الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المحور الأول النشأة والأسباب]
[بين مكة والمدينة]
المحور الأول
النشأة والأسباب
بين مكة والمدينة إن من يتدبر كتاب الله عز وجل ويطّلع على الأحاديث النبوية، ويتأمل سيرة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، يتضح له أن الإسلام دين السلام؛ فهو يأبى العنف ويقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومخاطبة الفطرة لإزالة الصدأ الذي علاها بفعل البيئة المنحرفة. بل إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يختر إبادة مشركي مكة إبادة ربانية محضة، وذلك كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: «هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت
أطبقت عليهم الأخشبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» (1) .
ولما أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالهجرة إلى يثرب وأقام هناك دولة التوحيد، لم يمارس العنف ضد رءوس الكفر الذين لم يدخروا وسعاً في محاربة الإسلام، فحاربهم حرب جيش لجيش إلى أن تحقق الوعد الإلهي الكريم، ففتحت مكة المكرمة وتطهرت الجزيرة العربية من رجس الوثنية، وانطلق النور إلى أنحاء المعمورة مبشراً بحضارة جديدة لا نظير لها.
إن هذه البدهيات المعلومة من دين الإسلام ومن تاريخه الناصع بالضرورة، تدحض الغلاة الذين يبيحون اليوم دماء المسلمين باسم إقامة دولة الإسلام، على الرغم من أنهم - علموا أو جهلوا - يناصرون بمنهجهم العليل أكذوبة المنصرين والمستشرقين القائلة: إن الإسلام انتشر بالسيف.
غير أن موقفنا المعارض لهذه الضلالات، وهو موقف ندين لله به، لا يلغي الحاجة إلى البحث في العوامل التي أسهمت في نشأة تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام في عصرنا، لا سيما أن أهل السنة والجماعة عُرفوا تاريخيّا. بمناوأة أهل التكفير الذين يستبيحون الدم المسلم المعصوم.
(1) رواه البخاري 6/ 224، 225 في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي التوحيد، باب وكان الله سميعا بصيرا، ومسلم رقم 1795 في الجهاد باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.