المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ذكر من اسمه عبد المجيد - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٣

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ ذكر من اسمه عبد المجيد

/ 40 أ/‌

‌ ذكر من اسمه عبد المجيد

[352]

عبد المجيد بن الحسن بن الخطَّاب بن بدلٍ، أبو الحسن المراغي.

من فضلاء أذربيجان، وأفراد أدبائها، كان غزير الحفظ، عالماً بالأدب، مبرزاً في اللغة والشعر، ولم يكن أحد في زمانه يضاهيه، فيما يتعاطاه من الفنون الأدبية، وصنعة النظم والنثر والتصنيف.

وكان أوحد وقته في معرفة شعر أبي الطيب المتنبي، وعلمه بمعانيه وتفسيره، وشرح عدَّة كتب منها شرح اللمع، وشرح ألفاظ عبد الرمحن، وشرح سقط الزند، وشرح الأنموذج لأبي القاسم الزمخشري، وشرح /40 ب/ كتاب أفكار الأبكار للرسيد وطواط، وشرح كتاب لأبي النضر العتبي.

وشرع في شرح سر الأدب لأبي منصور الثعالبي، لم يتممه. استشهد في شوال سنة سبع وعشرين وستمائة، بقية من قرى أربل -رحمه الله تعالى-.

أنشدني الفقيه زين الدين محمد بن أشكري بن محمد بن أشكري المراغي؛ قال: أنشدني عبد المجيد بن الحسن المراغي لنفسه، من قصيدة طويلة يذكر فيها خراب مراغة حين قدمها التتار -خدلهم الله تعالى- وتغلبوا عليها وخرَّبوها، وانتهبوا أموالها، وسبوا الذراري، وقتلوا عالماً عظيمًا:[من الكامل]

حرمت جفوني من هدوِّ غراري

وصميم قلبي من نعيم قرار

ونفاد دمعي من بكائى دائمًا

بمدامع حال البكاء غزار

وعقود عمري اليوم تمًّت خمسةً

وبها تناهى أكثر الأعمار

والشَّيب شامل عارضي ومفارقي

لطليعة طلعت بجيش بوار

مار صار لولا تلك رأسي أغبراً

فالجيش يقدمه مثار غبار

أوما رأيتم أنَّ طوفان الرَّدى

أخذ المراغة من هجوم تتار

ص: 77

/ 41 أ/ جيش لهامٌ مشرقيٌّ أقبلوا

متموِّجين تموُّج الأبحار

ان المراغة كالسفينة أغرقت

في لجُّة من عسكر جرَّار

في النِّصف من يومين قد ظفروا بها

قهرا بحكًم الواحد القهّار

فظهيرة الأحد ابتداء حصارهم

والأخذ في الإثنين شرُّ نهار

هجموا وقد أخذوا أعالى سورها

بمجانق يمطرون بالأحجار

نصبوا المجانق تحت برجٍ واحد

ليلاً ويوفي شغلهم بحصار

أحجارها رقًت وشفَّت حرمةً

كالثَّوب تحت مدقَّة القصَّار

والنَّقب يأخذ من حجارة أسِّه

فانهار في بدن كجرف هار

بسقوطه ارتفع الغبار وراع اهـ

ـل الحق فانحدوا إلى الأسوار

لمَّا رأى الكفَّار سوراً خاليًا

وهويَّ برجٍ ساق منهار

صعدوا إليه رافعين لواءهم

قصَّاد قتل الزُّمرة الأبرار

لجات إلى دار الهمام إمام ديـ

ـن الله آلافٌ من الأخيار

فأجارهم ووقاهم في داره

قاض لحقِّ إجارة وجوار

وأطاب قلبهم بطيب وعده

إذ قال احميم أنا في داري

فحماهم يومًا وليلاً كاملاً

عن ناب قوم كالكلاب ضواري

/ 41 ب/ وغدا الثلاثة إستداروا حولها

كأحاطة الهالات بالأقمار

فسماء غيث الَّهم تمطر دراه

مطر السما بالصَّيِّب الممطار

وعلا ليمنعهم أعالي داره

فلهم تيسَّر فتح باب الدَّار

دخلوا وقد ظفروا به في داره

فلهم تيسر فتح باب الدَّار

قتلوا جميعهم بأدنى لحظةٍ

ما من مجير عندهم ومجار

وقال أيضًا: [من الكامل]

رحل الشباب وما اعتبرت من العبر

وأتى المشيب وما انتبهت على الكبر

وأخو الصِّبا تصفو مشارب عيشه

وإذا تزعزع شانها شوب الكدر

أين الطَّراوة والطَّلاوة والصِّبا

هيهات منك أعارها جيش القدر

أوما رأيت الغصن عند ربيعه

يحلو بزينة زهره فوق الشَّجر

حتى يغيَّره خريف خريفه

عن حاله بيد الحوادث والغير

ص: 78

وإذا تولَّى الأربعون وقد دنا الـ

ـخمسون صاحبها يقول على غرر:

يا أيها الوُّفقاء حان رحيلنا

فتأهبوا فالآن ميقات السَّفر

دنياكم ليس المناخ لراكب

ما حلَّ حتى فيه أشعر بالخطر

عزم الرحيل بناظر متزوِّد

نظر المودِّع والمفارق للحضر

/ 42 أ/ ها نحن سفرٌ نحو أبعد غايةً في كنهها حارت عيون ذوي النَّظر

سارت قوافلنا إليها قبلنا

منهم إلينا قطُّ ما رجع الخبر

بقيت لدينا بعدهم آثارهم

وكذاك يبقى بعدنا منَّا الأثر

وقال أيضا: [من الكامل]

إعلم بأنك لا أبا لك في الَّذي

أصبحت تملكه لغيرك خازن

يا عامر الدنيا أتعمر منزلاً

لم يبق فيه مع المنيَّة ساكن

إنَّ المنميَّة لا تؤامر من أتت

في نفسه يوماً ولا تستأذن

والموت شيءٌ أنت تعلم أنَّه

حقٌ وأنت بذكره تتهاون

والمرء يسكنها ويعلم أنَّه

عنها إلى وطن سواها ظاعن

ولقد رأيت معاشر وعهدتهم

فمضوا وأنت معاينٌ ما عاينوا

ورأيت سَّان القصور ومالهم

بعد القصور سوى القبور مساكن

جمعوا فما انتفعوا بذاك وأصبحوا

وهم بما اكتسبوا بذاك رهائن

[353]

عبد المجيد بن محمد بن منكديم بن عبد العزيز، أبو المعالي بن أبي الفرج الرزودباري الهمذاني.

/ 42 ب/ كان فقيهًا شافعيّ المذهب، مناظراً فاضلًا، أخذ بأطراف من العلوم الدينية؛ كعلم الأصول والخلاف والفقه وغير ذلك.

وله شعر كثير؛ أنشدني بإربل في شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة:

[من الوافر]

أحنُّ هوًى إلى أرض العراق

حنين المستهام إلى العراق

ص: 79

إذا حمل التراب الرِّيح منها

مرت نار الأسى ماءً الماقي

رعى الله الأحبَّة ثمَّ جلَّى

نهار وصالهم ليل الفراق

بهم تخلو الحياة وفي نواهم

مماتٌ عيشنا مرُّ المذاق

تناسوا سالمين لهم سليمًا

سواهم ماله في الناس راقي

ألفت على الصِّبا حبَّ التَّصابي

فقد فني الصِّبا والحبُّ باقي

سقيت مدامة الأشواق حتى

بفيض مدامعي جرت السَّواقي

أضام على النَّوى ظلمًا صريحًا

واحمل في الهوى غير المطاق

فما وجد اكتئاب كاكتئابي

ولا عهد اشتياق كاشتياقي

فلا قاسى الأ باعًد ما أقاسي

ولا لاقى الأقارب ما ألاقي

سيرجع غاربًا نجم التَّنائي

وتطلع شارقًا شمس التَّلاقي

/ 43 أ/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

يجرِّعني دهري سموم همومه

وقلبي سقيمٌ من أليم سمومه

سأفطئ إن عمِّرت نيران ظلمه

....... من دماء كرومه

وأنشدني لنفسه: [من الكامل]

هذا العقيق وهذه غدرانه

يروى بعذب زلالها حوذانه

يرعاه سربٌ من ظباء تهامة

تصطاد آساد الشرى غزلانه

يحميه حي نازلون بروضه

يحكي رشاق قدودهم أفنانه

وقد استعار من الوجوه نضارةً

تحكي رشاق قدودهم أفنانه

من كلِّ وضَّاح الجبين كأنَّما

عقدت على شمس الضُّحة تيجانه

طلق المحيَّا واليدين تخاله

تجري شآبيب الغمام بنانه

ليل العجاج إذا دجا يوم الوغى

تجلوه غرِّة وجهه وسنانه

وبملتقى الهضبات منهم شادنٌ

أصمى لأفئدة البرايا شأنه

ص: 80

ريَّان من ماء الملاحة فائق

في حسنه ثمل الصِّبا نشوانه

يختال في حلل البهاء وقدُّه

كالبان ماس بسحرة أغصانه

تملي وقد سحر القلوب بطرفه

وحيًا على عشًّاقه أجفانه

/ 43 ب/ درِّى ثغر لو تكشَّف موهنًا

للعاشقين محا الدُّى لمعانه

عسلي ريق بارد يشفى به

دنف الهوى ظمآنه

ابت مساحب ذيله وتأرجت

بالمسك من أصداغه أردانه

سكنوا العذيب فقلت من شغل بهم

نعم العذيب [و] حبَّذا سكَّانه

أخفي هواه غير أنَّ لمدمعي

عهداً يذيع سرائري هطلانه

أبغي وليس سوى الحبيب طبيبه

تسكين قلب دائم خفقانه

يارب ليل بتُّ مطرود الكرى

شوقًا تساهر ناظري شهبانه

والصبح ورديُّ النِّقاب كأنَّما

شبَّب على قلل الرُّبى نيرانه

وأنشدني لنفسه من أبيات قصيدة: [من الكامل]

ولكم رشفت رضابها ومدامه

من شغرها وكلامها لم يمزج

فرج الهموم بها وبي منها الأسى

ملأ الحشا ناراً ولمّا يفرج

يا مورد الماء الزُّلال حرمته

مهما جرى ذكراهم تتأجج

خطرت بنا والليل داج نفحةٌ

أرجت كنفح العنبر المتأرِّج

فغمت خياشيم الرِّفاق ونبِّهت طرب الحليِّ ومقلة الصَّب الشَّجي

/ 44 أ/ شغف الفؤاد بها لعلمي أنها

لو لم تمرَّ بصدغها لم تأرج

ولربَّ ليل جبت ستر ظلامه

بعزيمة تحكي ضياء تبلُّج

ضاهت كواكبه بنادق عسجد

نثرت على صحن من الفيروزج

أو زهر أزهار العرار تفتَّقت

في وسط روضٍ من رياض بنفسج

والبدر ينفج في الُّرى فكأنَّه

صبٌّ يروم الحبَّ بين الأبرج

ص: 81

واللَّيل مسدود عليه طريقه

يحبو حسيراً كالوليد الأعرج

والشُّهب حيرى في السماء كأنَّها

وفدٌ يضلُّهم الصَّدى عن منهج

والبرق يلمع في خبايا مزنة

كالسيف صمِّم في دلاص مدجَّج

حتى بدا ضوء الصباح كأنَّه

نار على شرف تشبُّ لمدلج

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

لد أبرزوا أسرار عيني وأحرزوا

غزالاً عظيمًا في الملاخة شانه

فهم حلَّلوا بالبين حيني وحرَّموا

عليَّ عناقًا كان يدنو أوانه

كما أوقدوا بالهجر بين جوانحي

سعيراً بدا في عارضيه دخانه

فمن ذا رأى مثلي من الناس هائما

إذا ذكر الخلَّان يدمع شانه

/ 44 ب/ ومن أين مثلي في هواكم متيَّم

إذا مسح الآماق تدمى بنانه

وأنشدني من شعره من أبيات: [من الكامل]

سقيًا لأيَّام الربيع فإنَّه

زان البسيط بحلَّه خضراء

وشَّى الحيا قطع الرياض كأنَّما

أهدى له الحبرات من صنعاء

حكت البروق وميض بيضٍ فارقت

أجفانها في بهرة الظَّلماء

ومنها يقول:

وترى هزيم الرَّعد في جنباته

كالطَّبل يشرب غدوة الهيجاء

والقطر في وسط الشَّقيق كعبرةٍ

تجري خلال المقلة الرَّمداء

ومنها قوله:

تترنَّح الأغصان من نفس الصَّبا

كترنُّح النَّشوان من صهباء

ص: 82