الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشكل الرابع: إرهاب غير الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به
ويراد بهذا الشكل الترويع الحسيُّ أو المعنويُّ المقصود لغير الآمن بأمان الدين والدار (الحربيِّ في لغة الفقهاء) لتحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوع به متمثَّلٍ في الدفاع عن المقاصد الكليَّة الخمسة من حماية للدين، والنفس والعرض والعقل والمال، فضلًا عن صيانة البيضة.
وأما حكم هذا النوع من الإرهاب، فإنَّه يعد واجبًا ومأمورًا به في الشرع، ذلك لأنَّ الحفاظ على المقاصد الكليَّة الخمسة كلِّها أو بعضها ورد الأمر الصريح في آياتٍ كثيرة سبقت الإشارة إليها. ولأنَّ المرهب (=الحربيِّين) ليس أهلًا لا لأمان الدين أو أمان الدار، بل هو عدو يتربَّص بدار الإسلام وأهله، وهذا ما يجعل مكافحتهم والرد عليهم واجبًا يسأل عنه ولي الأمر يوم القيامة، وقد وردت الإشارة إلى هذا النوع من الإرهاب في آيات كثيرة من الذكر الحكيم، منها قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60] . وقوله جل جلاله: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران: 151]، وقوله {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] ، وقوله:
{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب: 26] . وفي الحديث: «أوتيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ قبلي من الأنبياء، منها: نصرت بالرعب مسيرة شهرٍ» (1) .
(1) نص الحديث: «أعطِيتُ خمسًا لم يعطهنَّ أحد قبلي: نُصِرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيُّما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلَّت لي المغانم ولم تحل لأحدٍ من قبلي، وأعطِيت الشَّفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصَّة وبُعثت إلى الناس عامَّة» . فتح الباري، ج1، ص 435، حديث رقم (335) .
على أنَّ قولنا بمشروعية هذا النوع من الإرهاب لا يعني بأي حال من الأحوال فتح الباب لكل فردٍ من أفراد المجتمع للقيام بهذا الأمر دون رجوع إلى ولي الأمر الشرعي، بل يجب استئذان الإمام في القيام بهذا الإرهاب، فالإمام هو المسؤول في شرعنا عن إعلان الجهاد، وليس الأفراد ولا الجماعات، كما أن الإمام هو المسؤول في شرعنا عن تجهيز الجيوش، وليس الأفراد أو الجماعات، وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - لا يخرجون لجهاد إلا بإذن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحادثة الحديبية تعدّ من أوضح الأدلة الدالة على كون إعلان الجهاد والقيام به من مهام ولي الأمر وليس الأفراد. وبالرجوع إلى الكتب المؤلفة في الأحكام السلطانية يجد المرء ثمة اتفاقا على تحريم إعلان الأفراد والجماعات الجهاد المسلّح دون إذن الإمام وتفويض منه. وبطبيعة الحال، إذا لم يعلن ولي الأمر الجهاد، فإنه يتحمّل المسؤولية التامة عند الله، ولن يسأل عنه الأفراد يوم القيامة. وقد سبق أن أصَّلنا القول في أنَّ آية الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ} خطاب لأولي الأمر، وليس خطابًا للأفراد والجماعات كما يتوهّم بعضهم وذلك بدلالة سباقاتها وسياقاتها ولواحقها. فالنظرة الموضوعية الشمولية في تلك الآية سباقا وسياقًا تهدي إلى تقرير القول بأن المأمور بهذا الأمر هو ولي أمر المسلمين وليس الأفراد، وفضلا عن هذا، فإن المعلوم في شرعنا أنّ المسؤول عن تجهيز الجيوش (إعداد القوة) هو الإمام وليس الأفراد، ويجب على الأفراد والجماعات طاعة الإمام والصدور عن حكمه.