المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كما يتعين على الدعاة اجتناب الغلظة والخشونة؛ لأنها تنفر القلوب - قضية وحوار العنف في العمل الإسلامي المعاصر

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: كما يتعين على الدعاة اجتناب الغلظة والخشونة؛ لأنها تنفر القلوب

كما يتعين على الدعاة اجتناب الغلظة والخشونة؛ لأنها تنفر القلوب وتحول دون تبول الموعظة: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159](سورة آل عمران، الآية: 159) .

أما الإنكار باليد فلا يكون لغير ولي الأمر أو من يفوضه بذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق أو يجلد الشارب ويقيم الحدود؛ لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد، لأن كل واحد يضرب غيره يدعي أنه يستحق ذلك، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر) .

وأرى أن يسأل الداعية المخلص نفسه: ما الذي أريده من دعوتي؟ أليس التأثير في المدعوين ليلتزموا أحكام دينهم؟ . فلِمَ أسلك إليهم طريقاً تنفرهم مما أرومه؟ .

[حقوق المعاهدين]

حقوق المعاهدين * د. إبراهيم أبو عباة: أوثر أن أعالج حقوق المعاهَد في الإسلام؛ لأن تيارات الغلو الجامحة التي تستحل - في كثير من الأحيان - دماء أهل القبلة، تستحل - من باب الأَوْلى - دماء المعاهدين وأموالهم، مع أن الواجب هو أن نحسن معاملة غير المسلم ترغيباً له في الإسلام، وتبياناً عمليّا لمحاسن

ص: 44

الإسلام الجمة. أليس أهل أكبر دولة إسلاميةَ سكاناً - نعني أندونيسيا - دخلوا في دين الله الحنيف على أيدي التجار المسلمين الحضارم؟ !

إن الإسلام دين الأخوة والمودة والتآخي، ويجب أن تسود في المجتمع المسلم الألفة الصادقة والمحبة الخالصة، يقول تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10](سورة الحجرات، الآية: 10)، ويقول المصطفي صلى الله عليه وسلم:«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.» ويقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»

فنظرة الإسلام تقوم على بناء كيان إسلامي متين لا مكان فيه للحقد والكره والبغضاء. وتوجيهات الإسلام تقوم على تأصيل هذه المعاني وتأكيد هذه القيم وسط المجتمع المسلم، فالمسلم أخو المسلم كما يقول صلى الله عليه وسلم:«لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.» أما غير المسلمين الذين يعيشون وسط المسلمين في المجتمعات الإسلامية فلهم منا حق الوفاء لهم بالعهود والمواثيق المبرمة، ولهم منا العدل فهم بشر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] (سورة الحجرات، الآية: 13) . فالحق هو الحق،

ص: 45

والعدل هو العدل مع المسلم وغير المسلم {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8](سورة المائدة، الآية: 8) .

ولقد ضرب لنا ديننا العظيم أروع الأمثلة في التعامل مع من يعيش من غير المسلمين في دار الإسلام لكونهم معاهدين، يقول الله عز وجل:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل: 91](سورة النحل، الآية: 91) . وهذا المعاهد الذي دخل دار الإسلام بناء على عقد وعهد، له على المسلمين صيانة هذا العهد والحفاظ عليه، بل ومعاملته معاملة كريمة حسنة تتفق وتعاليم الإسلام وتنسجم مع توجيهاته السامية. فهذا هو الخليفة الأول أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - يوصي قائد جيشه الذي توجه لغزو الروم قائلاً: لا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. اندفعوا باسم الله. .

هل هناك أعظم من هذه الوصية؟ ! وصية من خليفة المسلمين لجيشه، وفي حق من؟ ! في حق عدوه! ! لم يوصه بالبشر فحسب، بل بالحيوان والشجر.

ص: 46