الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/ 64 أ/
ذكر من اسمه عبد المنعم
[362]
عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن أحمد بن خضر بن مالك بن حسان، أبو الفضل الغساني السِّندي الجليانيُّ الحكيم الأديب.
كانت ولادته بقرية، تدعى جليانة من قرى غرناطة من مدن الأندلس، في سابع المحرم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة.
/ 64 ب/ وكان صاحب رياضة وحكم ومعرفة قويه بالبِّ والأدب والعروض والنحو؛ وله تصانيف في علم الرياضيات والتشريح.
وكان شاعراً مطيلًا متوسعًا في الشعر، طاف البلدان واخترق الآفاق، ثم سكن بأخرة في دمشق في أيام الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شاذى - رضى الله عنه -، وتوفي بها في صفر سنة إحدى وستمائة.
انشدني شيخنا أبو الخير بن أبي المعمر التبريزي المحدثِّ؛ قال أنشدني الحكيم أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن حسان الغساني رحمه الله لنفسه، يمدح الملك الناصر صلاح الدين، ويهنئه بفتح بيت المقدس؛ وكان فتحه السبت السابع والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة - حرسه الله تعالى وحماه بمنِّه ولطفه -:[من البحر الطويل]
لقد أوسع الله الفتوح بعامنا
…
وخيَّس منها المصعب المتابدا
أمورٌ نبت عنها العقول وأذعنت
…
بأنَّ اختصاص الحظِّ لله موحدا
/ 65 أ/ تحرَّك شخصا حرَّك الأرض جائلاً
…
وهزَّ من الشُّهب الذَّوائب مصعدا
ولقَّبه بالنَّاصر الملك يوسف
…
ونقَّبه نور المهابة سيَّدا
والهمه حسن الشمائل مجملًا
…
وفهَّمه أسمى الفضائل محمدا
يزيد على عظم المرام تواضعًا
…
ويدنو على بعد المقما تودُّدا
أتته وفود الخافقين فعاينوا
…
حلى مالك قد أتلع .... فرقدا
ينوِّع أثناء النهار سياسة
…
ويقطع آناء الدُّجى متهجِّدا
ويرمق أحوال المدائن حافظاً
…
وينفق أموال
…
فتنفدا
أحاط بملك الأرض خبراً وقوةً
…
وحاط ضروب الخلق خيراً ومرفدا
فوفَّى بفضل من قضاياه مترعًا
…
وأصفى لكلِّ من عطاياه موردا
وأروت نفوس السائلين بنانه
…
فلم أدر بحراٌ مدِّ للناس أم يدا
سا بحسام واسترقَّ بأنعم
…
وما المجد إلاّ في الشجاعة والنَّدى
فنمدحه حبًا ويعي تبرعًا
…
فيعجزنا شأواً ويشأى ممجَّدا
رأيت علاه مالها .... مثلها
…
بدائع نظم وامتداحاً مخلَّدا
فقلَّدته سلكًا عزيزاً وجوده
…
كما لم نجد ملكًا يضاهي المقلَّدا
كذا فليكن صوغ القريض مسمَّطًا
…
تفاصيل إعجاز ووشيًا منجَّدا
/ 65 ب/ ولفظًا كما تحكي الدَّراريُّ تحته
…
معان كما ترمي الأشعة أنجدا
قرائن أحوال ومعلم سيرة
…
وحكمة أمثال وعلمًا منضَّدا
إذا الشِّعر لم يحك العلوم فقد حكى
…
جعاجع أصوات ولغواً مفنَّدا
ولولا اصطناع الحلم لم يك باقلٌ
…
ليحضر في ميدانً سحبان منشدا
لاوجه أرباب السماح طلاوةٌ
…
تعلِّم طلَاّب النجاح التَّرددا
وقيمة قدر الشيئ قيمة ذكره
…
فما راق وصفًا فاق صيتًا منددا
وهذا مليكٌ أمره غيث عصره
…
فسيرته تبقى حيّاً متورِّدا
فيسقى بها الظَّمان للعلم مسنتًا
…
ويرقى لها الدَّيان في الحكم مسندا
ينال الفتى بالصبر مقسوم حظَّه
…
وكم جاهد في الحرص ما نال مقصدا
عجبت من الأيام تطوى كمائنًا
…
إذا انتشرت أعيت نجيباً ومنجدا
وكنت أرى ذا الفتح من قسم يوسف
…
فلله ذاك القسم ما كان أسعدا!
ولله يومٌ هلَّ فيه ولادةٌ
…
لقد اب مولوداً وبورك مولدا
لفى مطهراً من هَّر القدس واحتوى
…
بني أصفر سبيًا وقتلاً تعمُّدا
هو المسجد الأقصى وهم شوكة الوغى
…
فما كان لولا الله يخلص معبدا
/ 66 أ/ هنيئاً لبيت القدي ألآن طهره
…
وللنَّاصر المنصور غبطته غدذا
فيا خير ممدوح وأطهر مجتبى
…
وأسعد ممنوح وأبهر محتدا
مديحك أحلى في فمي من جخى المنى
…
ومن طعم برد الماء عذبًا على الصَّدى
وأشهى سماعًا من حديث حبائب
…
يلدُّ لها عهد الصِّبا متجدَّدا
أسامر فيك الشِّعر مستمتعًا به
…
فأبسطه بسط الحميَّة في النَّدى
أودُّ لو أنَّ البيت ألف قصيدة
…
وكلُّ قصيد ألف حزب تردُّدا
وكيف اقتصارٌ في مدائح يوسف
…
وقد بذَّ غايات السَّوابق في المدى
سرى وهو نورٌ قاهرٌ بلطافةً
…
وحلَّ بن صوت العلا فتجسَّدا
ولو لم يلح للناس ما علموا فتى
…
سما كلَّ عال وهو يرتاد مصعدا
فكل ابتداء في معاليه منتهى
…
وكلُّ انتهاء في تعاليه مبتدا
وأنشدني قاضي اليمن لعبد المنعم بن حسان: [من مخلّع البسيط]
يا ساهراً في اقتناء علم
…
بخطب منه مقام محكم
لا تطلب العلم في كتاب
…
بل وسِّع الكمَّ ثمَّ عمِّم
والبس من .... طيلسانًا
…
واعقده بالمنكبين واختم
واقعد مع القوم في جدال
…
لا بالبخاري ولا بمسلم
/ 66 ب/ إلّا صياحًا ونفض كمٍّ
…
وجمع لا لا وعقد لم لم
وما أرى بينهم علوماً
…
اكثر من لا ولا أسلِّم
وقال أيضًا: [من الوافر]
عجبت لخططوة حصلت لقوم
…
تعاف سلوكهم همم الرَّجال
لهم زيٌّ وألقابٌ عظامٌ
…
وهم في الجدِّ من همج الرِّجال
ونالوا ما أرادو بالدعاوى
…
كما نال المبرِّز في الخصال
فقد ضاع اجتهاد أخي التَّحرِّي
…
إذا حصل التَّقدم بالمحال
وقال وأنشدني عنه الشيخ حافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن البغدادي؛ قال أنشدني عبد المنعم لنفسه؛ وقد سئل عن إعراض زيارة الأكابر والرئساء: [من الكامل]
قالوا نراك عن الأكابر تعرض
…
وسواك زوَّارٌ لهم متعرِّض
قلت الزِّيارة للزمان إضاعةٌ
…
وإذا مضى وقتٌ فما يتعوَّض
إن كان يومًا لي إليهم حاجةٌ
…
فبقدر ما ضمن القضاء تقيَّض
/ 67 أ/ انشدني شهاب الدين القوصي، بمنزله المعمور بدمشق في المحرم سنة أربعين وستمائة. أنشدني عبد المنعم الحكيم لنفسه:[من المتقارب]
اشدُّ بلاء الرجال النسا
…
بهم أبدا الدهر منهنَّ داء
إذا ما بعدن فعيشٌ يسوء
…
ومهما قربن فنفسٌ تساء
يكلفن ذغ المال ما لا يطيق
…
ويلزمن ذغ الحال ما لا يشاء
ويقضين لابدَّ ما يشتهين
…
ولو ان حارسهنَّ القضاء
وأنشدني، قال أنشدني لنفسه:[من البسيط]
قالوا نرى نفراً عند الملوك سموا
…
وما لهم همَّةٌ تسمو ولا ورع
وأنت ذو همَّة في الفضل عالية
…
فلم ظمئت وهم في الجاه قد كرعوا؟
فقلت باعوا نفوسًا واشتروا ثمنًا
…
وصنت نفسي فلم أخضع كما خضعوا
قد يكرم القرد إعجابًا بخسَّته
…
وقد يهاب لفرط النَّخوة السبع
وأنشدني: قال أنشدني من شعره: [من الكامل]
إن قيل من فحل الرجال فقلت في
…
مستحكم الأقوال والآراء
ذربٌ بتقليب القلوب مجاذبٌ
…
للنافرات بألطف استهواء
/ 67 ب/ وأنشدني أبو الفتوح بن أبي الغنائم بن أبي بكر البغدادي؛ قال أنشدني عبد المنعم بن عمر الجلياني لنفسه بحلب: [من الطويل]
وصفراء لولا نفحها ومذاقها
…
لقلت نضارٌ في الأباريق ذائب
من الماء فيها للحباب عمائمٌ
…
وللنُّور منها في الأكف ذوائب
وقال أيضًا: [من الكامل]
حاول مفازك قبل ان تتحوًّلا
…
فالحال آخرها كحالك أولا
إنَّ المنيَّ من المنيَّة لفظة
…
ليدُّل في أصل البناء على البلا
ومن شعره يقول: [من الطويل]
وقائلة كيف استطعت تجلُّداً
…
لضحك فلان وافتراء فلان
فقلت لها يا هند لو كنت ناظراً
…
إليهم مضى بين الفصول زماني
حعلت بني الدنيا جميعًا لواحد
…
وقد حلَّ فيه الموت احة فاني
وماذا عسى أن يغني الموت وهو في
…
تقاذف أمواج من الحدثان
فشمَّرت ذيلي عنهم متحلِّيا
…
وألقت فيما قد عناني عناني
ولم ألتفت إن أعرضوا او تعرَّضوا
…
أو اعترضوا مستهزئين ....
/ 68 أ/ أرى مدحهم سهواً وذمهم سدًى
…
وهل ذو نهى يصغي إلى الهذيان
فلو حصَّنوا الأوقات كان سلوكهم
…
لتصحيح فعل او صفاء جنان
ولو شعروا في خصلة بفضيلة
…
لما نطقوا في فضله بلسان
وقال أيضًا: [من البسيط]
قالوا رموك ببهتان فقلت لهم
…
يا هند لو عقلوا لم يرتضوا الفندا
ما العاقل الحرُّ من تنسى معائبه
…
وقد حضرن ويغتاب الَّذي بعدا
قالت: فما لك لا تنفي اعتراضهم
…
وتدفع الوهم عمَّن ساء معتقدا
فقلت لي شغلٌ عنهم ولو شغلت
…
نفسي بهم صرففت عن نهج من رشدا
إن كان دينهم يقضي لهم حسدا
…
فديننا يقتضي أن ننفي الحسدا
إن أدرك المرء ما الإحسان ما وعدا
…
فما نبالي بمن رام الأذى وعدا
وليس منا فتى للعرض منتصرٌ
…
لسوء سعي ولا ماَّا فتًى حقدا
وكل نفسٍ لها شأنٌ ومنبعثٌ
…
وغايةٌ نصبت ..... لها أمدا
وقال أيضًا: [من الكامل]
قالوا نحجُّ البيت قلت يجوز
…
قالوا متى قلت القضاء عزيز
لولا الرِّيا ما حجَّ أكثر من ترى
…
من ذا بإخلاص الضمير يفوز
/ 68 ب/ فيالحجِّ أخطارٌ غنيٌ رُّبنا
…
عن فعلها والشرع والتمييز
حشر اللصوص له كحشر حجيجه
…
فبكلِّ شبر قاطعٌ مركوز
في يثرب جهراُ وفي أم القرى
…
يسبى كريم المال وهو حريز
وعلى الظَّواف وفي الآل والورى
…
...... للصوص حفيز
حرم لدى حرم .... فتصدُّ عن صدر الكعاب عجوز
وعزيز وفر جاء مكَّة فانثنى
…
والعزُّ عنه والعنا محجوز
وتشاغلٌ وقت الصلاة وفتنةٌ
…
وتقاطع وتدابرٌ ونشوز
ولو انَّه أمنٌ وبرٌّ خالصٌ
…
فبعشره الجمَّال ليس يحوز
ورأيت له كتاباً مشجراً، ترجمه: ب "منادح الممادح" وروضة المآثر والمفاخر من خصائص الملك الناصر" يعني صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي –رحمه الله تعالى – وهو يحتوى على نظم ونثر، جعله منطويًا على أثنتي عشرة مدحةً وهو غريب في وضعه جداً.
/ 69 أ/ حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحنفي – أيده الله تعالى -؛ قال: أخبرني السديد بن عمر القفصي؛ قال كان عبد المنعم الجلياني قليلًا ما يمتدح الناس، وكان يمدح الملك الناصر جالسًا، وعمل له كتابًا في مدائحه مشجراً، وكان السبب الَّذي دعاه إلى عمله، أنَّه لزمه دين مقداره ثلاثمائة دينار، وعمل في هذا الكتاب مشجرات في مدحه، وحمله إليه، فلما وقف عليه لم يهتد إلى قراءته، فطلب عبد المنعم ليحَّل المشجرات، وكان بحضرته إنسان يقصده، لم يسعه عند طلبه إلا إحضاره. فلما حضر حلَّ له المشجرات، فاستحسنها وساله عن حاجته؛ فقال: علي
دين أطلب قضاءه، فتقدم إلى الديوان أن ..... بدينه، فلما خرج؛ قال له ذلك الرجل الَّذي يقصده: هذا عليه ثلاثمائة دينار! فأمر الديوان أن ..... ثلاثمائة دينار، ويطلق له ثلاثمائة دينار أخرى. فأراد ذلك الرجل أن يضره فنفعه.
وقال القاضي؛ وسألت السديد عمر عن حاله فوصفهخ بالفضل والعلم؛ قال لي: وكان يميل إلى الحكمة.
/ 69 ب/ وكان كاتبًا في بلاد المغرب للوزير عمر، فرجد عليه فضربه ثمانين سوطًا، فكان ذلك سبب خهروجه إلى هذه البلاد.
وحدثني القاضي أو القاسم، قال: حدثت عن عبد المنعم انه كان في مجلس الملك الناصر صلاح الدين؛ فقال له القاضي الفاضل ليغضّ من قدره نسبته إيّاه إلى قرية: كم بين جليانة والمريّة؛ فقال مجيبًا له في الحال: مثل ما بين بيسان وبيت المقدس.
قال أبو محمد عبد الرحمن بن بركات بن شحاتة، سمعت الأمير أبا الحسن علي بن إيداش يقول: سمعت عبد المنعم الجلياني يقول: لبست البلاس فعاتيني بعض أهلي على ذلك؛ فقلت: [من المتقارب]
وقائلة لم لبست البلاسا
…
ولم تره قبل هذا لباسا؟
فقلت لها لو رأيت الَّذي
…
رأيت لخالفت هذا القياسا
ولي بالرِّياض وربِّ الحمى
…
حبيبٌ حمى مقلتيَّ النُّعاسا
أخاف إذا ما رأى لبستي
…
سوى جبَّة أن يراها التباسا
ويحسبني ناسيًا عهده
…
وبئي الحبيب حبيبٌ تناسى
/ 70 أ/ قال أبو الحسن القطيعي: أنشدنا عبد المنعم لنفسه في الشوق:
[من الخفيف]
عيَّروني بأنني مستهام
…
ولمثلي يلذُّ فيك الهيام
شوَّقوني إليك ثمَّ تولوا
…
عجباً كيف أيقظوني وناموا
ونديم سقاني السِّر صرفًا
…
فسكرنا وليس ثمَّ مدام
حثَّ كأسًا ممَّا هناك دهاقًا
…
فاستطارت لدورها الأحلام
أين أهل الأذواق قوموا فشقُّوا
…
كلَّ جيب فالآن طاب المقام
نسمت من حبيبنا نفحاتٌ
…
فعلى العيش بعدهنَّ السَّلام
[363]
عبد المنعم بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن الحسين، أبو محمد بن أبي البركات الموصليُّ، المعروف بابن الشَّيرجِّى.
كان والده متقدمًا في الفقه، على مذهب الإمام الشافعي – رضى الله عنه – وابنه هذا أبو محمد كان فقيهًا جيداً، عالمًا فاضلًا من أهل الصلاح والدين، قرأ على والده الفقه، وروى شيئاً من الحديث عن أبى بكر محمد بن علي / 70 ب/ بن ياسرؤ الجيّاني الأنصاري، وسمع عليه جماعة، وكان يقول المقطعات من الشعر في الآداب والحثّ على طلب العلم، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الفن.
أنشدني الخطيب أبو النجا يالم بن عمر بن سالم الموصلي، قال: أنشدني أبو محمد عبد المنعم لنفسه: [من السريع]
قول الفتى لا علم لي بالذي
…
سألتني من جملة الفضل
وما على العالم في قول لا
…
أعلم من قوم ولا عذل
والجاهل الآنف من قول "لا"
…
مخالفٌ للشرع والعقل
قد قال عن إبن أبي طالب
…
وابن عبَّاس أولو النَّقل:
إنهمالم بأنفا قولها
…
فكيف يأبى قولها مثلى
وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو محمد لنفسه: [من الخفيف]
ليس للعلم غايةٌ يقف الطَّالـ
…
ـب عند التَّحصيل يومًا عليها
طالب العلم كلَّما ازداد علمًا
…
ألبسته العلوم شوقًا إليها
شرفت نفس عالم تطلب العلـ
…
ـم لتحوي علم الرجال لديها
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
/ 71 أ/ سأطلب العلم في الآفاق مجتهدا
…
فالعلم بحرٌ وفيه الدُّرُّ مستتر
يا صاحب العلم لا تبغي به بدلاً
…
فالمال يفنى وكنز العلم مدَّخر
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفيه: [من السريع]
صغير ما تجهله عندما
…
تسأل عنه بين جمع كبير
لا تحتقر فائدة لم تكن
…
عندك أن تأخذها من صغير
فالعلم مثل القطر في لطفه
…
تمَّت ينمو منه بحرٌ غزير
[364]
عبد المنعم بن عبد العزيز أبي بكر بن عبد المؤمن، أبو الفضل القرشي العبدري الاسكندري، المعروف بابن النَّطرونيِّ.
والنرون هو البورق، يكون بنواحي مصر.
كان فيها عالمًا فاضلًا فرضيًا حاسبًا خيراً، متفننًا في علم العربية والتصريف، قيِّمًا بعلم الأدب واللغة، شاعراً مدَّاحاً إمامًا في الشعر.
سافر إلى الملوك، وامتدحهم وسيَّر فيهم مدحًا كثيراً، وكان قد مضى / 71 ب/ إلى ..... في رسالة بإفريقية، فحصل لع منه عشرة آلاف دينار مغربية، فرَّقها جميعها على معارفه وأصدقائه.
وتوجَّه إلى العراق، فأقام ببغداد مسترفداً على عادة الشعراء، فمدح الإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله – رضى الله عنه – وأنعم عليه إنعامًا وافراً، وتعلَّق بخدمة ديوان الخلافة، وصار أحد شعرائه، وولي رباًا بجانبها الغربي، يعرف بربا العميد شيخ الصوفية، وناظراً في وقفه ومصالحه، إلى أن مات ليلة السبت خامس جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة، ودفن في الشُّونيزيّ – رحمه الله تعالى -.
ووجدت له كتابًا بخط يده، ترجمه "النبذ الأبريزية في المدائح العزيزية" تحتوي
على ذكر نفر من الشعراء الذين امتدحوا الملك العزيز أبا الفوارس طغتكين بن أيوب بن شاذي، وختم الكتاب بقصيدة من قيله.
أنشدني أبو يوسف يعقوب بن علي بن نصر الله الموصلي؛ قال: أنشدني أبو الفضل عبد المنعم بن النروني لنفسه يمدح / 72 أ/ اتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آق سنقر –صابح الموصل رضي الله عنه:
[من السريع]
ماقبل العاشق ممَّن نهاه
…
ولا درى الغافل ما قد جناه
ولو درى من تاه في حسنه
…
أنَّ لمن يهواه جسمًا أتاه
هيهات يبقى جسمه بعدما
…
ضاعف في يوم نواه جواه
يا قوم ما أقرب يوم النَّوى
…
وأبعد المشتاق ممَّن نواه
ليت زمانًا كان عهدي به
…
من قبل أن يجفو جفاه كراه
يزورني وهنًا فأشكو له
…
وإنَّما يشكو المعنَّى عناه
وكيف لا يشكو الهوى مدنفٌ
…
هوانه أيسر ما في هواه
ومن يبت مثلي قريح الحشا
…
لم ير يومًا لأساه أساه
وفي الحمى ذو عبث لم تزل
…
جوارحي مجروحةً من أذاه
ظبيٌ من التُّرك لبه مقلةٌ
…
تغنيه في يوم الوغى عن ظباه
كأنما قامته صعدةٌ
…
أو غصنٌ معتدلٌ من نقاه
لو أنَّه قابل شمس الضُّحى
…
رأيتها في خجل من سناه
/ 72 ب/ شهدت أنَّ الشَّهد في شغره
…
ولم أن بالله ممَّن جناه
لكنَّني أعلم أنَّ الجوى
…
شفاؤه ما قد حوته الشِّفاه
يا حاديًا بات بنا ساريًا
…
والعيس لا تسأله عن سراه
في جنح ليل لو بدا صبحه
…
لكاد يخفيه علينا دجاه
ومهمه متَّسع خرقه
…
فيه عزيف الجنِّ عال صداه
قل لمطًايانا إذا ما اشتكت
…
طول السُّرى أو قطع عرض الفلاه:
إذا وصلنا الموصل استبشري
…
ويمِّمي درا أرسلان شاه
أتابك الملك الَّذي لا يرى
…
خير ملو الأرض من لا يراه
العالم العادل بين الورى
…
إلَّا على ما قد حةته يداه
من قاس بالبحر ندى كفِّه
…
فإنِّه عظَّم قدر المياه
ومن يشبِّهه بأسد الشَّرى
…
فإنه من أمره في اشتباه
ملكٌ إذا عدَّدت أهل العلا
…
رأيتهم قد قصَّروا عن مداه
راحته فيها لمن أمَّه
…
راحته بين الحيا والحياه
وكفُّه كفَّت صروف الرَّدى
…
وشتَّت بالبطش شمل العداه
مهذَّب الآراء ذو همَّة
…
تبلغ بالأمن إلى منتهاه
/ 73 أ/ سار على سيرة آبائه
…
في حلمه عنء قدرة والأناه
وقام بالملك قيام الألى
…
قد أسسوا المجد وشادوا بناه
قالناس فيه بين داع له
…
وشاكر ما عنجه من نداه
يا ملكًا موطنه في الثرى
…
وفوق أفق النجم سامي علاه
ومن إذا أقبل في موكب
…
تزاحمت فوق التراب الجباه
أنت الَّذي لله في ملكه
…
سريرةٌ يظهر منها هداه
أنت الَّذي لم يحو ما قد حوى
…
من العلا والمجد ملكٌ سواه
أنت الَّذي اختار صلاح الورى
…
فاختاره الله لهم واجتباه
مولاي نور الدِّين خذ ضرمةً
…
قد خلع الحسن عليها حلاه
وقد أتت باسمك موسومةً
…
ووسمها باسمك عزٌ وجاه
وما أراها بلغت مقتضى
…
وصفك بالمدح على مقتضاه
فابسط لها عفوك إن قصَّرت
…
فإنه ما زال رحبا ذراه
واهنأ بعيد أنت عيدٌ له
…
وواجبٌ فيك علينا هناه
ونقلت من خطِّه قوله يمدح العزيز أبا الفوارس / 73 ب/ طغتكين بن أيوب بن شاذي: [من الخفيف]
ما لداء الهوى الدَّفين دواء
…
فليقل عاذلي إذاً ما يشاء
كيف أيلو الهوى وللبيض .....
…
ما لقلب من أجلها سوداء
صاح إن كنت بالمدامة غرَّاً
…
فأدر إنَّ الملام لي أغراء
بادر العيش فالتفاوت في الفر
…
صة والناس في المنى أكفاء
لا تكن وانيًا عن السير في اللَّهـ
…
ـو إذا أشرقت لك الصَّهباء
إنما لذَّة النَّديم مدامٌ
…
وغناءٌ وروضةٌ غنَّاء
شعشع الراح فهي ويك النَّفـ
…
ـس وفيها لكلِّ جسم عناء
وأجلها في الكأس فهي نجومٌ
…
كلُّ أرض تدار فيها سماء
واسقنيها محروسة من أذى المز
…
ج فما يطرب العقول الماء
واستبق للسُّرور في مجلس فيـ
…
ـه سريرٌ يعزى إليه العلاء
واغتنم فالزمان فيه هناءٌ
…
للبرايا وللغرير بقاء
ملكٌ ربعه خصيبٌ وداعيـ
…
ـه مجابٌ ووعده إيفاء
كل يوم له التفاوتٌ لراجيـ
…
ـه وفي كلِّ ساعة إعطاء
لا تقس بالبحار نائل كفَّيـ
…
ـه فما إن لخنصريه كفاء
/ 74 أ/ ومنها قوله:
هممٌ تفضل الوجود وقدرٌ
…
دون أدنى غاياته الجوزاء
وعلاً لا ينالها الدَّهر راجٍ
…
وندى لا يخيب فيه رجاء
سعدت أولياؤه بأياديـ
…
ـه وخابت بعزمه الأعداء
شهدت بالنَّدى له العرب والعجـ
…
ـم وسارت بفضله الأنباء
بهرت واصفيه أوصافه الغرُّ فماذا تقثوله الشعراء
ومنها يقول:
هكذا هكذا تكون السجايا
…
هكذا هكذا يكون الثناء
فيك سيف الإسلام ما أعجز الدَّهـ .... ـر فما أنت والملوك سواء
دمت في عيشة تطيب وقدر لا يسامى وغبطة لا تساء
وبلغت الَّذي تؤمِّل في الدَّهـ
…
ـر ونالت عدوَّك الاواء
وأنشد في الصاحب الوزير القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي، قال: أنشدني عبد المنعم بن النطروني لنفسه / 74 ب/ بقفط، يمدح الأعَّز يوسف بن صالح بن مهدي – قاضي فقط -:[من الطويل]
تقبلَّته في قلبة حين أسعفا
…
وقبَّلته لمَّا وفى لي إذ وفى
وعاتبته إذ لاح بدراً مكملاً
…
وعانقته إذ ماس غصناً مهفهفا
وعاينت من خدَّيه لمَّا توردا
…
عذارين من أس وورداً مضعَّفا
أقيما له عذري عليَّ وعنده
…
ولا تحسباني بنت عن أرضه جفا
وإن أنتما سوئلتما عن قضيتي
…
فقولا جميعاً راح يقصد يوسفا
هو الماجد النَّدب الَّذي من يؤمه
…
يؤم أعم الناس برَّاُ وأشرفا
[365]
عبد المنعم بن عليِّ بن نصر بن منصور بن هبة الله النهريُّ، أبو محمد الحرَّاني، المعروف بابن الصَّيقل.
كان من فقهاء الحنابلة، عالمًا واعظًا، أخذ الفقه عن أبي الفتح نصر بن فتيان بن مطر الحنبلي الفقيه المعروف بابن المنى النهرواني، وسمع الحديث من أبي الفتح بن برشاتيك وأبي السعادات ابن زريق وتكلم / 75 أ/ في الوعظ، وكان متديناً وراعًا، سكن بغداد إلى أن توفي بها يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول سنة إحدى وستمائة، ودفن بباب حرب.
أنشدني أبو الفضل عمر بن علي بن محمد بن يحيى بن هبيرة حرّان، وأقمت بمصر في صدر كتاب:[من الطويل]
وكنَّا نرى حرَّان أطيب منزل
…
فمذ غبتم عنها استبانت عيوبها
وبان لنا صدق الَّذي قال قبلنا: هوى كلِّ نفس حيث حلَّ خبيبها
وقال يرثى شيخه أبا الفتح أبن المنيّ: [من البسيط]
إن روَّق الليل جافى الجنب مضجعه
…
يبكي بمدع غزير واكف هطل
وإن بدا مشكلٌ في الشرع منغلقٌ
…
أتى به ظاهراً فوراً على عجل
فرحمة الله تتلوه وتنقله
…
إلى الجنان وهذا غاية الأمل
[366]
عبد المنعم بن نصر الله بن أحمد / 75 ب/ ن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حواريِّ بن حطَّان بن المعلى بن حطَّان بن سعد بن زيد بن لوذان بن غنم بن الساطع، وهو النعمان بن عدِّ بن غطفان بن عمرو بن شريحٍ، أبو الفضل بن أبي الفتح التنوخيّ.
أصله من معرّة النعمان، وهو دمشقي الولادة والمنشأ، فقيه حنفي عالم بالخلاف ومسائله، ..... لأصحاب أبي حنيفة (رضى الله عنه) وسمع حديثاً كثيراً بالشام، وكان يعظ الناس على المنبر، ويحفظ القرآن، وعرف تفسيره، وشخص إلى الديار المصرية، فتوفي بها في أحد الربيعين سنة تسع وعشرين وستمائة، وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
وكان منقطعاً إلى الملك المعظم شرف الدين عيسى بن محمد بن أيوب -صاحب دمشق- وبعده لأخيه الملك الأشرف مظفر الدين موسى.
أنشدني نصر الله ولده بمدينة إربل؛ قال: أنشدني والدي لنفسه يمدح الملك عيسى: [من الكامل]
إنِّي عتبت على العهاد بحلِّق
…
فأجابني ودموعه تتقاطر
كيف القفول إليكم ومليككم
…
عيسى المعظَّم وهو بحرٌ زاخر
/76 أ/ وأنشدني؛ قال: أنشدني فيه أيضاً يمدحه: [من البسيط]
أحيا النفوس بإحياء الرَّجاء لها
…
فلم يشكَّ الورى في أنَّه عيسى
وكم له من يدٍ بيضاء قد ظهرت
…
للناظرين فقالوا إنَّه موسى
[367]
عبد المنعم بن صالح بن أحمد بن محمد التيميُّ القرشيُّ الاسكندري النحويُّ الأديب.
إمام كامل ذو فنون من العلوم، متوحد فيها، / نزل تمصر وهو بها مقيم، يقرئ العلم والأدب، ويفيد الناس، وهو رجل مطبوع المعاشرة، طريف الجملة والتفصيل، له شعر حسن في الهوجو.
أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن أبي عبد الله إبراهيم الأسكندري؛ قال: أنشدني أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد التيمي النحوي الأسكندري لنفسه، في وزَّان كان بين يدي صفي الدين عبد الله بن علي بنشكر المصري، وكان اسمه "حسناً":[من المنسرح]
يا حسناً نونه مقدَّمةٌ
…
فلا رعا الله من يؤحِّرها
/76 ب/ كلُّ أيادي الصَّفيِّ صافيةٌ
…
لكنَّ وزَّانها يكدِّرها
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في إنسان يعرف بالهدهد جاءه ولدٌ أسود:
[من الرجز]
قد ولد الهدهد أعجوبةً
…
غراب نوحٍ أسوداً حالكا
ما صدق الهدهد فيما ادَّعى
…
بل كذب الهدهد في ذلكا
وأنشدني؛ قال: أنشدني عبد المنعم لنفسه في إنسان يعرف بالتالحيب بن شكر؛ قراءته على خر الفيل أبي الحسين: [من البسيط]
ذا التَّالحيب بن شكر في قراءته
…
على خرا الفيل معنًى غير مشكول
ما كان يغمز منه طول لحيته
…
وعرضها أبداً إلَاّ خرا الفيل
وقال في الشرف بن الحباب –قاضي ثغر الإسكندرية- من قصيدة أولها:
وماذا على البين الَّذي كان جائراً
…
إذا ما تعدِّى الجور فينا إلى العدل
شفانا من البين اجتماعٌ من الشَّمل
…
فصلنا على جيش القطيعة بالوصل