الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل وقد وصف الله أبوابها أنها مغلقة عَلَى أهلها
فَقَالَ: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة: 8].
وقال تعالى: {عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البلد: 20].
قَالَ مجاهد: هي بلغة قريش: أسد الباب أي: أغلقه يعني قوله {مُؤْصَدَةٌ} .
وقال مقاتل: يعني أبوابها مطبقة عليهم، فلا يفتح لها باب، ولا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح، آخر الأبد.
وقد ورد في ذلك حديث مرفوع، خرّجه ابن مردويه، من طريق شجاع بن أشرس قَالَ: حدثنا شريك، عن عاصم، عن أبى صالح، عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} قال: مطبقة" (1) ولكن رفعه لا يصح.
فقد خرّجه آدم بن أبي إياس، في تفسيره، عن شريك بهذا الإسناد، موقوفًا عَلَى أبي هريرة، ورواه إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، من قوله، ولم يذكر فيه أبا هريرة. وكذاك قَالَ عطاء الخراساني وغيره في المؤصدة: إنها المطبقة.
وعن الضحاك قَالَ: حائط لا باب له، ومراده -والله أعلم- أن الأبواب أطبقت فصار الجدار، كأنه لا باب له.
وقوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 8، 9].
معناه: أطبقت عليهم بعمد.
(1) أخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير (4/ 549) قَالَ ابن كثير: وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن أسد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قوله، ولم يرفعه.
قَالَ قتادة: وكذلك هو في قراءة عبد الله بعمد بالباء.
قَالَ عطية: هي عمد من حديد في النار.
وقال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم، ثم شدت بأوتاد من حديد، حتى يرجع عليهم غمها وحرها.
وعلى هذا فقوله: {مُمَدَّدَةٍ} صفة للعمد يعني أن العمد التي أوثقت بها الأبواب ممددة مطولة، والممدود الطويل أرسخ وأثبت من القصير.
وفي تفسير العوفي عن ابن عباس، في قوله:{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قَالَ: هي عليهم مغلقة، أدخلهم في عمد، فمدت عليهم بعماد، وفي أعناقهم السلاسل، فسدت بها الأبواب (1).
وقيل: إن الممددة صفة للأبواب. رواه شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس (2).
وقيل: المراد بالعمد المددة: القيود الطوال.
رواه إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح.
وروى أبو جناب (*) الكلبي، عن زبيد، عن إبراهيم، قَالَ عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى:{عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قَالَ: هي الأدهم، وقد تقدم أن عبد الله كان يقرؤها بعمد، والأدهم: الغيل (**).
وكذا قَالَ ابن زيد في قوله: {عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قَالَ: في عمد من حديد مغلولين فيه، وكذلك العمد من نار وقد احرقت بالنار، فهي نار ممددة لهم.
وقيل: إن المراد بالعمد الممددة: الزمان الَّذِي لا انقطاع له، قاله أبو فاطمة.
وقال السدي: من قرأها في عمد يعني بالفتح، فهي عمد من نار، ومن قرأها في عمد بالضم، فهو أجل ممدود.
(1) أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(30/ 295) بإسناد مسلسل بالضعفاء.
(2)
كما في تفسير ابن كثير (4/ 549) بهذا الإسناد.
(*) في الأصل: "خباب" والصواب ما أثبتناه.
(**) في المطبوع: "القيد".
وقال سعيد بن بشير عن قتادة: {مُؤْصَدَةٌ} أي مطبقة، أطبقها الله عليهم، فلا ضوء فيها، ولا فرج، ولا خروج منها آخر الأبد.
وهذا الإطباق نوعان:
أحدهما: خاص لمن يخلد في النار، أو من يريد الله التضييق عليه، أجارنا الله من ذلك.
قَالَ أبو توبة اليزني: إن في النار أقوامًا مؤصدة عليهم، كما يطبق الحق عَلَى طبقه. خرّجه ابن أبي الدُّنْيَا.
والثاني: الإطباق العام، وهو إطباق النار عَلَى أهلها المخلدين فيها.
وقد قَالَ سفيان، وغيره، في قوله تعالى:{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103] قَالَ: هو إطباق النار عَلَى أهلها.
وفي حديث مسكين أبي فاطمة، عن اليمان بن يزيد، عن محمد بن حمير، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في خروج الموحدين من النار، قَالَ: ثم يبعث الله ملائكة، معهم مسامير من نار، وأطباق من نار، فيطبقونها عَلَى من بقي فيها، يسمرونها بتلك المسامير، يتناساهم الجبار عَلَى عرشه من رحمته، ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم خرّجه الإسماعيلي وغيره، وهو حديث منكر، قاله الدارقطني (1).
وروى ابن أبي حاتم بإسناده، عن سعيد بن جبير، قَالَ: ينادي رجل في شعب من شعاب النار مقدار ألف عام: يا حنان يا منان.
فيقول الله تعالى: يا جبريل، أخرج عبدي، فيجدها مطبقة، فيقول: إنها مطبقة عليهم مؤصدة مطبقة (*).
(*) كذا بالأصل.
(1)
وقال الذهبى في الميزان (4/ 461) في ترجمة يمان بن يزيد، عن محمد بن حمير بخبرٍ طويل في عذاب الفساق، أظنه موضوعًا.
وقال قتادة: عن أبي أيوب العتكي، عن عبد الله بن عمرو: إذا أجاب الله أهل النار بقوله: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] أطبقت عليهم، فلم ييأس القوم إلَاّ بعد تلك الكلمة، وإن كان إلَاّ الزفير والشهيق (1).
وقال أبو الزعراء، عن ابن مسعود: وإذا قِيلَ لَهُم {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} أطبقت عليهم فلم يخرج منهم أحد (2).
وقال أبو عمران الجوني: إذا كان يوم القيامة، التي أمر الله بكل جبار عنيد، وكل شيطان مريد، وكل من يخاف الناس شره في الدُّنْيَا، فإذا وثقوا في الحديد، ثم أمر بهم إِلَى جهنم، ثم أوصدوها عليهم، قَالَ: فلا والله، لا تستقر أقدامهم عَلَى قرار أبدًا، ولا والله، لا ينظرون فيها إِلَى أديم السماء أبدًا، ولا الله، لا تلتقي جفون أعينهم عَلَى غمض أبدًا، ولا والله، لا يذوقون فيها بارد شراب أبدًا.
وفي معنى إطباق النار عَلَى أهلها، يقول بعض السَّلف رضي الله عنهم: ألبسوا النضيح من النحاس، ومنعوا خروج الأنفاس، فالأنفاس في أجوافهم تتردد، والنيران عَلَى أبداتهم تتوقد، وقد أطبقت عليهم الأبواب، وغضب عليهم رب الأرباب.
وأنشد بعضهم في هذا:
لو أبصرتْ عيناكَ أهلَ الشَّقَا. . . سِيقُوا إلى النارِ، وقدْ أُحرِقُوا
يَصْلَونَها حينَ عَصَوا ربهم. . . وخالفُوا الرسلَ وما صدَّقُوا
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(13/ 152 - 153) برقم (15969)، وعنه ابن أبي الدُّنْيَا في "صفة النار"(168) بمعناه.
(2)
هو قطعة من حديث طويل أخرجه الطبراني في "الكبير"(9/ 9761)، والحاكم (4/ 598 - 600) وقال: هذا حديث صحيح عَلَى شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي بقوله: ما احتجا بأبي الزعراء. وأخرجه البيهقي في "البعث"(598).
تقولُ أخرَاهُم لأولاهُمُ. . . في لجج المهلِ وقد أغْرِقُوا
قد كنتمُ حُذِّرتمُ حرهَا. . . لكنْ من النيرانِ لم تَفْرَقُوا
وجيءَ بالنيرانِ مزمُومةً. . . شَرَارُهَا مِنْ حولِهَا مُحرقُ
وقيلَ للنيرانِ أنْ أحرِقي. . . وقيلَ للخُزانِ أنْ أَطبقُوا
وقد وردَ في بعضِ أحاديثِ الشفاعةِ، فتحُ بابِ النارِ، فخرجَ الطبرانيُّ (1) من روايةِ العباسِ بنِ عوسجةَ، حدثني مطر أبو مُوسى مولَى آل طلحةَ، عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّى آتي جهنَّم، فأضربُ بابَها، فيفتحُ لي، فأدخُلها، فأحمدُ اللَّهَ بمحامد ما حمَدهُ بها أحدٌ قبلي مثلَهَا، ولا يحمدُه أحدٌ بعدي، ثم أخرجُ منها من قالَ: لا إلهَ إلا اللَهُ مخلصًا، فيقومُ إليَّ ناسٌ من قريشٍ فينتسبونَ إليَّ، فأعرف نسبَهُم، ولا أعرفُ وجوهَهُم، فأتركهم في النارِ".
إسنادُه ضعيفٌ.
* * *
(1) في "الأوسط" برقم (3845) مطولاً، وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن العباس بن عوسجة إلَاّ أبو معشر البراء، تفرد به أبو كامل الجحدري.
وقال الهيثمي في المجمع (10/ 379): رواه الطبراني في "الأوسط" عن شيخه علي بن سعيد الرازي، وفيه لين، وفيه من لم أعرفه.