المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تقديم الدراسة: - في مصطلح الإرهاب وحكمه قراءة نقدية في المفهوم والحكم من منظور شرعي

[قطب مصطفى سانو]

فهرس الكتاب

- ‌ تقديم الدراسة:

- ‌ أولا: في مصطلح الإرهاب

- ‌ثانيًا: في أشكال الإرهاب في ضوء التصور السابق

- ‌المبحث الثاني في حكم الإرهاب بأشكاله من منظور شرعيٍّ

- ‌ثانيًا: مسألة الأهداف في الإرهاب من منظور شرعيٍّ

- ‌ثالثًا: آية الأنفال الآمرة بإعداد القوة لإرهاب العدو

- ‌الشكل الأول: إرهاب الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به

- ‌الشكل الثاني: إرهاب الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض شرعيٍّ مظنونٍ فيه

- ‌الشكل الثالث: إرهاب الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرضٍ غير شرعيٍّ

- ‌الشكل الرابع: إرهاب غير الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به

- ‌الشكل الخامس: إرهاب غير الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض شرعيٍّ مظنونٍ فيه

- ‌الشكل السادس: ترويع غير الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض غير شرعيٍّ

- ‌المبحث الثالث في الإرهاب وعلاقته بالأحداث الأخيرة في العالم (السعودية والمغرب وأمريكا)

- ‌أولًا: موقع الدول المذكورة في منظومة التقسيم الفقهيِّ التقليديِّ للدار

- ‌ثانيًا: موقع المقيمين في هذه الدول في منظومة الأمان في الحسِّ الفقهيِّ

- ‌(أمان الإسلام وأمان الدار)

- ‌نتائج البحث

الفصل: ‌ تقديم الدراسة:

في مصطلح الإرهاب وحكمه قراءة نقدية في المفهوم والحكم من منظور شرعي إعداد

أد. قطب مصطفى سانو

عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي

وأستاذ دكتور في الفقه وأصول الفقه بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا

ومدير المعهد العالمي لوحدة المسلمين بماليزيا

بسم الله الرحمن الرحيم‌

‌ تقديم الدراسة:

في الأهمية والآفاق:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد:

لقد صحا العالم صبيحة يوم الثلاثاء الموافق11 سبتمبر عام 2001م على تلك الفاجعة التي حلَّت بالديار الأمريكية، وراح ضحيتها آلاف من الخلق من سائر الأجناس والأديان والألوان، فمنذ ساعتئذ، غدا حديث العامة والخاصة في جميع أرجاء المعمورة يدور حول ظاهرة مشؤومة قديمة جديدة ضاربة الجذور في أعماق تاريخ الإنسانية، إنها ظاهرة العنف والترويع (الإرهاب) وظاهرة الغلو والغلاة (الإرهابيِّين، والمتطرفين) في التفكير والتصرف والسلوك.

ص: 1

وانطلاقا مما لهذه الظاهرة المتشعبة والمعقّدة من أسباب وآثار فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فقد عقدت مئات المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية والسياسية والاجتماعية على المستوى المحلي والدولي بغية مناقشة هذه الظاهرة، وتأصيل القول في حقيقتها، وأسبابها، وسبل مكافحتها، وإنقاذ البشرية منها.

في خضم هذا الاهتمام العالميِّ والإعلاميِّ الكبير بهذه الظاهرة، أمسى الشارع الإسلاميُّ كالعادة يتطلع إلى قولٍ علمي أصيل رزين ورصين ومفصل إزاء هذه الظاهرة، يخرج المسلم المعاصر من دوامة الرهق الفكريِّ والتشتت المرجعيِّ الذي يتقلب فيه ليل نهار نتيجة التناقض والتعارض والتنافي الذي اتسمت به الفتاوى والآراء والاجتهادات الفقهيَّة حول هذه الظاهرة؛ إذ إنَّه يكفي المرء أن يلقي بنظرةٍ عجلى متفحِّصةٍ في تلك الفتاوى، فسيجدنَّ ثمَّة فتاوى تجرِّم العنف (الإرهاب) وتبرِّئ ساحة الإسلام كلِّ الإسلام من هذه الظاهرة ومن ابتلوا بها، وتعدها خروجًا ومخالفةً صارخةً لمبادئ الإسلام السمحة التي تدعو إلى التسامح، وحقن الدماء، وصيانة الأموال والأعراض، وحماية البيضة، وحفظ نظام الأمة.

ص: 2

وإذا أرجع المرء بصره كرَّةً أخرى، فسيلفينَّ مقابل تلك الفتاوى، فتاوى مناقضة متعجلة ومتسرعة، تبارك العنف والترويع (الإرهاب) ، وتزجّ بشباب الأمّة وفلذات أكبادها في أتون كثير من الأعمال والتصرفات التخريبية المشوِّهة لصورة الإسلام والمسلمين، وقد دفعت هذه الفتاوى كثيرًا من البسطاء والبلهاء والمفتونين إلى إزهاق الأرواح البريئة المعصومة بعصمة الدين والدار، وإثارة الفتن والبلابل والقلاقل، وإضاعة الأموال والثروات، وهتك الأعراض والحرمات ظلما وجورًا!

إنَّ النظر المتمعن في هذه الفتاوى والاجتهادات الصادرة إزاء هذه الظاهرة، يحفز المرء إلى تقرير القول بأنَّ الحاجة تمسُّ إلى القيام بقراءة نقدية موضوعية رصينة متزنة تعتصم بأصول الشرع الناصعة، وتستحضر مقاصده السامية، وتلتزم بمقرراته الخالدة الثابتة، وتستنير باجتهادات أئمة السلف الصالح، وتنطلق تلك القراءة من النظرة العلمية الشمولية المتكاملة التي تتبرأ من المنهجية التطويعية، والنظرات التجزيئية الحماسيّة المهلكة، والانطباعات العاطفيّة، والتأثر السلبيِّ بما يموج به العالم من أحداث ومواقف غير منصفة للإسلام والمسلمين على حد سواء!

ص: 3

لقد كان حريًّا بأولئك الذين أفتوا بمشروعية أو مباركة هذه الظاهرة الخطيرة التي عمَّت بها البلوى وأوشكت أن تقضي على مقاصد الشرع برمتها التزام العلميّة والموضوعيَّة والتجرد كما هو منهج المحققين من أئمة السلف الصالح في تعاملهم مع مستجدات العصر، ذلك المنهج الذي يملي على من توافرت فيه أهلية الاجتهاد والإفتاء ضرورة استفراغ طاقته الذهنيَّة والحسيَّة الشاملة والمتكاملة والقائمة على حسن الإحاطة بحقيقة المسألة المجتهد فيها عملا بالقاعدة الأصولية الناصعة المتفق عليها لدى المحقِّقين من أهل العلم بالأصول: الحكم على شيء فرع عن تصوره.

وفضلًا عن ذلك، لقد كان حقيقًا عليهم - في خضم بحثهم عن حكم الله في هذه المسألة - التفريق بين ثبوت الحكم بدليله الشرعيِّ وبين تنزيل ذلك الحكم وتطبيقه على حادثةٍ من الحوادث، فثبوت الحكم بدليله الشرعيِّ في الكتاب والسنَّة لا يعني - بأي حالٍ من الأحوال - نهاية مطاف الهمِّ الاجتهاديِّ، وإنَّما ينبغي أن يعقبه اجتهادٌ آخر سمَّاه الأصوليُّون ذات يومٍ تحقيق المناط، ومقتضى هذا الاجتهاد التحقق من مدى انطباق الحكم الشرعيِّ على حادثةٍ بعينها دون غيرها.

ص: 4

وأما أولئكم العالمون الذين أفتوا بتجريم هذه الظاهرة وبيان زيف الآراء المباركة إياها، فقد كان قمنًا بهم تأصيل القول في حقيقة هذه الظاهرة بصورة علمية رصينة، كما كان حريا بهم تحرير القول في عدم وجود أدنى رحم بين هذه الظاهرة وفريضة الجهاد التي شرعها الله وأمر بها في قوله:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} * {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:39-40] وفضلا عن ذلك، فإنه من الحقيق على المحققين من أهل العلم تأصيل القول في حكم الشرع فيمن تورط في هذه الظاهرة بناءً على غبش في الرؤية، وضعف في البصيرة، وخلطٍ في المفاهيم والمنطلقات.

ص: 5

وتأسيسًا على هذا، فإنّ هذه الورقة ارتأت أن تعنى بتحقيق القول تحقيقا علميا رصينا في مفهوم هذا المصطلح تمهيدًا لبيان حكم الشرع المناسب له، حتى إذا ما تبدى مفهومه بصورة علمية موضوعية رصينة، حق له البوح بحكم الشرع فيمن ابتلي بهذه الظاهرة، وسيعقب ذلك نظرة في مدى انطباق ذلك المفهوم على عدد من الأحداث الأخيرة التي عانت ولا تزال تعاني منها العديد من الديار الإسلامية في هذا العصر الذي غدا فيه المنهج النبوي الحصيف في التغيير والدعوة كبريتا أحمر! وستنتظم الدراسة ثلاثة مباحث، يُعنى أولها بضبط المراد بمصطلح الإرهاب وأشكاله من منظور شرعيٍّ، وسيتصدى المبحث الثاني لبيان حكم الشرع في الإرهاب، وأما المبحث الثالث فسيكون حديثا ضافيا حول مدى انطباق حكم الإرهاب على تلكم الأحداث المؤلمة التي تجتاح العديد من الديار الإسلامية شرقا وغربا في هذه الأيام؛ وستوظف الدراسة المنهج التحليلي النقدي في نسج خيوطها، والربط بين فقراتها وموضوعاتها.

والله نسأل أن يجعل الإخلاص والتوفيق حليفنا، وأن يعصمنا من الزلل والخطل، ويأخذ بأيدي الغالين والمتطرفين ويعيدهم إلى الجادة وسواء السبيل، إنه ولي ذلك، وعليه قدير.

ص: 6