الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من اسمه عبد المحسن
[354]
عبد المحسن بن عبد الله بن الحسين بن رواحة بن إبراهيم بن عبد اله بن رواحة، يكنى أبا الخير بن أبي محمد الحموي الأنصاري.
وقد تقدَّم نسبه. / 45 أ/ على الاستقصاء، عند ذكر ابن أخيه، وهم بمدينة حماه من بيت جليل في العلم والأدب، دخل حلب في أيام سلطانها الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب، وقلَّده كتابة الجيش والعرض والأقطاع، وكان عنده شيء من علم الفقه؛ ويقول اليسير من الشعر.
انشدني أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة الحموي؛ قال أنشدني عمِّي أبو الخير لنفسه: [من السريع]
في حلب أصبحت مستضعفًا
…
لا مال لي فيها ولا جاه
يستنصر الأ بعد مستصرخًا
…
سفاهةً والنَّاصر الله
[355]
عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام، أبو القاسم بن أبي الفضل الطوسيُّ الموصليُّ الخطيب.
وقد مرَّت أشعار أخيه وولديه متقدما.
كان اسلافه خطباء الموصل، وكذلك أولاده، وهو من بيت العلم والخير
/ 45 ب/ والخطابة.
وأبو القاسم كان شيخًا بهيًا لطيفًا، حسن المنظر، متواضعًا للناس، من صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم سمع حديثًا كثيراً من ابيه وعمِّه وغيرهما، وحدث بالموصل، وحمل عنه الحديث.
وكان له قبول عند الناس وقدر جليل، وحرمة وافرة، ولي منه إجاوة كتبها بخطِّه، وله أشعار حسنة.
وان مولده بالموصل ليلة الثلاثاء ليلة عاشر رجب سنة ثمان وخمسمائة، وتوفي بها ضاحي نهار يوم الخميس منتصف شهر بيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائه –رضى الله عنه -.
أنشدني الخطيب أبو الفضل عبد الله؛ قال: أنشدني والدي من شعره ما قاله على لسان أتابك نور الدين أرسلان شاه تبن مسعود بن مودود، وقد جاءته سفينة من أمير المؤمنين الناصر لدين الله –رضى الله عنهما -:[من الكامل]
إن كان أتحفني الإمام سفينةً
…
تنجي من البحر الخضمِّ الزَّاخر
فتمسُّكي بعرى الولاء لبيته
…
سفن النَّجاة من العذاب الآخر
/ 46 أ/ وقال يهنِّي القاضي حجَّة الدين أبا منصور المظفَّر بن عبد القاهر الشهرزوري
بمجلس الحكم: [من البسيط]
تهنَّه مجلسًا لمَّا قعدت به
…
قامت صروف الليالي عنك ترتحل
به من العدل أبواٌب قد أفتتحت
…
كما به سدَّ خرق الدِّين والخلل
من كان يبسط آمالًا ويقبضها
…
فأنت لازلت مبسوطًا لك الأمل
وقال يهنيه بالعيد: [من مخلّع البسيط]
تهنَّ بالعيد يا جواد
…
ما مثله قطُّ من جواد
عادت عليك الأعياد حتى
…
تنال ما شئت من مراد
ودمت في نعمة وخفضٍ
…
رغمًا على آنف الأعادي
وقال يهنِّي بمولد: [من البسيط]
لك الهناء بميمون نقيبته
…
مبشَّر بسعادات وإقبال
ولي هناءٌ بما بلِّغت من أمل
…
لا خيَّب الله فيك الدَّهر آمالي
وقال يمدح: [من الطويل]
وكلُّ بني مجد لمجدهم بما
…
بنت لهم الآباء من شرف الذِّكر
/ 46 ب/ وأنت بنيت المجد حتى سمت به
…
جدود هذا غاية المجد والفخر
وقال أيضًا: [من الخفيف]
مدَّة الورد مدَّةٌ ليس نبقى
…
فاغتنمها فعن قليل تفوت
واطَّرح ما يكون من فضل عيش
…
واقتنع بالكفاف يكفك قوت
وانتهز فرصة التواصل في الدنـ
…
ـيا فكلٌ عمَّا قليل يموت
وله إلى ولده أبي أحمد يستوحش له عند انتقاله إلى المدرسة: [من الطويل]
لقد ملكتني من فراقك وحشةٌ
…
يكاد لها نور العزالة يظلم
تنكَّر في عيني لها كلُّ ما أرى
…
ويجهل قلبي كلَّ ما كان يعلم
فلا كانت الدُّنيا ولا أنت حاضرٌ
…
ولا ساغ إلَّا وإيَّاك مطعم
وقال أيضًا: [من الخفيف]
عيشنا طيِّبٌ لكنَّ بعد الـ
…
ـدَّار عنم لا عيش فيه يطيب
أنتم جنَّتي إذا أعظل الخطـ
…
ـب وأنتم بكلِّ داء طبيب
وله إلى أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود، وقد شرف أرباب الدولة، ولم يشرِّفه:[من السريع]
/ 47 أ/ ماذا الَّذي أوجب نسياني
…
يا ملكًا ليس له ثاني؟
أخدمتي توجب لي ميزتي
…
أم تقتضي منعي وحرماني؟
اعيذ بحراً زاخراً منك أن
…
تجعلني منه بطوقان
إن كان سلطان الورى مانعي
…
فأنت في العالم سلطاني
كلُّ البرايا رفلوا لابسي
…
تشريف نور الدِّين رسلان
فلم أنا وحدى حرمت المنى
…
مبدِّلاً ربحي بخسران
لا زلت في أوج العلا صاعداً
…
برغم أنف الحاسد الشَّاني
وقال أيضًا: [من مجزوء الخفيف]
كيف ادَّعى الحقَّ قوم
…
أم كيف ذاك استجازوا؟
ما حاز ملكك قومٌ
…
بل دون ملكك حازوا!
أنت الخليفة حقَّاً
…
وما سواك مجاز
كلُّ الخلائق ثوبٌ
…
وأنت فيه الطِّراز
خليفة الله وعدي
…
قد حان منه انتجاز
في البعث أنت إمامٌ
…
وفي يديك الجواز
وفي يديك يراعٌ
…
حكاه عضبٌ جراز
/ 47 ب/ وقال أيضًا: [من الطويل]
أشاقك برقٌ بالحجاز لموع
…
ففاضت على الخدَّين منك دموع
وهيهات ليس الدَّمع في الربع مقفراً
…
بشافِ إذا لم يجر فيه نجيع
وقال أيضًا: [من المنسرح]
مجلسنا قد حوى من النُّجب
…
كلَّ مليح ومنظر عجب
خيمتنا هذه لها شرفٌ
…
على خيام الأعجام والعرب
بها أناسٌ أولو حجى وندًى
…
ورتبةِ قد علت على الرُّتب
وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]
يا سائق الأطغان أيـ
…
ـن سارت الأطغان
رفقا ففي آثاركم
…
مدلَّهٌ حيران
ينشدهم قلبي وهم
…
في وسطه سكَّان
والعين ترجو قربهم
…
وهم لها إنسان
هذا غرامي بهم
…
وهم لنا جيران
فكيف بي إن شطَّت الـ
…
ـدَّار بهم أو بانوا
يا دارهم أين هم الـ
…
ـحلَّال والقطَّان
/ 48 أ/ مذ ظعنوا أقامت الـ
…
ـأحزان والأشجان
وأضرمت لبينهم
…
في كبدي نيران
هذي أثيلات النَّقا
…
وهذه الكثبان
وذاك رمل عالجٍ
…
ورنده والبان
وهذه آثارهم
…
وهذه الأوطان
وجدي بهم مشتهرٌ
…
سارت به الرُّكبان
إن أعوز الماء لهم
…
فأدمعي غدران
أو كان وجدي خافيًا
…
فهي له عنوان
هذا الحمى والبان
…
وهذه نعمان
وهذه أطياره
…
أين هم السُّكَّان
هل عائد ولن يعو
…
د ذلك الزَّمان
قد استوى في حبِّهم
…
سرِّي والإعلان
هل عائدٌ ولن يعو
…
ذلك الزَّمان
مرابعٌ كانت بها الـ
…
ـارام والغزلان
/ 48 ب/ لكنَّما يقصده
…
عن ذلك الحرمان
وله إلى قاضي القضاة أبي الفضائل في إيوان استجدَّه: [من البسيط]
إن كان إيوان سرى عاليًا فلقد
…
علاه بالعدل والإنصاف إيوانك
أو عمَّ إحسان بانيه الورى فلقد
…
شأوته واسترقَّ الناس إحسانك
اشبهت بدر الدُّجى لمَّا جلست به
…
في الدَّست والثاَّقبات الشُّهب أعوانك
فدم لشمل الهدى والدِّين تجمعه
…
فجمع شمل المعالي والهدى شانك
وقال أيضًا: [من السريع]
أنتم سرور القلب والخاطر
…
وأنتم النُّزهة للنَّاظر
لا تكمل النزهة إلا بكم
…
فبادروا في حالنا الحاضر
كلُّ المسرَّات إذا ما خلت
…
منكم فلا هنِّي بها ناظري
والأرض قفرٌ ما خلت منكم
…
مغبرةٌ مع روضها النَّاضر
وقال يمدح شاعراً: [من الطويل]
أيا ناثراً دراً وناظم عقده
…
ومستخرج المعنى ومورى زنده
شأوت الأولى فاقوا الأنام فصاحةً
…
بما حال منك الفكر موشيَّ برده
/ 49 أ/ فته كيف ما شاءت قوافيك مصعداً
…
فويق السُّها أو جائزاً فوق خدَّه
معان تروق السَّامعين كانَّما
…
سقوا قرقفا كالسلسبيل وبرده
لها أرجٌ في الحيِّ إن هي أنشدت
…
تفوق على بان الأراك ورنده
فصاحبها ينيبك قسًا وجرولًا
…
وإيراده يغنيك عن عبد ودِّه
يريك إذا ما فاه بالنَّظم ناطقًا
…
لبيداً بعقد النًّظم أو نظم عقده
وله في شمس الدين على بن أبي غالب السَّلاميّ: [من السريع]
قال فرات الشام لمَّا جرى
…
بحر النَّدى في موجه الغالب:
من ذا الَّذي يعلو على صهوتي
…
قلت: علي بن أبي غالب
وقد علا من فوق حرَّاقة
…
أكرم به من جالس راكب
ذاك الَّذي إن نقص البحر في
…
نقص الزمان الغابر الذاهب
فجوده لا يألي زائداً
…
للقانع المعترِّ والطالب
وكيف لا يعلوك من جوده
…
هامٌ على السَّالب والواهب
تجود بالماء وتختفي الَّذي
…
في القعر من جوهرك الثَّاقب
وجود شمس الدَّين من كلِّ ما
…
يحويه في الشاهد والغائب
وقال في صبيِّ: / 49 ب/ صعد المنبر تجاه الكعبة الشريفة وأذن العشاء:
[من الوافر]
تبدَّى بين زمزم والمقام
…
لنا بدرٌ حكى بدر التَّمام
بدا والليل قد أرخى سدولًا
…
حكت صدغيه من نون ولام
لعا فوق الحطيم لحسن لفظ
…
حكى الُّرَّ المنضَّد في النِّظام
فعاد الليل حينئذ بهاراً
…
بوجهك إذ سفرت عن اللِّثام
وأغنانا جبينك إذ تبدَّى
…
عن المصباح في جنح الظَّلام
تصيد قلوبنا والشَّرع يأبى
…
جواز الصَّيد في البلد الحرام
وتشهر سيف لحظك في مقام
…
نهينا فيه عن سلِّ الحسام
بأية جرأة وبأي أيدٍ
…
تحلِّل حرمه البيت الحرام
وتفتن بالقوام اللَّدن قومًا
…
غدوا يتحرَّجون عن الأثام
وتنهر سائليك وقد نهاك الـ
…
ـإله عن انتهار المستضام
أفي شرط المحبَّة أن تجازي
…
محبَّك بانقطاع وانصرام
ملكت الحسن أجمعه فهلَّا
…
عدلت مع التَّحكُّم في الأنام
نجود بأنفس منّا غوال
…
وتبخل أنت حتَّى بالسَّلام
/ 150 أ/ رميت الجمر لا جمرات حجٍّ
…
فأصبحت القلوب بها دوامي
وتكرع من حياض الحسن ريَّاً
…
ونجرع فيك اسات الملام
فلا تلم الحجيج إذا اشرأبوا
…
إليك مسابقين بالازدحام
وظنُّوا أنَّه رٌكنٌ فمالوا
…
بتقبيل إليه واستلام
وله عند وداع والده إلى الحج: [من السريع]
جرَّعني الدَّهر من فراقكم
…
كأساً كرير الحمام أعذبها
وددت أنَّ الحمام عالجني
…
من قبل يقضي عليَّ أشربها
قد كانت الأرض قبل واسعةً
…
فضاق بي مذبان أرجبها
وابتهجت من منى مرابعها
…
وخيفها وأزدهى محصَّبها
وله إلى ولده بمكة –حرسها الله تعالى-[من الطويل]
إذا ما سرت ريح الصَّبا من دياركم
…
وجدت لمسراها على كبدي بردا
أناشدها إن زرت أرض أحبتي
…
فقولي لهم والله ما نقص العهدا
وله إليه أيضا من أبيات: [من الطويل]
بعدت فلا عيشٌ يسرُّ ولا حشًا
…
تقرُّ ولا مرأى يروق لناظري
/ 50 ب/ وخلَّفتنى فرداً أنيسي وحدتي
…
إذا ما دجا ليلي وفري مسامري
فإن كنت أوحشت الدِّيار وأهلها
…
لقد أنست أرجاء تلك المشاعر
وإن كنتم غيِّبتم عن نواظري
…
عف رسمها من دمعي المتحادر
ومنها قوله:
ولله ذاك الشَّعب لمّا حللته
…
وماذا حواه من علا ومآثر
وله إلى من عاتبه على أكل القطائف: [من الخفيف]
ما تفرَّدت بالقطائف عنكم
…
حاش لله كيف ذاك وأنَّى؟
لا تظمُّوا أنِّي يطيب لي العيـ
…
ـش إذا كنتم بعيدين عنَّا
أو إذا ما سقيت من دونكم ما
…
ءً زلالًا أنِّي به أتهنَّا
وله إلى القاضي بهاء الدين بن شداد: [من الكامل]
لم يخطني دهري بخلوة ساعة
…
حتى أبث إليكم أشجاني
فتأمَّلوا ما في ضميري تدركواً
…
بصفاء ذهن سرَّ ذا الإدهان
بين القلوب تفاوتٌ وتناسبٌ
…
لا تعبأوا بتبًاعد الأبدان
وله في غرض: [من الرمل]
/ 51 أ/ أكتم الحبَّ ولكن أدمعي
…
كلَّما نمَّت عليه ظهرا
يا هلالًا لو تجلَّى في ضحىً
…
أخجل الشمس فولَّت قهقرا
يا خليَّ البال فلبي ممتل
…
منك والعين تعاني السَّهرا
نم هنيئاً فرقادي نافرٌ
…
مذ هجرتم لجفوني هجرا
وله على وزن ما ذكرت: [من الرجز]
لا يبعد الله لييلات مضت
…
فيها كرعنا العيش صفواً ريِّقا
إذ حادثات الدَّهر عنَّا نوَّمٌ
…
وشملنا المجموع ما تفرَّقا
يا حادي الأظعان رفقاً إنَّما
…
مناسم العيش يطأن الحدقا
تمشي الهوينى في السُّرى فإن بدت
…
كنت الحمى لها تسير العنقا
لا تحسبوا أنَّا نقضنا عهدكم
…
بعد الفراق أو حللنا موثقا
أشفقت إذ ساروا على ركابهم
…
من حرِّ أنفاسي أن تحترقا
منُّوا بوصل فليالي هجركم
…
لم تبق من روحي إلَّا رمقا
أكابد الهم نهاري كلَّه
…
حرنًا وفي الليل أعاني الأرقا
كأن ما كان من اجتماعنا
…
حلمٌ تقضَّى أو خيالٌ طرقا
/ 51 ب/ إن غربوا كان الهوى مغرِّبا
…
أو شرَّقوا كان الهوى مشرقا
إن كنت أضمرت لم غدر فلا
…
منيت بعد البين منكم باللِّقا
وفقت في الأطلال من بعدهم
…
أسال جرعاء الحمى والأبرقا
الجيرة الغادون ما ضرهم
…
لو وعدوا أو ودَّعوا بالملتقى
نحن على العهد مقيمون فهل
…
لعهدكم من بعد تفريق بقا
تحزَّب الواشون أحزابا بنا
…
وافترق العالم فينا فرقا
ومنها:
حتى رأيت الحادثات أحدقت
…
بشملنا وسهمها قد رشقا
يا راكبا يقطع أجواز الفلا
…
خالطها طيف جنون طرقا
وقال من أبيات: [من الكامل]
ما كان ضرَّك لو مننت بزورة
…
وشفيت قلبًا بالصَّبابة مكلما
أعرضت حتى قيل إنَّك هاجرٌ
…
وبخلت حتى بالجواب مسلِّما
أصبوا إذا برقٌ تألَّق باللِّوى
…
وهنًا وهاج على الرُّبى متسنِّما
وقال في قدوم صديق له: [من الكامل]
/ 52 أ/ ضاءت بك الحدباء حين قدمتها
…
من بعد ما كانت كليل عاتم
وتضوَّعت أرجاؤها فكأنما
…
عبقت نواحيها بنشر لطائم
وقال أيضًا: [من مجزوء الوافر]
سل الأطلال لم سعدى
…
نوت عن أرضنا بعدا
ولم مالت عن العهد
…
وكانت تحفظ العهدا
أصدَّت عن ملال أم
…
رفرعا كان مسودَّا
حكيت الرِّيم ألحاظًا
…
وبانات اللِّوى قدَّا
وغصن البان أعطافًا
…
وورداً قانيا خدَّا
وأصبحت على حسنـ
…
ـك مثلي في الهوى فردا
ألا لله يوم البيـ
…
ـن كم من عاشق أردى
وكم من مدمعٍ إجرى
…
وكم مشن كامنٍ أبدى
تزوَّد من صبا نجد
…
فهيهات ترى نجدا
ورح رائحة الضَّال
…
وجدِّد باللِّوى عهدا
فلن تنشق بعد اليو
…
م لا ضالًا ولا رندا
/ 52 ب/ أبا سعد عداك الذَّمُّ إن جرت على سعدى
فسفَّ إذن ترابً الرَّبـ
…
ـع حتى تلثم الصلدا
وبلِّغ بعض اشواقي
…
عساك اليوم أن تهدا
وقال أيضًا: [من البسيط]
والله مالي أنيسٌ بعد فرقتكم
…
إلَّا البكاء وقرعي السِّنَّ من ندمي
ولا ذكرت ليالينا التي سلفت
…
إلَّا جرت أدمعي ممزوجة بدم
وقال من أبيات: [من مجزوء الرمل]
أيُّها العاذل رفقا
…
كفَّ عنِّي لا تلمني
عدِّ عن عذلي فيكفيني تباريحي وحزني
انت خلوٌ من سهادي
…
وغرامي المستكنِّ
انت ذو قلب خليِّ
…
وفوؤاد مطمئنِّ
ليت تصغي يا عذولي
…
لملام فيه أدلي
لو شهدت العيش لمَّا
…
ثوَّروها لم تلمني
إنَّ يوما فيه ساروا
…
ونهاري بالتَّمنِّي
/ 53 أ/ يوسفي الحسن والأعًـ
…
ـطاف غصنيُّ التَّثنِّي
إن بدت أطلال سعدى
…
سفَّ ترب الرَّبع عِّني
وقال أيضًا: [من البسيط]
شوقي إليكم يفوق الحضر والعددا
…
لا أستطيع أبث الوجد والكمدا
وجفن عيني غضيضٌ منذ فارقكم
…
آليت أن لا أرى من بعدك أحدا
لله أيَّا منا والدار جامعةٌ
…
ونحن فيها نقضِّي عيشةً رغدا
ما كنت أحسب أنَّ الدَّهر يبعدني
…
عنكم فلا كتبًا منكم ولا صددا
هلَّا الدِّيار بنا تدنو فينتظم الشَمل الشَّتيت بكم فيها كما عهدا
أم هل أراكم وعبد الله يقدمكم
…
عندي فيرجع قلبٌ كان قد فقدا
إذا تذكَّرتكم وهنا وضعت يدي
…
على حرارة قلبٍ كلَّما بردا
أراقب النَّجم لا طيفٌ فيطرقني
…
غضَّا رطيبًا فإنَّ الصَّبر قد نفدا
[356]
عبد المحسن بن حمود؛ هو أبو الفضل عبد المحسن بن حمود بن المحسن بن علىٍّ/ 53 ب/ بن يوسف التَّنوخيُّ.
من إنشاء حلب، كانت ولادته بها في سنة سبعين وخمسمائة.
يعرف والده بالحجّار، كان عاميًا يقطع الحجارة، ويبيعها ويرتزق بها، ومنها كانت معيشته، وكذلك أخوه ولم يكن من بيت فضل ونشأ أبو الفضل هذا محبًا للعلم، راغبًا في تحصيله، استظهر أولًا الكتاب العزيز، وقرأهً للسبعة، وجوَّد قراءته ثم إلى غيره من الكتب الأدبية والشعرية، كالمقامات الحريرية وحماسة أبي تمام، ودرس الأدب والنحو، واطلع على كثير من أخبار الناس وأيامهم، وسمع الحديث النبوي كثيراً، ولقي المشايخ وأخذ عنهم بحلب، وتولَّع بقول الشعر فبلغ فيه مبلغًا لم يبلغه أحد من أبناء زمانه، وتقدَّم على عامة معاصريه فيه.
ثم تعاطى الكتابة الإنشائية، وصناعة الترسل، فبرز في ذلك، وأجاد وفتح مكتبًا بحلب، يعلِّم فيه الصبيان، فبقي مدة في التعليم ثم عزله ...... والسفر عن الوطن، فتوجه إلى دمشق طالبًا لخدمة / 54 أ/ الملوك، في سنة تسع وتسعين وخمسمائة، فاستقرَّ مقماه بدمشق، وتردَّد إلى الإمام تاج الدين الكندي، فقرأ عليه جملة، وصحبه مدة واستفاد منه أدبًا وفضلًا كثيراً، فنبغ بدمشق واشتهر أمره، فحينئذ استكتبه الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب لدولته، فلم يزل يكتب له الإنشاء إلى أن توفي المعظم، فخدم بعده مولاه الأمير عز الدين إيبك المعظمي واستوزره.
ثم طلبه الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب، فصار غليه، فأكرمه وقرَّبه وصحبه إلى الديار المصرية، ثم انفصل عن خدمته، وانضاف إلى الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود بن أبي بكر بن أيوب، ثم فارقه، واتصل بخدمة الملك المنصور ناصر الدين أبي طاهر إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي – صاحب حمص- وهو الآن في خدمته، وكاتب الإنشاء لدولته.
واجتمعت به بحلب، يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
/ 54 ب/ وأنشدني جملة وافرة من أشعاره، أنا أذكرها بعد ذلك – إن شاء الله تعالى- وسمعت عليه جزءاً من الحديث النبوى، وأجازني جميع رواياته ومقولاته، وكان قدومه صحبة مخدومه الملك المنصور حين وردها معاونًا ومساعداً، ومجداً للسلطان صلاح الدين يوسف بن محمد بن غازي – صاحب حلب- لمّا تغلب الخوارزمية- لعنهم الله تعالى- على أكثر البلاد الشامية والفراتية، ونبهوا ..... واستباحوا حريمها، وكذلك ..... وجملة من القرى وأفسدوا وعاثوا فيها، فنصره الله عليهم، وبدد شملهم، وأكثر منهم القتل والأسر؛ فكان الله له ناصراً ومعيناً بمحمد وآله أجمعين.
وذكر لي أنه؛ اعتنى بتأليف كتاب عجيب في فنِّه، حسن الترتيب، لم يسبقه أحد من الأوائل الذين عنوا بهذا الشأن إلى ما وضع؛ وهو عشرون كتابًا؛ كل كتاب يشتمل على أغراض وفصول وأبواب، ويكون مجموع ذلك الكتاب ستين مجلداً، سمَّاه:
أخاير الذخائر من جواهر الجماهر".
/ 55 أ/ وذكر لي أنه ألَّف كتبًا غير ذلك منها كتاب "الروضة الممرعة في فضائل الأئمة الأربعة" وكتاب "مفتاح الأفراح في امتداح الراح" قصره على شعره، ورتَّبه على توالي الحروف، وديوانا أشعاره ورسائله مدخلات في عشرة أجلاد.
وهو رجل قد حاز فضيلتي الكلام؛ نظمًا ونثراً، وبرز في صناعتهما، مناكتب الناس في وقته، وأعملهم بقوانين الترسل، وأساليب الكتابة، وأجود الكتَّاب شعراً، نقي في نفسه، يميل إلى أهل الصلاح والدين؛ حسن الطباع كريم الاخلاق.
انشدني عبد المحسن بن حمّود لنفسه: [من الخفيف]
عدِّ عن زينب وعن أسماء
…
وأسقني من سلافة صهباء
خندريس كالشمس قد نثر المز
…
ج عليها كواكب الجوزاء
نالها الطَّرف في الزُّجاجة لكن
…
فاتها الكفُّ قد جمِّدت من هواء
وكأن الحباب حين علاها
…
عرقٌ فوق وجنة حمراء
من يدي شادن إذا ما تجلَّى
…
غار من وجهه هلال السَّماء
/ 55 ب/ خضَّبت كفَّه المدامة فاستغـ
…
ـنى بلألائها عن الحنَّاء
بنت كرم إذا اللئيم احتساها
…
علَّمته خلائق الكرماء
واتل من وصفها على الشُّرب ذكراً
…
نفحته قرائح الشُّعراء
كلُّ معنى يكاد يضحك بالَّصهـ
…
ـباء فعل الصَّهباء بالنُّدماء
إنًّما لدَّة الحياة شبابٌ
…
وشرابٌ على غنًّى وغناء
وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]
لا تطع في المداد قول مداجي
…
وأدرها صرفًا بغير مزاج
قهوة تصرف الهموم عن الشُّر
…
ب إذا أشرقت وراء الزُّجاج
ومتى ما دجا الظلام كفانا
…
نورها في الزُّجاج نور السِّراج
تبرز الشمس حين تبرز في الكا
…
يات والليل مظلم الجنح داجي
توَّجتها يد المزاج بتاجٍ
…
من حباب يا حبَّذا من تاج
عالج الهمَّ حين يعرض للأر
…
واح بالرَّاح فهي خير علاج
تفتح الرَّاح حين تجلى إلى الأفـ
…
ـراح للشاربين كلَّ رتاج
إن تكن أفسدت صلاح الدِّيانا
…
ت فقد أصلحت فساد المزاج
وأسقنيها من كف ظبي غرير
…
أكحل الطَّرف أغيد مغناج
/ 56 أ/ دبَّ من فوق وجنتيه عذاراً
…
هـ كنمل بدت من فوق غاج
كلَّما ماس قدُّه كاد ينقدُّ بردف موفَّر رجراج
وإذا الراح هزَّ عفيه سكراً
…
جادلي بالذي أنا منه راجي
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الخفيف]
يا مدير السُّلافة الصَّهباء
…
لا تكدِّر صفاءها بالماء
وأدرها صفراء صرفًا إذا ....
…
.... تجلى حنادس الظَّلماء
قهوةٌ إن يصبك من شربها دا
…
ء خمار فداوه بالدَّاء
يقبل الكأس حين يقبل منه
…
ما تولَّى عنَّا من السَّراء
كلَّما أطلع السُّقاة شموسًا
…
من مدام غربن في النُّدماء
ما الحيا بالزُّبى بأنفع منها
…
بعد محل في الروح والأعضاء
فإذا ما شربت منها ثلاثًا
…
وثلاثًاً يأتين غير بطاء
فعلت في لباب لبِّك ما يفعـ
…
ـل بالطَّرف أوَّل الإعفاء
لذَّة العيش المدام وما اللَّذَّة إلَّا في ساعة الإنتشاء
فاسقنيها حتى تراني لا أفـ
…
ـرق بين الإصباح والإمساء
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من المنسرح]
/ 56 ب/ وافى وجنح الظلام قد جنحا
…
وطائر الدَّوح فيه قد صدحا
وللنَّسيم العليل طيب شذاً
…
عطَّر جوَّ السماء إذ نفحا
وبلَّل القطر ذيله فلو الـ
…
ـمخمور أعفا في برده لصحا
والدِّيك يدعو من فوق منبره
…
هبُّوا فرجه الصباح قد وضحا
فبادروا الصبح بالصَّبوح فقد
…
أفلح من راح فيه مصطبحا
أهيف كالغصن آده كفلٌ
…
كالِّعص أعيى في وصفه الفصحا
لولا ظلامٌ في ليل طرَّته
…
يستره عن وشاته أفتضحا
ابن ثمان وأربع غنجٌ
…
لغير ذاك الفعال ما صلحا
فقمت من سكر خرمة وكرى
…
أرفل في بردة الصِّبا مرحا
أخططب بنت الكروم ....
…
..... الفرحا
فقال: هات اسقني فقلت له
…
خذها مداماً كالبرق إذ لمحا
حمراء تحكي دم الغزال إذا
…
ما باخل القوم ذاقها سمحا
تريك في حال مزجها شرراً
…
تومي به كالزِّناد إذ قدحا
فعبَّ منها فقلت بدر دجى
…
يلثم منها في الكأس شمس ضحى
أشرب من سؤره فينفحني
…
منه نسيم يعطِّر القدحا
/ 57 أ/ حتىغذا ما المدام رنَّحه
…
وراض بالسُّكر منه ما جمحا
غنَّى بييت ابن هانئ ولقد
…
كنت له قبل ذاك مقترحا
يا صاح لا أترك المدام ولا
…
أقبل في الحبِّ قول من نصحا
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من مجزوء الرمل]
لا تطع قول النصوح
…
وأجب داعي الصَّبوح
ما ترى نجم الثُّريَّا
…
قد تولَّى للجنوح
وبدا الصبح كرهبا
…
ن تبدَّت في المسوح
فكؤوس الراح تجلى
…
في يدي ساق مليح
بدر تمَّ قام يسعى
…
بستى البرق اللَّموح
قهوةً عتَّقها من
…
قبل نوح قوم نوح
فهي في اساتها تحـ
…
ـكي دم الظَّبي الذَّبيح
فأشربنها واسقينها
…
او يواريني ضريحي
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الوافر]
/ 57 ب/ أدر يا منيه النَّفس
…
علينا قهوة القسِّ
وصرِّف ليلنا بالصِّر
…
ف حتى مطلع الشمس
ولا تمزج بها ماء
…
بربِّ الرُّوح والقدس
فإن الراح عند النَّفـ
…
ـس أحلى من منى النًّفس
مدامًا صانها كسرى
…
أنوشروان للفرس
فأفنى الدَّهر جدَّتها
…
وطهَّرها من الرِّجس
ولطَّفها إلى أن دقَّ معناها عن الحسَّ
تراها حيثما حلَّت
…
نظام اللَّهو والأنس
فإنَّ الكأس قد صحَّت
…
لول المكث والحبس
وطير السَّعد قد وافى
…
وولَّى طائر النَّحس
وقال أيضًا، وأنشدنيه:[من الطويل]
ألا .... في الراح قد جئت بالإفك
…
وإني لفي شغل بلذَّتها عنك
اتنهين من لم يقبل
…
... من الله عنها كيف يقبله من
تقولين لي اتركها وتب وهي تجتلى
…
بكفَّ غلام أهيف من بني الترك
أفديه من ساق إذا ما رمقته
…
يمازج تقطيباتهً لي بالضِّحك
/ 58 أ/ حكى أسها خدَّاً وثغراً ومقلةً
…
وسورتها أفعال مقلته تحكي
إّا فضَّ بين الشَّرب عنها ختامها
…
أتت بنسيم الرَّوض أو نفحة المسك
وإن مزجت أبدت بصفحة كأسها
…
حبابًا كدرٍّ قد تبدَّد من سلك
ولو تبت من شربي لها وتركتها
…
وعاينت ذا أو بعضه تبت من نسكي
وقا أيضًا، وأنشدنيه:[من الوافر]
نديمي قم إلى شرب الحميّا
…
فقد جنحت إلى الغرب الثريّا
وقد أهدت صبا نجد إلينا
…
بطيب نسيمها مسًا ذكيّا
وغنَّت في فروع الأيك عجمٌ
…
تروح بها عن الفصحى غنيّا
وحيَّتنا بها خودٌ رداحٌ
…
نرى بدر الدُّجى منها حييَّا
إذا هزَّت معاطفها أرتنا .... قومًا يخجل الغصن الرَّويّا
تميت الحيَّ من سكر وتشدو
…
بتلحين يعيد الميت حيَّا
وتبدي من ثناياها أقحوانًا
…
ومن وجناتها ورداً جنيّا
مجاجة ثغرها الوضَّاح أحلى
…
وأعذب من معااة الحميّا
جلتها في الزُّجاج لنا عروسًا
…
ونظًّمت الحباب لها حليًا
يري مديرها في الكأس ....
…
وقد غسق الدجى .......
/58 ب/ كأن الشمس قد حلَّت عليها
…
رجاءً من .... بهيّا
إذا نسمت حسبت الريح هبَّت
…
على روضٍ فأهدت منه ريَّا
وقال أيضًا، وأنشدنيه:[من المجتث]
بالله هل يا ملول
…
إلى الوصال وصول
ام هل إلى سلسبيل
…
من ريق فيك سبيل
صلني فماذا التَّجافي؟
…
من ذا الجمال جميل
ساءت لبعد حالي
…
ولست عنك أحول
قضى اعتدالك فينا
…
أن ليس عنك عدول
يميل كل فؤاد
…
إليك حين تميل
فهل ثنى قدَّك اللَّدن شمال أم شمول
مولاي ها أنا من خصـ
…
ـرك النَّحيل نحيل
وها فؤادي من طر
…
ف العليل عليل
إن كنت تنكر أنِّي
…
بمقلتيك قتيل
فها دمي كاد من خدِّك الأسيل يسيل
وذا الدَّلال على ما
…
بي من هواه دليل
/ 59 أ/ لكن يهون على الغمت
…
ـر الهوى ما يهول
وله من أبيات: [من المديد]
وأهيف كقضيب البان ميَّاس
…
رقيق جسم ولكن قلبه قاسي
ناديت لمَّا بدا والكأس في يده
…
كأنه قمرٌ وافى بنبراس
وأنشدني لنفسه، بحلب المحروسة تاسع عشر جمادى الآخرة، سنة ثمان ....
وستمائة من قصيدة مولة، امتدح بها النبي –صلى الله عليه وسلم يقول فيها – في وصف الناقة بع أبيات كثبرة-:[من البسيط]
حتى إذا بلغت قبر النبيِّ فلا
…
رحلٌ على ظهرها من بعد محمول
وكيف يبلغ [من] هذا المقام مطًا
…
ويغتدي وهو للتَّرحال مرحول
يا طيب طبت بقبر فيك ساكنه
…
له على كلِّ خلق الله تفضيل
قبر تلقى بيتًا حلَّ فيه رضا
…
من الإله وتكريم وتبجيل
فيه النبي الَّذي لولا نبوته
…
لما اقتفى الرُّشد قابيلٌ وهابيل
/ 59 ب/ فيه النبي الَّذي لولا هدايته
…
لما انجلى عن ذوي التَّضليل تضليل
فيه النبىُّ الَّذي لولا شفاعته
…
ما فكَّ من ربقه العصيان مغلول
هو الوليُّ فمن والاه منتصرٌ
…
على العداة ومن عاداه مخذول
ذو الحشر يورده في الحشر أمته
…
وذو الشفاعة ما في ذين تأويل
أباد أهل التَّماثيل الذين بها
…
ضلُّوا فذلوا ولم تغن التماثيل
لقد هدانا إلى دين له شهدت
…
بالصِّدق والحقِّ توراةٌ وإنجيل
وجاءنا بكلام لا تبدِّله
…
خلقٌ وهل لكلام الله تبديل
فيه بيانٌ وأمثالٌ ومرحمةٌ
…
وحكمةٌ ومواعيظٌ وتفصيل
تلا على الناس وحيًا جلَّ قائله
…
كما تلاه أمين الله جبريل
كلامه الصدق لا ريبٌ يخالطه
…
لأنه عن إله العرش منقول
إليك جئت رسول الله من بلد
…
ناء تخبُّ بي القود المراسيل
وليس شاغر تسليمي عليك وتقـ
…
ـبيلي الضَّريح الَّذي يحيوك تأميل
لعلَّ وزري إذا ما زرت قبرك أن
…
يروح وهو بعفو الله مشمول
عساك تسأل ربَّ الخلق في فما
…
يخيب من فيه رب الخلق مسؤول
فقد تدنَّس عرضي بالذنوب عسى
…
أن يغتدي وهو بالغفران مغسول
/ 60 أ/ يا صفوة الله من هذا الأنام ومن
…
مريره في سبيل الله مجدول
أوضحت سبل الهدى والدِّين فاتَّضحت
…
وبان للناس تحريم وتحليل
فالحقُّ متبعٌ والصدق مستمعٌ
…
والعدل متسعٌ والنُّصح مبذول
طابت خلائقك اللَاّتي حبيت بها
…
وفي الخلائق ممرورٌ ومعسول
ورضت باللُّطف أخلاقًا جمحن على
…
ان راضها لك أصحابٌ وتذليل
لو كنت فظَّاً غليظ القول ما اتَّبع الـ
…
ـقول الَّذي قلت جيلٌ بعده جيل
وانفضَّ من حولك الأقوام وارتجع الـ
…
ـولي عنك وولًّى وهو إجفيل
دانت لدينك أحبار اليهود ورهـ .... ـبان النَّصارى وأقيالٌ بهاليل
وليس فيه على أربابه حرجٌ
…
بل فيه رفقٌ وتيسيرٌ وتسهيل
انار شرعك فينا كلَّ داجيةٍ
…
كما أنار دجى الظَّلماء قنديل
ما ينكر البعث والإرسال غير عم
…
منافق قلبه بالغشِّ مدخول
وليس يجحد آيات اتيت بها
…
إلا امرؤ كافر بالله ضلِّيل
وكل ناقض أمر أنت مبرمه
…
فإنِّما دينه شكٌ وتعطيل
يا طيب طوبى لمن أدناه فيك إلى
…
تراب قبر نبي الله تقبيل
قولي لليلى بأني حيثما برزت
…
عنها بمدح رسول الله مشغول
/ 60 ب/ ما حب ف\قلبي له دعوى أنمِّقها
…
ولا مديح لساني فيه منحول
مديحه اليوم تفضيلٌ لقائله
…
وفي غد هو في الميزان تثقيل
به أرجي إيابي سالمًا وخطيـ
…
ـآتي مكفَّرةٌ والحجُّ مقبول
جاء الرسول بآيات مبيَّنة
…
للجاحدين لها ويلٌ وتنكيل
من ذا يكذِّب ما جاء النبيُّ به
…
وقوله من عبير الصدق مجبول
هو الَّذي ختمت رسل الإله به
…
عن شرح جملته تعيا التَّفاصيل
من معشر قد وقى أعراضهم كرمٌ
…
ما تقيهم لدى الهيجا السَّرابيل
إذا احتبوا فهم الأطواد راسية
…
وإن حبوا فهم الدأماء والنِّيل
وهم غيوثٌ لهم أحوالهم مطرٌ
…
وهم ليوثٌ لهم سمر القنا غيل
قوم إذا فوضلوا ان الأفاضل ما
…
فيهم وإن أطنب الحسَّاد مفضول
ذوو عمائم قد ذلأَت لعزتها
…
ذوو الأكاليل قسراً والأكاليل
هم أيَّدوه على تأييد ملَّته
…
لمَّا استطالت على الحقِّ الأباطيل
ومهَّدوا الدِّين والإسلام وانحسمت
…
بحدِّ سيفهم عنه الأضاليل
ودوَّخوا كلَّ ملك لم يدن لهم
…
فملكهم آيلٌ والعرش مثلول
من كلِّ قرمٍ إذا ما القرن بارزه
…
لم ينثن القرن إلا وهو مغلول
/ 61 أ/ أمضى سلاح معاديهم إذا اعتقلوا الـ
…
ـرماح للطَّعن تسليمٌ وتخذيل
مناذا أقول وإن أسهبت في ملأ
…
قد جاء في مدحهم وحيٌ وتنزيل
لولاهم هدم البيت العتيق وقد
…
وافاه قومٌ عصاةٌ فيهم الفيل
عادوا وقد عاد في التَّضليل كيدهم
…
وأرسلت فوقهم طيرٌ أبابيل
ترمي بأحجار سجِّيل تغادرهم
…
إذا رمتهم كعصف وهو مأكول
هل مثل مجدكم آل النبيِّ له
…
في الجاهليَّة والإسلام تأثيل
مجدٌ مشيدٌ قريشٌ شيَّدته لكم
…
ما شان شاهده جبنٌ وتبخيل
فخراً بذلكم آل النبيِّ فقد
…
أدركتم ما ونت عنه البهاليل
أدركتم من ذرى العلياء منزلةً
…
تنمى فيعجز عن إدراكها القيل
إذا صفاتكم أثنى القران بها
…
فما الَّذي بعده تثني الأقاويل
صلَّى الإله عليكم ما بدا قمرٌ
…
يسري ومنزله قلبٌ وإكليل
ثمَّ الصلاة على أصحابه فبهم
…
قد كان للدِّين تتميمٌ وتكميل
وعنهم رضي الرحمن إنهم
…
أرضوه والأجر عند الله مكفول
هم الألى بايعوه تحت أيكته
…
وللملائك تكبيرٌ وتهليل
أنصار دين الهدى ما فيهم كشفٌ
…
ولا معازيل في الهيجا ولا ميل
/ 61/ بشدَّهم شيد بع الدِّين وهو إلى
…
يوم القيامة معمورٌ ومأهول
هم الغياث إذا ما استنجدوا وهو الـ
…
ـغيوث سائلة بالجود إن سيلوا
شوشٌ مغاوير خوَّاضون في لجج الـ
…
ـحروب لدٌّ مقاويلٌ مفاضيل
صيد صناديد أنجادٌ جحاجحةٌ
…
غرٌّ ميامين أمجاد مباجيل
إذا ينالون لا يزهاهم فرحٌ
…
ولا ينالهم حزنٌ إذا نيلوا
خوف الإطالة ما استوعبت مدحهم
…
فربما شان بعض القول تطويل
أرجو من الله إسعافي لحبِّهم
…
فإنَّ حبهم اجرٌ وتنويل
وأسال الله تزويدي التُّقى بهم
…
فإنهم نعم يوم الفاقة السُّول
وأنشدني أيضًا: [من الطويل]
إذا ما سفيه القوم أوسعني شتمًا
…
كظمت له غيظي وأوسعني حلما
وما الفرق عند الناس بيني وبينه
…
إذا قال لي شتما فقلت له شتما
وله وأنشدنيه: [من المجتث]
لا تعتب الدَّهر حملا
…
فما على الدَّهر عتب
وإنَّما الناس ساءوا
…
وليس للدَّهر ذنب
وأنشدني له: [من الوافر]
/ 62 أ/ تجنَّب ما استطعت عن الخلائق
…
فهجر الخلق من كرم الخلائق
فأعوز ما ترى في الناس شخصًا
…
خليَّ القلب أو خلاًّ موافق
وأنشدني لنفسه: [من المنسرح]
حيَّاه محبوبه بنرجسة
…
من بعد طول الجفا فأحياه
كأن مضفرَّها خدود محبِّـ
…
ـيه ومبيضَّها ثناياه
وقال أيضًا: [من السريع]
لا تطلع الناس على سركا
…
يومًا ولا تخرجه عن صدركا
إن تفثه كنت أسيراً له
…
وإن تصنه كان في أسركا
وقال وأنشدنيه: [من الكامل]
رشقت فؤداي عن قسيِّ حواجب
…
ففعلن فيه وفي غير الواجب
فكأنَّ حاجبها الأرجَّ وقد بدا
…
نونٌ أجادتها صناعة كاتب
وقال في غلام راكب أشهب، وأنشدنيه:[من مخلّع البسيط]
ولابس حلَّة الجمال
…
يميس في حلية الدَّلال
أغنت عن القوس حاجباه
…
ومقلتاه عن النِّبال
/ 62 ب/ وافترس الناس منه ليثٌ
…
ينظر عن مقلتي غزال
مرًّ على أشهب فقلنا
…
تبارك الله ذو الجلال
من أنبت الغصن في كثيب
…
وسخَّر الصُّبح للهلال
وكتب وهو بدمشق، يتشوق حلب وأنشدنيه:[من البسيط]
عرِّج على حلب وايأل مغانيها
…
بم استحلَّت دمي ظلمًا غوانيها
سقى ربى حلبٍ سحبٌ روائحها
…
نهمي إذا أقلعت عنها غواديها
من كلِّ وطفاء دان فضل هيدبها
…
منحلةٌ في نضواحيها عزاليها
كم قد نعمنا بلذات الشباب بها
…
في عيشة طاب مخليها لجانيها
أبدى لنا ملكٌ غاز محاسنه
…
ما يطرف الطَّرف منَّا عن مساويها
تدبرت دولة الإسلام واعتصمت
…
به العواصم واعتزَّت صياصيها
أعطاه قلعتها الشَّهباء خالصةً
…
دون الملوك فأعطى القوس باريها
غلت على سائميها قلبه وعلت
…
تبارك الله مغليها ومعليها
فليس يحكيه في خلق ولا خلق
…
ملكٌ ولا قلعةٌ في الأرض تحكيها
أبت على خابيها فهي شامخة الـ
…
ـعرنين باد ...............
/ 63 أ/ .... بسماء الجوِّ واعتجرت
…
بسحبها فهي أحمى من دراريها
[357]
عبد المحسن بن إسماعيل بن حمدان، أبو علي الجزري.
شاعر كاتب عند شيء من علم النحو والأدب، وهو يكتب الإنشاء لصاحب الجزيرة المعمورة، المل المعظم محمود بن سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي:
ومن شعره: [من الطويل]
سيوفٌ بدت أم سحر بابل عيناه
…
ووردٌ زاهم ام ذي الشقائق خدَّاه
وصبحٌ تجلَّى أم ضياء جبينه
…
وليل دجى أم قد تعقرب صدغاه
رشا قدُّه غصنٌ من البان ناضرٌ
…
نسيم الصَّبا في آخر الليل سكناه
رماني فأصماني بسهم لحاظه
…
وكم عاشق مثلي رماه فأصماه
رمى ومماتي لحظةٌ من جفونه
…
نأى وحياتي نظرةٌ من محياه
واستنجد العين القريحة للكرى
…
لعلِّى أحظى في الرُّقاد برؤياه
واهوى نسيمًا هبَّ من نحو أرضه
…
عساه راه أم تحمَّل ريَّاه
بروحي أفديه وما ملكت يدي
…
تناضل ...... الغداة وأهواه
/ 63 ب/ بعثت إليه في النسيم تحيَّةً
…
فمرَّ به في الليل وهنًا فحيًّاه
أراه بعين الحبِّ والبين بيننا
…
وأنظره حقَّاً على بعد مغناه
وما أتمناه لفحشٍ ولا خنًا
…
ولكنَّني أهوى ملاحة معناه
لقد كذب الواشون بي وتقولوا
…
وفاهوا بأنِّي بتُّ مرتشفًا فاه
لبسنا عفافًا وارتدينا بمثله
…
وعفنا الخنافي في حبِّنا وأنفناه
سألزم نفسي حمل ما لا تطيقه
…
وأحمل في .... ما ليس أقواه
وأركب أهوالا تجوب بي الفلا
…
إلى بلدٍ لا تعرف الريح مسراه
[358]
عبد المحسن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عيسى بن جامع، أبو محمد بن أبي العباس العقري.
وقد مرَّ شعر والده؛ وهو موصلي المولد والمنشأ.
أخبرني أنه ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنه ست وتسعين وخمسمائة، درس فقه الشافعي – رضى الله عنه- على جماعة بالموصل وبغداد، وقرأ الأصول والخلاف والفرائض والحساب، وتميَّز على أقرانه، وجلس بعد أبيه لتدريس / 64 أ/ الفقه، وقام مقامه.
وله شعر؛ أنشدني لنفسه كا كتبه إلى الأمير الكبير امين الدين أبي الماكرم لؤلؤ بن عبد الله البدري: [من الوافر]
امنت بوائق الزمن الخؤون
…
ونلت مناي بالمولى الأمين
وهل أخشى وقد علقت يمني
…
بحبل من مودَّته متين
فتىً حاز الفضائل والمعالي
…
بجود سابغٍ وتقًى ودين
تفرَّد بالعلاء ولا نظيرٌ
…
له فيمن تقدَّم في القرون
فأصبح جامعًا لجميع فنِّ
…
تفرق في الأنام من الفنون
أمين الدِّين لا زلنا نهنِّي
…
بك النَّيروز حينًا بعد حين