الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من اسمه علي
[389]
علي بن محمد بن علي بن رستم، أبو حسن الدمشقي الخراساني، المعروف بابن الساعاتي.
شاعر حشو ابراده، محسن في إصداره وإيراده؛ فرد زمانه في صناعه القريض، بحر خاطره متدفق يفيض، ذو قول أبهج من أنيق الرياض، وأخلب للقلوب من غمزات الحدق المراض.
فلله دره! ما أعذب كلامه، وأحسن نظامه، وأحلي قطوفه ومجانيه، وأرق الفاظه وأدق معانيه! ، يكاد ماء الحسن يقطر من أطرافه، ويرى بالجوهر النفيس في ترصيفه /147 أ/ وائتلافه. مدح الملوك من بني أيوب مع رؤساهم ووزارئهم وامراء تلك الديار.
وديوان شعره موجود، يدخل في مجلدتين، أحسن فيه ما شاء؛ يدل على فضله وغزاره علمه وتمكنه من الأدب، ولطافه مزاجه، وجزاله عباراته، وملح استعارته.
وكان مع ذلك شاباً سرياً جميلاً لطيفاً، مليح الصوره، مطبوع الشمائل، ولد في سنه اربع واربعين وخمسمائه، وتوفي في شهر رمضان سنه أربع وستمائه بالقاهره، بالديار المصريه-رحمه الله تعالى-.
أنشدني أبو منصور بن يوسف بن أبي منصور العصافيري الموصلي؛ قال: أنشدني ابن الساعاتي لنفسه مبدأ قصيده: [من الطويل]
ألمت سليمي والنسيم عليل
…
فخيل لي أن الشمال شمول
كأن الخزامي صفقت منه قرقفاً
…
فللكسر أعناق المطي تميل
شديد إلى باب البريد حنينه
…
وليس إلى باب البريد سبيل
منازل أما ماؤها فمصفق
…
زلال وأما ظلها فظليل
نحلن وما قولي نحلت تعجباً
…
هل الحب إلا لوعه ونحول
/147 ب/ وأنشدني لنفسه في السعيد بن سناء الملك، وقد وقع عن بغل له، وكان يسمى البغل الجمل:[من البسيط]
قالوا السعيد تعاطى بغله نزقاً
…
فزل عنه وأهل ذاك للزلل
فقل له لا أقال الله عثرته
…
ولا سقته بنان العارض الهطل
أبغضت بالطبع أم المؤمنين ولم
…
تحبب أباها وهذي وقعه الجمل
وقال أيضاً: [من الوافر]
أتهويما وليل الهم داجي
…
فهات من السلاف سنى السراج
وأطلع بالسقاه بدور تم تدير الشمس في صبح الزجاج
ونصليها رماحاً من الشموع
…
لوامع تحت رايات الدياجي
ولو ركبت لتقتنص الأماني
…
بنان يدتسالم في الهياج
تجيد الضرب لكن في مقام
…
دخان كبابه رهج العجاج
بكي الرواق مرجاناً نثيراً
…
ونظم لؤلؤاً أضحك المزاج
فقد نسج الحيا جسراًوحلى
…
بدر النور اجساد الفجاج
وأرشفها ثغوراً من أقاح
…
صوامت وهي مفصحه النتاج
/148 أ/ كأن الأرض وجه من حبيب
…
تبلج عن سرور وابتهاج
وأغيد فاتن الحركات يسطو
…
بأدمع فاتر اللحظات الساجي
يتيه بوجنه كالورد حسناً
…
يحيط به عذار كالسياج
كما نمنمت خطاً ذا خفاء
…
على سطحين من ذهب وعاج
وجسم حسم داء الوجد فيه
…
إذا ما الهم جل عن العلاج
فغصن البان منه في اهتزاز
…
ودعص الرمل منه في ارتجاج
ونقطه خاله والصدع نور
…
يروقك بانفراد وازدواج
كأن الليل قبل خد الصبح
…
فأثر ذاك حسن الأمتزاج
وقال من قصيده: [من الكامل]
عج بالحمى ومهفهفات غصونه
…
وحدار من غيد الكثيب وعينه
من كل وسنان كأن لحاظه
…
نصلت ذوابل قومه من دونه
كيف الخلاص لمن هواه هوانه
…
في حبه ومناه ريب منونه
ما كدت تغلبني جيوش جماله
…
لولا العذار يمدها بكمينه
كالسيف يعرف حده من هزه
…
خشناً ويعرف صفحه من لينه
أهدي إلى الأغصان لين قوامه
…
وأعار جسم الصب سقم جفونه
/148 ب/ تتقابل الأضداد عند محبه
…
في حسنه فتبين عن مكنونه
فسقام مقلته لصحه لفظه
…
وظلام طرته لصبح جبينه
وكتب إلى صديق له يلقب بالنجم-صدر كتاب-: [من الطويل]
وأبيض من نجل الكرام كأنما
…
خلائقه في لطفهن ابنه الكرم
تجلى ظلام الدهر عني بوجهه
…
واقلع صرف النائبات عن الظلم
وأني لأستجدي العلا من جنابه
…
وما خاب مستجدي المعالي من النجم
وكتب إلى تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي؛ وقد ابل مرض:
[من الطويل]
ليهن الورى برء العلا والفضائل
…
هناء الثرى بالمدجنات الهواطل
لقد شرحت صدر الورى قسماته
…
وردت وضوحاً في وجوه الأصائل
واصبح قس ماثلاً في اياده
…
وانشر بعد اليأس سحبان وائل
سقت أنمل السحب بلاد لأجله
…
واتام بعد العقم حمل الخمائل
له حل في الآفاق حبوته الحياً
…
فحلت أيادي مزنه كل عاطل
/149 أ/ وهز قدود البان ناشيه الصبا
…
كما هز عطف الشرب قهوه بابل
وقال: بديهة: [من الطويل]
وصاحب أنس أن تعشق الفضل نفسه
…
وحسبك ذو نفس تيممها الفضل
أخو فطنه لم يمزح العيش وده
…
ولا هز من عطفي رصانته الجهل
وقال أيضاً بديهة: [من الكامل]
يا صاحبي والأفق قد لبس الدجى
…
وكواكب الظلماء لم تتقوض
حيث المجره في السماء كأنها
…
ماء جوانبه تشاب بعرمض
أو ما ترى لون السماء كأنه ترس يناط من الهلا بمقبض
وكأن كل شهاب رجم ثاقب
…
سهم أصاب وربه لم ينبض
أو إبره نفذت رداء ازرقاً
…
والنور يتبعه كخيط ابيض
وقال في صبي أصفر اللون من غير عله، وقد سئل ذلك:[من الخفيف]
وبروحي من وجهه شفقي اللون
…
كالشمس روعت بالفراق
لا لدا لكنَّه عمَّ جدا
…
لم يدع غير هائم مشتاق
راق ماء الجمال في وجنتيه
…
فهو مرآة أوجه العشاق
/149 ب/ وقال في شجر المشمش: [من الطويل]
ألست براء كلَّ يا نعة غدت
…
جني كل غصن يانع متأود
إذا قابلتك شمس الآصائل خلتها
…
كواكب تبر في سماء زبر جد
وقال بديهاً في البدر على الماء: [من البسيط]
أما ترى البدر يجلوه الغدير غدت
…
تحفُّه قضب بالنور في لثم
كخوذة فوق درع حولها أسلٌ
…
سمر اسنتًّها مخضوبةٌ بدم
وقال أيضاً: [من الكامل]
ولقد نزلت بروضة حزنيَّة
…
رتعت نواظرنا بها والآنفس
فظللت أعجب حيث يحلف صاحبي
…
والمسك من نفحاتها يتنفَّس
ما الجوُّ إلاًّ عنبر والدوح إلا جوهر والروض إلا سندس
سفرت شفائفها فهم الأقحوان بلثمها فرنا إليه النرجس
فكأنَّ ذا خدٌ وذا ثغر يحا
…
وله وذا أبداّ عيونٌ تحرس
وله وقد حضر قبل خروجه من دمشق مع جماعة من الأصدقاء بالنيرب /150 أ/
على شرا ب وعندهم سقاة كالشموس؛ وجاء مطركثير ورعد وبرق؛ فسألوه أن يسم ذلك
اليوم بشئ؛ فقال بديهاً: [من الكامل]
لله يوم النَّيربين ووجهه
…
طلقٌ وثغر اللهو ثغرٌ اشنب
وكأنَّما فنن الأرآكة منبرٌ
…
وهزارها فوق الذِّوائب يخطب
والرَّعد يشدو والحيا يسقي وغصن البان يرقص والخمائل تشرب
وكأنَّما الساقي يطوف بكأسه
…
بدر الدُّجى والكفُّ منه كوكب
بكرٌ بها نقع الغليل ومعجب
…
نقع الغليل بجذوة تتلهَّب
يفتضٌّها ماء الغمام ويا له
…
عجباً غداة الدَّجن وهو لها أب
حمراء حاربنا الصُّروف بصرفها
…
فزجاجها يدم الهموم مخضَّب
والقطر نيلٌ والغدير سوابغٌ
…
موضونةٌ والبرق سيف مذهب
وكتب عند وصول البشير إلى الأجل صفي الدين أبي الفتح نصر بن القابض؛ يهنثه
ويشكره على حسن عنائه، وكان قد كثر الإرجاف على الملك الناصر /150 ب/ صلاح
الدين يوسف بن أيوب ـ رضى الله عنه -: [من الكامل]
سر الحسود بما أساء وأرجفا
…
والله مما كنت خائفة كفى
بعث الشفاء إلى الزمان وأهله
…
من بعد ما كانوا وكان على شفا
وافى البشير فكان كل مؤمل
…
لقياه يعقوباً ويوسف يوسفا
أهدى السرور إلى القلوب كتابه
…
عظمت به النعمى وكان ملطفا
نباأهو الماء الزلال أتى على
…
ظمأ فأطفا لوعةً وتلهُّفا
من كإبن أيوب ومن كصفيه
…
نصر إذا ما النصر أعوز والصَّفا
لسما سمو الشمس في صدر الضُّحى
…
وفللت بالعزم الحسام المرهفا
وكلآكما محيي السَّماح وقد ثوى
…
ومثبِّتٌ حلم الزمان وقد هفا
أعطى ومن على المسيء بعفوه
…
عنه فأنشر حاتما والآحنفا
ففدى صلاح الدين كلُّ متوجٍ
…
كالنجم يفدي الشمس من أن تكسفا
وبقيت تعضده وتحمي سرب دولته إذا خطب أغدَّ وأوجفا
فلقد ذوى روض الثَّناء كأهله
…
فأعدته بندى يديك مفوفا
وصفا معين الرفد فهو مصفق
…
وحلفت لولا راحتاك لما صفا
/151 أ/ وسواك إما جدَّ جدَّ تصنعا
…
منه وإما جاد جاد تكلفا
حطت البلاد وما سللت لحفظها
…
سيفا ورعت وما هززت مثقَّفا
بخلائق غيد وبأس تحتها
…
خشن كما نبع الزلال من الصفا
همم جمعن المجد ثم شددن منته وكان مبدَّداً مستضعفا
وسلكن نهجا واضحاً هو العلا
…
جدد يؤم مدى الزمان ويقتفى
فلك الهناء وللورى بك إنها
…
نعمى شفت نضو العلاء المدنفا
وقال من قصيدة: [من الطويل]
شكوت هوى في مثله تسمع الشكوى
…
فما عن من أشكو إليه ولا ألوى
صبابة قلب يحمد الموت عندها
…
وإن كان مذموما وتستعذب البلوى
وإنى لأباء على كل عاذل
…
إذا ما حوى رقى هضيم الحشا أحوى
وما الناس في التمثيل إلاً قصيدة
…
هم اللفظ من أبياتها وهو الفحوى
وهوب إذا ما النجم أخلف نوءه
…
وقور إذا ما طاش من حادث رضوى
مناقبه شهب الليالي فلا خبت
…
ومنزله ربع المعاني فلا أقوى
وقال من أبيات: [من الكامل]
أنظر إلى نسج الربيع وحوكه
…
والشمس ترقم والسحائب تحبك
/151 ب/ والأرض تجلى في معارض سندس
…
والنهر ردن بالنسيم يفرك
حيث الوجوه من القاع سوافر
…
والأقحوان بها ثغور تضحك
فعقولنا وهي المراتع تجتلى
…
وقلوبنا وهي العرئس تملك
وفضاء هاتيك السماء معنبر
…
ونسيم ذاك الجو منه ممسك
والطل في جيد الغصون منظم
…
وعلى السهول مبدَّد لا يسلك
كم فض من بطحائها من فضة
…
بدد وتبر لو يصاغ ويسبك
ومنها:
عجبا تخاف الفقر أو ترجو الغنى
…
ويداك تأخذ ما تشاء وتترك
فاهجر معاتبة الليالي واصلاً
…
دم كرمة في عرس لهو يسفك
سخط الأنام على الزمان وصرفه
…
ورضا الخلائق غاية لا تدرك
ونهاية الدنيا وموعد أهلها
…
ملك يزول وستر قوم يهتك
كم لذة فيها تشاب بذلة
…
أمنية هي بالمنية تنهك
تحلو فتعقب غصة ومرارة
…
وتحب وهي بنا تصول وتفتك
فأعجب لهذا الكون من متحرك
…
يلقى السكون وساكن يتحرَّك
وقال يمدح الملك المظفر / 152 أ/تقي الدين أبا الفتح عمر بن شهنشاه بن
أبوب: [من الكامل]
وافى فهز من القوام مثقَّفا
…
ورنا فسَّل من اللَّواحط مرهفا
ثمل القوام كان رقة جسمه
…
ماء صفا وفؤاده مثل الصفا
يحبو الغزال بجيده وبلحظه
…
والغصن يمنحه القوام الأهيفا
با عطفه كيف الملاذ بعطفه
…
هلَاّ تعلم منك أن يتعطفا
متدلل خلف الحمام وعنده
…
وعد الوصال أخا الحياة فأخلقا
جد بالشفاء لعاشق أسقمته
…
يمسي ويصبح من هواك على شفا
ودع الصدود فمأ أطيق زيادة
…
عندي من الوجد المبرح ما كفا
يا مانعي طرفاً لقلبي خاطفاً
…
ومقبلاً خصراً مخطفا
ما الخال نقطة قد صدغك إنما
…
قلبي محبته حباه تلهفا
وكفاك عذرك إنما صدغاك قد
…
كتبا على مرآة وجهك أخرفا
زهر وللزهر الحياة من الحيا
…
تجنيه من نار الحياء مفوَّفا
ومنها في المدح:
متايد حلماً فإن عرضت له
…
فرض السماح فما أغذَّ وأوجفا
/152 ب/ أعطى على عدم وقد ضن الحيا
…
ووفى على مضض وفد غاض الوفا
كم منية أهدى وذى زيغ هدى
…
وحشاشة أحيا ومال أتلفا
يعطيك عفواً أو يسامح مذنباً
…
عفواً إذا غضب الكريم وسوَّفا
جود وحلم لا تؤبن بعده
…
لابل تؤنب حاتماً والأحنفا
نيطا بعزم لا يقال له ونى
…
خوراً ورأي لا يقال له هفا
لطفت كما لطف الزُّلال خلاله
…
وصفت موارد راحتيه كما صفا
في السلم ماء وهى نار في الوغى
…
موت إذا يسطو حياة إن عفا
وقال يمدح الملك الأفضل نور الدين أبا الحسن علي بن يوسف بن أبوب، حين قدم
دمشق مالكاً لها في جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة:
[من الخفيف]
ما على الركب من تلافي تلافي
…
بين تلك الغصون والآحقاف
يا خليلي بالحمى ضاع قلبي
…
بين بيض الدمى وسود الآثافي
بي ماضي الحسام واللحظ في العشاق لدن القناة والأعطاف
رشا جفنه سقيم صحيح
…
هو باللحظ مسقم وهو شافي
/153 أ/ ثقف الحسن قدُّه مثلما ثقف قدَّ القناة حسن الثقاف
شغفتني شمائل منه في البان ومعنى من ريقه في السلاف
يا ولاة الهوى قدرتم مع الضعف
…
ودنتم بقلة الإنصاف
من لخد به من الدمع خدَّ
…
وفؤاد صب إلى الهيف هافي
حيث ذل القلوب للوجد في الأطلال ذل الحضور للأرداف
ومنها:
وليال شفت غليلاً ووجداً
…
فلها في القلوب وخز الأشافي
مشرقات كطلعة الملك الأفضل
…
بحر العفاة والأضياف
ومنها:
أصبحت جلق به جنة الخلد
…
وباتت فسيحة الأكناف
لا ترى غير عين ماء بها نجلاء في وجه روضة ميناف
أى بعل جلاً عليه عروس المدن بعد النشور يوم الزفاف
لم يزل قبل ذلك الخطب خطب
…
والليالي شديدة الإلحاف
في رقيبي صدودها والتَّجنيِّ
…
وردائي جمالها والعفاف
أي بشرى للخيل جلَّت عن الشكر ونعمى نداكم الأحقاف
/153 ب/ حملت خير من تحلَّت به يوم مصاع عواطل الأسياف
قمراً في نجوم خطيِّه الآسمر جادت به سماء الفيافي
فأتى رحمة كما أقبلت
…
غر الغوادى حوافل الآخلاف
طود حلم عن المسيء فإن شيم نداه فمزنة الآلطاف
وقال أيضاً من قصيدة: [من الطويل]
شهيدا غرامي أدمعي وسجومها
…
وخصما ولوعي بابل ونسيمها
أنست بوجودي فىظباء كناسها
…
فلست على إلف النفارألومها
لقد نحلت أجفانها وخصورها
…
كما نحلت أجسامنا ورسومها
وحتًّام أشكو الحب والحب ظالم
…
إلى سلوة أعيا فؤادي حليمها
فكم حلبة للغيث دمعي جوادها
…
وكم وقعة للجود صبري هزيمها
ولولا الهوى ما غرَّ قلبي غريرها
…
ولا رام أن يسطو على الأسد ريمها
[390]
عليُّبن محمَّد بن يوسف بن يحي، المعروف بابن النبيه
أبو الحسن، المصريُّ الربعيُّ
كان من مفاخر المصرين، ومحاسن الشعراء العصريين؛ شاغراً /154 أ/ملء
جلبابه، أبرَّبقوله على نظرائه وأضرابه، ذا عارضة في النظم شديدة، يتوصل بلطيف ذهنه
إلى الأغراض البعيدة، حسن المعاني أنيقها، حلو الألفاظ رشيقها، شعره في تهايتة
الحلاوة، ياوح عليه رونق الملاحة والطراوة.
وكان يتولى بمصر ديوان الخراج والحساب، ومدح الملوك من بني أيوب، ووزراء
تلك الدولة وأكابرها؛ ثم اتصل بخدمة الملك الأشرف مظفر الدين أبي الفتح موسى بن
محمد بن أيوب بن شاذي، فانتظم في سلك شعراء دولته، وسكن نصيبين، وبها مات في
سنة تسع عشرة وستمائة؛ فقال الملك الأشرف عند موته، وكان معجباً بمحاسن شعره، وما
يأتي به من بديع الكلام"مات رب القريض".
أنشدني أبو المجد أسعد بن إبراهيم الكاتب النشابي الإربلي؛ قال: أنشدني أبو
الحسن علي بن محمد بن النبيه المصري لنفسه؛ يمدح الإمام الناصر لدين الله أمير
المؤمنين أبا العباس أحمد- رضوان الله عليه-[من البسيط]
باكر صبوحك أهنا الغيش باكرهٌ
…
فقد ترنَّم فوق الآيك طائرهٌ
/154 ب/ والليل تجري الدَّراري في مجرَّته
…
كالرَّوض تطفو على نهر مزاهرهٌ
وكوكب الصُّبح نجَّابٌ على
…
يده مخلَّق تملأ الدُّنيا بشائرهٌ
فانهض إلى دوب يا قوت له حببٌ
…
تنوب عن ثغر من تهوى جواهرهٌ
حمراء في وجنة السَّاقي لها شبهٌ
…
فكم جناه مع العنقود عاصرهٌ؟
ساق تلوَّن من صبح ومن غسق
…
فأبيض خدَّاه واسودَّت غدائرهٌ
بيضٌ سوالفه، لعسٌ مراشفه
…
نعسٌ نواظره خرسٌ أساوره
مفلَّج الثَّغر، معسول اللما غنجٌ،
…
مؤنَّث الخضر، عبل الردف وافرهٌ
كأنَّه بسواد الصُّدغ مكتحلٌ
…
أوركبت فوق صدغيه محاجرهٌ
نبيُّ حسن أضلَّته ذوائبه
…
وقام في فترة اللأجفان ناظرهٌ
فلو رأت مقلتا هاروت آيته الكبرى لآمن بعد الكفر ساحرهُ
قامت أدلَّه صدغيه لعاشقه
…
على عزول أتى فيه يناظره
خذ من حبيبك ما أعطاك مغتنماً
…
وأنت ناه لهذا الدَّهر آمره
فالعمر كالكأس تستحلى أوائله
…
لكنه ربما مجَّت أواخره
وكيف يخذل في يوم المعاد فتى
…
والناصر ابن رسول الله ناصره
/155 أ/ إمام عدل لتقوى الله باطنه
…
وللجلالة والإحسان ظاهره
تجسَّد الحقُّ في أثناء بردته
…
وتوِّجت باسمه العالي منابره
له على سرّ ِستر الغيب مسترقٌ
…
فما موارده إلَاّ مصادره
راع بطرف حمى الإسلام ساهره
…
ساط بسيف أباد الكفر شاهره
في صدره البحر أو في بطن راحته
…
كلاهما يغمر السؤَّال زاخره
يقضى بتفضيله سادات عترته
…
لو كان صادقه حيا وباقره
كلُّ الصِّلاة خداجٌ لا تمام لها
…
إذا تقضت ولم يذكره ذاكره
كل الكلام قصير عن مناقبه
…
إلَاّ إذا نظم القرآن شاعره
محجب في سجوف العز فرجت
…
عن نور وجه يباهي الصبح باهره
رأيت ملكاً كبيراً فوق سدَّته
…
جبريل داعيه أو ميكال زائره
طوراً أضاءت لموسى نار جذوته
…
حتى أنجلت لمناجاة بصائره
نضاه سيفاً على أعداء دولته
…
ما كلُّ سف له تثنى خناجره
فضل أصطفاء أتى من غير مسألة
…
يغنى به عن أخ برَّ يؤازره
تهنَّ نعمى أمير المؤمنين ودم
…
يا أيها الأشراف الميمون طائره
بحدً سيفك آيات العصا نسخت
…
إذا تفر عن يوم الرَّوع كافره
/155 ب/ سل الكلى والطلى يا من يسجله
…
فالرمح ناظمه والسيف ناثره
تنجست بدم القتلى صوارمه
…
وطهرت بيد التقوى مازره
نض النوال سريع البطش متَّئد
…
كالدهر يرجى وما تخشى بوادره
إذا حبا أغنت الأيدى مواهبه
…
وإن سطا سدت الدنيا عساكره
أين المفرُّ لمن عاداه من يده
…
والوحش والطير أتباع تسايره؟
إن يصعد الجو ناشته خواطفه
…
أو يهبط الأرض غالته كواسره
يا جامعاً بالعطايا شمل عترته
…
كالقطب لولاه ما صحت دوائره
إن جاد شعري فهذا الفضل علمني
…
من غاص في البحر جاءته جواهره
وقال يمدح الملك الأشرف، مظفر الدين، أبا الفتح، موسى بن محمد بن
أبوب بن شاذي: [من البسيط]
الله أكبر ليس الحسن في العرب
…
كم تحت كمة ذا التركي من عجب!
صبح الجبين بليل الشعر منعقد
…
والخدُّ يجمع بين الماء واللهب
تنفَّست عن عبير الراًح ريقته
…
وافتر مبسمه الشهدي عن حبب
لآفي العذيب ولآفي بارق غزلي
…
بل في جنى فمه أو ريقه الشنب
/156 أ/ ثغر إذا ما الدُّجى ولى تنفس عن
…
ريح من الندَّ أو ضرب من الضرب
كأنه حين يرمي عن حنيته
…
والهائم الصب فيها غير مقترب
أليس من نكد الأيام يحرمها
…
فمي ويلثمها سهم من الخشب؟
لدن المعاطف قَّاسي القلب مبتسم
…
لا عن رضاً معرض عني بلا غضب
فكم له في أخلاق الذنب من سبب
…
وليس لي في قيام العذر من سبب
تميل أعطاافه تيهاً بغرته
…
كما تميل رماح الخط بالعذب
أشار نحوي وجنح الليل معتكر
…
بمعصم بشعاع الكأس مختضب
بكر جلاها أبوها قبل ما جليت
…
في حجرة الدَّنَّ أو في قشرة العنب
حمراء تفعل بالأحزان ما فعلت
…
أسياف شاه أرمن في عسكر لجب
ملك تفرَّق يوم السلم ما جمعت
…
في الحرب يمناه بالهندية القضب
ثبت تحف جماهير الجيوش به
…
كأنَّ أفلاكها دارت على قطب
دم العدا وصليل المرهفات له
…
أحلى وأطيب من كأس على طرب
في غير موسى أحاديث الورى اختلفت
…
هو الكريم بلا شكَّ ولا ريب
الأشرف الواهب الآلاف مبتسماً
…
وذا [ك] يعجز عنه عيشه الصخب
/156 ب/ صحَّت له كيمياء الحمد إذ سبكت
…
يمناه للبذل إكسراً من الذهب
لا تعجبن لأموال يفرقها
…
بقاؤها للعطايا غايه العجب
الطاهر النَّسب أين الطاهر النَّسب أين الطَّاهر النًّسب أين الطَّاهر النَّسب
نفس لآبائها من فضلها شرف
…
كذا الثمار لها فضل على الخشب
عليه نور إلهي أشعَّته
…
تغنيه عن كثيرة الحجاب والحجب
مت يا حسود أنتظاراً إنَّ مولده
…
قد كان في برج سعد غير منقلب
وقف على جو زهر الرَّأس عاشره
…
وبيت أعدائه وقف على الذنب
ياكوكباً أسعد الأيام طالعه
…
وهو الوبال لأهل الشرك والصُّلب
لا خيب الله في ذا العيد دعوة من
…
رجاؤه من ندى كفيك لم يخب
وقال أيضاً يمدحه: [من مجزوء الوافر]
تعالى الله ما أحسن
…
شقيقاً حفَّ بالسوسن
خدود لثمها يبري
…
من الأسقاًم لو أمكن
فما تجنى وحارسها
…
بقفل الصدغ قد زرفن
غزال ضيق الأجفان
…
يسبي الرشأ الأعين
له قلب وأعطاف
…
فما أقسى وما ألين
/157 أ/ ولم أر قبل مبسمه
…
صغير الجوهر المثمن
فتنت بحسن صورته
…
ومن يهوى الدُّمى يفتن
عزيز يوسفيُّ الحسن
…
لم يشر ولم يسجن
قد أبيضت به عيني
…
وللمهجور أن يحزن
أبث هواه من حرقي
…
لنجم اللَّيل لمَّا جن
وما ينفع كتماني
…
ودمع العين قد أعلن
وكم أسكنته قلبي
…
فسار وأحرق المسكن
فأنسي بعد وحشه
…
بنظم مديح شاه أرمن
كريم باسل قتلاه في يوم الوغى تدفن
على الأموال والأعداء كم من غارة قد شن
فما ينفع ما يلقاه درع لا ولا جوشن
رصين الجأش لمَّا جاش بحر خميسه الأرعن
عجاف خيله والوحش يوم نزاله تسمن
له بشر لسائله
…
كفيل بالندى يضمن
ومن لايكدره
…
علينا بالأذى والمن
/157 ب/ فذاك المال مبذول
…
وذاك العرض ما أصون
ملكت الأرض يا موسى
…
وعندك قدرها أهوان
فأورد خيلك الدنيا
…
فكل مدينة مدين
ملأت الأرض إحسانا
…
وغيرك يملاً المخزن
له نور إلهيُّ
…
لرونق حسنه زيَّن
وجود يجبر العافي
…
وبأس للعدا أوهن
فهذا ينطق الآلكن
…
وهذا يخرس الآلسن
صلاة صلاته قامت
…
وحيَّ على العدا أذن
فلو علم مدح ما
…
تغالي في الَّذي دوَّن
أيا مولآي زال البأس
…
والبرُّ قد استمكن
لك الحسنى وربُّك لآ
…
يضيع أجر من أحسن
وقال أيضاً يمدحه: [من الوافر]
ممنعَّةٌ لها جفن سقيمٌ
…
شديد الآخد للقلب البري
تغازلني وتزوي حاجيبها
…
كما أبرت السهام من القسيِّ
وتخترق الصُّفوف بروق فيها
…
وهل يخى شذا المسك الذكي؟
وشاحاها على خضر عديم
…
ومنزرها على ردف مليِّ
ومعجزها على ليل يهيم
…
ويرفعها على قمر سنيِّ
تردُّ شبا القنا عن وجنتيها
…
كمنع الشوك للورد الجنيِّ
إذا مأرمت أقطفه بعيني
…
يقول حذار من مر عى وبيِّ
لسان السيف من أذانى وشاتي
…
ومن رقباي طرف السمهريِّ
كأنَّ لجفنها في كل قلبٍ
…
فعال المشر فيِّ الآشرفي
حساماً جاء متنقلاً له عن
…
أمير المؤمنين عن النبي
سيسمع عنهما ما قد علمنا
…
به عن ذي الفقار وعن عليِّ
/158 ب/ إذا يده الكريمة صافحته
…
فقل في لآمع أو ألمعي
يقول الناس أيهما حسامٌ
…
إذا استبقا إلى هام والكميِّ
تخيَّره وعاف سواه حرا
…
بأخد الجيد أوردِّ الرَّديِّ
رمى أعداءه منهم بسهم
…
يصيب نهاية الغرض القصيِّ
أبا الفتح افتخر وأبدأ بنفس
…
لها شرفٌ على الفلك العلي
لك الكرم الَّذي فضح الغوادي
…
فميز برقها خجل الدَّعيِّ
يخص بماءها في الحين أرضاً
…
وما لك للفقير وللغني
لك الجيش الَّذي إن جاش أرضاً
…
وفي الهضبات كالسيل الآتيّ
وكيف تبيت طوداً مشمخراً
…
وأنت أخفُّ من أسد طويِّ
وفي تلك البيضاء غضبٌ
…
يحقق كل فعل موسويِّ
إذا اشتجر القنا النقفاه حطماً
…
كما التقف الحبال مع العصيِّ
قهرت به الجبابرة أقتداراً
…
وأنصفت الضعيف من القويِّ
فإن تلك كالجحيم على عدوِّ
…
فأنك كالجنان على الوليِّ
بقيت لهذه الدنيا جمالاً
…
سعيد الجد في عمر هنيِّ
وقال أيضاً يمدحه: [من الطويل]
/159 أ/ رنا وأنثنى كالسيف والصعدة السمرا
…
فما أكثر القتلى وما أرخص الآسرى
خذوا حذركم من خارجيِّ عذاره
…
قفد جاء زحفاً في كتيبته الخضرا
غلام أراد الله إطفاء فتنة
…
بعارضه فاستؤنفت أخرى
فزرفن بالآصداغ جنَّة خده
…
وأرخي عليها من ذوائبه سترا
أغنُّ يناجى شعره حلي خضره
…
كما يعتب المعشوق عآشقه سراً
أخوض غمار الموت من دون ثغره
…
كذاك يغوص البحر من طلب الدُّرا
وصلت بداجي شعره ليل وصله
…
فلم أرصبحاً غير غرَّته الغرَّا
غزال رخيم إلى في يوم سلمه
…
وليث له في حربه البطشة الكبرى
دريُّ بحمل الكأس في يوم لذًّة
…
ولكن بحمل السَّيف يوم الوغى أدرى
أهيم به في عقده ونجاده
…
فلابد في السرَّاء منه وفي الضَّراَّ
وصامته الخلخال أنَّ وشاحها
…
فهذا قد أستغنى وذا شتكى الفقرا
تلأ لآ العقد تيهاً بجيدها
…
وساكن ذاك البحر لآ يكدر البحرا
لها معصم لولا السوار يصده
…
إذا حسرتأكمامها لجرى نهرا
دعتني إلى السلوان عنه بحبِّها
…
وما كنت أرضى بعد إيماني الكفرا
بأيِّ اعتذار ألتقي حسن وجهه
…
لحى الله رب الشعر لو نظم الشِّعرا
/159 ب/ ألم ترنىي بين السماطين منشداً
…
كأنيِّ على شاه أرمن أنثر الدرَّا
مليكٌ كريمٌ باسلٌ عمَّ جوده
…
فمن حاتمٌ وابن الوليد ومن كسرى
أبيُّ سخيُّ تحت سطوته الغنى
…
فخف وتيقن أن مع عسره اليسرا
هو البحر بل أستغفر الله إنَّ في
…
بنان يديه للندى أبحراّ عشرا
إذا قام يسميه الخطيب بمنبر
…
تأودتيها وأكتسي ورقاً خضرا
لحا الله حرباً لم تكن قيل جيشهاً
…
ومجلس عدل لا تكونبه صدرا
أطلَّ على أخلاط يوم قدومه
…
بلجَّة جيش تملأ السهل والوعرا
وقد برزت في شكًّة من سلاحها
…
فلو أمرت أخلاط ما خالفت أمرا
تاقَّاه من بعد المسافة أهلها
…
فذا رافعٌ كفاً وذا ساجدٌ شكرا
فشككت أن الناس قد حشروا ضحى
…
أم الناس يستسقون ربهم القطرا
تسير ملوك الأرض تحت ركابه
…
وأعناقهم من هول هيبته صعرا
فللَّه يوم تفليس حربه
…
وسارت إلى أرض العراق به البشرى
تهن أمير المؤمنين بمثله
…
نصيراً يسدُّ الثغر أو يفتح الثَّغرا
حسام إذا هزته يمناك هزَّةً
…
تروَّق ماء والتظى حدُّه جمرا
/160 أ/ طراز على كم الخلافة مذهب
…
وجوهرة في تاجها تكسف البدرا
أبا الفتح شكراً لاختصاص صنيعة
…
فحسبك في الدنيا جلالاً وفي الأخرى
وقال أيضاً يمدحه: [من الكامل]
مالي وللتشبيب بالأوطان
…
لي شاغل بجمالك الفتان
الرَّيق والثغر العذيب وبارق
…
وقباك مزرور على نعمان
وسنان حورىُّ الصفات كأنه
…
مل الجنان ففر من رضوان
طاقت على عطفيه ليلة شعره
…
فترنحا كالعاشق الولهان
فاخضر فوق الورد كأس عذاره
…
فعجبت للجنَّات في النيران
جنت بمنظره البديع عيوننا
…
فتسلسلت نمدامح الأحفان
غزلي به ومديح موسى روضة
…
جمعت فنون الحسن والإحسان
ملك به أخضر الزمان كأنما
…
أيام دولته ربيع ثاني
أثرى ثراه بعد محل محله
…
بدوام سح سحابه الهتان
فلكل غادية رحيق سلسل
…
ولكلَّ غصن هزة النشوان
والنهر خد بالشعاع مورَّد
…
قد دب فيه عذار ظل البان
والماء في سوق الغصون خلاخل من فضة والزَّهر كالتيجان
/160 ب/ وكأن طائرها خطيب مصقع
…
قد قام فوق منابر الأغصان
يشدو وأنشد فالمدائح بيننا
…
تهدى إلى موسى بكل لسان
إشرب ثلاثاً يا نديم وسقني
…
واطرب لعجمة نغمة وبيان
كأساً إذا صافحتهأ أثرت يدي
…
من فضَّة ملئت من العقيان
حمراء رصعها الحباب بجوهر
…
كالزهر في مرج من المرجان
والله لو عقل المجوس لكأسها
…
جعلوه بيت عبادة النيران
سكر المدام وشكر موسى مذهبي
…
فلقد محوت بطاعتي عصياني
شغلي مدائحه وغيري لم يزل
…
كالبوم يندب دارس الجدران
للبيد والكوم الرَّوامس معشر
…
عدل السقاة بشانهم عن شاني
سيما إذا التهب الهجير وحوَّمت
…
فوق السَّراب حشاشة الظمان
والشَّمس ترسل فضل خيط لعابها
…
يمتاح من عطشٍ ثرى الغدران
يشوي الوجوده سمومها فكأنَّما
…
اعتاضوا عن الأكواب بالكيزن
فعلام ألقي للمضهالك مهجتي
…
ةالأشرف السُّلطان قد اغناني
طرد القنيص بكلِّ ضارٍ ضامرٍ
…
من مخلبيه مقرَّط الآذان
وبكلِّ مردفةٍ مغلغلة لها
…
في كلِّ عضو مقلة الغضبان
/161 أ/ تركَّية سبيتفسأل بخدِّها
…
ما كان من كحل على الأجفان
قلنا وشلوا قميصها في صدرها
…
هذا عناق العاشق الولهان
لو قال: يا موسى أجرني منهما
…
لنجا واصبح في أعزِّ مكان
موسى الَّذي أزرى بكسرى آنفاً
…
في أسر إيوان عن الإيوان
لمَّا أتاه على الجزيرة بعد ما
…
سدَّت عليه الكرج كل مكان
بجحافل زمر الملائك فوقها
…
مجفوفة بخواطف العقبان
لا يهتدون إذا أدل عجاجهم
…
إلَاّ بشعلة صارمٍ وسنان
فجلا عن الإسلام ظلمة كفرهم
…
وأعاده للعزِّ بعد هوان
طَّهرت أرمينيَّةً فاستبدلت
…
من دقِّ ناقوسٍ بصوت أذان
نفذت جسومهم الرِّماح كأنَّهم
…
يتلون آيات من القرآن
يا من يرى أيدي العفاة لماله
…
أكفى الكفاةً وأوثق الخزًّان
يا من يرى أنَّ الثَّناء ذخيرةٌ
…
تبقى عليه وكلُّ شيء فان
أغليت أعلاق المدائح بعد ما
…
كانت تباع بأرخص الأثمان
شوَّال مثلك مطعمٌ فلأجل ذا
…
أضحى له فضلٌ على شعبان
فتهنَّ يأملك الملوك بعيده
…
في ظلِّ ملكٍ دائم السُّلطان
/161 ب/ وقال أيضاً يمدحه: [من مجزوء الكامل]
بعذارك الفتَّان أعذر
…
يا وجنة السَّيف المجوهر
خطٌ على خدٍّ يكاد لرقَّة يخفى ويظهر
غشقيقه ينشقُّ عن
…
آس يروقً العين أخضر
مولاي وجهك جنةٌ
…
ورضابك المعسول كوثر
يفتر منك ختامه
…
عن مسكرٍ عطر وسكَّر
من نسل يافث نافثٌ
…
وسنان يسهرني ويسحر
فتبسُّم بومزُّد
…
من عقد ياقوت وجوهر
ولى بشعرٍ كالدُّجى
…
وبدا فقلت: الصبح أسفر
ما خلت بل جبينه الكافور ينبت منه عنبر
يا قاصص الطَّرف القصيـ
…
ـص كذلك الهنديَّ أبتر
يا غصن خصرك لا يطيـ
…
ـق حياصةً عقدت وخنجر
يا بدركم من تائهٍ
…
في ليل هجرك قد تحيَّر
رفقاً بصبٍّ كلَّما
…
أخفى بليَّته تشهَّر
الجسم أصفر ناحلٌ
…
دنفٌ ودمع العين أحمر
/162 أ/ لولا الدُّموع أذابه
…
نفسٌ تصعَّد بل تسعَّر
من يعشق الظَّبي الغريـ
…
ـر ينام عاذله ويسهر
غزلي له ومدائحي
…
وقفٌ لمولانا مقر\ذضر
الأشرف الطَّلق النَّدى
…
شاه أرمن موسى المظفَّر
ملكٌ إذا واليته
…
اغنى وإن عاديت أفقر
يردي ويجدي كالزَّما
…
ن فلم يزل يشكى ويشكر
صبٌّ بحدِّ السَّيف أحـ
…
ـمرٌ أو بقدِّ الرُّمح أسمر
نجس الظذُبى ونجاده
…
من كلِّ منقصة مطَّهر
فكأنَّ صارمه خطيـ
…
ـبٌ مصقعٌ والعًام منبر
صلَّى بمحراب الطُّلى
…
وصليله الله أكبر
بين الرِّماح كأنَّه
…
غيلٌ على أسدٍ غضنفر
وكأنَّه بين الموا
…
كب والقواضب والسَّنوَّر
جبلٌ تلاطم حوله
…
بحرٌ من الماذيِّ أخضر
في قليه برٌّ وإن
…
قتل العدوَّ وإن تغيَّر
غسل الفوارس بالدِّما
…
ء وفي بطون الأرض تقبر
/162 ب/ قاسٍ إذا سيف عدا
…
هـ ومارج الهيجاء يسعر
سحَّت سحاب عجاجه
…
من نبله نبلًا كنهور
يا أيّها الملك الكريـ
…
ـم صفات مجدك ليس تحصر
يا ناسياً لصنيعة
…
وهو المردَّد والمكرَّر
يا مورثاً أباءه
…
شرفاً ليوم الحشر يذكر
لك سيرةٌ مع عدلها
…
بأس فمن كسرى وقيصر
ولك الجمال مع الجميـ
…
ـل فمنظر حسنٌ ومخبر
يا عبد مولانا الإما
…
م جلال ظلِّ النَّعت أشهر
أوتيت في الدُّنيا به
…
شرفاً وفي أخراك أكثر
فإن أصطفاك لنفسه
…
فليسعدنَّ بمن تخيَّر
فافخر على الدُّنا بنفـ
…
ـك أو به فكفاك مفخر
وتهنَّ صوماً حزت فيـ
…
ــ÷ ثواب من صلَّى وافطر
وبقيت ما بقي الثَّنا
…
ء عليك منصوراً مظفَّر
وقال أيضاً يمدحه، ويذكر وصول رسول الكرج إليه:[من الكامل]
/163 أ/ صن ناظراً مترقبّا لك أن يرى
…
فلقد كفى من دمعه ما قد جرى
يا من حكى في الحسن صورة يوسف
…
آه لو أنك مثل يوسف تشترى
تعشو العيون لخدِّه فيردُّها
…
ويقول: ليست هذه نار القرى
يا قاتل الله الجمال فإنَّه
…
مازال يصحب باخلاً متجبراً
يا غصن بانٍ في نقا رملٍ لقد
…
أبدعت إذ أثمرت بدراً نيِّرا
ما ضرَّ طرفك لو أكون مكانه
…
فقد اشتبهنا في السَّقام كما ترى
أترى لأيَّامي بوصلك عودةً
…
ولو أنَّها في بعض أحلام الكرى
زمنًا شربت زلال وصلك صافياً
…
وجنيت روض رضاك أخضر مثمرا
ملكتك فيه يدي فحين ملكتها
…
لم ألق إلاّ حسرةً وتذكرا
لي مقلةٌ مذ غاب عنها بدرها
…
ترعى منازله عساها أن ترى
لولا إنسكاب دموعها ودمائها
…
ما كنت بين العاشقين مشهَّرا
فكأنَّما هي كفُّ موسى كلًّما
…
نثر اللُّجين أو النُّضار الأحمرا
استغفر الله العظيم فإنَّني
…
شبهت بالنَّزر القليل الأكثرا
ملكٌ توقَّد سيفه وجرى دماً
…
فعجبت للنِّيران تطفح أبحرا
من معشر فخرت أوائلهم بهم
…
كفخار آدم بالنَّبي مرخَّرا
/163 ب/ تنبو المسامع عن مديح سواهم
…
إذا كان أكثره حديثا يفترى
بيض الأيادي حمر أطراف القنا
…
يود العجاج تحلُّ ربعاً اخضرا
الأنس تهدى للقرى بدخانه
…
والوحش تشبع حيث يعقد عثيرا
فإذا حبا ملأ المنازل نعمةً
…
وإذا سطا ملأ البسيطة عسكرا
منع الغوادي باشتباك رماحه
…
عن تربه وسقاه غيثا أحمرا
فلذاك أثمر أيديا وجماجماً
…
وقناً بلبَّات الرِّجأل مكسَّرا
يقظٌ حفيظٌ القلب إلَّا أنًّه
…
ينسى مكارمه إذا ما كررَّا
معسول أطراف الحديث كأنَّما
…
يسقي المسامع مكسراً أو سكَّرا
إنِّي لأقسم لو تجسد لفظه
…
أنفت نحور الغانيات الجوهرا
لو كان في الزَّمن القديم مخاطباً
…
للنَّاس لم يبعث رسولاً في الورى
ودليله الكج الَّذسن برِّبهم
…
كفروا وفضلك بينهم لن يكفرا
جحجَّوا لقصرك مثل قبَّة قدسهم
…
ورأوك فيها كالمسيح مصوّراً
فهنالك الملك العظيم معفَّراً
…
وجهاً تخال التُّرب مسكاً أذفرا
كم ناظرٍ أرسدت ليلة صومنا
…
قد كان في جوِّ السَّماء محيَّرا
يا ناظري بن إلى هلال مانع
…
للزاد موسى البدر مبذول القرى
/164 أ/ رمضان ضيفٌ سار حولاً كاملاً
…
حتَّى رآك مسلَّماً مستبشراً
وافاك مبتهجاً ضيفٌ ببرِّك والتُّقى
…
ومضى لما أوليته متشكراً
فتعنَّ عبداً أنت حقاً عيده
…
يا خير من صلَّى وصام وأفطر
وقال أيضاً يمدحه: [من الوافر]
أماناً أيُّها القمر المطلُّ
…
ففي جفنيك أسيافٌ تصلُّ
يزيد جمال وجهك كلَّ يومٍ
…
ولي جسدٌ يذوب ويضمحلُّ
وما عرف السقام طريق جسمي
…
ولكن دل من أهوى يدلُّ
يميل بطرفه التُّركيَّ عنِّي
…
صدقتم إنَّ ضيق العين بخل
إذا نشرت ذوائبه عليه
…
ترى ماءً يرفَُ عليه ظلَُ
وقد يهدي صباح الخدِّ قومًا
…
بليل الشَّعر قد تاهوا وضلَّوا
أيا ملك القلوب فتكت فيها
…
وقتلك للرعيَّة لا يحلُّ
قليل الوصل يقنعها فإن لم
…
يصبها وابلٌ منه فطلُّ
أدركاس المدام على النَّدامى
…
ففي خدَّيك لي راحٌ ونقل
فنيراني بغيرك ليس تطفا
…
وأسواقي بغيرك لا تسلُّ
بمنظرك البديع تدلُّ تيها
…
ولي ملكٌ بدولته أدلُّ
/164 ب/ أبو الفتح الكريم الطَّلق موسى
…
فتّى يعطي الكثير ويستقلُّ
به اخضرَّت فجاج الأرض خصباً
…
فما للمحل في بلد محلُّ
أغرُّ غيره كيساً فكيسا
…
وملء زمانه كرمٌ وعدل
وقالوا: حفظ هذا المال عقلٌ
…
فقلت: نعم وبعض العقل جهل
فليس تزمُّه إلَّا مطايا
…
إلى أبوابه تنصى وسبل
تملكه البلاد قناً وجرداً
…
وبترٌ من يطاولها يذلُّ
إذا انبثَّت عساكره اتسِّاعاً
…
تضايق دونها حزنٌ وسهل
بوارقها لعين الشمس داء
…
وعثيرها لعين الشمس كحل
لمولانا الخليفة فيه رأي
…
حديد لا يصل ولا يفل
تأمل في الكنانة منه سهماً
…
سديداً لا يطيش ولا يزل
ففتاه وأرسله اختصاصاً
…
ورواه الحديث وذاك فضل
فزادت هذة النعمي ودامت
…
عليه فإنه للخير اهل
وقال أيضاً يمدحه: [من السريع]
من سحر عينيك الامان الامان
…
قتلت رب السيف والطيلسان
/165 أ/ أسمر كالريح له مقلة
…
لو لم تكن كحلاً لكانت سنان
أهيف عبل الردف حلو اللما
…
مر الجفا قاس رطيب البنان
ساق سها رضوان عن حفظه
…
ففر من جملة حور الجنان
بدر وكأس الراح شمس الضحي
…
يا قوم ما اسعد هذا القران
توقدت جمرة لألأئها
…
كأنها بهرام أو بهر مان
بخده أو طرفه أو جني
…
لماه سكري لا ببنت الدنان
يا لائمي دعني فإني فتي
…
ما ترك الحب بقلبي مكان
لا تسأل العاشق عن حاله
…
فدمعه عن حاله ترجمان
لولا دموعي والضني لم أبح
…
قد ينطق المرء بغير اللسان
اعزني موسي ولولا هوي
…
معذبي ما ذقت طعم الهوان
الملك الأشراف شاه أرمن
…
مظفر الدين كريم الزمان
والله لو قيس به حاتم
…
لقل ما قد قيل فيه وهان
ذا يملأ الارض بإحسانه
…
وذاك يمتن بملئ الجفان
يروي العلا عن نفسه عن أب
…
عال فما في نصه عن فلان
قد نظم الله له نسبةً
…
كالدر تجلوه ونحور الحسان
/165 ب/ طلق الندي طلق المحيا
…
وطلق السيف طلق الامر طلق اللسان
له علي وقع الظبي هزة
…
إذا التقي الجمعان يوم الرهان
صلت وصلت في رؤوس العدا
…
كأن في الآذان منها أذان
مولاي جد وأنعم وصل واقتدر
…
وافتك فما تفرح أم الجبان
واركب جواد الدهر واسبق إلى
…
ما تشتهيه قد ملكت العنان
دمتم بني أيوب في نعمة
…
تجوز في التخليد حد الزمان
والله لا زلتم ملوك الوري
…
شرقاً وغرباً وعلي الضمان
وقال يمدح القاضي أبا علي، عبد الرحيم بن علي البيساني من قصيدة:[من الخفيف]
قمت ليل الصدود الا قليلا
…
ثم رتلت ذكركم ترتيلا
ووصلت السهاد قبح وصلاً
…
وهجرت الرقاد هجراً طويلا
مسمع كل عن سماع عذولي
…
حين ألقي عليه قولاً ثقيلا
وفؤاد قد كان بين ضلوعي
…
أخذته الاحباب أخذا وبيلا
قل لراقي الجفون إن لعيني
…
في بحار الجفون سحاً طويلا
/166 أ/ ماس عجباً كأنه ما رأي غصـ
…
ـناً طليحاً ولا كثيباً مهيلا
وحمي عن محبه كأس ثغر
…
حين أمسي مزاجها زنجبيلا
بان عني فصحت في أثر العيـ
…
ـس أرحموني ومهلوهم قليلاً
أنا عبد للفاضل بن علي
…
قد تبتلت للثنا تبتيلا
لا تسمه وعداً بغير نوال
…
إنه كان وعده مفعولا
وإذا كان خصمك الدهر والحكـ
…
ـم إلى الله فاتخذه وكيلا
إن مدحي له أشد وطاءً
…
وقريضي أقوي وأقوم قيلا
جل عن سائر الخلائق مدحاً
…
فاخترعنا في مدحه التنزيلا
وقال من قصيدة: [من الرجز]
يا طيف يا أكرم ضيف قد طرق
…
لمثله تعقرا أجفان الحدق
تراكضت خيل دموعي ودمي
…
في حلبة الخد فللحمر السبق
جدت فلولا أن أراك زائراً
…
ما عتقت عيناي من رق الأرق
هل من سبيل أن أروي عطشي
…
من برد الثغر الَّذي قد اتسق
مهفهف جبينه وشعره
…
ينتسبان للصباح والغسق
خضرة خديه ربيع ناظري
…
كالغصن في اول إخراج الورق
/166 ب/ حلو اللما يميل من خمر الصبا
…
طوبي لمن قبله او اعتنق!
حذار من جمرة خديه فقد
…
تجاسر الخال عليها فاحترق
يا ايها العاذل ما لي سلوة
…
عنه ولا حبي له كيف اتفق؟
دع الفؤاد عند ذكر حبه
…
يخفق فالعذر له إذا خفق
ما كنت يا طيب زمان وصلنا
…
من دولة الصاحب غلا مسترق
وقال من اخري: [من الكامل]
خذ من حديث شؤونه وشجونه
…
خبراً تسلسله رواة جفونه
لولا فصيحة قلبه بدموعه
…
ما زال شك رقيبة بيقينه
واغن تؤيسني قساوة قلبه
…
منه ويطعمني تعطف لينه
مازال يسقي خده ماء الحيا
…
حتي جنيت الورد من نسرينه
وإذا وصلت بشعره قصر الدجي
…
هحم الصباح بوجهه وجبينه
خفر الدلال أضمه وأهابه
…
لوقاره وحيائه وسكونه
قالت روادفه ولين قوامه
…
إياك عن كثب الحمي وغصونه
ساق صحيفة خده ما سودت
…
عبثاً بلام عذاره وبنونه
جمد الَّذي بيمينه في خده
…
وجري الَّذي في خده بيمينه
/167 أ/ طاب الصبوح كأنما عجن الصبا
…
كافور مزنته بعنبر طينه
وتفضضت أزهاره وتذهبت
…
فكأنها الطاووس في تلوينه
والطير تنشد باختلاف لغاتها
…
موسي أدام الله في تمكينه
ملك بأسرار الغيوب مكاشف
…
فظنونه تغنيه عن جبرينه
موسي الَّذي أغنت شهامة عزمه
…
أن يستمد النصر من هارونه
وقال ايضاً: [من الطويل]
نديمي ماس في سندسيه
…
واظهر ما اخفي لنا من حليه
وبان بجيد الغصن والفجر طالعٌ
…
من الطل عقد حل في جوهريه
وألقي الضحي في فضة النهر تبره
…
فأثري الثري بالنور من عسجديه
هو السيف إن أصداه ظل غصونه
…
فألقي شعاع الشمس علي قمريه
سقي الراح مثل الراح من ريق ثغره
…
وأين حباب الخمر من لؤلؤيه؟ !
إذا ما جنت عيناه قاصصت خده
…
فلا برء لي إلا بلثم ......
وقال يمدح: [من الخفيف]
/167 ب/ ويح قلب المحب ماذا يقاسي
…
كل قلب عليه كالصخر قاسي
يا جفوني أين الدموع فقد أحـ
…
ـرق قلبي توقد الأنفاس
جد وجدي بحب لاه وأودي
…
بفؤادي تذكاره وهو ناسي
من بني الترك لين العطف قاسي الـ
…
ـقلب سهل الخداع مر المراس
ضيق العين وهي من صفة البخـ
…
ـل فإن جاد كان ضد القياس
جذب القوس فاكتست وجنتاه
…
ثوب ورد طرازه من آس
ورمي عن قوسين سهمين هذا
…
في فؤادي وذاك في القرطاس
فهو تحت السلاح ليث عرين
…
وهو فوق الفراش ظبي كناس
يا نديمي بالله غن بذكراً
…
وموه عن ريقه بالكاس
اقتطف زهرة الزمان فما
…
جلق إلا للهو والإيناس
حبذا النيربان من نهر ثوري
…
واخضرار المروج من باناس
والنسيم الَّذي يمر علي الغو
…
طه ريان عاطر الانفاس
بلدة حلها الوزير فمرعا
…
ها خصيب والناس في أعراس
كل لرأئيه قل أعوذ برب النـ
…
ـاس هذا الوزير رب الناس
هيبة تملأ الصدور وشخص
…
تمتلي منه أعين الجلاس
/168 أ/ دبر الخافقين لا حرج الصدر
…
ولا خائفاً من الإلباس
وتولي برأيه راية الكفر قولت نكساً من الانكاس
وقال أيضا: [من مجزوء الرجز]
لماك والخد النضر
…
ماء الحياء والخضر
اخذتني يا تاركي
…
اخذ عزيز مقتدر
احلت سلواني علي
…
ضامن قلب منكسر
ونمت عن ذي أرق
…
إذا غفا النجم سهر
وماء عيني التقي
…
لا برحت علي قدر
ما نصبت اشراك الـ
…
ـحاظك إلا للحذر
قلبي علي الترك
…
بهذا الهاشمي يفتخر
ولي عهد البدر إن
…
غاب فأني المنتظر
خلعت إذ بايعته
…
عذار من لا يعتذر
في خلقه وخلقه
…
طبع الغزال والنمر
ترعاه أحداق القنا
…
فكيف ما سار تسر
إن طريق ناظري
…
إلى محياه خطر
/168 ب/ وقال أيضاً: [من الطويل]
خدمت بديوان المحبة ناظراً
…
علي غرة يا ليتني فيه عامل
وحاسب فرط السقم جسمي فلم تكن
…
بواقيه إلا أعظم ومفاصل
وقال في ثبي يهودي: [من السريع]
من آل إسرائيل علقته
…
أسلمت نفسي للأسي فيه
أنزلت السلوي علي قلبه
…
وأنزل المن علي فيه
وقال في مغن: [من المنسرح]
اصبحت في خدمة الغرام ولي
…
جار من العيش مطلق هامل
قلبي بباقي هواه منكسر
…
وحمل همي لأجله واصل
وقال يمدح الامام الخليفة الناصر لدين الله، أبا العباس أحمد – رضي الله عنه:[من الخفيف]
انست بالعراق برقاً منيراً
…
فطوت غيبهاً وخاضت هجيرا
واستطابت ربا نواسم بغدا
…
د فكادت لولا البري أن تطيرا
ذكرت من مسارح الكرخ روضاً
…
لم يزل ناضراً وماء نميراً
/169 أ/ بلغينا دار الخلافة يانا
…
ق لنقضي بعد السجود النذورا
عتبات ترابها ينبت المجـ
…
ـد وجو بالجود أضحي مطيرا
قبلتها الملوك حتي شككنا
…
أحصي في رحابها أم ثغورا
يا إمام الهدي سلاماً سلاماً
…
كان فيهم مقسماً منثورا
أهل بيت قد اذهب الله عنهم
…
كل رجس وطهروا تطهيرا
انت آل النبي خابت صلاة
…
لم تكن في خلالها مذكورا
قرن الله اسمه باسمك العا
…
لي فزادا جلاله وطهورا
فهو عقد علي صدور التحيا
…
ت وتاج حلي به التكبيرا
يا معيني إذا دجت ظلمة القبـ
…
ـر وخاطبت منكراً ونكيرا
يا مجيري إن خفت يوماً عبوساً
…
مكفهراً مستصعبا قمطريرا
يا معيني والنار توقد بالنا
…
س وترمي شرارها المستطيرا
بولائي أمنت من سيئاتي
…
يوم ألقي كتابي المنشورا
يا دليلي علي السراط إذا ما
…
دهش الخوف ناظري فيحيرا
فيك سر لولاك ما خلق الله علي الناس جنة وحريرا
قد هدانا بك السبيل فإما
…
مؤمناً شاكراً وإما كفوراً
/169 ب/ فعليك السلام يا أقرب النا
…
س لمن جاء شاهداً ونذيرا
وقال يمدح الملك الاشرف موسي بن محمد بن أيوب بن شاذي: [من المنسرح]
يا بارقاً اذكر الحشا حزنه
…
منزلنا بالعقيق من سكنه
ومرتع اللهو يانع خضر
…
أم غير الدهر بعدنا دمنه
يا برق هذا جسمي يذوب ضناً
…
ومهجتي بالعقيق مرتهنة
يا برق اشكو عساك تخبرهم
…
وكل من هام يشتكي شجنه
بلغ حديث الحمي وساكنه
…
لمغرم أنحل الهوي بدنه
أسمعه ذكر الحبيب مقترباً
…
فقد اصمت عذاله أذنه
هم آنسوه لكن بوحشتهم
…
ونفروا عن جفونه وسنه
أشقي المحبين عادم وطراً
…
فكيف ان كان عادماً وطنه؟
لو بيع يوم منها وكيف به
…
كنت بعمري مسترخصاً ثمنه
اليك يا عاذلي فلست أنا
…
أول صب جمالهم فتنة
فكم لنفسي علي سيئةً
…
وكم لموسي علي من حسنه
مجازف في عطاه آمله
…
محرر الرأي عند من وزنه
/170 أ/ للجود والشكر خازن أبداً
…
ولم يصن ماله ولا خزنه
مؤيد الرأي، من ينافسه
…
تحت حضيض الخمول قد دفنه
لو لم يقيض للجود راحته
…
لم تعترف فرضه ولا سننه
له بنان تسدي لنا منحاً
…
ومن يعاديه يشتكي محنه
[391]
عليُّ بن أحمد بن عثمان بن وهب بن عمر، أبو الحسن، المعروف بابن الجمَّاس.
كان مولده بقرية من قرايا دجيل؛ تسمي حصاية، قدم هو وأبوه من العراق، وأقام بقرية من قري إربل، تدعي باكلبا؛ وتزوج بها وولد له.
وكان مدة معلم صبيان؛ ثم فتح الله عليه بالشعر، فمدح به السوقة والشاه ومقدمي النواحي، واشتهر كلامه، واستجاده اهل الادب، ثم سافر إلى الشام طامعاً فيما عند الملك الاشرف شاه أرمن أبي الفتح موسي بن ابي بكر محمد بن أيوب، فتوفي بحران في شهر رمضان من سنة تسع وستمائة، ودفن بها.
أنشدني الوزير الصاحب /170 ب/ أبو البركات المستوفي – رحمه الله تعالي -؛
قال: أنشدني أبو الحسن بن الجماس لنفسه من قصيدة أولها: [من الكامل]
صب عراه من الصبابة ما عري
…
وسري الخيال بقلبه لما سري
عبث السقام بجسمه فأعاده
…
نضواً وصيره الفراق كما تري
رشا أراك الفرع ليلاً مظلماً
…
وأراك نور الشعر صبحاً مقمرا
قابلته فرأيت بدراً مشرقاً
…
تحت الظلام يغض طرفا أحور
وضممته فوجدت غصناً ناضراً
…
ولثمته فوجدت راحاً مكسرا
في ليلة لولا حار رقيبها
…
كادت لطيب نعيمها أن تقصرا
ومنها في المديح:
قوم ينادي في الظلام نذيرهم
…
يا طارق البيدا إلى [أم] القري
رسخوا جبالاً واستضاؤوا أنجماً
…
وسط .... واستفاضوا لأبحرا
وعباب سيل سيوفهم يغني الوغي
…
وعباب سيل أكفهم يغني الوري
وأنشدني القاضي أبو عبدالله محمد بن علي بن محمد الكفر عزي؛ قال: أنشدني الحسن بن الجماس له:
[من البسيط]
/171 أ/ أما الخليط فقد زمت نواجيه
…
فما لدمعك ما تهمي هواميه
هذا الكثيب الَّذي كان الفريق به
…
وهذة ساحة الوادي وشاطيه
يا صاحبي قفا بالربع نقض له
…
حقاً فللربع حق لا نؤديه
أفديه من طلل ناجيته حرقاً
…
لو كان يعقل نجوي من يناجيه
لقد رنا لبكائي لبلواي جاذره
…
ولا اصاخت لشكواي جوازيه
إني لأنكر هذا الربع حين خلا
…
من البدور التي عاينتها فيه
ما اظلم الدار مذ غابت أهلتها
…
وأوحش الربع مذ بانوا اهاليه
نادي مناديهم بالبين فارتحلوا
…
عن الحمي وثوي فيه أثافيه
أقول للقلب لما إن وقفت به
…
هذا لحمي ..... أين حاميه؟
إن كان قد نحلت مثلي معالمه
…
أسي فلم لا بكت مثلي جوازيه؟
وبالديار سقيم لا يعلله
…
بجانبيه ولا الدالي يدانيه
إذا تذكر جيران العذيب رقت
…
أنفاسه حين لا ترقي ماقيه
حياته موته وجداً وصحته
…
سقامه ومناياه أمانيه
ومتلفي بتلافيه وقد قنعت
…
روحي بطيب تلافي في تلافيه
/171 ب/ أنا الَّذي عرف البلوي ومارسها
…
بالصبر حتي حلت عندي مجانيه
وأنشدني أبو العباس أحمد بن داود بن بلال الإربلي؛ قال: أنشدني ابن الجماس لنفسه في القاضي تاج الدين جعفر بن محمد الكفر عزي: [من البسيط]
ليس الزمان علي حال بمنفرد
…
فاغضض علي كمد إن كنت ذا كمد
ولا الضرار وإن طال المطال به
…
ولا النعيم بمقرون مع الأبد
والعسر واليسر أوقات مقررة
…
فإن رأيت رخاً لابد من نكد
وليس من شدة الا لها فرج
…
ما بين يومك محتوم وبين غد
فإن بليت بها يوماً فكن رجلاً
…
واصبر فإن عقيب الصبر كالشهد
ولا اري لك في الدنيا أخا ثقة
…
إذا تبين نصحاً منك قال: قد
ومن يواسيك في بؤس وفي رغدٍ
…
واين من يستوي في البؤس والرغد
والناس أكثرهم شوك بلا ثمر
…
وإن يكن ثمر في الشوك لم يفد
ما ليس تدركه بالسيف عندهم
…
فكيف تطلبه بالنفث في العقد
لقد عبثت بأبناء الزمان فما
…
وجدت ذا خلق أطوي عليه يدي
/172 أ/ إلا بقية قوم أنت مجدهم
…
بجعفر فوق كيوان علي عمد
مولاي جعفر تاج الدين خذ بيدي
…
فأنت لي وعليك الدهر معتمدي
انهي إلى علمك المحروس ما اخذت
…
يد المشقة من قلبي ولم تعد
كم من قلائد در قد نظمت علي
…
من ليس يفرق بن الدر والبرد
حتي وضعت تقاصيري علي رجل
…
يضيع في بلد واهاً لذا البلد
قوم علي رشد ظنوا فأكثرهم
…
ندي لفظ بكف منه غير ندي
وآخرون علي جهل بهم منعوا
…
فضاع منهم بين الجهل والرشد
يا أوحد الناس ما قلبي بمعتمدٍ
…
علي سواك ولا كفي بمنعقد
[392]
عليُّ بن سالم بن محمَّدٍ، أبو العباس العباديُّ الشنينيُّ الحديثيُّ.
من الحديثة_ بلدة على طرف الفرات _ كان من قرية من أعمالها تدعى الخزانة.
وكان شاعراً كثير الشعر، منتجعاً بشعره، واسع النفس في عمله يحفظ صدراً جيداً من اللغة، صفراً من علم الأدب والعربية؛ كان يفد إلى بغداد، ويمدح الملك المعظَّم/172 ب/ أبا الحسن على بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبى العباس أحمد- رضي الله عنهما وغيره من رؤساء الحضرة والأمراء.
أدركت أيامه، وأنا جنيد مقيد ببغداد وهو بها؛ ولم يقدّر الاجتماع به لمرضٍ لحقني، فلما أبللت منه، سافر إلى وطنه، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وستمائة وخبرت انه توفي هنالك.
أنشدني أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة البغدادي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه: [من البسيط]
همُّ الفتى في طلاب المجد متَّصل
…
وصادق العزم مقرونٌ به الأمل
والمرء ساعٍ فإما بالغٌ أملاً
…
أو قاصرٌ يختليه دونه الأجل
فانهض إلى شرف العليا وكن رجلاً
…
تسمو به هممٌ من دونها زحل
ولا تخف ما تخاف اليوم من عنت
…
في مأزق لجبٍ يعنو له البطل
فالعمر منتهبٌ والغمر مستلبٌ
…
والعيش مقتضبٌ أيامه دول
لا تقنعن بالأماني والخمول فما
…
نال المعالي قديماً معشرٌ خملوا
ولا حوي السَّبق في الغايات منسدرٌ
…
مواظبٌ في الملاهي عاجزٌ وكل
ولا تقم بديار الهون مقتنعًا
…
ببلغة في المعالي أصلها النفل
لولا مفارقة الأغماد ما شكرت
…
بيض الصِّفاح ولا الخطِّيِّة الذُّبل
/173 أ/ وقد بليت بأقوام ذوي حمقٍ
…
علي الغبا وعدوات النهي جبلوا
عميٌ عن الحقِّ مفتوحٌ عيونهم
…
إلى معايب قومٍ عنهم شغلوا
والحرُّ ممتحنٌ. . . . . وذو النُّهي والتُّقي مغري بت السَّفل
عداوةٌ بين أهل العلم قاطبةً
…
وصدِّهم ليس في إصلاحها عمل
وقال يمدح بعض الأمراء، واسمه كج قندي:[من الكامل]
بدرٌ جلا بجماله الحنديسا
…
وجلا علينا في الكؤوس شموسا
ذهبيَّةٌ عقد الحباب بكأسها
…
تاجاً تخال شعاعه مقبوسا
فتك اللٍّحاظ تجوب في وجناته
…
ماءٌ ونار جراحه لا توسى
ما هزَّ غصن قوامه في مجلسٍ
…
إلا وأضرم في القلوب وطيسا
لبس العيون من الملاحة حلَّةٌ
…
وأذاب من وجد عليه نفوسا
يبدوا فيسجد كلُّ حسنٍ في الورى
…
ويظلُّ من فرط الحياء حبيسا
حاز الصٍّفات كحوز كوج قندي العلا
…
حتَّى سماكيوان والنَّرجيسا
الباذلٍ المعروف قبل سؤاله
…
والتَّارك البطل الكميٍّ فريسا
تتقاصر الأوهام دون صفاته
…
وتخال عقل ذكيٍّها مألوسا
/173 ب/ ما سلَّ سيف العزم يوم كريهة
…
إلَاّ وفاقت الجسوم الرَّوسا
أسدٌ فرائسه الأسود إذا الوغى .... زينت عن النَّشب النَّفيس الشُّوسا
يصطاد كلًّ هزبر غاب أهيسٍ
…
يصطاد إن عزَّ الحصيد الهيا
وافي بعين اللَّيث عين كريهة
…
شثن البراثن ضيغماً دعِّيا
تعدو السَّوابق حين يزأر جفَّلَاّ
…
عنه تكاد من الجراء تكوسا
أشبهت ايبك في الخلال وطالما
…
ولد النَّفيس من الملوك نفيسا
ملكٌ تدين له الملوك محبَّةٌ
…
قربًا وبعداً سائسًا ومسوسا
أربى على هرمٍ ومعن وحاتمٍ
…
كرماً وطال علاً أبا قابوسا
عمَّ الخزانة والقصر بجوده
…
عفواً وعمَّ بعدله آلوسا
يا شمس دين الله دونك حرَّةٌ
…
تحكى بحسن صفاتها بلقيسا
تأتي الكرام فيعرفون محلَّها
…
علمًا وتأبي أن تزور خسيسا
من شاعرٍ سبك الكلام وصاغه
…
درّاًً ورصَّع جوهراً ولبيسا
فاسلم له ولكلِّ جالب مدحة
…
لا يعرف الدَّعوى ولا التَّلبيسا
ما لاح وضَّاح الصَّباح وما دجاً
…
ليلٌ ورفَّعت الحداة العيسا
وقال أيضا يمدحه ويهنئه بعيد الفطر: [من الكامل]
/174 أ/ كتم الغرام فنمَّ دمع شجونه
…
وشى إلى الواشين عن مكنونه
والدَّمع أعدل شاهد أبدى الهوَّى
…
من وامق وأذاع سرَّ جفونه
في حبِّ معتدلٍ القوام مهفهف
…
يذري بنور البدر نور جبينه
لبس العيون من الملاحة حلَّةٌ
…
ما حاطها إلَاّ بدمع فتونه
فغدت قلوب الخلق طوع شماله
…
عشقًا لصورته وطوع يمينه
جمعت صفات الحسن فيه بأسرهأ
…
وغني بأدنى الحسن عن تحسينه
لو كان يعدى خلقه من خلقه
…
أعدى قساوة قلبه من قلبه
وأرقَّ للصبِّ الكئيب فؤاده
…
وأضافه المضنون من ماعونه
وزكاة ربِّ الحسن واجبةٌ على
…
حكم الهوى عطفًا على تمكينه
لولاه ما بات الغرام ملازمي
…
والُّسُّقم ينحلني لسقم جفونه
ومديح شمس الدِّين كج قندي غدا
…
همِّي لأقضي شكر بعض ديونه
الباذل المعروف قبل سؤاله
…
والقاتل الضِّرغام وسط عرينه
والتَّارك البطل المدِّل ببأسه
…
يوم الوغى يكبوا على عرنينه
ما واجه اللَّيث الهزبر بمعرك
…
إلَاّ وجرَّعه كؤوس منونه
تتجمَّل الدُّنيا بكلِّ متوَّج
…
فيها بفضل عفافه وبدينه
/174 ب/ ويطيع خالقه ومالك أمره
…
وأباه في حركاته وسكونه
لا ينثني يوم النِّزال إذا اكتنى
…
في مأزق إلا بروح طعينه
يا ماجداً فاق الملوك بحلمه
…
وبعلمه إذ حاز عشر سنينه
إن رمت مدحك فالصِّفات معينةٌ
…
في نظم أبكار القريض وعونه
فاسعد بعيد الفطر وابق مؤيداً
…
بشيوع نصر سار ذكر مبينه
ما حرَّك الدَّوح النَّسيم وما دعا
…
ورق الحمام على فروع غصونه
وقال أيضاً يمدح: [من الخفيف]
أسفر الجدُّ في بروج السُّعود
…
وسما في العلاء عالي الصُّعود
وبدا المجد فوق كيوان قرباً
…
بعد كيوان عن محلِّ الصَّعيد
شرفٌ باذخٌ ومجدٌ أثيلٌ
…
وفخارٌ ما فوقه من مزيد
والمعالي ما أنتجت بالعوالي
…
بين خطف الظًّبى وخفق البنود
ونوال مواصلٍ بنوالٍ
…
لقريبٍ من الورى وبعيد
كنوال الملك المنيل فلان الدّين خدن العلا المحيد المجيد
النَّجيِّ الوفيِّ لله بالعهد
…
وللنَّاصر الإمام الرَّشيد
ملكٌ همُّه ابتداع معالٍ
…
لم تنلها أيدي الملوك الصِّيد
/175 أ/ ملكٌ وصفه يجلُّ عن
…
الوصف لذي فطنة كرمل زرود
ملكٌ صدره تضيع به
…
الدُّنيا اتِّساعاً في كلِّ خطب كؤود
من ملوك التُّرك الَّذي يعقد الملك لهم صغرةٌ بطون المهود
ونشا مذ نشا يسوس أمور النَّاس عدلاً بحسن رأيٍ سديد
ورآه الإمام ناصر دين الله أهلا لكلِّ فعلٍ حميد
يقظًا عالمًا حليمًا رحيمًا
…
ذا وفاءٍ مغري بحفظ العهود
فحباه الفرات ملكًا ورفقًا
…
للرعايا ..... وحفظ الجنود
فحماها بنائلٍ وحسامٍ
…
وبعدل وردِّ كلِّ شديد
وغدا ذكره حميداً بمصرٍ
…
وتعدَّىَّ في الخلق أرض زبيد
يا مليكي ومن سما كلَّ ملكٍ
…
في البرايا بنشر عدل وجود
هكذا هكذا نوالك للخلق
…
مباحٌ في كلِّ يومٍ كعيد
وأمير وفاك في طلب
…
المجد ونجح المرام بالتَّأييد
فاق أضرابه سماحًا وبأسًا
…
وانتسابًا إلى جناب سعيد
ناظمًا نفسه بسلك معاليك
…
ليحظى بحظَّك المسعود
فأتحفنه إتحاف موسى شعيبًا
…
درَّةً من نفيس درَّ فريد
/175 ب/ ساد آباؤها جميع .... وأجدادها جميع الجدود
في ظلال الإمام ناصر لدين الله والمرتجى ليوم الخلود
فابق في نعمةٍ وفي عزِّ ملكٍ
…
واقتدارٍ وسعد جدِّ جديد
وقال أيضًا: [من الطويل]
أعيذك من قلبي المعنَّى ووجده
…
وجسمي على طول البعاد وجهده
وطرف متى ما شام للشام بارقًا
…
تتابع عقد الدَّمع من حلِّ عقده
وخلَّ متى ما حان إَّبان وصله
…
تعرَّض صرف الحادثات لصِّده
أطيع الهوى فيه واعصي عوازلي
…
وارضي من الطَّيف الطَّروق بوعده
كانَّ مذاب الشَّهد رف رضابه
…
كأنَّ جنيُّ الورد توريد خدَّه
تزاحم فيه الحسن من كلِّ خلقه
…
وقدَّ قضيب الخيزرانٍ بقدِّه
شهيُّ اللَّما عذب المباسشم أحورٌ .... ..... ..... ...... ......
يصيب قلوب الخلق سهم لحاظه .... ويصمي على قرب ..... وبعده
رعى الله أيَّام الوصال وقربه
…
وعيشًا فقدت النَّوم في حال فقده
فلا وجد [عندي] دون وجدي ببينه
…
ولا وجد إلَاّ بعض وجدي بوجده
/176 أ/ علقت به طفلاً وليدً فإنَّني
…
فتى ليس يسلوه إلى رمس لحده
وكلُّ هوى يسلى سوى إلفة الصِّبا
…
وكلُّ محبً حبُّه مثل ودِّه
خلقت وفيًا حافظًا كلُّ صحبة
…
مقيمًا مدى الدًّنيا على حفظ عهده
كحفظ أبي الغارات كج قندي العلا
…
بحدِّ الظًّبى والجود جزلاً لوفده
ومن يحمل اللَّيث الهصور لباسه
…
ومن يخجل الغيث السَّحوح لرفده
ومن نظر الأقوام فيه شمائلاً
…
تدلًّ بعظم القدر من وقت مهده
ومن همُّه كسب المحامد والعلا
…
تراثًا وكسبًا عن أبيه وجدِّه
ومن طال أرباب المعاقل همَّةٌ
…
وطال النُّجوم الزَّهرات بمجده
إذا ما اكتنى في مأزق متضايقٍ
…
تثعلب أهل الحرب من عظم شدِّه
وإن جال فالآجال طوع مراده
…
وإن صال فالأبطال صرعى لحدِّه
حبا مذ حبأ واحتلَّ ناصية العلا
…
وانطق جدواه الأنام بحمده
.. رأى منه الإمام مهذَّبًا
…
وفيًا محبًا خالصًا عند نقده
يطول الملوك نائلاً وفضائلا ً
…
وحلمًا وفهمًا يستضئ بوقده
تهنَّ بسعد العيد وابق مؤيدَّاً
…
بنصرٍ يدين العالمين بجدِّه
مدى الدَّهر ما ناح الحمام وما رسا
…
شمامً وما سار الغمام برعده
/176 ب/ وقال من قصيدة: [من البسيط]
ظبيٌ من الأنس يهواني وأهواه
…
يشوقني منه رؤياه وريَّاه
إذا بدا سجد الحسن العميم له
…
ودانه الخلق من راه وما راه
مورَّد الخدِّ لدن القدِّ قد طبعت
…
على سقام فتى عاناه عيناه
ما سلَّ سيف لحاظ يوم المعركه
…
إلَاّ وجدل في ملقاه ملقاه
ولابد للورى يختال في حللٍ
…
إلَاّ وأصمى بمغزاه ومعزاه
فجمَّع الحسن فيه كلَّ مفترقٍ
…
من الصِّفات فأصفاه وصفاه
يقلّ ليلاً على صبحٍ على غصنٍ
…
على كثيب نقًا لو تاه واتاه
لو مرَّ يومًا على ميت له سنةً
…
في القبر ملقى وحيَّاه لاحياه
لام العوازل لي فيه ولو علموا
…
ماذا أذان اللَّما فيه لما فاهوا
يزوروني وهو مزورُّ على عجلٍ
…
خوف الرَّقيب وأغشاه وأخشاه
وينثني وغرامي فيه مستعرٌ
…
خوفًا عليه لما أهواه أهواه
يأتي إلى على بعد المزار فيا
…
لله ما طيب مسراه وأسراه!
لو لاح للبدر في تمِّ لأخجله
…
أو مرَّ بالضَّخر خدَّاه لخدَّاه
يفترُّ عن برد عذب مراشفه
…
لو يستطيع محلَاّه لحلَاّه
/177 أ/ أهوى هواه ويهو ما هويت ومن
…
أصفيه وديا ومن أرعاه أرعاه
[393]
عليُّ بن محمَّد بن عليٍّ، أبو الحسن النيريزىُّ.
بكسر النون وتسكين الياء المعجمة باثنتين من تحتها، وبعدها راء مهملة ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها، وبعدها زاي معجمة. قرية من أعمال شيزار؛ كان أبو الحسن يتولى خطابتها.
وكان عالمًا فاضلاً فقيهًا محدِّثًا شاعرًا؛ له خطب وأشعار، وتصنيف في كتاب الله تعالى؛ روى عن أبي المبارك عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم الشيرازي الآدمي، كتب عنه أبو عبد الله محمد بن سعيد بن الدُّبيثي، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي ببغداد
وكانت ولادته في سنة ثمان عشرة وخمسمائة بتبريز، ونشأ بشيراز؛ وتوفي سنة اثنتين وستمائه.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه [من الطويل]
تقوَّست من سهم رماني به السِّحر
…
وصرت هلالاً في فراقك يا بدر
جلا وجهك الوضَّاح ليلة وصله
…
وسوَّد ليلي مثل طرَّتك الهجر
/177 أ/ وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا من شعره: [من الطويل]
ألمَّ بنا طيفٌ يجلُّ عن الوصف
…
وفي طرفه خمرٌ وخمرٌ على الكفِّ
وقال أبو الحسن القطيعي؛ أنشدني علي بن محمد النيريزي: [من الرمل]
دخل البستان يومًا يلعب
…
وحشاه للطوى يلتهب
قال: لمَّا نيل [من] معروشه
…
حامضٌ والله هذا العنب
[394]
عليُّ بن محمَّد بن محمَّد بن المختار بن عمر بن المسلم بن محمد بن محمَّد بن عبد الله بن عليِّ بن عبيد الله بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، أبو الحسن الكوفيِّ.
النقيب بالكوفة. كان من أشراف عترته، وسادات أسرته، أدبًا ورئاسة، حاسبًا كاتبًا، مترسلاً شاعرًا، حسن النظم، رقيق الشعر.
أنشدني أبو عبد الله الحسين بن علي بن يوسف النيلي؛ قال: أنشدني النقيب/178 أ/ أبو الحسن علي بن محمد لنفسه من قصيدة أوّلها: [من الرجز]
عاتبتني ظالمةٌ يا عتب
…
مذنبةٌ وقلت منك الذَّنب
وجرت في الحكم ولمَّا تنصفي
…
إذ هو فيك مستهامٌ صبُّ
سلي نجوم اللَّيل هل زار الكرى
…
طرفي تخبِّرك النُّجوم الشُّهب
أو لامس المضجع لي بعدكم
…
لمَّا اجتنيت وهجرت جنب
يلوموني العاذل فيكم ضلَّةً
…
منكم ونيران الهوى تشبُّ
قلبك مره بالسُّلوِّ عنهم
…
وقلت هيهات فأين القلب؟
لا والَّذي حجَّت قريشٌ بيته
…
قصدًا وما ضمَّ الصَّفا والشِّعب
والمستجير قبره بطيبة
…
أكرم من أمَّ ذراه الرَّكب
ومر بأكناف الغريِّ إنَّه
…
سلم الهدى ..... حرب
ما خطر السُّلوان لي بخاطرٍ
…
أنَّى وقلبي للغرام نهب
ولا جرى ريح الصَّبا بذكركم
…
إلَاّ صبوت واستطار اللُّبُّ
من لي بأن يعقب بعد هجركم
…
وصلٌ ومن بعد البعاد القرب
أو تصفر الدَّار الشَّطون بكم
…
وينقضي يا عتب ذاك العتب
/178 ب/ أحبَّكم قلبي فما جزيتم
…
غير القلى والبغض من يحبُّ
[395]
عليُّ بن منصور بن عليِّ بن عبد الله بن رطلبن، أبو الحسن الصًّرويُّ.
من الصَّروات، قرية من أعمال الحلّة (1)؛ وكان واسطي المولد والمنشأ.
نزل مدينة السلام، وتفقّه للشافعي بالمدرسة النظامية، وصار فيه الخبز والمشاهرة.
وكان له معرفة بالأدب، وصناعة الشعر؛ وكان شاعراً فاضلاً، لقيته ببغداد سنة ثلاث
وعشرين وستمائه، ووعدني أن يكتب شيئاً من شعره، فعاقت دون ذلك عوائق، وما عدت رأيته
ومن شعره يمدح القاضي تاج الدين أبو ذكريا يحي بن القاسم التكريتي:
[من الكامل]
لبقاء تاج الدِّين يحي ذي الحجي
…
لذوي السيادة من خيار المرتجي
الصَّالح بن القاسم بن مفرجٍ
…
نسباً يردُّ اللَّيل صبحاً ما دجا
من بات يرضع ثدي كلِّ فضيلة
…
حتي اغتدي متحرِّياً متحرِّجاً
لذوي التَّهاني التَّهنيات هدايةٌ
…
مادام جيش الصُّبح يطرده الدُّجي
/179 أ/ طبٌّ إذا ما الأمر أبهم وجهه
…
أبدي له في الشَّرع وجهاً أبلجا
وإذا رأي العلماء يحجر بينهم
…
حجرٌ وبين الحق يأبي مرتجي
رأت الَّذي آباؤه أقوالهم
…
ونجا بت من كلِّ همٍّ ما نجا
ولكلِّ ما ألفوه أفضلهم تقًّي
…
وأجلُّهم قدراً وأوضح منهجا
وجدا المجاهد في الهداية مدخلاً
…
حسناً به ومن الضلالة مخرجا
ردَّ الزَّمان صبيح فرحة مشرقٍ
…
ولطالما أضحى بوجه أسمجا
ما قام مجتهدًا يريد جداله
…
إلَاّ انثنى عمَّا استخار معرِّجا
إن سابقوه إلى ابتدار فضيلةٍ
…
يومًا أقاموا صامتيين وأدلجا
أو باهلوه تقاعسوا وسما بهم
…
حكم إذا ما ضاق أمر فرِّجا
حبر إذا اجتهدوا وشادوا منزلًا
…
في الأرض شاد على المجرَّة أبرجا
وإذا تضايقت الأمور عليهم
…
جعلوه من بعد الإله الملتجا
ما جال في ميدان حرب حكومة
…
إلا وحلَّ حزام من قد أسرجا
لا تطَّبيه كما أطَّبى من قبله
…
حسن تختَّم أو تلبَّس دملجا
أيروم سبق أقبَّ أجرد سابح
…
من كان يسبقه المعبَّد أعرجا
هيهات يدرك شأو منتعل الشَّوى
…
في حلبة خطم القوائم ذو وجى
/179 ب/ ثان ثنى في كلِّ أرض مصنعًا
…
للوافدين وكلِّ شعب دولجا
حتَّى حبانا بالجميل وخصَّنا
…
بضياء دين الله معتمد الرَّجا
لا زال في ظلِّ الخلافة ما حدا
…
حاد وما اتَّخذ الظَّعائن هودجا
أنشدني أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبد الله البغدادي، بمدينة السلام سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه، يمدح المستنصر بالله – رحمه الله:[من مجزوء الكامل]
هبَّت إليك مع الرَّواح
…
كهبوب أنفاس الرِّياح
بدرت فأشرق في الدُّجى
…
من وجهها فلق الصَّباح
هزَّت معاطف قدِّها
…
من عجبها هزَّ الرِّماح
فبدا لنا من نشرها
…
نفحات كافور رياحي
حسناء في حركاتها
…
برء لمختلف الجراح
نشأت على لطف الخلاعة والدُّعابة والمزاح
وألذ من حدق الرِّياض على غدير في براح
خطرت بأرجاء القراح فعطرت كلَّ القراح
/180 أ/ وسرت بعنبرها النسيم ففاح في كلِّ النَّواحي
عمَّاله لا ترتضي
…
غير المحلَّل والمباح
تهوى الأميريَّ الصحيح ولا تميل إلى الصلاحي
ومحَّبة المستنصري فما عليها من جناح
ظهرت إلى عين الرَّقيب وهوَّنت قول اللواحي
وأتت وقد علمت بأنِّي من هواها غير صاحي
علقت بما ظفرت يدي
…
وظفرت منها بالنَّجاح
قد طاب في حبِّي لها
…
هتكي وهان بها افتضاحي
علق الفؤاد بها فما
…
لهوى فؤادي من براح
وهوى تمكَّن في الفؤاد فما الملام له بماحي
جمع الجمال لها وفرِّق منه في كلِّ الملاح
جمع الخليفة كلَّ ما
…
في العالمين من السَّماح
ملك يحثُّ على المكارم بابتسام وانشراح
ويجدُّ في نفع الرَّعية في المساء وفي الصَّباح
قسما بهمَّته التي
…
أمضى من البيض الصِّفاح
/180 ب/ إنَّ الإمام طباعه
…
خلقت من الكرم الصُّراح
أعدى الشِّحاح نواله
…
فتسمَّحت أيدي الشِّحاح
مولى يسرُّ إذا رأى
…
أنَّ الرَّعَّية في صلاح
وتلوح بشراره إذا
…
ما قيل حيًّ على الفلاح
وإذا بدت عزماته
…
في جحفل يوم الكفاح
أغنى الجيوش برأيه
…
في الحرب عن حمل السِّلاح
فليسلمنَّ خليفة
…
في طيب عيش وارتياح
فسلامة المنصور غاية الاختيار والاقتراح
لا زال طائر نصره
…
بالسَّعد متَّصل الجناح
تجري بطاعته الأمور مجاري القدر المتاح
ما زيَّن الله الورى
…
بالأوجه البيض الصِّباح
[396]
علي بن أحمد بن سعيد، أبو الحسن المقرئ، المعروف بابن الدباس الواسطي.
قدم بغداد في سنة ثلاث وستمائة؛ وروى بها عن جماعة. وكان /181 أ/ قد قرأ القرآن، وسمع الحديث من عبد الوهاب بن لخفان بن الصابوني، وأبي الكرم المبارك ابن الشهرزوري، وعلي بن محمويه اليزدي؛ وبهمذان من أبي زرعة والحافظ أبي العلاء؛ وبواسط من أبي الفتح المبارك بن أحمد بن زريق الحداد، وأبي بكر أحمد بن أحمد بن عمر القطيعي؛ وقال: لمّا قدم هذا الشيخ كان إمامًا بمسجد الخليفة بسوق العجم مقابل سوق العميد؛ إلى أن توفي سنة سبع عشرة وستمائة.
وقال: أنشدني لنفسه: [من الكامل](ص 262)
لهفي على عمري لقد أفنيته
…
في كلِّ ما أرضى ويسخط مالكي
ويلي إذا عنت الوجوه لرِّبها
…
ودعيت مظلومًا بوجه حالك
ورقيب أعمالي ينادي شامتًا
…
يا عبد سوء أنت أول هالك
لم يبق من بعد الغواية منزل
…
إلا الجحيم وسوء صحبة مالك
[397]
علي بن رشيد بن أحمد بن محمد، أبو الحسن الحربوي المعدل الحنبلي.
قدم من حربا إلى مدينة السلام سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وتولى وكالة
الخدمة /181 ب/ الشريفة، وسمع الحديث من نصر بن نصر العكبري.
واشتغل بالفقه على القاضي أبي بن الفرّاء، وبعده على أحمد بن بكروس، وشهد عند القاضي أحمد بن علي الدامغاني في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وجمع كتابًا يشمل على الوكالة وشروطها، وتولّى استيفاء الجزية بغير إشراف عليه.
ثم تقدم فصار وكيلًا للخليفة؛ وتوفي يوم السبت ثامن عشر شوال سنة خمس وستمائة.
قال أبو الحسن القطيعي: أنشدني أبو الحسن لنفسه يمدح أمير المؤمنين – رضي الله عنه – [من الطويل]
إمام يجلُّ المدح عن وصف مجده
…
ويقصر باع الحلو عن طول حدِّه
له طالع بالسَّعد ليس كسعده
…
نظير ولا جدٌّ لشَّخص كجدِّه
تراه كغيث السُّحب ينهلُّ مزنها
…
بفيض على كلِّ البرايا برفده
ولو جمع الأملاك من لدن آدم
…
إلى وقتنا هذا لدانوا بمجده
فلا زالت الأيَّام طوع قياده
…
ولا زالت الأقدار تجري بسعده
[398]
عليُّ بن عليِّ بن روزبهان /182 أ/ بن الحسن بن باكير، أبو المظفر الفارسيُّ الأصل، البغداديُّ المولد والمنشأ.
روى عن أبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي؛ كتب عنه أبو الحسن القطيعي؛ وقال: سألت ابن باكيرا، لم سميت بالفارسي؟ فقال: أنا وأبي ولدنا ببغداد وزرت الملك سليمان السلجوقي، حيث كان تحت ظلّ الخدمة لأمير المؤمنين. وإنَّما
جدِّي روزبهان فارسي.
وسألته عن ولادته؛ فقال: ولدت سنة خمس عشرة وخمسمائة، وكانت وفاته بطريق مكّة في سنة إحدى وستمائة؛ قال: وأنشدني أبو المظفر علي بن باكيرا:
[من الطويل]
قنعت من الدُّنيا بما لا أودُّه
…
وألزمت نفسي خطَّة الضَّيم والضَّعف
وجرَّعتها هجران كلِّ لذيذة
…
إلى أن غدت تنقاد طوعًا إلى الحتف
وما ذاك إلَاّ أنَّ حظِّي مذمَّم
…
فما لي من الدُّنيا سوى الهون والعسف
فبالنرد إن جاذبت دستي مشذّر
…
وإن خفت بالشِّطرنج شاهي على ضعف
ترى ينقضي هذا الشَّقاء فأغتدي
…
إلى راحة أو تستمرُّ إلى الحتف
[399]
عليُّ بن محمَّد بن إبراهيم /182 ب/ بن أبي نصر بن المبارك بن غنّاج، أبو الحسن الواسطيُّ مولدًا ومنشًا.
وأصله من خسر سابور، وكان حافظًا للقرآن الكريم، وأخذ طرفًا من علم العربية، وله شعر صالح، وكان يتشيع، ويميل إلى المرد الملاح، ويشعف بحبِّهم، ولم ير منه ريبة، مع غفلة كانت فيه وبله.
أنشدني أبو الفضائل جعفر بن محمد الواسطي؛ قال: أنشدني علي ابن غناج لنفسه في غلام مغن يلقب اللطيف بن جعفر، سافر إلى بغداد من واسط ولم يودّعه، ثم جاءه بعد ذلك منه كتاب:[من الطويل]
علام أخفِّي ما ألاقي من الوجد
…
وأكتمه والدَّمع من مقلتي يبدي
فيا ساكني الزَّوراء رفقًا بمدنف
…
رمت شمله أيدي التفرُّق بالبعد
سبي قلبه فيكم غزال ببهجة
…
كبدر الدُّجى يسمو عن الوصف والحدِّ
له مبسم كالأقحوان وريقه
…
ألذُّ من الخمر المعتَّق والشَّهد
سرى طيفه وهنا فأضحت بنشره
…
رياض النَّقا أذكى من البان والرَّند
وحقِّ هواه لا سلوت وداده
…
ولا حبَّه حتى أوسدَّ في لحدي
وإن كان قد أبدى الملال وحال عن
…
عهود الهوى إنِّي مقيم على العهد
/183 أ/ أحنُّ إلى لقياه وجدًا بحبِّه
…
وإن كان لا يغني حنيني ولا وجدي
وأكره دارًا قد خلت من جماله
…
ولو خليت لي بعده جنَّة الخلد
فيا أيُّها الرَّكب العراقيُّ بلِّغوا
…
سلامي حييتم بالتَّحيَّة والرُّشد
إلى منية القلب اللَّطيف ابن جعفر
…
وقولوا له من لوعة القلب ما عندي
وقولوا له: إنِّي قرأت كتابه
…
وقابلته بالشُّكر لله والحمد
وقبَّلته ألفًا ففاضت مدامعي
…
فأنشدت قول الشاعر الفطن الجلد:
(شممت بنجد شيحة حاجريَّة
…
فأمطرتها دمعي وأفرشتها خدِّي)
وأنشدني أيضًا، قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه من قصيدة مبدؤها:
[من الطويل]
أيا ساكني دار السَّلام سلمتم
…
أجيروا المعنَّى من عيون الجاذر
وردُّوا فؤادًا طالما ظلَّ عندكم
…
أسير هوًى ما بين وافٍ وغادر
وأنشدني أبو المنصور بن أبي عبد الله بن أبي منصور العامري؛ قال: أنشدني علي بن محمد بن غناج المقرئ الواسطي لنفسه: [من الطويل]
/183 ب/ أيا ساكني دار السَّلام سلمتم
…
أجيروا المعنَّى من عيون الجاذر
وردُّوا فؤادًا طالما ظلَّ عندكم
…
أسير هوًى ما بين وافٍ وغادر
ومنُّوا بإهداء السَّلام تكرُّما
…
لصب على هجرانكم غير صابر
سبى قلبه يوم النَّوى في رحالكم
…
غزال عجيل من قبيلة عامر
شهيُّ اللَّما عذب المحيَّا مهفهف القوام بطرف فاتر اللحظ ساحر
أرى أنَّ هلكي في هواه صيانتي
…
ولو أنه دون البريَّة هاجري
وأنَّ عذابي في تجافيه طيِّب
…
أيا عاذلي كن في عذاريه عاذري
يمينًا بأيَّام السديرة والهوى
…
وطيب ليال بات فيها مسامري
لأنِّي على العهد الَّذي كان بيننا
…
وما خطر السُّلوان يومًا بخاطري
وأنِّي على ما تعهدون من الوفا
…
وما راق شيء مذ نأيتم لناظري
وأنِّي إذا ما عزَّ يومًا لقاؤكم
…
على ناظري ألفيتكم في ضمائري
وأنِّي إذا عزَّ الحيا في بلادكم
…
سقيت ربي العاقول فيض محاجري
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من الخفيف]
هي دار الحمى فقف يا خليلي
…
بوقوف في الرَّبع يشفي غليلي
/184 أ/ وانشد الربع ساعةً في المغاني
…
وأنخ في محلَّة العاقول
فبها أهيف مليح المعاني
…
قد سباني بغنج لحظ كحيل
ما أدلهم الظَّلام إلَاّ غنينا
…
بسنى وجهه عن القنديل
إن تثنَّي في الفاضليَّات ليلًا
…
صحت ويلاه من عنائي الطَّويل
أو تبدَّى تحت ..... صبحًا
…
قلت: بدر الدُّجى بلا تطويل
يا نسيم الصَّبا بحقِّ اشتياقي
…
أخبريه وجدي به ونحولي
وأخبريه أني على العهد باق
…
ما تبدَّلت في الهوى ببديل
[400]
عليُّ بن عبد الله بن عبد الرحمن بن زيدٍ، المعروف بابن حريقٍ الكاتب، أبو الحسن البلنسي.
شاعر مفلق، وأديب محقِّق، قيِّم بالشعر والأدب، عارف باللغة وأيام العرب، عالم بتفسير القرآن والقراءة، حافظ لجملة وافرة من الأخبار والحكايات.
ولم يكن في زمانه أجود منه شعرًا، ولا أحسن نظمًا ونثرًا؛ مدح ملوك الأندلس، وأخذ صلاتهم، وانتشر ذكره /184 ب/ هنالك؛ وتولى التصرف في الأعمال الديوانية مع كتابة الإنشاء لبني عبد المؤمن، المستولين على الديار الأندلسية.
أنشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أبي بكر الشاطبي الأنصاري، قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن حريق لنفسه في غلام أعور؛ وأحسن فيما قال وأبدع في المعنى: [من الخفيف]
لم يعبك الَّذي بعينيك عندي
…
أنت أعلى من أن تعاب وأسنى
لطف الله ردَّ سهمين سهمًا
…
رأفةً بالعباد وازددت حسنا
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه يهجو كاتبًا: [من الرجز]
وكاتب ألفاظه وكتبه
…
بغيضة إن خطَّ أو تكلَّما
ترى أناسًا يتمنُّون العمى
…
وآخرين يحمدون الصَّمما
وأنشدني أبو القاسم محمد بن محمد الشاطبي؛ قال: قرأت على أبي الحسين ابن حريق من شعره قوله: [من الكامل]
يا ويح من بالمغرب الأقصى ثوى
…
حذر العدا وجبيبه بالمشرق
/185 أ/ لولا الحذار على الورى لملأت
…
ما بيني وبينك من زفير محرق
وسكبت دمعي ثم قلت لسكبه
…
من لم يذب من زفرتي فليغرق
لكن خشيت عقاب ربِّي أن أرى
…
أحرقت أو أغرقت من لم أخلق
وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو الحسن بن حريق، وكان قد خرج إلى متنزهٍ له مع من يحبّه إلى خارج؛ فجاء السيل ومنع محبوبه من العود إلى البلد، فباتا جميعًا:
[من مخلّع البسيط]
يا ليلةًَ جادت الأماني
…
فيها على رغم أنف دهري
تسيل فيها عليَّ نعمي
…
يقصر عنها طويل شكري
إذ بات في منزلي حبيبي
…
وقام لي أهله بعذري
وأنشدني إسماعيل بن عبد الله بن إسماعيل البياسي، بمحروسة حلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن حريق البلنسي لنفسه بيّاسة، وكان مشرفها:[من الكامل]
/185 ب/ يا صاحبيَّ وما البخيل بصاحبي
…
هذي الدِّيار فأين تلك الأدمع
أتمرُّ بالعرصات لا تبكي بها
…
وهي المنازل منهم والأربع
هيهات لا ريح الصَّبابة بعدهم
…
رهو ولا طير التشوُّق وقَّع
حلفوا على قلبي بسحر جفونهم
…
لا زال يتعبه الهوى ويصدِّع
وأبى الهوى إلَّا الحلول بلعلع
…
ويح المطايا أين منها لعلع
لم أدر أين ثووا فلم أسأل بهم
…
ريحًا تهب ولا بريقًا يلمع
وكأنَّهم في كلِّ مدرج ناسم
…
فعليه منهم رقَّة وتضوُّع
وإذا منحتهم السَّلام تبادرت
…
تبليغه عنِّي الرِّياح الأربع
[401]
عليُّ بن عبد الله [بن] ورياش بن المبارك بن يوسف بن موسى بن يزكوك، أبو الحسن الوهرانيُّ الأنصاريُّ.
نزيل دمشق، الخطيب الصالح الفاضل.
كانت ولادته بوهران، في رجب ستة سبع وثلاثين وخمسمائة، وتوفي – رحمه الله – يوم الأربعاء سادس عشري ذي القعدة سنة خمس عشرة /186 أ/ وستمائة، بداريا من أعمال دمشق – كان خطيبها -.
وكان قد أعطاه الله العلم الوافر، والعمل الصالح، له تصنيف وأشعار، كان يقولها، وفضله على كثير من أبناء زمانه؛ وكان تقيًا في نفسه ذا ورع وخير، سديد
الطريقة، جميل الأمر.
خرج عن بلاد المغرب، ونزل الشام، وتولّى خطابة داريا، وأوطنها، إلى أن توفي بها؛ وصنف تفسيرًا لكتاب الله تعالى أجاد في تصنيفه وأحسن.
أنشدني نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الصفار الشيباني الدمشقي بها في أوائل سنة أربعين وستمائة؛ قال: أنشدني الشيخ الجليل الصالح أبو الحسن علي بن عبد الله ورياش بن المبارك الوهراني لنفسه في الوحدة: [من البسيط]
أصبحت والحمد للرحمن منفردًا
…
عن كلِّ وغد من الأقوام شتَّام
ما لي أنيس سوى أنِّي امرؤ عكفت
…
نفسي على الكتب أيَّامي وأعوامي
أوحي إليها بطرفي وهي تخبرني
…
عن من تقدَّم من سامٍ ومن حام
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر]
أما في ذا الزَّمان أخ شفيق
…
كثير فضله غمر طليق
/186 ب/ يردُّ بفضله الأزمات عنِّي
…
إذا طرقت ويتَّسع المضيق
فقد كثرت حوادثهنَّ عندي
…
ولا سيما إذا فرغ الدَّقيق
تهدُّ لخطبها الشُّمُّ الرَّواسي
…
فكيف يطيقها الشَّخص الرَّقيق
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الحر: [من الطويل]
ويوم تمجُّ الشَّمس فيه لعابها
…
يكاد الحصى من حرِّه يتفلَّق
ينضِّج أفراخ القطا جوف قيضها
…
ويتَّرك الرُّبد النقانق تفهق
فلو حطَّ شلو فوق أمعر شاهق
…
لعاد حنيذًا لحمه يتمزَّق
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في حاله بدمشق:
عليَّ ثياب باليات لو أنَّها
…
تقوم ولم تبلغ بقيمتها فلسين
وإني أراني عزَّة وجلالة
…
إذا سرت فيها أسحب الذيل ذا القرنين
وما ذاك إلاّ العلم يسمو بربِّه
…
فيستصغر الدنيا وما جمعت من عين
وتبصر فيها من المال والعلا
…
مع البؤس والفقر الملمّ بها سيبين
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الشَّمعة: [من البسيط]
وراهب بات طول اللَّيل منتحبًا
…
يبكي وفي رأسه طرطور من ذهبه
/187 أ/ يشكو إلى الله إحراق الجحيم له
…
يا فوخه واحتكام البرد في ذنبه
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في البرغش: [من البسيط]
لله ليلتنا ما كان أطولها
…
ظللت أقمص والبرغوث يرتقص
وبات يزمر حولي اللَّيل برغشها
…
وبتُّ الطم وجهي وهو يمَّلصُّ
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه من أبيات في الغربة: [من البسيط]
هبَّت له من ثنيَّات العيون صبا
…
فحنَّ وجدًا لأيَّام الصِّبا وصبا
وذاب من ذكر وهران ومنزلة
…
قد شبَّ فيها قديمًا عظمه وجبا
لله أيامنا والشَّمل ملتئم
…
بساحتيه ودهر بالسرور حبا
إذ أسحب الذَّيل من عار الحمام إلى
…
طود الشَّرائع أسعى والهوا خببا
لا أعرف الهمَّ أنى سار متَّجهًا
…
ولا أوافق داعي العمر إن وثبا
فشتَّت الدَّهر شمل من معالمها
…
كصاحب السدِّ إذ يسعى به سببا
وبدِّلت عيشتي بعد النَّعيم بها
…
كما تبدَّل جنَّات بأرض سبا
وقد تردَّيت ثوب العزِّ بعدهم
…
وبعد عزِّ وثوب الذُّل للغربا
إذا رأيت غريبًا سحَّ أدمعه
…
وافقته في البكا إذ كلُّنا نسبا
/187 ب/ وما توادع قوم يوم بينهم
…
إلا توقَّد قلبي والحشا لهبا
أعارض الرَّكب علِّي أن أرى رجلًا
…
من آل وهران أو ألقى به كتبا
لا تيأسنَّ فإن الدَّهر ذو عجب
…
وربما أعتب الدَّهر الَّذي عتبا
قد فاز يعقوب في الدُّنيا ببغيته
…
من بعد ما عاش في أحزانه حقبا
[402]
عليُّ بن أبي منصور بن محمد، أبو الحسن الموصلي.
حدثني الصاحب أبو البركات المستوفي – رضي الله عنه – قال: كان من صناع الموصل الصفارين؛ عاميًا جاهلًا في غاية.
لقيته عند شيخنا أبي الحرم النحوي، وقد أنشده أبياتًا عينية، وارتكب فيها ألفاظًا ومعاني، لا يفهمهما من وقف عليها، ولا هو إذا سئل عنها يعلم معناها! ، إنما هي ألفاظ موزونة فقط؛ وكان شيخنا أبو الحرم قد بلغه أنه يقع في شعر أبي عبد الله النجراني؛ فتغيظ عليه ذلك اليوم تغيظًا شديدًا، فلم نزل نسكنه عنه حتى سكن.
كان يرد إربل ويتوصل إلى لقاء الوزير ولي الدين أبي الثناء محمود بن محمد بن نقدار الحراني، الَّذي كان مقدمًا بها، ليمتدحه فيأبى عليه /188 أ/ ويجبهه بكل منكر، وهو لا يكثرث لذلك، ولا يزال حتى يأخذ من صلة السلطان مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين؛ ومنه هكذا في كل سنة.
وقد سمعت منه كثيرًا من شعره، إلا أني لم أره أن أقيد عنه شيئًا لجهله؛ هذا كلّه كلام الصاحب أبو البركات – رضي الله عنه – ثم أنشد له هذه الأبيات من قصيدة:
[من الطويل]
أدرها كؤوسًا يا نديمي وداره
…
وخذ واعطه من قبل حال داره
ولا تسقنيها في صغار محرِّمًا
…
فإني أرى تحليلها في كباره
ولا تطف نيرانًا لها بمياهها
…
اتقَّ الله واحذره وخف حرَّ ناره
معتقةً من رحل آدم في الحيا
…
وعذراء بكرًا كالطلا في كباره
لها حبب كالدرِّ في الكأس لم يزل
…
على رأسها في نظمه ونثاره
.. دهقانها في يمينه
…
ترى لهبًا أو شعلةً في يساره
[403]
عليُّ بن أحمد بن عليِّ بن محمد، أبو الحسن بن أبي العباس العنبري المنجم، المعروف بابن دوَّاس القنا.
/188 ب/ من أهل واسط، ومن بيت معروف بها، كان هو وأبوه وأخوه شعراء،
وهم من بيت أدب وفضل.
وكان أبو الحسن يقول شعرًا مقاربًا، ويمدح به الناس، وله يد جيدة في تقويم الكواكب، وكتبة التقاويم؛ قرأ علم الأوائل، وانفرد بمعرفة علم النجوم وتسيرها، وأجاد في ذلك، واشتهر به، وعرف بهذا النوع وإحكامه.
قدم بغداد مرارًا، وقرأ بها على جماعة من أدبائها ومشايخها، وأخذ عنه من أهلها، واستوطنها إلى أن قبر بها في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وستمائة؛ وكانت ولادته سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
أنشدني الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي، بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدنا أبو الحسن علي بن أحمد بن دواس القنا لنفسه في الإجازة ونقلته من خطه؛ وأنشدني عنه ابن الحمامي: [من البسيط]
إنِّي أعالج أقوامًا إذا اختبروا
…
كأنَّ شاب جمال تحتها صور
مقدَّمين فلا أصل ولا حسب
…
ولا نسيم ولا ظلٌّ ولا ثمر
/189 أ/ هم الصدور ولكن لا قلوب لها
…
يا ليت مذ نظروا ما كان لي نظر
من كلِّ صدر متى لاقاه مادحه
…
كانت مواهبه التَّقطيب والضَّجر
[404]
عليُّ بن سعد.
هكذا رأيته.
ناولني القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم الخشاب – أيده الله تعالى – مجلّدة متضمنة أشعار شعراء العصريين بخطوطهم، منهم جماعة امتدحوا السلطان غياث الدين الملك الظاهر – صاحب حلب – فتصفحتها، فعثرت في أثنائها باسم هذا الشاعر على قصيدة من نظمه معنونة "المملوك علي بن سعد"، لا غير.
فسألت القاضي بهاء الدين – أيده الله تعالى – عن شيء من أمر هذا الرجل؛ قال: لا أعرف من حاله شيئًا؛ والقصيدة في الملك الزاهر محيي الدين أبي سليمان داود بن يوسف بن أيوب بن شاذي – صاحب البيرة -: [من البسيط]
فخر الملوك مجير الدِّين داود
…
من ظلُّ جدواه فوق الخلق ممدود
/189 ب/ من الملوك وإن جلُّوا وإن عظموا
…
عند التناسب محسوب ومعدود
ملك غدا فضله في الأرض منتشرًا
…
ومجده فوق أفق الأرض معقود
قف حيث دوحة ذاك الملك زاهرة
…
والسَّيف ذو شطب والرُّمح أملود
والعزُّ أقعس والآمال باسمة
…
وللعفاة ببذل الجود تبديد
فثمَّ أبلج وضَّاح الجبين إلى
…
حديث نائله تعلو الأسانيد
يهزُّ للمدح أعطافًا مكرَّمةً
…
لم يثنها عن بناء المجد تفنيد
متيَّم بالمعالي هائم دنف
…
سكران من نشوات الفضل عربيد
ما بال سيفك لا تنبو مضاربه
…
تراه في عزمك الفتَّاك مقدود
وخيلك الجرد لا تنفكُّ غائرةً
…
كأنَّها المال من كفَّيك والجود
وطيب نشرك لا ينفكُّ ذا أرج
…
كأنَّه المسك والجاديُّ والعود
إنَّ الإمارة إسم أنت مثبته
…
والملك أنت له ركن وتشييد
والفضل لولاك ما قامت دعائمه
…
ولا استقام له ساق ولا جيد
لله أنت فكم قد حزت من شيم
…
بنشرها يستلذُّ الرَّكب والبيد
فضل وعلم وإفضال ومعرفة
…
وهمَّة وندى كفٍّ وتأييد
لا يطَّيبه أقاويل مزخرفة
…
ولا يرنِّحه الوهنانة الرُّود
/190 أ/ وللسرير وللدست المطلِّ به
…
والتَّاج والسَّرج تعظيم وتمجيد
وما سمعنا بملك قبله بشر
…
كفَّاه بحر ندى والقلب جلمود
يهتزُّ تحت وشيج الخطِّ منه فتى
…
في الحرب والسِّلم معروف ومشهود
طلق النَّقيبة في النَّادي لآمله
…
وفي الكريهة مقدام وصنديد
حوض وروض لجانيه ووارده
…
فالحوض والرَّوض مروود ومورود
يقول للوفد والطرَّاق نائله
…
هذا الغنيُّ متى ما شئتم عودوا
كأنَّما نغمات السَّائلين إذا
…
طافوا بأبوابه لحن وتغريد
زها به الملك وانقادت شكائمه
…
إليه فهو إلى الأملاك محسود
أفتى وأفتك في يومي ندى ووغى
…
لأنت ذاك على الحالين محمود
نثني عليك وتأتينا عوائدك الحسنى فأنت لنا قصد ومقصود
قد أسعد الله أرضًا أنت مالكها
…
وعصرها بك يا داود مودود
ربوعها بندى كفَّيك مرتبع
…
وكلَّ يوم لأهليها بها عيد
باتت إليك أمانينا وأنفسنا
…
كثيرة الشَّوق والمهريَّة القود
كالأرض تشتاق هطَّال السَّحاب إذا
…
ما صوَّح النبت يومًا أو ذوى العود
لا زال كفُّك للقصَّاد منتجعًا
…
تبيضُّ من جوده آمالنا السُّود
[405]
/190 ب/ علي بن أحمد بن فشتال، أبو الحسن الكاتب.
الفاضل الأديب.
أخبرني شيخ الشيوخ؛ قال: أظُّنه من أهل الأندلس، رأيته بمراكش. وكان معطلًا عن العمل حاليًا بفضائله، وإن كان في العطل.
وله رسائل حسنة، وألفاظ بديعة معتبرة؛ وكان يميل في رسائله وشعره، إلى طريقة أهل المشرق، وحصل من عندي كثيرًا من ترسل القاضي الفاضل، والعماد الكاتب وغيرهما – رحمهم الله.
وكتب إلى بإحسان تجدد لي من السيد أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن، وهو تمليك بستان بناحية أغمات، وتقدّم إلى بقضاء حوائج الغرباء والعود عنده:
[من الطويل]
رأيت بعيني اليوم في صحف المنى
…
لمجدك ما تعطي من الحظِّ في غد
فصرت أمنِّي النَّفس تجديد ما عفى
…
من العزِّ لي في عزِّك المتجدِّد
[406]
عليُّ بن عبد الرحمن /191 أ/ بن أحمد بن عليٍّ، أبو الحسن المراكشيُّ.
متفقه على مذهب مالك بن أنس – رضي الله عنه – نزيل بغداد. أنشدني وجيه الدين الإسكندري؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه ويعرف بالكرديِّ والغّزي أيضًا:
[من الطويل]
خلعت عذاري في الحبيب تطرُّفًا
…
على أنَّني من أخلع النَّاس في الخلع
وما [ذاك] في التَّحقيق مني تطبُّعًا
…
بلى هو في أصل الجبلَّة بالطبع
فمن رام من قلبي سلوا فإنَّما
…
يكلِّفني بالجهل ما ليس في وسعي
يقولون لا تهواه هلَاّ سلوته
…
وهذا إذا حقَّقته فاسد الوضع
وهل شاهدت عيناي إلَّا جماله
…
دنا أو نأى في حالة الفرق والجمع
فمحبوب قلبي ما تعلَّلت باسمه
…
ولا وقع للعذَّال في القلب والسَّمع
فلست مطيع العذل ..... .....
…
لقتلي إمام العدل بالسَّيف والنَّطع
فإن قيل مجنون وقيل مموِّه
…
وأكثرت الأقوال بالظَّنِّ والقطع
فعرضي مبذول ومالي مبذَّر
…
وقتلي وختلي مستباحان في شرعي
[407]
عليُّ بن يحيى بن المبارك بن عليِّ بن الحسين بن بندار، أبو المحاسن المخرّميُّ.
/191 ب/ [قال][من الطويل]
ويوم دجوجيٍّ له الصَّقع غيهب
…
ولمع الظُّبى برق وسمر القنا شهب
كشفت بسيفي ما دجا من خطوبه
…
وإني بذاك اليوم مستهتر صبُّ
وما زلت كشَّافًا لكلِّ ملمَّة
…
رحى الحرب إن دات فإنِّي لها قطب
حبيبًا لدى الأقوام ليثًا لدى الوغى
…
ويعظم شأني كلَّما عظم الخطب
فسيفي لا يهوى سوى لمم العدا
…
ويعظم شأني كلّما عظم الخطب
وأنشدني المجد النشابيّ عنه ببغداد: [من الطويل]
يقول فتى الفتيان بشر بن خازم
…
مقالًا له في كلِّ صادقة نطق
وكيل لقينا العين في العين للعدا
…
فطرنا لحرب قبل أن يسفر الشَّرق
فأطلعت المرَّان فينا كواكبًا
…
بخرصانها والبيض ضاء لها برق
وأبدى بريق السابغات على الدِّما
…
شعاعًا كما يبدي لنا الشَّفق الأفق
وإنَّا لنهدي بالسُّيوف إلى العدا
…
فما ضلَّ هادينا ولم تبهم الطُّرق
إلى أن بدا خيط الصَّباح كأنَّه
…
على حالك من فرع غيهبها فرق
فيا لك من ليل فتت ظلامه
…
برتق علًا ما بعد رتقي لها خرق
وكم كربة كشَّفتها وملمَّة
…
لعزمي عليها حين فرَّجتها حقُّ
بوجه حييٍّ في النَّوال وإنَّه
…
وقاح لدى يوم الوغى وليس السَّبق
/192 أ/ ولي صارم مغرى بحز غلاصم
…
الأعادي وكلٌّ بالنوال لها عبق
ومن عجب أنِّي أسرت بنائلي
…
عفاة لهم من أسر إعدامهم عتق
أكذِّب ظنِّي في الوعيد وعنده
…
وعود لها في ظنِّ إنجازها صدق
وفخري بإنعام الخليفة إنَّه
…
ندى عاش فيه الخلق واتَّسع الرِّزق
وله: [من البسيط]
وربَّ فتيان صدق طاب ذكرهم
…
نادمتهم ونجوم الأفق لم تغب
وشمسنا من سماء الكأس واجبة
…
فينا وسورتها بالسُّكر لم تجب
يحدو بها مسمع في شدوه طرب
…
يرنِّح الشَّرب مغنى ذلك الطَّرب
وبيننا من أحاديث منمَّقة
…
نظم من الشِّعر أو نثر من الخطب
حتى دعا للوغى داع فخلتهم
…
نارًا تضرَّم أو جندًا من الغضب
وعادت الرَّاح محمر النَّجيع وما
…
الكاسات غير الدُّرينَّيات والعضب
والضَّرب بالعود ضرب العود راسله
…
حسام قرب له بعد عن القرب
إذا سقوا فارس الهيجاء كأسهم
…
في الحرب سابقت اللَّبات للَّبب
لهم سماء من النَّقع المثار به
…
من الأسنَّة لمع الأنجم الشُّهب
إذ السُّيوف بروق والصَّيهل بها
…
رغد ووقع مطار النَّبل كالسُّحب
/192 ب/ كأنَّما خلقوا دنيا لحربهم
…
فأيقنوا أنَّها الدُّنيا بلا كذب
خطُّوا على كلِّ درع نقط خطِّهم
…
في شكل بيضهم نقلًا من الكتب
(بيض الصَّفائح لا سود الصَّحائف في
…
متونهنَّ جلاء الشَّكَّ والرِّيب)
قالوا وقد سئلوا الأنساب بينهم
…
جود الخليفة فينا أفضل النَّسب
وله: [من المتقارب]
لأنعامنا بالمدى إلفة
…
كما يألف النَّاظران الشَّهر
تسيل المذاكي على حدِّها
…
فما تراهنَّ إلَّا حمر
ترى العرف في ذبحها للضيوف وفي تركها للبقاء البكر
وجرد أعدَّت ليوم الجلاد عواري للسمع قبُّ شزر
صيام يلكن حديد اللِّجام
…
وأسيافنا في الدِّماء الغدر
ولا نألف البيض بيض الخدور
…
ولا السُّمر إلَّا عوالي السُّمر
[408]
عليُّ بن يوسف بن نصر بن فتيان، أبو الحسن البصريُّ.
تفقه على مذهب الإمام الشافعي؛ ولديه فضل وأدب ويقول الأشعار /193 أ/ الحسان.
خرج عن البصرة، متوجهًا إلى البلاد الشامية، ونزل دمشق، وقصد بها الملوك وغيرهم من الأمراء يمتدحهم بشعره، وهو مقيم بها.
أنشدني الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف الفرّبالي اللخمي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن يوسف البصري لنفسه بدمشق – خارجها بسفح جبل قاسيون – في شهر شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة: [من الطويل]
يلومك في الظَّبي الظَّليم ظلوم
…
سليم من البلوى وأنت سليم
ويلحاك قوم في الغرام بأحور
…
كريم وما يلحاك فيه كريم
أفي خدِّه أم خاله أم عذاره
…
تلام وفي كلٍّ ملامك لوم
غزال له من مقلتيه صوارم
…
لها من قلوب العاشقين كلوم
وقالوا أتهوى أعرجًا يحمل العصا
…
وذلك شين في الحبيب ذميم
فقلت لهم قد كان موسى بكفِّه
…
عصا قبل من أهواه وهو كليم
كما وجهه في الحسن فرد وقدُّه
…
كذا ساقه فرد أخوه عديم
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب]
يزورك من أنت لا تعشق
…
وطيف حبيبك لا يطرق
/193 ب/ فيا من بدا فتنةً للورى
…
إذا ما بدا وجهه المشرق
تركت ازدياري خوف العدا
…
فطيفك باللَّيل ما يفرق
إذا غاب شخصك عن جلِّق
…
فبعدك لا مطرت جلِّق
وأنشدني له أيضًا: [من البسيط]
أهوى الغزال الَّذي ما زال مرتعه
…
واد تضوَّع بالقيصوم والشِّيح
إنَّ الخمائل أمسى نشرها أرجًا
…
من طيب ريَّاك من نسمة الرِّيح
هلَاّ كففت سهامًا أنت مرسلها
…
فالقوم ما بين مقتول ومجروح
أهواك حتَّى إذا لم تبق لي جسدًا
…
أسكنت حبَّك ما أبقيت من روحي
قد وفَّر الله حظِّي في هواك كما
…
في الحسن حظُّك أضحى غير مرجوح
منائح الله يؤتيها خلائقه
…
والنَّاس ما بين مجروح وممنوح
وأنشدني له أيضًا: [من الكامل]
إمَّا مررت على النَّقا وكناسه
…
فخذ الأمان من الظِّباء لناسه
فلربَّ ربِّ نهى بها فتكت به
…
تلك الجاذر لم يحفن لباسه
من كلِّ أحور ما رنا إلَاّ رمى
…
قتلًا فقل دفاعه نبراسه
رشأ تشين الشَّمس غرَّة وجهه
…
وتفوق جنح اللَّيل طرَّة رأسه
/194 أ/ وأنشدني له أيضًا: [من السريع]
فديت مولى لم يزل سابقًا
…
فضلًا دنا مملوكه أو قصا
ذا أدب لمَّا أتى طرسه
…
أطاعني من كان قدمًا عصى
فها أنا في الشام عيسى الَّذي
…
أرسل من بعد نبيِّ العصا
أنشر ذا الرَّمس بألفاظه
…
وأبرئ الأكمه والأبرصا
لا زلت فخر الدِّين في نعمة
…
تنمو وسعد لا يرى ناقصا
[409]
عليُّ بن خمير، أبو الحسن السبتيُّ.
كان فقيهًا مالكيًا، شاعرًا مفلقًا، أصوليًا عالمًا، أديبًا لغويًا؛ توفي سنة أربع عشرة وستمائة.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الواحد الأوسي السبتي بحلب المحروسة؛ قال: أنشدني الشيخ أبو الحسن علي بن خمير لنفسه:
[من الطويل]
إذا شئت أن تبكي فريدًا من الهوى
…
فتندبه بعد النَّبيَّ المكرَّم
فحامل علم عالم متورِّع
…
حرص على التَّحريض للمتعلِّم
/194 ب/ وحاكم عدل بالشَّريعة قائم
…
يقول بحكم الله لا بالتحكُّم
وصاحب مال فاضل متفضِّل
…
يجود به حقًا على كلِّ معدم
وساهر ليل شافع متشفِّع
…
بكلِّ نؤوم شابع متبشِّم
وصاحب سيف للعدوِّ مرابط
…
يسدُّ به في كلّ ثغر مثلَّم
هم خمسة يبكون حقًا وغيرهم
…
إلى حيث ألقت حملها أمٌّ قشعم
[410]
عليُّ بن محمد بن داود بن الناصر، أبو الحسن بن أبي جعفر الحسنيُّ.
من أهل حلب، ومن شرفائها المميزين؛ وكان فاضلًا قارئًا للقرآن العزيز، وأخذ طرفًا من العربية، ونظر في الأدب، وصار له معرفة حسنة.
وقال شعرًا متوسطًا، وكانت بينه وبين الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الجبار القيرواني الكاتب المعروف بابن الزيات، مكاتبة بالأشعار ومجاوبة.
أخبرني الصاحب مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن القفطي – أسعده الله
تعالى – قال: توفي أبو الحسن علي بن محمد بن الناصر في آخر شهر رمضان سنة /195 أ/ ست عشرة وستمائة بحلب.
أنشدني من شعره نجم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن سراج الحلبي – أسعده الله تعالى – بحلب؛ قال: أنشدني الشريف أبو الحسين علي بن محمد بن داود بن الناصر لنفسه، يمدح الملك الظاهر – صاحب قلعة حلب – في سنة إحدى عشرة وستمائة:[من الكامل]
سائل حداة الرَّكب أني يمَّموا
…
هل أنجدوا بفؤاده أو اتهموا؟
وابلغ تحيَّته الفنيق وقل سقى
…
مغناك من وطف السَّحاب المرزم
طلل أسمت بروضه سرح الصِّبا
…
ورتعت فيه لاهيًا لا أسأم
أيام لا العذَّال تملك سلوتي
…
فيها ولا يثني هواي اللُّوَّم
ما نافعي أنِّي أكتِّم حبَّها
…
خوف العواذل والضَّنى يتكلَّم
وإذا الظَّلوم رعيت عهد وداده
…
في الحبِّ إنَّك منه فيه لأظلم
فخرت به الهيف القدود كما زها
…
الأملاك قاطبة بأنَّك منهم
ولأنت أفخرهم إذا انتسبوا أبًا
…
وأجلُّهم نعمى إذا ما أنعموا
فخرًا غياث الدين يا أندى الورى
…
كفًا وأشجعهم إذا ما استسلموا
وافى أخيرًا عصره وأتى بما
…
لم يأته من عصره المتقدِّم
من منَّة مشهورة وصنيعة
…
مأثورة ويد تعول وتنعم
/195 ب/ بيمينه هيفاء يرهب نفثها
…
الجاني فتلك يراعة أم أرقم؟
في السِّلم يقطر من أنامله اللُّهى
…
والحرب يقطر من أنامله الدَّم
ومنها:
جاء الشِّتاء فليس عندي درهم
…
وبمثل ذلك قد يصاب المسلم
وتجلبب النَّاس الخزوز وغيرها
…
وكأنَّني بفناء مكَّة محرم
لا يغرر الرَّائي رداء مونق
…
كلَّا ولا ثوب قشيب معلم
فمن الغياث قديمه وحديثه
…
وهو الَّذي يولي الجميل وينعم
فتهنَّ بالشَّهر الأصمِّ ممتَّعًا
…
بالملك ما لبَّى بمكَّة محرم
وأنشدني الصاحب مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم؛ قال: أنشدني الشريف لنفسه: [من الكامل]
ومهفهف ثمل الشَّمائل زارني
…
فوشى عليه جماله والطِّيب
فمتى أسر بوصل من أحببته
…
وعليه منه مع الرَّقيب رقيب
[411]
عليُّ بن أحمد بن محمد، أبو الحسن /196 أ/ الأشبيليُّ المعروف بالقسطار.
من أهل الحديث والقرآن، وله نظم. أقام بدمشق مدّة يسمع الحديث على مشائخها.
أنشدني الشيخ تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد القرطبي الدمشقي، بها سنة أربعين وستمائة؛ قال أنشدني القسطار لنفسه:[من الطويل]
سقاني ولم يشرب وذاك تأدُّبًا
…
وأقسم أنِّي قبله سوف أشرب
فما اسطعت إلَاّ أن أبرَّ يمينه
…
وكنت لعمر الله في السُّوء أرغب
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد سئل عن شوقه للأهل كيف هو؟ :
[من البسيط]
يا سائلي كيف شوقي الأهل والوطنا
…
هيَّجت والله لي ما كان قد سكنا
كيف اشتياق غريب الدَّار منقطع
…
عشرين عامًا يقاسي غربة وضنى
شوقي إليهم شديد لا انفصام له
…
والقلب ذو حرق مذ فارق السَّكنا
وأنشدني أيضًا؛ قال: أنشدني لنفسه، وكان يومًا عند شيخه خزعل بن عسكر النحوي؛ وسأله أبو موسى عيسى بن سليمان الرعيني أن يجيزه، فوعده الشيخ بذلك فقال:[من الكامل]
/196 ب/ جرت العوائد إذ يجاز محدِّث
…
بحضور آخر لم يجز يتغبَّن
وعوائد المولى التقيِّ بفضله
…
جبر القلوب وجبر قلبي هيِّن
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد ذهب بابنه كرهًا إلى جدّته وهو يقول له: دعني عندك اليوم وغدًا وابعثني إليهم؛ فقال: [من الكامل]
لهفي على الولد العزيز وقد غدا
…
كرهًا يفارقني إلى بيت العدا
ويقول: يا مولاي تسلمني إلى
…
من ليس يرحمني، ويوردني الرَّدى!
مولاي دعني عندكم متنعِّمًا
…
يومي وينتقمون مني هم غدا
مولاي كيف تسرُّ وابنك موثق
…
في أسر باغيه عليه تمرَّدا؟
فأجبته والدَّمع منهمل على
…
خدٍّ نحيل أصفر: نفسي الفدا
نفسي فداؤك من أذى جرِّعته
…
طفلًا فساعدك الإله وأسعدا
[412]
عليُّ بن عبد الرحمن بن عثمان بن الحسن بن عبلة بن الرفاعيِّ، أبو الحسن.
/197 أ/ كانت ولادته – بقرية من سواد واسط، تدعى أم عبيدة – في سنة ثمانين وخمسمائة، وتوفي بها ظهر يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وستمائة، وقبره بها يزار – رحمه الله تعالى -.
كان شيخ وقته زهدًا وحالًا؛ فقيهًا شافعي المذهب، واعظًا كبير البيت، عارفًا بتفسير القرآن والحديث النبوي، وله جماعة كثيرة من المريدين والأتباع، ينتمون إليه، ويقصدونه من كلّ مكان، وأهل السواد يقبلون عليه ويعتقدون فيه اعتقادًا عظيمًا، وذكره مشهور في البلاد سيَّار في الأقطار.
أنشدني القاضي أبو العباس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن سابور الهمامي، بالهرب من الأعمال الواسطية في شهر شعبان سنة تسع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن عبد الرحيم بن الرفاعي لنفسه: [من الطويل]
أتيناكم مستغفرين لأنَّنا
…
عرفناكم بالصفح عن كلِّ معتدي
وطفنا بناديكم وقلنا ترابه
…
ذرور به نعتاض عن كلِّ إثمد
بحرمة أيَّام الوصال الَّتي مضت
…
وما شاب صافيها كلام مفنِّد
/197 ب/ أقيلوني الذنب الَّذي قد أتيته
…
ولا تشمتوا بي قلب واش وحسَّد
وله عند قصده باب الشيخ منصور بن الرفاعي – رضي الله عنهما: [من الكامل]
وفد الوفود إلى جنابك كلُّهم
…
سألوا الشَّفاعة منك في الزَّلَّات
فتيقَّنوا أنَّ الإله بفضله
…
منح القبول ومنَّ بالطَّاعات
فأنزل فديتك في ذراه فإنَّه
…
أهل العطاء ومعدن الخيرات
وأبشر وجدَّ بقصده ومزاره
…
وانعم بقرب منه في الجنَّات
وله: [من الطويل]
ولو بذل الدَّلَاّل وصلك يافعًا
…
لقمت إليه راغبًا ومبادرا
وقبَّضته روحي وقلبي وقالبي
…
وأيقنت أنِّي لست في ذاك خاسرا
وأنشدني صدر الدين أبو القاسم بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عثمان الرفاعي؛ قال: سمعت الشيخ العالم ينشد هذه الأبيات لنفسه؛ قالها في مطرب كان بين يديه: [من البسيط]
هذا الجمال عليٌّ في جماعته
…
كصنو بدر تجلَّى في ملاحته
/198 أ/ ترنو إليه عيون النَّاس ناظرةً
…
شوقًا إلى وجهه من طيب نغمته
يئنُّ كلُّ حسود من تحسُّره
…
على زمان مضى من قرب دكَّته
[413]
عليُّ بن محمَّد بن إبراهيم بن محمَّد المدنتانيُّ.
ومدنتان قرية من قرى بعلبك.
أبو الحسن الكاتب المدعو بالتقيّ، كاتب الملك الأمجد؛ كان عنده أدب وفضل
شاعر؛ ومن مختار شعره قوله يمدح الملك المنصور محمد – صاحب حمأة – وذلك في سنة سبع وتسعين وخمسمائة من قصيدة أوّلها: [من البسيط]
نومي لهجر ظباء الجزع مهجور
…
والغمض يوم حضور البين محظور
كيف اصطباري ونار الشَّوق تضرم في
…
قلبي وخدِّي بماء الدَّمع ممطور
فمن لصبٍّ غريق بالدُّموع له
…
جسم حشاه بجمر الوجد مسجور
يشوقه بارق الجرعاء منبسطًا
…
له على النَّور من روض الحمى نور
كأنَّه حين يبدو من غمامته
…
مهنَّد لامع المتنين مشهور
ما البان مذبان سكَّان العقيق بمأنوس وقد عتبت أقماره العير
/198 ب/ ومنها في المدح:
أيَّام أنصر فيها بالوصال كما
…
الإسلام بالملك المنصور منصور
سلطان حلم وبأس دنت أعبده
…
وقرن هيجاء معفور ومعفور
كم في قلوب العدا كلم لخيفته
…
لكنه بسنان الرُّمح مسبور
لا غرو أنَّ فرَّق الأعدا بسطوته
…
وهم فريقان محصود ومحصور
بدر كواعبه الخرصان راجمةً
…
إذا دجا من عجاج الحرب ديجور
ملك هو البحر مرجى ما سجا فإذا
…
ما هاج موج ظباه فهو محذور
يجري على الناس من إنعامه نعمًا
…
تترى وتجري بما تهوى المقادير
وفوده نحوه أنضت مراكبها
…
حتى شكاها إليه السَّرج والكور
مؤزَّر ببرود الحمد مشثتمل
…
متوَّج بوقار الملك محبور
[414]
علي بن سعيد بن حمامة، أبو الحسن الصنهاجي التلكاني.
من أهل المغرب؛ كان شيخًا فيه فضل وأدب، وله معرفة بعلم العروض والقوافي، وعناية بتأليف الأشعار، وجمعها وترتيبها، ويلزم نفسه /199 أ/ ذلك.
نزل حماة، وانقطع إلى لسانها الملك المظفر تقيّ الدين أبي المناقب عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي – رحمه الله.
وجمع باسمه كتابًا سمّاه "نفائس الأعلاق في مآثر العشاق" وعمله مبوّبًا، عشرين بابًا، أودع فيه من بدائع الحكايات، ونوادر الأشعار.
وظفرت له بكتاب آخر، لقبه بـ "زناد المقتبس في ملح أهل الأندلس"، ..... الأشعار التي ضمنها الكتاب على حروف المعجم، ولم يأت فيه بغريب من الشعر.
وكان شاعرًا مكثرًا من النظم، وعمل الموشحات، قادرًا على إنشائه وارتجاله، يصنع منه ما شاء في ساعة واحدة بغير فكرة ولا رويّة.
وفد إلى البلاد الشامية، في أيام الملك العادل نور الدين أبي القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر – رحمه الله – فامتدحه بقصائد شتى، ومدح بعده الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب – رحمه الله – بعدة قصائد.
وبلغني أنَّه أدرك أوائل المائة السابعة – والله أعلم – كذا أخبرني بذلك الوزير الصاحب القاضي الأكرم أبو الحسن علي /199 ب/ بن يوسف بن إبراهيم القفطي – أسعده الله – بحلب.
أنشدني أبو الحسن علي بن فيّاض بن علي المغربي الحلبي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن سعيد بن حمامة الصنهاجي التلكاني لنفسه – وقد رأى فاختة على شجرة نارنج وهي تغرّد: [من الطويل]
ولابسة ثوبًا من الرِّيش أدكنا
…
تروقك مرأى في الغصون ومسكنا
بنت في أعالي الدَّوح وكرًا محصَّنًا
…
تفيَّأ أوراقًا لدانا وأغصنا
أرتنا بأفنان الأراكة قيصرا
…
وقد حلَّ أعلى قبَّة الملك والسَّنا
وأنسك ألحانًا وسجع مخارق
…
إذا مسَّ أوتارًا وغرَّد معلنا
بكت طربًا لمَّا بكيت صبابةً
…
وكم بين مسرور ومن يشتكي الضَّنا
ومن شعره أيضًا أول قصيدة: [من البسيط]
غنَّى الحمام على أغصانه طربا
…
فلم يدع مهجةً إلَّا التظت لهبا
هاجت لي الشَّوق في الأغصان صارخةً
…
لا تعرف الوجد والأشواق والوصبا
ما إن رأيت جهولًا قبل رؤيتها
…
أصبى الحليم إلى أن بات مكتئبا
تبكي وما فارقت إلفًا ولا وطنا
…
فكيف من فارق الألَاّف مغتربا
/200 أ/ يا قاتل الله صدَّاح الخمام إلى
…
كم يألف النَّوح في أغصانه طربا
هاج الصَّبابة من أعنان كاظمة
…
حتى استهلَّت علينا باللِّوى سحبا
ومن شعره أيضًا في كتابه المسمّى بـ"النفائس الأعلاق": [من الكامل]
باتا بأنعم عيشة حتَّى بدا
…
صبح تألَّق كالأغرِّ الأشقر
فتلازما عند الصَّباح صبابة
…
(أخذ الغريم بفضل ذيل المعسر)
[415]
عليُّ بن المعمّر بن أبي القاسم، أبو الحسن الواسطيُّ.
كان قارئًا حسنًا، محدّثًا شاعرًا؛ قرأ القرآن بواسط، وسمع الحديث الكثير؛ وعنده دراية بالنحو واللغة.
قدم بغداد واستوطنها، إلى أن توفّي بها يوم السبت ثاني شهر رمضان سنة تسع وستمائة، ودفن غربيها، عند قبر معروف الزاهد – رضي الله عنه.
أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي – رحمه الله – قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه، في شيخه ابن الجوزي، وقد أصابت /200 ب/ النار بعض جوارحه:
[من المنسرح]
ما مسَّت النَّار منك جارحةً
…
ذات خصال يهي معدِّدها
إلَّا لقول الإله ما أحد
…
من البرايا إلا سيوردها
فعجَّلت كي يكون في النَّشأة الأخرى سليمًا ممَّا ينكِّدها
وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من السريع]
يا أحسن العالم وجهًا ويا
…
من هو فينا فتنة الكلِّ
إن كان يرضيك دمي في الهوى
…
فأنت من قتلي في حلِّ
سلبتني عقلي وقد لذَّ لي
…
أنِّي أهواك بلا عقل
لأنَّ مجنونك يا متلفي
…
يسلم من لوم ومن عذل
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من السريع]
عيناك لي أفلَّ من صارم
…
أرهفه القين على عمده
لأنها تقطع في غمدها
…
والسَّيف لا يقطع في غمده
وقال أيضًا: [من البسيط]
يا نهر عيسى إلى عيسى نسبت وما
…
نسبت إلَّا بتحقيق وإيضاح
فإنَّما بك إحياء القلوب كما
…
عيسى المسيح به إحياء أرواح
[416]
عليُّ بن شمَّاس بن هبّة الله /201 أ/ بن إبراهيم بن شماس.
وقد تقدّم شعر ولده.
أبو الحسن بن أبي الفضل الإربلي، المولد والمنشأ، الوزير.
كتب في ديوان الإنشاء بإربل للملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين؛ ثم استوزره بعد قبضه على وزيره ولي الدين أبي الثناء محمود بن محمّد بن مقداد بن فارس الحرّاني. وتمكن لديه، وحكم في دولته، ونال عنده مرتبة رفيعة، لم ينلها أحد قبله ولا بعده.
ثم جرت له نبوة فسجنه بقلعة هرور من أعمال إربل؛ ومات بها محبوسًا يوم الاثنين خامس عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائة؛ وكانت ولادته في ثامن عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وخمسمائة – رحمه الله تعالى -.
وكان من محاسن زمانه، وظرفاء الدّهر وأعيانه؛ لطيفًا جليلًا عاقلًا حصيفًا؛ يرجع إلى فضل وذكاء وكفاية ودهاء بصيرًا بالأمور السلطانية، ذا رأي ثاقب، وحزم شديد، تاركًا للتكلف؛ يكره الحشمة والرئاسة، ويتبسط مع الأصدقاء والأصحاب، ويظهر البشر والبشاشة بينهم، ويتعصب للغرباء /201 ب/ وأهل الأدب والشعر.
أنشدني الصاحب الوزير أبي البركات المستوفي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن شماس الوزير لنفسه في محبوس: [من الكامل]
لا يشمت الحسّاد حبسك إنَّه
…
شرف يتيه يمثله الأشراف
ثكلتهم أمُّ العلاء أما دروا
…
مأوى نفيس الجوهر الأصداف
لو كان ينصفك الزَّمان كفاك ما
…
يجني ولكن فاتك الإنصاف
وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل]
يا من يسامرني بعجمة لفظه
…
فإخال سحبانًا بها متكلِّما
فأظلُّ مكتئبًا بنطق صامت
…
يا قاتل الله الفصيح الأعجما
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل]
هل ناصر قد عزَّت الأعوان
…
أم راحم قد لجَّ بي العدوان
أم حامل ضيمي وتلك بوارق الطَّمع الكذوب سحابها لمعان
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه من قطعة: [وكتب بها إلى الأمير عزّ الدين الدين محمد .. بدر
…
الكردي يعاتبه من الحبس، وكان .... أولها:[من الطويل]
متى ينقضي ..... .....
…
..... ..... وجروح
.. أضرَّ بها النوى
…
وتوقى دموع جفنهنَّ قريح
…
.. ..... .....
…
..... ...... ..... تنوح]
وتجمعنا دار نعمنا بظلِّها
…
ونغدو على جيراننا ونروح
ونهجر أوطان البلى ومنازلًا
…
غبوقي أحزان بها وصبوح
/202 أ/ ونعدم أثقال القيود وتذهب الجروح بأقدام لنا وقروح
ونأمن روعات الحبوس وينجلي
…
شحوب على حرِّ الوجوه يلوح
وينشر مطويُّ الأحاديث بيننا
…
ونلقي عصا أحزاننا ونريح
ويعتذر الجافي إلينا ويصبح
…
السَّقيم من الأحوال وهو صحيح
إلى الله يشكو قسوة الدَّهر عاجز
…
ذليل على فرش الهوان طريح
قرارة أحداث اللَّيالي وملتقى
…
جيوش الرَّزايا سانح وبريح
ومجتمع الأحزان فلُّ مصائب
…
صريع بسيف النَّائبات جريح
سهام المنايا تنتحيه نصالها
…
ومسلك أقوال الوشاة فسيح
يضجُّ ضجيج النِّيب نهب سقامها
…
وأعوزها ورد وعزَّ نصوح
وأصبح إلبًا لا يرجَّى ونفعه
…
إذا سيم حمل المكرمات طليح
إلا مبلغ عنِّي ابن بدر رسالة
…
لها نفحات بالعتاب تفوح
إذا تليت آياتها في محافل
…
تيمَّمه اللَّوم الممضُّ صريح
أصاخ إلى قول الوشاة وبينها
…
وصدق أحاديث مهامه فيح
إلى خالق الخلق المصير ويقبل الصحيح إذا ضمَّ الجميع ضريح
[وقال يصف طبيبًا: [من السريع]
يا من غدا بقراط مع علمه
…
عبدًا له في صنعة الطِّب
ومن به راحت نفوس الورى
…
في دعة آمنة السِّرب
ومن إذا شاهده ..... .....
…
..... ..... ...... الكرب]
[417]
/202 ب/ عليُّ بن ظافر بن الحسين، أبو الحسن بن أبي المنصور الأزديُّ.
من أهل الديار المصرية.
كان والده فقيهًا مالكيًا، إمامًا في الفقه والأصول؛ له حلقة يختلف إليه جماعة من المستفيدين، يقرأون عليه العلم.
وكان ابنه هذا رجلًا نبيهًا جليلًا، ذا فضائل وافرة، وبلاغة متظاهرة، ومكان جيد من صناعتي النظم والنثر؛ وله اليد الطولى في فن الأدب، مع أخذه بحظٍّ من مذهب مالك، وقيامه معلم الأصول والإطلاع على أخبار النّاس وأيامهم، وأمثال العرب وأشعارهم.
وصنّف عدّة كتب، تعرب عن فضله، وتنبئ عن فهمه؛ منها "كتاب الشجعان"، وكتاب "أساس السياسة"، وكتاب "الدول المنقطعة"، وكتاب "بدائع البدائة".
وترقت به الحال، إلى أن استوزره الملك الأشرف أبو الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب، على حرّان وأعمالها؛ فبقي يتولاها مدّة يظهر على أهلها الحماقة الزائدة /203 أ/ عن الحدِّ والصلف؛ واستطال عليهم بالسفه والكلام الشنيع، ولم تحمد سيرته عندهم، فأبلغ الملك الأشرف ما كان يعامل به الناس، صرفه عن الولاية، فانتقل إلى مصر، فتوفّي بها في سنة ثلاث عشرة وستمائة.
وكان تيَّاهًا معجبًا بنفسه على من يخاطبه، شرس الأخلاق، تعتريه علّة سوداوية؛ وقفت على قطع وافرة من أشعاره، رواها عنه نجيب الدين بن شقيشقة.
أنشدني نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ بن أبي طالب الصفار الشيباني الدمشقي بها في المحرم سنة أربعين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن أبي المنصور ظافر بن الحسين الأزدي المصري الكاتب لنفسه يذم الدنيا، ويذكر أغراضًا له:[من المنسرح]
مقتُّ هذا الزَّمان بعد مقه
…
قد يبغض المرء بعض ما عشقه
تبًا لهذي الدُّنيا فما رؤيت
…
إلا بحبل الجهَّال معتلقه
عقيرة حولها الكلاب فقد
…
وافق شن من أهلها طبقه
أين رجال الدُّنيا وساستها
…
ذلك جيل أفناه من خلقه
قد سبقوني موتًا فلا بد للمسبوق أن يلحق الَّذي سبقه
/203 ب/ وخلَّفوني بالكره في خلف
…
أجرع من سوء فعلهم رنقه
زعنفة تسكن الحوانيت ما
…
زالت إليها للكسب منطلقه
وباعة تجمع الحرام وما
…
من غير أديانها لها نفقه
حتَّى إذا ما لمنصب وليت
…
أضحت بسحت البرطيل مرتفقه
لو راهنوني في أنَّهم بقر
…
يومًا لأضحت رهانهم علقه
أو حلَّ ما بينهم هبنَّقة
…
لكان أغنى حجاهم حمقه
ما في كتاب الأوراق أجمعه
…
مثل أحاديثهم ولا الورقه
وزاده الملك ما التِّجارة من
…
آلاتها يا طغام يا فسقه
أين السِّياسات للمالك من
…
سمُّورة تشترى ومن وشقه
صونوا السوء بالأمر كم رفعت
…
ولا تكونوا لها من العققه
فربَّ ..... الكفّ فاتله حبلًا
…
بما أبرمته مختنقه
كم ذنب صار من جهالته
…
رأسًا ففكُّوا من رأسه عنقه
وكم وضيع علا فحطَّ وقد
…
أضحت قلوب الورى به حنقه
لولا تعاليه في سفالته
…
ما حرموه الحنوَّ والشَّفقة
يا ليت ضبَّ الفلاة يسلم من
…
محترش وهو ساكن نفقه
/212 أ/ أنت كالنَّجم بينهم وهم كاللَّيل يعلو ركامه غسقه
يخشونني كالحمير عاينت الليث فظلَّت مرهوبة فرقه
فهم يظنُّون [أنَّ] الأرض مائدةً
…
من رعبهم والسماء منطبقه
كذاك من يمتطي المناصب لا
…
من أهلها لم تزل به قلقه
ومن رقى شاهقًا ولم يعتد المشي فلا يأمن به زلقه
كم مقرف رام رائعًا فكبا
…
وانشقَّ بهرًا ولم ينل طلقه
ما شاء يهوى خَلقًا ولا خُلقًا
…
إلا كما شابه الرّصاص رقه
فلي لسان بالعلم منطلق
…
إلى يد بالعطاء مندفقه
ولي كلام كالدُّر لو ظفر الدُّرُّ به وقت غفلة سرقه
معنى القنا خذ وخلِّ صورته
…
فكم أتتنا من دودة سرقه
كم ذا تراني أجدُّ منتحيًا
…
رتق أمور تجيء منفتقه
رقَّعتها مثلما يرقع بالدِّيباج خرق العباءة الخلقه
في فقراء من كلِّ تجربة
…
وقفت عقلي عليهم صدقه
وباذل الودِّ مثل .....
…
وممحض الحبِّ مثل من مذقه
/212 ب/ أخفى وفضلي في الأرض مشتهر
…
هل يجهل المسك ناشق عبقه
خلِّ بلادًا عليمها مثل ذي الجهل وموثوقها كغير ثقه
للحرِّ في الأرض أيُّ مرتبع
…
إن شوك دوح عنه حمى ورقه
وإنَّ في صوله الصَّواعق تكدَّ
…
سقيا السَّحائب الغدقه
ودن بيأس من رفد مرتزق
…
مثلك عبد وارج الَّذي رزقه
واقدم على الهون غير مرتدع
…
فإنَّ من رام مطلبًا لحقه
ولا يروعنك قولهم بطل
…
حيَّة واد فأصله علقه
وما توقى الشجاع ناقصه خمرة
…
قد كان يحمل الدَّرقه
أن لا يراكن خالقها من
…
خلف أهداب جفنها الحدقه
وقلَّ ما تنفع امرءًا عدد الحرب إذا صرف دهره طرقه
لم تنفع القارة الرَّقاء وقد
…
كادهم دهرهم ولا الحرقه
ولا تحامي المطَّيِّبين لأجل الحلف صرف الرَّدى ولا اللَّعقة
أودى بسعد من خلف شكَّته
…
من ولدته لحتفه العرقه
ولا حماه سرد الحديد ولا
…
بأس إذا اللَّيث راءه فرقه
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الحكمة: [من مجزوء الكامل]
/213 أ/ استنطق الإنسان يظهر
…
نطقه خافي شؤونه
فالنَّاس فخَّار ويبدو حاله لك من طنينه
وقال بالإسناد: [من الكامل]
إستقر أحوال الفتى
…
إن شئت من قرنائه
فالنَّاس من ماء ولون الماء لون إنائه
وأنشدني: قال: أنشدني لنفسه: [من المنسرح]
إذا مكان لم ينب جانبه
…
عنك فلا تطَّلب به بدلا
فذاك بغيٌّ والبغيُّ مهلكة
…
والمرء رهن بكلِّ ما فعلا
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في غلام بديع الجمال، لابس حلقتين في أذنيه فيهما جوهرتان:[من الطويل]
وبي شادن حالي المسامع مذ بدا
…
يميس هفت حبّا له منِّي النَّفس
حكت حلقتاه ضمن جوهرتيهما
…
هلالين في نجمين بينهما شمس
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في البطيخ: [من الكامل]
وافى ببطِّيخ حكى في ريحه
…
ومذاقه شهدًا خليط مدام
/213 ب/ فرأيته لما انتضى سكِّينه
…
وغدا يشقِّقه لنا في الجام
كالشَّمس قطَّعت البدور أهلَّةً
…
بضياء برق في سواد ظلام
وأنشدني؛ قال: أنشدني في صغير السنّ: [من مجزوء الرجز]
بي شادن صوَّره
…
لفتنتي من صوَّره
يودُّ من رآه خوف عشقه لو لم يره
ولم يصغِّر قدره السن الَّذي قد صغَّره
بل جاء كالغصين تحت صفحة كالزُّهره
يبيضُّ ذاك الوجه إذ
…
تسودُّ تلك الشَّعره
ذو ناظر هاروت لو
…
قابله لسحره
ومبسم يبصره البرق فيغشى بصره
تراه كاللُّؤلؤ في
…
فم كلمح الجوهره
سبحان من نظَّم زهر الشُّهب وسط الزُّهره
وله في الحكمة بالإسناد: [من مخلّع البسيط]
لا تغترر بالعدوِّ يومًا
…
إن لان منه عليك قلب
عوائد الطَّبع غالبات
…
كم آلم الشُّوك وهو رطب
/214 أ/وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره، وكتبه إلى صديق له بالموصل وهو
الأمير الأجل مجد الدين إسماعيل بن مجاهد الدين العماديّ يستهديه سمكًا:
[من الطويل]
يا أيُّها المجد الَّذي المجد شيمةٌ
…
له زان منها إذ سواه يشينها
ومن خلقه مثل الرياض تجاوبت
…
حمائمها جهراَّ ومادت غصونها
يقولون لي أسماك دجلة شكلها
…
بديع إذا لاحت لمن يستبينها
يعين الَّذي يبغي لها الاكل طيبها
…
ويسعده في سرعة الهضم لينها
ملوك فما الأسماك إلَاّ عبيدها
…
لذا لبست أثواب تبر متونها
إذا ما جلاميد الصخور غدت لهم
…
حصوناً فأمواج البحار حصونها
فكالعسجد المحض النُّضار ظهورها
…
وكالفضة البحت الخلاص بطونها
وإن أزرق الياقوت ذاب فنهرها
…
وإن لم تذب أحجاره فعيونها
لبسن دروعاً ..... دروع
…
وفي مثل الدروع متونها
فيا عجباً منها تموت .....
…
كل لا يزال يصونها
وليس لنا طاه مجيد تطيب من
…
صنائعه أنواعها وفنونها
/214/فدونك فاًصنع ماتشاء فأنت من
…
يذل نفيسات الندى ويهينها
ودم للعلا توفى لديك وعودها
…
إذا جحدت يوما وتقتضى ديونها
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في الحكمة: [من الطويل]
إذا احتاج قوم للحكيم فإنَّهم
…
لذي الجهل ممَّن شأنه الحكم أحوج
فلا يرتجي الناس انتظام أمورهم
…
متى لم يكن فيهم ركين وأهوج
وهل ينفع الرَّامي استقامة
…
إذا لم يؤيده من القوس أغوج
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
إن ترض بالدُّون ممَّن ترتجيه تفز
…
منه بكلِّ زهيد القدر منحوس
ومن أبت نفسه نزر الجدا أنفاً
…
ينل نفائس مذحور وملبوس
رضا الحمائم بالآحواق أخرها
…
عن أن تشارك في وشي الطواويس
وقال أيضاً: [من السريع]
إعوجَّ إن كنت تريد الغنى
…
تظفر وإلا عضك الاحتياج
فالفحُّ لم يصطد ولم يقتض
…
لولا الَّذي فية من الإعوجاج
[418]
/ 204 أ/ عليُّ بن أحمد بن عليٍّ بن عبد المنعم بن هبل، أبو الحسن بن
أبي العباس الحكيم، البغداديُّ المولد والمنشأ
الفاضل المشهور المعروف بالخلآطي، وليس خلاطياً على الحقيقة، إلآ أنه رحل
إلى خلاط، وأقام بها دهراً طويلاً، فنسب إليها.
وكان تلميذ أوحد زمانه أبي البركات هبة الله بن ملكا الحكيم البلدي، وعليه قرأ علم
الطبّ /204 ب/ وأتقنه، واقتبس من فوائده، وتقدّم حينئذ وبرع في فنِّ الطب والمداواة،
وفاق أهل زمانه بالحذق والصناعة.
ثم قدم ماردين، ووزر لصاحبها قطب الدين إيل غازي بن البى بن
تمرتاش بن أرتق الأرتقي، وصنف في الطب كتاباً حسناً سماه
"المختار"، وكان قدسمع شيئاً من الحديث على أبي القاسم إسماعيل السمر قندي،
وقرئ عليه بالموصل، وأضرَّ في آخر عمره.
وكانت وفاته بالموصل، ثالث عشر المحرم سنة عشر وستمائة، ودفن ظاهر
البلد _ غربيه _ بمقبرة المعافى بن عمران الزاهد _ رضي الله عنهما؛ وكانت ولادته ببغداد
بباب الأزج، بدرب ثمل في الثالث والعشرين من ذى القعدة سنة ست أو خمس عشرة
وخمسمائة.
هكذا ذكرا لما سئل عن مولده، وكان مع ذلك كثير الصدقة، حسن الأخلاق، واسع
النفس، له أشعار.
أنشدني أبو العباس أحمد بن سيف بن محمد الموصلي؛ قال: أنشدني الحكيم أبو
الحسن لنفسه: [من الطويل]
ومن لم يخف ذماً فلا ترج أنَّه
…
يعفُّ عن العوراء وهو قدير
/ 205 أ/ ومن لم تكن آباؤه وجدوده
…
كراماً وإن يبخل فذاك جدير
وممّا وجد له ايضاً؛ قوله يتشوق فيه إلى أهله بالعراق، ونقِّل من خطه:
[من الطويل]
أيا أثلاث بالعراق ألفتها
…
عليك سلام لا يزال يفوح
لقد كنت جلداً عند قربي بقربها
…
فقد عاد مكتوم الفؤاد يبوح
فمأ أحسن الأيام في ظل أنيبها
…
قبيل طلوع الشمس حين تلوح
وقد غرَّد القمري في غسق الدجى
…
وداعي حمام في الغصون ينوح
ذكرت ليال بالصراة وطيبها
…
نطير لها شوقاً ونحن جموح
وقال أيضاً: [من الطويل]
أيا دوحة هام الفؤاد بذكرها
…
عليك سلام الله يا دوحة الأنس
رمتني النوى بالعبد منك وقولها
…
وقد كنت جاراً لاصفاً لك بالأمس
فيا ليت أنِّي بعد بعد احبتي
…
نقلت كريماً راضي النفس بالرَّمس
وإلَاّ فليت الدَّهر يمكن منهم
…
بقبض حبال الوصل بالأنمل الخمس
إذا جال طرفي بالعراق وجوه
…
كأني نظرت الأفق من مطلع الشمس
[419]
/ 205 ب/ عليُّ بن محمد بن يوسف بن مسعود،
أبو الحسن القرطبيُّ القيسي القبذاقيُّ، المعروف بابن
خروف.
خرج عن الأندلس، وقدم بلاد الشام، ونزل حلب، واستوطنها في أيام الملك الظاهر
غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب، وانقطع إليه وامتدحه بعدة قصائد؛ ومات في أيامه
في سنة أربع وستمائة.
وكان من المطبوعين في الشعر، وظراًف الناس في وقته؛ وكان من المطبوعين ذا
فصاحة ودماثة، قيماً بعلم العربية والأدب، حسن الشعر، يتخالع فيه، وله مكاتبات ورسائل
ويد باسطة في عمل الموشح والأزجال الأندلسية. وكان من أقدر الناس في صنعتها.
وكان صديقاً لابن لهيب الشاعر، وبينهما انبساط يقتضي الاسترسال، معه [في]
المداعبة؛ ومما كتبه إليه وقد استدعاه ابن لهيب، فكتب إليه أبو الحسن الجواب:
[من المجتث]
أبن اللهيب دعاني
…
دعاء غير النبيه
/207 أ/ إن صرت يوماً إليه
…
فوالدي في أبيه
وأنشدنى أبو الحسن علي بن عبد الجبار القيرواني؛ قال: أنشدني أبو الحسن ابن
خروف لنفسه من صدر كتاب كتبه إلى القاضي أبي المحاسن يوسف بن رافع بن شدّاد
الموصلي- قاضي حلب- يطلب منه فروة: [من الوافر]
بهاء الدين والدنيا
…
ونور المجد والحسب
طلبت مخافة الأنواء من حسناك جلد أبي
ففضلك عالم أني
…
خروف بارع الأدب
حلبت الدهر أشطره
…
وفي حلب صفا حلبي
وأنشدني الحكيم أبو الفرج عبد القاهربن عفيف بن عبد القاهر بن سكرة الحلبى
الإسرائيلي بحلب؛ قال: أنشدني ابن خروف لنفسه في المهذب بن الدخوار الدمشقي
[من البسيط]
/207 ب/ إن الأعيرج حاز الطِّب أجمعه
…
أستغفر الله إلا العلم والعملا
وليس يجهل شيئاًمن غوامضه
…
إلا الجواهر والآعراض والعللا
في حيلة البرء قلت عنده حيلٌ
…
ويدري للردى حيلا
الروح تسكن جثمان العليل على
…
علاته فإذا ما طبه رحلا
وقال يصف النيل: [من البسيط]
مأعجب النيل ما أحلى شمائله
…
في ضفتيه من الأشجار أرواح
من جنّة الخلد فيَّاضٌ على ترع
…
يهب قيها هبوب الروح أرياح
ليست زيادتهُ ماء كما زعموا
…
وإنما هي أرزاق وأرواح
وأنشدني الحكيم أبو الفرج عبد القاهر بن سكرة؛ قال أنشدني ابن خروف
لنفسه: [من مجزوء البسيط]
أنت بطبِّ الوري عليمٌ
…
لكنه إن. . . . . . . . . . .طبا
وقال في رجل مغربي يقال له ابن السُّميل: [من الوافر]
أيا نجل السُّميل سملت حتي
…
... غدوت من الممُّزقة الرِّثاث
عجانك من سباع الطير أودي
…
به قومٌ وأنت من البغاث
/206 أ/ تناك وأنت أقرع ذو قرون
…
فأشبهت الجرادة في ثلاثٍ
أي هو أقرع له قرون ويناك.
وقال وكان أميناَ ببيمار ستان بدمشق، وكان له بواب اسمه السِّيد:[من السريع]
مولاي مولاي أجرني فقد
…
أمسيت في دار الآسي والحتوف
وكيف لي صبرٌ علي مننزلٍ
…
بوابه السِّيد وجدِّيخروف
السِّيد: الذئب.
وله يصف سنديّا، والسندي لاعب الخفّ الَّذي يلعب بالسيوف وغيرها:
[من الكامل]
ومنوَّع الحركات يلعب بالنهي
…
لبس المحاسن عند خلع لباسه
متأوُّد كالغصن فوق كثيبه
…
متلاعب كالظبي عند كناسه
بالعقل يلعب مقبلاً أو مدبراً
…
كالدَّهر يلعب كيف شاء بناسه
وقال في زربطانه: [من البسيط]
لافظةٌ من جوفها دورا
…
تعطِّل الَّروض من شاد وصدَّاح
/206 ب/ مثل البراع ولكنها ما لها عقدٌ
…
إذا تسدًّد بالأفواه والراح
أبصرت راميةٌ في شكل طاعنة
…
فتتمني لقسيِّ أو لأرماح
نفخت فيها وقّد سوَّيتها جسداً
…
روحاً فتقبض أروحاً لأرواح
يا مشرقًا تشرق الدُّنيا بسؤدده
…
هبها فتاةٌ وخذ آيات امداح
وله يستهدي خمراً: [من مخلّع البسيط]
يا من يهزُّ المديح منه
…
عطفاً حكي المائس المروحا
خذ جسداً ليس فيه روح
…
وانفخ من الراح فيه روحا
وله في كأس: [من مجزوء الرمل]
أنا جسمٌ للحمياَّ
…
والحميَّالي روح
بين أهل الظرف أغدو
…
كل وقتٍ وأروح
وله في الحكيم الأعرج المهذب بن علي الكحال المعروف بالدخوار الدمشقى: [من الوافر]
تجرِّر ياأعيرج ذيل كبر
…
وتعلم لؤم وغد أنت نجله
وتمشي مشية الخيلاء زهواً
…
أمام السَّامري وأنت عجله
السامريّ: رجل كان بدمشق، وكان شريكًا للاعيرج.
عليُّ بن عمّار بن عليِّ بن جميل بن صالح بن عثمان بن علىِّ بن محمد بن عمر، أبو الحسن الكرخينىُّ.
وكرخنيى قلعة حصينة بينها وبين إربل مسافة يومين؛ وأبو الحسن كان خطيبها،
وفتح لها مكتبً يعلم صبيانها الخط، وتوفي بها يوم الجمعه غرّة رمضان
سنة إحدى وستمائه، وبلغ سنًا عالية حتي قارب المائة؛ وكان من حفاظ القرآن العظيم، وأهل اخير، له أشعار ضعيفة.
أنشدني ولده عبد المؤمن؛ قال: أنشدني والدي له في الملك العظيم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين-
رضي الله عنه ويعِّرض بذكر رجل، يلقب بالشجاع، وكان عاملا بكرخين:[من الوافر]
ألا يا أيُّها الملك المطاع
…
ومن ذلَّت لهيبته السِّباع
بكر خانينا أسدٌ ضريُّ
…
أخو بأس يقال له الشُّجاع
/208 ب/ يناصحكم مناصحةً بصدق
…
وأوفر همَّة لا تستطاع
تكاد القلعة العلياء تسمو
…
به لو قبلها سمت القلاع
كأنَّ تجاوب الأجراس فيها
…
مثاني العود حرَّكة السَّماع
فدم لا زال ملكك في دوام
…
علي الأيَّام ليس له انقطاع
وأنشدني؛ قال: أنشدني والدي لنفسي: [من المنسرح]
زار وجيش الظَّلام مفلول
…
وسيف نجم الصباح مسلول
مهفهفٌ صيغ من محاسنه
…
فهو بماء النفوس مجبول
قد كتب الحسن فوق عارضه
…
كل محبّ بالهجر مقتول
سري بأنفاس مقلتى قمرٌ
…
منقوط خطِّ العذار مشكول
ومنها يقول: [من المنسرح]
ياأيٌّها المجد أنت من كرم
…
يرجي إذا زادت الأقاويل
عرِّف بفضلي من ليس يفهمه
…
علمًا فإنَّ الغريب مجهول
وانعم وجد واغنم الثَّنا ثمنًا
…
إن الوري فاضل ومفضول
علىُّ بن ملاعب بن علويِّ/209 أ/، أبو الحسن الموصليُّ
المولد والمنشأ، الإربليُّ الدار.
كان حافظاً للقرآن الكريم، قرأه بالموصل علي أبي بكر يحيى بن سعدون بن تمام القرطبي المقرئ.
سكن مدينة إربل إلى أن توفي بها في شهر الله رجب سنة أربع وستمائة، فكان يكتب بها الشروط، وختم عليه القرآن
أكثر من أربعمائة شخص؛ وكان من أهل الفضل والصلاح، عاقلا متدنيا؛ يقول الشعر.
أنشدني ولده أحمد؛ قال: أنشدني والدي لنفسي: [من الكامل]
ياراكبًا يفلي الفلا بمناسم
…
تدمي كطرفي أو كقلبي الخافق
عرِّج علي وادي العقيق فأهله
…
عقُّوا وضلُّوا بالخيال الطارق
واقر السَّلام عليهم من معشر
…
علقوا من الدُّنيا بقطع علائق
غاروا بطرفهم الغرير مع النوي
…
نوم الغرير علي محبٍّ شائق
وبحاجر حجروا العقول وحرَّموا
…
مذ حرَّموا وصلي بكل طرائقي
بانوا فما بان الآراك بمائس
…
أبداً ولا ماء العذيب برائق
ما ضرَّوا لو رقُّوا لرق هواهم
…
بالقرب بعد تباعدٍ وتفارق
وأنشدني؛ : قال أنشدني أبي يمدح القاضي عون الدين /209 ب/أبا العباس أحمد بن حنبل بن محمد بن منعة بن مالك الإربلي: [من الرمل]
علَّلاني بالأماني فلعلِّي
…
واعذراني واعذلا من رام قتلي
وارحما من ظلَّ يحسو دمعه
…
كلَّما غنَّي حمامٌ فوق أثل
يرتجي طيف خيال
…
ومتي يطرق في غير محلِّ
آه إن عاود جفني وسنٌ
…
وسري طيفٌ وهيهات ومن لي
خفِّفوا عن كاهلي نقل الهوى
…
ملكم من في الهوى يرحم مثلي
أو ما يكفي عزاءً أنّني
…
نازح الآوطان عن جارٍ وأهل
قد عدمت القرب والوصل معاً
…
وعطا شمل من قاض أجلٌ
هو عون الدين مولي ما له
…
في جميع الناس من شبه وشكل
طود علم ما له من مرتقَّى
…
بحر جود فيضه في كلِّ سبل
أيها الموالي الَّذي إنعامه
…
ونداه كالحيا في كلٍّ محل
لا تطل مطل محبٌ صادقٍ
…
فعذاب الدَّهر في فقر ومطل
وابق للعلياء ما لاح سني
…
بارقٍ أو جعجعً الحادي بإبل
وأنشدني؛ : قال أنشدني والدي لنفسه:
/211 أ/ رفقًا بها يا أيُّها السَّائق
…
قد سميت لا عاقها عائق
وقف علي الوادي ورد ماءه
…
فإنَّه من ادمعي دافق
ونَّاد بالناَّدي الَّذي دونه
…
هل يجمع المعشوق والعاشق؟
وكتب إلى القاضي تاج الدين جعفر بن محمد الكفر عزىّ: [من الكامل]
يا حاكم الحكُّام حالي في الوري
…
حال البعير الجائع الظَّمآن
يجترُّ من خمصٍ ويحسب أنه
…
بطنٌ وتلك مظنَّة الشَّبعان
وكتب إليه بعض أصدقائه، في يوم مطير هذين البيتين؛ وهما لبعض الشعراء:[من الكامل]
إن كان هذا الغيث جاء لرحمة
…
نشرت به في شمال وجنوب
فلقد جني يا صاحبيَّ جناته
…
منع المحبِّ زيارة المحبوب
فأجابه أبو الحسن على الوزن والقافية: [من الكامل]
يا أيهُّا الحبر اللَّبيب وصاحب الفضل الغري ومن أتى بعجيب
لم يجن هتَّان السحاب وما أتى
…
بإساءةٍ يا ممرضي وطبيبي
/211 ب/لكنه حبس الرَّقيب ولم يكن
…
منع المحبَّ زيارة المحبوب
فانعم وزر فالغيث جاء لرحمةٍ
…
ما جاء للهجران والتِّعذيب
/210 أ/ وله إلى القاضي بهاء الدين بن شدّاد-قاضي حلب-يشكو إليه بوّابه [من السريع]
زرت بهاء الدٍّين في منزل
…
قد أصبح المجد له مالكا
كأنَّه في حسنه جنةٌ
…
لو لم يكن رضوانها مالكا
وله بيت مفرد في وصف عذار: [من الطويل]
وكان غريب الحسن قبل عذاره
…
فلمَّا بدا صار الغريب المصنَّفا
وقال في الملك الظاهر غياث الدين: [من البسيط]
يا ظاهراً ظهرت في الدَّهر سيرته
…
كالزَّهر للروض أو كالزُّهر في الأفق
لم تبد حالي مثل اللَّيل حالكة
…
إلا لتطلع فيها أنجم الورق
وقال: أيضا [من البسيط]
غازلت بالرَّملة العفراء ملتفاً
…
غزيَّلاً بصفات الحسن منعوتا
حلَّته وجنته فيها ومقلته
…
حسنًا ليوسف أو سحراً لها روتا
فعاد جيش أصيحاب له فلي
…
بظنِّه النَّهر المنساب طالوتا
وبالكثيب لحذَّّاف له نصبت
…
صفًا كما نضب الكفَّار طاغوتا
أصابها بشبيه القلب منه كما
…
أصاب داود بالأحجار جالوتا
/210 ب/ وله في البليغ المنبوز بالأسحل [من البسيط]
شعر البليغ ولو أصبحت ذا أدب
…
لكنت أنثر ما فيه على ما فيه
بيوته كبيوت الخان قد نظمت
…
وماله كنفٌ إلَاّ قوا فيه
وقال: [من الوافر]
وأسمر ماله في الحسن ثاني
…
ولا يثني المحاسن عنه ثان
فو بهته ترد الحزن عرساً
…
بلحنٍِ لا المثالث والمثاني
وقال أيضاً: [من الوافر]
أتيت لوعد مولانا
…
ولي في وعده أمل
وأعلم أنَّه شمسٌ
…
ويعلم أنَّني حمل
وله في ابن عثمان المصري: [من الوافر]
رأيتك يا ابن عثمان
…
وعينك قد غدت عينا
فقلت الله يأجره
…
ويترك عينه عينا
[422]
/211 ب/ عليُّ بن محمود بن عليِّ بن علوان بن خليفة بن علوان، أبو الحسن الأنصاريُّ البزاعيُّ.
من بزاعا، قرية بباب حلب (1).
قال أنشدني علي بن محمود بن علي البزاعي لنفسه، يمدح الملك الأشرف
موسي بن محمد بن أيوب؛ من قصيدة أوّلها: [من الطويل]
هو الربع لا غمَّت عليك ملاعبه
…
ولا برحت عن مقلتيك رباربه
فهن نسمات الرِّيح من نحو أرضه
…
ترحب صبّ صادفته حبائبه
ومنها:
وفي الكلَّة الدريّة اللَّون شادنٌ
…
تشابه منه ليته وترائبه
ولم أنسه عند الرَّحيل وبيننا
…
رقيبٌ نداجيه وضدٌّ نراقبه
وكلُّ لبيب يكتم الوجد قلبه
…
ويفضحه من حيرة البين قالبه
/214 أ/وليل ترتدَّي بالغمام ووشِّحت
…
مشارقه من دجنة ومغاربه
يجرَّد نور البرق فيه حسامه
…
فتنصاع من خوف الحسِّام كواكبه
ومن مدحها قوله:
كأنَّ ندي شاه أرمن الأشرف أبتدا
…
بوابله اوبا كرتنا مواهبه
فتي ضمَّنا مع غلطه الدَّهر لطفه
…
ولآن لنا مع شدة الدَّهر جنابه
وبوَّأنا من ر وضه ما صفت لنا
…
مشاربه عند الطَّما ومساربه
ومنها أيضاً:
وهل من يدٍ بيضاء في الدَّهر لم تكن
…
لموسي إذا ما الدَّهر عمَّت غياهبه
[423]
/214 ب/ عليُّ بن الحسن بن عنتر بن ثابتٍ، /215 أ/ أبو الحسن
الحليُّ، المعروف بشميمٍ (1).
أديب شاعر، عزيز الشعر في فنون، تامُّ العلم باللغة، واسع الحفظ استظهر شيئا كثيرا من الأشعار، وأيام العرب؛
وكان من جمله محفوظاته؛ إصلاح المنتق، يهذّه هذا من
خاطره، وغير ذلك.
اخذ علم العربيه، عن ابي محمد بن الخشاب النحوي، وابي نزار الحسن بن صافي
البغدادي، والملقب ملك النحاة.
وكان صاحب رسائل وخطب ومنظوم ومنشور، وتصنيفات جمَّة، فمن مصنفاته؛
كتاب ((الحماسة)) من شعره، وكتاب ((بداءة الفكر في بدائع النظم والنثر)) من قبله ايضا،
وكتاب ((انيس الجليس في محاسن التجنيس)) من إنشائه وشعره، وكتاب ((النكت المفحمات
في شرح المقامات))، وكتاب" مجتنى ريحانة الهمّ في اشتقاق المدح والذم"، وكتاب"معاية العقل ومعاناة النقل"، وكتاب
/215 ب/"أري المشتار في القريض المختار"، وكتاب صياح المنى في إيضاح الكنى"، وإلى غير ذلك من التواليف.
وكان مع فضله وحفظه؛ فاسد العقل والدين، مهوّسًا تاركًا للصلوات الخمس، ضعيف العقيدة، ذا خفةٍ وطيش،
يطعن في العلماء، ويقدح في الأدباء؛ وكان دأبه الإزراء علي الشعراء المتقدمين، ويجهل الاوائل، وينبزهم بالكلاب،
ويصف نفسه ولا يري فوقه أحداً، وتبدر منه ألفظ رديئة في حقِّ أهل العلم.
وكان قد طاف قطعة من البلاد، ثم قطن الموصل، وانتابه الناس لاستماع كلامه، ولم يزل بها ساكناً، إلى أن توفي
في العشر الآخرة من ربيع الآخر سنة إحدي وستمائة؛ ودفن بمقبرة المعافي بن عمران.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي السعادات الموصلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن شميم لنفسه، يصف الخمر وعتقها:
[من مجزوء الكامل]
إمزج بمسبوك اللجين
…
ذهبا حكته دموع عيني
لمَّا نعي ناعي الفراق
…
ببين من اهوى وبيني
/216 أ/ كانت ولم يقدر لشئ
…
قبلها إيجاد كون
أحالها التَّحريم لمَّا شبهت بدم الحسين
خفقت لنا شمسان من لآلائها في الخافقين
وبدت لنا من كأسها
…
من لونها في حلَّتين
فاعجب هداك الله من
…
كون اتِّفاق الضَّرَّتين
في ليلةٍ بدأ السرور بها يطالبني بدين
ومضي طليق الرَّاح من
…
قد كان مغلول اليدين
هي زينة الأحياء في الدُّنيا وزينة كلِّ زين
لم تبدو من أينٍ وهل
…
جسم يري من غير أين
وأستغفر الله العظيم من كتبه!
وأنشدني أبو حامد بن أحمد بن أبي الحسن الموصلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن شميم لنفسه: [من المنسرح]
أهلكت عاداً وبعد إرما
…
وكان ما أهلكوا لهم أمما
تنهي عن القذع باللَّسان ولا
…
ينهاك عذلٌ أن تهلك الأمما
كانت معاصيهم الِّتي كتبت
…
أخفي من أن تجري بها قلما
/216 ب/ وأنشدني أبو الربيع سليمان بن المظفر بن موسي المؤدِّب الإربلي؛ قال: أنشدني شميم لنفسه: [من الخفيف]
قد أتى العيد يقتضيك رسومًا
…
أنت أعلي قدراً بأن تقتضاها
يا كريمًا جلَّت معاني معاليه التي فاقت الوري أن تضاهي
وأنشدني أبو الفتح مسعود بن سعيد الموصلي؛ قال: أنشدني شميم لنفسه من كتاب
الحماسة الَّذي صنعه في باب النسيب: [من الكامل]
لا تسرحنَّ الطَّرف في بقر الفلا
…
فمصارع الآجال في الآجال
كم نظرةٍ أردت وما أخذت يد المصمي لمن قتلت أداة قتال
سنحت وما سمحت بتسليمٍ وأغلال التَّحيَّة فعلة المختال
أظللت قلبي عندهنَّ ورحت أنشده بذات الضَّال ضلَّ ضلالي
ألوي بألوية العقيق علي الطُّلول مسائلاً من ذا يجيب سؤالي؟
تربت يدي في مقصدي من لا يدي
…
قودي وأولي لي بها أولى لي
يا قاتل الله الدُّمي كم من دمٍ
…
أجرين حلاً كان غير حلال
أسلين ذلِّ اليتيم في الأشبال
…
وفتكن بالآساد في الأغيال
/217 أ/ ونفرن حين نكرن إقبالي ولو
…
أنِّي نفرت لكان من إقبالي
لكن ..... ذمام الحبِّ أن أولي الوفاء قطيعةً من قالي
وأنشد محمد بن سليمان الموصلي المجلد؛ قال أنشدني شميم الحلي لنفسه: [من مجزوء الرمل]
كان طرفي قبل
…
أن ينظر ميّاً فارقنا
غائضا الدمع فلما
…
حلَّها فار يقينا
وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من مجزوء الكامل]
ومشرِّع أفتي
…
معاقرة السُّلاف البابلي
قلت أتيت هذا حرام
…
قال: هذا الباب لي
وأنشدني في الخطيب الإمام أبو عبد الرحمن محمد بن جاسم بن أحمد بن عبد الواحد ابن هاشم الأسدي الحلبي،
بمحروسة حلب، بمسجدها الجامع، في شهر جمادي الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني علي بن الحسن الحليّ
المعروف شميم لنفسه: [من الطويل]
/217 ب/ سقي منزلاً حاز الهوي لو ثويته
…
بحرَّان ربعيُّ الرَّباب غزيره
وأيَّام لهو يطبيني نعيمها
…
ورائق عيشٍ بان عنٍّي غريره
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه [من المتقارب]
رعي الله مرتبعاً في الفؤاد
…
ترامت به عزمات النّوي
وكان له من صروف الزَّمان
…
نعم المجاور أنَّي ثوي
وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني شميم قوله [من الكامل]
لو حلَّ نأيك لي مقيل هوي
…
أو دار شحط الدَّار في خلدي
لمنعت عينى أن تذوق كرى
…
حتي تري يا جنَّة الخلد
ونواك أوَّل حادثٍ أومي
…
ما القت الآحزان من جلدي
وأنشدني بالاسناد: [من الكامل]
إن عزَّبت حلب الشّام وعزَّبت
…
سكني المقيم بها عن الأبصار
فنعم عوني عن دمع عيني إن تفانت أسرتي وتخاذلت أنصاري
قال وأنشدني لنفسه: [من المجتث]
لو أنَّ تحمل كتبي
…
إليك ريح شمال
لاستكتمتها يميني
…
ما استكتبتها شمالي
/218 أ/ قال؛ وأنشدني من شعره: [من مخلّع البسيط]
في كلِّ يوم بجفن عيني
…
دمعٌ غريبٌ على غريب
حتَّى كأنَّ الغرام دون الأنام يا صاحبي غري بي
قال وأنشدني له في الفصول الموكبيَّه: [من الكامل]
إنَّ السَّحاب حداه شوقٌ أن يوافي وجهكا
وأحبَّ أن يلقي له
…
مثلا يزار فأمَّكا
ومحاكيًا في الجود من
…
من في الجود كفَّك ماحكى
هيهات قصَّر أن ينال وإن أطال محلَّكا
ورأي بعين العجز ما
…
أبكاه فانتاب البكا
وشكا إلى من لا يصيخ
…
إلى مقالة من شكا
ملك العدا وله النَّدى
…
دون المنام تملُّكا
فاسلم ودم فالدَّهر
…
فيما تنتحيه طوعكا
والأمر بعد الله يا
…
خير البريَّه أمركا
وأنشدني أبو الثناء محمود بن محمد/218 ب/ابن الأنجب الإربلي؛ قال: أنشدني شميم لنفسه [من السريع]
إنَّ نبات الشَّعر لابدَّ أن
…
يمتصَّ ماء الورد من وجنتيك
ويستردَّ القبح ماشفَّ من
…
شعار حسن مستعار لديك
ويطلب الثأر دمٌ طلَّه
…
سيفٌ نضاه السِّحر من مقلتيك
وينثني من كان يبكيه منك الصَّدُّ والإعراض يبكي عليك
فارجع إلى الإنصاف في دولةٍ
…
أصغي زمام الأمر فيها لديك
وقال أيضا: [من مجزوء الرجز]
ثغر الرَّبيع ضاحكٌ
…
لضحك ثغر زهره
يجكي نور نوره
…
نور نجوم زهره
فأيُّ عذرٍ لفتي
…
ضيَّع نفع عمره
برفع دال زيده
…
ونصب وراء عمره
وله في وصف ساحر: [من مجزوء الكامل]
قل لي فدتك النَّفس قل لي
…
ماذا تريد إذاً بقتلي
أأردت خمراً في كؤوسك
…
هذه أم سمًّ صلِّ
/219 أ/ وقال أيضًا: [من الكامل]
قالوا نراك بكلِّ فنِّ عالماً
…
فعلام حظُّك من ذباك خسيس؟
فأجبتهم لا تعجبوا وتفهَّموا
…
كم ذاد نهزة ليث خيسٍ خيس
وقال أيضًا: [من الوافر]
أقيلي عثرة الشَّاكي أقيلي
…
فسؤلي في سماع ثار سولي
وإن لم تأذني بفكاك أسري
…
فدلِّيني علي صبرٍ جميل
وقال أيضًا: [من مجزوء الرمل]
ليت من طوّل بالشَّأم ثواه وثوي به
جعل العود علي الزَّوراء
…
من بعض ثوابه
أتري يوطئني الدَّهر
…
ثري مسك ترابه
وأراني نور عيني
…
موطئا لي وتري به
علىُّ بن ناصر بن مكِّي بن اللّيث، أبو الحسن المدائنيُّ الشيبانيًّ
كان فقيهاً شاعراً مترسلاً، زاهداً في الصلاة؛ قليل الرغبة في الصِّلات؛ ذا أدب وعلم، أتقن طرفاً من/219 ب/ الحكمة.
وكان سوداويُّ المزاج، به وسواس كان يعتريه؛ سافر إلى مكّة، ودخل الديار المصريّه، وبلاد الموصل وغيرها من البلاد.
أنشدني أبو الثناء محمود بن محمد بن الأنجب؛ قال: أنشدني علي بن ناصر لنفسه بإربل سنة خمس وتسعين وخمسمائه؛
وبلغني أنَّه بقي إلى بعد سنة عشر وستمائة: [من الطويل]
أعد نظراً يا طرف إنَّك حالم
…
وخلِّ الهوى يا قلب إنَّك هائم
فما الرَّكب إلَاّ غير من أنا ناشد
…
وما الصحب إلَاّ غير من أنا لائم
أضعت غداة البين رشدي وأنكرت
…
معارف عندي للنُّهى ومعالم
وقال أصيحابي ذر الهمَّ والمنى
…
فلن يكرث الفتيان ما أنت راغم
وكن راضياً بالدَّهر فيما قضى به
…
فإنَّ نصيب الدَّهر ما هو قائم
فيا ناشد الآظعان إن جزت بالحمي
…
وعجت بحزوي والعيون نوائم
وشارفت رند الأبرقين وأبرقت
…
عليك بأطراف القباب اللَّهازم
فحيِّي بها من حيَّ شيبان معشراً
…
تحيِّك من أبياتهن المكارم
وقال أيضاً: [من الطويل]
أعهد الهوى إنِّ لذكراك واصل
…
وطيب الكرى إني لمسراك راقب
/220 أ/ وعهد التَّداني هل إلى أربع الحمى
…
معادٌ وهل تقضي بهن المآرب
فمنذ سرى الرَّكب العراقيُّ لم تزل
…
تسامر قلبي بالبكاء النَّواعب
ومذ حبس الحادي المطيَّ علي النَّقا
…
وحنَّت إلى الوجد القلاص النَّجائب
أراق دمي للبين دمعٌ أراقه
…
غداة التقينا للوداع الحبائب
وأصمي فؤادي سهم لحظ رمت به
…
وقد ودَّعتني بالسَّلام الحواجب
بنفسي فتاةٌ أيقظ الصُّبح طرفها
…
وقد ذعرتها بالرُّغاء الرَّكائب
رنت فرنا الرِّيم الحجازيُّ كلُّه
…
وهبَّت لريَّاها الصَّبا والجنائب
وماست فماس البان زهواً وغرَّدت
…
بشجوٍ فغنَّها الحمام المجاوب
وسائلت الأتراب ولهى وردَّدت
…
تنفُّسها حتي اهتززن التَّرائب
وقالت وقد هاج الهوي ما تجُّنه
…
وقد رمقتها بالملام العواتب
أذاك الفتى المرِّيّ هل غض شمله
…
واعفسه شط المزار الثَّوائب
فقلن لها بل قوَّض البين دمعه
…
وسرن به تلو الرُّكاب الحقائب
وأقفر منه الواديان وأوحشت
…
لمسراه من بطن العقيق الجوانب
فأقطر منها الطَّرف دمعاً كأنَّه
…
لآليء فضَّتها الأكفّ الخواضب
/220 ب/ وكلل منها المقلتين فحدَّقت
…
كما أحدقت بالفر قدين الكواكب
.. فرط التَّأسُّف والأسى
…
وورَّد خدَّيها الحياء المغالب
عليُّ بن إدريس بن مقلّد بن شبل بن حريزٍ، أبو الحسن الحمصي، الكاتب بحماة.
من الشعراء المكثرين في زماننا، طويل الباع في النظم، رزقه الله قريحة صافية، ومنحه من علم اللغة حصة وافية.
وهو شاعر مسهب، يتأتى له الكلام من كلّ مذهب، يمدح الملوك والكبار، بمطولات القصائد والأشعار.
ثم إنَّه إذا مدح أحداً نشر فيه ألف بيت، وربما بلغ نظمه خمسين ألف بيت، على
ما أنشدني أبو عبد الله محمد بن حيدر بن الدبندار الشاعر الواسطي؛ قال: أنشدني علي بن أدريس الكاتب لنفسه يمدح
فلك الدين أبا القاسم عبد الرحمن بن هبة الله بن علي بن الميري المصريّ: [من الطويل]
على دار سلمى إذ مررت مسلِّماً
…
وقد أقفرت منها جرت ادمعي دما
/221 أ/ وكنت أراها جنَّةٌ باجتماعنا
…
فعدت أراها للفراق جهنَّما
وإن جمعت بين الصُّدود وبينها
…
فكم جعلت فكراً بذين مقسَّما
وما هي إلاّ ظبيةٌ بجفونها
…
تعفِّر لا بالصَّارم العضب ضيغما
وإن ظلمت باللَّحظ ساحرً بابلٍ
…
فمن خدِّها الورد الجنيِّ تظلَّما
وإن علَّمته النَّفث فترة جفنها
…
فمن سقمه جسمي السقام تعلَّما
وما حرَّمت إلَاّ وصالاً محلَّلاً
…
ولا حلَّلت إلَاّ صدوداً محرَّما
وبي ألمٌ يا ليته لا ألمَّ بي
…
ولم يشفني منه سوى رشفة اللَّما
وقولي لها إذ هزَّها ثمل الصِّبا
…
كما هزَّ غصن البان روحٌ تنسَّما
رعى الله يومَّ الرّّّّّقمتين لكونه
…
علينا بنعم المتنعم أنعما
وليلة وادي النخلتين وعيتها
…
يذَّكرني غزلان وجرة والحمى
وقد أرشفتني قهوةٌ من رضابها
…
وقد جعلت منها لها كأسها فما
فقالت ببعض العيش لو رحت قانعاً
…
حلمت على دهر عليك تحلَّما
فأنشدتها البيت الَّذي شاع ذكره
…
وعنه لديها ما أملت الترنُّما
قنعت ببعض العيش إن عزَّ كلُّه
…
ومن لم يجد ماءً طهوراً تيمَّما
ووسَّدها منِّي التَّضاجع ساعداً
…
ووسَّدني منها كما اخترت معصما
/221 ب/ وبتنا وأستار العفاف انسادلها
…
علي مريم منها ومنِّي ابن مريما
إلي أن بدا ضوء الصَّباح فخلته
…
سني فلك الدِّين الوزير مخيِّما
فتي أمنت عيني برؤية شخصه
…
إلى أن توافي حينها خيفة العمي
وكان مقالي للَّذي قال قد حوي
…
به الأشرف السَّلطان للملك مغنما
فموسي كموسي وهو هارون ملكه
…
ومنه إلى ما يسلم سلَّما
ولا عجبٌ إن شدّ بالرّأي أزره
…
كما شدَّ أزر الحمد جود يد همي
وبالقلم الساطي. . . . . علي القنا
…
وبالخذم كم ألقي إلى الفلِّ مخذما
كما قد أباد السَّابريَّ تمزُّقا
…
وإن كان يسمو عن مقالي له كما
فإياك أن تذكر لدي خط نفسه
…
حساما وأن تدني إلى الوصف لهذما
فكم سمهريَّ صار منه محطَّما
…
وكم مشرفيَّ عاد منه مثلَّما
ولم تغن إلاًّ كتبه عن كتائب
…
وأشقرها بالكرِّ يتبع أدهما
وما فضَّها من لا رأى من سطورها
…
لديه خميساً للبلاغ عرمرما
فقل للِّذي يرجو ندى يد جائدٍ
…
على البحر فيما جاد للمجتدي ظلما
إلي غير جواد ابن المسيري ..... ..... ..... ......
هو الصَّاحب الصَّدر الَّذي غاية النَّدى
…
يصاحب من يسدي إليه تكرّما
/222 أ/ تخال عطاياه لقاصده بها
…
جبالاً أتت في أبحر البشر عوَّما
لهم أعربت أغراب معني مدائحٍ
…
وكنَّا نراه قبل ذلك معجما
مسدّدةٌ آراؤه فلكيِّةٌ
…
مسيرته بالحزم تحزم أحرما
لقد حنَّكته حكمةٌ وتجاربٌ
…
فخذ من علاه أحلم الفصل محكما
أيا سيِّد السَّادات كن لي مساعداً
…
علي زمنٍ يخطني بغنًي رمي
إلي كم أشق القفر الفقر منجداً
…
وفيم اقتضت منِّي المتاعب متهما
وعن كعبة المعروف كم أنا عائدٌ
…
كما جئتها ممًّا أؤمِّل محرما
وأنت لها الرُّكن الَّذي عرافته
…
لمعروفها ما أنكر الحمد مر تما
وزمزم جدواها ومنسك فضلها
…
ولمَّا تزالا منك نسكاً ترمرما
وفي كلِّ عامٍ بالأماني يعلُّني
…
رجائي بما يدني عسي ولعلَّما
وليس قيامي في سوي لجَّة النَّدي
…
لأعذب ورد كيف أقضي من الظَّما؟ !
وذا السَّهم إن لم يصم لي غرضاً به
…
غدوت علي فقد الحياة مصمِّما
وما ثَّم إلَاّ عزمةٌ فلكيِّةٌ
…
تشكل لي حظاً بفقر تهدَّما
فإن لمحتني من علاها عنايةٌ
…
تسربلت سر بال السَّعادة معلما
وعاد إلى أهلي النَّذير قائدي
…
ولست بقوَّال أعود مدرهما
/222 ب/ ودم في سماوات المعالي محكّماً
…
مناقبك الَّلاتي له صرن أنجما
وأنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد الحلبيّ؛ قال: أنشدني أبو
الحسن علي بن أدريس بن مقلد بن شبل بن حريز الحمصي، لنفسه من أبيات:
[من الخفيف]
أيُّ طيفٍ تطيفه الأحلام
…
بكئيبٍ جفونه لا تنام
أو تري عدل حاكم البين في شرع الكآبات والغرام الغرام
يا لقومي تجنَّبوا الخيف إذا ما
…
فيه أمنٌ لمستهامٍ يسام
وتعدًّوا رمال رامة إذ فيه تصيد الضراغم الآرام
بجفونٍ. . . . . الذم للغضب فما عندها لقلبٍ ذمام
وأنشدني؛ قال لي: واقترح علي الملك المنصور – صاحب حماة – أن يجيز بيتاً هو:
[من الكامل]
يغدوا عليَّ بريقه وبكأسه
…
فيعلُّني بالكأس بعد الكاس
والروض قد أهدي إلى نوَّاره
…
روح النَّسيم بأعطر الأنفاس
ومهفهف من خدِّه وعذاره
…
يجلو جنيَّ الورد تحت الآس
/223 أ/ يغدو عليَّ بريقه وبكأسه
…
فيعلُّني بالكاس بعد الكاس
فيروح لي سكران منه ولم يكن
…
للراح إلَاّ سكرةٌ للحاسي
رشاٌ يعير البدر ضوء جبينه
…
والغصن لين قوامه الميَّاس
وإذا أراد مسيرة ناديته
…
(ما في وقوفك ساعةً من باس)
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه، وقد اقترح عليه:[من الكامل]
ولربَّ قائلة: سيول الجود لم
…
ركدت وكانت جمَّة التَّيَّار
فأجبتها لا تنكري هذا فقد
…
جمد النَّدى لبرودة الأشعار
نصف البيت الأخير لابن حكِّينا البغدادي.
وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه: [من الوافر]
يرقُّ لي العواذل وهي تجفو
…
وأنكر حبَّها والسُّقم عرف
بدت كهلال دجنٍ والثًّريَّا
…
منظمةٌ لها قرطٌ وشنف
تهدّد بالنوى ..... ..... ..... ...... .....
فلا وأبيك لم يكن غير لمحٍ
…
وأسار الدُّجى كالصَّدِّ وجف
وقالوا في الضَّعائن أمُّ خشف
…
سرت ولخدرها الخرسان سجف
/223 ب/ وفوق عقودها قمرٌ منيرٌ
…
وتحت ثيابها خوطٌ وحقف
فقلت لصاحبي ظعنت سليمى
…
فدمعي بعد مسراها مسفُّ
وأنشدني؛ قال أنشدني وقد أهدي إلى الملك الأفضل سروة من شمع في كأس رخام: [من البسيط]
ودوجة ما سقاها شأن غاديةٍ
…
تميس في كأسها كالشَّادن الثمل
كأنَّ أصفرها لوني وأحمرها
…
دمعي وأبيضها وجه المليك علي
وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه في قويق، وقد ملَّ وهو وابن نظيف واقفان عليه:[من الكامل]
ولقد وقفت علي قويق عندما
…
وافاه سيلٌ ليس بالممنوع
لو لم يكدِّره لقلت مواهب
…
ابن نظيف للعافي بغير شفيع
وكذاك لولا برده لحسبته
…
لمَّا تولَّى الظَّعن فيض دموعي
وقال في صديق ودَّعه: [من الكامل]
يا أيُّها الغادي إليك نصيحةً
…
من قبل توديع وحثِّ مسير
أخشى يفرِّق عيسكم يوم النَّوى
…
دمعي ويلهبه شرار زفيري
فخذوا أماناً من جفونٍ دمعها
…
هتنٌ وقلبٍ عنك غير صبور
/224 أ/ وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه أيضاً، في الفلك بن المسيري يمدحه:[من الخفيف]
فلك الدٍّين ما إلى غير معروفك سيرى بالنَّاجيات البدن
أنت عبد الرَّحمن لفظاً ومعنى
…
لسموٍّ تسمى الفخار وتكني
لم يجزني سواك مالاً وجاهاً
…
ويعنِّي ومن زماني يجرني
إن لوت ليت مكرماتك عنِّي
…
غفلةٌ فهو آخر العهد مني
حاشا لله أن يخيِّب فيمن
…
هو روح الوجود للقصد ظنِّي
أو يراني الحسود ممَّا أرجِّيه لقرع الفاقات أقرع سنِّي
ومسيري إلى ندى بن المسيريِّ بقلبٍ لآنعمٍ مطمئن
بل معادي يكون عنه بما
…
عاد نظام الثَّناء عن وجود معن
دام في نعمةٍ لعلياه يغني الحمد إذ للعفاة بالمال يغني
[246]
علي بن إسماعيل بن الحسن بن الطوير، أبو الحسن المصريُّ.
أدرك دولة المصريين، وخدم .... بن شاور، واستوزره بهاء الدين قرقوش، وعاش عمرا طويلاً/224 ب/ مائة وسبع سنين؛
وتوفي في أواخر صفر سنة سبع عشرة وستمائة.
وكان رجل جليلاً من كبراء أهل مصر في الرئاسة، وأحد الشهود المعدّلين بها، وكان معتنياً بالتواريخ والسير والأشعار؛ شاعراً فاضلاً.
أنشدني أبو المآثر عبد الصمد بن عبد الله المصري؛ قال: أنشدني أبو الحسن له: [من الطويل]
لئن كنت قبل اليوم أسأل خالقي
…
يمتِّعني بالمال والجاه والأهل
فإني لا أسأله يبقيك دائماً
…
ويوزعني شكريك أصبحت في شغل
عسى الله يجزيك ما أنت أهله
…
ويبقيك ماضي العزم والقول والفعل
وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه: [من الطويل]
أكرِّر تسليمي عليه بأننَّي
…
أشاهده بالقلب وهو بعيد
وليس علي حبِّي له ومودَّتي
…
وشكري وإن رمت المزيد مزيد
[427]
عليُّ بن عليُّ بن سالم، أبو الحسن بن أبي البركات البغداديُّ، المنعوت بالمفيد.
من أهل الكرخ، ويعرف بابن الشيخ قرأ شيئًا من النحو على أبي الفرج/225 أ/ محمد بن الحسين الجفني البغدادي.
وكان شاعراً صاحب بديهة حاضرة في النظم، سريع الخاطر فيما يقوله من القريض؛ وديوان شعره مجموع، وله مدائح في الناصر لدين الله- رضي الله عنه أجاد فيها.
وكانت ولادته بكرخ بغداد سنة تسع وخمسين، ومات يوم الثلاثاء سابع رحب سنة سبع عشرة وستمائة.
أنشدني أبو الحسن علي بن المبارك بن هرثمة البغدادي الكرخي؛ قال أنشدني ابن الشيخ لنفسه: ؛ يمدح جما الدين بن الحصين
: [من مجزوء الرمل]
بان من أهواه عنِّي
…
فتجافى النُّوم عيني
قمرٌ أيسر ما فيه
…
صدودٌ وتجنِّي
ذكره يدخل قلبي
…
قبل أن يدخل أذني
أنا افدي منه غصنًا
…
في كثيبٍ مثنَّي
عدت يوم البين عنه
…
نادماً أقرع سنِّي
كم أناديه فأدعوه
…
فلا يسمع منِّي
ما تخيَّلت بأنَّ
…
الخدن لا يرعى لخدن
سيِّدي ما كان ظنِّي
…
فيك أن تخلف ظنِّي
/225 ب/كلُّ شيءٍ ما سوى وصلك لي صفقة غبن
يا غريب الحسن والجالب منه كلِّ فنٍ
ما ذكرنا البدر إلَاّ
…
وبه إيَّاك نعني
أو ذكرنا الغصن إلَاّ
…
وكنت من أحسن غصن
متلفي فيك تلافيك
…
وإعراضك عنِّي
أترى ذلك يرضيك
…
فإن كان فزدني
كم تأنَّيت لأمرٍ
…
عزَّ مع طول التَّأنِّي
وكم استعجلت شيئا
…
جاء من غير تعنِّي
أتمنَّى ليلة السَّفح
…
وما يجدي التَّمنِّي
نح معي يا طائر البان وإن شئت فغنِّ
كلُّنا صاحب وجد
…
وصباباتٍ وحزن
صاح ما ذي الغارة الشَّعواء في منزل أمن
رشأ يفتك بالأسد
…
بلا ضربٍ وطعن
ما رمى إلَاّ أصاب القلب من قبل المجنِّ
/216 أ/ فهو في السُّخط جحيمٌ
…
والرِّضا جنَّة عدن
كجمال الدِّين مولى
…
معرب السُّؤود منِّي
ماجدٌ في راحتيه
…
ما يروم المتمنِّي
يهدم المال ولكن
…
لقصور المجد يبنِّي
فهو عزِّي وغياثي
…
من أذى الدَّهر وحصني
قد جرت في بحر جدواه بريح النُّجح سفني
وأنشدنا محمد بن سعيد الواسطي؛ قال: أنشدني أبو الحسن الكرخي لنفسه: [من الكامل]
ما هذه الدُّنيا لطالب رفدها
…
وعطائها إلَاّ شقا وعناء
يبني بها داراً ويعلم أنَّه
…
يمضي ويسكن داره الأعداء
ولو ارعوى لم يبن فيها منزلاً
…
ونهاه عن عمل الفناء فناء
كمثال دود القزِّ ينفع [غيره]
…
ولنفسه بفعاله الضَّرَّاء
وانظر إلى المعنى بعين بصيرةٍ
…
فاللَّفظ للمعنى الجليل وعاء
ما الفرق في صور الرِّجال وإنَّما
…
بالفضل قد تتميَّز الأشياء
وإذا العبارة لم تكن من نيَّةٍ
…
لله من ذي القصد فهي هباء
/226 ب/ من لم يكن في نفسه بمعظَّم
…
لمَّا يعظٍّم قدره العظماء
والحرُّ يشبه كلُّ حرٍّ مثله
…
وكذا السَّفيه نظيره السُّفهاء
وقال في مدح السواد: [من المنسرح]
إنّي لأستحسن السَّواد إذا
…
فكَّرت فيه بقلب معتبر
لو لم يكن في السَّواد منقبةُ
…
ما طرِّزت منه وجنة القمر
ولم يكن في أعزَّ منزلةِ
…
وخير مثوًى في القلب والبصر
ولم يكن في الورى شعارً بني
…
العبَّاس آل النَّبيِّ من مضر
خلائف الله في بريِّته
…
أثني عليهم في محكم السُّور
وقال أيضا: [من المنسرح]
قصَّر نومي طويل تسهيدي
…
لذات قدِّ كالغصن أملود
بيضاء كالدُّرَّة النَّقَّية زينت
…
بحسن الغدائر السُّود
أبدت لنا ساعة الوداع وقد
…
زمُّوا المطايا لساحة البيد
وأنشدني الحافظ الإمام أبو عبد الله بن النجار؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن علي لنفسه: [من الوافر]
/227 أ/ ومعتدل القوام إذا تثنَّى
…
تثنَّى الغصن وانهال الكثيب
يجرِّد من لواحظه حساماً
…
له في كلِّ جارحةٍ نصيب
ويرسل اسمها من مقلتيه
…
مواقعها من المهج القلوب
سقام جفونه مفتاح سقمي
…
وذلك ممرض وهو الطَّبيب
كأنَّ الحسن يعشق وجنتيه
…
فليس يغيب عنه ولا يغيب
[428]
عليُّ بن الحسن بن شدادِ، أبو الحسن المصريُّ.
كان شاعراً متفقهًا، متأدبًا، حسن الشعر.
أنشدني القاضي عبد الصمد بن عبد الله المصري؛ قال: أنشدني علي بن الحسن لنفسه: [من الخفيف]
يا بعيد المزار ودُّك داني
…
ليس ينأى وإن نأت بك دار
واقتراب القلوب مطلوب أهل الفهم لا أن تزاحم الأبشار
ربَّ دانٍ بالجسم ناءٍ عن القلب وناءٍ له الفؤاد قرار
وأنشدني؛ قال أنشدني لنفسه: [من البسيط]
يردُّني الشَّوق إما كنت نحوكم
…
فلست اعرف أرضاً غير أرضكم
/227 ب/ نسيت كلًّ طريقٍ كنت أعرفها
…
إلَاّ طريقًا يؤدِّيني لربعكم
[429]
عليُّ بن الحسن بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن ثابت بن مزاحم بن عيّاش بن وديعة، أبو الحسن الرّبعيُّ النيليُّ
هو قرية من قرى النيل، تسمى أرديخلي.
كان مولده بها سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وخرج عنها إلى الموصل، وأقام بها يؤدِّب الصبيان، إلى أن مات لثلاث ليال
بقين من المحرم سنة عشرين وستمائة؛ ودفن بباب العراق، ظاهر البلد، بمقبرة عنار.
وكان ذا معرفة بالنحو والحساب؛ شاعراً شيعياً، أشعاره كثيرة في أهل البيت- صلوات الله عليهم وسلامه-.
أنشدني ولده أبو عبد الله محمد؛ قال: أنشدني والدي لنفسه يتشّوق أهله: [من البسيط]
هل لي إيابٌ إلى أهلي وأوطاني
…
وجيرةٍ ذكرهم روحي وريحاني
أرضٌ هويت هواها إذ بها نجمت
…
قدمًا منابت أعراقي وأغصاني
وجيرةٌ جارهم لا جور يكلمه
…
وهم له مثل أنصارٍ وأعوان
إذا تعوَّضت عنهم لم أجد عوضاً
…
كلَاّ ولم يري إنساني لإنسان
/228 أ/ وصاحبٍ كنت أرجوه وآمله
…
عوناً لفتح ملمَّاتٍ وأضغان
جازيته بجميل الفعل مجتهداً
…
في حفظه وبضدِّ الفعل جازاني
كم نال بالنِّيل بعد الصَّدِّ من غرضٍ
…
وكم عليَّ قسي كلبٌ بقوسان
ولسد أجزع من ضدٍّ ولي سندٌ
…
عليه بعد إله العرش تكلاني
إمام حقٍّ أقام الدِّين مجتهداً
…
بالسَّيف أبني طغاة الإنس والجان
وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني والدي لنفسه من جملة أبيات قالها في غرض له:
[من الطويل]
سقي منزلاً بالنَّيل لي فيه منزل
…
سكوب الحيأ مثعنجرٌ متهلِّل
وأيام. . . . . بالسُّرور قطعتهأ
…
وقلب مقيمٍ بالجميل موكَّل
ومنها:
أجواد أقيالٌ كرامٌ أعزَّةٌ
…
عوار فهم تزداد والعام ممحل
تري تقدر الأقدار تجمع بيننا
…
وتنصفنا الأيَّام والدَّهر يعدل
ونلبس ملبوس المواهب والتُّقي
…
ونسجتها في الصَّالحات ونرفل
ندير دروس العلم فينا ولم نزل
…
نعلَّ معانيها الحسان وننهل
وإنَّا وإن شطَّت بنا غربة النَّوي
…
. . . . . في النَّاس مجدٌ يؤثَّل
/228 ب/ سمونا فأنجانا السُّمو وقد سما
…
أبو جرض أنجاه حرٌ محجَّل
وهيهات ينجو فاسقٌ حال بينه
…
وبين نجاة جحفلٌ فيه جحفل
بأيديهم سود ..... كأنَّها
…
إذا لمست كادت لها النَّفس تجفل
وأعلوه لكن ظهر حرٍّ تخاله
…
كراكبه عيناه عيناه تغزل
وحافره [يا] للرجال مقبَّبٌ
…
كحافره صلب المسامير منعل
ونقلاته نقلاته بيد أنَّه
…
إذا ما مشي بين الحمير يحمّل
شديدٌ سر سيع الخطا سيَّان عنده
…
إذا باشر المسرى مخفٌ ومثقل
[430]
عليُّ بن إسماعيل بن إبراهيم بن جبارة بن مختار بن يوسف بن إبراهيم بن الحسن الكنديُّ التُّجيبيُّ الأشعثيُّ الهذلىُّ المحليُّ.
منسوب إلى المحلّة؛ وهو بلد بالديار المصرية.
سكن مصر، وكان نحوياً أديباً فاضلاً، معبّراً، يرجع إليه في علم النحو والعربية، وتصدّر لإفادة علم هذا الشأن، يقرأ عليه.
وله مع ذلك يد في الفقه والأصول، وطبع في صناعة الشعر، ومعرفة باللغة؛ وخبرت أنه كان/ 229 أ/ شيخاً حسناً،
جميل الهيأة لطيفاً، طيب المعاشرة، خدم في الأعمال الديوانية، بمصر مدة طويلة وتنقل فيها، ثم كف ّبصره بأخرة،
فانقطع إلى منزله يشغل في العلوم الأدبية كثيراً من الناس.
كانت ولادته في سنة أربع وخمسين وخمسمائة بمدينة سخا من الأعمال الغربية.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الواحد الأوسي السبي- أدم الله سعادته- قال: أنشدني
أبو الحسن علي بن إسماعيل بن جبارة السخاوي المصري لنفسه بالقاهرة، بمسجد الأزهر في سنة إحدى وثلاثين وستمائة:
[من الرمل]
هتفت ورقاء غصنٍ تغَّني
…
ذات شجوٍ أخذت في كلِّ فنِّ
صاح بي عند ذهولي شجوها
…
يا معنَّى بالحمى إيَّاك عنَّي
إن ترد علم الهوى عن صحَّة
…
خذ أحاديث الحمى عنَّي ومنَّي
يا حمام الأيك من أخبارهم
…
إن تحدَّثت بها يوما فزدني
كرِّر الأخبار يا راويها
…
ومتى ما عن شوقي فأعنَّي
يا فؤاداً ظلَّ في وادي الغضا
…
عنده خلَّفته لم يتَّبعني
/229 ب/ قالوا للجسم وقد فارقه
…
ها هنأ إلفي فودِّعني ودعني
أضرم الشوق بقلبي جمرةً
…
عجباً لم يطفها طوفان جفتي
أتمنَّاهم على بعد المدى
…
قلَّماً يجدي على الصَّبِّ التَّمني
وأرجَّي عودة بعد النَّوى
…
واللَّيالي أحلفت لي حسن ظنَّي
يا أخلائي من الخيف لقد
…
كان لي في قربكم جنَّات عدن
وقال أيضاً: [من الخفيف]
قد جعلت البدور منك حيارى
…
حسداً والنُّجوم منك غيارى
بأبي من دفعت قلبي إليها
…
باختياري فلم تدع لي اختياراً
الأمان الأمان منها ومن نار هواها أو الفرار الفرارا
وبقلبي من كان عهدي بقلبي
…
مضغة ثمَّ قد احالوه داراً
جيرة أحسنوا إلينا وإن جاروا علينا وإن اساءوا الجوارا
حملوا الرَّاح في المباسم لكن
…
هم صحاة منها ونحن سكارى
كم أتينا لها ورحنا زماناً
…
وجئنا بها
…
مرارا
وبلغنا بها الأماني طوالاً
…
وقطعنا بها الليالي قصارا
ما جعلت العناق منى دثاراً
…
أو جعلت الشُّعور منها شعارا
/230 أ/ بدياري عشقت لم أندب الر
…
بع ذهولاً ولا سالت الدًّيارا
كلفي قطُّ لم يسافر ولا سار غرامي
…
خلف الُّذي عنه سارا
ثمَّ شاب العذار مِّني ويكفيك شيب العذار عند العذري
فأ‘رت الشَّباب غيري وما زال شباب الإنسان ثوباً معارا
طلع الشَّيب في عذاري نجوماً
…
ورأيت النجوم منه نهارا
وقوله: {من مجزوء الكامل]
جاءت بحسن مطمئنِّ
…
جاءتك منه بكلِّ فنٍّ
يا حسنها ممَّا يروع بالعذار المرجحنِّ
فرِّت من الفردوس إما من ملال أو تجيِّي
يشتاقها مثلي كما
…
تشاقها جنَّات عدن
لحلا صورة كحلها في جفتها سيف بجفن
لمياء مبسمها كصبح قد أحيط بيوم دجن
أنفاسها كنسيم ندِّخاض فيه نسيم دنِّ
يا عاذلي فيه أعِّني
…
أو إليك إليك عنِّي
دخل الغرام بغير أمري للحشا وبغير إذني
/230 ب/ تدعو ملاحتها الغرام فيستجيب بلا تأنِّي
ويريك كل إساءة
…
وجه يجيء بكل حسن
وقوله: [من مجزوء الخفيف]
قلت يوماً لمن على
…
خسنه الخلف مجمعه
يا غزالا بحسنه
…
ملك القلب أجمعه
كنت سلِّفتنك الوداد لترعاه في دعه
قال لي مثله رددت من الضِّيق والسِّعه
قلت: زدني من الوصال وخذ مهجتي معه
قال: هذا محرم
…
سلف جرَّ منفعه
وقال: [من الخفيف]
زار عنها الخيال وهي نحيله
…
فاغتنمنا منها الوصال لحيله
جعلت مقلتي منامي سبيلاً
…
لتلافي وصالها ووسيله
تتناءى يقظي وتدنو مناماً
…
فاعجبوا من ضنينه ومنيله
هي منصورة بحسن ودِّل
…
وهما في الورى أعزُّ قبيله
تتثنَّى غصنا وترنو غزالاً
…
حين تدنو بدراً وتذكو خميله
/231 أوأنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي
بحلب؛ قال: أنشدني ابن جبارة لنفسه: [من المجتث]
لا تعجلن بملامي
…
دهاك منى اعتذاري
فليس عاري بأنِّي
…
أغذو وجسمي عاري
فضلي إزاري فمن ذا
…
عليَّ من بعد زاري
عليٌّ اسمي ولكن
…
ذو الفقر لا ذو الفقار
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب]
ولمَّا تنادوا لو شك النوى
…
وجاء الفراق بما احذر
كتبت بدمعي على وجنتي
…
سطوراً بنار الجوى تخبر
وأعجلها سيرها أن تجفَّ
…
فأثَّر فيها دمعي الأحمر
وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من البسيط]
وصاحب في رضاع الكأس نادمني
…
وندَّمِّني بلا جرم فندَّمني
وقال للقلب لمَّا غاب عن بصري:
…
يا أيها القلب بعد البعد كن دمني
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]
/231 ب/ إذا ما شكا المملوك قلت له: اصطبر
…
وقد ملَّني صبري ولم يحتمل كلِّي
وكيف اصطباري للخطوب وكلِّها؟
…
وقلبي بلا خلٍّ وبقلي بلا خلِّ
وأنشدني؛ قال: أنشدني من قصيدة أولها: [من الكامل]
آيات حِّبي فيك لا تتأوَّل
…
سقمي النَّبيُّ بها ودمعي المرسل
حكم الغرام بأنَّ دمعي مايني
…
أبداً يجود وأن صبري يبخل
جنَّ الفؤاد بما أجن صبابة
…
فعلام دمعي في الخدود مسلسل
يا مرسلاً من خطِّه مسترسلاً
…
سهماً بما يوحي إليه يفعل
لا ترسلنِّ إلي سهماً بعده .... أمسك سهاماً قد أصبن المقتل
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
لهفي على أسرة ما سرَّني بهم
…
عيش وأنَّهم مشن بيننا فقدوا
كانوا المراجيح والأحلام طائشة
…
وكالمصابيح في الظَّلماء تتَّقد
وآخر الأمر قالوا قد قضى عمر
…
خرست ناعية أو خانك الرَّشد
لقد أتيت بها شنعاء
…
لا يستقلُّ قلب ولا كبد
قد خلف
…
فكان خط على بعده الكمد
/232 أ/ وأنشدني؛ قال: أنشدني علي بن جبارة لنفسه: [من الرمل]
قلَّدوني من هوى نجد نجادا
…
ودعوني امتطي الوجد جوادا
واتركوا العدل صفاء إنَّني
…
بسيوف الشَّوق افنيهم جلادا
وافتدوني من يدي أسر النوى
…
باصطبار وافيدوني فؤدا
واحبسوا الركب فإن هم وقفوا
…
بلَّغوا منهم مرادي ما أرادا
واستعيروا لي إذا ما طاف بي
…
طيفهم من أعين العين رقادا
واعيدوا لي حديثي بالحمى
…
فمعادي فيه إذ يبدو معادا
سرت خلف العيس أنسا ابتغي
…
فرأوا شخصي فردُّوني فرادا
أترى خافوا من الواشي ومن
…
حرقة القلب انتقاداً واتقَّاداً
وأظلم الجوُّ لعيني بعدهم
…
وكذا يلبس ذو الحزن الحدادا
لم تذق عيني كرى بعد النوى
…
إن شككتم فاسألوا عني الوسادا
كم منعتم أن يعاذ المبتلى
…
بهواكم وأبحتم أن يعادى
وبقلبي ظبية إنسية
…
جعلت عيني لذا الحبِّ رشاداً
رمت ان اصطادها فانعكست
…
قصِّتي فيها فحارتني اصطيادا
/232/ب/أبصرت شيبي فولت ولكم
…
في شبابي قد اتتنا تتهادى
فسقى المعهد من عهد الصبا
…
كلُّ غيث قد تمالا وتمادى
من يد الصَّاحب من راحته
…
بالنَّدى أحيت جماداً في جمادي
لا تسمُّوه جمادى إنه .... قد كساه الجود واسموه جوادا
يهب الدُّنيا بلا من بها
…
ويرى ذاك لراجيه اقتصادا
فاح عرف العرف من راحته
…
فملا الدُّنيا يفاعاً ووهاداً
ناده إن حلَّ خطب إذ بدا
…
وجبه جدب إنه نعم المنادى
واطل سؤلك واسأله الغنى
…
إنما تسأل من بحر ثمادا
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر]
أيا حلو المجانة والمجاني
…
جفوت فنوم عيني قد جفاني
وآمل من جفائك لي أماناً
…
فأرجع من أماني بالأماني
أسال الوجد فيك دموع عيني
…
مطيعات وسلواني عصاني
وكم قد رمت سلواناً ولكن
…
قوامك في تثَّنيه ثناني
وكم امر اصطباري عنك قلبي
…
فقال له: هواه قد نهاني
وأنشدني؛ قال: أنشدني قوله: [من الخفيف]
/233 أ/ هات كأسي ولا تخف من مكاسي
…
لا تكن لي بين الأناس بناسي
إن همي الهمُّ من سحاب أكنَّت
…
أو دجا ليله غدت نبراسي
قستها بالخدود حمراء حتَّى
…
جاء درُّ الحباب ردَّ قياسي
حبَّذا ذلك الحباب كدرِّ
…
فوق تبر مفرَّع الأكياس
نفضت نفسها وقد بخل الشَّرب عليها وهم من الأكياس
فسقوها وقد سقوها فكانت
…
سلسبيلا مسكية الأنفاس
ولدت فيهم المسرَّة بكراً
…
من رأى البكر وهي ذات نفاس
تتجلى شمساً وتجلى عروسا
…
بين غصن النَّقا وظبي الكناس
ذاب حسِّي من حبِّ من لست أنساه بذكر له وهو لي متناسي
لا أسمِّيه خوف زجر يقال
…
حين اسماه أهله بأياس
وأنشدني أيضا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الكامل]
شوقي تمادى فولا أننَّي
…
علَّلت قلبي باللِّقاء لذابا
ما شاب قلبي بالمودَّة سلوةً
…
لكن فرقي بالتَّفرق شابا
قد طال عهد البين فيما بيننا
…
إلا تزر فابعث إلى كتابا
وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من البسيط]
/233 ب/ ما لي وللشَّوق أبديه ويخفيني
…
وللصبابة أرويها فتضميني
أروم آتيكم مع بعد داركم
…
عن العيان فيأبى البين يدنيني
لعلَّ نسمة ريح من خيالكم
…
تهبُّ قصداً تحييِّني فتحييني
وأنشدني؛ قال: أنشدني قوله: [من الطويل]
وكم آمر بالصَّبر قلبي رددته
…
وقلت له ما لي إليه سبيل
ثنيَّة قلبي اسكنوها بثينةً .... وما الصَّبر عنها يا جميل جميل
ضمنت الهوى منها بروحي فحسنها
…
وكيل ووجدي بالوفاء كفيل
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الرمل]
يا هلالاً في فؤادي أشرقا
…
ليس لي مذ غاب عن عيني بقا
سلب الصبر وأعطاني الأسى
…
وسبى النوم وأهدى الأرقا
تخذ الحاجب قوساً وانتضى
…
لحظه سهماً وقلبي رشقا
لم يبقِّ الوجد عندي والجوى
…
رمقا في مهجتي مذ رمقا
فسلوه حين ولَّى معرضاً
…
ملقاً منه لمن اضحى لقى
هذه نجد وهذاك الحمى .... فسلوه أين غزلان النقا
آه وجدً إن أجبت دارهم
…
بعد المرمى وعز الملتقى
/234 أ/ جيرة كانوا فجاروا إذ ناوا
…
واعاضوا عن سلوِّي قلقا
أنعموا بالطَّيف نعمي خلَّصت
…
مهجتي بالقسر في أسر الشقا
حي طيفا طاف بي من حيَّهم
…
حين حياَّني أزال الحرقا
بات يسليني ودمعي مسبل
…
فرقاً حتى رقاه فرقا
ما رقا دمعي حنوّا إنمَّا
…
خاف لمّا فاض منه الغرقا
أيها الورقاء أميلت الدُّجى
…
من غناء وملأت الورقا
خفضي لحنك لا تزهي به
…
ليس من نمَّق لفظا شقى
أنا أميلك مديحا لو بدا
…
في دجى اللَّيل أزال الغسقا
ذاك مدحي في أبي بكر ومن
…
جوده في الأرض اضحى غدقا
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في طول الليل: [من الطويل]
تطاول هذا اللَّيل حتَّى طننته
…
يدوم وأنَّ الصبح لا يتوقَّع
ترى الليل قد صف النجوم عساكراً
…
لديه وضوء الصُّبح من ذاك يفزع
وقال أيضا: [من البسيط]
يكفيك أنَّ فؤادي في تلافيه
…
بكلِّ سورة وجد قد تلافيكا
وأن قلبي متى ما رام تسلية
…
عن الغرام ثنى غزمي تثنيِّكا
/234 ب/ فأنت لي جنَّة أرجو النَّعيم بها
…
لولا تجنيِّك لم أبرح أناجيكا
يا كعبة الحسن ناد القلب محتجا
…
فإنَّه في إحرامي يلبيِّكا
كم ليلة غبت عن عيني فما حفلت
…
بالبدر في الأفق لما بات يحكيكا
وملت للغصن لما أن حكاك هوى
…
فلم أجد فيه شيئا من معانيكا
أهوى لأجل ثناياك العذاب من
…
لثم الأقاح وما فيها لما فيكا
تعلًّلاً لفؤاد لم تعده سوى
…
هدر فيتعاض عن وصل تمنيِّكا
إن كنت أنكر ما بي من جوى وهوى
…
فانظر لشاهد حالي فهو يببيكا
وحسب حبِّك أنَّ القلب في وله
…
وما تعداَّك توليه تعدِّيكا
زد يا غرامي وإن زاد الحبيب قلى
…
فإن أدنى وصال منه يرضيكا
وقوله: [من الخفيف]
غردت في الأراك وهنا حمامه
…
فأتاحت للمستهام حمامه
هي تبكي تطرُّبا وهو يبكي
…
بجفون قريحة مستهامه
مغرم ما انتشى بكأس سلو
…
فيعِّنيه عاذل بملامه
ذو فؤاد للوجد يسكن نجدا
…
وهو يهوى من الهيام تهامه
سلبته ظباء وجرة قلباً
…
ما ارتضى بعدهن دار مقامه
/235 أ/ ومنها:
بوجوه مثل الصَّباح صباح
…
وثغور نقَّية بسَّامه
نقل المسك عبقة عن شذاها
…
وروى البدر عن سناها تمامه
لا تلمها إن عربد اللحظ منها
…
ثملت بالرُّضاب وهي مدامه
وغزال خطَّ الجمال بخدَّيه على
…
الورد للوسامة شامه
طرّز الحسن وجهه بعذار
…
ما تعدّى فمن ترى رسَّامه
طرفه الملاحة حتى
…
كسرت جفنه وسلَّت حسامه
إن سألناه الوصل صال ليثاً، أو سألناه اللثم ردَّ لثامه
أو طلبنا منه ديون هواه
…
أثبت التِّيه عندنا إعدامه
وقال: [من مجزوء الرجز]
يا للغرام قد سبى
…
باللَّحظ قلبي
…
... ....
مهفهف هزَّ الصِّبا
…
منه القوام لا الصَّبا
وشادن بطرفه
…
يصير ليثًا أغلبا
غضُّ الشَّباب لحظه
…
في مهجتي ماضي الشَّبا
/235 ب، واه مناط خصره
…
يضعف عن عقد القبا
طلعته من صدغه
…
بدر يحلُّ العقربا
وما بدا إلا اختفى .... ضوء الصباح أو خبا
النار في قلبي فلم
…
خدَّاه قد تلهَّبا
وقاتلي بمقلة
…
يملك قلبي سلبا
أأسهم الحاظه
…
تصمي القلوب أم ظبا
سألته في قلبة
…
فلم يجبني وأبى
حلو الرضا لكنَّه
…
مر إذا تغضَّبا
يا ليتني مرتشف
…
ذاك اللَّما والشَّنبا
أفديه ما أحلاه ما
…
أحسنه ما أعذبا
عذب ولكن لم يزل
…
محبُّه معذبا
وأنشدني أبو المعالي محمد بن الظفر الإربلي المصري؛ قال: أنشدني علي بن جبارة لنفسه: [من البسيط]
/236 أ/ من ذا يبشِّر جفناً في سرى السَّهر
…
بطيِّ ثوب الدُّجى في ساحة السحر
ومن يعين عيوناً لم يؤب غسق
…
إلَّا وبات الكرى منها على سفر
ومن يجير جنوباً كلما اضطجعت
…
كانت على الفرش بين الشَّوك والإبر
يا أهل حاجر ما أقسى قلوبكم
…
من حاجر انتم حقاً أم الحجر؟ !
حجبتم عن عياني بدر أرضكم
…
فبات يرعى أخاه في السَّما بدري
وقال أيضا: [من الخفيف]
في الغرام العذريِّ قد بان عذري
…
لم يفدني ف الحيِّ اخذي حذري
خبَّر العاذلون عنِّي بأنِّي
…
في الهوى قد سكرت من غير خمر
روِّني من حديثهم حين تروي
…
أو فدعني من قول زيد وعمرو
هات زدني يا سعد عنهم حديثاً
…
واعده وخذ بقيَّة عمري
لم أجد في الغرام كتماً لأنِّي
…
قد تساوى في الحبِّ سرِّي وجهري
لا وبيض على الرِّكاب وسمر
…
قد حموها عنِّي ببيض وسمر
لم أجد هودجاً كناساً لظبي .... ونقاباً .... وأفقاً لبدر
أسدلت شعرها فحاروا بليل
…
وبدا وجهها فساروا بفجر
وانثنى قدُّها فقالوا كغصن
…
ورنا طرفها فهاموا بسحر
/236 ب/ وقال أيضا: [من الخفيف]
لي في ذمَّة الوصال ديون
…
إن أراد الوفاء فهي تهون
أتقاضاه والغريم مطول
…
وأداريه والزَّمان خؤون
قيل لي: قد جفاك قلت مجيبا:
…
أنا أهواه كيف كان يكون
كلُّ هجر من غيره فهو قبح
…
وهو منه حاء وسين ونون
يا عذولي مات الهوى في فؤادي
…
فهو ما بين أضلعي مدفون
في هواه أهوى أغنَّ غريراً
…
زاحمتني على هواه العيون
[431]
علي بن بكمش بن عبد الله، أبو الحسن التركي العزي البغدادي
ينسب إلى عز الملك، ومن ولد نظام الملك الوزير أبي الحسن بن علي بن إسحق الطوسي
وكان والده جندياً، خدم بعد قتل مولاه بواسط مع
…
... وتزوج بوالدته، ثم قدم بغداد، وأقام بها، وخدم مجد الدين بن الصاحب إلى أن مات.
وأبو الحسن قرأ النحو والعربية على أبي بكر المبارك بن المبارك الواسطي، ثم علي عميد الرؤساء أبي منصور/237 أ/ هبة الله بن حامد الحلي اللغوي وغيرهما؛ وحفظ القرآن العظيم في مدةّ قريبة، وفي خمسة وخمسين يوماً على عبد الوهاب الوقاباتي، ولازم أبا بكر محمد بن موسى الحازمي، وخدمه كثيراً إلى أن مات.
ثم صحب جماعة من شيوخ بغداد كأبي القاسم يحيى بن أسعد بن بوش، وعبد المنعم بن كليب الحراني، وابن سكينة عبد الوهاب بن علي بن علي البغدادي وغيرهم؛ ثم توجه إلى الشام فصحب أبا اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، وأخذ أكثر ما عنده، ولم يكن في أصحاب أبي اليمن أعرف منه بعلم العربية.
وكان أديباً فاضلاً زاهداً ورعاً ذكياً؛ توفي بدمشق سنة ست وعشرين وستمائة؛ وكانت ولادته يوم الجمعة في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وخمسمائة.
أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه خادم خصي أبيض يدعي مختاراً: [من الكامل]
مختار مختار النُّفوس وفتنة
…
للنَّاظرين ومحنه العشَّاق
ومنى القلوب وغاية المطلوب في
…
شرع الهوى ومطيَّة الفسَّاق
وقال: وأنشدني/ 237 ب/ الشيخ نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن أبي طالب الشيباني، بدمشق سنة أربعين وستمائة؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه:
[من الطويل]
وقائله بغداذ منشاك الذي
…
ونشأت به طفلاً عليك التَّمائم
فما بالها تشكو جفاءك معرضاً
…
أما آن تثنى إليها العزائم
فقلت [أجل] إني الفريد وإنَّها
…
أوان مغاض الدَّمع والوقت غائم
وقد جرت العادات في الدُّر أنَّه
…
إذا فارق الأصداف لاقاه ناظم
وله وقد أوحش بينه وبين السلطان ثم أصلح بينهما، وأنشدنيه نجيب الدين عنه:
[من السريع]
يا ملكاً صيَّرني كسره
…
جبري كسيراً لازم الكسر
عبدك قد أصبح في حالة
…
تشبه ضرب الكسر بالكسر
[وأنشدني له: [من مخلع البسيط]
مرَّ بنا لابساً سواراً
…
من فوق جسم كلون عاج
تشرق أنواره علينا
…
كأنَّه البدر في الدَّياجي]
[432]
عليُّ بن المؤمِّل بن عليِّ بن أبي الحسن الباجريُّ.
وباجرة قرية مشهورة من قرايا بغداد عند بعقوبا
وصل من العراق إلى إربل، بعد التسعين والخمسمائة للتصرف في أيام الملك /238 أ: المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين- رضي الله عنه فتولى بها ولاية، مدة من الزمان، ثم رحل عنها- بعد أن حبس- إلى بغداد، وهو مقيم بها؛ ويدعي قول الشعر، وشعره غث بارد اللفظ.
أنشدني أبو الثناء محمود بن محمد بن الأنجب الإربلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه، يمدح جلال الدين علي بن شماس
…
، بمدينة إربل من قصيدة:
[من المتقارب]
وسانحة مذ قصد الوزير .... تغرِّد في الدَّوح إذا تصدح
تحثُّ ركابي إلى بابه الَّذي .. بالمنى أبداً يفتح
وكانت تضنُّ بغير البروج
…
مذ بنت عنه به تبرح
فإن سخت ويقيني بنيل
…
مناي الُّذي مثله ينجح
وأوجبت الهجر للباخل الذي
…
قط بالوصل لا يسمح
وافهم معنى تغار يدها
…
بأنَّ مريضي قد يصلح
ولما انخت بباب الجلال
…
رأيت من البشر ما يفرح
وباتت مخايل مثلي به
…
ولاحت أساريره اللًّوَّح
وعذت إلى منهل سلسل
…
يمير الوفود ولا يمتح
/238 ب/ وقال وقد حضر في بيت ضيق، كان لصديق له؛ فأنشد بخديها لنفسه:
[من المتقارب]
لئن ضاق في ربعه مربع
…
لتخصيصه لا لضيق المكان
ففي صدره ما يعمُّ الفضا .... ءقدراً ويفضل عرض الجنان
[433]
علي بن الأكمل بن النجار، أبو الحسن الصوفي
من أهل بغداد، أحد الصوفية بالرباط الشريف المجاور لعون ومعين في مشرعة الكرخ؛ رجل خير حسن الطريقة، متكلم بلسان أهل الحقيقة.
ومن شعره في المستنصر بالله- رضي الله عنه[من الكامل]
يا نعم هل لي بالأنيعم وقفة؟
…
أحظى لدة سمراتها بالأسمر
إذ ذاك تنصفني ظلوم وتتَّقي
…
ظلمي وتلقاني بوجه مسفر
ببياض وجه واسوداد غدائر
…
وحواجب خضر وخدا أحمر
فالآن مذ لبس العذار بياضه .. ما كنت في خلع العذار بمعذر
/239 أ/ ومنها:
أصبحت يا روح الزمان محكَّماً
…
خذ ما تشاء من الأماني وأبشر
بشرى لكلِّ الخلق حتى صفحة
…
الدِّينار مبتهج وعود المنبر
لا أتقي نوب الزمان وعدَّتي
…
فضل الإله ونعمة المستنصر
[434]
عليُّ بن يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الملك الأفضل، أبو الحسن
أحد أولاد الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر- رضي الله عنه ملك بعد أبيه ديار مصر والشام وغيرها من البلاد؛ فانتزع ذلك جميعه منه عمه الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن محمد بن أيوب- رضي الله عنه، ولم يبق للملك الأفضل غير سميساط، فسكنها إلى أن مات بها في يوم الجمعة بعد أن صلى صلاة الجمعة، وأدركته الوفاة فجأة، فأوصى وذلك في الخامس والعشرين من صفر سنة اثنتين وعشرين وستمائة.
وكانت ولادته بمصر يوم عيد الفطر سنة خمس وستين وخمسمائة، وأخباره ببلاد الشام مشهورة، وجرت بينهما حروب ووقائع يطول/239 ب/ ذكرها.
وكان يقرب العلماء ويكرمهم، ويقبل على أولي الفضل ويستفيد من محاسنهم كثير الاحترام لأهل العلم والدين، ويقول الأشعار الحسنة؛ وسمع الحافظ أبا طاهر السلفي بالإسكندرية وجماعة سواه.
حدثني أبو الفضل عمر بن علي بن هبيرة من لفظه؛ قال: حدثني الأمير بدر الدولة لؤلؤ بن عبد الله الملكي الأفضلي؛ قال: جلس الملك الأفضل يوماً في مجلس من مجالس أنسه، وحضر معه جماعة من ندمائه وأصحابه؛ وكان من جملتهم إنسان يلقب الهمام أمير آخر، وكان ربما استثقل ولم يطلبني الملك الأفضل لهذا المجلس؛ قال: فكتبت إليه بديهة بهذه الأبيات: [من المتقارب]
أيا مالكاً عدله قد أناف
…
على عدل كسرى الَّذي يدرس
ومن جوده عمَّ كلَّ الأنام
…
فذكراه في الدَّهر لا تدرس
أفي شرع عدلك أنَّ الهمام
…
إلى الكأس يدعى ويستحلس
ويحظى ببهجة ذأك الرَّواء
…
ولؤلؤ يضيق به المجلس
تغيَّر رأيك ذاك الجميل
…
وما الذَّنب إلَّا الولا الأنفس
/240 أ/ وما القصد في الشرب لكنَّما
…
تنافس في قربك الأنفس
وبعد فلا زلت في نعمة
…
مجدَّدة أبداً تحرس
قال: فأجابني على الوزن والقافية بديهاً: [من المتقارب]
أتني أبياتك المشبهات
…
للدُّرَّ في النَّظم بل أنفس
تعرَّضت فيها بعتب غدت
…
تألَّم من ذكره الأنفس
وكيف وودك أضحة لديَّ
…
أجلَّ العلوم الَّتي تدرس
وإن درست عند غيري العهود
…
فعهدك عندي لا يدرس
ولا يحضر الأنس إلَّا إذا
…
حضرت فأنت لنا المؤنس
وأنشدني المولى الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن الملك المفضل قطب الدين أبي محمد موسى بن الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بحلب المحروسة، بمنزله المعمور في شهر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة/240 ب/ قال أنشدنا عمي الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف- رحمه الله تعالى- لنفسه:[من البسيط]
يظنُّ دهري أن القلَّ اقعدني
…
عن أن أروح بصدر الرُّمح مكتسبا
والفقر ليس بعار في الزَّمان لمن
…
لم يبق جود أياديه له نشبا
ولَّي شبابي ولم أظفر بنيل مني
…
ولا تقضَّيت من أسبابه سببا
وهب زماني ارضاني وأعتبني
…
فهل يعيد لي العمر الَّذي وهبا
أبعد خمسين من عمري وأربعة
…
يلذَُّ لي أبداً عيش وإن عذبا
وأنشدني أيضاً؛ قال: أنشدني عمي لنفسه: [من الطويل]
وشيَّب رأسي قبل إبَّان شيبه
…
قراع اللَّيالي لا قراع الكتائب
وليس شجاع النَّفس ذا الجأش في الوغي .... ولكنَّه من يرع للنوائب
تظنَُ خطوب الدَّهر أنِّي جازع
…
لما أحدقت بي من خطوب المصائب
وتتبع سهماً بعد سهم أصابني
…
لتنكيه جلّ الخطب إن طل غالبي
وسطَّرت الأيَّام صبري تعجُّبا
…
تسطُّر إلا أمهات العجائب
وأنشدني؛ قال: أنشدني عمّي لنفسه: [من السريع]
في حلبة الصَّبر جوادي كبا
…
وسيف عزمي عن سلِّوى نبا
/241 أ/ وكلَّما خاطبت قلبي بأن
…
يسعدني بالصًّبر فيكم أبى
لهيب وجدي مذ خبت ناركم
…
عن ناظري في خاطري ما خبا
سبيته من العدوِّ عنوةً
…
يا عجباً كيف لقلبي سبى
بدر إذا أشرق في قبائه
…
ليس له غير فؤادي مغربا
لمَّا رأى سيف علىٍّ منتضى
…
من جفنه صيَّر قلبي مرحبا
وكتب إلى عمِّه الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب: [من الطويل]
أسلطاننا إن كنت لي خير صاحب
…
وخير مليك إنَّني خير مصحوب
وها أنا قد شيَّدت مجداً ليوسفً
…
كما أنت قد شيَّدت مجداً لأيوب
وقوله: وقد نشأت سحابة من الغرب لها برق ورعد: [من الطويل]
وناشئة من جانب الغرب أقبلت
…
فخلت بأن اللَّيل جاء من الغرب
إذا ضحكت بالبرق جادت بأدمع
…
من الودق فانهلَّت تدفَّق بالسَّكب
تباين حاليها عجيب ولن ترى
…
بأقرب من ضحك بكاء من السحب
وقوله: [من المتقارب]
/241 ب/ أقول له وهو يبكي الشَّباب
…
بدمع يواصله بالنَّحيب
أتبكي بدمع لفقد الشَّباب
…
سيبكي دماً عند فقد المشيب
وله في الشيب: [من الرجز]
وشعرة لمَّا بدت في عارضي
…
شائنة للحسن منه شائبه
قلعتها وقلت لا كنت اغربي
…
فجاوبتني وهي عنِّي ذاهبه
أمنت إذ قلعتني سوف ترى
…
من الَّذي يقلع منَّا صاحبه
وقال لما بلغه أنِّ غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان استشهد بطعنة أصابته في المصاف: [من الطويل]
وشمس غياث الدِّين بعد ضيائها
…
وإشراقها في كلِّ شرق ومغرب
أنار لديها كوكب الرُّمح فاختفت
…
ولم تر شمساً قطُّ تخفى بكوكب
وقال يرثي: [من الخفيف]
إكتئابي قد كان منه وقد صار عليه لمَّا ثوى في التُّراب
يا أخا الوجد خذ حديثي واعجب
…
لاكتئابي أنا له في اكتئاب
وقوله: [من الطويل]
/242 أ/ وساق سقاني قهوة فحسبتها
…
للذَّتها من ريقه البارد العذب
سناه اعتزى للشَّمس والطَّرف للظُّى
…
كذا القدُّ والأغصان والرِّدف للكثب
وقال: [من الكامل]
ما خلت أنَّ ظهور مبسمه
…
عن لؤلؤ متنضِّد رطب
من بعد علمي أنَّ مسكنه
…
ملح بأنَّ الدُّرَّ في العذب
وقال فيمن شرب خمراً فاحمرَّ خدَاه: [من الوافر]
ومن عجب الملاحة باتِّفاق
…
جرى منَّا ولم يك ذاك عمداً
سقيناه شراباً خندريساً
…
فأنبت منه في الخدَّين وردا
وله: [من الخفيف]
كلَّما رمت أن يبرِّد ناري
…
طيفه في الكرى ويطفى لهيبي
زاد في لوعتي وفرط غرامي
…
حيث أني فارقته عن قريب
وكتب إلى الملك العزيز- رحمهما الله تعالى: [من المجتث]
لمَّا رأوك الأعادي
…
على صدودك تصبو
وأنني منك مقصى
…
تقوَّلوا ما أحبُّوا
/242 ب/ واسعروا نار إفك
…
واضر موا واشبُّوا
إن كان للذنب ذنب
…
فهكذا لي ذنب
وله يرثي بعض العلماء: [من مجزوء الكامل]
عجباً لمن درس الفضائل والبلاغة كيف يدرس
ضمِّنت كلَّ فصاحة
…
يا قبره وغدوت أخرس
وقال أيضا: [من الطويل]
أبيت بليل ليس لي فيه راحم
…
سوى أنجم الجوِّ الَّتي ليس تغرب
وغيري يرى التعذيب مراً مذاقه
…
وفي مذهبي التَّعذيب في الحبِّ يعذب
وله في الخضاب: [من الوافر]
عمدت إلى الخضاب إذاً لتنسى
…
زماناً كنت فيه بلا خضاب
وأيام الصِّبا عندي محال
…
بأن تنسى بأيام التَّصابي
وقال يهجو بعض أصحابه، وقد تاب عن شرب الخمر ثم عاد إلى شربه:
[من الوافر]
وقالوا: تاب عن شرب الحمَّيا!
…
فقلت لهم كذبتم ما يتوب
/243 أ/ وكيف يتوب عن فعل دني
…
فتى قد جمِّعت فيه العيوب
وقوله في النزيه بن الضياء القزويني يداعبه: [من الكامل]
قل للنزيه وأنت صادقه
…
لم تخل من صدق ومن كذب
حمِّلت من عار خزيت به
…
ما حمِّلت حمالة الحطب
أزريت بالعلماء كلِّهم
…
فلأنت شرٌّ من أبي لهب
وقال: [من الوافر]
أقول للائمي لما لحاني
…
دع الهذيان قد صدَّعت رأسي
سماع اللَّوم أعجز كلَّ لاح
…
كذاك الموت أعجز كلَّ آسي
وقال: [من الوافر]
لئن أخطا الكرام الحظُّ يوماً
…
وخصَّ به اللَّئام بلا احتجاج
فإنَّ الدُّر يعدل عن زلال
…
وعن عذب ويسكن في أجاج
بنرجس مقلة وبورد خد
…
وآس من حواجبه الزِّجاج
وخمرة ريقه وأقاح ثغر
…
وبدر لاح من تحت الدَّياجي
أدار عذاره حرساً عليه
…
أبستان يكون بلا سياج؟ !
وقوله: [من الخفيف]
/243 ب/ رب ليل قطعته بتناجي
…
فيه ما عندنا من الإرتياح
أنا أشكو هجر الصِّباح إليه
…
وهو يشكو إليَّ هجر الصَّباح
وله يصف فرساً: [من الطويل]
وطرف يجاري الطَّرف في حلبة المدى
…
فيعجز عن إدراكه إن جرى اللَّمحا
يفوت الهواء عدواً ويسبق آصفاً
…
إذا جريا من قبل أن يحضر الصَّرحا
وقال: [من البسيط]
قد كنت من قبل أن يبدو بعارضه
…
شعر يسمِّجه عندي ويقبحه
إخال أنَّ نبات الشَّعر يفسده
…
وما علمت بأن الشعر يصلحه
وقال يمدح إخوته: [من الطويل]
بني يوسف أنتم غيوث سماحة
…
وأنتم لدى الحرب العوان أسود
وما أضرمت نار القرى ببيوتكم
…
فكان لها طول الزَّمان خمود
وقال يهجو النزيه الضياء القزويني: [من الكامل]
ويقول إبليس اللَّعين إذا رأى
…
وجه النزيه: فديت من أنا عبده
أسعى لأفسد من نأى عن داره
…
ولقيت إفساد الذي هو عبده
وله يرثي: [من الرمل]
/244 أ/ أو يرد رجلاً يجاريك بها
…
في العلا لم ير رجلاً ذاهبه
وقوله: [من الطويل]
وقالوا أتبكي من مشيت رأيته
…
بفودك مثل البرق يلمع في الدَّجن
فقلت لها لا تعجبي تلك عادة
…
مدى الدهر ضوء البرق يلمع بالمزن
وقال: [من المتقارب]
إذا المرء أكثر فيما أدَّعاه
…
فمن واجب الأمر أن يمتحن
فيظهر بالفعل برهانه
…
فيكرم إذا ذاك أو يمتهن
وقال: [من البسيط]
بالغ إذا رمت بنيانا تخلِّفه
…
فيما توطِّد من أسِّ وأركان
شيِّد مبانيك تذكر حين لات بقا
…
تبقى المباني ولكن يهدم الباني
وقوله: [من المجتث]
أستغفر الله رِّبي
…
من كلِّ ذنب وجرم
ومن قبيح فعال
…
وقَّتل نفس وظلم
وقال في غلام اسمه إبراهيم: [من الكامل]
عجباً لإبراهيم يسكن قاطنا
…
قلبي ولم يبرد لهيب ضرامه
/244 ب/ ولخدِّه المحمرِّ كيف تورَّدت
…
وجناته والطَّرف خلف سقامه
أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي الحسن بن أبي جرادة الحلبي الحنفي- أيده الله تعالى- قال: أنشدني الخطير أبو نصر فتوح بن نوح بن عيسى؛ قال: أنشدني الإمام عماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الكاتب الأصفهاني؛ قال: أنشدني الملك الأفضل علي بن يوسف بن أيوب لنفسه، في العشرين من شوال سنة تسعين وخمسمائة؛ وكتبها إلى أخيه الملك العزيز عماد الدين عثمان يستعطفه بعد أن ودعه واجتمع معه ساعة واحدة:[من الوافر]
نظرتك نظرةً من بعد تسع
…
تقضَّت بالتَّفرُّق من سنين
وغضَّ الدَّهر عنها طرف غدر
…
مسافة قرب طرف من جبين
وعاد إلى سجَّيته فأجرى
…
بفرقتنا العيون من العيون
فريح الدهر لم يسمح بوصل
…
يعود به الهجوع إلى الجفون
/245 أ/ فواقاً ثمَّ يعقبه ببين
…
يعيد إلى الحشا عدم السُّكون
ولا يبدي جيوش القرب حتى
…
يرتِّب جيش بعد في الكمين
ولا يدني محلي منك إلَّا
…
إذا دارت رحى الحرب الزَّبون
فليت الدَّهر يسمح لي بأخرى
…
ولو أمضى بها حكم المنون
وأنشدني الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن موسى بن يوسف بن أيوب بن شاذي؛ بحلب المحروسة؛ قال: سمعت عمي ينشد لنفسه: [من الطويل]
أتاني كتاب منكم فلثمته
…
وأمطرته دمعي وأفرشته خدِّي
وقالوا: ترفَّق بالبكاء سفاهة
…
وإنَّ البكي بعد التَّفرق لا يجدي
وسركم أخفيته في جوانحي
…
فنمَّت به عيناي والذَّنب للمبدي
فهل منجد لي في البكاء على الذي
…
تناءت بهم أيدي التَّنائي إلى نجد
صدرنا عن الوصل الذي كان بيننا
…
ببين فهل دهر يبشِّر بالورد
إذا فاه نطقي كان مبداه ذكركم
…
كما في كتاب الله يبدأ بالحمد
قصدتم جفوني مذ نزلتم قلبي مذ ملكتم قياده
…
وما هو للمولى حرام على العبد
/245 ب/ وفارقت قلبي مذ ملكتم قياده
…
وما هو للمولى حرام على العبد
وأقسم لا التذُّ بالعيش بعدكم
…
ولو أنَّني أصبحت في جنَّة الخلد
وما كنت أدري نعمة الوصل دون أن
…
بدا هجركم والضِّد يظهر للضِّدَّ
عقدت على قلبي الوفاء بعهدكم
…
فمات ولم تحلل عرى ذلك العقد
[435]
علي بن المفضل بن علي، أبو الحسن المقدسي
من أهل الإسكندرية؛ الفقيه المالكي المفتي الحافظ المصنف، صاحب التصانيف في الفقه والحديث.
سمع بالحجاز وديار مصر والشام، وتغرب وكتب الكثير، وخرج الفوائد الصحاح.
وكانت من الحفاظ الأثبات الثقات، الأمناء الفضلاء المعتبرين العلماء الفهماء؛ وكان إماماً في الحديث وحفظه، ومعرفة علومه.
وكان فقيهاً فاضلاً مدرساً على مذهب الإمام مالك- رضي الله عنه مع أدب وافر، وشعر حسن كان ينظمه.
رأيت له أبياتاً وازن بها أبيات الحافظ أبي طاهر السلفي/ 246 أ/ وأبيات الأديب أبي المظفر الأبيوردي، وأبيات الشيخ أبي العلاء المعري، وكلهن على حرف الغين المعجمة.
قال السلفي: أنشدني الرئيس أبو المكارم الأبهري؛ قال: أنشدني أبو العلاء لنفسه بمعرة النعمان قطعة ليس لأحد مقلها وهي: [من الطويل]
رغبت إلى الدُّنيا زماناً فلم تجد
…
بغير عناء والحياة بلاغ
وهي أربعة أبيات.
قال السلفي: فذكرت قول الرئيس أبي المكارم للرئيس أبي المظفر الأبيوردي، فأنشدني بعد يوم لنفسه على وزنه ورويه:[من الطويل]
ألا هل إلى أرض بها أمُّ سالم
…
وصول لطاوي شقَّة وبلاغ وهي خمسة أبيات.
قال السلفي: فقلت أنا تبركاً بقولهما بعد سماعي من الرئيسين القطعتين:
[من الطويل]
ترى هل إلى وصل الذي قد أعلَّني
…
هواه وصول يرتجى وبلاغ
وهما بيتان؛ فقال الحافظ أبو الحسن ناسجاً على منوالهم هذه الأبيات:
[أ] يا ذا الذي اشكو اشتغالي بحبِّه
…
ولكن به عمَّا شكوت فراغ
/246 ب / لئن ساغ هجراني لديك فليس لي
…
مدى الدَّهر في السُّلون عنك مساغ
ولا ذنب لي إلَّا أكاذيب تفترى
…
أمانيها من حاسد وتصاغ
وإني لأرضى أن أفوز بنظرة
…
تعلِّل نفسي والحياة بلاغ
وأخبرني أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري المصري، إجازة منه إلى مصر؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي لنفسه:
[من الطويل]
لكلِّ امرئ ما فيه راحة قلبه
…
فيأنس إنسان بصحبة إنسان
وما راحتي إلِّا حديث محمَّد
…
وأصحابه والتَّابعين بإحسان
وأنبأني أيضا؛ قال: أنشدني لنفسه: [من الطويل]
أيا نفس بالمأثور عن خير مرسل
…
وأصحابه والتابعين تمسَّكِّي
عساك إذا بالغت في نشر دينه
…
بما طاب من نشر له أن يمسَّك
وخافي غداً يوم الحساب جهنَّماً
…
إذا نفحت نيرانها أن تمسَّك
وأنبأني عنه أيضاً: [من الطويل]
ولمياء تحيي من تحيِّي بريقها
…
كأن مزاج الرَّاح بالمسك في فيها
/247 أ/ وما ذقت فاهاً غير أنِّي رويته
…
عن الثِّقة المسواك وهو موافيها
[436]
علي بن محمد بن يحيى بن طلحة بن حمزة، أبو الحسن المنحل الواسطي
أحد عدول بلده.
قدم بغداد واستوطنها، وشهد عند القاضي أبي المناقب محمود بن أحمد الزنجاني، فقبل شهادته، ورتب مشرفاً على سبيل المخزن المعمور، وحمل الكسوة والصدقات إلى الحرمين الشريفين.
ومن شعره يمده المستنصر بالله- رضي الله عنه؛ وسألته عن ولادته، فذكر أنه ولد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بقرية عبد الله من الأعمال الواسطية، وعنده دعاوى في نفسه، ويظن أنه يأتي بأشياء لم يأت بها غيره من شعراء أهل وقته، ويتعاطى النظم والنثر، وليس عنده مما يزعم شيء.
فمن شعره يمدح المستنصر بالله، عند تحرك العساكر المنصورة لقتال التتار الملاعين- خذلهم الله تعالى:[من الطويل]
على مجدكم ممَّا يخاف سرادق
…
بجانبه صرف الرَّدى والبوائق
فما للفضاء الجم ِّنهج نؤمُّه
…
إليكم ولو عم البريَّة طارق
/247 ب/ حميتم ذمار الملك بأساً ورهبة
…
فساوى القرى في أمنهنَّ البلالق
وثقَّفتم زيغ الخطوب بسالة
…
فنكَّب عن سبل الضَّلالة مارق
صنائعكم ترضي الإله وإن غدا
…
بها وفركم من سخطه وهو تائق
يعود بهنَّ الحرُّ عمداً وكم غدا
…
رقيق به من رقه وهو عاتق
إذا ما جزى الحسنى بعشر فعشرها
…
يوفِّي به ريب الزمان الخلائق
فكونوا على أمن من البؤس وادع
…
ولو ملئت مدن به ورسائق
أبى الله إلَّا حفظ من هو حافظ
…
له حيث لا يلميه عيش مفانق
إمام إذا ما أسكت العجز عن مدى
…
مآثره المدَّاح فالذكر ناطق
يبيت مواليه على الأمن وادعاً
…
إذا راعت الناس الخطوب الطَّوارق
مناقبه بين البرية نشرها
…
يشابه مفتوق الشَّذا ويطابق
أبا جعفر كم في يمينك جعفر
…
لصادقكم فيها لعاد صواعق
ومنها:
أحلَّكم المجد الممنَّع رتبة
…
تواضع عنها النَّيِّران الشَّوارق
وكم قد تسامى نحوها ذو تطاول
…
فعاقته عن نيل الأماني العوائق
فما الناس إلَّا خاضع لجلالكم
…
على رغم
…
أو حاسد أو منافق
/248 أ/ بقيتم إلى أن يحدث الله في الورى
…
شبيها لكم ما ذر في الأفق شارق
فأنتم طريق للمكارم مهيع
…
وأنتم إذا عد الأنام الطَّرائق
وأنشدني أبو الحسن علي بن محمد النحلي لنفسه، ما كتبه إلى صديق له على سبيل المداعبة والانبساط، وسلك فيها مسلك الهزل والمجون ببغداد:[من الطويل]
إذا رنَّحت ريح الصَّبابة ذا وجد
…
لذكر زمان سالف بربي نجد
وبات كما بات السَّليم بهزَّة
…
تراع إلى ذات الدَّمالج والعقد
يؤرقه ذكرى زمان تصرَّ مت
…
قصار لياليه على العلم الفرد
فما شأنه شأني إذا ذكر الحمى
…
ولا وجده مذ شطت الدِّار بي وجدي
وكيف ولي قلب يروح ويغتدي
…
من الكمد المضني المذيب على مرد
إذا سمته السُّلوان أصبحت مسرعاً
…
ويسعى إلى اسم المودَّة في قدِّ
ولي مقلة لم تجفها سنة الكرى
…
ولا عرفت مذ بنتم ألم السهد
تناءت بي الأيام عنكم تطولا
…
فيا منَّة ألفت بينكم عندي
فلم يصبني شوق ولم يصبني جوى
…
ولم تنأ أفرأ حي ولم يقترب وجدي
/248 ب، ولا أضحت الذكرى لأيام عالج
…
تصاعد أنفاسي مسعَّرة الوقد
جزى الله أيام الفراق بمثلها
…
متى سئمت تشتيت شملي على هند
ألا لا رعى الرَّحمن مَّنا محافظاً
…
يراعي ذماماً للخليل على البعد
ولا كان منا ذو هوى ومودَّة
…
يقيمان إن شطَّ المزار على العهد
كذلك سلي الورد سلي التقاطه
…
ويحمي حماه النحل عن مجتني الشهد
وها أنا أقضي مدَّة العمر مذ نأت
…
نوال بشكر الله في ذلك والحمد
[437]
علي بن منصور بن علي بن عبيد الله، أبو الحسن الخطيبي اللغوي، المعروف بابن سبلتوه البغدادي
أخبرني أن عبيد الله جده الأقصى- الذي امتدحه أبو إسحاق الغزي- وهو أبو إسماعيل عبيد الله بن علي بن عبيد الله الخشبي القاضي.
وأبو الحسن قرأ اللغة والأدب على الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصار اللغوي البغدادي؛ وأخذ علم النحو والعربية عن أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي وغيرهما.
وكان/ 249 أ/ أعرف أهل زمانه باللغة، وأيام العرب واشعارها، وافر الحظ؛ كذلك سألته عن مولده؛ فقال: ولدت في سنة سبع وأربعين وخمسمائة.
وكان مع سعة حفظه وفضله، ضجوراً منوعاً يأبي التصدي للأقراء، ويكره
التعليم فلم يستفد أحد منه بطائل.
ترددت إليه غير مرة، واقتضيته شيئاً من شعره، فكان يعدني ويمطلني ويتعلل بأسباب وأحوال، فحين كثر ترددي إليه، سئمت من مطله، ثم مرض في أثناء تلك الأيام؛ ومات ليلة الإثنين سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة ببغداد، ودفن بجانبها الشرقي بمقبرة الوردية- رحمه الله تعالى.
أنشدني أبو الحسن علي بن المفرج بن المبارك بن المعوج الواسطي؛ قال: أنشدني أبو الحسن اللغوي لنفسه أبياتاً كلفه عملها الوزير جلال الدين أبو المظفر عبد الله بن يونس لتكتب على أيوان في دار الخليفة الناصر لدين الله- رضي الله عنه:
[من البسيط]
دار تظلُّ لها الآمال عاكفة
…
ويستجير بها من جرمه الجاني
تشب نيران بانيها إذا خمدت
…
نار القرى لمضيف أو لضيفان
/249 ب/ فلو تراءت لخير الموقدين رأي
…
إنسان عينيه فيها غير إنسان
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من المنسرح]
مولاي يا من ذهاب راحته
…
هامية للعفاة بالذَّهب
قد اعوزتنا حمراء صافية
…
تنمى إذا ما انتمت إلى العنب
فأبعث بها واغتنم ثنائي يكن
…
بين عطا ياك أقرب النَّسب
وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره: [من السريع]
يا ملكاً أصبح أعداؤه
…
بالغيظ هلكي منه بالغيظ
بقيت ما استحسن لفظ وما
…
خالف لفظ البيض للبيظ
قد جاءت الغلَّة في وقتها
…
كالماء للعطشان في القيظ
وكلما أبطأ إطلاقها
…
عني تميزت من الغيظ
وأنشدني؛ قال: أنشدني أيضا قوله: [من الخفيف]
لي حبيب كالظبي غر ولكن
…
يعذابي في الحب ما أغراه
وإذا كرر الذُّنوب فيكفيه
…
اعتذاراً عما جنى أن أراه
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه في غلام اسمه القطب: [من مجزوء الكامل]
/250 أ/ إن كان يوسف حسنه
…
شغف النِّساء وما أسا
فالقطب قد شغف الرجا
…
ل بحسنه وسبى النِّسا
وأنشدني؛ قال: أنشدني قوله: [من مجزوء الرمل]
يا مليح القدِّ يا من
…
وجهه ما البدر مثله
أعطني منك وصدِّق
…
واغتنم أجري قبله
وقال أيضا: [من مخلع البسيط]
لو لم أخف من نفار قوم
…
ينافسوني على نقير
لكان رأيي أن لا تراني
…
في يومك البارد المطير
ولو تمكنت من أموري
…
خفيت عن خاطر الخطير
ولم أوجه به فوجهي
…
في الأرض من بيته السَّتير
ولا تأوَّل على وابعث
…
على ركنيه الأمير
فقط ما اعتاد حر وجهي
…
يعود من بابه حريري
وأنشدني أبو الحسن علي بن الحسن بن علي البخاري الفقيه الحنفي؛ قال: أنشدني علي بن منصور اللغوي/ 250 ب/ لنفسه مبدأ قصيدة أولها: [من الطويل]
فؤادي معنِّى بالعيون الفواتر
…
وصبوة باد مغرم بالحواضر
سميران ذادا عن جفون متيَّم
…
كرى منذ باتا عنده شرَّ سامر
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
لمن غزال بأعلى رامة سنحا
…
فعاود القلب سكر منه كان صحا
مقسَّم بين أضداد فطرَّته .. جنح وغرَّته في الجنح ضوء ضحى
[438]
عليَّ بن الشّهاب الضرير الواسطيَّ القانونيَّ.
كان يشعر ويعاشر الأصدقاء، مطبوعاً في الجد والهزل والخلاعة
أنشدني أبو القاسم بن أبي النجيب بن أبي زيد التبريزي؛ قال: أنشدني علي بن الشهاب الضرير لنفسه: [من الكامل]
قمر تظلم خصره من ردفه
…
وبليَّتي من ردفه أو خصره
ما البدر والشَّمسي المنيرة عنده
…
إلَّا كمثل صبابة في بحره
وكذاك ليس الغصن يشبه قدَّه
…
أني وما للغصن هزَّة سكره
/251 أ/ أألام إن قبَّلت ورداً طالعاً
…
في خدِّه أو رشف بارد ثغره
ويلاه لم أدهى بلحظ فاتر هاروت يعجز عن مواقع سحره
فالصُّبح يبدو من ضياء جبينه
…
واللَّيل يكمن تحت فاحم شعره
إن خانني فأنا الوفيٌّ بعهده .. أو كان يهجرني صبرت لهجره
من لي به راض ولم يك ساخطا
…
من لي به أو من يقوم بعذره
[439]
علي بن عمر بن عبد العزيز بن هبة الله بن الحسن بن أحمد بن حمدون، أبو الحسن السنجاري، المعروف بابن الخطيب
وهو أخو إسماعيل بن عمر الذي تقدم شعره، وعلى الأكثر كانت الخطابة بسنجار فيهم؛ وكان فقيها حنفياً فاضلاً، ذا معرفة بالأصول والخلاف.
أنشدني الخطيب أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن الحسين الإربلي المعروف بابن الكريدي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن عمر لنفسه؛ وأن سالته أن يصنعه وهو قول القائل: [من الوافر]
طول العهد منسي
…
...
…
...
…
....
/251 ب/ تقول وقد وقفنا لا دكار
…
لماضي عيشنا من غير لبس
اتنسانا ومثلك غير ناس
…
ومذ فارقتني فارقت أنسي
فقلت لها أطلت العهد حتَّى
…
نسيت وإن طول العهد منسي
وأنشدني؛ قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
أحببت ذاتي فوق الوصف مذ نفر الدُّناة منها وعابوها بما وصفوا
ولو أحبوا صفاتي كنت أبغضها .... لأن خير السجايا ضد ما ألفوا
[440]
علي بن محمد بن أبي منصور بن أبي الغنائم، ويعرف بصاحب الخاتم بن أبي غالب واسمه محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسن بن عيسى ويعرف بالرومي- بن محمد الأزرق بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب – عليهم السلام
قال الدبيثي: كان شاعراً مكثراً، وله المدائح الكثيرة في أهل البيت- عليهم السلام وغيرهم؛ وشعره كثير مدون، قد سمع منه جماعة وكتبوا عنه وكان ينتجع بالشعر
بلغني أنه توفي/ 252 أ، بالحلة المزيدية، في سنة ثمان وستمائة ونحوها- والله أعلم 0 هذا آخر ما ذكره الدبيثي في تاريخه، ولم يورد له شيئاً من شعره.
قلت: كان شاعراً مبرزاً يصنع شعراً معجزاً ذا اقتدار شديد، وباع في معرفة اللغة
مديد، وفضل غزير، وشعر كثر، التزم في كلامه لزوماً غريباً، وسلك فيه أسلوباً عجيباً، أعجز به المتقدمين وبذ فيه المتأخرين؛ له القصائد المبدعات المخترعات المطبوعات المصنوعات التي لقبها بالبواهر.
صنع كل قصيدة على حرف من حروف المعجم، وذلك أنه ابتدأ فيها بحرف الألف، والتزم أن يضمن في كل لفظة منها حرف الألف ثم حرف الباء ثم التاء
…
هكذا متوالياص على اتساق الحروف وانتظامها إلى حرف الياء.
ومن شعره يمدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- صلوات الله عليه وسلامه: [من الطويل]
إذا أنت واليت الإمام المبرعا
…
عليا أمير المؤمنين السَّميدعا
سكنت فراديس الجنان مخلَّدا .. وحزت محلاً سامياً مترفِّعا
إمام هو النَّهج القويم إلى الهدى
…
أخو سؤدد لم يحوه سعي من سعى
/252 ب/ فطوبي لمن والي وصي محمَّد
…
إمام هدى حاز الفضائل اجمعا
إمام تقي للرشاد محالف
…
تسربل جلبات الهدى وتلفعا
روى النَّاس أنَّ الطُّهر أحمد قال في
…
حديث وكم قال النَّبي وأسمعا
سيفترق الإسلام سبعين فرقة
…
نعم وثلاثا هكذا قال مسمعا
وكل سيصلى النار بالله في غد
…
سوى فرقة تحوي النعيم الموسَّعا
فإن شئت تدري أيُّما فرقة نجت
…
فأنصف ولا تنكر مقال مشفعا
وقعت وسل أهل الحديث تجدهم
…
جميعاً رووا أن النَّبي المشرِّعا
يقول مراراً: أهل بيتي شبيههم
…
شفينة نوح من بها حلَّ موضعا
نجا وكذا من حاد عنها فقد غوى
…
وذاق الهلاك أنظر تر القول مقنعا
وقال أيضا: [من المقتضب]
كم تسائل الدِّمنا
…
باكياً تذوب ضني
تندب الطُّلول ومن
…
حلَّهن والسَّكنا
دع سؤالهنَّ فما
…
في سؤالهن غير عنا
فالبكى ليس يردُّ الحبيب إن ظعنا
ويك ذاك عصر هوى
…
فات فاترك الحزنا
/253 أ/ تلك عيشة سلفت
…
كل لذةَّ لفنا
فاله عن تذكرها
…
واسألن ذلك الزَّمنا
كم بنيت مدَّرعاً
…
بالغرام مرتهنا
ها ترى المشيب بدا .. صحبه وزاد سنى
فاتق الإله ولذ
…
بالولاء للأمنا
غتوة النبي ومن
…
يربحهم جننا
صفوة نفوز بهم
…
إذ هم الهداة لنا
وأنشدني له أيضا في مدح علي- عليه السلام أبو الحسين يحيى بن محمود بن عيسى بن محمد بن جعفر الخلعي البغدادين بإربل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة؛ قال: أنشدني ابن صاحب الخاتم لنفسه مبدأ قصيدة أولها: [من البسيط]
بانوا ففارق جفني لذَّة الوسن
…
وبتُّ مدَّرعاً بالهمِّ والحزن
أخفي الغرام فتبديه الدُّموع إذا
…
جرت على الخدِّ كالمثعنجر الهتن
/253 ب/ بانوا فما خلت أن الدَّهر مذ برحوا
…
عني يفارقني ممَّن يفارقني
فليتهم إذا نأوا ردُّوا الفؤاد عسى ينبي بحالهم حقُا ويعلمني
أهم على العهد أم خانوه عن كثب
…
وهل سلوا فنسوا شوقاً يؤرقني
أما أنا فرسيس الشُّوق يرمضني
…
والوهم والوجد والبلبال يمرضني
ولي دموع يخدُّ الخدَّ ساكبها
…
كأنَّ واكفها مغدودق المزن
يا قب دع ذكرك الأحباب إذا بعدوا
…
بانوا وخانوا ومن للعهد لم يخن
وخلِّ ذكر الصِّبا وأسل الهوى فإلى
…
متى تعاني رسيس الشَّوق والحزن
ووال آل رسول الله تنج بهم
…
فهم أولو الذكر والآيات والسُّنن
آتاهم الله علماً باهراً وتقى
…
وإن سلكت فسائل عن أبي الحسن
وأسمع حديثا روينا من مناقبه
…
فيه اعتبار لرب الفكرة الفطن
يروي عن أبن طحال عن مشايخه
…
فاسأل بما قد روى إن كنت تتهمني
قالوا: أتى رجلان الباقر بن علي
…
قالا له: أنت أهل العلم واللّسن
ألست قلت بأن الصِّنو حيدرةٌ
…
لم يرض أفعالهم سراً بلا علن
[441]
عليُّ بن يحيى الحسن/ 254 أ/ بن الحسين بن عليِّ بن محمَّد- وهو البطريق بن نصر بن حمدون بن ثابت بن مالك بن ليث بن عامر بن غنم بن فهر بن دلجة بن بشرً بن معاوية بن بدر بن ثعلبةً بن حبال بن نصر بن سواء بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، أبو الحسن بن أبي زكريا، الحلِّيُّ الأصل، الواسطي المنشأ.
كان والده من فقهاء الشيعة وعلمائهم، عارفاً بمذاهبهم، وسيرد ذكره في حرف الياء من هذا الكتاب؛ وابنه هذا كان يترفع بنفسه من أن يمدح أحداً مجتدياً، ويذهب مذهب الكتاب، ويترامى إلى النثر أكثر من النظم؛ ويدّعي علم الرياضي، ومعرفة النجوم، وكان من الشيعة المغالين في المذهب.
أنشدني الحسن بن علي الإربلي؛ قال: أبو الحسن لنفسه من قصيدة:
[من البسيط]
أفديه من بدر تمٍّ للورى فتنا
…
أصبحت أعبد منه في الورى وثنا
وكلَّما ازددت جهلاً في محبَّته
…
يزيده الله في عدوانه فطنا
وكلَّما سرَّه حزني وأعجبه
…
سررت فأعجب لمسرور إذا حزنا
/ 254 ب/ وإن أساء صنيعاً بتُّ مبتهجاً
…
بمالك حسن لا يصنع الحسنا
فإن سمعتم بمقتول بكى فرحاً
…
بحبٍّ قاتله حزناً فذاك أنا
يا صاحبيَّ وما الشَّكوى بنافعة
…
لمن إذا قلبه في الحبِّ مرتهنا
تسمَّعا سرَّ أشجاني ولا عجبٌ
…
في الحبِّ إن صار سرُّ المبتلى علنا
كتمت ما بي حتَّى كاد يتلفني
…
كتمانه ويبيد الرُّوح والبدنا
عسى يرقُّ كما راقت سوالفه
…
حبٌّ جفا قسوة أيَّام لنت ضنى
فو الَّذي فلق الإصباح مقتدراً
…
من نور غرَّته حتَّى أضاء لنا
واشتقَّ للَّيل من مسكيِّ طرَّته
…
لونّا وصيَّره سبحانه سكنا
وصيِّر الشَّمس تمثالاً لطلعته
…
حتَّى يرى حسنه طرفٌ نأى ودنا
ما عشت لا أنثني عنه للائمة
…
واللَّوم عندي لناء عن هواه ثنى
حتَّى يقولوا محبٌّ نال بغيته
…
أو عاشقٌ صادقٌ في لحده دفنا
وأنشدني الأمير أبو الحسن علي بن علي بن شماس؛ قال: أنشدني أبو الحسن بن البطريق لنفسه يمدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف/ 255 أ/- صاحب حلب- أول قصيدة: [من البسيط]
الشَّام داري والأشجان بغداد
…
في سرِّ وجدي في الأحيان إعلان
وكلُّ يوم يوافي مؤذنٌ بنوّى
…
كأنًّما هذه الأيَّام غربان
يا صاحبيَّ قفا ثمَّ اسمعا خبراً
…
من مستهام له عند الحمى شان
يهزُّه الشَّوق والتذكار يطربه
…
كأنَّه من مدام الوجد نشوان
كانت له من جلابيب الصِّبا عددٌ
…
ومن قلوب الحسان البيض أعوان
إذا دعا اللَّهو نادته على عجل
…
لبَّيك لبَّيك أترابٌ وأقران!
نار القرى عنده بشرٌ ومن كرِّم
…
حديثه وبنو الآداب ضيفان
لا يسرج الهمُّ في أرجاء منزله
…
كأنَّ منزله في الحسن بستان
مكمَّل الوصف كالفردوس من دهر
…
بكلِّ شيء شهيٍّ وهو رضوان
راقت خلائقه للَّائذين به
…
كأنَّه من سلاف وهو إنسان
لباسه ثوب زهوٍ ليس يخلعه
…
ومن لباس الخنا واللؤم عريان
يهوى الهوى والتَّصابي دينه وله
…
إلى الحسَّان على الحالين إحسان
كأنَّما عجنت بالمسك طينته
…
فما يعنُّ له ما عاش سلوان
يظنُّ من حسن ظنٍّ في تورُّده
…
أنَّ الضَّلال جفاً والكفر هجران
/ 255 ب/ حتَّى رمى الدَّهر شملاً كان يألفه
…
بالبين والبين للعشَّاق نيران
فبات يجرع من كأس النَّوى غصصاً
…
كأنًّما لذعها في القلب خرصان
والدهر يخصمه من كلِّ ناحية
…
وكلُّ إخوانه جاف وخوَّان
جرح الزَّمان له في كلِّ جارحةً
…
كأنَّه لسيوف الضَّيم أجفان
وشرُّ ما فعل الدَّهر الخؤون به
…
خموله وغياث الدِّين سلطان
[442]
عليُّ بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد زين الدين، أبو الحسن الكاتب الموصليُّ الشيبانيُّ.
كتب الإنشاء بالموصل لأتابك نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي- رضي الله عنه - وبعده لولده الملك القاهر عزّ الدين مسعود- رحمه الله تعالى-.
قرأ العربية والأدب على الشيخ أبي الحرم مكي بن ريان الماكسي، وسمع الحديث على الخطيب أبي الفضل عبد الله بن أحمد الطوسي.
وكان حافظاً لكتاب الله تعالى، ولم يكن في وقته مثله في البلاغة والكتابة وسرعة الترسل/ 256 أ/ وحسن الخط.
وكان عاقلاً رزيناً وجيهاً مقبولاً، وكان ينشئ الكتاب من خاطره بديهة، من غير أن يخلد فيه إلى التروّي والانفراد، غير محتفل بكلامه، ويكره أن يذاع عنه شيء من إنشائه لقلة اهتمامه به.
كانت ولادته بعيد الستين والخمسمائة، ومات يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة
بقيت من رمضان بالموصل سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
ومن شعره في أتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود، وكان على ناحية كفر زمار من أعمال الموصل، سنة وفاة سنجر شاه غازي بن مودود- صاحب الجزيرة- وهي سنة خمس وستمائة، وكان السفير في إيصالها الملك الرحيم بدر الدين أبو الفضائل- أنفذ الله أمره- وهو مشدود إليه في الفترة، وقد اتفق في تلك السنة برد شديد، وهي منقولة من خط يده:[من المتقارب]
أيا ملك الأرض يا ذا النَّوال
…
ومن صوب راحته صائب
ومن ظلُّه للورى شاملٌ
…
ومن عزمه في الوغى ثاقب
ومن جوده أبداً سائرٌ
…
ومن جدهُّ للعلا غالب
/ 256 ب/ ومن بابه كعبةٌ للعفاة
…
يطوف بأركانها الرَّاغب
ومن هو في كلِّ أوقاته
…
وهوبٌ إذا منع الواهب
ومن لا يرى في جميع الأنام
…
من فضله أبداً خائب
ومن هو رماح للمكرمات
…
ويهتزُّ إن أمَّه طالب
ومن يكشف الضُّرَّ من مشتكيه
…
إذا حزب المشتكي حازب
جوادٌ إذا ما الأكف انقبض
…
واخلف نواء النَّدى السَّاكب
وبحرٌ على كرَّة الواردين
…
لهم ليس ينقصه شارب
أمولاي أشكو أشكة إليك الزَّمان
…
فقد مسَّني برده النَّاصب
رماني من قرِّه قارسٌ
…
ومن ريح بلَّته حاصب
وجاء بثلج غدا مفرق الثَّرى
…
وهو من لونه شائب
أظلُّ نهاري ذا رعدة
…
كمن مسَّه نافضٌ صالب
فحسِّي بجامده جامدٌ
…
وجسمي لذائبه ذائب
ودجله يجري هواها الشَّريف
…
إلىَّ فلوني له شاحب
وشمس النَّهار لنسج الضريب
…
لم يبد من وجهها حاجب
ولم أك ذا سفر في الشِّتاء
…
ولكن أتى أمرك الواجب
/ 257 أ/ ولمَّا عجزت احتمالاً لما
…
أعانيه وانقطع الغارب
لجأت إلى من يجيب النِّداء
…
إذا ما استغاث به الصَّاحب
فجد لي يا من عطاياه لا
…
يقوم بأيسرها حاسب
يفرُّ ويقبل
…
الزَّمهرير
…
فإنِّي إلى مثله راغب
وإلَاّ أحلني على من له
…
عليَّ يدٌ شكرها واجب
. فتاك ونعم الفتى
…
الكريم لشكر الورى كاسب
به الدَّولة اكتسبت رونقاً
…
وعاد به نورها الغائب
وعمَّ بإحسانه فالقلوب
…
له نحو طاعته جاذب
لقد شمت منه الحسام الَّذي
…
شباه لهام العدا ضارب
وقدَّمت منه فتّى كاملاً
…
سجاياه ليس لها عائب
حجاه يبذُّ عقول الكهول
…
ويسبقها فمه الثَّاقب
وكنت على الرَّأي فيما دخلت
…
فيا حبَّذا رأيك الصَّائب
حباني بدهماء تسمو الجياد
…
إذا ما امتطى ظهرها الرَّاكب
وأخجلني فرط إحسانه
…
فشكري له أبداً راتب
ولكنَّه في فعال الجميل
…
على نهج مالكه ذاهب
/ 257 ب/ فإن جدتما لي سريعاً بها
…
وإلَاّ فقد هلك الكاتب
فبينكما لا يخيب الرَّجاء
…
ولا يحرم الأمل الرَّاغب
فلازلتماه ما أهلَّ الهلال
…
وما فاه في مجمع خاطب
وأنشدني أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الموصلي؛ قال: أنشدني عمي لنفسه هذه الأبيات، قالها ارتجالاً في داره التي بناها متجددةً، وأمر أن تكتب فيها:[من البسيط]
يا دار قابلك الإقبال متَّصلاً
…
بالسَّعد واليمن والتَّأييد والظفر
وواجهتك وجوه العزِّ مسفرةً
…
في نعمة وسرور مونق الزَّهر
ولا عدا الخير مغناك الأنيس ولا
…
زالت ربوعك في أمن من الغير
ودام ريعك معموراً بساكنه
…
في ظلِّ عيش رغيد ناعم نضر
ما غرَّدت في ذرى الأغصان ساجعةٌ
…
وما استمرَّ طلوع الشِّمس والقمر
ومن كلامه المنثور، فأنني رأيت منه رسالتين، ولم يدون له شيء لقلّة اهتمامه، فالتقطت شيئاً يسيراً.
/ 258 أ/ حدثني المولى الأمير الكبير العالم ركن الدين أبو شجاع أحمد بن قرطاباً- أدام الله علوه- قال: لمّا كنت بالموصل مقيماً؛ كتبت إلى الأجل شمس الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد عبد الكريم الموصلي الكاتب، وكان بيننا صحبة متأكدة، وهو يومئذ يتولى الكتابة الإنشائية في أيام الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه- رحمة الله تعالى- ألتمس منه ما تيسر من ترسله.
وكان- رحمه الله لا يثبت شيئاً من كلامه ويدونه، لاحتقاره عنده، وقلّة مبالاته به؛ فكتب إلى رقعة يعتذر فيها بقلّة اكتراثه بهذا الشأن، من ذلك قوله من فصل:
((أدام الله على الأولياء فيض نعمه، وأمدّهم بسيب جوده وكرمه، ومتعهم بالإنعام من يده وقلمه، ووفقهم لما يصرف فيه من خدمه)).
/ 258 ب/ ومنها:
((وليس كلام المملوك مما يدّون ويسطر، ولا مما يعدّ ويذكر، لارتجاله من غير رؤيّة، لسرعة المهام السلطانية، فصار ذلك عادةً معروفة، وسنّة مألوفة، فمتى أبطأ ولو بقدر فواقٍ، أسرع إليه اللوم والإزهاق، وإذا وجد المولى الدرّ فلا حاجة إلى الصدف. وكلام الفاضل- رحمه الله يشهد بفضله كل من عرف، وبه ختم هذا العلم فلا يرى له خلف)).
قال: ثم سيّر إلى مجلدة من رسائل القاضي- رحمه الله.
وله من كتاب، كتبه إلى بدر الدين لؤلؤ، وهو يومئذ يحاصر قلعة الشوش؛ وكان قد ترك الخدمة البدرية، وانقطع في منزله، يستأذن فيه إلى الحج، ويعرض فيها بنوع من النعت وهو ومنه:
((وهو ذاك المملوك الصادق أن ذكر أوسى، والمخلص في في الولاء إن أحسن إليه أو أسا، وحاشا مولانا من الإساءة وطبعه الإحسان، ولكن عادة المماليك في الخطأ والنسيان، طمعاً في الحلم الذي ليس له فيه ثان، وهكذا الناس مرزوق ومحروم)).
/ 259 أ/ وله جواب رقعة وردت إليه من بعض أصدقائه.
((وقف على هذه المشرفة الكريمة، بعد أن قبلها ألفاً لا عشراً، ونثر عليها ثناءً لا تبرأ، وقابل ما ضمنته من الإنعام بالدعاء، وما حوته من الإيعار بالاحتذاء، وأما ما ذكره في معنى الكتابة، فأي كتابة ترضيه، وأي عبارة تزف إلى ناديه، وهل البلاغة إلَّا معنى من معانيه)).
[443]
عليُّ بن أيبك بن عبد الله، أبو الحسن التركيُّ الأسديُّ.
كان والده يعرف بالجاولي الكبير، وكان مولى أسد الدين أبي الحارث شيركوه بن شاذي- صاحب حمص-.
وأبو الحسن كان مولده مصر وبها كان منشأة؛ وكان أثيراً مقدماً في خدمة الملك العادل سيف الدين بن أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي- رضي الله عنه وبعده خدم لولده الملك الكامل ناصر الدين بن أبي المعالي محمد.
ثم فارق خدمته، وخدم مع الملك المنصور أبي المعالي محمد بن عمر بن شاهنشاه- صاحب حماة- ثم سافر في النجدة / 259 ب/ إلى دمياط، فاجتمع بالملك المعظّم شرف الدين عيسى بن العادل، فاستماله بعد امتحانه ومنادمته له؛ فوعده الرحلة إليه، فلما عاد كل منهما إلى دمشق، خرج من حماة مهاجراً إلى الملك المعظّم مستخفياً من الملك المنصور بعد أن قدّم حريمه أمامه، وخرج في جملة مماليكه وحاشيته. وبلغ الملك المنصور خروجه فسَّير وراءه جيشاً عظيماً في مقدمته البراطسة، وراموا ردّه فما استطاعوا، وأعادهم إلى حماة منكسرين.
وقدم دمشق واتصل بمليكها الملك المعظم، ونال عنده المنزلة الرفيعة، والمقام الأسنى، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي سنة تسع عشرة وستمائة.
وكان ذا شجاعة وفروسية، مقدامً شهماً فصيحاً شاعراً جواد البنان، جريء الجنان، مليح الخطّ، جيد المنظوم، حسن المنثور، عارفاً بدقائق الأمور، حسن المحاضرة، لذيذ المحاورة.
أنشدني الحسن بن محمد بن علي بن الحسين الحسيني العبيدلي؛ قال: أنشدني الأمير أبو الحسن لنفسه: [من الكامل]
أملكت رقَّي أم عليك ضماني
…
دع شأن من سلب الرُّقاد وشاني
أو ما علمت بأنَّني لعواذلي
…
في حبَّه إذ عنَّفوني شاني
/ 260 أ/ أنا في بحار دلاله وملاله
…
ظهرت عليَّ من الغرام شواني
ولقد رجوت بأن يبرَّد وصله
…
ناراً بقلبي من جوى فشواني
رشا تلفَّت عن وصالي معرضاً
…
تيهاً وعاد على تلافي جاني
شيئان فيه تجمَّعا وتباينا
…
جسدٌ كماء ضمَّ معدن جان
قسماً بماء فتور مقلته الَّتي
…
سلبت لذيذ الغمض منذ جفاني
ويعين عقرب صدغه وعذاره
…
إذ خطَّ لا ما فوق أحمر قان
وبخال خدٍّ خدَّ قلبي حسنه
…
وبثاء ثغرٍ أشنب كجمان
ويجيد جيد وجدانه هو جيده
…
لا جيد عفر جواري الغزلان
لم أحذف السُّلوان كنه خواطري
…
ولئن ختتت لقيت جور زماني
وأنشدني؛ قال: أنشدني أبو الحسن لنفسه: [من الطويل]
خليليَّ ما شان الوشاة وشاني
…
وقد أقرحت سحب المدامع شاني
ألم ترياني من ضنيً وصبابة
…
إذا رمتما مرآي لم ترياني
خذا بدمي ريماً بسهمي لواحظ
…
رنت عن قسيٍّ الحاجبين رماني
له قامة كالرمح في يد نابلٌ
…
لها طرفه الوسنان حدُّ سنان
علا نار خدَّيه دخان عذاره
…
ولست ترى ناراً بغير دخَّان
/ 260 ب/ لقد فتكت في النَّاس شامة خده
…
بكلِّ شامي وكلِّ يماني
جفا إذ جفا جفنيَّ نومي وقلبي الهدوُّ وصبري كالسُّلوِّ عصاني
ومعتدل جار على الجور كلَّما
…
تثنَّى ورمت الصَّبر عنه ثناني
ومنها قوله:
فللَّه وصلٌ لذَّ طيباً كأنَّه
…
خيالٌ سرى أو خاطرات أماني
وليلة وصل بات مظلمها ضحى
…
بقرب حبيب بالوصال حباني
ضممت وقد عانقته الغصن يانعاً
…
وقبَّلت ورد الآس ورد جنان
وبتنا على رغم الحسود يضمُّنا
…
عفافٌ وشوقٌ ليس يفترقان
أقبِّل منه الثَّغر أبيض ناصعاً
…
وأجري على خدَّيَّ أحمر قاني
ولم يك إلَّا خيفةٌ من فراقه
…
فإنَّ اللَّيالي جمَّة الحدثان
وقال وقد حضر مجلس الملك المعظم شرف الدين عيسى بن صاحب دمشق؛ وغنّى المغني:
أصل تلافي من تلافيكم
وأشار الملك المعظم إلى أبي الحسن أن يعمل/ 261 أ/ على وزنه ورويّه؛ فقال ارتجالاً: [من السريع]
أصل بلائي من تنائيكم
…
وكلُّ وجدي من تجافيكم
فعلِّموني كيف أسلو الهوى
…
أم كيف أدري إذا أداريكم
ضاع فؤادي بين أظعانكم
…
لمَّا حدا للعيس حاديكم
وعدت لا أعرف طعم الكرى
…
للنَّاس أدعى وأراعكيم
يا سادتي عودوا على مدنف
…
في طول ذا اللَّيل يناديكم
هجرتموه بعد وصل فكان العرس منكم والعزا فيكم
ولم يكن هجركم هكذا
…
إلَّا بأقوال أدانيكم
فالآن قد عدت بكم منشداً
…
أصل تلافي في تلافيكم
وأينما كنتم فلي عندكم
…
قلبٌ طريحٌ بين أيديكم
فعذبوه وأنعموه فقد
…
أصبح يهواكم ويأويكم
[444]
عليُّ بن محمدَّ بن محمود بن .......... ، أبو الحسن الكوفيُّ المخزوميُّ.
ويعرف بالكوفة بابن حبانة، المقيم برأس عين صاحب الديوان؛ بها خدم الملك/ 261 ب/ الأشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر.
وهو شاعر ذو أخلاق دمثة، وغريزة في النظم منبعثة، لذيذ المحاضرة، طيب المعاشرة؛ وقدم ماردين رسولاً، فأخذه وحبسه، فبقى بالحبس مدّة، وتوفي معتقلاً في أواخر تسع وثلاثين وستمائة.
ومن شعره وقد أضافه أبو الحسن علي بن عدلان الموصلي النحوي، وأوقد بين يديه شمعة فداعبه علي بن محمد بن محمود، فأطفأها علي بن عدلان، ثم أشعلها علي بن محمد من غير حضوره؛ فلما رآها ابن عدلان قال على طريق الانبساط لعليّ بن محمد ولأبي بكر بن أبي النجم الجزري الشاعر: ما تستاهلان أن يوقد عليكما إلا مشعل فارتجل علي بن محمد، وأنشد بديهة:[من البسيط]
داعبت وهنا فتى عدلان معتمداً
…
إيقاد شمعته لمّا دجا الغسق
فاصفرَّ ثمَّ انثنى بالغيظ مشتعلاً
…
وأقبل الدَّمع من عينيه يستبق
نحلته شمعة أخرى فأقسم لو
…
لم أبلِّغها كدت بالأنفاس احترق
وله وقد وصل إلى الملك الرحيم بدر الدين عضد الإسلام أبي الفضائل/ 262 أ/ غرس أمير المؤمنين- خلد الله ملكه- خلعةٌ صفراء من السلطان الملك الأشرف وذكر إنها كانت قبل ذلك على السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد، وذلك عقيب فتح دمياط، واتفق بالقرب من ذلك وفاة الملك الصالح أبي الفتح محمود ابن محمد- صاحب آمد- فقد بديهة:[من الطويل]
أطاعك ما تحت المجرَّة صاغراً
…
ودانت لك الدُّنيا وهانت صعابها
ووافتك أثواب الجهاد غبارها
…
شفاءٌ وذخرٌ في المعاد ثوابها
حياً أشرفياً كاملياً وفت به
…
مودَّات صدق لا يخاف انقضابها
كست أوجه الحسَّاد صفرة لونها
…
وأبعدهم بالسُّحق عنك اقترابها
لوى فتح دمياط الأعادي فبعضها
…
قضى نحبه والبعض ذلَّت رقابها
وله من أبيات يهجو بها ابن صباح الشاعر: [من البسيط]
والأخرق ابن صباح إن تعرَّض لي
…
فإنَّما قاتلاه العي والحمق
مثل الفراشة تلقيها جهالتها
…
إلى السِّراج لتطفيه فتحترق
وأنشدني أبو محمد عبد الرازق/ 262 ب/ ابن رزق الله الرسعنيّ المحدث؛ قال: أنشدني أبو الحسن الكوفي لنفسه، في إنسان كان له يقطينة مزوّقة فسرقت منه، وكان يلقب بالرضيّ:[من الخفيف]
صفعت قَّرعة الرَّضيِّ فأضحى
…
ذا غرامٍ لفقدها وحنين
ومشقٌّ فقد الشَّقيق فقوموا
…
لنعزِّي اليقطين باليقطين
وأنشدني؛ قال: أنشدني في إنسان يعرف بابن كروَّس، كان يخدم مع أمير يقال له سنجر، فبعثه ليقبض دخله من الغلات، فأنفق ذلك على مغنية تعرف بسنبلة:
[من مجزوء الرجز]
إنَّ فتى كروَّس
…
حبَّ الفتاةً بلبله
ويدَّعي الفهم ومّا
…
لديه فهمٌ بل بله
باع غلال سنجر
…
جميعها بسنبله
وأنشدني غازي بن محمود الإربلي؛ قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محمد الكوفي/ 263 أ/ لنفسه من أبيات: [من البسيط]
رقَّ النَّسيم ووجه الصُّبح مستتر
…
فسَّقِّني والدُّجى قد كاد ينحسر
والجوُّ ارقَّط والأفلاك مسفرةٌ
…
والبدر في الأسر للإشراق ينتظر
كأنَّه ديدبان الجيش والشُّهب الفرسان منجدلٌ هذا ومنعفر
أو روضةٌ غضَّة الأزهار قابلها
…
زهر الرُّبى فكلاها أنجمٌ زهر
فاترع قنانيك والكاسات وأمل وخذ
…
عمراً فإنِّي أخشى ينفد العمر
أما ترى الدَّوح قد غنَّت بلابله
…
كأنَّما كلُّ غضنٍ فوقه وتر
ومنها يقول:
فسقِّني من يدي شاد معتَّقة
…
تكاد من ريقه في الكأس تنعصر
مقرطقٌ يبتدي بدراً على غصن
…
وينثني سمهرياً فوقه قمر
إذا انثننى فقناه القدِّ مشرعةٌ
…
وإذ دنا فحسام اللَّحظ مشتهر
يسعى إلىَّ بكاسات إذا لثمت
…
وثغره هان ألَّا يلثم الحجر
وأنشدني؛ قال: أنشدني نفسه: [من الكامل]
كم لي بمنعرج اللِّوى من موقفٍ
…
أذري المدامع فيه كالمتأسِّف
وأهزُّ أعطاف الغرام تثنِّياً
…
فكأنَّني ثملٌ بخمرة قرقف
/ 263 ب/ ويهزني طربٌ إلى غيد القنا
…
من كلِّ عسال القوام مهفهف
حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة بحلب- أيده الله- قال
أبو الحسن علي بن محمد بن محمود البغدادي الشاعر؛ نزيل رأس عين، شاعر مجيد فاضل حسن المذاكرة.
أخبرني أنه قدم حلب مراراً، واجتمعت به بسنجار في سنة أربع وعشرين وستمائة، وكان في أوتل مرّة قريباً من الملك الأشرف، وكان ينفذه في رسائل، ولما اجتمعت به كانت أحواله قد تناقضت عنده؛ فمما أنشدني لنفسه، وذكر أنه اقترح عليه أن يعمل في وصف الحماحم بالموصل، فسألهم في أي وزن يريدزن. وكان في وليمة؛ فقالوا: في الوزن الذي يغني به المغني؛ فقال: فغنى المغني أبياتاً منه:
باكر صبوحك يا نديمي
…
...... ...... ......
ومهفهف في وجهه
…
جيشان من زنجٍ وورم
فقال: [من مجزوء الكامل]
باكر صبوحك يا نديمي
…
ورم الحياة بكفِّ ريم
في مجلس خضل النَّبا
…
ت يرقُّ من ماء النَّعيم
/ 264 أ/ حلب الكروم غذاء ذاك
…
النَّبت لا حلب الغيوم
وحماحمٌ كأسنَّة
…
في كلِّ معتدل قويم
طعنت قلوب وشاتنا
…
فتخضَّبت بدِّم الهموم
أو أنجمٌ بزغت لتحرق
…
كلَّ شيطان رجيم
أو مثل أعراف الدّيوك
…
لدى مبارزة الخضوم
أو كالشَّقيق تحرَّشت
…
بفروعه أيدي النَّسيم
أو ثاكلٌ صبغت بناناً
…
من دم الخدَّ اللَّطيم
وسقاتنا كأهلَّه
…
حملت شموساً في نجوم
من كلِّ ذي دلِّ رخيم
…
غير ذي قلب رحيم
طفلٌ يجور على النَّدامى
…
جور محتنك عليم
فراهم صرعى الكؤوس
…
بكفِّ لقمان الحكيم
فيه نضلُّ ونهتدي
…
بالفرع والوجه الوسيم
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
قال: وأنشدني لنفسه في المروحة: [من الطويل]
/ 264 ب/ وذات جناحٍ خافق وهي تنتمي
…
إلى حسبٍ زاكي الفروع أصيل
تطير فلا تنأى وتطلّب قربها
…
لبرد غليل أو لبرء عليل
لها يقظةٌ عند المقيل وهبَّةٌ
…
ورقدتها في بكرةٍ وأصيل
قال: وأنشدني لنفسه في القلم: [من البسيط]
وذابل العطف مهزول يرى أبداً
…
ميتاً ولكنَّه يحيى إذا ذبحا
شرباه ماءٌ قراحٌ سلسلٍ ودمٌ
…
طوراً وينتج في الوقت الَّذي نكحا
قال: وأنشدني لنفسه يصف قلماً من قصيدة: [من الطويل]
وفي الكفِّ ظام شربه من سجالها
…
ومن عجب ظام غزير المشارب
نحيفٌ ولكن طالما دقَّ في الوغى
…
صدور العوالي في صدور الكتائب
علته القنا في غابها وتعصَّبت
…
وطالت وتاهت وازدهت بالعصائب
فجاملها حتَّى رماها بحاطم
…
فقصَّدها حتَّى رماها بحاطب
فآونةً يسقي العفاة بعارضٍ
…
وآونةً يرمي الطُّغاة بحاصب
[445]
عليُّ بن يوسف بن أحمد/ 265 أ/ بن محمّد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن جعفرٍ، أبو الفضائل الواسطي، المعروف بابن الآمدي.
كان يتولى قضاء واسط وأعمالها ونواحيها في عهد الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضي الله عنه.
وكان فقيهاً شافعياً عارفاً بالعربية، وفنون الشعر، وأحكام القضاء، وكان نعم
الرجل ديناً عقلاً وعلماً وفضلاً؛ وتوفي في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستمائة.
ساق أبو عبد الله الدبيثي ذكره في مذيله؛ وقال من بيت معروف بواسط بالصلاح والرواية للحديث والعدالة، قدم بغداد وأقام بها مدة متفقهاً على مذهب الإمام الشافعي- رضي الله عنه على الشيخ أبي طالب بن [المبارك بن المبارك صاحب] ابن الخل، ثم بعده على أبي القاسم يعيش بن صدقة الفراتي، أعاد له درسه بالمدرسة الثقتية بباب الأزج.
وكان حسن الكلام في المناظرة، سمع الحديث بواسط من أبي الحسن علي بن المبارك بن الحسن بن الخلال، وببغداد من شيخه أبي طالب بن الخل وأبي القاسم الفراتي.
وتولّى القضاء بواسط في أواخر صف/ 265 ب/ سنة أربع وستمائة، وصار إليها في ربيع الأول من السنة المذكورة، وأضيف إليه إنهاء الأشراف بالأعمال الواسيطة؛ وكان له شعر ومعرفة بالحساب، ولم يزل على ولايته إلى أن توفي ليلة الاثنين ثالث شهر ربيع الأول سنة ثمان وستمائة؛ ودفن من ذلك اليوم عند أبيه وأهله ظاهر البلد؛ وكان مولده في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. هذا آخر كلام أبي عبد الله الدبيثي.
ومن الشعر ينسب إليه، وهو مشتهر يغني به القوالون والمغنون، وسار العالم هذه القصيدة الغزلة الهائية:[من الكامل]
آهاله ذكر الحمى فتأوَّها
…
ودعا به داعي الهوى فتولَّها
هاجت بلابله البلابل فانثنت
…
أشجانه تنهي عن الحلم النُّهى
فبكى أسى وشكى جوى وتنبَّه الوجد القديم ولم يزل متنبِّهاً
قالوا: وهي جلداً ولو علق الهوى
…
بيلملمٍ يوماً تأوَّه أو وهى
يا عتبُ لا عتبٌ عليك فسامحي
…
وصلي فقد بلغ السَّقام المنتهى
عذل العذول على هواك فما اعورى
…
ونهاه فيك اللَّائمون وما انتهى
قالوا اشتهاك وقد رآك مليحةً
…
عجباً وأيُّ مليحة لا تشتهى
/ 266 أ/ علَّمت بأنَّ الجزع ميل غصونه
…
لما خطرت عليه غي حلل البها
ومنحت غنج اللَّحظ غزلان النَّقا
…
فبدا أحسن ما ترى عين المها
لولا دلالك لم أبت متقسِّم الأفكار مسلوب الرُّقاد مدلَّها
أنا أعشق العشَّاق فيك فليس لي
…
شبهٌ ولا لك في الملاحة مشبهاً
لا تكرهوه على السُّلو فطائعاً
…
حمل الغرام فكيف يسلو مكرهاً
وحدثني أبو الفرج محمد بن بدر بن الحسن بن السمين البصري؛ قال: حضر عند القاضي أبي الفضائل بن الآمدي، امرأةً وزوجها يحتكمان؛ فطلبت المرأة الطلاق، فخيّره على طلاقها بما اقتضاه الحكم الشرعي؛ فامتنع الرجل من الطلاق وأبى، فأمر القاضي بحبسه، فذهبوا به ليجسوه، فحين وصل بعض طريق الحبس، سأل الرجل العود إلى القاضي، فعاد إليه، وحضر بين يديه؛ فقال له القاضي: ما بك؟ فقال: يا قاضي المسلمين كيف يحسن بك أن تأمر بحبسي وتكرهني [على] الطلاق؟ ألست القائل؟ : [من الكامل]
/ 266 ب/ لا تكرهوه على السُّلوِّ فطائعاً
…
حمل الغرام فكيف يسلو مكرهاً
فقال له القاضي: نعم أنا قلت ذلك؛ فأمر له بعشرين ديناراً من ساعته، وأصلح بينه وبين زوجته، وصرفهما وهما راضيان.
ومن شعره يلغز: [من الطويل]
كلفت بظبي غرَّه حين أغراه
…
سوادٌ تبدَّا في بياض محيَّاه
غزالٌ كبدر التَّم ليلة تمِّه
…
رمى مقتلي عمداً ولم يخط مرماه
هلالٌ على غصن يميس وينثني
…
كما اهتَّز بانٌ حين يهتزُّ عطفاه
ومن أين للغصن الرَّطيب قوامه
…
ومن أين للبدر المنير ثناياه
يبيح دمي عمداً وأكره أنَّني
…
أبوح به بل استلدُّ بذكراه
فأوضح ما أخفيت غير مصرَّحٍ
…
يبين لأهل الفضل لا شكَّ معناه
فربَّع اسمه مال ....... ولجذره
…
ومثلاه نصف الجذر فاثبته وأقراه
وثانيه ربع الاسم مع نصف ثمنه
…
مضافٌ إلى ما نحن من قبل قلناه
تجده رباعياً يساوي لجذره
…
وثالثه حرفٌ يماثل مبداه
ورابعه وهو الأخير لاسمه
…
إذا انزاح منه خمسة فهو ثمناه
[446]
عليُّ بن أبي غالب/ 267 أ/ بن أحمد بن عمرو بن المفرج بن عطاء الله الربعيُّ، أبو الحسين السَّلَّاميُّ الموصليُّ، المعروفٌ بابن شيخ السَّلَّاميّة.
هي قرية تحت الموصل بأربعة فراسخ بجانبها الشرقي؛ وسلف أبي الحسن كانوا رؤساءها ومشايخها؛ وهم بيت مشهور بالرئاسة.
وسافر أبو الحسن إلى بخاري وسمرقند والشام والعراق وديار مصر؛ وكان جليلاً رئيساً متمولاً ذا يسار ونعمة واسعة، فيه أريحية ومروءة، وله نظم ونثر.
ورأيت من إنشائه مقامة هجا بها قاضي إربل وتنتَّزه فيها تنتيراً قبيحاً؛ وكانت وفاته بالسلامية سنة تسع عشرة وستمائة.
أنشدني معتوق بن المفرّج بن عمرو السلامي؛ قال: أنشدني ابن عمِّي لنفسه:
[من الطويل]
سرى طيفها خلسا وقد غوَّر النَّسر
…
قد غابت الجوزاء وابتسم الفجر
فحيَّا محبّاً بات من لوعه الهوى
…
يقلقله ذكرٌ ويقلقه فكر
وأنَّى اهتدى واللَّيل ملق جرانه
…
وقد حال فيما بيننا المهمه القفر
يزوِّر لي أنَّ الحبيب بزورني
…
وهيهات إنَّ الوصل من طيفها هجر
أتسمح لي بالوصل والرَّمل دونها
…
ألا إنَّ هذا العرف من وصلها نكر
/ 367 ب/ تصدُّ وتجفو والدِّيار قريبةٌ
…
وتدنو دوني البحر واللَّجج الخضر
مهفهفةٌ كالغضن هبَّت به الصَّبا
…
سحيراً وكالسَّكر إن مال به الخمر
يجول وشاحاها وما جال حجلها
…
وتشكو إلينا النُّطق ما ضمَّت الأزر
لها الدُّرُّ ثغرٌ وهو عقدٌ لنحرها
…
فواعجبًا من ثغرها قلِّد النَّحر
إذا سربت في السِّرب والسِّرب كالدُّمى
…
فهنَّ نجومٌ وهي ما بينهم بدر
تجرِّعني السُّمَّ الزُّعاف تذلُّلاً
…
وتعجب من صبري وقد نفد الصَّبر
تعلَّقتها بكر الصَّبابة والصِّبا
…
وقد شاب رأسي والغرام بها بكر
فيا عاذلي في الوجد لو كنت شاهداً
…
عذرت فتّى في الحبِّ ليس له عذر
ولو عاينت عيناك تمثال دمية
…
سجدت وإن كان السُّجود لها الكفر
فدعني ووجدي والغرام وإنَّما
…
تعاتب جلموداً وهل يسمع الصَّخر
خلقت قذى عين الحسود لحبِّها
…
وإنِّي لفي حلق العدوِّ شجاً مرُّ
ومنها:
وكم مهمة في جنح ليل قطعته
…
إليها ولم يكتب عليَّ به وزر
بناجية كالنَّجم عند انقضاضه
…
إذا وخدت فالميل في خطوها فتر
ومثلي لا يعبث بسوء إذا خلا
…
ولا تطبيه الكاعب الرُّود يا نصر
/ 268 أ/ أنا ابن السُّراة الغرِّ من فرع خندف
…
بجدِّي أبي العباس يفتخر الفخر
هو الطَّاعم المطعان في حومه الوغى
…
إذا اغبرُّت الآفاق واحتبس القطر
بنا يعرف المعروف والبأس والنَّدى
…
ويعزى إلينا الجود والحمد والشُّكر
إذا ناب دهرٌ فادع يوسف إنَّه
…
إذا ناب دهرٌ خاف من بأسه الدَّهر
وإن جاد أروى غلَّة الفقر سيبه
…
وإن صال فهو اللَّيث والغيث والبحر
يعمُّ الآقاصي والآداني نواله
…
ويسري إلى الآفاق نائله الغمر
فتّى ذكره في الشَّرق والغرب سائرٌ
…
كما سارت الشَّمس المنيرة والبدر
وأقلامه تغني عن البيض والقنا
…
ويكفي لقاء الجيش من خطِّه سطر
ونهَّاب أعمار الأعادي محمَّدٌ
…
ووهَّاب ما أبقاه من تالد عمرو
وهازم أزمات الزَّمان بجوده
…
إذا صرَّت الخضراء وامتنع الدَّرُّ
وإن أمَّه ذو حاجة وهو مدقعٌ
…
نأى فقرة بالجود وارتحل العسر
فمن شاء فليفخر بعزَّ ورفعه
…
فنحن الَّذي ذلَّت لنا الأنجم الزُّهر
أيطمع في إدراك شأوي مقصِّرٌ
…
جهولٌ له في جهله والخنا ذكر
له عن سبيل المكرمات زواجرٌ
…
من اللُّؤم لا حمدٌ لديها ولا شكر
وهيهات لم يبلغ مداى مقصِّرٌ
…
إذا قال شعراً ...... في شعره الشعر
/ 268 ب/ ومازال شعري في البلاد مسافراً
…
يروح به ركبٌ ويغدو به سفر
وينشده الرَّؤوان شرقاً ومغرباً
…
وينشده بدوٌ ويشدو به حضر
أغوص على درِّ البيان فأجتني
…
وأنظمة شعراً كما نظم الدُّرُّ
فكيف يناصي النَّجم يا نصر جاهلٌ
…
تساوى لديه القطر والتِّبر والصُّفر
سأجلو على الرَّاوين كلَّ قصيدة
…
هي السِّحر لا بل إنَّ ألفاظها السِّحر
إذا أنشدت أضحى حسودي صاغراً
…
لديها وألحاظٌ العدا دونها خزر
ونقلت من خطه قوله وهو مما قاله ............ ، وحرره بالموصل عند عوده إليها في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة:[من الطويل]
إذا هبَّ من أرض الحجاز نسيم
…
أبلَّ من الدَّاء العضال سقيم
وأطلق مأسوراً يبيت من الجوى
…
يقلقله شوقٌ الدُّ خصيم
وبرَّد ناراً في الحشا مستكنَّة
…
لها بين قلبي والشَّغاف جحيم
أحنُّ إلى أرض الحجاز ودونها
…
مهامه دهسٌ أفقرت وحزوم
ومنها:
فهيهات نجدٌ أين نجدٌ وأهلها
…
وهيهات يشفى بالرُّقاة سليم
[447]
/ 269 أ/ عليُّ بن الحسين بن عليُّ بن القاسم بن المظفر بن عليٍّ الشهزوريُّ، أبو الحسن بن أبي عليٍّ الموصليُّ.
قاضي الموصل.
من بيت الرئاسة والعلم؛ كان فصيحاً بارعاً ديناً خيراً سليم الجانب، مشهور [اً] بالديانة، وسلامة الجانب، كثير الخير والصلاح.
سمع عمّه أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري قاضي الخافقين، والقاضي تاج الإسلام أبا عبد الله الحسن بن نصر بن خميس الجهني الموصلي، والوزير أبا المظفر
يحيى بن محمد بن هبيرة وغيرهم.
وكانت وفاته في رابع المحرم في سنة إحدى وستمائة؛ وصلىّ عليه بظاهر باب الميدان، ودفن بتربتهم من صحراء المعافى بن عمران- رضي الله عنه.
نقلت من خط يده وشعره يمدح أتابك نور الدين أبا الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي- رضي الله عنه ويرثى والده أتابك عز الدين مسعوداً- رضي الله عنه[من الكامل]
جار الزَّمان قلَّ منه ناصري
…
فمن المجير من الزَّمان الجائر
أبداً أغصُّ من الزَّمان بجوره
…
أفما لأوَّل جوره من آخر
/ 269 ب/ هيهات لا برد الغليل وقد ثوى
…
من كان من عددي وخير ذخائري
ملكٌ قضى فارتجًّت الدُّنيا له
…
فكأنَّما ركبت جناحي طائر
أضحى وحيداً في التُّراب كأنَّه
…
ما سار بين مواكب وعساكر
إن كان عزُّ الدِّين غاب فما خبت
…
أنوار ذا القمر المنير الزَّاهر
أو كان ذاك السَّيف فلَّ فما نبا
…
الحدَّان من هذا الحسام الباتر
أو كان ذاك البحر غاض فما رقا
…
ما فاض من هذا الغمام الماطر
مولاي نور الدِّين عشت مسلِّماً
…
في ظلِّ مملكة وعزِّ قاهر
ملكٌ تشرَّفت القضاة بذكره
…
وثناه بين محافل ومنابر
لم يخل يوماً منبرٌ من خاطب
…
يثني عليه ومحفلٌ من ذاكر
فالنَّاس كلُّهم بطيب ثنائه
…
وبشكره من ناظم أو ناثر
فهو الَّذي شمل الأنام بعدله
…
من بين باد منهم أو حاضر
ما للكسير إذا استغاث بجوده
…
بين البريَّة غيره من جابر
فاسمع مقالة شهرزوريِّ غداً
…
يربي على العلما بفضل باهر
أفديك نور الدِّين ليس بخاطر
…
ما عشت ذكر سواكم من خاطري
واسعد بمقدمك المعظَّم سعده
…
....... الممالك كابراً عن كابر
/ 270 أ/ وافعل كما فعل المقدَّس روحه
…
في حقِّ داع حامد أو شاكر
وانعم بتحقيق الوعود وكن لنا
…
عوناً على نوب الزَّمان الغادر
وانظر لنجلي عبدك الدَّاعي الَّذي
…
يدعو إذا رقدت عيون السَّاهر
يثنى على أوصاف مجدك مطنباً
…
ما بين دانٍ واردٍ أو صادر
لا تتركنِّي في بلادك ضائعاً
…
وانظر إلىَّ بباطن أو ظاهر
فتأخُّري لتألُّمي وتظلُّمني
…
ولضيق ذات يدي وقلَّة ناصري
قد كان والدك السَّعيد معظِّماً
…
قدري ومعترفاً بفضلي السَّائر
فاسمح وجد وانعم فصبري نافدٌ
…
والله قد أوصى بحقِّ الصَّابر
واسلم ودم في نعمة وسلامة
…
وجلالةٍ سامي الأوامر فوق كلِّ أوامر
[448]
عليُّ بن محمَّد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يوسف بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن سهم- من ولد عمرو بن العاص- القرشيُّ ثم السهميُّ، أبو الحسن بن أبي عبد الله، شهر بابن البيّانيّ الغرناطيّ الأندلسيّ.
شاعر من الفضلاء.
أنشدني أبو الفتح محمد بن بدر التبريزي- رحمه الله تعالى- قال:
/ 270 ب/ أنشدني أو الحسن بن البيّاني لنفسه بإربل، قدمها في العشر الأولى من شعبان سنة ثلاثين وستمائة؛ مجتازاً إلى دار السلام؛ يمدح مولانا وسيدنا الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور- رضي الله عنه:[من الكامل]
حرم الخلافة قصد كلِّ ميمِّم
…
ومحل موثوق العقيدة مسلم
شرفت قواعده فبان سماكنا
…
في جوِّ قبَّة سمكه كالدِّرهم
وكأنَّما العافي الملمُّ ببابه
…
يخطو إليه على جبين المرزم
دمنٌ سمت شرفاً مساكن أفقهاً
…
من آل أحمد سرِّ صفوة آدم
أسنى الخلائف والخلائق محتداً
…
وأجلهم ذكراً لدى نطق الفم
مستنصرٌ بالله في أفعاله
…
ماضي العزيمة في المهمِّ المبرم
دار السلام لقاصديها قبلةٌ
…
كالبيت من ...... يحجُّ ويخدم
شهدت ببهجتها به أمُّ القرى
…
أو حلَّها فرهت بأشرف مبسم
والبيت يشهد بالفخار
…
ثمَّ المقام مع الحطيم وزمزم
وكذا المشاعر لم يزل يتلو بها
…
آي المآثر كلُّ أشعت محرم
فيكم بني العبَّاس عصمة ديننا
…
في عصرنا دار الزَّمان الأقدم
/ 271 أ/ أنتم خلائف ربِّنا في أرضه
…
طرّاً ومن يأبى فليس بمسلم
وبفضلكم نطق الكتاب لأنَّكم
…
آل النَّبي وفخركم لم يكلم
وإذا امروٌ جارت به سبل الهوى
…
عن قصدكم يدعى بأجهل مجرم
فإذا استتيب فتاب كان مؤمَّناً
…
وإذا أبى فمثابه سفك الدمًّ
إمام أهل الأرض بلِّغت المنى
…
فمغرِّبٌ في طوعكم كالمشئم
وبلاد أندلسٍ أديلت دولةً
…
لكم ببيعة مخلصٍ لم تكتم
شبَّ الوليد بها سروراً واكتست
…
شرخ الشَّباب الشِّيب للمتوسِّم
فثغورها افترَّت لطاعة أهلها
…
لله ثمَّ لكم بصدق مسلِّم
تبدو ...... خوارج قد اثقلت
…
منهم ظهوراً بالنِّفاق المؤلم
واستبشروا بكمال نعمة دينهم
…
ونعيم دنياهم وفيض الأنعم
ومليكهم سبعٌ بن هود مالكٌ
…
منهم أزمَّة طاعة لم .....
ملكٌ بكم ملكت يداه مناقلاً
…
بعدت عن الفتح الشِّداد الحوَّم
فأزارها أسداً وكان شعاركم
…
خيلاً لها تحت العجاج الأقتم
وسما إليها بالسَّوابق شزَّباً
…
تردي بكلِّ مدجَّج مستلئم
وأذاقها صدق الطِّعان فأذعنت
…
بالطَّوع دون مهنَّد ومقوَّم
/ 271 ب/ يطوي البلاد بجحفل خلق الملا عن نحره الطَّامي العباب الخضرم
خفقت بنود سعودكم فيه على
…
أعدائكم فاستسلموا للمغنم
ولقد غزا أرض الفرنج بعصة
…
فطرت على دين النَّبيِّ الأقوم
فإمامهم مستنصرٌ ومليكهم
…
متوكلٌ يا نصرهم لا تعدم
وإذا هم أمُّوا العدا صدموهم
…
بالمشرفيِّ وكلِّ أسمر لهذم
وعليهم سرد الدِّلاص كأنَّه
…
سيلٌ تلاطم في غدير مفعم
وطئت سنابك خيلهم هاماتهم
…
والسَّيف يرسم أسطراً لم تفهم
واستعجلت قصد الوشيج عليهم
…
حرقاً بها من قبل نار جهنَّم
وجرت مذانب من نجيع نحورهم
…
فتحجَّلت شهب السَّوابق بالدَّم
ملأوا الفلاة مجدَّلين تنوشهم
…
عصب الوحوش وكلُّ نسر قشعم
فمياهها قد عافها متطهِّراً
…
وترابها ما حلَّ للمتيمِّم
وقد استقام الدِّين في أقطارها
…
شرقاً وغرباً والعدوُّ بمرغم
فالحمد لله المفيض عليهم
…
بإمام أهل الحقِّ أسبغ أنعم
فشبابهم في غبطة ونساؤهم
…
في حوطة وشيوخهم لم تهرم
نزلوا المنى لمَّا انجلت عن أرضهم
…
ظلم الجهالة من زنيم مجرم
/ 272 أ/ واستوضحوا نور الهدى وتيمّوا
…
بالدولة الغرَّاء في ......
عمَّ البسيطة عدله فيكاد أن
…
تلقى الذِّئاب مع الظِّباء بمجثم
لا زال سحب نوالهم تهمي على
…
أهل الولاء بكلِّ نوء مثجم
وسيوفه تمسي رقاب عداته
…
أجفانها يوم الوطيس الملحم
ورماحه في صدر كلِّ معاند
…
أمضى وأنفذ من قضاء مبرم
يا ابن الأئمَّة من قريش أنتم
…
خير البرايا والحمى لمتمِّم
قطب الدِّيانة والأمانة فيكم
…
إرثٌ لكم من أكرمٍ عن أكرم
صلَّى على تلك العناصر ربَّكم
…
وكساكم ثوب الفخار الأعظم
وأدامكم للمسلمين موطِّدي
…
أديانهم بمثقَّف وبمخذم
وحباكم العمر الطَّويل تمتُّعاً
…
وأمدَّكم نصراً بكلِّ مسوَّم
والدِّين والإسلام لمَّا استمسكا
…
منكم بعرورة عصمة لم تفصم
فعلى مواقفكم أتمُّ تحيَّةٍ
…
ما دام بيت الله قبلة مسلم
[449]
عليُّ بن محمد بن حامدٍ، أبو الحسن البغداديُّ.
سافر عن مدينة السلام، ونزل آمد في أيام / 272 ب/ الملك الصالح أبي الفتح محمود بن محمد مليكها؛ فلولّاه بها القضاء إلى أن مات بها وهو قاضٍ ولم يبلغ الأربعين؛ وكان قد أخذ من كلّ علم طرفاً حسناً.
أنشدني له أبو الفضل عمر بن علي بن هبيرة، حين خرج عن وطنه، وفارق أهله وبنتاً له صغيرة، وجلس على دجلة، وتذكر من فارقه، فأنشد لنفسه:[من السريع]
لو صبَّ ما ألقى على صخرةٍ
…
لذابت الصَّخرة من وجدها
أو ألقيت نيران وجدي على
…
دجلة لم يقدر على وردها
أو ذاقت النَّار غرامي بكم
…
لم تتوار النَّار في وقدها
لو لم ترجِّ الرُّوح روح اللِّقا
…
لكان روح الرُّوح في فقدها
[450]
عليُّ بن محمدّ بن يوسف بن قليج بن تكين خان بن محمود خان ابن إيل خان، أبو الحسن الموصليُّ المولد والمنشأ.
من ولد الأتراك الملقب بالمؤيد الجاندار.
كان جندياً بالموصل، ومستحفظ قلعتها في عهد الملك نور الدين أبي الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن زنكي وبعده/ 273 أ/ لولده الملك القاهر عزّ الدين أبي الفتح مسعود.
وكان رجلاً عاقلاً من أهل الفضل والمعرفة بأخبار الناس وأيامهم، حسن الاقتصاص لها، وجمع كتاباً سمّاه ((مساهر السامر ومُّسامر الساهر)) يحتوي على أشعار وحكايات.
وكان مولده يوم الاثنين ثاني عشر شعبان سنة ست وأربعين وخمسمائة بالموصل، وتوفي بها عشية السبت تاسع عشر شوال سنة ست عشرة وستمائة، ودفن ظاهر البلد، بمقبرة الباب الكاري بالشرف الأعلى المطل على دجلة.
أنشدني أخوه أبو عبد الله محمد بن محمد؛ قال: أنشدني أخي لنفسه:
[من مجزوء الكامل]
يا أيُّها الغادي على
…
عيرانةٍ أجدٍ أمون
أبلغ بهاء الدِّين شوق متيَّم قلق حزين
وأخبره أنَّ فراقه
…
عندي أشدُّ من المنون
وأنشدني؛ قال: أنشدني أخي لنفسه؛ وهي ذات وزنين وقافيتين: [من الكامل]
أمجاور البيت العتيق وتاركي رهن الصَّبابه
…
ما إخالك منصفاً
/ 273 ب/ إمنن عليَّ بأوبة تحي الكئيب من الكآبة
…
فالعدوُّ قد اشتفى
[451]
عليُّ بن محمد بن سديرٍ، أبو الحسن المدائنيُّ الطبيب.
كان له يد في علم الطب والمعالجة خيراً، وكان دمثاً مداعباً مطبوعاً، يتشيع مفرطاً، ولي حسبة المدائن سنة تسعين وخمسمائة. توفي بالمدائن فجأة في العشر الآخر من شهر رمضان سنة ست وستمائة.
ومن شعره؛ قوله: [من الطويل]
أيا منقذي من معشر زاد لؤمهم
…
فأعيا دوائي واستكان له طبِّي
إذا اعتلَّ منهم واحدٌ فهو صحَّتي
…
وإذا ظلَّ حيّاً كدت اقضي به نحبي
أداويهم إلَاّّ من اللُّؤم إنَّه
…
ليعيي علاج الحاذق الفطن الطَّب
وقال أبو الحسن القطيعي، أنشدني علي بن سدير لنفسه ببغداد سنة تسعين:
[من الرمل]
هاجه السِّرب الَّذي عنَّ لنا
…
بين جرعاء اللِّوى والمنحنى
ورمته العين من آرامه
…
أسهماً متَّخذاً أعيناً
/ 274 أ/ يا ديار الحيِّ من أين لنا
…
مثل أيَّامك من أين لنا
أتمنَّى والأماني ظلَّةٌ
…
أن أرى ذاك الكثيب الأيمنا
ولقد أهوى إلى نجدٍ وإن
…
لم تكن نجدٌ لأهلي وطناً
[452]
عليُّ بن روح بن أحمد بن الحسن بن عبد الكريم، أبو الحسن بن أبي طالبٍ.
هكذا قرأت نسبه بخطه، النهرواني المعروف بابن الغباري.
كان مولده سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بالنهروان، ورد مدينة السلام، وسمع بها الحديث، وأخذ الفقه عن أبي النجيب السهروردي؛ وقرأ الأدب على أبي الحسن علي بن عبد الرحيم بن العصَّار اللغوي، وروى الخطب النبهانية عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقي الغنوي، وسمع المقامات الحريرية على أبي الفضل منوجهر محمد بن تركانشاه البغدادي.
وتولّى القضاء بها، في عهد الإمام أمير المؤمنين الناصر لدين الله- رضي الله عنه وعزل عن القضاء، وتوفي يوم الأربعاء منتصف رمضان سنة خمس عشرة وستمائة؛ وكان فقيهاً/ 274 ب/ شافعي المذهب؛ فاضلاً ديناً صدوقاً ثقة.
له شعر، وكان يتكئ عند كبره على عصا، ومن شعره:[من مجزوء الرجز]
إنِّي إذا هلَّ رجب
…
في تعب وفي نصب
أمشي على ثلاثة
…
أصحُّ ما فيها الخشب
من عادة بغداد إذا هلَّ رجب، يخرج الفقهاء والعلماء والصوفية وغيرهم من ذوي العلم، ويبيتون في الرصافة عند قبور الخلفاء- رضي الله عنهم ويقرأون القرآن ويعقد مجلس الوعظ هنالك، وكذلك أيضاً في النصف من شعبان؛ فهذا معنى قوله:((إذا هلَّ رجب)).
وقال أيضاً: [من الطويل]
وقد كنت أشكوك الحوادث برهةٌ
…
واستمرض الأيَّام وهي صحاح
إلى أن تغشَّتني وقيت حوادثٌ
…
تحقِّق أنَّ السَّالفات منائح
[453]
عليُّ بن مسلم بن كاملٍ/ 275 أ/ أبو الحسن الموصليُّ، العدل.
كان قد قرأ شيئاً من العلم، وقال شعراً كثيراً، أدركت آخر أيامه، وهو شيخ مسنّ بالموصل، يكتب بها الشروط بالأجر، ولم آخذ عنه شيئاً.
رأيت من شعره قصيدة؛ أنشدنيها بعض المعارف، يمدح بها القاضي محيى الدين أبا محمد حامد بن محمد بن عبد الله الشهرزوري:[من الكامل]
عج بالقلوص على المحلِّ الماحل
…
وسل الطُّلول عن الخليط الرَّاحل
واستوقف الأطلال ربة وقفة
…
جادت على الصَّبِّ الكئيب بنائل
واسكب دموعك في عراص أقفرت
…
وعفت معالمها كجسمي النَّاحل
واستبدلت من كل َّ ريمٍ آنسٍ
…
حال باخر نافرٍ بعاطل
ماذا يؤمِّل مجتد من مانع
…
رفدّاً ويرجو طالبٌ من باخل
يا عاذلي لو كان عندك بعض ما
…
يلقاه قلبي كنت عاذل عاذلي
كفَّ الملام فما أصيخ للائم
…
ما ذاق طعم هوّى غبيٌّ جاهل
من منصفٌ لي من ظلوم حاكم
…
أو آخذٌ لي من مليٍّ ماطل
غرث في بحر الغرام بمهجتي
…
أبغي رضاه فما حصلت بطائل
أنا بين أعطاف تميس وأعين
…
ترنو قتير بواتر وذوابل
وأهيم من وجديٌ عليه فمن رأى
…
يا قوم مقتولاً يهيم بقاتل
/ 275 ب/ يرمي القلوب بأسهم من لحظة
…
وكأنّ مقلته كنانة نابل
قد بلبلت البابنا الحاظه
…
فكأنَّ سحر جفونه من بابل
وكأنَّ قسوَّة قلبه من يذبلٍ
…
وكأنَّ حسن قوامه من ذابل
سقمي من الطَّرف السَّقيم وادمعي
…
سالت على ذاك العذار السَّائل
أخفقت حين نصبت أشراكي له
…
فاعتاق قلبي حين فات حبائلي
فعلمت أنَّ الدَّهر يبغي نصره
…
فيما أرادوا وأنَّ دهري خاذلني
فطفقت أسأل الورى عن ماجد
…
جمِّ العطار رحب الفناء حلاحل
أشكو إليه جور دهر باسلٍ
…
أنحى عليَّ بكلكل وبكاهل
فوجدت محيي الدِّين أسخاهم يداً
…
تندى وأدفعهم لخطَّب نازل
سمحٌ إذا خانوا، حكيمٌ إن هفوا،
…
قوَّال محكمةٍ، زعيم محافل
فذكرت حين رأيت شمس عطائه
…
في ليل منعهم مقال القائل
أفلت نجوم المكرمات ونجمه
…
للطالبين تراه ليس بافل
ومنها يقول في آخرها:
الله اسأل أن يديم بقاءه
…
فتدوم لي نعمي إذا أبقاه لي
تمَّ الجزء الخامس
ويتلوه في السادس إن شاء الله تعالى من اسمه علي