الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق الاعتقادية، ولكن ينبغي التنبه إلى أن جماعة المسلمين الواحدة والسواد الأعظم والجمهور الأكبر - وهم أهل السنة والجماعة، بقيت واحدة لا تتعدد ولا يعرف لها اسم يميزها إلا السنة والجماعة. وبعبارة أخرى يمكن القول إن تمييز هذه الجماعة - يعتمد على استبعاد غيرها منها ونفيه عنها. وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عنها فقال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به رواه ابن عبد البر، وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ما يماثل قول الإمام مالك - وهذا يعني في نظرنا أنها الجماعة العامة للمسلمين، وأن الرابطة السياسية بينهم تقوم على الإسلام كما هو في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تغيير ولا تحريف ولا سوء تأويل - ويعني أيضاً أن الرابطة السياسية بين المسلمين تقوم في الأصل على الدين فهو الرابطة الأساسية التي تتكون الجماعة على أساسها.
[المعيار السليم]
المعيار السليم وأنا أعتقد أن النظر إلى مشروعية الجماعات الإسلامية المعاصرة يستلزم منا فهم الواقع المعاصر في البلاد الإسلامية - الواقع السياسي على وجه الخصوص - ويقتضي منا المعرفة الصحيحة بالأصول التي قامت عليها هذه الجماعات، وبالأهداف والغايات التي تسعى إليها - فليس من الصواب أن نبادر إلى نفيها جميعاً وبصفة مطلقة وأن نحظر تجمع المسلمين لهدف مشروع أو غاية تتفق مع أصول الإسلام وتحقق مصلحة للناس في جانب من جوانب الحياة المعقدة التي نحياها في زماننا المعاصر. ومهما اختلفت الأسماء: فرق، جماعات، مؤسسات، فهي تعبر في حقيقتها عن تجمع للناس
لتحقيق هدف وغاية معينة، ومن الخطأ أن نسارع إلى التحريم جملة. وحكم التحريم بالذات في شأن كهذا يعم البلاد الإسلامية ويشمل كل الفرق والتجمعات لا يمكن أن يكون صحيحاً.
إن التفرق والانقسام والتشتت الذي حرمه الإسلام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو في الدين {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 32](سورة الروم، الآية 32)، ولا يجوز أن يكون التنازع الذي يفضي إلى الفشل {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] (سورة الأنفال، الآية 46) . وكل هذه الأحكام لا تتعارض مع تجمع طائفة من المسلمين للتعاون على البر والتقوى في شئون حياتهم وأمور دنياهم، بل إن التعاون مأمور به ومندوب إليه {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] (سورة المائدة، الآية 2) ، ومن البر حفظ المصالح العامة وحفظ الحقوق وبحث وجوه المصالح الدنيوية وأساليب الإصلاح والتقويم للناس، فالسياسة الشرعية - كما عرفها ابن عقيل الفقيه الحنبلي - هي جعل الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد - وهذا مما تختلف فيه الآراء وتتعدد فيه الطرق لاختلاف الظروف والأحوال والأفهام - ولا مانع من أن يكون لجماعة من الناس رأي في كيفية إصلاح أمور الحياة الدنيوية - وهي أمور عامة ومعقدة ومتشابكة وتحتاج إلى التعاون الفكري وإلى والمادي في اكتشاف الطرق والأساليب كلها في يسر وسهولة ما دامت هذه الجماعة داخل جماعة المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم وسلوكهم وتحت سلطانهم وفي طاعة ولي الأمر فيهم، وغايتهم التي يجتمعون عليها هي: النصح لله ولرسوله ولولاة
الأمور ولعامة الناس فيما يتعلق بشأن من شئون المجتمع كالتعليم أو الصحة أو الزراعة أو الصناعة أو غير ذلك من شئون المجتمع. ومن غير المقبول أن نسمي ذلك فرقة وانقساما يحرمه الإسلام، وأن نجعل ذلك الحكم بالتحريم شاملاً ومطلقا لا فكاك منه لجماعة أو فرقة حتى لو كانت تعمل وتتعاون في تحقيق أغراض دنيوية تختلف فيها الرؤى والتوجهات، وهي أصلا مكونة من أهل السنة والجماعة وملتزمة بالإسلام عقيدة وشريعة - فالإسلام هو انتماؤها الأول، وهو انتماؤها المقدم، ولكن الحياة ومصالحها ووجوه الخير فيها تفرض أحيانا انتماءات أخرى ثانوية، فالإنسان المسلم يكون تاجراً أو صانعاً أو موظفا أو صاحب مهنة أو مهتما بالرياضة أو بالأعمال الخيرية أو الاجتماعية. ولا يعني ذلك أن له انتماء آخر غير الإسلام - فهذه الانتماءات المتعددة والتي قد يتجمع المسلمون حولها لتحقيق المصالح المشروعة ليست في مواجهة الانتماء الأصيل والأساس وهو الانتماء الديني، بل هي في الواقع - حين تحسن الأغراض والنيات - مساندة له وداعية إليه.
* الشيخ أبو الكلام يوسف: لست من دعاة الحظر ولا الإباحة بإطلاق أي منهما، وإنما يتبع الحكم في تقديري حالة كل بلد.
ففي البلدان التي تحكمها القوانين الوضعية العلمانية، لابد من وجود جماعة مسلمة تدعو الناس للعودة إلى دينهم وتبين لهم محاسنه، وتتدخل في البرامج السياسية للدولة بصورة سلمية حتى تتمكن من إقامة دولة إسلامية تطبق شرع الله بتأييد من الشعب.