الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبل إلى تطبيق الشريعة في تلك البلدان فقد تنوعت الاجتهادات حولها.
وكان نص سؤالنا: ما السبيل إلى تحكيم شرع الله في البلدان الإسلامية التي تحكمها نظم علمانية؟
* الشيخ محمد العثيمين: السبيل إلى ذلك هو العلم، أن ينشر العلم بين الناس وأن توجه النصائح إلى ولاة الأمور في تلك البلاد وأن يتحلى الإنسان بالصبر وطول النفس؛ لأن الشيء لا يمكن أن يصلح بين عشية وضحاها.
[الحاكم والهيئات العلمية]
الحاكم والهيئات العلمية * أ. د. صالح السدلان: هناك أمور مهمة ينبغي ذكرها في هذا المجال: -
أولاً: إن الدولة في الإسلام ضرورة من أجل حفظ العقيدة وصيانتها من عبث العابثين وحماية بيضة الإسلام على أصولها المقررة وقواعدها المحررة، ولا بد لها من حاكم مسلم يدير شئونها ويصرف أمورها، وهو ضرورة يوجب الإسلام على الأمة إقامته ليدفع عن الأمة عدوها ويحمي ذمارها ويحافظ على أمنها ومقدساتها ويقيم الحدود الزاجرة والتعزيرات الرادعة ويطبق شرائع الله في أرض الله. ولا يخفى أن الإسلام لا بد له من أمة تحمله وسلطة تحميه وهما في كفة واحدة يقومان معاً على وجه التكامل والتضامن بمسئولية واحدة وإعلاء كلمة
واحدة: مسئولية إقامة شرع الله في أرض الله، وإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
والحاكم هو رمز الدولة وقمة السلطة ويستطيع إذا وضع ثقله ونفوذه وسلطته وراء مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية أن يفعل الكثير والكثير وبأسرع مما يظنه الكثيرون. ألا فليعلم الحكام يقينا أن واجباتهم على كثرتها تنحصر في واجبين اثنين:
أحدهما: إقامة الشريعة الإسلامية.
والآخر: إدارة شئون الدولة في حدود الشريعة الإسلامية، يقول الماوردي رحمه الله:(الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا)(1) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولاية الحكم استخلاف من الله لتطبيق شرع الله)(2) فالحاكم المسلم مطالب بأن يكون تصرفه لمصلحة رعيته فلا يتبع الهوى والتشهي، إنما يتقيد بنصوص الشريعة وهدي السماء: يقول الله تعالى: - {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26](سورة ص، الآية: 26) .
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص5 - طبع دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
(2)
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية الحنبلي /ص5.
ثانياً: على الهيئات العلمية في هذه الدول أن تعمل على تحرير التعليم في كل مراحله من آثار التبعية الفكرية وذلك بتكوين هيئات ومراكز بحث وتخطيط يكون عملها: -
أ - إعادة صياغة المناهج وتطويرها بما يخدم تطبيق الشريعة الإسلامية ويكفل لها البعد عن العلمانية والإلحاد.
ب - إصدار دوائر معارف وموسوعات علمية إسلامية في مختلف فروع المعرفة لتغني الدارسين والباحثين عن مؤلفات أعداء الإسلام.
ج - حث الدول والهيئات والمؤسسات الإسلامية للعمل على تعميق الدراسات والموسوعات القرآنية وتيسير حفظ القرآن الكريم وفهمه والعمل به.
ثالثاً: العمل على عدم السماح للخلافات الداخلية: ((الدينية أو السياسية أو غيرها بأن تكون مبرراً لمحاربة الفكر الإسلامي ووحدته بما يتيح لوسائل الغزو الفكري إلى المعادي للإسلام أن تسيطر على وسائل النشر والتوجيه بما يمزق كيان الأمة الإسلامية)) (1) .
(1) وسائل مقاومة الغزو الفكري للعام الإسلامي ص 72.
رابعاً: وجوب التحلي بالأخلاق والفضائل والآداب الإسلامية والظهور بالمظهر الإسلامي اللائق وتسخير كل وسائل الإعلام من صحافة ومذياع مسموع ومرئي لتحقيق هذه الغاية النبيلة.
خامساً: إيجاد العدد الكافي من الدعاة المتمسكين مع تدريبهم تدريباً عملياً لنشر الدعوة الإسلامية وهذا يستلزم إنشاء وتطوير معاهد متخصصة يقوم عليها رجال مُتمرّسون ملتزمون قادرون على إعطاء المعرفة اللازمة والفكر الإسلامي المتجدد. ومن الممكن تقسيم هؤلاء إلى ثلاث مجموعات: -
* المجموعة الأولى الإداريون: ومهمتهم وضع البرامج والإشراف على تطبيق الخطط وإعادة النظر فيها تعديلاً وتقويماً.
* المجموعة الثانية الدعاة: الذين ينقلون المعرفة الإسلامية إلى الناس ويبصرونهم بأحكام دينهم في العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والجنايات وغير ذلك من أحكام الإسلام وآدابه ويجادلونهم بالحكمة والموعظة الحسنة حتى ينتقلوا بهم إلى مرحلة التطبيق العملي والالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في سائر المجالات.
إن الإسلام اليوم أحوج ما يكون إلى دعاة يتحلون بالصبر ويتصفون بالحلم، يجمعون القلوب ويقررون أمر العقيدة السليمة ويغرسون شرائع
الإسلام الصحيحة في قلوب المسلمين بالتؤدة والأناة والحكمة والموعظة الحسنة، يعاشرون الناس على بصيرة من أمرهم إن رأوهم على صواب تعاونوا معهم وإن رأوهم مخطئين بصَّروهم بالدعوة ودعوهم بالحكمة على ضوء الكتاب والسنة وهدي سلف هذه الأمة رضوان الله عليهم.
وتلك سمة الدعوات العامة المخلصة التي تقتبس النور من مشكاة النبوة وتسير على منهجها، إنها تجس نبض المجتمع جساً صحيحاً أميناً لتهتدي إلى الداء الحقيقي ومواضع الضعف في جسم هذا المجتمع وتضع أصبعها عليه وتضرب على الوتر الحساس دون كلل أو ملل.
كما فعل شعيب عليه السلام في دعوته، فبعد أن دعا إلى التوحيد وجه الدعوة إلى إيفاء الكيل والوزن بالقسطاس المستقيم وحذر من التطفيف؛ إذ كان ذلك عيب المجتمع الذي بعث فيه وسمته البارزة وكذلك فعل غيره من الأنبياء.
وهذه أيضاً كانت سنة الدعاة إلى الله من المخلصين الربانيين في تاريخ الإسلام.
فهذا ابن الجوزي أيضاً في مواعظه المؤثرة ومجالسه المزدحمة، كان يشنع على الحياة اللاهية الماجنة التي كان يحياها كثير من الناس في بغداد وعلى الذنوب والمعاصي التي ترتكب جهاراً والمنكرات التي شاعت، فكان مئات بل وآلاف من الناس يتوبون ويقلعون عن الذنوب، وكان نشيج يعلو
وقلوب ترق وعيون تدمع لأنه كان يمس القلوب ويصور الواقع، ومن يطلع على كتبه كصيد الخاطر وغيره يجد دليلاً على هذا (1) .
* المجموعة الثالثة الباحثون: الذين يعملون على توسيع آفاق المعرفة في مجال تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك بإبراز مزايا ومحاسن الشريعة الإسلامية وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان ويتمثل عمل هؤلاء في إنشاء مراكز ومنابر لها سلطة التأثير على فكر الأمة وتوجيهها، وذلك كمراكز البحث العلمي والمجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات والإصدارات المتخصصة.
سادساً: يجب على الداعين لتطبيق الشريعة الإسلامية والمنادين بتحكيمها أن تكون دعوتهم واضحة لا غموض فيها، محددة المفاهيم والضوابط بمعنى أن تطبق الشريعة الإسلامية كما جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وكما طبقها هو وأصحابه من بعده رضوان الله عليهم واقعاً عملياً في الحياة بمفهومها الشامل الواسع.
والحذر الحذر من أخذ بعض أحكام الله دون بعض، فالإسلام كل متكامل لا يقبل التجزئة وقصره على جانب دون جانب تحكُّم بلا دليل، بل تنقضه أصول الشريعة ومصادرها: يقول - تعالى - مقرعاً بني إسرائيل على ذلك أشد التقريع حيث نفذوا
(1) انظر الرسل والرسالات، للأشقر ص 31، والدعوة الإسلامية: الوسائل، الخطط، المداخل ص 411 -413.
بعض تعاليم كتبهم وتركوا بعضها فقال - تعالى -: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85](سورة البقرة، الآية 85) .
ولكي يتحقق ذلك لا بد من إلقاء الضوء على ما ينبغي عمله في شتى المجالات ليتم تطبيق الشريعة الإسلامية بصورة صحيحة وفعلية:
1 -
لا بد من العودة بالعقيدة إلى المنابع الصافية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن غلو الغالين وانتحال المبطلين وتحريف المحرفين.
2 -
تثبيت القيم الأخلاقية الأصيلة على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتطهير المجتمع من الرذائل المتوارثة والدخيلة من المادية والأنانية واتباع الشهوات والميوعة والتحلل وغير ذلك من أخلاق الضعف والسلبية والانحلال.
3 -
المحافظة على شعائر الإسلام وخاصة عباداته الكبرى وأركانه العملية التي بني عليها هذا الدين من الصلاة والزكاة والصيام والحج وتربية جميع فئات المجتمع على احترامها وتوقيرها: فتجب العناية بالصلاة واتخاذ المساجد والمصليات في الدواوين والمصالح الحكومية والمؤسسات والشركات وكل مجمع للناس كالموانئ والمطارات ومحطات السكك الحديدية ومواقف السيارات العامة ونحوها.