الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمامى الآن قصة زنا وقعت لابنة " يعقوب "!
وما أكثر قصص الزنا التى تقع فى بيوت الأنبياء، كما يفترى هؤلاء الأفاكون.
والقصة لفتاة اسمها " دينة " بنت يعقوب عليه السلام! من إحدى زوجاته، أعجب بها ابن رئيس المدينة المجاورة واتصل بها، ثم رأى أن يجعل هذه العلاقة مشروعة، فلاطف الفتاة وقرر الزواج بها وكلم أباه كى يمضى فى إجراءات العقد..
وذهب رئيس القبيلة يعرض على يعقوب مصاهرته. وتظاهرت الأسرة بقبول المصاهرة، وكانت شروط الصلح مقبولة، وطلب أبناء يعقوب من أصهارهم الجدد أن يختتنوا حتى يتم الزواج، وتتسع دائرة العلاقات بين بنى إسرائيل وأهل المدينة جميعاً.
وفى اليوم الثالث لإجراء الختان بين ذكور المدينة أغار أولاد يعقوب عليها وهى آمنة، فقتلوا الذكور كلهم وسبوا كل الأطفال والنساء ونهبوا ما وجدوه من ثروات.
ولم يذكر سفر التكوين أن يعقوب علق بشىء على هذه المأساة، بل يشتم من السياق أن المؤامرة تمت بموافقته.
وهكذا يفعل الأنبياء
!!
إن مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) لم يؤخذ من الساسة " الزمانيين "..إن مصدره من هنا، وإليك النص:
" وخرجت دينة ابنة ليئة التى ولدتها ليعقوب.. فرآها شكيم ابن حمور الحوى رئيس الأرض وأخذها واضطجع معها وأذلها، وتعلقت نفسه بدينة ابنة يعقوب، وأحب الفتاة، ولاطف الفتاة، فكلم شكيم حمور أباه قائلاً خذ لى هذه الصبية زوجة، وسمع يعقوب أنه نجس دينة ابنته.. فسكت حتى جاءوا (أى أبناؤه)[ثم بعد أن عرض عليهم حمور مصاهرتهم] .. فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر..، فقالوا لهما: لا نستطيع أن نفعل هذا الأمر: أن نعطى أختنا لرجل أغلف.. إن صرتم مثلنا بختنكم كل ذكر نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم.. واختتن كل ذكر.. فحدث فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين (أى بسبب الختن) أن ابنى يعقوب: شمعون ولادى أخوى دينة أخذا كل واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتلا كل ذكر وقتلا حمور
وشكيم بحد السيف.. ونهبوا المدينة، وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونساءهم وكل ما فى البيوت.. " (تكوين: 34)
أين شرف المعاملة فى هذه الروايات المليئة بالفسق وسفك الدم؟
ولنا أن نسأل:
ـ كيف ضاع عرض ابنة نبى على هذا النحو الغامض؟
ـ وإذا كان غلام أثيم قد اغتصبها كرهاً فلم لم يعاقب وحده؟
ـ وإذا كان يعقوب وبنوه قد قبلوا إصلاح الخطأ بإتمام الزواج فلماذا أغاروا على المدينة، واستباحوها وأزهقوا أرواح الأبرياء، واسترقوا الأطفال والنساء؟
ـ هل هذه سيرة أنبياء وأولاد أنبياء؟ أم سيرة قطاع طرق؟
لكن مؤلف التوراة وقر فى نفسه أن اليهود شعب مختار، فصور الألوهية والنبوة وعلاقة اليهود بالناس أجمعين على الصورة التى أبرزنا لك ملامحها، لم نستعن فى توضيحها إلا بالنصوص الواردة فى الكتاب المقدس!!
أكرهت نفسى على قراءة سفر التكوين بأناة، ثم تملكنى الضجر وأنا أقرأ الأسفار الأُخَر فاكتفيت بنظرات عابرة.
إن جمهرة الفلاسفة والعلماء المؤمنين بالله يرفضون كل الرفض أن يوصف بالانحصار والجهالة والتسرع، كما يرفضون كل الرفض أن يسىء اختياره لسفرائه إلى خلقه فلا يقع إلا على السكارى والمنحرفين.
بل إن عرب الجاهلية المشركين كانت نظرتهم إلى خالق الكون أرقى وأرحب.
وما أوخذوا به أنهم تزلفوا إليه بآلهة أرضية لا أصل لها يحسبون أنه أكبر أو أنهم أقل من أن يتصلوا به اتصالاً مباشراً.
أما وصف الله أو الحديث عنه بالعبارات المدونة فى العهد القديم فهو خبال فى الفكر يتنزه المولى الجليل عنه..
بيد أن النصارى قبلوا هذه الأسفار على علاتها وجعلوها شطر الكتاب المقدس!
لماذا؟.. لأنها تخدم قضيتين تقوم عليهما النصرانية الشائعة:
الأولى: قضية تجسد الإله، وإمكان أن يتحول رب العالمين إلى شخص يأكل ويصارع ويجهل ويندم.. إلخ.
الثانية: قضية أن البشر جميعاً أرباب خطايا وأصحاب مفاسد وأنهم محتاجون لمن " ينتحر " من أجلهم كى تغفر خطاياهم.
وقد رفض الإسلام كلتا القضيتين، وتنزل القرآن الكريم مفيضاً الحديث عن تنزيه الله وسعته وقدرته وحكمته وعلمه، كما أفاض الحديث عن الناس ومسئوليتهم الشخصية عما يقترفون من خير أو شر.
وذكر القرآن الكريم أن لله عباداً تعجز الأبالسة عن غوايتهم، وأنهم من نقاوة الصدر وشرف السيرة ورفعة المستوى بحيث يقدمون من أنفسهم نماذج للإيمان والصلاح والتقوى، تتأسى بها الجماهير.
" إن عبادى ليس لك عليهم سلطان. وكفى بربك وكيلاً "(الإسراء: 65)
فإن لم يكن نوح ولوط وإبراهيم ويعقوب من هؤلاء النبلاء الكرام فمن هم إذن الصالحون الفضلاء؟
وإذا كان أنبياء الله سكارى وزناة ومحتالين فلماذا يلام رواد السجون وأصحاب الشرور؟؟
ولا عذر للنصارى فى تصديق هذا اللغو، بل لا عذر لهم فى ادعاء أن الله ولد أو أن له ولداً، إلى آخر ما يهرفون به..
أحياناً فى هدأة الليل أرمق النجوم الثاقبة وأبعادها السحيقة، ثم أتساءل: أليس بارئ هذا الملكوت أوسع منه وأكبر؟ فكيف يحتويه بطن امرأة؟
وأحياناً أرمق الأمواج ذوات الهدير وهى تضرب الشاطىء وتعود دون ملل أو كلل. إن أربعة أخماس الأرض مياه، ويبرق فى رأسى خاطر عابر، هل رب هذا البحر العظيم كان جنيناً فرضيعاً.. فبشراً قتيلاً؟
وأهز رأسى مستنكراً وأنا أتلو هذه الآيات:
" قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل أفلا تذكرون "
" قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم؟ سيقولون لله، قل أفلا تتقون "
" قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل فأنى تسحرون "(المؤمنون: 84 ـ 89)
" ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله "(المؤمنون: 91)
" رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً "..
* * * * *
.. فى هذا القرن المشئوم سقطت الخلافة الإسلامية، ونكست راية الإسلام، واختفت من الصعيد العالمى كل علاقة تشير إلى وجود سياسى لهذا الدين الحنيف..
نعم كانت هناك أمم إسلامية كبيرة تنتشر على رقع واسعة من الأرض. لكن هذه الأمة لاذت بقومياتها الخاصة، ولبست أزياء مدنية مائعة، وأغلبها استبعد الدين من الحياة العامة، وأماته تربية وقانوناً ومسلكاً وشعاراً.
وربما سمح له بوجود فى بعض العبادات الفردية، لكن هذا الوجود مؤقت بطبيعته إلى أن تجرف تيارات الحياة الجديدة مخلفات الماضى البعيد..
وفى الوقت نفسه، كانت تعاليم العهد القديم ـ التى سقنا لك مثلاً منها ـ تصنع أمة جديدة.
كان اليهود يتجمعون فى فلسطين ليقيموا مملكة " يهوه " على الأرض وفق مراسمهم الموروثة..
وكانت الصليبية الحقود تعينها بما تملك من قوة، احتضنتنها أملاً مستبعداً، وما زالت ترعاها حتى جعلتها حقيقة قائمة..
وهكذا أفلحت القوى الشريرة فى ضرب الحق، وتغيير معالم الدنيا، وقيل فى كل مكان: بدأت نهاية الإسلام تقترب! يوشك أن يوارى فى الثرى!
شاهت الوجوه! هم يحسبونها النهاية ونحن سنجعلها بداية الصعود كرة أخرى.
.. إن حقائق القرآن لن تتلاشى، والأساطير التى كذبت على الله وعلى الناس لن تخلد..
.. إن الصراط المستقيم لن تطمس شاراته أو تضيع آياته، وعلى مسلمى الحاضر والقادم أن يواجهوا قدرهم ويؤدوا واجبهم..
الأعداء كثيرون، والعوائق صعبة، والكفاح طويل، وربما صاح المرء وهو يودع محنة ويستقبل أخرى: أما لهاذ الليل من آخر؟
إن الفجر سيطلع حتماً، ولأن يطوينا الليل مكافحين أشرف من أن يطوينا راقدين.
" من خاف أدلج، ومن أدلج نجا، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة "(البخارى وغيره) .