الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نتائج البحث
بفضل الله وتوفيقه، توصلت في هذه الدراسة المتواضعة إلى جملةٍ حسنةٍ من النتائج، تلخيصها في النقاط الآتية:
أولاً: ليس في القرآن الكريم ولا السنة النبويَّة تعريف واضح صريح للإرهاب، وقد وردت مادة الإرهاب ومشتقاته في عددٍ من آيات الذكر الحكيم، ويراد بها في تلك الآيات، الخوف، والتخويف والترويع، والتقرب إليه طمعًا في رحمته وخوفًا من عذابه.
ثانيًا: ثمة تعريفات متعددة لمصطلح الإرهاب، غير أنَّها برمَّتها تفتقر إلى العلميَّة والموضوعيَّة، ذلك لأنَّها تتضمن تعميمًا في الحكم والهدف، ولا تحاول ضبط حقيقة هذا الفعل وجوهره بصورة موضوعيَّة ومنهجيَّة. وينطبق هذا الأمر على التعريف الذي انتهى إليه السادة الفقهاء في مجمع البحوث الإسلاميَّة، ومفكرو مكتب التحقيقات الفيدراليَّة FBI. /50 ثالثًا: إنَّه من المتعذر شرعًا وقانونًا تقرير حكمٍ شرعيٍّ أو قانونيٍّ معيَّن واحدٍ للإرهاب ذلك لأنَّ له أشكالًا وأهدافًا مختلفة ومتعددة، وبالتالي، فإنَّ تحديد حكمه الشرعيِّ أو القانونيِّ مرهون بتحديد أهدافه وأشكاله تحديدًا محكمًا. وبناءً على هذا، بيَّنت الدراسة عدم سداد التعريف والحكم العامِّ الذي انتهى إليهما السادة الفقهاء في مجمع البحوث، ومكتب التحقيقات الفيدرالي لافتقارهما إلى الموضوعيَّة والمنهجيَّة عند صياغة التعريفات، ولعدم التزامهما بالمبدأ المنطقيِّ الذي يقرِّر بأنَّ الحكم على شيءٍ فرعٌ عن تصوره، وما لا تعرف حقيقته لا يعرف حكمه شرعًا وقانونًا.
رابعًا: توصلت الدراسة إلى تعريف الإرهاب من منظور شرعيٍّ بأنَّه عبارة عن الترويع الحسيِّ أو المعنويِّ المقصود للآمن بأمان الدين أو الدار، أو لغير الآمن بأمانهما، من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به أو مظنونٍ فيه، أو من أجل تحقيق غرضٍ غير شرعيٍّ معتبر مطلقًا. كما أوضحت الدراسة أنَّ للإرهاب وفق التصور الذي تبنيناه ستَّة أشكال، أولها: إرهاب الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به، والشكل الثاني، يراد به إرهاب الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مظنونٍ فيه، والشكل الثالث، هو إرهاب الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ غير شرعيٍّ معتبر مطلقًا، وأما الشكل الرابع، فيراد به إرهاب غير الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به، والشكل الخامس، يراد به إرهاب غير الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مظنون فيه، وأما الشكل السادس، فيراد به إرهاب غير الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ غير شرعيٍّ مطلقًا.
خامسًا: أوضحت الدراسة أنَّ مصدر الأمان في المذهبيَّة الإسلاميَّة، هو الدين والدار، والمراد بالدين هو الدين الإسلاميُّ الذي ارتضاه الله للناس، وأما الدار، فالمراد بها دار الإسلام ودار العهد، فالمسلم يعد بسبب إسلامه آمنًا ومعصوم الدم والمال والعرض، ويعد كلُّ مقيمٍ في دار الإسلام أو في دار العهد آمنًا بأمان الدار، ومعصوم الدم والمال والعرض بغضِّ النظر عن كونه مسلمًا أو معاهدًا أو مستأمنًا. ويراد بدار الإسلام في الذهنيَّة الفقهيَّة العامَّة، الدار التي تكون فيها أحكام الشرع ظاهرةً، ويتمكن المسلمون من ممارسة شعائرهم فيها بأمن وأمانٍ. وأما دار العهد، فيراد بها الدار التي يكون بينها وبين دار الإسلام ميثاق وعهد وموادعة، ويغلب على سكانها كونهم معاهدين غير مسلمين، وأما دار الحرب، فإنَّه يراد بها تلك الدار التي بينها وبين دار الإسلام حربٌ قائمةٌ وعداوة واضحةٌ، ولا يأمن فيها المسلمون بممارسة شعائرهم بأمانٍ.
سادسًا: قرَّرت الدراسة بأنَّ الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة تعد وفق التقسيم الفقهيِّ للدار، دار عهدٍ لما بينها وبين عددٍ من الديار الإسلاميَّة (الدول الإسلاميَّة) من معاهدات ومواثيق تنصُّ على تحريم الاعتداء على الدماء والأعراض والأموال، وأما إسرائيل، فإنَّها تعد دار حربٍ لما بينها وبين معظم الديار الإسلاميَّة وخاصَّة دولة فلسطين من حربٍ ضروس قائمةٍ. وأما أفغانستان، فإنَّها تعد دار إسلامٍ، لأنَّ أحكام الإسلام ظاهرة فيها، ويمارس المسلمون شعائرهم فيها بأمان وأمن. وبناءً على هذا، توصلت الدراسة إلى تقرير القول بتحريم ترويع الآمن بأمان الدين أو بأمان الدار تحريمًا مطلقًا بغض النظر عن الهدف الذي يروم المروِّع تحقيقه، وبغضِّ النظر عن التأويلات المخالفة للنصوص الصريحة الواضحة المجرِّمة الاعتداء على دم الآمن وماله وعرضه. وبما أنَّ الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة دار عهدٍ، والسعودية والمغرب دارا إسلام، لذلك، فلا يجوز ترويع الآمنين في هذه الديار كلها لتحقيق غرض شرعيٍّ مقطوعٍٍ به أو مظنونٍ فيه.
سابعًا: أصّلت الدراسة القول في أن إرهاب الأفراد والجماعات للآمنين محرَّم قطعا بنصوص الكتاب والسنة الصحيحة بغض النظر عن نبل أو شرف الأهداف والغايات الموهومة التي تكون وراءها، وأما إرهاب غير الآمنين، فإنه هو الآخر حرام على الأفراد والجماعات، وينبغي أن يقوم به ولي الأمر أو من يأذن له أو يفوّضه، ذلك لأن إعلان الجهاد وتجهيز الجيوش يعد من اختصاصات ولي الأمر ووظائفه، ولا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر الافتئات عليه في هذا الشأن كما وردت بذلك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة.
ثامنًا: أوضحت الدراسة بأن آية الأنفال الداعية إلى إرهاب العدو خطاب لأولي الأمر وليست خطابا للأفراد والجماعات الخارجة على طاعة ولي الأمر، ويدل على هذا سباقات الآية وسياقاتها ولواحقها، وهذا الإرهاب مشروط بأن يكون دفاعيا لا هجوميًّا، فالإسلام لا يجبر أحدا على اعتناق مبادئه، ويحرم على أتباعه بدء مخالفيهم بالقتال، فالجهاد المسلح المشروع دفاعي في طبعه، وإنساني في غايته، وحضاري في أسلوبه ومنهجه. وأي إخلال بهذه الأبعاد في الجهاد المسلح يعد مخالفة صارخة لتعاليم الإسلام ومبادئه ومقاصده.
تاسعًا: انتهت الدراسة إلى تقرير القول بأن إرهاب الآمنين لتحقيق غايات شرعية مقطوع بها أو مظنون بها، يعد من جنس الحرابة التي أمر الله بإنزال أقسى العقوبات بالمتورطين فيها إذا لم يتوبوا قبل أن يقدر عليهم. وإنما كان ذلك حرابة لما ينتج عنه في الغالب الأعم من سفك للدماء وهتك للأعراض وإتلاف للأموال، ويستحق من فعل أيّا من هذه الجرائم عقوبة الحرابة المغلظة ردعا لغيره، وحماية للبيضة. ولا يشفع للإرهاب الفردي أو الجماعي نبل الغاية أو المقصد، فالغاية الحميدة التي يتوصل إليها بوسيلة محرمة تعد غاية موهومة وباطلة، ولا سداد فيها ألبتة. على أنه لم تفت الدراسة تأصيل القول في استحقاق بعض أشكال الإرهاب عقوبة التعزير كما هو الحال في ترويع غير الآمن لتحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوع أو مظنون به دون إذن وتفويض من الإمام.
عاشرا: بناءً على موقع الدول الثلاث (السعودية والمغرب والولايات المتحدة) من التقسيم الفقهيِّ للدار، فإنَّ الأحداث الأخيرة التي جرت في الولايات المتحدَّة لا يقرُّها الإسلام ولا يدعو إليها، بل هي خروج عن منهجه السويِّ القائم على التسامح والسلام واحترام المواثيق والمعاهدات، فضلًا عن أنَّ الإسلام لا يبيح للأفراد أو الجماعات الاعتداء على دماء الأبرياء، وهتك الأعراض، وإبادة الممتلكات بدعوى الجهاد ضدَّ الكفَّار، فإعلان الجهاد ضدَّ أهل دار العهد أو دار الحرب، يعد حقًّا خاصًّا للإمام أو من يفوِّضه، وإذ الأمر كذلك، فإنَّه لا يجوز لمؤمن بالله ورسوله الافتئات على الإمام والدعوة إليه دون إذن أو تفويضٍ. ولا يصح الاستناد إلى تأويلاتٍ سائغةٍ وغير سائغةٍ لتحليل هذا الأمر، وخاصَّة أنَّ ثمَّة نصوصًا قطعيَّة صريحة وردت تأمر بالبرِّ والإحسان إلى المعاهدين في دار العهد ما داموا على عهدهم.
وأخيرًا: إنَّ الأحداث التي جرت ولا تزال تجري في الديار السعودية والمغرب، تعد حرابةً ولا يصح إقحام الإسلام فيها، وتعد الجماعات المتورطة مخالفة لحكم الشرع ومقاصده، ولا يمكن بأي حال من الأحوال عد عملهم جهادًا، فالجهاد كل الجهاد أرفع وأسمى من أن يبيح لهم سفك دماء الآمنين، وهتك الأعراض، وإتلاف الأموال وإضاعتها، فإنَّ المشاركين في تلك الهجمات يعدون في الحسِّ الإسلاميِّ معتدين ومحاربين، ولا يقبل منهم أيُّ تأويل لأعمالهم الشنيعة المشوِّهة لصورة الإسلام ونصاعته.
وبهذا، نصل إلى نهاية هذه الدراسة آملين أن نكون قد وفِّقنا إلى إبراز وجهة النظر الشرعيَّة في هذه القضية الشائكة المعقَّدة، فإن كان الصواب قد حالف ما انتهينا إليه، فإنَّ ذلك من فضل الله وتوفيقه، وإن كان العكس، فإنَّني أسأل الله العفو والمغفرة، وأن يزيدنا علمًا وفقهًا في دينه، ويبصِّرنا في ديننا، والله أعلم بالصواب.
أعدها العبد الفقير العاصي / أبو محمد
قطب مصطفى سانو
نزيل كوالالمبور، ماليزيا، جنوب شرق آسيا.