الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
في بيان أمور من الشرك الأكبر – (2يشبه ما قدمناه2)(2) - الذي وقع فيه من وقع من هذه الأمة. قال العلامة ابن القيم (3) رحمه الله:
(ومن أنواعه-أي الشرك –طلب الحوائج عن الموتى والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً (4) ، فضلاً لمن أستغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده) .
قلت: وهذا الجهل قد عمت به البلوى (5 في زمن العلامة ابن القيم – رحمه الله وقبله وبعده 5)(5)، قال في الكافية الشافية (6) :
ولقد رأينا من فريق يدّعي الإ
…
سلام شركاً ظاهر التبيان
جعلوا له شركاء والوهم وسا
…
ووهم به في الحب لا السلطان
إلى آخر الأبيات.
(1) في "ش": بياض بمقدار كلمة: (في المصورة التي لدي) .
(2)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(3)
انظر "مدارج السالكين": (1/346) .
(4)
في "ش": "ضرّاً ولا نفعاً".
(5)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(6)
انظر ص 158.
وقال الحافظ محمد بن عبد الهادي الحنبلي في رده على السبكي (1)، في قوله:(إن المبالغة في تعظيمه أي الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة) : (إن أريد بها المبالغة بحسب ما يراه كل أحد تعظيماً، حتى الحج إلى قبره والسجود له، والطواف به؛ واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه/يقضي حوائج السائلين، ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء ويدخل، الجنة من يشاء: فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك، وانسلاخ من جملة الدين) . وفي "الفتاوى البزازية"(2) من كتب الحنفية: (من قال: إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر) . وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي في كتابه "الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفاً (3) في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة"(4) : (هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفات بحياتهم وبعد مماتهم، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات؛ وبهممهم تكشف المهمات؛ فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات، قالوا: منهم أبدال ونقباء، وأوتاد ونجباء وسبعون وسبعة، وأربعون وأربعة، والقطب هو الغوث للناس، وعليه
(1) انظر "الصارم المنكي": (464) ط/دار الإفتاء.
(2)
انظر: (3/326)"مطبوع بهامش الفتاوى الهندية".
(3)
في "م": "تصرفات".
(4)
هذا الكتاب لدي منه نسخة خطية مصورة واسمه كما في المخطوط: "سيف الله على من
كذب على أولياء الله".
المدار بلا التباس وجوزوا لهم الذبائح والنذور وأثبتوا لهم فيهما الأجور) . قال: (وهذا كلام (1) في تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادرة (2) الكتاب العزيز المصدق، ومخالف لعقائد الأئمة وما أجمعت عليه الأمة، وفي التنزيل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (3) . ثم قال: (فأما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات (4)، فيرده قوله تعالى:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّه} (5) ، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر} (6) ، {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (7) ، ونحوه من الآيات الدالة (8) على أنه المنفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير، ولا شيء (9) لغيره في شيء بوجه من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره: تصرفً وملكاً، وإحياء وإماتة وخلقاً، وتمدح الرب تعالى بملكه في آيات من كتابه كقوله (10) :{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} (11)
(1) في "م": "الكلام".
(2)
في "ش": "ومصادمة".
(3)
سورة النساء، الآية:115.
(4)
في "م" و "ش": "مماتهم".
(5)
سورة النمل، الآيات: 60-64.
(6)
سورة الأعراف، الآية:54.
(7)
سورة الشورى، الآية:49.
(8)
في "م": "الدالات".
(9)
في كتاب "صنع الله الحلبي""ولا شركة".
(10)
زاد في "م": "تعالى".
(11)
سورة فاطر، الآية:3.
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير} (1) وذكر آيات في هذا المعنى. ثم قال: (فقوله في الآيات كلها {مِنْ دُونِهِ} أي: من غيره، فإنه عام يدخل فيه من اعتقدته من ولي وشيطان تستمده (2) ، فإنه من لم يقدر على نصر نفسه كيف يمد غيره؟) .
إلى أن قال: (إن هذا القول وخيم؛ وشرك عظيم) .
إلى أن قال: (وأما القول بالتصرف بعد الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة، قال جل ذكره {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} (3)، وقوله:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} (4) الآية، وقوله:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} (5) الآية، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة} (6)، وفي الحديث:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"(7) -الحديث، وجميع ذلك، وما هو نحوه دال على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أرواحهم ممسكة، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة/ونقصان، فدل ذلك على أنه ليس للميت تصرف في ذاته فضلاً عن غيره، فإذا عجز عن حركة نفسه فكيف يتصرف في غيره؟
(1) سورة فاطر، الآية:13.
(2)
في جميع النسخ: "يستمده"، والمثبت من مخطوطة "سيف الله..".
(3)
سورة الزمر، الآية:30.
(4)
سورة الزمر، الآية:42. وليس في "م" و "ش" بقية قوله {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى}
(5)
سورة آل عمران، الآية:185.
(6)
سورة المدثر، الآية:38.
(7)
أخرجه مسلم كتاب "الوصية" باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته: (ح/1631) بلفظ: "إذا مات الإنسان".
فالله (1) سبحانه يخبر أن الأرواح عنده، وهؤلاء الملحدون يقولون: إن الأرواح مطلقة (2) متصرفة، {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه} (3) ؟
قال: وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات من الكرامات فهو من أعظم المغالطة؛ لأن الكرامة (4) شيء من عند (5) الله يكرم بها أولياءه وأهل طاعته (6) ، لا قصد لهم فيه ولا تحدي، ولا قدرة ولا علم، كما في قصة مريم ابنة عمران، وأسيد بن حضير، وأبي مسلم الخولاني) .قال: (وأما قولهم: فيستغاث بهم في الشدائد
…
فهذا أقبح مما قبل (7) وأبدع لمصادمته (8) قوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (9) الآية، وقوله:{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر} (10) وذكر آيات في هذا المعنى. ثم قال: (فإنه جل ذكره قرر أنه الكاشف للضر لا غيره، وأنه المنفرد بإجابة المضطرين (11) ، وأنه المستغاث به لذلك كله، وأنه القادر على دفع
(1) في "ش": "فإنه سبحانه".
(2)
في (المطبوعة) : "منطلقة" وهو تحريف.
(3)
سورة البقرة، الآية:140.
(4)
في "م" و "ش": "الكرامات".
(5)
سقطت "عند" من: "م".
(6)
سقط من: (المطبوعة) : "وأهل طاعته".
(7)
في (المطبوعة) : "بعده" وهو تحريف.
(8)
في كتاب "سيف الله
…
": "لمصادته".
(9)
سورة النمل، الآية:62. وفي "م" ذكرت تمام، الآية: {وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}
(10)
سورة الأنعام، الآية:63.
(11)
في "م" و "ش": "المضطر".
الضر القادر على إيصال الخير فهو المنفرد بذلك، فإذا تعين هو جل ذكره خرج غيره من ملك ونبي وولي) .قال:(والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه، كقولهم: يا لزيد؛ يا للمسلمين بحسب الأفعال (1) الظاهرة بالفعل، وأما الاستغاثة بالقوة والتأثير، أو في الأمور المعنوية من الشدائد؛ كالمرض، وخوف الغرق، والضيق، والفقر، وطلب الرزق، ونحوه، فمن خصائص الله، لا يطلب فيها غيره) .
قال: (وأما كونهم معتقدين التأثير منهم في قضاء حاجاتهم، كما تفعله جاهلية العرب، والصوفية الجهال، وينادونهم، ويستنجدون بهم، فهذا من المنكرات، فمن اعتقد أن لغير الله من نبي، أو ولي (2) ، أو روح، أو غير ذلك في كشف كربة، أو قضاء حاجة تأثيراً فقد وقع في وادي جهل خطير، فهو على شفا حفرة (3) من السعير.
وأما كونهم مستدلين على أن ذلك منهم كرامات، فحاشا لله أن تكون أولياء الله بهذه المثابة، فهذا ظن أهل الأوثان، كما (4) أخبر الرحمن:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه} (5) ، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (6){أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} (7) ، فإن ذكر ما
(1) في مخطوطة "سيف الله..": "الأسباب".
(2)
في "م" و "ش": "وولي".
(3)
في "ش": "حرف" وهو تحريف.
(4)
في جميع النسخ: كذا"، والمثبت من مخطوطة "سيف الله
…
".
(5)
سورة يونس، الآية:18.
(6)
سورة الزمر، الآية:3.
(7)
سورة يونس، الآية:23. وليس في "م" و"ش" بقية قوله {لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} .
ليس من شأنه النفع، ولا دفع الضر، من نبي أو ولي وغيره على وجه الإمداد منه (1) : إشراك (2) مع الله؛ إذ لا قادر على الدفع غيره، ولا خير إلا خيره) .
قال: (وأما ما قالوه: إن منهم أبدالاً ونقباء، وأوتاداً ونجباء، وسبعين وسبعة، وأربعين وأربعة، والقطب هو الغوث للناس، فهذا من موضوعات إفكهم، كما ذكره القاضي المحدث في "سراج المريدين"، وابن الجوزي، وابن تيمية) انتهى باختصار.
فرحم الله علماء السنة فلقد كفونا مؤنة كشف ما أورده المشركون من شبهات المبطلين؛ وإلحاد الملحدين، فلله الحمد/ والمنة على عظيم النعمة.
فتبين (3) لمن له عقل بطلان ما بهرج به هذا العراقي من كرامات الأولياء مستدلاً بذلك على جواز جعلهم لله أنداداً.
ومما يبين ذلك: أنه وقع لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه في غزوة خيبر من الكرامات ما لا يقع لغيره، ولما بلغه عن أناس نزلوا بالكوفة أنهم أعتقدوا فيه الألهية خدَّ لهم الأخاديد، وجعل فيها الحطب، وأوقدها بالنار وقذفهم فيها، إعظاماً لهذا الأمر، وهو بالنسبة إلى ما وقع من عباد القبور في هذه الأزمنة وقبلها قليل من كثير.
والكرامة: أمر يجعله الله لا صنع للبشر فيه فالذي أوجد الكرامة لمن شاء من عباده هو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، فإن الكرامة إنما تقع
(1) في جميع النسخ: "منهم"، والمثبت من: مخطوطة "سيف الله
…
".
(2)
في "م" و "ش": "شرك".
(3)
في (المطبوعة) : "فيتبين" وهو تحريف.
لبعض الموحدين المخلصين، بسبب توحيدهم وإخلاصهم لله (1) ، كما قال تعالى في حق المسيح ابن مريم وأمه (2) والعزير والملائكة، بعد التهديد والوعيد لمن دعاهم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَب} (3) ولهم العجزات العظيمة.
ومن العجب استدلال هؤلاء المشركين بما ظهر من آثار تحقيق التوحيد فيمن (4) ظهر فيه شيء من ذلك على أن يجعله لله شريكاً في عبادته (5)، وقد قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا} (6) ، وهو صاحب المعجزات صلى الله عليه وسلم، وقد قال لمن قال له: ما شاء الله وشئت: "أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده"(7) .
(1) في "م" و "ش" زيادة "تعالى".
(2)
سقطت من "م": "وأمه".
(3)
سورة الإسراء، الآية:57.
(4)
في "م" و "ش": "فمن".
(5)
في "ش": "شريكاً لله".
(6)
سورة الكهف، الآية:110.
(7)
أخرجه الإمام أحمد: (1/214، 224، 347)، والبخاري في "الأدب المفرد":(783)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة":(988) ، وابن ماجه في الكفارات، باب النهي أن يقال:"ما شاء الله وشئت": (ح/2117)، وابن أبي الدنيا في الصمت:(ح/342)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة":(ح/666)، والطبراني:(12/244)، والطحاوي في "المشكل":(1/90)، وأبو نعيم في "الحلية":(4/99)، والبيهقي في "الكبرى":(3/217)، وفي "الأسماء والصفات":(1/238)، والخطيب في "تاريخ بغداد":(8/104، و105) كلهم من طريق الأجلح بن عبد الله عن يزيد الأصم عن ابن عباس مرفوعاً.
والأجلح مختلف فيه، قال البوصيري في "الزوائد":(2/136) : "هذا إسناد فيه الأجلح بن عبد الله مختلف فيه: ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وأبو داود وابن سعد، ووثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان وباقي رجال الإسناد ثقات".
وله شاهد بمعناه من حديث الطفيل بن سخبرة أخرجه ابن ماجه في "المصدر السابق": (ح/2118)، وأحمد:(5/72)، والدارمي:(2/205)، والطبراني في "الكبير":(ح/8214، و8215)، والخطيب في "الموضح":(1/303) ، من طرق عن عبد الملك ابن عمير عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سخبرة به مرفوعاً، وفيه قصة، وسنده صحيح.
وأخرجه الإمام أحمد: (5/393)، وابن ماجه في "المصدر السابق":(1/685) من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان به.
وسفيان هنا قد خالف الحفاظ الذين رووا الحديث عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سخبرة، وهم:
1-
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عند ابن ماجه كما في المصدر السابق.
2-
وشعبة بن الحجاج، عند الدارمي، والخطيب في "الموضح" كما في المصدر السابق.
3-
حماد بن سلمة، عند الإمام أحمد، والطبراني:(ح/8214) .
4-
زيد بن أبي أبيسة، عند الطبراني:(ح/8215) . وهذا وهم من سفيان –رحمه الله – قال ابن حجر في "الفتح": (11/540) : "والصواب في هذا الحديث أنه عن الطفيل أخي عائشة، وإنما وهم سفيان بن عيينة فقال: عن حذيفة".
وقال (1) تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُون} (2) ، وما أعطى أحد من هذه الأمة نبيها ما أعطى عيس بن مريم
(1) في "م" و "ش": "وقد قال".
(2)
سورة فصلت، الآيتان: 6 و7. وفي هامش: (الأصل) و"م": "والعلماء –رحمهم الله تعالى
- فسروا الزكاة في هذه الآية بالتوحيد لأنها نزلت بمكة قبل فرض الزكاة المالية". وكتب بعد
ذلك في (الأصل) : "تقرير مؤلف"، وأما في "/":"تقرير في".
عليه السلام، كما قال تعالى:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِك} (1) إلى قوله: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} (2) فما أوجب ذلك أن يُعبد بشيء من أنواع العبادة؛ بل أنكر تعالى
على النصارى اتخاذهم له إلهاً بالعبادة، كما قال الله (3) تعالى:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه؟} إلى قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم} (4) الآية.
والكرامة قد تقع للمفضول دون الفاضل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه كان في الأمم [قبلكم] (5) محدثون، فإن يكن أحد (6) في أمتي فعمر"(7) .
قال العلامة ابن القيم (8) :
(فجزم بوجود المحدثين في الأمم، وعلق وجوده في أمته بحرف الشرط، فليس هذا بنقصان لأمته عمن قبلهم، بل هذا من (9) كمال أمته على من قبلها.
(1) في "ش": "الآية".
(2)
سورة المائدة، الآية:110.
(3)
سقط لفظ الجلالة "الله" من "م" و"ش".
(4)
سورة المائدة، الآيتان: 116و117.
(5)
ما بين المعقوفتين إضافة من المصادر التي خرجت الحديث.
(6)
سقطت من "ش": "أحد".
(7)
أخرجه البخاري في "الفضائل" باب مناقب عمر بن الخطاب: (ح/3689)، وفي "أحاديث الأنبياء":(ح/3469)، ومسلم في "فضائل الصحابة"باب من فضائل عمر:
(2389)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8)
قد تطرق ابن القيم –رحمه الله-في الكلام حول "المحدثين" في كتابه "مدارج السالكين":
(1/39و 40و 44) فراجعه إن شئت.
(9)
سقط من "م" وش": "م".
فإنها لكمالها وكمال نيتها وكمال شريعته لا تحتاج (1) إلى محدث؛ بل إن وجد فهو صالح للاستشهاد والمتابعة، لا أنه عمدة؛ لأنها في غنية بما بعث الله به نبيها صلى الله عليه وسلم عن كل مقام أو مكاشفة أو إلهام أو تحديث، وأما من قبلها فللحاجة إلى ذلك جعل فيهم المحدثون) . /قلت: فعلى هذا لا مزية لمن ظهر له شيء من هذه الكرامات ولو صحت، وقد يجريها الله لبعض الناس ابتلاء وفتنة واختباراً، فارجع إلى التمسك بأدلة الكتاب والسنة، وتمسك بالوحيين، وخذ بهما تسلم من الشبهات الفاسدة، التي لا تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً.
ولا يخفى أن أكثر (2) ما يقع لبعض المتأخرين مما يظن الجاهلون (3) أنها من الكرامات أكثرها أحوال شيطانية (4) ، وإن ذكرت عن بعض من له زهد وعبادة كما يذكر لـ "عبد القادر الجيلاني" _رحمه الله وأمثاله- (5) ، وكثير منها لا يعلم له صحة؛ للجهالة بالناقل لذلك (6) ، وللجهالة بمن ينقل عنهن فإنها نقل مجهول عن مجهول، وعلى كل حال فلا تفيد شيئاً فضلاً أن تعارض أدلة الكتاب والسنة.
فأين هؤلاء الذين تذكر عنهم هذه الأحوال من السابقين الأولين، كأهل بيعة العقبة، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وأكثرهم قد شهد المشاهد كلها
(1) في "ش": "لا يحتاج".
(2)
في "م" و "ش": "كثيراً".
(3)
في "ش": "الجهال".
(4)
في "ش": "الشيطان".
(5)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(6)
في "م" و"ش": "كذلك".
مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أفضل الأمة على الإطلاق، ولم يذكر (1) لهم من هذه الأمور شيء إلا نادراً، وما عد أحد منهم ذلك فضيلةً لمن وقعت له، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها قد تقع لعمر خاصة، بقوله:"فإن يكن أحد في أمتي فعمر"(2) ، ولا ريب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أفضل من عمر رضي الله عنه، فلم يقع له شيء من ذلك كغيره من السابقين الأولين؛ فلا حجة لأحد فيما يدعي أنه كرامة من كل وجه من الوجوه كما تقدم.
وقد تقدم أن المعجزات التي وقعت للرسل أعظم وأعظم، فصارت إعلاماً على صدقهم فيما دعوا إليه من تجريد (3) التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، فلم تكن دليلاً على أنه يجوز أن يستغاث بهم أو يعتقد فيهم بما لا (4) يجوز اعتقاده في أحد سوى الله من نفع أو ضر، أو رغبة أو رهبة (5) ، والقرآن ينادي بهذا في كل سورة.
ونذكر هنا ما ذكره العماد ابن كثير (6) في هذا المعنى في أول تفسير سورة البقرة فإنه –رحمه الله تعالى-قال:
(وذكر القرطبي هاهنا مسألة فقال: قال علماؤنا –رحمهم الله-من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته، خلافاً لبعض الصوفية والرافضة.
(1) في "ش": "لم يكن".
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سقطت من: (المطبوعة)"تجريد".
(4)
في "ش": "مالا".
(5)
في "ش": "ورغبة ورهبة".
(6)
انظر "تفسير ابن كثير": (1/49و 80) .
وهذا لفظه؛ ثم استدل على ما قال بأنا لا نقطع لهذا الذي جرى الخارق على يديه (1) أنه يوافي الله بالإيمان؛ وهو لا يقطع لنفسه بذلك، والولي هو الذي يقطع له بذلك في نفس الأمر. قلت (2) : وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد تكون على يدي غير الولي، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه
قال: "هو الدخ"(3) حين خبأ له (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (5) ، وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب، حتى ضربه عبد الله بن عمر، وبما ثبتت (6) به الأحاديث/ عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة، من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض مثل: اليعاسيب (7) ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه، إلى غير ذلك من الأمور المهولة.
(1) في "م" و "ش": "يده".
(2)
القائل ابن كثير.
(3)
"الدخ" بضم الدال وفتحها: الدخان.
(4)
سقطت من "م" و "ش": "له".
(5)
سورة الدخان، الآية:10.
ولفظ الحديث عن ابن عمر: "قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبيئاً" فقال ابن صيَّاد: هو الدُّخ. فقال: "إخسأ، فلن تعدو قدرك.."الحديث. انظر "صحيح البخاري" كتاب الجنائز: (ح/1354)، وأيضاً:(ح/3055و 6173و 6618)، و"مسلم" في الفتن وأشراط الساعة باب ذكر ابن صيَّاد:(ح/2924و 2930) .
(6)
في "م" و"ش": "ثبت".
(7)
في (المطبوعة) : "اليعاسيب" وهو تحريف. "اليعسوب" مكلة النحل وهي أنثى انظر "المعجم الوسيط":مادة "عسب".
وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي (1) : قلت للشافعي: كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به، حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. فقال الشافعي: إذا (2) رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير (3) في الهواء فلا تغتروا به، حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة) انتهى.
وذكر شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- (4) في الاقتضاء (5) كلاماً نافعاً لمن شرح الله صدره للإسلام، وصار الحق ضالته يطلبها إلى أن يجدها.
فقال –رحمه الله تعالى-:
(ولو تحرى الدعاء عند صنم، أو صليب، أو في كنيسة، يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة لكان هذا من العظائم، فقصد القبور للدعاء عندها من هذا الباب، بل هو أشد (6) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها مساجد، واتخاذها عيداً؛ وعن الصلاة عندها (7)، وما يرويه بعض الناس أنه قال: إذا تحيرتم بالأمور فاستغيثوا بأهل القبور ونحو هذا، فهو كلام موضوع مكذوب باتفاق العلماء يبين ذلك أمور:
(1) في جميع النسخ "الصوفي"، والمثبت كما في كتب التراجم، انظر "سير أعلام النبلاء":
(12/348) .
(2)
في "م" و "ش": "لو رأيتم".
(3)
في "ش": "ويطير
…
".
(4)
سقطت من "ش": "تعالى".
(5)
في "م" و "ش": "اقتضاء الصراط المستقيم" وانظر في (2/677-684) .
(6)
في "الاقتضاء": "
…
أشد من بعضه..".
(7)
في "الاقتضاء": "..عندها بخلاف كثير من هذه المواضع
…
".
أحدها: أنه قد تبين أن العلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عندها إنما هو لئلا تتخذ ذريعة إلى نوع من الشرك، بالعكوف عليها، وتعلق القلوب بها؛ رغبة ورهبة، ومن المعلوم أن المضطر في الدعاء الذي قد نزلت به نازلة فيدعو باستجلاب خير كالاستسقاء، أو لدفع شر كالاستنصار، فحاله بافتتانه بالقبور إذا رجا الإجابة عندها أعظم من حال من يؤدي الفرض عندها في حال العافية، أما الداعون المضطرون ففتنتهم بذلك عظيمة جداً، فإذا كانت المفسدة والفتنة التي لأجلها نهى عن الصلاة عندها متحققة في حال هؤلاء كان نهيهم عن ذلك أوكد وأوكد، وهذا واضح لمن فقه في دين الله، وتبين له ما جاءت به الحنيفية من الدين الخالص لله، وعلم كمال سنة إمام المتقين في تحقيق (1) ، التوحيد ونفي الشرك بكل طريق.
الثاني: أن قصد القبور للدعاء عندها ورجاء الإجابة هنالك (2) أمر لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء ولا الصالحين المتقدمين، بل أكثر ما ينقل ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات ودهمتهم نوائب غير ذلك؛ فهلا جاءوا فاستسقوا (3) واستغاثوا (4) عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به، ولم يستسق (5) بقبر (6)
(1) في "الاقتضاء": "..تجريد التوحيد..".
(2)
في (الأصل) : "هناك"، والمثبت من "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(3)
سقطت من "م" و "ش": "فاستسقوا".
(4)
في "م" و "ش": "..فاستغاثوا".
(5)
في "م" و"ش": "ولم يستسقوا".
(6)
في "الاقتضاء": "عند قبر".
النبي صلى الله عليه وسلم وقد روينا في مغازي محمد بن إسحاق من زيادات يونس بن بكير (1) عن أبي خلدة خالد بن دينار حدثنا/ أبو العالية قال: "لما افتتحنا تستر (2) وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر رضي الله عنه، فدعا له كعباً فنسخه بالعربية؛ وأنا أول رجل من العرب قرأه مثل ما أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم، ولحون كلامكم، وأموركم وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان بالليل دفناه، وسوينا القبور كلها؛ لنعميه على الناس لا ينبشونه (3) ، قلت: فما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون، فقلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال، فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة، قلت: ما كان تغير منه شيء؟ قال: لا، إلا شعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع"(4) . ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار من تعمية قبره لئلا يفتتن به الناس، وهو إنكار منهم لذلك، وقد كان من قبور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [بالأمصار](5) عدد كثير، وعندهم التابعون، ومن بعدهم من الأئمة، وما
(1) في مطبوعة "الاقتضاء"(تحقيق/ العقل) : "يونس بن بكر "، هكذا في متن الكتاب
وحاشيته وهو وخطأ.
(2)
في (المطبوعة) : "تستر"، وهو تحريف.
(3)
سقطت من "م" و "ش": "لا ينبشونه".
(4)
أورد هذه القصة ابن كثير وعزاها إلى محمد بن إسحاق أيضاً وقال: "هذا إسناد صحيح إلى أبي العالية".
(5)
ما بين المعقوفتين إضافة من "الاقتضاء".
استغاثوا عند قبر صاحب (1) ولا استسقوا عنده ولا به، لا استنصروا عنده ولا به.
ومن المعلوم أن مثل هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، بل على ما هو دونه، ومن تأمل كتب الآثار وعرف حال السلف تيقن قطعاً أن القوم ما كانوا يستغيثون عند القبور، ولا يتحرون الدعاء عندها أصلاً، بل كانوا ينهون عن ذلك من يفعله من جهالهم.
وهذا [الدليل](2) قد دل عليه كتاب الله في غير موضع كقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه} (3) ، فإذا لم يشرع الله سبحانه الدعاء عند المقابر، فمن شرعه فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، وقد قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (4) وهذه العبادة عند المقابر نوع من الشرك (5) بالله ما لم (6) ينزل به سلطاناً؛ لأن الله لم ينزل حجة تتضمن استحباب قصد الدعاء عند القبور، ومن جعل ذلك من دين الله فقد قال على الله ما لا (7) يعلم، وما أحسن قول الله تعالى:{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانا} لئلا يحتج بالمقاييس والحكايات.
(1) في (المطبوعة) : "صحابي.."، وهو تحريف.
(2)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(3)
سورة الشورى، الآية:21.
(4)
سورة الأعراف، الآية:33.
(5)
في "م" و"ش": "من الشرك".
(6)
في "م" و "ش": "مما لم ينزل".
(7)
في "ش": مالم".
فإن قيل: قد نقل عن بعضهم أنه قال: قبر معروف (1) : الترياق المجرب (2) . وروي عن معروف أنه أوصى ابن أخيه أن يدعو عند قبره، وذكر أبو علي الخرقي في "قصص من هجرة أحمد" رضي الله عنه: أن بعض المهجورين كان يجيء إلى قبر ويتوخى الدعاء عنده، ونقل عن جماعات أنهم دعوا عند قبر جماعات من الأنبياء والصالحين من أهل البيت وغيرهم، فاستجيب لهم الدعاء، وعلى هذا عمل كثير من الناس. وقد ذكر المصنفون في مناسك الحج: إذا زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يدعو عنده، وذكر بعضهم أن من صلى عليه سبعين مرة/ عند قبره ودعا استجيب له، وذكر بعض الفقهاء في حجة من يجوّز القراءة على القبر أنها بقعة يجوز السلام والدعاء والذكر عندها، فجازت القراءة كغيرها، وذكر بعضهم منامات في الدعاء عند قبر بعض المشايخ، وجرت قوم (3) استجابة (4) الدعاء عند قبور معروفة؛ كقبر الشيخ أبي الفرج الشيرازي والمقدسي وغيره، وقد أدركنا في زماننا وما قاربها من ذوي الفضل علماً وعملاً من كان يتحرى الدعاء عندها؛ والعكوف عليها، وفيهم من كان بارعاً في العلم، وفيهم من كان له كرامات، فكيف يخالف هؤلاء؟ وإنما ذكرت هذا السؤال مع بعده عن طريق العلم والدين لأنه غالباً ما يتمسك به القبوريون (5)) .
(1) هو معروف بن فيروز الكرخي من العباد الزهاد المشاهير توفي سنة 200هـ. انظر
"طبقات الحنابلة": (1/382) .
(2)
الترياق المجرب أي: أنه مجرب في قبول الدعاء عند قبره.
(3)
في "الاقتضاء": "أقوام".
(4)
سقطت من "ش": "استجابة".
(5)
هكذا في جميع النسخ لدي. أما في "الاقتضاء" فهي "المقبريون".
قلت: الله أكبر كيف يؤخذ هذا بدلاً عن نصوص الكتاب والسنة {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (1) وقدأحسن من قال:
تخالف الناس فيما قد رأو ورووا
…
وكلهم يدعون الفوز بالظفر
فخذ بقول يكون النص ينصره
…
إما عن الله أو عن سيد البشر
ثم قال رحمه الله تعالى:
(قلنا الذي ذكرنا لا ينقل في استحبابه فيما علمناه شيء ثابت عن القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم؛ ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (2) مع شدة المقتضي فيهم لذلك،
فلو كان فيه فضيلة، فعدم أمرهم، وفعلهم لذلك مع قوة المقتضي لو (3) كان فيه فضل يوجب القطع بأنه لا فضل فيه) .
إلى أن قال:
(وإذا اختلف (4) المتأخرون فالفاصل بينهم هو الكتاب والسنة، وإجماع المتقدمين نصاً واستنباطاً، فكيف والحمد لله لا ينقل هذا عن إمام معروف ولا عالم متبع، بل المنقول في ذلك إما أن يكون كذباً على صاحبه، مثل ما حكى بعضهم عن الشافعي أنه قال: إذا نزلت بي شدة أجيء فادعو عند قبر أبي
(1) في هامش الأصل" تأمل فرحمة الله عليه من إمام". سورة البقرة، الآية:16.
(2)
أخرجه مسلم كتاب وباب فضائل الصحابة: (4/1862-1964) بلفظه من
حديث وبنحوه البخاري كتاب وباب فضائل الصحابة: (ح/3650) ، ومسلم في
المصدر السابق: (4/2) .
(3)
في "ش": "أو كان
…
".
(4)
في "الاقتضاء ": "اختلف فيه المتأخرون
…
".
حنيفة فأجاب، أو كلاماً هذا معناه، وهذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل، فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عند البتة، بل (1) ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفاً، وقد رأى الشافعي بالحجاز، واليمن، والشام، والعراق، ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده، ثم أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف، ومحمد، وزفر، والحسن بن زياد، وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند قبر أبي حنيفة ولا غيره، ثم قد تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم المخلوقين خشية الفتنة بها، وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه. وأما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف، ونحن لو روى لنا مثل هذه الحكايات المسيبة (2) أحاديث عمن لا ينطق عن الهوى لما جاز التمسك (3) بها حتى تثبت، فكيف بالمنقول عن غيره. ومنها ما قد يكون صاحبه قاله أو فعله باجتهاد يخطئ أو يصيب (4) ، أو قاله بقيود أو شروط كثيرة على وجه (5) / لا محذور فيه، فحرف النقل عنه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم (6) لما أذن في زيارة القبور بعد النهي فهم المبطلون أن ذلك هو
(1) سقطت من "ش": "بل".
(2)
في هامش: (الأصل) : "المسيبة: أي التي لا سند لها ثابت ولا أصل قاله شيخنا".
(3)
في "ش": "المسك".
(4)
سقطت من: (المطبوعة) : "يخطئ أو يصيب".
(5)
في "ش": "لا وجه".
(6)
سقطت من: (المطبوعة) : "صلى الله عليه وسلم".
الزيارة التي يفعلونها، من حجمها للصلاة عندها، والاستغاثة بها. ثم سائر هذه الحجج دائرة بين نقل لا يجوز إثبات الشرع به، أو قياس لا يجوز استحباب العبادات بمثله، مع العلم بأن الرسول لم يشرعها، وتركه مع قيام المقتضى للفعل بمنزلة فعله، وإنما يثبت العبادات بمثل هذه الحكايات والمقاييس من غير نقل عن الأنبياء والنصارى وأمثالهم، وإنما المتبع في إثبات أحكام [الله] (1) : كلام (2) الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبيل السابقين الأولين، لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة نصاً واستنباطاً بحال. والجواب عنها (3) من وجهين: مجمل، ومفصل.
أما المجمل: فالنقض: فإن اليهود والنصارى عندهم من الحكايات والقياسات من هذا النمط كثير، بل المشركون (4) الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون عند أوثانهم فيستجاب لهم أحياناً كما قد يستجاب لهؤلاء أحياناً، وفي وقتنا هذا عند النصارى من هذا طائفة، فإن كان هذا وحده دليلاً على أن الله يرضى ذلك ويحبه، فليطرد الدليل، وذلك كفر متناقض. ثم إنك تجد كثيراً من هؤلاء يستغيثون عند قبر أو غيره، كل منهم قد اتخذ وثناً أحسن به الظن، وأساء الظن بآخر (5) ، وكل منهم يزعم أن وثنه يستجاب عنده ولا يستجاب عند غيره، فمن المحال إصابتهم جميعاً، وموافقة بعضهم دون بعض تحكم، وترجيح بلا مرجح، والتدين بدينهم جميعاً جمع بين
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(2)
هكذا في (الأصل) و"م" وسقطت من "ش" وفي "الاقتضاء": "كتاب الله
…
".
(3)
سقطت من: (المطبوعة) : "عنها".
(4)
في "ش": "المشركين".
(5)
في (المطبوعة) : "بغيره" وهو تحريف.
الأضداد، فإن أكثر هؤلاء إنما يكون تأثيرهم فيما يزعمون بقدر إقبالهم على وثنهم وانصرافهم عن غيره، وموافقتهم جميعاً فيما يثبتونه دون ما ينفونه يضعف التأثير على زعمهم، فإن الواحد إذا أحسن الظن بالإجابة عند هذا وهذا وهذا لم يكن تأثير الحسن الظن بواحد دون واحد آخر، وهذه كلها من خصائص الأوثان.
ثم قد استجيب لبلعم بن باعوراء (1) في قوم موسى وسلبه الله الإيمان، والمشركون قد يستسقون فيسقون ويستنصرون فينصرون) .
قلت: وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- (2) إنما (3) يقع لهم استدراجاً، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (4)، وقال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون} (5) .
(1) بلعم بن باعوراء هو رجل من الكنعانين كان من عبّاد بني إسرائيل، لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، رجاه قومه أن يدعو على موسى وقومه، فاستجاب لهم، فعوقب بأن سلب الله الإيمان منه، فوقع في الشهوات، واتبع الشيطان نعوذ بالله من الخذلان.
انظر كتب "التفسير"عند تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا
…
}
الآية. سورة الأعراف، الآية: 175و176وكتاب "البداية والنهاية": (1/322) .
ورد في "م": "بلعام".
(2)
سقطت من "م" و"ش": "تعالى".
(3)
سقطت من"ش": "إنما..".
(4)
سورة الأعراف، الآية: 182و 183.
(5)
سورة الأنعام، الآية:44.
ثم قال –رحمه الله تعالى-:
(وأما الجواب المفصل فنقول: مدار هذه الشبه على أصلين: منقول، وهو ما يحكى من فعل هذا الدعاء عند (1) بعض الأعيان، ومعقول، وهو ما يعتقد من منفعته بالتجارب والأقيسة (2) .
فأما النقل في ذلك فإما كذب أو غلط، أو ليس بحجة، بل قد ذكرنا النقل عمن يقتدى به بخلاف ذلك.
وأما المعقول فنقول: عامة المذكور من المنافع كذب، فإن هؤلاء الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم إنما يستجاب لهم في النادر؛ بل يدعو الرجل منهم ما شاء الله من دعوات (3) فيستجاب له في واحدة، ويدعو خلق كثير منهم فيستجاب للواحد بعد الواحد، وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء في أوقات الأسحار، ويدعون الله في سجودهم وأدبار صلواتهم، وفي بيوت الله؟ / فإن هؤلاء إذا ابتهلوا من جنس ابتهال المقابرين لم تكد لهم دعوة إلا لمانع.
بل الواقع أن الابتهال الذي يفعله المقابريون (4) إذا فعله المخلصون، لم يرد المخلصون إلا نادراً، ولم يستجب للمقابريين إلا نادراً، والمخلصون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله فيها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل الله له دعوته، أو يؤخر له من
(1) في "الاقتضاء" و"ش": "عن".
(2)
في هامش: (الأصل) : "أي من تأثير الدعاء عند المقبورين في زعمهم الباطل".
(3)
في جميع النسخ: "دعوة" والمثبت من "الاقتضاء".
(4)
في (المطبوعة) : "المقابرون" وهو تحريف، وفي "ش":"المقاريين".
الخير مثلها، أو يصرف عنه من السوء مثلها" قالوا يا رسول الله: إذن نكثر قال: "الله أكبر"(1) .
فهم في دعائهم لا يزالون بخير، وجميع الأمور التي تظن أن لها تأثيراً في العالم، وهي محرمة في الشرع، كالتمريجات (2) الفلكية؛ والتوجيهات (3) النفسانية، كالعين والدعاء المحرم؛ والرقى المحرمة والتمريجاب (4) الطبيعية
(1) أخرجه الإمام أحمد في"مسنده": (3/18)، والبخاري في "الأدب المفرد":
(ح/710)، وأبو يعلى في "مسنده":(ح/1019)، وأبو نعيم في "الحلية":
(6/311)، والحاكم في "المستدرك":(1/493) وصححه ووافقه الذهبي. كلهم من حديث أبي سعيد الخدري وقال الهيثمي في "المجمع": (10/148و149) : "رجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي الرفاعي، وهو ثقة".
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب": (2/479)"رواه أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة".
وأخرجه بمعناه-من حديث عبادة بن الصامت –الترمذي كتاب الدعوات باب انتظار الفرج: (ح/3573) ، وقال الترمذي "حسن صحيح غريب"، وأحمد في "المسند":(5/329)، والبغوي في "شرح السنة" باب الترغيب في الدعاء:(ح/1387)، وقال البغوي:"حسن غريب"، وأبو نعيم في "الحلية":
(5/137) .
ومن حديث جابر أخرجه الترمذي كتاب الدعوات باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة: (ح/3381) .
(2)
في "م" و "ش": "التمريخات". والتمريجات مأخوذة من "المَرَج" وهو الفساد انظر"القاموس": (1/214)، المعجم الوسيط":(2/861) ، مادة "مرج".
(3)
في "ش": "التوجهات".
(4)
في "م" و"ش": "التمريجات".
ونحو ذلك، فإن مضرتها أكثر من منفعتها، حتى في نفس ذلك المطلوب، فإن هذه الأمور لا يطلب بها غالبً إلا أموراً دنيوية فقلَّ أن حصل لأحد بسببها أمر دنيوي إلا كانت عاقبته فيه في الدنيا عاقبة خبيثة، دع الآخرة، ثم إن فيها من النكد والضرر ما الله به عليم فهي نفسها مضرة؛ ولا يكاد يحصل الغرض بها إلا نادراً، وإذا حصل فضرره أكثر من منفعته.
والأسباب المشروعة في حصول هذه المطالب المباحة [أو](1) المستحبة (2) ، سواء كانت طبيعية كالتجارة والحراثة، أو كانت دينية كالتوكل على الله والثقة به، وكدعاء الله سبحانه على الوجه المشروع في الأمكنة والأزمنة التي فضلها الله ورسوله بالكلمات المأثورة عن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم، والصدقة وفعل المعروف –يحصل بها (3) الخير أو الغائب، وهذا الأمر كما أنه قد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، فهو أيضاً معقول بالتجارب المشهورة والأقيسة الصحيحة.
فإن الصلاة والزكاة يحصل بهما خير الدنيا والآخرة، ويجلبان كل خير ويدفعان كل شر إذا ثبت ذلك: فليس علينا من سبب التأثير (4) أحياناً فإن الأسباب التي يخلق الله بها الحوادث في الأرض والسماء، لا يحصيها على الحقيقة إلا هو، أما أعيانها فبلا ريب، وكذلك أنواعها أيضاً لا يضبطها المخلوق؛ لسعة ملكوت الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا كانت طريقة الأنبياء عليهم السلام أنهم يأمرون الخلق بما فيه صلاحهم، وينهونهم عما فيه
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(2)
في جميع النسخ: "المستحبة"، والمثبت من" الاقتضاء".
(3)
في جميع النسخ: "ويحصل به"، والمثبت من "الاقتضاء".
(4)
في هامش: (الأصل) : "لعله تأثير السبب كما بينه فيما بعد".
فسادهم، ولا يشغلونهم بأسباب الكائنات كما تفعل الفلاسفة، فإن ذلك كثير التعب قليل الفائدة أو موجب للضرر.
والكلام (1) في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فيه فتنة لمن ضعف عقله ودينه، بحيث (2) يختطف عقله فيتألهه (3) إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين، ويكفي العاقل أن يعلم أن ما سوى المشروع لا يؤثر بحال، فلا منفعة فيه أو إنه إن أثر فضرره أكثر من نفعه، كما أن ثعلبة لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بكثرة المال ونهاه صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرة بعد مرة، فلم ينته حتى دعا له، فكان ذلك سبب شقائه في الدنيا والآخرة (4) ، وكم من عبد دعا
(1) في هامش: (الأصل) : "مطلب عظيم فرحمة الله عليه من عالم".
(2)
سقطت من "ش": "بحيث".
(3)
في "الاقتضاء": "فيتأله".
(4)
القصة قد أخرجها: ابن جرير في "تفسيره": (1/130)، وابن الأثير في "أسد الغابة":(1/283)، وابن عبد البر في "الاستيعاب":(1/201)، وابن حزم في "المحلى":(1/208) ، كلهم من حديث أبي أمامة الباهلي.
وهذا الحديث في سنده "علي بن يزيد الألهاني" قال البخاري في "التاريخ الكبير": (6/301) : "منكر الحديث"، وقال النسائي:"ليس بثقة"، وقال مرة:"متروك".
وقال الذهبي في "المغني" ص 457: "ضعفوه، وتركه الدارقطني".
والقصة قد ضعفها عدد من الحفاظ كابن حزم في "المحلى": (11/207و 208)، والبيهقي انظر "فيض القدير":(4/427)، وابن الأثير في "أسد الغابة":
(1/285)، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن":(8/210)، والذهبي في"تجريد أسماء الصحابة":(1/66) .
وقال الألباني في "الضعيفة": (ح/4081) : "وهذا إسناده ضعيف جداً كما قال الحافظ ابن حجر في "تخريج الكشاف": (4/77/133) وعلته علي بن يزيد الألهاني. قال الهيثمي في "المجمع": (7/31-32) رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك".
دعاء غير مباح حاجته في ذلك الدعاء، فكان سبب هلاكه في الدنيا والآخرة، كأقوام ناجوا الله في دعواتهم بمناجاة فيه جرأة على الله واعتداء لحدوده، وأعطوا طلبتهم فتنة؛ ولم يشاء الله/ سبحانه، بل أشد من ذلك،
ألست ترى السحر، والطلسمات (1) والعين، وغير ذلك من المؤثرات في العالم بإذن الله؟ قد يقضي بها كثير من أغراض النفوس ومع هذا فقد قال تعالى:
{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} إلى قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون} (2) .
ومن هنا يغلط (3) كثير من الناس: يبلغهم أن بعض الأعيان (4) عبدوا عبادة أو دعوا دعاء وجدوا أثر تلك العبادة [وذلك](5) الدعاء، فيجعلون ذلك دليلاً على استحباب (6) ذلك، فيجعلونه سنة كأنه قد فعله نبي، وهذا غلط، وقد علمت جماعة ممن سأل حاجته من بعض المقبورين من الأنبياء والصالحين. وليس ذلك بشرع يتبع ولا سنة، وإنما يثبت استحباب الأفعال (7) واتخاذها
(1) في (المطبوعة) : "الطلمسات" وهو تحريف. وفي هامش: (الأصل) : "وهي ما يجعل من الطلاسم بواسطة الشياطين قاله شيخنا دامته إفادته".
قلت وهي: "خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السلفية. لجلب محبوب أو دفع أذى"انظر "المعجم الوسيط:
(2/562) .
(2)
سورة البقرة، الآية: 102و 103.
(3)
في هامشك (الأصل) : "هنا تأمل".
(4)
في "الاقتضاء": "من الصالحين".
(5)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(6)
في "الاقتضاء": "استحسان تلك العبادة والدعاء ويجعلون ذلك العمل سنة".
(7)
في هامش: (الأصل) : "مطلب فيما يثبت فيه الأفعال".
ديناً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السابقون الأولون، وما سوى ذلك (1) من الأمور المحدثة فلا يستحب، وإن اشتملت أحياناً على فوائد، لأنا نعلم أن مفاسدها راجحة على فوائدها. ثم من غرور هؤلاء وأشباههم:[اعتقادهم](2) أنَّ استجابة مثل هذا الدعاء كرامة من الله تعالى، وليس في الحقيقة كرامة، وإنما الكرامة في الحقيقة: ما نفعت في الآخرة، أو نفعت في الدنيا ولم تضر في الآخرة، وإنما هي بمنزلة ما ينعم به الكفار والفساق من الرياسات والأموال [في الدنيا](3)، ولهذا اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء: هل ما ينعم به الكافر نعمة، أو ليس (4) بنعمة؟ وإن كان الخلاف لفظياً.
قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} (5)، وقال تعالى:(6){فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ] (7) مُبْلِسُونَ} (8) .
(1) في "الاقتضاء": "هذه".
(2)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(3)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(4)
في جميع النسخ: "أم ليس" والصواب ما أثبته؛ لأن الاستفهام لا يدخل على
الاستفهام.
(5)
سورة المؤمنون، الآيتان: 55و 56.
(6)
سقطت من "م" و "ش": "تعالى".
(7)
ما بين المعقوفتين من الآية: إضافة من: "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(8)
سورة الأنعام، الآية:44.
ومن رحمة الله تعالى أن الدعاء المتضمن شركاً، كدعاء غيره أن يفعل، أو دعائه أن يدعو، ونحو ذلك لا يحصّل غرض صاحبه، ولا يورث حصول الغرض، إلا في الأمور الحقيرة، فأما الأمور العظيمة، كإنزال الغيث عند القحوط، أو كشف العذاب النازل، فلا ينفع فيه هذا الشرك، كما قال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُون} (1) .
وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُورا} (2) .
وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْض} (3)
وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا} إلى قوله: {مَحْذُوراً} (4) .
وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعا} (5) .
(1) سورة الأنعام، الآيتان: 40و 41.
(2)
سورة الإسراء، الآية:67.
(3)
سورة النمل، الآية:62.
(4)
سورة الإسراء، الآيتان: 56و 57.
(5)
سورة الزمر، الآيتان: 43و 44.
فكون هذه المطالب العظيمة لا يستجيب فيها إلا هو سبحانه دل على توحيده، وقطع شبهة من أشرك به، وعُلم بذلك [أن](1) ما دون هذا أيضاً من الإجابات إنما فعله هو وحده لا شريك له، وإن كانت تجري بأسباب محرمة أو مباحة، كما أن خلقه السموات، والأرض، والرياح، والسحاب، وغير ذلك من الأجسام العظيمة، دال على وحدانيته سبحانه، وأنه خالق كل شيء، وأن ما دون هذا بأن يكون خلقاً له أولى، إذ هو منفعل عن مخلوقاته/ العظيمة (2)، فخالق السبب التام خالق للمسبب لا محالة. جماع الأمر: أن الشرك نوعان:
شرك في ربوبيته: بأن يجعل لغيره معه تدبيراً ما (3)، كما قال سبحانه:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير} (4) ؛ فبين أنهم لا يملكون مثقال ذرة استقلالاً، ولا يشركونه في شيء من ذلك، ولا يعينونه على ملكه، ومن لم يكن مالكاً ولا شريكاً ولا عوناً (5) فقد انقطعت علاقته. وشرك (6) في الألهية: بأن يدعي (7) غيره دعاء عبادة، أو دعاء مسألة؛ كما
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(2)
في هامش: (الأصل) : "كالنبات عن المطر لأن الله خالق الأسباب والمسببات قاله
شيخنا عفى الله عنه".
(3)
سقطت من "ش": "ما".
(4)
سورة سبأ، الآية:22.
(5)
في "الاقتضاء": "عوناً".
(6)
في "ش": "والشرك..".
(7)
في "م" و "ش": "يدعو".
قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} (1) ، فكما أن إثبات المخلوقات أسباباً لا يقدح في توحيد الربوبية ولا يمنع أن يكون الله خالق كل شيء، ولا يوجب أن يدعي المخلوق دعاء عبادة أو دعاء استغاثة (2) ، كذلك إثبات بعض الأفعال المحرمة من شرك أو غيره، أسباباً لا تقدح في توحيد الإلهية، ولا يمنع أن يكون الله هو الذي يستحق الدين الخالص، ولا يوجب أن يستعمل الكلمات والأفعال التي فيها شرك، إذا كان الله يسخط ذلك، ويعاقب العبد عليه، ويكون مضرة ذلك على العبد أكثر من منفعته، إذ قد جعل الخير كله في أن لا نعبد إلا إياه، ولا نستعين إلا إياه، وعامة آيات القرآن تثبت هذا الأصل، حتى إنه سبحانه قطع أثر الشفاعة بدون إذنه.
كقوله سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} (3) . وكقوله سبحانه: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} (4) . وقوله تعالى (5) : {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيع} (6) . وقول (7){قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا..} الآية (8) ،
(1) سورة الفاتحة، الآية:5. وفي هامش "م": "مطلب".
(2)
في "م": "استعانة".
(3)
سورة البقرة، الآية:255.
(4)
سورة الأنعام، الآية:51.
(5)
سقطت من "ش": "تعالى".
(6)
سورة الأنعام، الآية:70.
(7)
زاد في "م": "تعالى"، وكذا في "الاقتضاء".
(8)
سورة الأنعام من، الآية:71.
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيع} (2) .
وقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3) .
وسورة الزمر أصل عظيم في هذا (5)، ومن هذا قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف} إلى قوله: {وَلَبِئْسَ الْعَشِير} (6) .
وكذلك قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} إلى قوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون} (7) والقرآن عامته إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم، الذي هو أصل الأصول. وهذا الذي ذكرناه كله في تحريم هذا الدعاء، ولا (8) تغتر بكثرة العادات
(1) في "م" و"ش": "إلى قوله: {وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} والآية في سورة الأنعام
برقم: 94.
(2)
سورة السجدة من، الآية:4.
(3)
سورة الزمر من، الآية:3.
(4)
سورة الزمر، الآيتان: 43و 44.
(5)
في هامش: (الأصل) : "هنا تأمل فرحمة الله عليه".
(6)
سورة الحج، الآيات: 11-13.
(7)
سورة العنكبوت، الآية: 41، وفي (المطبوعة) :"من دونه أولياء" وهو تحريف.
(8)
في "م": "والايغتر".
الفاسدة، فإن هذا من التشبه بأهل الكتاب الذي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه كائن في هذه الأمة.
وأصل ذلك: إنما هو اعتقاد فضل الدعاء عندها، وإلا فلو لم يقم هذا الاعتقاد بالقلوب انمحى ذلك كله، فإذا كان قصدها للدعاء يجر هذه المفاسد (1 كان حراماً، كالصلاة عندها وأولى، وكان ذلك فتنة للخلق، وفتحاً/ لباب الشرك وإغلاقاً لباب الإيمان1)(1) .
(1) ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .