الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقض للإيمان بالقرآن والسنة، وكل ما ذكره الفقهاء من تفاصيل المكفِّرات الصحيحة فإنه يعود إلى هذا السبب، فالكفر حق الله ورسوله، فلا كافر إلا من كفَّره الله ورسوله، فهو جحد ما جاء به الرسول، أو جحد بعضه، والله تعالى أعلم (1).
و
خلاصة مذهب أهل السنة في قضية التكفير:
أنهم يقولون: إنّ الفاسق من أهل القبلة لا يُنفى عنه مطلق الإيمان بفسوقه، ولا يوصف بالإيمان التام، فيقولون: هو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، فلا يُعطى الاسم المطلق، ولا يُسلب مطلق الاسم، والمراد بالفسق هنا هو الأصغر، وهو عمل الذنوب الكبائر التي سمَّاها الله ورسوله فسقاً، وكفراً، وظلماً، مع إجراء أحكام المؤمنين على عاملها؛ فإن الله تعالى سمى الكاذب فاسقاً قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (2)، ومع ذلك لم يُخرج ذلك الرجل من الدين بالكلية، ولم يُنفَ عنه الإيمان المطلق، وقال صلى الله عليه وسلم:((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) (3)، وقد استبَّ كثير من الصحابة على عهده صلى الله عليه وسلم فوعظهم وأصلحهم، ولم يكفِّرهم، بل بقوا أنصاره ووزراءه في الدين، قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
(1) إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، ص194 - 198 بتصرف.
(2)
سورة الحجرات، الآية:6.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، برقم 48، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم:((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، برقم 64.
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
الله} (1)، فسمَّى الله تعالى كلاً من الطائفتين مؤمنة وأمر بالإصلاح بينهما ولو بقتال الباغية، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2)، ولم ينف عنهم الأُخوَّة أُخوَّة الإيمان لا فيما بين المقاتلين، ولا فيما بينهما وبين بقيَّة المؤمنين، بل أثبت لهم أُخوّة الإيمان مطلقاً.
وكذلك في آية القصاص أثبت الإيمان للقاتل والمقتول من المؤمنين، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان} (3)، وكذلك الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) (4)، سماهم أيضاً مسلمين بعد أن رجعوا كذلك، فقال في صفة الخوارج:((تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق)) (5).
ومعلوم أن أصحاب علي بن أبي طالب وأهل الشام هما الفرقتان اللتان مرقت الخوارج من بينهما، قد اقتتلا اقتتالاً عظيماً، فسمّى الجميع
(1) سورة الحجرات، الآية:9.
(2)
سورة الحجرات، الآية:10.
(3)
سورة البقرة، الآية:178.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، برقم 121، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:((لا ترجعوا بعدي كفاراً))، برقم 65.
(5)
أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم 1065/ 150.