الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثانياً الأسباب الخاصة بمجتمعاتنا]
ثانياً - الأسباب الخاصة بمجتمعاتنا 1) تفشي الأميات وبخاصة الأمية الدينية: إن الأمية التعليمية آفة من آفات المجتمعات الإسلامية. وكما هو معروف، فإن وجود الأمية التعليمية يتفرع عنه عدة أميات مثل: الأمية الثقافية، والأمية الاقتصادية، والأمية الاجتماعية وغيرها. ولكن يأتي على رأس هذه الأميات الأمية الدينية التي تجعل من الفرد صيدا سهلا للأفكار المضللة والتوجهات المنحرفة باسم الدين.
وإذا نظرنا إلى الشاب، فإننا نجده - وخصوصاً في بداية اليفاعة - تواقا إلى المعرفة عن دينه، ولا يمكن أن تغذي هذه الرغبة أسرة تتفشى فيها الأمية أو مجتمع يعانيها، ولذلك يكون هذا الشاب صيدا سهلا للمضللين باسم الدين؛ لأن هؤلاء يروون عطشه بمعلومات مغلوطة عن الدين.
2 -
) القصور في التربية الدينية: في كثير من المجتمعات الإسلامية لا يجد الشاب ضالته في المدرسة؛ لأن المدرسة لا تعنى بتدريس الدين ولا بالتربية الدينية بالقدر الكافي، ولا يجد ضالته في الإعلام؛ لأن الإعلام هو الآخر لا يعطي الدين الاهتمام الواجب، ولا يجد ضالته في المسجد؛ لأن المسجد في كثير من المجتمعات قد تخلى عن وظائفه التعليمية
والتربية، وربما لا يجد الشاب ضالته في الأسرة إذا كانت الأسرة تتفشى فيها العلمانية. كما أن حال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه المجتمعات لا تشفي غلة ولا تطفئ ظمأ. فماذا بقي لهذا الشاب الظمآن للمعرفة عن دينه؟
لم يبق له إلا المصادر غير الرشيدة، التي تضلله بغرس مفاهيم مغلوطة عن الدين والحياة والمجتمع وأولي الأمر فيه.
3 -
) ازدراء الرأي الآخر: يحدث اختلاف في وجهات النظر بين العلماء المسلمين في بعض القضايا التي تهم المسلمين بعامة والشباب منهم بخاصة؟ ومع أن اختلاف وجهات النظر أمر وارد بين الأفراد والجماعات في مختلف مجالات الحياة، وأن هذا الاختلاف - ما دام لا يمس الأساسيات - قد يكون ظاهرة صحية، تعطي فسحة لحرية التفكير والاجتهاد، فإننا نجد الشباب - على وجه الخصوص - يرون فيه مأخذا على علماء الدين.
ويغذي الراغبون في استقطاب الشباب نحو أهدافهم هذا التوجه، بل يجدون فيه فرصة سانحة لتجهيل العلماء بزعم أن اختلافاتهم في الظنيات دليل على عدم رسوخ علمهم، وهذا - بطبيعة الحال - قول مردود، ولكنه يستخدم لتضليل الشباب عن جادة الطريق.
4 -
) عدم فتح قنوات للحوار أمام الشباب: لحوار والتعبير عن الرأي من أساسيات الحياة الصحيحة، إذ يُشعر الفردَ بأنه مشارك في صنع القرارات الخاصة به وبمجتمعه، ويشعره بالمسئولية نحو هذا المجتمع، بالإضافة إلى شعوره بكيانه وتحقيق ذاته.
والشاب يمر بمرحلة نمو أحوج ما يكون الفرد فيها إلى الاعتراف بقدره، والتعبير عن وجهة نظره، وأحوج ما يكون إلى التوجيه والإرشاد والنصح.
ولذلك، فإن فتح قنوات الحوار بين الشباب والكبار، فوق أنه يتيح للشاب فرصة التعبير عن رأيه بقدر من الحرية التي تجعله مشاركاً بالرأي في صنع ما يمسه من أحداث، فإنه سوف يجد له مرشداً يوجهه الوجهة السليمة، وهذا يحميه - بتوفيق الله - من أن يتلقفه أحد هؤلاء الذين لا يحسنون الظن بالمجتمع والمسئولين فيه، فيسيء توجيهه، ويدفع به إلى الانحراف عن الطريق القويم، وقد يلقي به في دائرة العنف كوسيلة لإثبات الذات وإجماع الصوت للآخرين.
5 -
) أسباب اقتصادية واجتماعية إن تدني الموارد الاقتصادية في كثير من الدول الإسلامية، يؤدي إلى مشكلات اجتماعية خطيرة، ومن بين هذه المشكلات وأهمها: انخفاض مستوى معيشة الأفراد، وتفشي البطالة بين المتعلمين، وركود الحراك التنموي في المجتمع، واهتزاز ثقة المواطنين في المستقبل، وانتشار مظاهر الانحرافات الأخلاقية في المجتمع.
وجميع هذه المشكلات تكون سببا في ضعف الولاء للمجتمع، واهتزاز الثقة قي القائمين عليه، واتهامهم - بحق أو بغير حق - بمختلف أنواع الفساد. وهذا يمهد للنافخين في الكير أن يقوموا بحملات التضليل التي يستهدفونها ودفع الشباب إلى الغلو والتطرف.
6 -
) عدم تطبيق شرع الله تطبيقاً كاملاً: من أهم مقومات المجتمع المسلم أن يكون الحكم فيه وفق الشرع الحكيم. وفي الكثير من البلدان الإسلامية لا يطبق الحكم بشرع الله تطبيقاً كاملاً، وهو ما يتسبب في سلسلة من المشكلات، من أهمها: التناقض والاضطراب في الأخذ ببعض من أحكام شرع الله دون البعض؟ فتكامل جوانب الشرع يجعل منه وحدة لا تتجزأ، وإذا جزئت فإن هذا يحدث بالضرورة تناقضا في مسيرة الحياة في المجتمع. والله سبحانه وتعالى لم ينزل شرعه ليكون لعباده الخيرة في الأخذ ببعضه وترك البعض الآخر، بل أنزله ليكون
موجِّها لجَميع جوانب الحياة في المجتمع المسْلم، وضابطاً لمسيرتها الدنيوية والأخروية.
ويضع العزوف عن تطبيق شرع الله تطبيقاً كاملاً أولي الأمر في المجتمع موضع الشبهة. فآيات الذكر الحكيم تصف من لم يحكم. مما أنزل الله بالظلم والفسق والكفر. لذلك، يصبح تكفير الحكام - من قبل البعض الذين لا يفهمون مدلول الآيات الحق، وضوابط الوصف - بهذه الأوصاف - أمرا مشروعا، ويترتب على هذا - من وجهة نظرهم - محاربتهم. ويلتقط النافخون في الكير هذا ليثيروا الشباب على الحكام بخاصة والمجتمع بعامة. وحيث إن هؤلاء الشباب يتصورون - خطأ - أن التغيير باليد من حقهم فإن المتربصين المضللين يدفعونهم نحو تحقيق هذا التغيير فينخرطون في دائرة العنف! فيعانون وتعاني مجتمعاتهم على السواء.
7 -
) الحملات الإعلامية الظالمة: إن العمل على تشويه صورة الإسلام والمسلمين أمر معروف عبر التاريخ، وهو يشتد ويضعف وفق ضعف المسلمين وقوتهم، إلا أن سعير هذه الحملة أصبح - اليوم - أقوى وأشد شراسة من أي وقت مضى، وأصبح أكثر انتشاراً بما أتيح له من أدوات البث المباشر وأساليبه الحديثة. وقد تداعت له أمم الشرق والغرب بعد أن انتهت الحرب الباردة بينهم، واتفقوا على أن العدو الأوحد هو الإسلام،
ومن ثم ركزوا حملاتهم الإعلامية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ليس فقط في عيون المسلمين أنفسهم لكن في عيون غير المسلمين أيضا.
وتعتمد حملة التشويه على محاور معينة من أهمها: أ - إظهار الدين الإسلامي بأنه قاصر عن الوفاء بمتطلبات الحياة المعاصرة ومواكبة التطورات الحديثة. ويستدلون على أكذوبتهم هذه بتخلف البلدان الإسلامية على اختلاف مواقعها على خريطة العالم.
ب - بث الفرقة بين المسلمين في البلد الواحد بتكريس العداوة بين القوى الاجتماعية المختلفة، وتعضيد المنحرف من الفرق، ليحارب بعضها بعضاً.
جـ - غرس الخلافات بين البلدان الإسلامية لتقوم الحروب بينها فيكون بأس المسلمين بينهم، وتدور الدائرة عليهم، وتضعف شوكتهم ويظهروا بمظهر غير المتحضرين أمام العالم كله.
د - إبراز أعمال العنف التي يقوم بها ما يسمى الجماعات الإسلامية وتشجيعها، ووصفها بأوصاف تنسبها إلى الإسلام مثل الأصولية الإسلامية والتطرف الإسلامي والإرهاب الإسلامي لإظهار الإسلام بأنه مصدر لهذه
الأعمال. هذا بخلاف حملة التشويه الفكري التي يقوم بها المنصرون والمستشرقون.
8 -
) إعاقة التنمية: كما لاحظنا، فإن العوامل السابقة تمهد السبيل لاستقطاب جهات أجنبية لبعض العناصر من البلدان الإسلامية لأعمال العنف ضد مجتمعاتها بهدف معلن هو تغيير مسيرة هذه المجتمعات إلى الأفضل وتخليصها من التخلف، ومن النظم الحاكمة الكافرة، ومن البطالة، ومن الفساد. إلى آخر تلك القائمة من الأسباب الجذابة، المغلفة بأهداف تبدو نبيلة في مقصدها، بريئة في مرماها.
ولكن الهدف الحقيقي الذي تعمل هذه الجهات لتحقيقه، هو إثارة الفتن داخل البلدان الإسلامية وصولا إلى عدم استقرار الأمن فيها، ومن ثم استقطاب جهود مؤسسات الدولة في محاولة إعادة الاستقرار الأمني وانصرافها عن البناء والتنمية. وهذا أمر جد خطير في وقت تتسارع فيه مساعي الدول نحو التقدم والرقي وتتصارع القوى لاحتلال مكان الصدارة في قيادة العالم.
يضاف إلى ما سبق أن هذه الجهات الأجنبية تتخذ من هذا العنف دليلاً على أن المسلمين قوم عدوانيون، لا يعرفون التحضر، ويطربون لسفك الدماء، ومن ثم ينبغي محاربتهم إلى أن يتخلوا عن التمسك بهذا الدين الذي جعل منهم أعداء للتقدم والتحضر والقيم الإنسانية! والتخلي
هنا لا يعني اعتناق دين آخر؛ لأنهم يعلمون أن هذا مستحيل، ولكن يعني إهمال شعائر الدين والعيش بلا انتماء، وبلا هوية.
وهذا ما عبر عنه القس زويمر في مؤتمر المبشرين في منتصف هذا القرن، في قول اختصره فيما يلي: إن المهمة التي أرسلتكم البلدان المسيحية من أجلها للبلدان المحمدية، ليست هي إدخالهم في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، ولكن المهمة هي أن تخرجوهم من دينهم فيصبحوا شخوصا بلا هوية. وهذا ما نجحتم في تحقيقه حتى اليوم، وهذا ما أهنئكم عليه.
وهكذا تحاك المؤامرات وترسم الخطط لتشويه صورة المسلمين، وإظهار الإسلام بأنه دين عدوان واضطهاد، يدفع تابعيه إلى البربرية والتخلف، وهكذا تتداعى الأمم على أبناء المسلمين لهز عقيدتهم وإضعاف إيمانهم.
ويختم الدكتور محمود شوق تحليله بقوله: هذه بعض العوامل التي تدفع الشباب إلى العنف والإرهاب، فكثير من الشباب يتصورون - عن جهل وتغرير - أن ما يرتكبونه من عنف هو الطريق إلى إصلاح حال المسلمين، والبعض الآخر باع نفسه للشيطان رغبة في الثراء أو الشهرة والانتقام من المجتمع الذي لا يروق لهم ما يجري فيه من أخطاء للحكام وسلبية من المحكومين، ومن ثم فالجميع كفار!
وتكفير المسلمين على أساس ارتكابهم المخالفات للسلوك الإسلامي الصحيح هو من عقيدة الخوارج، وهؤلاء وغيرهم من الفرق الضالة يقتدي أصحاب الفكر المنحرف بهم.