المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه عبد القادر - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٣

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه عبد القادر

‌ذكر من اسمه عبد القادر

[332]

عبد القادر بن إبراهيم بن شجاع بن بقاء بن علي بن احمد بن محمد بن يحيي بن عرفجة، أبو محمد البغداديُّ.

كان فقيهاً حنفياً، عالماً بالأصول، حسن النظر في الكلام، ومسائل الخلاف، وله معرفة بالمنطق والفرائض والحساب وعلم القراءات.

وجدت من شعره قصيدة مطولة بخط يده، يمدح بها أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبا العباس احمد - رضوان الله عليه -.

وكانت وفاة أبي محمد في رجب سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ببغداد. أنشدني ولده إبراهيم؛ قال: سمعت والدي ينشد لنفسه: [من البسيط]

/17 ب/ وجدٌ أقام غداة الجيزة ارتحلوا

وصاح حادي المطايا زمَّت الإبل

ووكلوا بالماقي درَّ أدمعها

يا بئس ما عوَّضوا من بعد ما رحلوا

ليت الَّذين ألفناهم ما ألفوا

يوم النَّوي سألوا من ذا الَّذي قتلوا

نفسي فداء أصيحاب وهبت لهم

قلبي فمذ ملكوا جاروا وما عدلوا

وطالما وصلوا حتّى إذّا علموا

حبِّي لهم قطعوا حبلي وما وصلوا

اروم كتمان مابي من جوًي وهوًي

وكيف يخفي ودمع العين منهمل

أم كيف اكتمه والنَّاس قد علموا

بأنَّ بي وبوجدي يضرب المثل

بالله يا معشر العذَّال حسبكم

كفُّوا الملام فعندي منكم شغل

نار الغرام بقلب الصَّبِّ يوقدها

حرُّ الملام ويذكي جمرها العذل

قد خاب من يرتجي سلوان مكتئب

جارت عليه لحاظ الغنج والمقل

لهفي علي زمني والدار دانيةٌ

وشملنا ووشاه الحيِّ قد غفلوا

في مجلس جمع الدَّهر السُّرور به

وشرَّد الهمَّ عن أنيابه الجذل

والكأس كالشَّمس تبدو من مطالعها

منفضَّ ة في بدور ......

من كلِّ احوي كأنَّ البدر طلعته

واغيد طرفه بالسِّحر مكتحل

ص: 29

إذا تثني فغصن ألبان مجسده

أو لاح فالشَّمس يعلو نورها خجل

/18 أ/ والورد والآس والمنثور مختلفٌ

ألوانه وربيع الدَّهر مقتبل

والليَّل منسدلٌ والوقت معتدلٌ

والورد زاه وشمل الوصل متَّصل

يحكي زمان أبي العباس احمده

خليفة الله مولًي جوده جلل

مولي عوارفه عمَّت رعيتَّه

فالقفر مرتبعٌ والفقر مرتحل

مولًي تفنَّن في إحسانه فأتي

بما يضيق التَّمنِّي عنه والامل

مولًي إذا جارت الأيَّام قوَّمها

بسطوة زال عنها الجوز والميل

مولًى له عزماتٌ ليس يدركها

وهمٌ وأصغرها بالنَّجم متَّصل

مولي إذا رام أمراً عز مطلبه

بوهمه كاد قبل الكون ينفعل

يقيم في الأرض حد الله مجتهداً

يبغي رضاه بحلمٍ زانه عمل

ماضي السِّنان شديد البأس لا هلعٌ

يثني عنان مرامية ولا وجل

ثبت الجنان إذا نار الوغي اضطرمت

بالحرب فهو الشُّجاع المقدم البطل

له بديهة رأي لا يقوم بها

فكر إذا ضاقت الآراء والحيل

له أياد إذا قابلت أيسرها

بالغيث زادت عليه حين ينهمل

كأنما الناس في أيام دولته

لجنة الخلد لا صابٌ ولا شل

إذا سري جيشه في يوم معركة

قيدت لهيبته الأبطال والخول

/18 ب/ بهمَّة لو بدت يوم الوغي فعلت

ما ليس تفعله الخطيَّة الذُّبل

سوابل الغيث في أهداف وابلها

تحكي عطاياه لا منعٌ ولا بخل

يراقب الله في ادني رعيته

ولا تراه بنار البأس تشتعل

لو اقشعرت فجاج الأرض من ظمأ

لجادها من نداه الطَّيبَّ الهطل

أو استطالت صروف الدَّهر قوَّمها

بصولة رهبتها البيض والأسَّل

لو قال للدَّهر لا تلمم بحادثة

لعاد أسرع ممشًي وهو ممتثل

أو جاز في الدهر يوم .... حائره

أو همَّ بالخطب ولَّي وهو منخذل

أو رام من قدرٍ حتمٍ فمانعه

كادت لهيبته الأقدار تنفعل

ص: 30

أو شلَّ كفَّ المنايا بعد ما اتَّصلت

بجسم حيّ لكادت منه تنفصل

يخبِّر اللَّحظ عنه أنُّه رجلٌ

ولو دري لم يقل إلَاّ هو الرَّجل

يعطي ويحيي بلا من ولا عضلٍ

كالماء بيديه الرزق والأجل

طابت بسيرته الدُّنيا وزاولها

ظلامها واستنار السَّهل والجبل

جلُّ الملوك بدون الدِّين قد شغلوا

وناصر الدِّين بالإسلام منشغل

/19 أ/ ملائك الله أنصارٌ له فهم

يوم الضِّراب له بالنًّصر قد كفلوا

ليثٌ هزبرٌ مكرٌّ باسلٌ بطلٌ

مستبشرٌ وليوث الحرب قد ذهلوا

قيلٌ شجاعٌ مطاعٌ ضغيمٌ قدامٌ

غيثٌ مغيثٌ كريم الخيم ....

به من الله تستقي الغمام اذا

ضنَّت بوابلها الشَّحَّاحة الهطل

يا نائب الله حقّاً في بريَّته

ومن بدولته قد عزَّت الدُّول

ومن أوامره فرضٌ به نطقت

أي الكتاب ووحي الله والرُّسل

آباؤه خلفاء الله وهو لهم

فخرٌ وليس لهم من فخره بدل

آل الرسول وأعلام الورى وبهم

يهدي الأنام إذا ما استحوذ الزَّلل

هم النُّجوم ولكن أنت شمسهم

لمَّا بدا نورك السَّاري لهم أفلوا

أنت الإمام الَّذي لولا خلافته

صبا الأنام إلى الطَّاغوت وانتقلوا

أنت الَّذي خضعت هام الملوك له

طوعاً وكرهاً ودانت أمره الملل

أنت الَّذي طاعة الرحمن طاعته

في الأرض لولاك عمَّ الخطب والخطل

لو كان في الأرض إنسانٌ يخالفه

ضاقت عليه فجاج الأرض والسُّبل

فان تداركه من جود رحمته

لطف وإلَّا اقتراه الذئِّب والوعل

وصار للوحش بعد العزِّ مأكلةً

والميت للوحش في بيدائها أكل

/19 ب/ أما رأيتم أحاديث الَّذين عصوا

رأي الإمام وفيما أيَّه نزلوا

رموا عساكرهم بالبغي واجتمعوا

في الغيَّ واطَّرحوا الإسلام واعتزلوا

واحكم الشَّر والشَّيطان بغيهم

وعاندوا الله بالطُّغيان واحتفلوا

ففرق الله منهم كلَّ ما جمعوا

وردَّ بأسهم بالخزي واتخذلوا

تيقَّنوا بعد ما حلُّوا معاقلهم

أن ليس يعصمهم عن بأسك القلل

تزلزلت بهم اعلي جواسقهم

من بعد أمنٍ وذاقوا سوء ما عملوا

ص: 31

لاقوا منيتَّهم من دون منيتهم

بالرَّغم وادَّرعوا بالذُّلِّ واشتملوا

بادتهم حادثات الدَّهر ما نفعت

تلك الأسرَّة والتِّيجان والحلل

واصبحوا قد اباد الله ملكهم

أعزُّ من فيهم بالهون مبتذل

سوء الصَّنيع لقوا بعد النَّعيم شقوا

في حشرهم حرقوا بالنَّار واشتعلوا

أتاهم الله بالبأساء إذ جحدوا

حقوق مولًي علي باريه متكل

تنعموا وطغوا في عيشهم وبغوا

فأصبحوا بعد رغد العيش قد أكلوا

يا ابن البطاح ويا غيث النَّواح ويا

بحر السَّماح إذا اجواده بخلوا

عام الرَّمادة مشهورٌ لجدُّكم

سري وغنَّت به الرُّكبان والرَّجل

عمِّ النَّبيِّ وشيخ المأزمين ومن

له السِّقاية والإعظام والنَّفل

/20 أ/ عليكم نزُّل التنزيل وانتشرت

آياته واليكم حجَّت الرَّسل

يا صاحب الدَّهر يا من لا شبيه له

في العصر قولاً صحيحاً ليس ينتحل

الملك فيكم فمن ملكتهم ملكوا

والفضل منك فمن فضَّلتهم فضلوا

عش وابق واسم وصل وانعم ودم وانل

فالأكرمون لما أوليت قد خجلوا

أيَّامك الغر ُّلا زالت مخلَّدة

يقضي الزَّمان ولا يقضي لها ـجل

ما غنتَّ الطيَّر في غنًّاء مورقةٍ

وحنَّ صبٌّ براه الصدُّ والملل

[333]

عبد القادر بن أميريّ بن بختيار بن الخلِّ بن محمد بن داود بن عبد الله، أبو محمدٍ بن أبي الخير الأشهي والداً واصلاً، الإربلي مولداً ومنشأ.

كانت ولادته بإربل تقديراً سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتوفي بها حادي عشر جمادي الأولي سنة إحدي وعشرين وستمائة، ودفن شرقها بمقبرة تعرف بمشهد الكفّ.

وكان والده رجلاً صالحاً من الفقهاء المتبعدين، محدِّثاً يلقَّب قطب الدين؛ وابنه أبو محمد اعتني بالحديث، فسمع منه كثيراً علي جماعة /20 ب/ علي جماعة من المشايخ، وكان ذكياً مطبوعاً، له طبع النظم من غير اشتغال بالأدب.

ص: 32

أنشدني أبو عبد الله محمد بن أرسلان لاجين الإربلي؛ قال: أنشدني عبد القادر بن أميري لنفسه من قصيدة يرثي بها والده – رضي الله عنه: [من الطويل]

شجا قلبي العاني فراق الحبائب

فأضحي عليَّ الهمَّ ضربه لازب

وسحت جفوني بعد بعد أميمة

بدمعٍ كما سحَّت جفون السَّحائب

وكنَّا جميعاً في رياض مسرَّةً

وطيب امان من صروف النوائب

فلم يبق إلَّا حسرةٌ بعد حسرةً

وتعليل نفسٍ بالظُّنون الكواذب

وفرقة قطب الدّين والدي الَّذي

لها بفؤادي مثل وقع القواضب

تباعد عنَّا بعد أن كان دانيّا

بنفسي ابي من غائب غير آثب

لقد كان يدعو ليله ونهاره

لمالك أعناق الورى بالمواهب

وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في إنسان: [من الوافر]

لنا جيران سوء لا نبالي

بصحَّتهم لأنَّهم كسالي

/21 أ/ رجوت نوالهم من فرط جهلي

ودون نوالهم طعن العوالي

لقد صدق الَّذي قال قبلي

مقالة رب صدِّق في المقال:

امن دار الكلاب تريد عظماً

لقد أطمعت نفسك بالمحال

رجوناهم يعينونا فباعوا

هداياهم بأنواع الضلال

ولم انس الإساءة من أناسٍ

وزجرهم الصَّوافن بالنعال

عتبناهم لأنُّهم جواري

وحفظ الجار من شيم الموالي

وأنشدني أبو عبد الله بن عبد السيد بن احمد الإربلي البغدادي؛ قال: أنشدني أبو محمد عبد القادر لنفسه في الوزير الصاحب شرف الدين أبي البركات المستوفي – رحمه الله تعالي – كان قد خرج ليلاً، فوثب عليه شخص سوء فضربه بسكين ليقتله، وانهزم فصادف في طريقه إنساناً اسمه غزال، فقتله:[من الطويل]

عجبت لكلب أمَّم اللَّيث بالرَّدي

فكانت فداء اللَّيث روح غزال

/21 ب/ بإحسانك الجمَّ العميم إلى الورى

وقاك الرَّدى: ربُّ الورى المتعالي

ص: 33

وحبُّ رسول الله للمرء عصمهٌ

وآل رسول الله أكرم آل

[334]

عبد القادر بن مسلم بن سلامة بن أبي البهاء الحرّانيُّ.

وقع إلى من شعره قصيدة مدح بها الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي – رحمه الله – أنشدنيها عنه أبو عبد الله محمد بن احمد بن عمر الإربليّ الحنفي؛ قال: أنشدني عبد القادر بن مسلم لنفسه: [من الكامل]

الدَّمع يظهر ما اجنُّ وأضمر

والسُّقم يهتك في الَّذي ما أستر

لو أنَّ قيساً قيس بي لفضلته

وكثيِّراً عداً يقلُّ ويكثر

يا من تقر بقتلتي وجناته

حتَّى م تجحد مقلتاك وتنكر

كم ذا التمادي في الصُّدود وعبرتي

بمدى المدامع فوق نحري تنحر

ماذا يضرَّك لو سمحت بزوره

زوراً عسي بالنَّوم طرفي يظفر

من لي بمرَّ الهجر حلو وصلهً

يصحو من الشَّوق العنيف واسكر

/22 أ/ أدنو فيبعد بعد وصلً جافياً

ويخون عهدي إذ وفيت ويغدر

يا من يميل إلى الملالةٍ والقلي

وينام عن ليلي الطَّويل واسهر

حتَّى م لا ألقاك إلَّا معرضاً

متجِّنياً عنِّي تصدُّ وتهجر

ألَّا رثيت لرثِّ حالٍ لم يزل

يصفيك محض وداده وتكدِّر

أمسى غريقاً في بحار دموعه

والنَّار حشو حشاشه تسعَّر

يا غصن بان شعره أوراقه

من فوق أعلاه هلالٌ يثمر

خدَّاك ورد واللَّوحظ نرجسٌ

والصدع آسٌ والمقبَّل جوهر

حكت الغزالة نور وجهك إذ بدت

ورنا لمقلتك الغزال الأحور

ما قلت إنَّك قد حكيت بجؤذر

بل قلت انك قد حكاك الجؤذر

ويلاه من ثمل المعاطف قدُّه

رمحٌ ومقلته الكحيلة خنجر

في فيه ورد كالسُّلاف مذاقه

وبخدِّه وردٌ جنيٌ أحمر

ص: 34

فضح القضيب بقدِّه لَّما بدا

يهتزُّ من مرح الشَّباب ويخطر

وغدا الفؤاد بأسره من أسره

لمَّا بدا في مشية يتبختر

فاق الغصون المايسات نضارةً

فحلت شمائله وراق المنظر

من سود جفتيه يجرد أبيضٌ

ويهزُّ من عطفيه لدنٌ اسمر

/22 ب/ يا منذري بالعذل في من خدُّه

لشقائق النُّعمان بئس المنذر

لو عاينت عيناك خطَّ عذاره

ما لمتني ولكنت فيه تعذر

عدَّ الملامة فهي لومٌ واقتصر

يا من أطال ملام من لا يقصر

لا تخذلني يا عذول فإنَّ بالمولي

أبا البركات أضحى ينصر

الماجد الحبر الجواد ومن غدت

عنه أحاديث المكارم تسطر

ما زال من جدوي يديه موردٌ

عذبٌ لمن يرجو نداه ومصدر

بحر علي قصَّاده متدفِّقٌ

نارٌ علي حسَّاده تتسعَّر

عمَّ الورى بالمكرمات فلا ترى

إلَّا فتًى يثني عليه ويشكر

ولقد طويت البيد نحو فتًي له

صحف النَّدي في كلِّ ناد تنشر

يا عامراً بالمال آمال الورى

لا زلت تعمر بالنَّوال وتغمر

لو أنَّ كفَّك صافحت حجراً غدت

منه ينابيع الندي تتفجَّر

يا من سماء ندى يديه لم تزل

في أرض عافية تسح وتمطر

إ، جدت للعافي فإنَّك حاتمٌ

أو صلت في الباغي فإنكَّ عنتر

الله خصَّك دون سائر خلقه

ببلاغةٍ معروفةٍ لا تنكر

فإذا نظمت نظمت أكباد العدا

وإذا نثرت فكم رؤوس تنثر؟

/23 أ/ يا من له القلم الَّذي دانت له

بيض الصَّفائح والوشيج الأسمر

يا من إذا سارت كتائب كتبه

في النَّاس تطلق من تشاء وتأسر

بك قامت الأرواح أرواح الورى

إذ كلهم عرضٌ وأنت الجوهر

[وقال في غلام عليه قباء أزرق: [من الوافر]

ص: 35

وبدرٍ في دجي شعر تبدَّا

يقلُّهما قضيبٌ في كثيب

غريب الحسن يطلع في قباء

سماوي ويغرب في القلوب

وقال أيضاً وقد ودع محبوباً له: [من البسيط]

ودعته وحشاي حشوها حرقٌ

ومدمعي بالَّذي أخفيه قد نطقا

فما تفارقت الأجسام حين سري

ألَّا وروحي وجسمي بعده افترقا

[325]

عبد القادر بن زنكي بن بنيمان، أبو بكرٍ الأشتريُّ.

ينسب إلى الأشتر، أحد [أعيان] البلاد الجبلية.

فقيه شافعي المذهب، تفقه ببغداد علي أبي القاسم بن فضلان وغيره، وحصل طرفاً من المذهب والخلاف، وتكلّم في المسائل وأعاد بالمدرسة النظامية، ثم درس بعد ذلك بالمدرسة التي أنشأها فخر الدولة أبو المظفر بن المطلب بعقد المصطنع، وولي النظر في أوقافها فلم تحمد طريقته، وعزل عن ذلك في جمادي الآخرة سنة ست وتسعين وخمسمائة.

وكان سمع الحديث من أبي المعالي بن الفراوي، واحمد بن إسماعيل القزويني، ذكر لي أبو المجد إسماعيل بن هبه الله بن باطيش /23 ب/ الموصلي، انه شاهده بمدينة السلام في سنة ثلاث وستمائة، علي قدم البطالة.

وجدت له قصيدة مزدوجة، ترجمها بكتاب التبيان في ذكر الفتوة والفتيان، وقدّم من مشاهير الفتيان آدم، ثم تلاه في فتوة إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم يوسف، وفتوة يوشع؛ وذكر الفتوة والفتيان في آي القرآن، وفتوة أصحاب الكهف، وفتوة النبي المصطفي، والمرتضي، وفتوة الأخيار من المهاجرين والأنصار، وختمة بفتوة الإمام الناصر لدين الله، والثناء علي المواقف المقدسة الشريفة الإمامية – زادها الله عزاً وشرفاً – وذكر حقيقتها وشروطها وأركانها وحدها وأحكامها وأضدادها، وماهية

ص: 36

محصولها، وقول العلماء الزُّهاد فيها مثل: الجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، واحمد بن حنبل، وإبراهيم النصر اباذي، وعمرو المكي، والحارث المحاسبي، والفضيل بن عياض، وأبي القاسم القشيري، وافتتحها بقوله في الثناء علي الله تعالي وعلي رسوله سيد /24 أ/ الأنبياء صلي الله عليه وسلم:

[من الرجز]

ثناء ربِّ العزَّة القديم

أولي لدي المقال بالتقديم

فالحمد لله الَّذي برانا

ثمَّ إلى توحيده هدانا

والحمد لله وليِّ النِّعم

مبدي الأقاليم وبادي النَّسم

مصوِّر الأفلاك والأملاك

مقدِّر الإخلاص والإشراك

مزيِّن الأنفس بالعقول

مقسِّم الفصول والأصول

موشح الأشباح بالأرواح

مروِّح الأرواح بالأفراح

باسط ارض العرش في السماء

واضع فرش الأرض فوق الماء

موجد كلِّ ما سواه وجدا

هو الَّذي حق له أن يعيدا

من علينا بفنون النِّعم

مقسومةً ولم يجر في القسم

شرَّفنا بملَّة الإسلام

عرفنا تجنُّب الآثام

نحمده حمداً كما يستوجبه

والحمد منَّا هو أيضاً واهبة

وهي تربو علي مائتي بيت، وآخرها ما هذا شرحه:

أقول معتذراً إلى الحضرة الكريمة الشمسية – أكرمها الله تعالي: [من الطويل]

/24 ب/ خزانة شمس الدُّين دام ظلاله

بها غنيةٌ عن كلِّ مبتكر ندر

هو البحر

إلَّا أنَّه البرُّ بالورى

وها اهديت الجمال إلى البحر

بعثت له من بعض ما منه نقتني

لذا البحر تأتيه السحابة بالقطر

ص: 37

[336]

عبد القادر بن يحيي بن أبي القاسم بن أبي المعالي بن هود بن حماد بن أبي بكر بن خبيرٍ، أبو الفضل الحميريُّ البوازيجيُّ

من أشهر بيت بالبوازيج، حفظ القرآن العظيم، وقال شعراً كثيراً، مدح به الناس، وما مدح أحداً إلَّا وعاد هجاه، وهو شاعر مجيد، سخيف الهجاء، خبيث اللسان.

أنشدني لنفسه؛ يمدح الإمام العلامة حجّة الإسلام كمال الدين أبا المعالي موسي بن يونس بن محمد بن منعه بن مالك الفقية المدرس، الموصلي الشافعي – رحمة الله -:[من الطويل]

مغانيالصِّبا لا زال ربعك غانيا

وأصبح خاليه من النُّور حاليا

عدتك العوادي من زمانك واغتدت

إلى ربعك الأنواء تهدي الغواديا

نثرت لآلي الدَّمع فيك وطالما

نظمت بوصل الغانيات الَّلاليا

/25 أ/ ومنها:

يسائلني عن علَّةٍ ما شكوتها

أليه خليلٌ ليس يعلم حاليا

ويأبي الهوى أن يكشف السِّتر بيننا

فيصبح سرُّ الحب للنَّاس باديا

وكنت إذا ما جئت أسماء زائراً

نظرت يميني تارةً وشماليا

فأدنوا ولم يشعر من الحيِّ كاشحٌ

وامضي وقد سلُّوا عليَّ المواضيا

إذا رمت من أسماء في اللَّيل خلوةً

تنبِّه في جنح الظَّلام الأعاديا

كأنَّ ظلام اللَّيل كل نجمة

عليَّ رقيباً أو به مثل ما بيا

كأنَّك يا نجم السَّماء حمامةٌ

تهيِّج للأعداء ليلاً حماميا

كأنَّك دهر عاندتني صروفه

فكدَّر من أسماء ما كان صافيا

نأي النَّوم عنِّي بالهموم كأننَّي

وهبت لطرّاق الهموم رقاديا

وخيفاء كلَّفت المطيَّ اعتساقها

ذميلاً وقد القي الظَّلام المراسيا

وهبَّت لنا ريحٌ من الأرض قرَّةٌ

ولا نار إلَّا جذوةٌ في فؤاديا

ص: 38

ولاح لنا وهنًا من الغور بارقٌ

أضاءت به الآفاق لمَّا اضاليا

فقلت لصحبي حين عاينت ومضه

وقد بلَّ بالعلل النسيم ردائيا

ـما في الَّتي لاحت لموسي بدت لنا

من الطُّور أم أنوار موسي أماميا

/25 ب/ من الفضل آياتٌ له لو دعا بها

إلى سبله أضحى إلى الحقِّ داعيا

ولو أنَّه يوماً تحدَّي بفضله

لأعجز في الدُّنيا قريباً وقاصيا

لئن كان موسى ضلَّ طوراً بقومه

فإن كمال الدين ما زال هاديا

له طور فكر من حجاه إذا ارتقي

علي ظهره أضحي كليماً مناجيا

ولو أنَّه ألقيً عصاً من علومه

علي سمع فرعون لما كان عاصيا

تسير العلا أنَّي سري في ركابه

ويسعي إلى اكنافه العز ماشيا

ولو فر إنسانٌ من الموت هارباً

إلى ظله أضحى من الموت ناجيا

وأنشدني أيضاً لنفسه؛ يمدح الملك الناصر صلاح الدين داود بن عيسي:

[من الطويل]

بآلاء ذا الملك الَّذي عمَّ نائله

تبلَّج وجه الملك واشتدَّ كاهله

وسالم دهرٌ كان حرباً وأصبحت

بداود عنَّا راحلات نوازله

وأقبلت العلياء تسري إلى فتًي

جميل محيَّاه كريمٍ شمائله

من القوم مطعام العشَّية والضُّحي

يعمُّ البرايا فرضه ونوافله

فيحيي ويردي جوده وانتقامه

فبيضٌ أياديه وحمرٌ مناصله

/26 أ/ كذا الدَّهر يرجي منه للمعدم الغني

وتخشي علي أهل النَّعيم غوائله

سما بحر هذا الملك فالحظُّ وافرٌ

لداود منه حين شرَّف كاملة

تهنُّي به الدُّنيا وأنَّي لمثله

يهنَّي به الشَّئ الَّذي لا يماثله

ولكنَّني هنيَّت كلَّ فضيلة

بأكرم من تغشي الأنام فواضله

لسان نضالٍ أفحم النَّاس نطقه

فما آمنٌ في العالمين يناضله

وذو حكم لو أنَّ سقراط في النذُهي

مسائله هانت عليه مسائله

له سطواتٌ تملأ الأفق هيبةً

وعارض جود طبَّق الأرض وابله

ففي كلِّ قلب خلَّف الرُّعب بأسه

وفي كل شعب خلَّف الحمد نائله

ففي الحرب تِّهمي بالدِّماء سيوفه

وفي السِّلم تهمي بالعطايا أنامله

ص: 39

ألا أيها الملك الَّذي سار خوفه

إلى كل قلب ثم حطت رواحله

إلي م عدوُّ الدين تهجره القنا

وقد نحلت شوقاً إليها مقاتله

ذر السَّيف يروي فيهم فلسانه

فصيحٌ بهذا الدّين ما النَّصر قائله

فإن كنت لا ترضي لنفسك قتله

فإنَّ الَّذي في نفسه منك قاتله

فكم ملكٍ تحت العجاج تصادمت

قناتك في يوم الوغي وقنابله

شهرت عليه المشرفيَّة والقنا

فولَّت كعانات الفلاه جحافله

/26 ب/ أقلَّت رياحٌ من سطاك عليهم

سحاباً بصوب الموت جادت مخايله

همي فحدود المشرفيَّة سيله

علي كلِّ هام والنُّحور جداوله

واعملت في اللَّبَّات كلَّ مثقَّفٍ

يسيغ دماً حتَّى تبزَّل عامله

فلو أنَّ ملك الارض يوماً دعوته

أجابك حقُّ الملك يوماً وباطله

فأنت حسام الله في يد قهره

وأنت لواء الدِّين والله حامله

ومن كان في الآفاق بالجود قابلاً

فإنَّ صلاح الدِّين في النَّاس فاعله

ولو لم يحاول جود كفَّيه آملٌ

سري نحو ربع الآملين يحاوله

وأنشدني لنفسه يمدح الوزير الصاحب شرف الدين أبا البركات المستوفي – رحمة الله -: [من مجزوء الرمل]

يا لقومي الأقارب

للقنا والقواضب

قتلتني تعمُّداً

لحظات الكواعب

ورمتني بأسهمٍ

عن قسيِّ الحواجب

ضرهَّ الشمس لو بدا

وجهها في الغياهب

منع الطرَّف ان يري

مشرفات الكواعب

تتعاطي لقومها

باجتناب المعايب

/27 أ/ فهي لا شكَّ أنَّها

من لؤيِّ بن غالب

كيف أدنو ودونها

بالظُّبا كلُّ ضارب

وحرابٌ يهزُّها

كلُّ ليث محارب

ولها من عفافها

حاجب أيُّحاجب

ظلت من فرط حبِّها

هائماً في السباسب

ص: 40

هكذا كلُّ قابض

مولعٌ بالرَّبارب

نجل موهوب يممِّوا

تظفروا بالمواهب

لو دنا كلَّ راهبٍ

من حماه وراغب

لاغتدي غير خائفٍ

وانثني غير خائب

[ولقد قلت للركا

ئب بعد الركَّائب]

هو مازال راغباً

في ابتذال الرَّغائب

أنت يمٌّ يؤمُّه

كلُّ ماش وراكب

ومغانيك كعبةٌ

للمني والمارب

شرف الدِّين دعوةً

من محبٍّ وصاحب

فاستجب دعوة أمرئٍ

في الهوي غير كاذب

بنوالٍ مسحِّب

ذيله كالسَّحائب

/27 أ/ وابق للحلم والنَّدي

والعلا والمناصب

وأنشدني أيضاً لنفسه: [من مخلّع البسيط]

مرَّ أبو مرَّة علينا

وقد تجلَّت لنا المدام

فظلَّ منَّا لهًا سجودٌ

طوعاً ومنَّا لها قيام

في زيِّ حبر عليه مسحٌ

من لونه ينشر الظَّلام

قال: سلامٌ، فقلت: منَّا

عليك سيِّدي السَّلام

فقال: مالي اراك عنهم

بمعزلٍ أيُها الغلام

رغبت عن مذهب الحميَّا

ما هكذا تفعل الكرام

فقلت: شرب المدام حلُّ

فقال لي: تركها حرام

إشرب فقال النَّديم: خذها

أفتاك في شربها الإمام

فخضت بالإثم في بحور

يموج في لجِّها الأنام

كم طاح شهرٌ، وراح دهرٌ

ومرَّ عامٌ، وجاء عام

ص: 41

ونحن في جنَّةٍ الحميًّا

يسمح في دوحها الحمام

يدبر ماساتها علينا

بدر الدُّجي زانه التمام

تسعي إلى السُّكر بعد سكرٍ

فلا صلاةٌ ولا صيام

/28 أ/ وأنشدني لنفسه يمدح السلطان الملك الأشرف موسي بن أبي بكر بن ايوب: [من البسيط]

مالي وذكر الرُّبي والمنزل الحرب

وترك ما رمت من لهو ومن طرب

لا أبتغي غير رشف الكأس تكرمةً

من الزَّمان ولثم الواضح الشَّنب

من كفِّ راهبة في الوصل راغبةٍ

تلين من رهبٍ طوراً ومن رغب

شمس تراءت لنا ليلاً علي غصنٍ

كأنَّها طلعت صبحاً ولم تغب

ظلَّت مصفِّقةً بالرَّاح ما زال يعصمها

من الخطوب فلم تفرع ولم تشب

حتَّى إذا كان منها غفلةٌ بررزت

للنَّاس من خدرها في منظر عجب

زني بها الماء فاصفرَّت له خجلاً

منا وبرقعتٍ الخدِّين بالحبب

رقت فلا جوهرٌ أمست ولا عرضاً

وليس من فضة كانت ولا ذهب

حتّى تحيَّر فيها الواصفون فلم

يحظ المبالغ في وصف ولم يصب

تخال أنَّك في الإسلام تشربها

لو لم تمل برؤوس الشَّرب عن كئب

لولا تنصُّرها في الكأس ما سبيت

وشدَّ راووقها الباقي إلى الصَّلب

ولا سعينا إلى الحانات تسلبها

بالطَّاس لا بالمواضي والقنا السلب

/28 ب/ لكنَّها اعربت عن كفرها وغدت

حرب الأعاجم في الإسلام والعرب

صالوا عليها، وصالت في عقولهم

فليس ينفكُّ بعد النَّهب في نهب

تحكَّمت فيهم سكراً كما حكمت

أشباع موسي علي الاعداء بالقضب

القائد الجيش كالآذيِّ يتبعه

وسائق الجيش بالخطيِّ في العقب

وفتيةٍ سبقوا بالطَّعن اذ علموا

أن التاخُّير لا ينجي من الهرب

المقدمون وفي الإقدام حتفهم

يوم النزال كأنَّ الخير في العطب

لو أنَّهم جزعوا يوم الوغى حتفهم

يوم النزال كأنَّ الخير في العطب

أبت تقرٌّ علي جسم رؤوسهم

لو لم تقرَّ لك الهيجاء بالرُّتب

ص: 42

فاستسلمت للعدا في الحرب إذ نصرت

أعلامهم ودعت بالويل والحرب

ناداك والملك قد شالت نعامته

صونا فلبيَّته بالفيلق اللجب

فزرته ورماح الشِّرك تحسبها

في ساحل البحر آجاماً من القصب

لقبتهم مغضباً فانقض جمعهم

خوفاً فكان الرَّضا في ذلك الغضب

ضربتهم بالظُّبا حتَّى نثرتهم

ضرباً علي هامهم احلي الضرب

فاقبل الوحش يبغي من أماكنه

قري الأسنَّة والهنديَّة الشُّطب

علماً بأنَك تردي ما يميرهم

جاءوك فانقلبوا في خير منقلب

/29 أ/ ردَّت كتائب عيسي وهي طالعةٌ

أيات موسي التي اثبتن في الكتب

لم يحيي امواتهم لكنَّها ظهرت

لقوم في سلب الأرواح والسلب

فأنهل العجم في الهيجاء ما نهلوا

وعلَّهم من حياض الرُّزء والنُّوب

فإن بأسك بأسٌ لو قذفت به

صدر المجرَّو أجرها على العقب

واعلم بأنَّك إن لم تلق خيلهم

كانت لها قثب الخطيِّ كالعشب

إنَّ الكلاب إذا لم يلقها أسدٌ

كانت كأسد الشَّري من شدَّة الكلب

وجمرة الشَّرِّ ان لم يطفها غدقٌ

من الأسنَّة لم تفتر عن اللَّهب

يا أيُّها الملك الميمون طائره

ومن إليه انتهاء المجد والطّلب

أني أتيتك أبغي منك ما ضمنت

لي الظنون واشكو حرقة الأدب

وأنشدني أيضاً: [من الوافر]

إذا طلعت وليل الهمِّ داجي

كؤوس من الرَّاح في كفِّ النَّديم

ودارت بيننا خمساً وخمساً

درات بنورها ظلم الهموم

وطارت في وجوههم وأمسى

حقير القوم في خلق العظيم

تبسَّطنا علي الآثام حتَّى

شربنا بين زمزم والحطيم

ويغمرنا علي الالحان بحرٌ

فنغرق منه في لجج النَّعيم

/29 ب/ وأنشدني لنفسه، وقد قصد بعض الرؤساء، فححبه البواب:[من الكامل]

ما زلت أكره من جنابك زورةً

حتَّى كفاني شرَّها البوَّاب

واراك تتَّخذ الحجاب تعلُّلاً

وحقير برِّك للاتي حجاب

ص: 43

قد كنت اعلم أنَّ الك في الوري

أل ترفِّعه رُّبي وهضاب

لكن سمعت بأنَّ جودك لجَّةٌ

فإذا الَّذي غرَّ الأنام سراب

وأنشدني لنفسه في مغن يهجوه: [من المنسرح]

غنَّي ابن أخت الزَّعيم والشَّرب قد

دار عليه الشَّراب فانشعبا

فما شككنا وقد مضوا فرقاً

أن غراباً عليهم نعبا

ورجَّع القول في بقيَّتهم

فاطنبوا بالمقال واحربا

وهو علي جهله بصنعته

يظنُّهم قد تهتكوا طربا

وأنشدني لنفسه في مستنيب يهجوه: [من المتقارب]

كأنَّ أبن افشين في زيره

رياح الشِّتاء جرت بالأّصيل

فتلك تجمد صوب الغمام

وهذا يجمِّد صوب العقول

له نفسٌ باردٌ يابسٌ

يردِّده في الخفيف الثَّقيل

/30 أ/ وانشدني أيضاً قوله: [من الوافر]

ومعتدل القوام اذا تثَّني

أراك معاطف الغصن الرَّشيق

كأنَّ عذاره والخدُّ منه

غضيض النَّبت احدق بالشَّفيق

إذا سقَّاك في درٍّ عقيقاً

تقبِّل منه دراً في عقيق

ففي ألفاظه واللَّحظ سحرٌ

يرد الطَّائعين إلى الفسوق

دعاني فاهتديت إلى طريق

يضلُّ المهتدين إلى الطَّريق

رشفت رضابه وشربت خمراً

ففضَّلت الرَّحيق علي الرَّحيق

وأنشدني لنفسه أيضاً: [من الكامل]

قدم الرَّبيع بورده وبهاره

فاستجل نبت الدَّهر في ازهاره

وتوقَّ غرته اذا أبرزتهأ

للناس إنَّ الرَّاح من ابكاره

زمنٌ اعار الارض ثوب سمائه

وبدت كواكب ليلة بنهاره

فاخلع عذارك في الملام لأهيفظس

تسيبك مقلته وحسن عذاره

وأنشدني أيضاً من شعره: [من الطويل]

بعثت إلى المولي الوزير شكايةً

واظهرت فيها ما تجنُّ الضَّمائر

ص: 44

ليعلم إنِّي قاطعٌ حبل وصله

وأنِّي من بعد المودَّة هاجر

/30 ب/ وأنَّي مع هجري له واجتنابه

علي القري والنَّأي المفرِّق شاكر

فكم موطن يا ابن الكرام لديكم

تساوي الحصافي جوِّه والجواهر

ولم أنس فيضٍ الدَّمع حلماً لأنَّني

صفحت عن الازمان وهي غوادر

ولكنني احببتكم وأخو الهوي

علي كلِّ مكروه من الحبِّ صابر

وأنشدني لنفسه يمدح النقيب محيي الدين أبا طاهر محمد بن حيدر بن محمد بن زيد الحسيني الموصلي:

[من الطويل]

جهلت من المعروف ما أنت عالمه

إذا لم تزر ربعًا تعفَّت معالمه

وما هاج وجدي معلمٌ بان اهله

ولكنَّ عهداً في

تمائمه

وقفت به والصَّبح قد هزم الدُّجي

إلى الغرب لمَّا سلَّ بالشَّرق صارمه

وللطير في شجراته وقصوره

ترنُّم زنجيٍّ شجتني طماطه

فأسبل دمعي كالعقيق واسلمت

فؤادي إلى ايدي الحمام حمائمه

سقت تربه الأنواء حتي تصرَّمت

وحيَّاه من نوء السِّماكين رازمه

واغيد فتَّان اللَّوحظ لو رنا

إلى بارحٍ لانهلَّ بالماء قائمة

أغار علي ألبابنا بلحاظه

فراح وألباب الرِّجال غنائمه

/31 أ/ إذا البرق أمسي ثغره مبتسِّماً

حكته وقد لاح الصَّباح مباسمه

أري الدَّهر للحرِّ الكريم محارباً

وإن كان بالرَّغم الكريم يسالمه

فيخفضه ان رام في الناس رفعهً

ويصرفه عن حقِّه وهو ظالمه

ولكنَّ سمحاً تسلب الدَّهر حكمه

إذا برزت آراؤه وعزائمه

يخوض إلى العلياء كلَّ كريهة

يصادم اطراف القنا وتصادمه

لأجدر أن يلقي الَّذي لا يسوؤه

من الدَّهر او يعنو له وهو راغمه

وإن أخا الإعدام من بات طالباً

مزيد غنًي في نفسه وهو عادمه

ومظلمة الأرجاء قفرٍ قطعتها

علي خاضبٍ كا ..... تترو قوادمه

تجهَّمها واللَّيل ملق جرانه

وقد لاح راميٍه وطارت نعائمه

كأن نجوم اللَّيل نور خميلة

تفتَّح وهنا والنَّهار كمائمه

كأنَّ الدُّجي سارٍ بحيٍّ تفاذفتً

براكبها الأمواج والركّب عائمه

ص: 45

رسمنا البلد الغبر لمَّا تغشمرت

إلى ابن عبيد الله .... رواسمه

إلى ذي ندي ينهلُّ قبل سؤاله

كما انهلَّ من نوء السِّماكين رازمه

إذا ما أتاه طالب ...... .... يعارضه ثمَّ استهلَّت غمائمه

نداه يعمُّ المعتفين وبرُّه

يزور اليتامي قائم الدَّهر صائمه

/31 ب/ من القوم لا المَّعروف فيهم بمنكرٍ

ولا البرق من آلائهم خاب شائمه

ولو لم يكن من معشرٍ طاب خيمهم

كرامٍ كفتهم في الفخار مكارمه

وإنَّ لمحيي الدِّين فضلاً عليهم

كما فضل الحيَّ اليمانيَّ حاتمه

لئن فخرت أبناء فهر بما بنت

وزاد علي ما شيَّد القوم هاشمه

بكم جلَّ هذا البيت حتَّى تواضعت

لديه المعالي واشمخرت دعائمه

وأنتم من الهادي اذا انتسب الورى

يداه وما ضمت عليه حيازمه

وأنتم لهذا الدِّين آل محمَّد

علي الخصم عضبٌ في يد النَّصر قائمه

أبوكم إمام المتَّقين فمن عصي

أوامره اصلته ناراً جرائمه

إمامٌ له جبريل ما زال خادماً

وحسبك فخراً أنَّ جبريل خادمه

ولولاكم ما قام للدِّين منبرٌ

ولا خطبت اعرابه واعاجمه

بجدَّكم المبعوث جلَّت فروعه

ومن علمه دون الوري قال عالمه

وكنتم علي الآفاق عارض رحمةٍ

بوارقه محمودة وهماهمه

وأنشدني أيضاً لنفسه من قصيدة يمدح بها: [من الوافر]

لسعدك يخضع الفلك الآثير

وأنت الحيُّ تخدمك الدُّهور

/32 أ/متي خاضت بحدِّ ظباك حرب

فليس لها وإن هزمت ظهور

تسيل بها دماً مهج الأعادي

إذا افترعت بكارتها الذُّكور

ويوم ظلَّ مسودَّ الحواشي

تحلقه بأنفسها الصُّدور

كأنَّ تناوح الجيشين فيه

جبال الرُّوم قابلها ثبير

شهرت عليهم بيض المواضي

من الأغماد وهي لها خدور

وقد انكحتهنّ الهام ضرباً

وكان نتاجهنَّ دماً يمور

وأنشدني له: [من المنسرح]

ص: 46

ربع الهوي ما وقفت في كثبه

وقد رماك الغرام عن كثبه

وقفت عن اهله تسائله

والدَّمع قد عمه بمنسكبه

أضحي خلاءً فما به طللٌ

يعرب بعد المحول عن عذبه

كيف يلذُّ الفتي بعيشته

والعمر سفرٌ والدَّهر في نهبه

والمرء ما زال في تقلَّبه

تسلم آماله علي عطبه

ومنها:

وأهيف كالقضيب أهدي لك السِّرَّ من مأسه ومن شنبه

علي ريلض تحكي الظَّلام ويحكي نورها النَّيَّران من شبهه

/32 ب/ يلثمني كأسها والثمه

حبّاً فسكري بها وصحوي به

[337]

/34 أ/ عبد القادر بن أبي عبد الله الخياط – والده من أهل دمشق – الدمشقيُّ

كان شاباً ذكي القريحة في قرض الشعر، وقرأ شيئاً من الادب علي شيخه أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي.

أنشدني الخطيب عبد الرحمن بن منصور بن /34 ب/ جامع الدمشقي؛ قال: أنشدني عبد القادر بن العجيل؛ يمدح شيخه تاج الدين الكندي، وهو زيد بن الحسن:[من الكامل]

أفض الدِّما بمرابع الأدم

واندب معالمهنَّ بالعلم

برزت غصوناً في كثيب نقاً

وبدت بدوراً في دجي لمم

وسروا بليل مدلجين كما

تسري بدور التَّم في الظلم

ما انجدوا بل أتهموا ولها .. بالصبر اضحي غير متَّهم

يا وفقة التَّوديع طلت بها

ومدامعي تنهلُّ كالدِّيم

أبكي وأندب أربعاً درست

بعد الفراق بأدمع سجم

ص: 47

حيِّ الظِّباء بحيِّ كاظمةٍ

وأقر السَّلام مهًا بذي سلم

من سافر بالحسن ملتثمٍ

فاق الهلال وغير ملتثم

بقناة قدٍّ ما بها خورٌ

وبسيف جفن غير منثلم

لله ليلة زارني ولها

طرف الدًّجي والصُّبح لم ينم

باتت مضاجعنا جشاً حشاً

وغدت مراشفنا فماً لفم

حتَّي بدا ضوء الصَّباح بطلعة زيد الكنديِّ في الظُّلم

العالم الحبر الجواد سليل الجود ربِّ المجد والكرم

/35 أ/ ندبٌ اذا انتدب اليراع تري

في الطِّرس يبدي غاية الحكم

فكأنَّما اقلامه أسدٌ

بين الأنامل منه في أجسم

يا كعبةً للجود قد نصبت

للوفد من قاصٍ ومن امم

تالله ما ...... .... أذن إلَّا لملتمس ومستسلم

ص: 48