الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعل هناك صلة بين كتابه وكتب التبشير الصادرة فى بيروت، ولو اجتهد المؤلف فأخطأ مرة وأصاب مرات لالتمسنا له العذر ولكنه ـ وا أسفاه ـ لا يجتهد ولا يبحث، وإنما هو ناسخ فحسب، يتعمد نقل ما يشوه القيم الإسلامية المثالية ويرتمى على أقدام المبشرين والمستشرقين المتعصبين، ويمعن كل الإمعان فى التفاهة والضلال.
وكأنه يعيش فى دولة غير إسلامية ينص دستورها على أن دينها هو الإسلام وينادى رئيسها بشعار " دولة العلم والإيمان ".
إن بقاء هذا المؤلف بين أعضاء هيئة التدريس بكلية آداب عين شمس خطر على البحث العلمى والأمانة التاريخية والفضائل الخلقية والتراث الإسلامى المجيد ".
" على عبد العظيم "
وندع هذا التحامل الجهول على تراثنا وتاريخنا، ونستعرض لوناً آخر من تزوير الحقائق وتضليل الأجيال وتحريف الكلم عن مواضعه لخدمة الإلحاد والاستعمار بدعوى القومية العربية أو الوطنية المصرية.
القومية العربية ومعناها
عندما أغار الاستعمار الحديث على العالم الإسلامى كان عقله الباطن والواعى طافحاً بالحقد على الإسلام وأمته المترامية الأطراف.
كان عقله الباطن والواعى مستغرقاً فى المكر بهذا الدين والقضاء عليه، وكان اتجاهه إلى الاغتيال شاملاً للعقيدة والشريعة على سواء أو للقلب النابض والمظاهر المتحركة جميعاً.
إلا أن عمله لثقب الصدور وتفريغ الإيمان منها وإبقائها جوفاء فارغة كان أحظى وأسرع لإبلاغه مأربه من أى تغيير آخر لأنماط الحياة وأشكالها، ومن ثم استمات فى محاربة الإيمان، وإنشاء أجيال جاهلة بربها ورسولها أى بكتابها وسنتها.
يقول شوقى مناجياً النبى صلى الله عليه وسلم وباكياً تلك الحال:
شعوبك فى شرق البلاد وغربها
كأصحاب كهف فى عميق سبات
بأيمانهم نوران: ذكر وسنة
فما بالهم فى حالك الظلمات؟
والحقيقة أن الاستعمار جرد أيدى المسلمين من الذكر الحكيم والسنة المطهرة، وبنى الثقافات التى احتضنها والنضهات التى أقرها على أن تكون بعيدة كل البعد عن الكتاب والسنة.
وبناء الأمم على غير عقيدة لا يساوى شيئاً.. إن العقيدة فى الكيان الاجتماعى كالقلب فى الجسد الإنسانى، وكالتيار فى المصباح الكهربائى وكالوقود فى الآلة الدوارة.
واجتياح عقيدة فى أمة ما، معناه إبقاؤها على الأرض مجموعة من الناس لا تصلح فى سلم ولا حرب، ولا تكترث إلا لملذاتها الفردية، ولا تصير فى الأسرة الدولية إلا عضواً زرياً يحسن الأكل والسفاد وحسب.
وقد اجتهد الاستعمار أن يوقع بالمسلمين هذه النكبة الماحقة عندما هبط أرضهم، واستباح عرضهم، وقرر سراً وعلناً أن يفتنهم عن دينهم، وألا يسمح لهم بالعيش فى ظله.
يقول الأستاذ أحمد موسى سالم فى كتابه " الإسلام وقضايانا المعاصرة " أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وإلى اليوم ظهرت دعوات وصيغ كثيرة فى بناء القومية العربية، أو فى العمل على تقويضها وتفتيت فكرتها، بعض هذه الدعوات أوحى به الاستعمار، وبعضها أفرزه التخلف وشجعه الشعور المهين بالتبعية الثقافية للغرب، وبعضها يمكن أن يصحح نفسه ويتطور ويقترب من الاتجاه الصحيح.
وفيما يلى نستعرض فى إيجاز عابر صوراً دقيقة بقدر الإمكان لهذه الدعوات أو الصيغ التى يتداولها الفكر فى المجتمع العربى من الخليج إلى المحيط، فى إطار الدعوة للقومية العربية، وذلك منذ سقط الصرح البالى للإمبراطورية العثمانية عن هذا الوليد العربى القوى الغنى الذى يصرخ بطلب الحياة، بينما تمتد مخالب كثيرة لأعدائه تدعى أمومته أو أبوته لتصنع منه عبداً، وتفرض عليه وصاية من خلال حضانتها له بفكر سياسى خاطىء وإن كان له بريق:
1 ـ دعوة قديمة حديثة ترفض الإقليمية والقومية معاً وتنادى بالفكرة العالمية الغربية، وهذه تتردد فى أفكار فردية، أو مدارس فكرية مقنعة، تتحرك هنا وهناك فى مباحث ثقافية ذات طابع تحررى، وهى دعوة تشجعها الصهيونية والاستعمار من قرب أو من بعد.
2 ـ دعوة إقليمية ترفض القومية العربية إيثاراً لوطنيات ضيقة باسم الفرعونية أو الفينيقية أو الآشورية، وهى أثر من آثار التحرك الاستعمارى العاجل عقب سقوط الدولة العثمانية لقتل أى احتمال بظهور وانتشار فكرة القومية العربية بمعناها المقبول.
3 ـ دعوة لاتحاد العالم الإسلامى ترفض القومية العربية، وهى أثر من آثار وتراكمات الوجود التركى فى الوطن العربى، ودعوة يجند لها الاستعمار الجديد كل قواه لتفتيت الصمود العربى أمام إسرائيل (لنا رأى فى هذا الكلام سوف نذكره) ، وهو يحاول من خلال جماعات إسلامية كثيرة ووسائل إعلام ملتوية أن يبث بها المخاوف من القومية العربية فى قلوب علماء الدين.
4 ـ دعوة للقومية العربية أوربية الشكل والمضمون، وهى دعوة ينفثها الاستعمار ـ مع جهوده المتنوعة لقتل القومية العربية ـ داخل الجماعات الرجعية وقيادتها المثقفة التى تؤمن بمجتمع " الكبراء والصغراء "، وتريد أن تفرض تصورها للقومية العربية بالشكل الذى يحمى نظرية التفوق والدم وامتيازات رأس المال.
5 ـ دعوى للقومية العربية ترفض الدين وتشترط هذا الرفض، وهى دعوى تمتزج فيها المؤامرات الثقافية الخارجية بالانعكاسات المحلية لجيوب دينية وطنية.
6 ـ دعوى لاتحاد وتضامن العرب تتجاوز إرادة الشعوب إلى علاقات الحكومات وتتمثل فى جامعة الدول العربية التى تأسست سنة 1944 بهدف " توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيهاً تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها كما جاء فى ميثاقها ".
7 ـ دعوى للقومية العربية يتبناها التقدميون الماركسيون يضعون فى مقوماتها
التجانس العقلى والثقافى ووحدة النظرة إلى الكون بدلاً من الدين، والأممية بدلاً من الإنسانية ".
ولنا تعليق على الطيف الثالث من هذه الأطياف السبعة فإن العالم الإسلامى المركب من أجناس شتى يحترم العرب ويقدس لغتهم، ويعلم أن العرب هم دماغ الإسلام وقلبه، وأنه يستحيل وجود إسلام من غير أمة عربية سيدة ما دام القرآن عربى الآيات، وما دام النبى عربى التراث، وما بقيت مكة فى مكانها من أرض الله، فالعرب إن اكتشفوا ذاتهم واحترموا مكانتهم هم جزء من الرسالة الخاتمة، ولن يتبرم بوضعهم مؤمن أو يفتات على حقهم منصف.
ولكن يوم ينسى العرب هذه الحقيقة الدينية والتاريخية فسينطبق عليهم قول القائق:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها
هواناً بها كانت على الناس أهونا
والمؤلف الكبير ذكر أن هناك عرباً تجردوا من تاريخهم ورسالتهم، أو بتعبير أصرح جردهم الاستعمار من ذلك كله، وأغراهم برفع راية العروبة وحدها على نحو ما شرح فى الطيف الرابع والخامس والسابع، ولكى يعرف الناس حقيقة هؤلاء الخادعين المخدوعين يرجع إلى كلامهم (من كتابات " ميشيل عفلق " و " ساطع الحصرى " و " قسطنطين زريق " وآخرين) .