الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر أول من يدخل النار من عصاة الموحدين
خرج الإمام أحمد (1) من حديث أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد، وعبد مملوك لا يشغله رق الدُّنْيَا عن طاعة ربه، وفقير متعفف ذو عيال، وأول ثلاثة يدخلون النار: فأمير متسلط، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله، وفقير فخور".
وخرج الترمذي (2) أوله وقال: حديث حسن.
فهؤلاء الأصناف الثلاثة من أهل النار، وضد الأصناف الثلاثة من أهل الجنة المذكورين في حديث عياض بن حمار، فإن السلطان المسلط ضد العادل المحسن، والغني الَّذِي يمنع حق الله ضد الرحيم الرقيق القلب بذي القربى وكل مسلم، والفقير الفخور ضد المتعفف الصابر عَلَى شدة الفقر وضره.
وأوصاف هؤلاء الثلاثة هي: الظلم، والبخل، والكبر، والثلاثة ترجع إِلَى الظلم، لأنّ المسلط يظلم الناس بيده، والبخيل يظلم الفقراء بمنع حقوقهم الواجبة في ماله، والفقير الفخور يظلم الناس بفخره عليهم، بقوله، وأذاه لهم بلسانه.
وفي صحيح مسلم (3)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في حديث طويل ذكر فيه المقاتل والقارئ والمتصدق الذين يراءون بأعمالهم،
(1)(2/ 425، 479).
(2)
برقم (1642).
(3)
برقم (1905).
وقال: "أولئك أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة يا أبا هريرة".
فقد يجمع بين هذا الحديث والذي قبله، بأن هؤلاء الثلاثة أول من تسعر بهم النار، وأولئك الثلاثة أول من يدخل النار وتسعير النار أخص من دخولها، فإن تسعيرها يقتضي تلهيبها وإيقادها، وهذا قدر زائد عَلَى مجرد الدخول، وإنما زاد عذاب أهل الرياء عَلَى سائر العصاة، لأنّ الرياء هو الشرك الأصغر، والذنوب المتعلقة بالشرك أعظم من المتعلقة بغيره.
وقد ورد أن فسقة القراء يبدأ بهم قبل المشركين، فروى عبد الملك بن إبراهيم الجدي، حدثنا عبد الله بن عبد العزيز العمري، عن أبي طوالة، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الزبابية أسرع إِلَى فسقة القراء منهم إِلَى عبدة الأوثان"، فيَقُولُونَ:"يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان؟ فيقال لهم: ليس من علم كمن لا يعلم".
خرّجه الطبراني (1) وأبو نعيم (2) وقال: غريب من حديث أبي طوالة، تفرد به عنه العمري، انتهى.
والعمري هذا هو أبو عبد الرحمن الزاهد رحمه الله.
وقد ذكرنا، في الباب الخامس والعشرين، أحاديث متعددة في خروج عنق من النار يوم القيامة، تتكلم، وأنها تلتقط من صفوف الخلق: المشركين والمتكبرين وأصحاب التصاوير، وفي رواية "ومن قتل نفسًا بغير نفس، فينطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام".
وروى ابن عباس وغيره من السَّلف، وإن ذلك يكون قبل نشر الدواوين ونصب الموازين.
(1) قَالَ ابن حبان في المجروحين (1/ 210): وهذا خبر باطل، ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أنس رواه، وأبو طوالة اسمه عبد الله بن الرحمن بن عمرو بن حزم الأنصاري، من ثقات أهل المدينة، ليس هذا من حديثه، فكان إِلَى أنّه معمول أميل.
(2)
في "الحلية"(8/ 286). وقال العجوني في "كشف الخفاء"(1/ 533) رواه الطبراني وأبو نعيم في "الحلية" عن أنس رضي الله عنه، والحديث منكر أو موضوع.
وحكم عَلَى الحديث بالنكارة الذهبي في الميزان (6/ 561 - علمية).
وجاء في حديث مرفوع، وإن ذلك يكون قبل حساب الناس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
تم الكتاب بحمد الله وحسن توفيقه، فالحمد لله، ولا إله إلَاّ الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله العلي العظيم.
وقد وقع الفراغ من نسخه صبح الخميس رابع يوم من شهر ربيع الآخر من سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف من الجرة النبوية، عَلَى مهاجرها أفضل الصلاة والسلام، عَلَى يد الفقير إِلَى ربه، المقر بالذنب والتقصير الراجي عفو ربه وإحسانه صالح بن عبد العزيز بن مرشد، غفر الله له ذنوبه، وثبته عَلَى دينه، وأحسن له الخاتمة، وغفر لوالديه وذريته وإخوانه وقرابته وجميع المسلمين والمؤمنات، وصلى الله عَلَى نبينا محمد وعلى آله وصحه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا.
***