الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من اسمه عبد الرازق
[371]
عبد الرازق بن أحمد بن الخضر بن أحمد بن صالحٍ، أبو محمدٍ العامريُّ الأطرابلسيُّ، المدعو بالبديع.
من شعراء الشام، غزير الشعر يكثر من قوله. رحل إلى الديار المصرية، قاصداً الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن شاذي -رحمه الله تعالى- ليمدحه، واتصل ببني أيوب فسيَّر فيهم مديحاً كثيراً.
ولعلَّ /83 أ/ ديوان شعره يزيد على عشرة أجلاد، ومعظمة مرذول قليل العيون، إلَاّ أنه ما يخلو من فائدة ومعانٍ، وربما مرَّ له أبيات صالحة.
ولم يكن شهر بالشعر كشعراء عصره، وكان يأخذ نفسه بصناعة الترسل، والإنشاء الكتابي؛ صار إلى من نظمه كتاب سمّاه "در المدائح ودرُّ المنائح" وجعل في مقدمته خطبة ذكر فيها فضيلة الشعر ومدحه.
وخرج من مصر طالباً البلاد الجزريّة، إلى مدينة آمد، فانحاز في جملة مليكها الصالح أبي الفتح محمود بن محمد بن داود بن سليمان بن أرتق، فأكرمه وصيَّره أحد ندمائه وجلسائه، فولاه الإشراف على .... بالعربيه ولم يزل متوالياً إلى أن مات بذلك.
وأخبرني من شاهده بآمد، سنة خمس وستمائة؛ وقال: كان شيخاً ربعة يتزيّا بزيِّ الجند، ويلبس القلنسوة ذات القنجس.
وكان مشغوفاًَ بالخمر، مصرَّاً عليها، ذا نعمة واسعة، وحشمة وزي حسن وغلمان، وكان الصاحب ضيائ الدين أبو القاسم أحمد بن شيخ السلامية وزير صاحب
آمد، ..... في حقَّه ويكرمه ويقرِّبه وينعم عليه.
/83 ب/ وكان أبو الحسن علي بن محمد الساعاتي الشاعر بمصر، فاقتضت أن عمل إبن الساعاتي دعوى، وجمع إليه جماعة من أصدقائه، من الديار المصرية، وغيرهم وفي جملتهم عبد الرازق الشاعر، وكان يومئذ مقيمًا بمصر، وكان مع ابن الساعاتي ألف دينار مصرية، فحار أين يخبّئها، فألقاها في حبَّ الماء، وفي ظنِّه أنَّ أحداً لا يفطن لذلك، فشرب من كان عنده كم أصدقائه الماء، واستعملوه، ولم يبق في الحّبِّ ماء، فقام بعض من كان عنده يستقي ماء، فوجد الألف دينار، فأخذها فلما أراد ابن الساعاتي يعينه:[من البسيط]
يا عادم الألف من بعد التَّبذُّل في
…
تحصيلها في زمان عزَّ لقياه
قد كان مالك ماء الحبِّ أمَّله
…
كما عملت وماء الحبِّ أفناه
وأنشدني أسفنديار بن عثمان بن اسفنديار الديلمي البغدادي بحلب؛ قال أنشدني عبد الرازق له: [من السريع]
/84 أ/ يا ظالماً لولاه ما كان لي
…
عند إلهي في غد ذنب
كلَّفتني في الجبِّ ما لم أطق
…
وبعض ما كلَّفتني صعب
وقال في الغزال: [من البسيط]
آس العذار أسًى للهائم الدَّنف
…
ألفته مذ بدا في الخدِّ كالألف
تعانق الصُّبح والظلماء وائتلفا
…
وما ائتلافهما إلَاّ على تلفي
وقال في مثله: [من السريع]
وشادن شدَّ فؤادي الأسى
…
في حبِّه شدَّ الزاة البغاث
لمَّا تردَّى الحسن ردَّ الرَّدى
…
نحوي وجسمي فيه للسُّقم لاث
عذاره الآسي في خدِّه الـ
…
ـورديِّ في السَّلوة والصبر عاث
كالمسك في الجمر انتهى لبثه
…
والمسك في الجمر قليل اللّباث
أسرف في الصَّدِّ ولا ذنب لي
…
والصَّدُّ لا يحسن فوق الثلاث
وقال أيضاً: [من الوافر]
سياج الورد أحسن كلَّ وقت
…
بعين الصَّبَّ من ورد السَّياج
فهذا كالسياج على ظلامٍ
…
وهذا كالظلام على السِّراج
وقال في المعنى أيضاً: [من الوافر]
/84 ب/ تبدَّى فوق عارضه عذارٌ
…
بذلك عذري واحتجابي
فحار العاذلون له وقالوا
…
يواقيتٌ موشَّاةٌ بزاج
فقلت سياج آس فوق وردٍ
…
وهل وردٌ يكون بلا سياج
وقال أيضاً: [من الهزج]
عديم الناس من من كان إلى ذي البخل محتاجاً
وما يغنيه ان يفتـ
…
ـح نحو الهجو منها منهاجاً
فدع عنط المهاجا
…
ة فلن يفلح من هاجى
وقال يستدعي صديقاً له إلى مجلس شراب: [من الرمل]
يوم أنس وسرورٍ وفرح
…
وكؤوس قد تغشت بالملح
وشموس كشموس أشرقت
…
برجها الكأس وطاسٌ وقدح
ومغنَّ ليس يعدولفظه .... في التَّغنِّي كلَّ معنًى مقترح
وغلام يخجل البدر إذا
…
لاح فالَّلا حي عليه ما ألح
فأتنا لا فاتنا منك المنى
…
فالمنى معتبقٌ أو مصطبح
وله في القناعة: [من مجزوء الكامل]
إربأ بنفسك أن تكو
…
ن لكلِّ من تلقاه عبدا
/85 أ/ إن السؤال مذلَّةٌ
…
والقنع يولي المرء مجدا
مرٌّ لم يبلى به
…
وأمرُّ منه أن يردَّا
واقترح عليه حسام الدين دمرداش بن عز الدين الجاولي في مجلس شراب، أن يجيز له هذا البيت، وقد غني به بين يديه:[من مجزوء الخفيف]
لي حبيبٌ فديته
…
مثله ما رأيته
والشعر للعماد الكاتب، فقال ارتجالاً:[من مجزوء الخفيف]
يا من القلب بيته
…
أيُّ شيء جنيته
كلُّ ما ترتضيه لي
…
من بلائي ارتضيته
في فؤادي سرُّ العوى
…
عن فؤادي خفيته
فلماذا أراك تنـ
…
ـشر ما قد طويته
ليت شعري وقلَّما
…
نفع المرء ليته
لم غداً يؤثر القطيـ
…
ـعة من لي اصطفيته
/85 ب/ بيعة الغبن باعني
…
من بقلبي اشتريته
بان لي منه ما اشتهيـ
…
ـن وما لا اشتهيته
إن أقل قد سلوته
…
منت فما ادعّيته
وإذا غيره ذكر
…
ت فإنِّي عنيته
أيُّ سهمٍ إلى فؤا
…
دي بكفِّي رميته
ما وقاني منه حسا
…
مٌ بمدحٍ إنتضيته
لسماحٍ عنه وعن
…
حاتمٍ قد رويته
دام لي مضا شدا امرؤٌ:
…
لي حبيبٌ فديته
وتلاه بقوله: يا من القلب بيته
[372]
عبد الرازق بن أبي الغنائم بن ياسين التيمي القرشي الضَّرير.
من أهل دقوقا؛ خرج عن بلده سنة خمس وثمانين وخمسمائة إلى إربل ونزل بقرية من قراها تدعى البشقرة، وحفظ القرآن بها على كثير بن عطية الباحباري.
ودخل إربل وأقام بها مدَّة، ورحل /86 أ/ عنها إلى الموصل، ولزم الشيخ أبا الحرم، فجوَّد عليه قراءة القرآن تلقينا، وقرأ على العزّ عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن حومية ..... تجويداً
وتوجه إلى بلاد الشام سنة ست وثلاثين، واستوطن دمشق، وتفقه على أبي القاسم عبد الملك بن زيد بن ياسين الدولعي الفقيه الشافعي، واشتغل على تاج الدين الكندي، وقرأ طرفًا من علم العربية، وسمع الحديث، وهو بهات مقيم له حلقة بالجامع يقرئ القرآن، وطرق القراءات وتعليلها.
سألته عن ولادته؛ فقال: تكون تقديراً سنة ثمان وستين وخمسمائة. ومع ذلك، اطبع في عمل الشعر، يقول منه القصائد والمقطعات.
أنشدتي لنفسه؛ بمدرسة الشيخ أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل ابن زيد بن ياسين الدولعي في أوائل المحرم سنة أربعين وستمائة في النوق: [من الكامل]
وكريمة تحنو على أربابها
…
فتقل أيديهم فويق المنكب
حتى إذا حملت به أهوى لها
…
ضرباً وليست بالظلوم المذنب
فإذا العصيُّ تكنَّفت اكنافها
…
جاءت كمثل العارض المتحلِّب
/86 ب/ تهي إذا ضُربت بشهد جامدٍ
…
وهنا وتحبسه إذا لم تُضرب
وأنشدني لنفسه: [من الوافر]
سل الركبان هن أمة الرَّحيم
…
اباقيةٌ على العهد القديم
أم الأيام خلن دوين عهدي
…
وصيَّرن المودَّة كالرَّمسم
سقى الله الفراق بكلِّ كفٍّ
…
غداة البين شوباً من حميم
ولا برحت يد الأيّام صفراً
…
من البين المشتِّ بكلَّ ريم
رويدك حادي الأضغان رفقاً
…
بضبٍّ هائمٍ قلقٍ سقيم
رهين صبابة واسير شوقٍ
…
مقيمٍ في جوانحه قديم
يعذبك البعاد وفي التَّداني
…
فما يينفعك من ألم اليم
ويذكره دقوقة كل وقت
…
على سخطٍ النَّوى مر النسيم
فيشرق بالزُّلال العذب طورًاً
…
ويفهق تارةً بجوِّى مقيم
وما ينفكّ من ولهٍ وشوقٍ
…
إلى تلك المعالم والرٌّسوم
وأنشدني أيضاً لنفسه: [من البسيط]
لا غرو ان صمّ يوم الدّين مسمعه
…
وان جرى ساعة التّوديع مدمعه
واهاً المكتئب اودى الغرام به
…
ما تاتلي زفرات الوجد تلدغه
/87 أ/ تصرّع الأسد يوم الرّوع سطوته
…
لكن عيون المها في السّلم تصرعه
لو لم يلذ بالهوى ما ان من اسف وهناً ولا ذرفت فى الدَّار ادمعه
فى ذا الَّذي لم يذب في الحبّ من كلف
…
إذا تلظت بنار الهجر اضلعه
يا حادي العيس لا ذقت الفراق ولا
…
ونت عهاد الحيا تسقيك ......
رفقاً بمن بات يرعى النّجم ارقه
…
حرّ التفجّع لو يجدي تفجّعه
مولّه قلقٌ حيران اسلمه
…
إلى الصّبابة والبلبال مطمعه
حليف شوقٍ اسأل البين عبرته
…
لم يدر أن صروف الدّهر توقعه
يخادع الحبًّ خوقاً أن يموت به
…
وما توهَّم انّ الحبّ يخدعه
يأوي إلى زفرات ليس يقكعها
…
إلَّا التّأوّه آناً أو تقطِّعه
هو الغريب الَّذي أودى بغربته
…
حرُّ الغرام وأرداه توجُّعه
إذا تذكر أيّاماً بكاظمةٍ
…
فاضت نجيعاً على ما فات ادمعه
وأنشدني لنفسه يتذكر وطنه: [من الرمل]
إنَّ في قلبي من الشّوق حريقا
…
يتلظى عند ذكراي دقوقا
موطنٌ كنت به في نعمةٍ
…
لا أرى إلَّا ولياً أو صديقا
والغريب الدّار لا يصغو إلىّ
…
شرب يوماً ولو كان رحيقا
/87 ب/ وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]
إنّ داعي الهوى إليه دعانب
…
فدعاني من الملام دعاني
يا خليلي خلّياني وقلبي
…
واتركاني شأن الغرام وساني
ضقتُ ذارعاً بذي الملامة في الحبّ
…
إن كنتما تنصاحني
وادعواني إلى الصبابة إنّي
…
ساجيب الدّاعي بغير تواني
وعداني بوصل من شفني سقـ
…
ـم بحبّيه ساعةً فعداني
وانظراني حتى أعلّل قلبي
…
بالأمانيّ ريثما تنظراني
لا يغرّنكما انيني ولوعا
…
ت فؤداي وفيض دمعي القاني
وبكائي خلف الرّكائب ذيا
…
ك سروري وعيشتي وأماني