا بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها، فنهى عن سرد الصوم، ونهى عن الوصال، وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير، ونهى عن العزبة للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم، إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي.

فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور، والعابد العالم بالآثار المحمدية، المتجاوز لها مفضول مغرور، وأحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل.

ألهمنا الله وإياكم حسن المتابعة، وجنبنا الهوى والمخالفة".

وقال ابن حجر في الفتح (9/ 97): "وكان النهي عن الزيادة ليس على التحريم، كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب، وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق، وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل، وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة، فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والله أعلم".

° قلت: حاصل ما تقدم وملخصه:

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سبع، وقال له:"فاقرأه في سبعٍ، ولا تزد على ذلك"، ثم انتهى به مرة ثانية إلى خمس، ثم انتهى به مرة ثالثة إلى ثلاث، وهذا مما يدل على أن ابن عمرو فهم أن النهي لم يكن للتحريم، وإنما هو للإرشاد، رفقًا به، ولذلك فإنه لم ينته عن اجتهاده في العبادة من المرة الأولى، فراجعه النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة لكي يترك ما كان عليه، قال البخاري بعد حديث أبي عوانة عن مغيرة (5052)، وفيه:"واقرأ في كل سبع ليال مرة"، قال:"وقال بعضهم: في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع".

والثابت في قصة عبد الله بن عمرو أن الخطاب كان موجهًا له رفقًا به، معللًا ذلك بأنه قد يطول به العمر فيعجز عن الاستمرار عليه، وهذا هو ما وقع لابن عمرو بعدما كبر، حتى قال: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما داوم عليه صاحبه؛ لذا حذر ابن عمرو من مغبة الاستمرار على هذا الاجتهاد الذي لن يطيقه إذا كبر؛ لذا فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على

ص: 383

الحولاء بنت تويت، وقد زعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تنام الليل! خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا [أخرجه مسلم (785/ 220)]، وفي روايةٍ: "مه، عليكم من العمل ما تطيقون، فوالله! لا يمل الله حتى تملوا"، قالت عائشة: وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه [أخرجه البخاري (43 و 1151)، ومسلم (785/ 221)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1368)].

كما أنكر على الثلاثة الذين جاؤوا إلى بيوت أزواجه مقالتهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرتد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". أخرجه البخاري (5063)]. وقد سبق بيان هذا المعنى مرارًا في هذا البحث، وفي الموضع المشار إليه من الفضل، فليراجع بأدلته الوافرة.

كذلك: فإنه لم يثبت في قصة عبد الله بن عمرو هذه قوله صلى الله عليه وسلم لعامة الأمة: "لم يفقه من قرأ القرأن في أقل من ثلاث".

وثبت أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأه بشهر، فقال:"اقرإ القرآن في كل شهر"، ولم يثبت أنه ابتدأه بأربعين يومًا.

والأقرب أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين، وما تهيأ لهم من الوقت والنشاط والقدرة على ذلك، فهو كما روي عن أحمد: أن التوقيت في ذلك غير مقدَّر، وهو على حسب ما يجد المكلف من النشاط والقوة.

فلو قرأ القرآن في أسبوع، ولازم ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة، والمحافظة على النوافل الراتبة، مع الأذكار المأثورة الثابتة، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به، مخلصًا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل، وزجر الفاسق، مع أداء الواجبات، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة حتى يبلغ رتبة أولياء الله المتقين؛ فلا شك أن هذا هو سبيل المؤمنين، وهدي خير المرسلين، خلافًا للرهبانية التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منها أمته، وخير له من أن يشغل نفسه بالختم كل ليلة، فيمنعه ذلك من القيام ببقية أنواع العبادة، كما نبه على ذلك الخطابي وغيره، والله أعلم.

* فلو قيل: إن عثمان قد قرأ القرآن كله في ليلة:

(أ) فقد روى فليح بن سليمان [مدني، صدوق، كثير الخطأ، احتج به البخاري]، عن محمد بن المنكدر [مدني، تابعي ثقة، من الطبقة الثالثة]، عن عبد الرحمن بن عثمان

ص: 384

التيمي [صحابي، قتل مع ابن الزبير في يوم واحد، قال البخاري: "رأى عثمان يوتر بركعة"]، قال: قلت: لأغلبن الليلة على المقام، فسبقت إليه، فبينا أنا قائم أصلي، إذ وضع رجل يده على ظهري، فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان رحمة الله عليه وهو خليفة، فتنحيت عنه، فقام، فما برح قائمًا حتى فرغ من القرآن في ركعة لم يزد عليها [وفي رواية: فتنحيت له، فتقدم فاستفتح القرآن حتى ختم، ثم ركع وسجد، فقلت: أوهم الشيخ]، فلما انصرف، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة، قال:"أجل هي وتري".

أخرجه ابن المبارك في الزهد (1276)، والطحاوي (1/ 294)، والدارقطني (2/ 34)، والبيهقي في السنن (3/ 25)، وفي الخلافيات (3/ 321/ 2517)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/ 232 و 233). [الإتحاف (11/ 65/ 13701)].

وهذا إسناد مدني حسن، وابن المنكدر يحتمل سماعه من عبد الرحمن بن عثمان، لكنه غالبًا ما يدخل بينهما معاذ بن عبد الرحمن [انظر مثلًا: صحيح مسلم (1197)، علل الدارقطني (4/ 215/ 519)]، لكن قال ابن حبان في الثقات:"وقد سمع محمد بن المنكدر من معاذ بن عبد الرحمن التيمى، ومن أبيه عبد الرحمن بن عثمان التيمى"، وقال نحوه في صحيحه [التاريخ الكبير (5/ 241)، الجرح والتعديل (5/ 247)، صحيح ابن حبان (3972 و 3973)، الثقات (5/ 421)].

(ب) وروى يزيد بن هارون [ثقة متقن]، وأبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، قالا:

أخبرنا محمد بن عمرو [ابن علقمة المدني: صدوق]، عن محمد بن إبراهيم [التيمي: مدني، تابعي ثقة، من الرابعة، قال أبو حاتم:"سمع عبد الرحمن بن عثمان التيمي، وهو من رهطه". المراسيل (691)]، عن عبد الرحمن بن عثمان، قال: قمت خلف المقام وأنا أريد أن لا يغلبني عليه أحد تلك الليلة، فماذا رجل يغمزني فلم ألتفت، ثم غمزني فنظرت، فإذا عثمان بن عفان فتنحيت، فتقدم فقرأ القرآن في ركعة، ثم انصرف.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 75)، وابن أبي شيبة (1/ 323/ 3700) و (2/ 243/ 8589)، وأحمد بن منيع في مسنده (4/ 582/382 - مطالب) و (16/ 33/ 3909 - مطالب)، والبلاذري في أنساب الأشراف (5/ 489)، والبيهقي في السنن (3/ 24)، وفي الشعب (4/ 313/ 1993)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/ 232).

وهذا إسناد مدني جيد.

• وانظر فيمن خالف فوهم: حديث هشام بن عمار (133).

(ج) وروى ابن جريج [ثقة حافظ]، قال: أخبرني يزيد بن خصيفة [يزيد بن عبد الله بن خصيفة: مدني ثقة، سمع السائب بن يزيد، وروايته عنه في الصحيحين. التقريب (675)، التهذيب (4/ 419)، التاريخ الكبير (8/ 345)]، عن السائب بن يزيد [صحابي صغير]؛ أن رجلًا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة طلحة بن عبيد الله؟ قال: إن شئت

ص: 385

أخبرتك عن صلاة عثمان بن عفان، قال: نعم، قال: قلت: لأغلبن الثلاثة النفر على الحجر، يريد المقام [وفي رواية: لأغلبن الليلة على المقام]، قال: فلما قمت إذا رجل يزحمني متقنعًا، قال: فنظرت، فإذا هو عثمان، فتأخرت عنه، فصلى، فإذا هو يسجد سجود القرآن، حتى إذا قلت: هذا هو أذان الفجر، أوتر بركعة لم يصل غيرها، ثم انطلق.

أخرجه الشافعي في الأم (1/ 335)، وفي المسند (86)، وعبد الرزاق (3/ 24/ 4653)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (236)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 178/ 2637)، والبيهقي في المعرفة (2/ 315/ 1391)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/ 233).

قال ابن كثير في فضائل القرآن (257): "وهذا إسنادصحيح"، وهو كما قال.

(د) ورواه أبو العباس الثقفي محمد بن إسحاق [السراج: ثقة حافظ مصنف]: ثنا قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]: ثنا أبو علقمة الفروي عبد الله بن محمد [ثقة، سمع عثمان التيمي]، عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي [ثقة، سمع أباه، روى له البخاري. التاريخ الكبير (6/ 237)، قال: قال أبي: لأغلبن الليلة على المقام، قال: فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه، قال: فبينما أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي، فإذا هو عثمان بن عفان، قال: فبدأ بأم القرآن فقرأ حتى ختم القرآن، فركع وسجد، ثم أخذ نعليه، فلا أدري أصلى قبل ذلك شيئًا، أم لا.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 56)، وفي معرفة الصحابة (1/ 71/ 277)، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله [إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق بن جعفر بن زكرياء، أبو إسحاق المعدل الأصبهاني، سكن نيسابور، يعرف بالقصار، سمع من أبي بكر بن خزيمة، وأبي العباس السراج: محدث مشهور، معروف بالورع والزهد، والاجتهاد في العبادة، ومتابعة السُّنَّة، روى عنه جماعة منهم أبو عبد الله الحاكم، وأكثر عنه أبو نعيم. تاريخ أصبهان (1/ 242)، تاريخ بغداد (7/ 44 - ط الغرب)، الأنساب المتفقة (120)، الأنساب (4/ 508)، تاريخ الإسلام (8/ 386)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 199)]، ثنا محمد بن إسحاق به.

قلت: إسناده صحيح غريب.

والحاصل: فإن أثر عثمان بن عفان في ختمه القرآن في ركعة واحدة: ثابت عنه، لكن في واقعة واحدة يرويها عنه عبد الرحمن بن عثمان التيمي.

• وله طرق أخرى ضعفها يسير؛ لانقطاع أو سوء حفظ: أخرجها ابن المبارك في الزهد (1275 و 1277)، وعبد الرزاق (3/ 24/ 4654) و (3/ 25/ 4655) و (3/ 354/ 5952)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (238)، وسعيد بن منصور في السنن (2/ 158/469)، وابن سعد في الطبقات (3/ 74 و 75)، وابن أبي شيبة (2/ 243/ 8591)، وابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 282/ 2290 - 2294)، والبلاذري في أنساب الأشراف (5/ 489 و 592)، وابن أبي حاتم في التفسير (10/ 3248/ 18378)، وأبو نعيم

ص: 386

في معرفة الصحابة (1/ 71/ 275 و 276)، وفي الحلية (1/ 57)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/ 233 و 233 - 234 و 234 و 235 و 413 - 414)[راجع في بعض هذه الأسانيد كلامي عليها في فضل الرحيم الودود (6/ 578/ 593)].

ويلاحظ أن الأسانيد الصحيحة تدور على واقعة عين واحدة، لم تتكرر، فكيف يحتج بمثل ذلك لمن فعله على الدوام، وكان ذلك ديدنه أن يختم في كل ليلة، مخالفًا بذلك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من فعل ذلك؛ وإنما غاية ما يؤخذ من فعل عثمان هو الجواز لعارضٍ، وليس على الدوام لما يترتب عليه من تقصير في الحقوق والواجبات، مع مخالفته للسنن الثابتة في النهي عن تكلف ما لا يطاق من العمل، وأما الاجتهاد في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة، كما في العشر الأواخر من رمضان بأن يختم كل ثلاث، أو كل ليلة، فمثل ذلك لا حرج فيه، لورود النص في ذلك، مثل حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشرُ أحيا الليلَ، وشدَّ المئزرَ، وأيقظَ أهلَه [أخرجه البخاري (2024)، ومسلم (1174)، وتقدم برقم (1376)]، وحديثها الآخر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره [أخرجه مسلم (1175)، وتقدم تحت الحديث رقم (1376)، والله أعلم.

* وقد ذهب بعضهم في الاحتجاج على جواز مثل ذلك بما رواه:

معمر، عن همام، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "خفف على داود عليه السلام القرآن [وفي رواية: القراءة]، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده".

أخرجه بتمامه أو بشطره الأخير: البخاري في الصحيح (2073 و 3417 و 4713)، وفي خلق أفعال العباد (634 و 635)، وابن خزيمة في التوحيد (15/ 683/ 20157 - إتحاف المهرة)، وابن حبان (14/ 119/ 6227)، وأحمد (2/ 314)، وحرب الكرماني في مسائله (836)، وأبو بكر الخلال في الحث على التجارة (66)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (157 - مختصره)، والطبراني في الأوسط (2/ 42/ 1183)، وفي الصغير (17)، وفي حديثه لأهل البصرة فيما انتقاه ابن مردويه (100)، والبيهقي في السنن (6/ 127)، والبغوي في شرح السُّنَة (6/ 8/ 2027)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 88 و 89) و (41/ 331)، وهو في صحيفة همام بنفس هذا اللفظ برقم (47). [التحفة (10/ 270/ 14725) و (10/ 271/ 14729)، الإتحاف (15/ 683/ 20157 و 20158)، المسند المصنف (34/ 40/ 15884)].

• وفي رواية: "خفف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته أن تسرج، فيفرغ من قراءة الزبور قبل أن تسرج دابته".

أخرجه ابن حبان (14/ 118/ 6225). [الإتحاف (15/ 683/ 20157)، المسند المصنف (34/ 40/ 15884)].

ص: 387

• وانظر فيما لا يثبت إسناده عن همام: ما أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 126).

ورواه إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدابته فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، وكان لا يأكل إلا من عمل يده".

علقه البخاري في الصحيح بعد الحديث رقم (3417)، ووصله: في خلق أفعال العباد (636)، وكذا أبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 41)، والبيهقي في الأسماء والصفات (599)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 89 و 90)، وأبو موسى المديني في اللطائف (293). [التحفة (10/ 85/ 14226)، المسند المصنف (34/ 40/ 15885)].

قال أبو موسى: "هذا حديث صحيح، أخرجوه من وجوه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا الطريق أورده البخاري رحمه الله في الصحيح معلقًا من غير سماع، وهذه نسخة صحيحة صالحة يقع فيها أحاديث حسان".

• ورواه البزار (15/ 262/ 8734)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 90).

موصولًا من وجه آخر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رفعه.

قال البزار: "وهذا الحديث قد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه".

وبذا يظهر صحة ما ذهب إليه البخاري من تصحيح هذا الحديث، وأنه ليس من غرائب همام عن أبي هريرة.

قال أبو بكر الخلال في علله (51 - المنتخب): أخبرني الميموني، قال: ذكر أبو عبد الله أن معمرًا لقي همامًا - يعني: ابن منبه - شيخًا كبيرًا في أيام السودان، فقرأ على معمر، ثم ضغف الشيخ، فقرأ معمر الباقي عليه، وهي أربعون ومائة حديث، فيها غرائب، منها:"كان داود يأمر بدابته فتسرج، فيقرأ القرآن".

° قال ابن الملقن في التوضيح (24/ 152): "وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في ركعة، وهذا لا يتمكن إلا بالهذ.

والحجة لهذا القول حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف في مناقب الأنبياء: "خفف على داود القرآن، فكان يامر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه"، وهذا لا يتم له عليه السلام إلا بالهذ وسرعة القراءة، والمراد بالقرآن هنا الزبور، وداود فيمن أنزل الله فيه:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، وإنما ذكر عليه السلام هذا الفعل من داود على وجه الفضيلة والإعجاب بفعله، ولو ذكره على غير ذلك نسخه وأمر بمخالفته، فدل على إباحته" [وتبعه على ذلك ابن حجر في الفتح (9/ 89)].

قلت: لا يستقيم الاستدلال بهذا الحديث على المراد؛ لعدة احتمالات، منها: أن ذلك كان من خصائص داود عليه السلام، وأن الله خفف عليه القراءة وسهلها حتى لا تأخذ معه وقتًا، فكان ذلك خارجًا عن عادة البشر، قال القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر

ص: 388