الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في طلب أهل النار الخروج منها
قَالَ الله عز وجل: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا (1) فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 106 - 108].
وقال تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكم مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77].
وفي حديثِ الأعمشِ، عن شمرِ بنِ عطية، عن شهرِ بنِ حوشب، عن أمِّ الدَّرداءِ، عن أبي الدَّرداءِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في ذكرِ أهلِ النَّارِ قال:"فيقُولونَ: ادعُوا خزنةَ جهنمَ" فيقُولونَ: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 50]. قال: "فيقُولونَ ادعُوا مالكاً، فيقُولُونَ": {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]. قال الأعمشُ، نُبئتُ أنَّ بينَ دُعائِهم وبين إجابةِ مالكٍ لهم ألفَ عامٍ، قال: فيقُولُون: ادعُوا ربَّكم فلا أحد خير من ربكم فيقُولُون: (رَبَّنَا غَلَبَتْ
(1){اخسؤوا} أي امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء.
عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمن: 106، 107].
قال فيُجِيبُهم: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108].
قَالَ: فعند ذلك، يئسوا من كل خير، وعند ذلك، يأخذون في الحسرة والزفير والويل". خرّجه الترمذي (1) موقوفًا عَلَى أبي الدرداء.
وروى أبو معشرٍ، عن محمدِ بن كعبٍ القُرظى، قال: لأهلِ النارِ خمسُ دعواتٍ، يكلَّمونَ في أربع منها، ويُسكتُ عنهم في الخامسةِ، فلا يكلَّمونَ، يقولون:{رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر: 11].
فيردُّ عليهم: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [غافر: 12].
ثمَّ يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12].
فيردُّ عليهم: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُل نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] إلى آخر الآيتين.
ثمَّ يقولون: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [إبراهيم: 44].
فيردُّ عليهم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إبراهيم: 44].
(1) برقم (2586) مرفوعًا وقال الترمذي: قَالَ عبد الله بن عبد الرحمن -يعني الدارمي-: والناس لا يعرفون هذا الحديث، قَالَ: إِنَّمَا رُوي هذا الحديث عن الأعمش، عن شمر ابن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداه قوله، وليس بمرفوع.
وأخرجه موقوفًا عَلَى أبي الدرداء ابن أبي الدُّنْيَا في "صفة النار"(84) من طريق الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء قوله.
ثم يَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37].
فيرد عليهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37].
ثم يَقُولُونَ: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 106، 107].
فيرد عليهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} إلى قولِهِ: {وكنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 108 - 110].
قَالَ: فلا يتكلمون بعد ذلك، خرّجه آدم بن أبي إياس وابن أبي حاتم.
وخرج ابن أبي حاتم، من رواية قتادة، عن أبي أيوب العتكي، عن عبد الله بن عمرو، قَالَ: نادى أهل النار {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك} [الزخرف: 77] قَالَ: فخلى عنهم أربعين عامًا، ثم أجابهم:{إِنَّكُم ماكِثُونَ} .
فقالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} .
قَالَ: فخلى عنهم مثل الدُّنْيَا، ثم أجابهم:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108].
قَالَ: فأطبقت عليهم، فيئس القوم بعد تلك الكلمة، وإن كان إلَاّ الزفير والشهيق (1).
وعن عطاء بن السائب، عن الحسن، عن ابن عباس، في قوله تعالى:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا ربُّكَ} قَالَ: فيتركهم ألف سنة، ثم يقول: قال: فيتركُهم ألفَ سنةٍ ثم يقولُ: {إِنَّكُم مَّاكثونَ} . وخرَّجهُ البيهقيُّ (2) وعندَه عن عطاءٍ، عن عكرمةَ عن ابنِ عباسٍ.
وقال سُنَيدٌ في "تفسير": حدثنا حجاج، عن ابنِ جريج قال: نادَى أهلُ النَّارِ
(1) وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (13/ 152 - 153) برقم (15969)، وهناد في "الزهد"(214).
(2)
في "البعث والنشور"(645).
خزنةَ جهنمَ أنْ {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ} [غافر: 49] فلم يجيبُوهم ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أجابُوهم بعدَ حينٍ وقالُوا لهُم:{فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَاّ فِي ضَلالٍ} [غافر: 50] ثمَّ نادَوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] فيسكُتُ عنهم مالكٌ، خازنُ جهنمَ، أربعينَ سنةً، ثمَّ أجابَهم:{إِنَّكُم مَّاكِثونَ} [الزخرف: 77] ثُمَّ نادَى الأشقياء ربَّهم: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا} [المؤمنون: 106] الآيتين، فسكتَ عنهم مثلَ مقدارِ الدنيا، ثمَّ أجابَهم بعدُ:{اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمونِ} [المؤمنون: 108].
ورَوى صفوانُ بنُ عمرٍو، قال: سمعتُ أيفعَ بنَ عبدٍ الكُلاعي، يقولُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النَّارِ النارَ"، قالَ اللَهُ: يا أهلَ الجنةِ، {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون: 112، 113] قال: نعم ما اتجرتُم في يوم أو بعضِ يوم رحمتي ورضواني وجنتي، امكُثوا فيها خالدين مخلدينَ، ثم يقولُ لأهلِ النَّارِ:{كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فيقول: بئسَ ما اتَجرتُم به في يوم أو بعضِ يومٍ، سخطِي، ومعصيتي، ونارِي، امكُثُوا فيها خالدين مخلدينَ، فيقولون:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] فيقولُ: {اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] فيكونُ ذلك آخرُ عهدهِم بكلام ربهم عز وجل. خرَّجَه أبو نُعيمٍ (1)، وكذا رواه أيفعُ مرسلاً.
وقال أبو الزعْراءِ، عن ابنِ مسعودِ: إذا أرادَ اللَهُ أن لا يُخرِجَ منها أحدًا، غيرَ وجوهِهِم وألوانِهم، فيجيءُ الرجلُ من المؤمنين، فيشفعُ فيقولُ: يا ربِّ، فيقال: من عرف أحدًا فليخرجه، قَالَ: فيجيء الرجل من المؤمنين، فينظر فلا يعرف أحدًا، فيناديه الرجل فيقول: يا فلان أنا فلان، فيقول: ما أعرفك! قَالَ: فعند ذلك يَقُولُونَ في النار: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] فيقولُ عندَ ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، فإذا قال ذلك أُطبِقَتْ عليهم، فلم يخْرجْ منهم أحدٌ.
(1) في "الحلية"(5/ 132) وقال: وأسنده أيفع عن معاوية بن أبي سفيان وغيره.
وفي روايةٍ، قال ابنُ مسعودٍ: ليسَ بعدَ هذه الآيةِ خروجٌ: {اخْسئُوا فِيهَا وَلا تكَلِّمُونِ} .
وذكَرَ عبدُ الرزاقِ في تفسيرِهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ عيسى، عن زيادٍ الخُرسانيِّ، أسندَهُ إلى بعضِ أهلِ العلم، قال: إذا قيلَ لهم: {اخْسَئوا فِيهَا وَلا تكَلِّمُونِ} سكتُوا، فلا يُسمَعُ لهم فيها حسٌّ إلا كطنينِ الطِّستِ.
* * *