الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
وقال شيخ الإسلام (2) –رحمه الله تعالى-:
(ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا روى في ذلك لأهل الصحيح ولا السنن والأئمة المصنفين في المسند (3) ، وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره.
وأجل حديث وري في ذلك ما رواه الدارقطني –وهو ضعيف باتفاق أهل العلم-بل الأحاديث المروية في زيارة قبره كقوله: "من زارني وزار أبي الخليل في عام واحد ضمنت له على الله (4) الجنة"(5) ، /"ومن زارني بعد مماتي فكأنما
(1) في "ش": بياض بمقدار كلمة (في المصورة التي لدي) .
(2)
انظر "الاقتضاء": (ص 763) .
(3)
في جميع النسخ: "في السنة"، والمثبت من "الاقتضاء".
(4)
سقطت "على الله"من: "م" و"ش".
(5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منسكه" عن هذه الأحاديث: "كلها أحاديث ضعيفة بل موضوعة ليست في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها ولا نقلها إمام من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا نحوهم، ولكن روى بعضها البزار والدارقطني ونحوهما بإسناد ضعيف لأن من عادة الدارقطني وأمثاله أن يذكروا هذا في السنن ليعرف وهو وغيره يبينون ضعف الضعيف من ذلك.."انظر "الصارم المنكي"ص 67.
وقال شيخ الإسلام في "الرد على الأخنائي": ص 162معلقاً على حديث: "من زارني وزار أبي
…
": "كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث إنما افتراه الكاذبون..".
وقال النووي في "شرح المهذب": (8/277) : "باطل ليس هو مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف في كتاب صحيح ولا ضعيف بل وضعه بعض الفجرة".
وانظر كذلك "الجواب الباهر ": ص 50.
زارني في حياتي" (1) ، "ومن حج ولم يزرني فقد جفاني" (2) ، ونحو هذه الأحاديث كلها مكذوبة موضوعة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص زيارة القبور مطلقا، بعد أن كان قد نهى عنها (3) لتذكر الآخرة؛ والدعاء للميت أو للأموات والاستغفار لهم، فهذا هو المشروع، وهو سبب الإذن في زيارة القبور، لا لدعائهم (4) والاستشفاع بهم.
فإن هذا لم يشرعه الله ولا رسوله [صلى الله عليه وسلم](5) ، بل نهى عنه وحرمه؛ كما تقدم في الآيات المحكمات، فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم، فإن أهل (6) القبور لا ينفعون ولا يضرون، ولا يسمعون ولا يستجيبون بنص القرآن
(1) قال شيخ الإسلام في "الرد على الأخنائي" ص 144 معلقاً على حديث: "من زارني بعد مماتي
…
" بعد كلام سبق: "مما يبين به كذب الحديث الذي فيه: "من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي". وهذا الحديث معروف من رواية حفص بن
سليمان الغافري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي" وقد رواه عنه غير واحد وهو عندهم معروف من طريقه وهو عندهم ضعيف في الحديث إلى الغاية حجة في القراءة" ثم ذكر أقوال الحفاظ في حفص بن سليمان".
(2)
قال الإمام ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي"ص 117: "واعلم أن هذا الحديث المذكور حديث منكر جداً لا أصل له بل هو من المكذوبات والموضوعات"، وقد أطال النفس في الكلام على هذا الحديث فراجعه إن شئت.
(3)
في جميع النسخ: "عنه"، والمثبت من "الاقتضاء".
(4)
في (الأصل) : "لا دعائهم"، والمثبت من "م" و"ش".
(5)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(6)
في "م" و"ش": "فأهل".
العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
وقال أيضاً (2) شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: (فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم،
ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، فهو كافر بإجماع المسلمين، فإن الله جعل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وسائط في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فليس لأحد طريق إلى الله (3) إلا بمتابعة الرسول بفعل ما أمر وترك ما حذر، وأما إجابة الدعوات، وتفريج الكربات، فهذا لله وحده لا يشركه فيه أحد؛ ولهذا فرق سبحانه وتعالى في كتابه بين ما فيه حق للرسول وبين ما هو لله وحده (4)، كما في قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون} (5) .
فبيَّن سبحانه ما يستحقه الرسول من الطاعة، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وأما الخشية والتقوى فجعل ذلك لله وحده، وكذلك قوله تعالى (6) :
(1) سورة الزمر، الآية:38.
(2)
سقطت "أيضاً"من: "م" و"ش".
وانظر قول شيخ الإسلام في "الفتاوى": 1/124.
(3)
سقطت "إلى الله"من: "م" و"ش".
(4)
في "ش": "حق لله".
(5)
سورة النور، الآية:52.
(6)
سقطت "تعالى"في: "م" و"ش".
{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} (1) ، فجعل الإيتاء لله وللرسول، وأما التوكل والرغبة فله (2) وحده، كما في قوله تعالى (3) :{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} ولم يقل: ورسوله وقال: {ِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ولم يقل: وإلى رسوله، وذلك موافق لقوله تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب} (4) فالعبادة والخشية والتوكل والدعاء والرجاء/ والخوف لله وحده لا يشركه فيه أحد، وأما الطاعة والمحبة والإضاء فعلينا أن نطيع الله ورسوله، ونحب الله ورسوله، ونرضى الله ورسوله؛ لأن طاعته طاعة لله (5) ؛ ورضاه إرضاء لله (6) ، وحبه من حب الله.
والله سبحانه لم يجعل أحداً من الأنبياء والمؤمنين واسطة في شيء من الربوبية والإلهية. قال تعالى (7) : {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} (8)، وقال تعالى (9) :{وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (10)، وقال تعالى (11) : {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ
(1) سورة التوبة، الآية: 59، وفي "ش":"..سؤيتنا الله ورسوله" وهو خطأ.
(2)
في "م" و"ش": "فلله".
(3)
سقطت "كما في قوله تعالى"من "ش"، وليست "تعالى"في "م".
(4)
سورة الانشراح، الآيتان: 7و 8.
(5)
في "ش": "لأن طاعة الله".
(6)
في "م" و"ش": "ورضاءه رضاء الله".
(7)
في "م" و"ش": "الله تعالى".
(8)
سورة البقرة، الآية:255.
(9)
سقطت "تعالى"في: "م" و"ش".
(10)
سورة الأنبياء، الآية:28.
(11)
سقطت "تعالى" في: "م" و"ش".
وَيَرْضَى} (1)، وقال تعالى (2) :{وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (3) فبيَّن سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً كفر) .
وقال –رحمه الله تعالى- (4) : (والأعمال الدينية لا يجوز أن تتخذ سبباً إلا أن تكون مشروعة، فإن العبادات مبناها على التوقيف، فلا يجوز للإنسان أن (5) يشرك بالله فيدعو غيره، وإن ظن أن (6) ذلك سبب لحصول بعض أغراضه، وكذلك لا يعبد الله بالبدع والمخالفة للشريعة؛ وإن ظن ذلك، فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك.
فما أمر الله به فمصلحته راجحة، وما نهى عنه فمفسدته راجحة.
والمقصود هنا: أن من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه، كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية فهو مشرك، بل هذا دين المشركين عباد الأوثان، وهو من الشرك الذي أنكره الله تعالى على النصارى حيث قال:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون} (7) .
(1) سورة النجم، الآية:26.
(2)
سقطت "تعالى"في: "م" و"ش".
(3)
سورة آل عمران، الآية:80.
(4)
انظر"الفتاوى": (1/134) ، و"تعالى" سقطت من (المطبوعة) .
(5)
سقطت "أن" من: "م".
(6)
سقطت "أن" من: "م".
(7)
سورة التوبة، الآية:31.
ثم ذكر-رحمه الله تعالى-نحو ما تقدم من قوله: "فإن الله تعالى (1) جعل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وسائط في تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده، وليس لأحد طريق إلى الله إلا بمتابعة الرسول للخاصة أو العامة فهو كافر بالله ورسوله، مثل من زعم أن من خواص الأولياء والعلماء والفلاسفة وأهل الكلام والملوك من له طريق إلى الله غير متابعة الرسول [صلى الله عليه وسلم](2) ، ويذكرون في ذلك من الأحاديث المفتراة ما هو من أعظم الكفر والكذب، كقول بعضهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن على أهل الصفة فقالوا: اذهب إلى من أنت رسول إليه، وقال بعضهم إنهم/ (4 لما (3) أصبحوا (4) ليلة المعراج؛ فأخبروه بالسر الذي ناجاه الله به، وأن الله أعلمهم بذلك بدون إعلام الرسول، وقال بعضهم: أنهم قاتلوا في بعض الغزوات مع الكفار، وقالوا من كان الله معه كنا معه، وأمثال هذه الأمور (5) التي هي من أعظم الكفر والكذب.
ومثال احتجاج بعضهم في قصة الخضر وموسى عليهما السلام على أن من الأولياء من يستغني عن محمد صلى الله عليه وسلم كما استغنى (6) الخضر عن موسى، ومثل قول بعضهم: أن خاتم الأولياء له إلى الله طريق يستغني به عن خاتم
(1) ليست "تعالى" في "م " و"ش"، وانظر قول شيخ الإسلام هذا في "الفتاوى ":
(11/37) .
(2)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(3)
سقطت من "م" و"ش": "لما".
(4)
ما بين القوسين سقطت من: (المطبوعة) .
(5)
في (المطبوعة) : "العقائد" وهو تحريف.
(6)
في "م": "كما يستغني".
الأنبياء، وأمثال هذه الأمور التي كثرت في كثير من المنتسبين إلى الزهد والفقه والتصوف والكلام، وكفر هؤلاء قد تكون من جنس كفر [اليهود](1) والنصارى وقد تكون أعظم، وقد تكون أخف بحسب أحوالهم) .
قلت: والمقصود بما ذكرنا عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (2) : بيان ما وقع في الأمة مما يناقض ما جاءت به الرسل، من توحيد العبادة الذي أرسلوا به ودعوا الناس إليه.
وقال –رحمه الله (3) في كتاب الاستغاثة (4) في الرد على ابن البكري قال:
(وسؤال الله بالميت، والأقسام على الله به، واستحباب (5) الدعاء عند تلك البقعة لم يكن هذا من فعل أحد من سلف الأمة لا الصحابة ولا التابعين له بإحسان، وإنما حدث بعد ذلك.
وقد استفاض عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا. قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً"(6) .
وفي "الصحيح"أنه ذكر له كنيسة بأرض الحبشة وذكر له حسنها وتصاوير فيها فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(2)
سقطت من "م" و"ش": "تعالى".
(3)
في "م" ز"ش": "تعالى".
(4)
انظر صفحة 232و 263و 300 وأيضاً انظر "الاقتضاء"ص 762-794.
(5)
في "م" و"ش": "أو استحباب".
(6)
سبق تخريجه.
فيه تلك الصور (1) ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" (2) (3وهذا في الصحيح3) (3) وفي "صحيح مسلم"عن جندب بن عبد الله، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبابكر خليلاً. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك" (4) .
وفي "السنن"عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تتخذوا قبري عيداً؛ وصلوا علي حيثما (5) كنتم، فإن صلاتكم تبلغني"(6) .
(1)
في "م" و"ش": "التصاوير" وهو تحريف والمثبت هو موافق للصحيحين.
(2)
أخرجه البخاري في الصلاة باب هلي تنبش قبور مشركي الجاهلية (ح/427) ، ومسلم في المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور (ح/528) من حديث عائشة –رضي الله عنها،
(3)
ما بين القوسين سقطت من (المطبوعة) .
(4)
أخرجه مسلم في المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور (ح/532) .
(5)
في "م" و"ش": "حيث".
(6)
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (2/367) ، وأبو داود في "المناسك" باب زيارة القبور (ح/2042) ، عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الله بن نافع الصائغ، قال الحافظ في "التقريب ":"ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين".
وقال شيخ الإسلام بعد أن ذكر الحديث: "هذا إسناد حسن فإن رواته كلهم ثقات مشاهير لكن عبد الله بن نافع الصائغ الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه قال يحيى بن معين: هو ثقة وحسبك بابن معين موثقاً. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ وهو لين تعرف حفظه وتنكر فإن هذه العبارات تنزل حديثه من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن إذ لا خلاف في عدالته وفقهه وأن الغالب عليه الضبط لكن قد يغلط أحياناً ثم هذا الحديث مما يعرف من حفظه ليس مما ينكر لأنه سنة مدنية" انظر "اقتضاء الصراط المستقيم": (654-655) .
وقال ابن الهادي في "الصارم المنكي"ص 414 "حديث حسن جيد الإسناد وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة.
قلت: ومن شواهد الحديث:
* حديث علي بن الحسين:
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير": (2/186) ، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (20) ، وأبو يعلى (1/245) ، والضياء في "المختارة" كما في "الاقتضاء" ص 298، و"الرد على الإخنائي" ص 92 عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده وفيه قصة.
قال شيخ الإسلام في "الرد على الإخنائي" ص 92: "وهذا الحديث مما خرجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي فيما اختاره من الأحاديث الجياد المختارة الزائدة على ما في الصحيحين، وهو أعلى مرتبة من تصحيح الحاكم، وهو قريب من تصحيح الترمذي وأبي حاتم البستي ونحوهما..".
* حديث الحسن بن علي:
أخرجه أبو يعلى كما في "جلاء الأفهام": (ص 41و 42) ، وفي سنده عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وهو ضعيف، وموسى بن محمد بن حبان وقد تركه أبو زرعة "الجرح والتعديل":(4/161) .
تنبيه: وقع في "الميزان": "ابن جيّان"، وفي "اللسان":"بن حسان" وكلاهما خطأ فليتنبه.
* حديث الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (30) ، وسعيد ابن منصور كما في "الاقتضاء "ص 299، و"الرد على الأخنائي"ص 93، وزاد في آخره:"ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء"، وابن أبي شيبة (3/345) ، وفيه قصة عن الحسن بن الحسن مرسلاً.
* أبي سعيد مولى المهري:
أخرجه سيعد بن منصور كما في "الرد على الأخنائي"ص 93، و"الاقتضاء" ص 656 فقال: حدثنا حيان بن علي حدثني محمد بن عجلان عن أبي سعيد المهدي مرسلاً، وأبو سعيد هذا قد وثقه ابن حبان فقط، وقال ابن حجر في "التقريب":"مقبول".
وفي "الموطأ" وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:/ "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(1) .
وفي "المسند" و"صحيح أبي حاتم" عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد"(2) .
ومعنى هذه الأحاديث متواتر عنه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وكذلك عن الصحابة.
وهذا الذي نهى عنه من اتخاذ القبور مساجد، مفارق لما أمر به وشرعه، من السلام على الموتى والدعاء لهم، فالزيادة المشروعة من جنس الصلاة على
(1) سبق تخريجه.
(2)
أخرجه الإمام أحمد: (1/405و 435)، وابن أبي شيبة:(3/345)، والبزار كما عزاه له الهيثمي في "مجمع الزوائد":(8/13)، وأبو يعلى:(5/143و 144)، والنسائي:(2/46)، وابن خزيمة:(2/6و 7)(ح/789)، وابن حبان كما في "الإحسان":(8/299)(ح/6808)، والطبراني في "الكبير":(10/232)
(ح/10413)، وأبو نعيم في "أخبار أصفان":(1/143) كلهم من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي وائل شقيق الأسدي عن ابن مسعود مرفوعاً.
والحديث قال عن إسناده شيخ الإسلام في "الاقتضاء"ص 668: إسناده جيد".
وقال الهيثمي في "المجمع": (2/27) : "إسناده حسن".
الجنازة، والزيارة المبتدعة من جنس الأول. فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص.
واتفقوا أيضاً على أنه لا يشرع قصد الصلاة والدعاء عند القبور، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين: أن الصلاة والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية، بل هو مكروه باتفاقهم.
والفقهاء قد ذكروا في تعليل كراهة (1) الصلاة في المقبرة علتين:
إحداهما (2) : نجاسة التراب؛ لاختلاطه بصديد الموتى، وقد ثبت في "الصحيح" أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان حائطاً لبني النجار، وكان فيه قبور من قبور المشركين، ونخل وخرب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخيل فقطعت، وبالخرب فسويت، وبالقبور فنبشت، وجعل النخل في صف القبلة (3) ، فلو كان تراب قبور المشركين نجساً لأمر بنقل ذلك التراب، فإنه لابد أن يختلط بغيره.
والعلة الثانية: ما في ذلك من مشابهة الكفار بالصلاة عند القبور (4) ؛ لما يفضي إليه من الشرك، وهذه العلة صحيحة باتفاقهم.
(1) في (الأصل) : "كراهية" والمثبت من "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(2)
في جميع النسخ: "أحدهما"، والمثبت من "الاقتضاء".
(3)
أخرجه البخاري في الصلاة باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية.. (ح/428) ،
ومسلم في المساجد باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (ح/524) من حديث أنس
مرفوعاً.
(4)
في (المطبوعة) : "قبورهم" وهو تحريف.
والمعللون بالأولى-كالشافعي وغيره- عللوا بهذه أيضاً، وكرهوا ذلك لما فيه من الفتنة، وكذلك الأئمة من أصحاب أحمد ومالك –كأبي بكر الأثرم وغيره-وعللوا بهذه الثانية أيضاً.
وقد قال الله (1) تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالا] (2) } (3) ، ذكر ابن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم وصورا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم،
وقد ذكر هذا البخاري في "صحيحه"(4) ، وأهل التفسير، كابن جرير (5) وغيره من المفسرين.
ويبين صحة هذه العلة أنه صلى الله عليه وسلم: "لعن من يتخذ (6) قبور الأنبياء مساجد"(7) ، ومعلوم أن قبور الأنبياء لا تنبش، ولا يكون ترابها نجساً، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه:"اللهم لا تجعل قبري (10وثناً يعبد"(8) . وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً"(9) ، 10) (10) فمعلوم أن نهيه [عن](11) ذلك من جنس نهيه عن الصلاة عند
(1) سقطت من (المطبوعة) .
(2)
ما بين المعقوفتين من الآية إضافة من: "م" و"ش".
(3)
سورة نوح، الآيتان: 23و 24.
(4)
انظر كتاب "التفسير" باب" وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق": (ح/4920) .
(5)
انظر "تفسير ابن جرير": (29/62) .
(6)
في (المطبوعة) : "اتخذ" وهو تحريف.
(7)
سبق تخريجه.
(8)
سبق تخريجه.
(9)
سبق تخريجه.
(10)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(11)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
طلوع الشمس، وعند غروبها، لأن الكفار يسجدون للشمس حينئذ، فسد الذريعة وحسم المادة، (1لئلا يصلى1)(1) في هذه الساعة (2) ، وإن كان (3) المصلى لا يصلي إلا لله تعالى، ولا يدعو إلا الله، وكذلك نهيه (4) عن اتخاذ القبور مساجد، وإن كان المصلي عندها لا يصلي إلا لله، ولا يدعو إلا الله لئلا يفضي ذلك إلى دعائها (5) ، والصلاة عندها (6) ، وكلا الأمرين وقع، فإن من الناس من يسجد (7) للشمس وغيرها من الكواكب، ويدعو [لها بأنواع](8) الأدعية والتسبيحات، ويلبس لها من اللباس والخواتم ما يظن مناسبتها لها في زعمه، وهذا من أعظم أسباب الشرك الذي ضل به كثير من الأوليين والآخرين، وصنف فيه بعض المشهورين كتاباً سماه "السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم" على مذهب المشركين من الهند والصائبين والمشركين من العرب وغيرهم، مثل طمطم الهندي، وملك شاه البابلي، وابن (9) وحشية، وأبي معشر البلخي، وثابت بن قرة، وأمثالهم ممن دخل في الشرك، وآمن بالجبت والطاغوت، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ
(1) ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(2)
في (الأصل) : "الساعات" والمثبت من "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(3)
سقطت من"ش": "كان".
(4)
في "م" و"ش": "نهى".
(5)
في "م": "دعاها".
(6)
في "الاقتضاء": "لها".
(7)
سقطت من "ش": "من يسجد".
(8)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء"وفي (الأصل) و"م" و"ش" "ويدعو بهذه
الأدعية" وما أثبته أولى.
(9)
في جميع النسخ: "وبنو وحشية" والمثبت من "الاقتضاء".
بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} إلى قوله: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرا} (1)، وقد قال غير واحد من السلف (2) : الجبت السحر، والطاغوت الأوثان، وبعضهم قال: الشيطان، وكلاهما حق.
وهؤلاء يجمعون بين الجبت الذي هو السحر، والشرك الذي هو عبادة الطاغوت، كما يجمعون بين السحر ودعوة الكواكب، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام –بل هو (3) دين جميع الرسل-أنه شرك محرم، بل
هو من أعظم أنواع الشرك الذي بعثت الرسل بالنهي عنه، ومخاطبة إبراهيم الخليل لقومه كانت في نحو هذا الشرك، كما (4) قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين} إلى قوله: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم} (5) .
فإن إبراهيم عليه السلام سلك السبيل؛ لأن قومه كانوا يتخذون الكواكب أرباباً يدعونها ويسألونها، ولم يكونوا هو ولا أحد من العقلاء يعتقدون أن كوكباً من الكواكب خلق السموات والأرض، وإنما كانوا يدعونها من دون الله على مذهب هؤلاء المشركين؛ ولهذا قال الخليل عليه السلام:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} (6)، وقال:
(1) سورة النساء، الآيتان: 51و 52.
وفي "م" و"ش" زيادة قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه} .
(2)
انظر "تفسير ابن جرير": (5/130-133) .
(3)
سقطت من"ش": "بل هو". وفي "الاقتضاء": "هذا ".
(4)
سقطت من "م" و"ش": "كما".
(5)
سورة الأنعام، الآيات: 75- 83.
(6)
سورة الشعراء، الآيات: 75-77.
{إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين} (1) ، والخليل-صلوات الله وسلامه عليه- أنكر شركهم بالكواكب العلوية، / وشركهم بالأوثان التي هي تماثيل وطلاسم لتلك، أو هي تماثيل لمن مات من الأنبياء والصالحين وغيرهم، وكسر الأصنام [كما] (2) قال تعالى (3) [عنه] (4) :{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً [إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ] (5) } (6) .
والمقصود هنا أن الشرك واقع كثيراً، وكذلك بأهل القبور من دعائهم والتضرع إليهم، والرغبة إليهم، ونحو ذلك.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة التي تتضمن الدعاء لله وحده خالصاً عند القبور؛ لئلا يفضي ذلك إلى نوع (7) من الشرك بهم، فكيف إذا وجد (8) ما هو نوع شرك من الرغبة: سواء طلب منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، أو طلب منهم أن يطلبوا ذلك من الله؟ بل لو أقسم على الله ببعض خلقه من الأنبياء والملائكة وغيرهم لنهي عن ذلك، ولو (9) لم يكن عند قبره، كما لا يقسم بمخلوق مطلقاً، وهذا القسم منهي عنه غير منعقد باتفاق الأئمة، وهل هو نهي تحريم أو تنزيه؟ أصحهما أنه تحريم.
(1) سورة الزخرف، الآيتان: 26، 27.
(2)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(3)
في جميع النسخ، "لقوله تعالى"، والمثبت من:"الاقتضاء".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(5)
ما بين المعقوفتين من الآية: إضافة من "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(6)
سورة الأنبياء، الآية:58.
(7)
في جميع النسخ: "أنواع" والمثبت من "الاقتضاء".
(8)
في "م" و"ش": "وجدوا".
(9)
سقطت من "م" و"ش": "ولو".
ولم يتنازع العلماء إلا في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فإن فيه قولين في مذهب أحمد، لكن القول الذي عليه الجمهور جمهور الأئمة، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم أنه لا تنعقد اليمين بمخلوق البتة، ولا يقسم بمخلوق البتة وهذا هو الصواب، واتفقوا على أن الله يسأل ويقسم عليه بأسمائه وصفاته، كالأدعية المعروفة، كما (1) في السنن " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، أنت [الله] (2) المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام"(3)، وفي الحديث الآخر:"اللهم إني أسألك بأنك أنت الله (4 لا إله إلا أنت4) (4) الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد"(5) ونحو ذلك، فهذه الأدعية ونحوها مشروعة باتفاق العلماء.
وفي الحديث الذي رواه أهل السنن "الدعاء هو العبادة"، ثم قرأ قوله تعالى (6) :{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} (7)، وقال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب} (8) الآية، وقد روي أن بعض الصحابة قال:
"يا رسول الله، ربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية"(9) ، فمن
(1) سقطت من (المطبوعة) : "كما".
(2)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" ومصادر التخريج.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ما بين القوسين سقطت من: (المطبوعة) .
(5)
سبق تخريجه.
(6)
سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".
(7)
سورة غافر، الآية:60. والحديث قد سبق تخريجه.
(8)
سورة البقرة، الآية:176. وفي "م"ذكرت بقية الآية: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون} .
(9)
أخرجه ابن جرير (2/158) ، وابن أبي حاتم في "تفسيره"، وابن مردوية كما عزاه لهما ابن كثير في "تفسيره":(1/218)، وابن حبان في "ثقاته":(8/436) ، وأبو الشيخ في العظمة (ح/188) ، والدارقطني في "المؤتلف والمختلف"ص 49. كلهم من طريق جرير بن عبد الحميد عن عبدة السجستاني عن الصلت بن حكيم عن أبيه عن جده،: "أن أعرابياً أتي الرسول الله صلى الله عليه وسلم.."الحديث. وسنده ضعيف لأن فيه
"الصلت بن حكيم" وهو "مجهول"، انظر "لسان الميزان":(3/195) .
استجاب لربه بامتثال أمره ونهيه حصل مقصوده من الدعاء وأجيب دعاؤه. والمقصود هنا أن دعاء الله قد يكون عبادة لله يثاب العبد عليه في الآخرة مع ما يحصل له في الدنيا، وقد يكون دعاء مسألة تقضى به حاجته (1) ، ثم (2) قد يثاب عليه إذا كان مما يحبه الله، وقد لا يحصل له إلا تلك الحاجة، فالوسيلة التي أمر الله بابتغائها تعم الوسيلة في عبادته وفي مسألته، وقول عمر –رضي الله عنه:"إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا"(3) معناه (4نتوسل بدعائه وشفاعته وسؤاله، ونحن نتوسل إليك بدعاء عمه وشفاعته 4)(4) ليس المراد نقسم عليك به، أو ما يجري هذا المجرى، مما يفعل بعد موته، وفي مغيبته، كما يقول (5) بعض (6) الناس: أسألك بجاه فلان عندك، ويقولون: إنا نتوسل إلى الله بأنبيائه وأوليائه (7) ، ويروون حديثاً موضوعاً "إذا سألتم الله فسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عريض"(8) ، فإنه لو كان هذا هو
(1) في جميع النسخ: "الحاجات"، والمثبت من "الاقتضاء".
(2)
سقطت من (المطبوعة) : "ثم".
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(5)
في جميع النسخ: "يقوله" والمثبت من: "الاقتضاء".
(6)
سقطت من (المطبوعة) : "بعض".
(7)
سقطت من (المطبوعة) : "وأوليائه".
(8)
قال شيخ الإسلام في "التوسل والوسيلة" ص 147: "وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث مع أن جاهه عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين."اهـ.
التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه، -كما ذكر عمر رضي الله عنه-لفعلوا ذلك بعد موته، ولم يعدلوا عنه إلى العباس، فعلم أن ذلك التوسل الذي ذكروه هو مما يفعل بالأحياء دون الأموات، وهو التوسل بدعائهم وشفاعتهم، فإن الحي يطلب منه ذلك، والميت لا يطلب منه شيء لا دعاء ولا غيره.
وكذلك حديث الأعمى (1) ، فإنه طلب (2) من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أمره فيه أن يسأل الله قبول شفاعة نبيه، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع فيه، وأن قوله:"إنا [كنا] (3) نتوسل إليك بنبينا"(4) ، فلفظ التوجه والتوسل في الحديث بمعنى واحد، ثم قال:"يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي بحاجتي ليقضيها، اللهم شفعه في"(5) ، فطلب من الله أن يشفع فيه
(1) سقطت من (المطبوعة) : "حديث".
(2)
في "ش": "يطلب".
(3)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "مصادر التخريج".
(4)
سبق تخريجه.
(5)
أخرجه الإمام أحمد (4/138)، والترمذي في "الدعوات:(5/531)
(ح/3578) وقال: "حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ومن حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي"، والنسائي في "اليوم والليلة":(ص 417)، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب ما جاء في صلاة الحاجة:(1/441)(ح/1385) .ثم قال: "قال أبو إسحاق هذا حديث صحيح"، والحاكم:(1/313، 519) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في "الدلائل":(6/166، 167) كلهم من طريق شعبة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف مرفوعاً وفيه قصة، والحديث سنده صحيح.
وقول الإمام الترمذي: "أبي جعفر هو غير الخطمي" قد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الفتاوى": (1/266) وقال: "هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا: هو أبو جعفر الخطمي، وهو الصواب". وتابع شعبة حماد بن سلمة أخرجه الإمام أحمد (4/138) ، والنسائي في "اليوم والليلة"ص 417.
نبيه، وقوله:"يا محمد" هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، كما يقول المصلي:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" والإنسان يفعل مثل هذا يخاطب من يتصوره في نفسه، وإن لم يكن في
الخارج من يسمع الخطاب.
فلفظ التوسل بالشخص فيه إجمال واشتراك، غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة: يراد به التسبب [به](1) لكونه داعياً وشافعاً مثلاً، أو لكون (2) الداعي محباً له، مطيعاً لأمره مقتدياً به، فيكون التسبب إما بمحبة السائل له واتباعه له، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته، ويراد به الأقسام به والتوسل بذاته، فلا يكون التوسل لا شيء منه، ولا شيء من السائل، بل ذاته (3) ، أو مجرد الأقسام به على الله، فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه.
ومن الأول حديث الثلاثة الذين –آووا إلى الغار، وهو في الصحيحين وغيرهما، فإن الصخرة انطبقت عليهم، فقالوا:"ليدع كل رجل منكم بأفضل عمله"(4) وذكر الحديث، فهؤلاء دعوا الله سبحانه (5) بصالح الأعمال، لأن
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(2)
في جميع النسخ: "ليكون"، والمثبت من "الاقتضاء".
(3)
في "الاقتضاء": "بل بذاته
…
".
(4)
أخرجه البخاري في الإجارة باب من استأجر أجيراً (ح/2272) ، ومسلم في الذكر
باب قصة أصحاب الغار الثلاثة (ح/2743) .
(5)
سقطت من (المطبوعة) : "سبحانه".
الأعمال الصالحة هي أعظم ما يتوسل به [العبد](1) إلى الله تعالى، ويتوجه به إليه ويسأله به، لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} (2) ، وهؤلاء دعوه بعبادته، وفعل ما أمر به من العمل الصالح، وهذا كما قال المؤمنون:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} (3) إلى قولهِ: {إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (4) . فسؤال الله والتوسل إليه بامتثال أمره واجتناب نهيه، وفعل ما يحبه من العبودية والطاعة هو (5) من جنس فعل ذلك، رجاء لرحمة الله، وخوفاً من عذابه، وسؤال الله بأسمائه وصفاته، ونحو ذلك يكون من باب التسبب.
والمقصود هنا أنه إذا كان / السلف والأئمة قالوا في سؤاله بالمخلوق ما قد ذكرنا (6) ، [فكيف](7) بسؤال (8) المخلوق الميت، سواء سأل أن يسأل الله، أو يسأل قضاء الحاجة، ونحو ذلك؟ مما يفعله بعض الناس إما عند قبر الميت، وإما عند غيبته، وصاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حسم المادة، وسد الذريعة بلعنه من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وأن لا يصلى عندها –وإن كان (9)
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "الاقتضاء".
(2)
سورة غافر، الآية:60.
(3)
في "م" و"ش" زيادة قوله تعالى: {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} .
(4)
سورة آل عمران، الآية: 193و 194.
(5)
سقطت من (المطبوعة) : "هو".
(6)
في "الاقتضاء": "ذكر".
(7)
ما بين المعقوفتين إضافة من: هامش (الأصل) و"م"، و"الاقتضاء".
(8)
في (الأصل) : "فسؤال"، والمثبت من:"م" و"ش" و"الاقتضاء". وفي هامش (الأصل) و"ش": "لعله فيكف يجوز".
(9)
سقطت من "م": "وإن كان"، وفي"ش":"وإنه".
لا يسأل إلا الله – وحذر أمته ذلك، فكيف إذا وقع نفس المحذور من الشرك وأسباب الشرك؟ فتبين (1) أن أحداً من السلف لم يفعل (2) ذلك (3) .
قلت: وقد تقرر بما تقدم أن سؤال الميت والغائب والاستشفاع به إلى الله أنه هو دين المشركين من العرب ومن قبلهم، فإن (4) الله تعالى بعث رسله إلا به، وتقرر ذلك في آيات الشفاعة وما في معناها من الآيات وما فيها من سيد المرسلين:{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً. (5 قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً5) (5) . قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا} (6) .
فتأمل ما في هذه الآيات، وما رتب سبحانه على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما وعد إليه، وبلغه عن الله من توحيده، بالوعيد بالنار والخلود فيها، والقرآن كله من أوله إلى آخره يقرر هذه الدعوة، ويرشد إليها، وينهى عن كل ما ينافيها من قول أو فعل أو اعتقاد، ويحذرهم نفسه وينذرهم بأسه.
(1) في هامش (الأصل)، وفي "الاقتضاء":"وقد تبين".
(2)
في "الاقتضاء": "لم يكن يفعل".
(3)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م"، "ش" و "الاقتضاء".
تنبيه: وقع في (المطبوعة) زيادة من صفحة (117) تبدأ من قوله: "قال العلامة ابن
القيم
…
"، إلى صفحة 127 عند قوله: "والذين يتخذون القبور مساجد"فليتنبه.
(4)
في "م" و"ش": "وأن".
(5)
ما بين القوسين من، الآية: سقط من: "ش".
(6)
سورة الجن، الآيات: 20-23.
وقد قال الله (1) تعالى في وصف القرآن المجيد: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ كِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} (2) *) ، وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِير الْأُمُور} (3)، وقد صح عنه (4) صلى الله عليه وسلم بالإسناد المتصل الصحيح أنه قال:"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"(5) .
قال ابن الأثير (6) وغيره في معناه: (أي: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى (7) عليه السلام، فادعوا فيه الآلهية، إنما أنا عبد، فصفوني بذلك (8كما وصفني ربي8) (8) "فقولوا: عبد الله ورسوله"، فأبى المشركون أن يقبلوا ما أمرهم به (9) ، وأن (10) يتركوا ما نهاهم عنه، وناقضوه أعظم مناقضة،
(1) سقط لفظ الجلالة: "الله"من: "م" و"ش".
(2)
سورة المائدة، الآيتان: 15و16.
(*) ما بين النجمتين سقط من: (المطبوعة) .
(3)
سورة الشورى، الآيتان: 52و 53.
(4)
في "م" و"ش": عن النبي صلى الله عليه وسلم".
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
انظر كلاماً له حول هذا في "جامع الأصول": (4/514و 11/479) و "النهاية في غريب الحديث": (3/123) .
(7)
زاد في "ش": "ابن مريم".
(8)
ما بين القوسين سقط من: "ش".
(9)
في (الأصل) : "بهم"، والمثبت من:"م" و"ش".
(10)
سقطت من "م" و"ش": "وأن".
وشاقوا (1الله ورسوله1)(1) أعظم مشاقة، (2 وأتوا بما هو أعظم من ذلك من الشرك الذي لا يغفره الله2)(2) .
وذلك أن الشيطان أظهر لهم التوحيد والإخلاص الذي بعث الله به رسله في قالب التنقص للنبي صلى الله عليه وسلم، وأظهر لهم ما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه في قالب محبته وتعظيمه.
وتأمل (3) ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه تَعْلَمُ (4) يقيناً أن هؤلاء (5) المتنقصون الناقصون أفرطوا في تعظيمه بارتكاب ما نهى الله عنه (6) في كتابه، في مواضع (7) لا يمكن حصرها، من (8) دعوة غيره خصوصاً وعموماً، ثم أن هؤلاء فرَّطوا في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا (9) أخذوا بقوله/ وفعله، بل ولا رضوا بحكمه وأمره، ولا سلموا له، وهذا الذي تركوه هو الذي يحصل به تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، فيُعظَّم أمره ويقبل، ويُعظَّم نهيه ويترك، ويكون هو المتبع والمطاع، ويدعو إلى دينه الذي دعا إليه من إخلاص العبادة لله وحده، وينصره بنصرة ما بعث به من الحق، ويواليه بالمتابعة والاقتداء بهديه، ويعادي من خالفه بارتكاب ما نهى عنه.
(1) ما بين القوسين سقطت من: "م": "ش".
(2)
ما بين القوسين سقطت من: "م" و"ش".
(3)
في "م" و"ش": "ومن تأمل".
(4)
في "ش": "علم..".
(5)
زاد في "م": "هم".
(6)
زاد في "م" و"ش": "وخرجوا من الدين الذي بعث به كما هو مقرر..".
(7)
في "م": "في مواضع في كتابه" وفي "ش": "في مواضع من كتابه".
(8)
زاد في "م" و"ش": "من النهي".
(9)
في "م" و"ش": "ولا أخذوا".
وأنت ترى ما وقع اليوم وقبله من كثير الجهال، من الإفراط والتفريط، فقال (1) صلى الله عليه وسلم:"إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"(2) ، وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد، والترمذي (3) ، وابن ماجه بالأسانيد المتصلة عن ابن عباس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (4) : (وهذا عام في جميع أنواع الغلو بالاعتقادات والأعمال، ثم إنه علله بما يقتضي مجانبة هدى من كان قبلنا، إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به، وأن (5) المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك) انتهى.
(1) في "م" و"ش": "فقال النبي صلى الله عليه وسلم".
(2)
أخرجه الإمام أحمد: (1/215، 347)، والنسائي:"المجتبى" في مناسك الحج، باب التقاط الحصى:(5/268، وابن ماجه في المناسك، باب قدر حصى الرمي: (ح/3029)، وابن الجارود في "المنتقى":(ح/473) ، وابن
خزيمة في "صحيحه": (4/274)، وابن حبان كما في "الإحسان":(ح/3860) والطبراني في "الكبير": (ح/12747)، والحاكم:(1/466) ، والبيهقي قي "الكبرى"، كتاب الحج، باب أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة:(5/127) . جميعهم من طريق عوف بن أبي جميلة، عن زياد بن الحصين، عن أبي العالية عن ابن عباس. قال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي.
قلت: وزياد بن الحصين إنما أخرج له مسلم فقط، فكيف يكون على شرطهما؟ قال شيخ الإسلام في "الاقتضاء":(1/288) : "إسناده صحيح على شرط مسلم". وكذا قال النووي أيضاً في"المجموع": (8/137) .
تنبيه: وقع في مطبوعة مسند الإمام أحمد: "عون
…
"وهو خطأ، والصواب: "عوف بن أبي جميلة".
(3)
هكذا في جميع النسخ الخطية، ولعل الصواب:"النسائي" كما في "الاقتضاء".
(4)
انظر "الاقتضاء": (ص 289و 290) .
(5)
في (الأصل) : "وأنما"، والمثبت من "الاقتضاء".
قلت: وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة أعظم تحذير من الغلو وأسبابه الموصلة إلى الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من المحدثين في كتبهم (1) ، بأسانيد صحيحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها "أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله" (2) وهذا يقتضي تحريم بناء المساجد على القبور. يحقق ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك.
قال شيخ الإسلام (3) : (وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور، هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك، فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر (4) ، ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها، ويخشون ويخضعون، ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجون في المساجد، فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها، (5 حتى نهى5)(5) عن الصلاة في المقبرة مطلقاً، / وإن لم يقصد المصلى بركة البقعة بصلاته، كما يقصد في صلاته بركة المساجد، كما
(1) سقطت من "ش": "من المحدثين في كتبهم"، وقد كتبت في "م" ثم شطب عليها.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
انظر "الاقتضاء": (ص 674و 676و 667) .
(4)
في "م" و"ش": "أو بحجر".
(5)
سقطت من "م" و"ش": "حتى نهى".
نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها، لأنها أوقات يقصد المشركون فيها الصلاة للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ، وإن لم يقصد ما قصده المشركون، سداً للذريعة.
وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركاً بالصلاة في تلك البقعة، فهذا عين المحادة لله ورسوله (1) ، والمخالفة لدينه، وابتداع (2) دين لم يأذن الله به. فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة عند القبور منهي عنها؛ وأنه لعن من اتخذها مساجد.
فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك: الصلاة عندها واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك، والتغليظ فيه، وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة، وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك) .
قلت: والأحاديث الصحيحة تدل على ذلك بلا ريب، كما في "الصحيحين"عن عائشة رضي الله عنها قالت:"لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها"، فقال-وهو كذلك- "لعنة (3) الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما فعلوا"(4) .
(1) في "م" و"ش": "ولرسوله".
(2)
في "ش": "واتباع".
(3)
في "ش": "ما صنعوا".
(4)
سبق تخريجه.
ومن المعلوم أن اللعنة إنما تقع على من فعل ذلك الاتخاذ؛ لأنه من فعل اليهود والنصارى، فمن فعل فعلهم وقع به ما وقع بهم؛ لأنه من أعظم الذرائع الموصلة إلى الشرك، وهذا الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم (1 اليهود والنصارى1)(1) على فعله قد وقع من كثير من هذه الأمة بعد القرون المفضلة.
قال القرطبي في معنى هذا الحديث: (وكل ذلك لقطع الذريعة (2) المؤدية إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام. قال: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ قبره قبلة، إذ كان مستقبل المصلين، فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فنبوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره) .
وفي "الصحيح"(3) عن ابن عباس رضي الله عنه (4) في قول (5) الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعا} (6) الآية، قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا/ أوحى الشيطان إلى قومهم أن
انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون عليها أنصاباً، وسموها بأسمائهم: ففعلوا ولم تُعْبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسخ (7) العلم عبدت" (8) .
(1) ما بين القوسين سقط من: "م" و"ش".
(2)
في "م" و"ش": "الذرائع".
(3)
في (الأصل) : "وفي الصحيحين" والمثبت من "م" و"ش"، وهو الصواب.
(4)
في "ش": "عنهما".
(5)
في "م" و"ش": "قوله تعالى
…
".
(6)
سورة نوح، الآية:23.
(7)
في (الأصل) زيادة: "ونسي"، والمثبت من "م" و"ش".
(8)
أخرجه البخاري في "التفسير": (ح/4920) عن ابن عباس.
وقال العلامة ابن القيم (1) رحمه الله تعالى:
"وما زال الشيطان يوحي إلى عباد القبور، ويلقي إليهم أن البناء والعكوف عليها من محبة أصحاب القبور من الأنبياء والصالحين، وأن الدعاء عندها مستجاب، ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء به، والإقسام على الله به، فإن شأن الله أعظم من أن يقسم عليه (2) ، أو يسأل بأحد من خلقه. فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعائه وعبادته وسؤاله الشفاعة من دون الله، واتخاذ قبره وثناً تعلق عليه الستور والقناديل، ويطاف به، ويستلم ويقبل، ويحج إليه، ويذبح عنده، فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعاء الناس إلى عبادته، واتخاذه (3) عيداً ومنسكاً، ورأوا أن ذلك أنفع لهم في دنياهم وأخراهم.
وكل هذا مما قد (4) علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه مضاد لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم: من تجريد التوحيد، وأن لا يعبد إلا الله، فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أن من نهى عن ذلك فقد تنقص أهل الرتب العالية، وحطهم عن منزلتهم، وزعم أن لا حرمة لهم ولا قدر، وغضب المشركون، واشمأزت
قلوبهم، كما قال تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (5) ، وسرى ذلك في نفوس كثير من الجهال والطغام، وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين، حتى عادوا
(1) انظر"إغاثة اللهفان": (1/212-217) .
(2)
في "م" و"ش": زيادة "بمخلوق".
(3)
في "م" و"ش" زيادة: "قبره..".
(4)
سقطت من "م" و"ش": "قد".
(5)
سورة الزمر، الآية:45.
أهل التوحيد، ورموهم بالعظائم، ونفروا الناس عنهم، ووالوا أهل الشرك وعظموهم، وزعموا أنهم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله، ويأبى الله ذلك، وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون"انتهى. وقد تقدم وأعيد ليستحضر.
قال شيخ الإسلام (1) رحمه الله تعالى (2) :
(والذي يجري عند المشاهد من جنس ما يجري عند الأصنام، وقد ثبت في الطرق المتعددة أن ما يشرك به من دون الله من (3) صنم ووثن، أو قبر قد يكون عنده شياطين تضل من أشرك به، وأن تلك الشياطين [لا](4) يقضون بعض أغراضهم، وإنما يقضونها إذا حصل منه الشرك والمعاصي، ومنهم من يأمر الداعي أن يسجد له؛ وقد/ ينهاه عما أمره (5) الله به من التوحيد والإخلاص والصلوات الخمس وقراءة القرآن، ونحو ذلك، وقد وقع في هذا النوع كثير من الشيوخ الذين لهم نصيب من الدين والزهاد والعبادة، ولعدم (6) علمهم بحقيقة الدين الذي بعث الله به رسله طمعت فيهم الشياطين، حتى أوقعوهم فيما يخالف الكتاب والسنة، وقد جرى لغير واحد من أصحابنا المشايخ يستغيث بأحدهم بعض أصحابه (7) ، فيرى (8) الشيخ جاء في اليقظة حتى قضى ذلك المطلوب، وإنما هي شياطين تتمثل للذين يدعون غير الله، فالكافر للكافر،
(1) انظر " الرد على البكري" ص333و 234.
(2)
سقطت من "المطبوعة) : "تعالى".
(3)
في "م" و"ش": "في صنم..".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(5)
في "م": "أمر الله..".
(6)
في "م" و"ش": "لعدم
…
".
(7)
في "م" و"ش": "أصحابهم".
(8)
في "ش": "فرأى".
والفاجر للفاجر، والجاهل للجاهل) .
وقال رحمه الله (1) : (وقد حدثني بعض الثقات عن هذا الشخص (2) –يعني ابن البكري الذي جوز في كتابه الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يستغاث بالله- إلى أنه كان يقول: النبي صلى الله عليه وسلم علم مفاتيح الغيب التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس لا يعلمهن (3) إلا الله: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت [إن الله عليم خبير] "(4)، ذكر (5) عنه أنه قال: علمها بعد أن أخبره أنه لا
(1) زاد في "م": "تعالى". انظر "الرد على البكري": (219) .
(2)
في "م" و"ش": "الشيخ".
(3)
في جميع النسخ، و"الرد على البكري":"لا يعلمها"، والمثبت من المصادر التي خرجت الحديث.
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "مصادر التخريج"، والآية في سورة لقمان، والحديث أخرجه أحمد (5/353) من حديث بريده.
قال ابن كثير في "تفسيره": (3/454)"صحيح الإسناد ولم يخرجوه".
وبنحوه من حديث ابن عمر بلفظ: "مفاتيح الغيب خمس
…
".
أخرجه البخاري في الاستسقاء باب لا يدري متى يجيء المطر (ح/1039) ، وأيضاً
في "التفسير": (ح/4627و 4697و 4778)، وأحمد في "مسنده":(2/24و 52و 58و 85)، والنسائي في "الكبرى":(6/370)، والطبربي في "تفسيره":(21/56) .
وبنحوه من حديث ابن مسعود بلفظ: "وأتى نبيكم مفاتيح كل شيء غير خمس.."
الحديث أخرجه أبو داود الطيالسي (ص 385) ، وأحمد (1/386و 437و 445) ، والشاشي (2/307) .
قال ابن كثير في "تفسيره": (3/352) : "رواه –أي أحمد- عن وكيع عن مسعر عن عمرو بن مرة به وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه".
(5)
في "م" و"ش": "أنه ذكر".
يعلمها إلا الله.
وأخر من جنسه يباشر التدريس وينسب إلى الفتيا، كان يقول: إن النبي
صلى الله عليه وسلم يعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ما يقدر الله عليه، وأن هذا السر انتقل بعده إلى الحسن، ثم انتقل في ذرية الحسن إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي، وقالوا: هذا مقام القطب الغوث الفرد الجامع) .
قلت: وهذا الذي ذكر (1) شيخ الإسلام هو مضمون أبيات البردة التي نصرها داود وأمثاله، ممن استحسن الشرك بالله، وأجاز أن يُدعى مع الله غيره، ويستغاث بغيره، ولا ريب أن المفتتن بهذه الفتن الشركية كثير في هذه الأزمنة وقبلها، فسلكوا سنن من كان قبلهم من المفتونين الذين نقلنا عن شيخ الإسلام رحمه الله (2) بعض ما جرى منهم، نعوذ بالله من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
فما أكثر من فتن في هذه الأزمنة وقبلها بمثل فتنة المسيح الدجال، بما غرتهم به الشياطين من الإنس والجن، الذين قال الله تعالى فيهم:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ/ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُون} (3) .
وقال رحمه الله تعالى (4) : (وما زال المشركون يسفهون الأنبياء، ويصفونهم بالجنون والضلال والسفاهة، كما قال قوم نوح لنوح، وعاد لهود عليهما
(1) في "م" و"ش": "ذكره".
(2)
سقطت من"م" و"ش": "رحمه الله".
(3)
سورة الأنعام، الآيتان: 112و 113.
(4)
انظر "الرد على البكري": (ص 347-350) .
السلام: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَه} (1) فأعظم ما سفهوه لأجله، وأنكروه هو التوحيد، [وهكذا](2) تجد من عليه شبه من هؤلاء إذا رأى من يدعو إلى توحيد الله، وإخلاص الدين لله (3) ، وأن لا يعبد الإنسان [إلا الله](4) ولا يتوكل إلا عليه، استهزؤا بذلك، لما عندهم من الشرك، وأنهم (5) اعتقدوا أن دعاء الميت الذي بني له المشهد والاستغاثة به أنفع لهم من دعاء الله والاستغاثة به في البيت الذي نبي لله عز وجل، ففضلوا البيت الذي بني لدعاء الميت.
وإذا كان لهذا وقف ولهذا وقف كان وقف الشرك أعظم عندهم منه (6)، مضاهاة لمشركي العرب الذين ذكر الله حالهم في قوله تعالى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (7) .
وهكذا هذه النذور والوقوف التي تبذل عندهم للمشاهد أعظم مما تبذل عندهم للمساجد، ولعمَّار (8) المساجد، والجهاد في سبيل الله، وهؤلاء إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه يبكي عنده ويخضع (9) ، ويدعو ويتضرع،
(1) سورة الأعراف، الآية:70.
(2)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(3)
سقطت من "م" و"ش": "الله".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(5)
في "م" و"ش": "فإنهم".
(6)
في "م": "من".
(7)
سورة الأنعام، الآية:136.
(8)
في"الرد على البكري": "ولعمارة..".
(9)
في جميع النسخ: "بكى عند وخضع.."، والمثبت من "الرد على البكري".
ويحصل له من الرقة والتواضع والتذلل والعبودية وحضور القلب ما لا يحصل مثله في الصلوات الخمس والجمعة وقيام الليل وقراءة القرآن، فهل هذا إلا من حال المشركين المبتدعين لا الموحدين المخلصين، المتبعين لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
إلى أن قال رحمه الله تعالى (1) :
(والذين يجعلون دعاء الموتى من الأنبياء والأئمة والشيوخ أفضل من دعاء الله؛ أنواع متعددة، منهم من تقدم.
ومنهم من يحكي أنواعاً من الحكايات كحكاية (2) أن بعض المأسورين في بلاد العدو دعا الله فلم يخرجه؛ ودعا بعض المشايخ الموتى فأخرجه إلى بلاد الإسلام.
ومن هؤلاء من إذا نزلت به شدة لا يدعو إلا شيخه، ولا يذكر إلا اسمه قد لهج به كما يلهج الصبي بذكر أمه.
فإذا كان دعاء الموتى (3) مثل الأنبياء والصالحين يتضمن هذا/ الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، فأي الفريقين أحق بالاستهزاء بالله وآياته ورسوله (4) : من كان يأمر بدعاء الموتى والاستغاثة بهم مع ما يترتب على ذلك من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله (5) ، أو من (6) كان يأمر بدعاء الله وحده لا شريك له، كما أمر
(1) سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".
(2)
في "م" وش": "حكاية..".
(3)
في "م" و"ش": "من الأنبياء".
(4)
وقع في "ش" تكرار قوله: "أحق بالاستهزاء بالله وآياته ورسوله".
(5)
في "ش": "ورسله".
(6)
في (الأصل) : "ومن كان
…
"، والمثبت من: "م"، و"ش".
بطاعته (1) ، ويوجب طاعة الرسول ومتابعته في كل ما جاء؟) .
إلى أن قال:
(وأما أولئك الضلال أشباه المشركين النصارى، فعمدتهم أحاديث (2) ضعيفة، أو موضوعة، أو منقولة (3) عمن لا يحتج بقوله، إما أن تكون كذباً عليه؛ وإما أن يكون غلطاً منه؛ إذ هي نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم،
وإن عصموا بشيء مما ثبت عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم](4) ، حرفوا الكلم عن مواضعه، وتمسكوا بمشابهه، وتركوا محكمه، كما يفعله (5) النصارى، وكما فعل هذا الضال أخذ لفظ الاستغاثة، وهي تنقسم إلى الاستغاثة بالحي والميت، والاستغاثة بالحي تكون فيما (6) يقدر عليه وما لا يقدر عليه، فجعل حكم ذلك (7) واحداً، ولم يكفه حتى جعل السؤال بالشخص من مسمى الاستغاثة (8)
(1) في "الرد على البكري": "كما أمرت رسله".
(2)
في "الرد على البكري": "إما أحاديث".
(3)
في "الرد على البكري": "أو منقولات".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من "م"و "ش".
(5)
في "م": "يفعل".
(6)
في "م" و"ش": "بما".
(7)
في "م" و"ش": "ذلك كله".
(8)
في هامش (الأصل) ما نصه: "ولو صح هذا لم يكن للنبي عند دعوة غير الله في القرآن معنى لكن هذا أبطل ما قال هؤلاء المشركون لمخالفته العقل والنقل والعرف واللغة فإذا قال المشرك مثلاً: "يا مقام إبراهيم، أو يا عبد القادر"فمن المعلوم أنه لم يذكر في لفظه ونيته إلا الحجر والميت فمقتضى هذا الباطل أن المقام هو الله وأن هذا الميت هو الله وهذا لا يقوله إلا ابن عربي وأهد الوحدة وهم أكفر من كفار النصارى، وهذا بين بحمد الله لا يرتاب فيه أحد له أدنى مسكة من عقل أو تمييز والله أعلم تقرير مؤلف".
أيضاً، ولم يكفه (1 ذلك حتى1)(1) جعل الطالب منه إنما يطلب (2) من الله لا منه، فالمستغيث به مستغيث بالله، ثم جعل الاستغاثة بكل ميت من نبي وصالح (3) جائزة.
فدخل عليه الخطأ (4) من وجوه:
منها: أنه جعل المتوسل به بعد موته في دعاء الله مستغيثاً به، وهذا لا يعرف في لغة أحد من الأمم، لا حقيقة ولا مجازاً، مع دعواه الإجماع على ذلك، فإن (5) المستغاث هو المسئول المطلوب منه لا المسئول به.
الثاني: ظنه أن توسل الصحابة [به](6) في حياته كان توسلاً بذاته، لا بدعائه وشفاعته، فيكون التوسل به بعد موته كذلك، وهذا غلط.
الثالث: أنه أدرج السؤال أيضاً في الاستغاثة به (7) ، وهذا صحيح جائز في حياته، وهو قد سوى (8) في ذلك بين محياه ومماته، وهذا أصاب في لفظ الاستغاثة، لكنه (9) أخطأ في التسوية بين المحيا والممات، وهذا ما علمته
ينقل عن أحد من العلماء، لكنه موجود في كلام بعض الناس، مثل (10) الشيخ
(1) ما بين القوسين سقطت من: (المطبوعة) .
(2)
في "م" ك"طلب".
(3)
في "م" و"ش": "أو صالح".
(4)
في "ش": "فدخل الخطأ عليه
…
". انطر "الرد على البكري": (ص 250-251) .
(5)
سقطت من "م" و"ش": "فإن".
(6)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".
(7)
سقطت من"ش": "به".
(8)
في "م" و"ش": "وهو في ذلك قد سدى".
(9)
في "م" و"ش": "لكن".
(10)
سقطت من "م" و "ش": "مثل".
يحيى الصرصري، ففي شعره قطعة منه، والشيخ محمد بن النعمان له كتاب "المستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام" وهؤلاء ليسوا من العلماء العالمين بمدارك الأحكام، الذين (1) يؤخذ بقولهم في شرائع الإسلام، ومعرفة الحلال والحرام، وليس/ لهم دليل شرعي، ولا نقل عن عالم مرضي، بل عادة جروا
عليها، وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم ولهم فضل وعلم وزهد إذا نزل به أمر، خطا إلى الشيخ (2) عبد القادر خطوات معدودة، واستغاث به، وهذا يفعله كثير من الناس؛ ولهذا لما نبه من نبه (3)[من](4) فضلائهم تنبهوا، وعلموا أن ما كانوا عليه ليس من دين الإسلام، بل مشابهة لعباد الأصنام) .
قلت (5) : وهذه الطريقة التي سلكها هذا، هي طريقة أهل البدع –كداود بن جرجيس – الذين يجمعون بين الجهل والظلم، فيبتدعون بدعة (6) مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ويكفرون من خالفهم من بدعتهم،
كالخوارج المارقين، لكن الخوارج كفروا الصحابة بالذنوب، وهؤلاء كفروا أهل الإسلام بالإخلاص والتجريد، كما قال العلامة ابن القيم (7-رحمه الله-7)(7)
في الخوارج:
ولهم نصوص قصروا في فهمها
…
فأُتوا من التقصير في العرفان
(1) في (الأصل) و "م": "الذي" والمثبت من "ش"و "الرد على البكري".
(2)
في "الرد على البكري": "إلى جهة الشيخ..".
(3)
سقطت من (المطبوعة) : "نبه".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(5)
سقطت من (المطبوعة) : "قلت".
(6)
في "م" و"ش": "بدعاً".
(7)
ما بين القوسين ليست في "م" و"ش".
وخصومنا قد كفرونا بالذي
…
هو غاية التوحيد والإيمان (1)
إلى أن قال:
(وهو قد احتج بحديث الأعمى الذي قال: "اللهم أني أتوجه إليك بنبينا (2) محمد نبي الرحمة" (3)، وهذا الحديث لا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنه ليس استغاثة، بل توجهاً به.
الثاني: أنه إنما توجه بدعائه وشفاعته، فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقال في آخر دعائه "اللهم فشفعه في"، فعلم أنه شفع له، فتوسل بشفاعته لا بذاته، كما كان الصحابة يتوسلون بدعائه في الاستسقاء، وكما توسلوا بدعاء العباس بعد مماته، وكذلك في أول الحديث أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له. فدل الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له (4) ودعا له، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن (5) يدعو الله، وأن يسأله (6) قبول شفاعته النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله:"يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجاتي هذه لتقضي"(7) خطاب لحاضر (8) في قلبه، كما نقول في صلاتنا؛ "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، وكما يستحضر الإنسان في قلبه من يحبه أويبغضه ويخاطبه، وهذا كثير.
(1) انظر "نونية ابن القيم": (ص103) .
(2)
في "ش": "بنبيك".
(3)
قد سبق تخريجه.
(4)
سقطت من (المطبوعة) : "له".
(5)
في "م" و"ش": "أن".
(6)
في "م"و "ش": "أن يسأل".
(7)
في "ش": "لتقضيها".
(8)
في "م" و"ش": "الحاضر".
وما ذكره (1) من توسل آدم، وحكاية المنصور، فجوابهما (2) من وجهين:
أحدهما: أن هذا لا أصل له، ولا تقوم به حجة، ولا إسناد لذلك (3) .
الثاني: لو دل على التوسل بذاته فلا يدل على الاستغاثة.
وأما اشتكاء البعير [إليه](4) ، فهذا كاشتكاء الآدمي إليه، وقد قلنا إنه إذا طلب منه مما يليق بمنصبه فهذا لا نزاع فيه، والاستغاثة به في حياته فيما يقدر عليه لا ينازع (5) فيها أحد، ولكن هذا أخذ لفظ الاستغاثة ومعناها العام، فجعل
(1) انظر "الرد على البكري": (ص 264) .
(2)
في "م": "فجوابها" وكذا في "الرد على البكري".
(3)
في (الأصل) : "وكذلك"، والمثبت من "م"و"ش"و"الرد على البكري".
قال معلقه –عفى الله عنه-: وتوسل آدم قد ورد بلفظ: "لما أذنب ادم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي
…
"الحديث.
أخرجه الطبراني في "الصغير": (2/82و 83) ، والحاكم (2/615) ، وصححه، والبيهقي في "الدلائل":(5/489) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر مرفوعاً.
وقد تعقب الذهبي الحاكم بقوله: "قلت: بل موضوع وعبد الرحمن واه.."
وأما حكاية المنصور مع الإمام مالك فقد قال عنها الإمام ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي": (ص 345) : "بل إسنادها إسناد ليس بجيد بل هو إسناد مظلم، منقطع، وهو مشتمل على من يتهم بالكذب، وعلى من يجهل حاله
…
"وقال في (ص 380) : "هي باطلة موضوعة".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش" و"الرد على البكري".
وقصة اشتكاء البعير أخرجها الإمام أحمد (1/204) ، وأبو داود في الجهاد باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم (3/950 (ح/2549)، وابن منده في:"معرفة أسامي أرداف النبي صلى الله عليه وسلم": (ص 28) ، كلهم من طريق مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر به وسنده صحيح.
(5)
في "م" و"ش": "لم يتنازع".
يتشبث به (1)، / ولكن النهي (2) عاد (3) إلى شيئين: إلى الاستغاثة به بعد الموت، وإلى أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. وأما قول (4) هؤلاء الجهال: فيستلزم الردة عن الدين، والكفر برب العالمين، ولا ريب أن أصل قول هؤلاء هو من باب الإشراك بالله، الذي هو الكفر، الذي لا يغفره الله؛ فإن الله سبحانه يقول في كتابه:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} (5) .
وقد قال غير واحد من السلف: إن هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم عبدوهم (6) ، وقد ذكروا ذلك بعبارات متقاربة في كتب الحديث والتفسير، وقصص الأنبياء، كما ذكره البخاري في صحيحه وجماعة من أهل الحديث، وقد تقدم (7) في كلام
شيخ الإسلام أيضاً، فأعدناه لعظيم فائدته.
(وقد أمر الله نبيه أن يقول: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (8)، فيقول أهل الضلال: هذا يقوله في نفسه، وأما نحن فليس لنا أن
(1) سقطت من "م" و"ش": "به" الأولى، والثانية.
(2)
في "الرد على البكري": "النفي".
(3)
في "م" و"ش": "عائد".
(4)
في هامش "م": "مطلب".
(5)
سورة نوح، الآيتان: 23و 24.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
في "م" و"ش": "كما تقدم هذا..".
(8)
سورة الكهف، الآية:110.
نقول هو بشر، بل نقول كما قال فلان وفلان، ومن زعم أن محمداً بشر كله فقد كفر، وهذا يقوله طائفة منهم، وهو يشبه قول النصارى في المسيح، ونحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأحد أن يدعو أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين، ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت (1) ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفها) (2) .
إلى أن قال (3) رحمه الله تعالى: (وهؤلاء يدعون الميت أو الغائب (4)، يقول أحدهم: بك أستغيث، بك أستجير، أغثنا، أجرنا، ويقول: أنت تعلم ذنوبي، ومنهم من يقول للميت: اغفر لي وارحمني وتب علي، ونحو ذلك، ومن لم يقل ذلك من عقلائهم فإنه يقول: أشكو إليك عدوي، أشكو إليك ظهور البدع أو جدب الناس، أو غير ذلك (5) ، فيشكو إليه ما حصل من ضرر/ في الدين والدنيا، ومقصوده بالشكوى أن يشكيه، فيزيل ذلك الضرر، وقد يقول مع ذلك للميت: أنت تعلم ما فعلته من الذنوب، فيجعل الميت، أو الحي، أو الغائب عالماً بذنوب العباد وجزئياتهم التي يمتنع أن يعلمها بشر، حي أو
(1) في "م" و"ش" زيادة: "ولا إلى ميت..".
(2)
في "م" و"ش": "يخالفه..".
(3)
انظر المصدر السابق: (ص 265و 266) .
(4)
في "م" و"ش": "والغائب".
(5)
في "م": "وجدب الناس، وغير ذلك".
ميت، ثم منهم من يطلق سؤاله إليه والشكوى ظاناً أنه يقضي حاجته، كما يخاطب ربه بناء على أنه يمكن ذلك بطريق من الطرق، وأنه وسيلة وسبب، وإن كان السائل لا يعلم وجود ذلك. وعقلاؤهم يقولون: مقصودها أن يسأل الله لنا، ويشفع لنا، ويظنون أنهم إذا سألوه بعد موته أن يسأل الله لهم، فإنه يسأل ويشفع، كما يسأل ويشفع (1) ، وكما تسأله الصحابة الاستسقاء وغيره، وكما يشفع يوم القيامة إذا سئل الشفاعة، ولا يعلمون أن سؤال الميت والغائب غير مشروع البتة، ولم يفعله أحد من الصحابة، بل عدلوا عن سؤاله وطلب الدعاء منه إلى سؤال غيره وطلب الدعاء منه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم (2) وسائر الأنبياء والصالحين وغيرهم لا يطلب (3) من أحدهم بعد موته من الأمور ما كان يطلب منه في حياته والله أعلم) انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى (4) . وقال الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحافظ (5) رحمه الله تعالى:(ومن جعل زيارة الميت من جنس زيارة الفقير للغني، لينال من بره وإحسانه، فقد أتى بما هو من أعظم الباطل المتضمن لقلب الحقيقة والشريعة، ولو كان ذلك مقصود الزيارة لشرع [من] (6) دعاء الميت، والتضرع
(1) سقطت من"م" و"ش": "كما يسأل ويشفع".
(2)
سقطت من "م" و"ش": "صلى الله عليه وسلم".
(3)
سقطت من"م" و"ش": "لا يطلبون".
(4)
سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".
(5)
سقطت من "م" و"ش": "الحافظ".وانظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي": (ص 382) ، ط/ دار الإفتاء.
(6)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "الصارم".
إليه، وسؤاله ما يناسب هذا المطلوب، ولكن هذا يناقض ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوحيد، وتجريده مناقضة ظاهرة، ولا ينبغي الاقتصار على ذلك بأنه بدعة، بل فتح لباب الشرك، وتوسل (1) بأقرب وسيلة إلى الشرك".
قلت: ولا ريب أن هذا الذي ذكره هذا الإمام مطابق لحال داود، فإنه قلب الحقائق، وفتح باب الشرك والأكبر. ثم قال الحافظ-رحمه الله (2) :
(وهذا أصل عبادة الأصنام كما قال ابن عباس –رضي الله عنهما – في قوله تعالى (3) : {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً (4) وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} (5) قال هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح؛ فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم (6)، فهؤلاء لما قصدوا الانتفاع بالموتى قادهم ذلك إلى عبادة الأصنام. يوضحه: أن الذين تكلموا في زيارة الموتى من أهل الشرك صرحوا بأن
القصد انتفاع الزائر بالمزور، وقالوا: من /تمام الزيارة أن يعلق همته وروحه بالميت وقبره، فإذا فاض على روح (7) الميت من العلويات الأنوار فاض منها على روح الزائر بواسطة ذلك التعلق والتوجه إلى الميت، كما ينعكس النور
(1) في "م" و"ش": "وللتوسل".
(2)
في "م" و"ش"زيادة: "تعالى". وانظر المصدر السابق (ص 382و 383) .
(3)
سقطت من "م" و"ش": "تعالى".
(4)
في "م": "الآية".
(5)
في "ش": "الآية"، سورة نوح، الآية:23.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
في (الأصل) : "على الروح الميت"، والمثبت في "م" و"ش"و "الصارم".
على الجسم المقابل للجسم الشفاف (1) ، بواسطة مقابلته-وهذا من زخرف ابن سينا لعنه الله، فما أعظم هذا من فرية وضلال وإلحاد ومحال –وهذا المعنى بعينه ذكره عباد الأصنام في زيارة القبور، وتلقاه عنهم من تلقاه ممن لم يحط علماً بالشرك وأسبابه ووسائله.
ومن هنا يظهر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تعظيم القبور، واتخاذ المساجد عليها، ولعنه فاعل ذلك، وإخباره بشدة غضب الله (2) ، ونهيه عن الصلاة إليها، ونهيه عن اتخاذ قبره عيداً، وسؤاله ربه أن لا يجعل قبره وثناً يعبد، فهذا نهيه عن تعظيم القبور، وذلك تعليمه وإرشاده (3) للزائر أن يقصد نفع الميت والدعاء له والإحسان إليه، لا الدعاء به ولا الدعاء عنده) انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهذا الذي ذكره عن المشركين هو قول ابن سينا تلقاه عنه (4) من تلقاه، وكلام العلماء في ذلك أكثر مما ذكرنا عن بعضهم بأضعاف. وما ذكرنا هنا ففيه (5) ما يكفي المستفيد الذي قصده تمييز الحق من الباطل، وأما من قصده الشقاق والعناد فلا حيلة فيه.
واعلم أن هذا المعترض لو نوقش على جميع ما يقع في كلامه من الدعاوي والخلل لطال الجواب، ولكن التنبيه على بعض ذلك كاف لمن له أدنى فهم، أو عنده أدنى علم.
(1) في هامش (الأصل) : "الشفاف الخفيف".
(2)
في "م" و"ش"زيادة: "عليه".
(3)
في (الأصل) : "تعظيم وإرشاده.."، والمثبت من "م" و"ش" و"الصارم".
(4)
في "م" و"ش": "عنهم".
(5)
في "ش": "فيه
…
".
قال العلامة ابن القيم (1) رحمه الله تعالى (2) في "الكافية الشافية في
الانتصار للفرقة الناجية" (3) :
يا من له عقل ونور قد غدا
…
يمشي به في الناس كل زمان
لكننا قلنا مقالة صارخ
…
في كل وقت بينكم بأذان
الرب رب، والرسول فعبده
…
حقا. وليس لنا إله ثان (4)
فلذاك لم نعبده مثل عبادة الر
…
حمن، فعل المشرك النصراني
كلا ولم نغلُ الغلو كما نهى
…
عنه الرسول مخافة الكفران
لله حق لا يكون لغيره
…
ولعبده حق، هما حقان
لا تجعلوا الحقين حقاً واحداً
…
من غير تمييز ولا فرقان
/فالحج للرحمن دون رسوله
…
وكذا الصلاة وذبح ذا القربان
وكذا، السجود، ونذرنا، ويميننا
…
وكذا متاب العبد من عصيان (5)
وكذا التوكل والإنابة والتقى
…
وكذا الرجاء، وخشية الرحمن
وكذا العبادة واستغاثتنا به
…
إياك نعبد، ذان توحيدان
وعليهما قام الوجود بأسره
…
دنيا وأخرى حبذا الركنان
وكذلك (6) التسبيح والتكبير والتـ
…
ـهليل حق إلهنا الديان
لكنما التعزير والتوقير
…
حق للرسول بمقتضى القرآن
(1) في هامش "م": "مطلب"، وكذلك "قف تأمل كلام العلامة".
(2)
سقطت "تعالى"من: (المطبوعة) .
(3)
انظر (ص 177)(ط/دار المعرفة) .
(4)
في هامش "م": "كما قيل رب وعبد ليس يشتبهان".
(5)
في هامش "م": "قال تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا} ..الآية".
(6)
في "ش": "وكذا".
والحب والتصديق والإيمان لا
…
يختص؛ بل حقان مشتركان
هذي تفاصيل الحقوق ثلاثة
…
لا تجملوها يا أولي العدوان
حق الإله: عبادة بالأمر، لا
…
بهوى (1) النفوس، فذاك للشيطان
من غير إشراك به شيئاً هما
…
سبب النجاة؛ فحبذا السببان
ورسوله فهو المطاع، وقوله الـ
…
مقبول، إذا هو صاحب البرهان
والأمر منه الحتم لا تخيير فـ
…
ـيه عند ذي عقل وذي إيمان
فهو المطاع وأمره العالي على
…
أمر الورى وأوامر (2) السلطان
وهو المقدم في محبتنا على
…
الأهلين والأزواج والولدان
وعلى العباد جميعهم، حتى على
…
النفس التي قد ضمها الجنبان
ونظير هذا قول أعداء المسيح
…
من النصارى عابدي الصلبان
أنا تنقصنا المسيح بقولنا
…
عبد، وذلك (3) غاية النقصان
لو قلتموا: ولد إله خالق
…
وفيتموه حقه. بوزان
وكذاك أشباه النصارى من (4) غـ
…
ـلوا في دينهم بالجهل والطغيان
صاروا مُعادين الرسول ودينه
…
في صورة الأحباب والإخوان
وانظر إلى تبديلهم توحيده
…
بالشرك والتوحيد (5) بالكفران
وانظر إلى تجريده التوحيد من
…
أسباب كل الشرك بالرحمن
واجمع مقالتهم وما قد قاله
…
واستدع بالنقاد والوزان
(1) في "النونية": "يهوى".
(2)
في (الأصل) : "وأومر"، والمثبت من "م" و"ش" و"النونية".
(3)
في (الأصل) : "وذاك"، والمثبت من "م" و"ش" و"النونية".
(4)
في (الأصل) : والمثبت من "م" و"ش" و"النونية".
(5)
في "ش": "الإيمان". وكذا في "النونية".
عقل (1) وفطرتك السليمة ثم زن
…
هذا وذا (2) لا تطغ في الميزان
/فهناك تعلم أي حزبينا هو الـ
…
متنقص (3) المنقوص ذو العدوان (4)
رامي البرىء بدائه ومصابه
…
فعل المباهت أوقح الحيوان
كمعير للناس (5) بالزَّغل الذي
…
هو ضربه، فاعجب لذا البهتان
والله ما قال الشيوخ وقال ألا
…
كنتمو معهم بلا كتمان
والله أغلاط الشيوخ لديكم
…
عين الصواب ومقتضى البرهان
تباً لكم ماذا التنقص بعد ذا؟
…
لو تعرفون العدل بالنقصان
والله ما يرضيه جعلكم له
…
تُرساً لشرككم وللعدوان
وكذاك جعلكم المشايخ جنة
…
لخلافه والعقصد ذو تبيان
والله ما عظمتوه طاعة
…
ومحبة يا فرقة العصيان
أني؟ وجهلكم به وبدينه
…
وخلافكم للوحي: معلومان
[والله أمركم عجيب معجب
…
ضدان فيكم ليس يتفقان] (6)
تقديم (7) آراء الرجال عليه مع
…
هذا الغلو، فيكف يجتمعان؟
(1) في (الأصل) : "عقلاً"، والمثبت من "م" و"ش" و"النونية".
(2)
في (الأصل) : "ذا وذا"، والمثبت من "م" و"ش" و"النونية".
(3)
في "م": "المنقص".
(4)
في جميع النسخ: "بالعدوان"، والمثبت من "النونية".
(5)
في هامش "م": "وقال أهل العلم أن المستهزئ يأتي يوم القيامة بهمة وغمة فيفتح له
باب من..".
(6)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(7)
في جميع النسخ: "قديمكم"، والمثبت من:"النونية"، وفي هامش (الأصل) :
"تقديم آراء "وفوقها حرف"خ".
كفرتم من جرد التوحيد
…
جهلاً منكم بحقائق الإيمان
لكنكم تجردتم لنصر الشرك والـ
…
ـبدع المضلة في رضى الشيطان
والله لو يُرضى الرسول دعاءنا
…
إياه بادرنا إلى الإذعان
(والله لو يرضى الرسول دعاءنا
…
كنا نخر له على الأذقان) (1)
والله ما يرضيه منا غير إخـ
…
ـلاص وتحكيم لذا القرآن
ولقي نهى ذا الخلق عن إطرائه
…
فعل النصارى عابدي الصلبان
ولقد نهانا (2) أن نصيّر قبره
…
عيداً حذار الشرك بالرحمن
ودعا بأن لا يجعل القبر الذي
…
قد ضمنه وثناً من الأوثان
فأجاب رب الرحمن دعاءه
…
وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه
…
باللعن يصرخ فيهم بأذان
ولقد غدا عند الوفاة مصرحاً
…
في عزة وحماية وصيان
وعنى (3) الأولى جعلوا القبور مساجداً
…
وهم اليهود وعابدوا الصلبان
والله لولا ذاك أبرز قبره
…
لكنهم حجبوه بالحيطان
قصدوا إلى تسنيم حجرته
…
ليمتنع السجود له على الأذقان
/قصدوا موافقة الرسول وقصده
…
التجريد للتوحيد للرحمن
يا فرقة جهلت نصوص نبيهم
…
وقصوده وحقيقة الإيمان
فسطوا على أتباعه وجنوده
…
بالبغي والعدوان والبهتان
لا تعجلوا وتبينوا وتثبتوا
…
فمصابكم ما فيه من جبران
قلنا الذي قال الأئمة قبلنا
…
وبه النصوص أتت على التبيان
(1) ما بين القوسين سقط من: "م"و "ش" و (المطبوعة) .
(2)
في (الأصل) ك "نهان"، والمثبت من "م" و"ش" و"النونية".
(3)
في (الأصل) : "وعن"، وفي "م":"وغنى"، والمثبت من "ش" و"النونية".
القصد حج البيت وهو فريضة الر
…
حمن واجبة على الأعيان
ورحالنا شدت إليه من بقا
…
ع الأرض قاضيها كذاك (1) الدان
من لم يزر بيت الآله فما له
…
من حجة سهم ولا سهمان
وكذا نشد (2) رحالنا للمسجد
…
النبوي خير مساجد البلدان
من بعد مكة أو على ألا
…
طلاق؛ فيه الخلف منذ زمان
وصلاتنا في بألف في سواه
…
ما خلا ذا الحجر والأركان
وكذا صلاة في قبا فكعمرة
…
في أجرها والفضل للمنان
ثم ذكر –رحمه الله (3) – الزيارة الشرعية التي (4) تقدمت في كلام شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية –رضي الله عنهما (5) وأرضاهما- والله سبحانه وتعالى أعلم.
فإذا تأمل الناصح لنفسه الطالب لتمييز (6) الحق من الباطل، وعرف ذلك مما تقدم من الآيات المحكمات، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما قرره العلماء المحققون، في بيان توحيد العبادة، وما ينافيه من الشرك بالله، فليعلم أن هذا المجادل المماحل أتى فيما كتبه (7) وأتعب نفسه فيه، ضروباً (8) من لبس الحق بالباطل، وإيقاع المغرورين في الشرك الأكبر الذي يطلبه وهو يحاوله
(1) في "م": "كذاك".
(2)
في "م": "وكذا رحالنا تشد
…
"، وف "ش": "وكذا تشد".
(3)
في "م" و"ش"زيادة: "تعالى".
(4)
في (الأصل) : "الذي"، والمثبت من "م" و"ش".
(5)
في "ش": "رحمهما الله تعالى
…
".
(6)
في "م" و"ش": "للتمييز بين الحق والباطل
…
".
(7)
في "م" و"ش": "بما
…
".
(8)
في "م" و"ش": "ويحاول".
قال (1) بعض السلف في قوله تعال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه} (2) قال: السبل: البدع والشبهات ذكره مجاهد وغيره، وقد قال تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورا} (3) .
وليعلم أن هذا العراقي سود الأوراق، بأمور حاول بها (4) الصدف عن الدين/ الذي بعث الله به الأنبياء والمرسلين، وثبت وتقرر في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد: من الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة ما سواه وضرب الأمثال
في ذلك.
فاشتمل ما سوده في معارضته (5) للحق على أمور: منها: أنه أكثر (6) السباب، والكذب والافتراء على المسلمين من أهل نجد، ونسب إليهم أموراً كثيرة؛ قد اختلقها هو وأمثاله تنفيراً منهم (7) للجهال عما كانوا يدعون إليه من توحيد تعالى، وإخلاص العبادة له.
وتأييداً لما انتحله هو وغيره من الأمور الشركية التي أظهر الدعوة إليها في تسويده، وأتى فيها بضروب من المحال، وقلب المعاني، وصرف اللفظ عن
(1) في "ش": "وقال.."بزيادة الواو.
(2)
سورة الأنعام، الآية:153.
(3)
سورة الإسراء، الآية:41.
(4)
في "م" و"ش": "فيها".
(5)
في "م": "معارضة الحق".
(6)
في "م" و"ش": "كثَّر".
(7)
سقطت من (المطبوعة) : "منهم".
مدلوله الذي وضع له، وهذا [هو](1) الأمر الثاني. فإن ساعد القدر تتبعت ما افتراه بالنقض والأبطال.
ومنها: أنه ينقل عن بعض العلماء، وينسب إليهم نقيض ما كانوا يعتقدونه، فيكثر الكذب عليهم، وينسبهم إلى خلاف ما هم عليه من الحق الذي قرروه في كتبهم، وأعلنوا به على رؤوس الأشهاد.
[الأمر](2) الرابع: أنه ينقل أموراً عن بعض من يجوز عليه الخطأ من أهل العلم، لم يثبت عنهم ما نسبه إليهم، فلو قدر ثبوته فليسوا ممن تقوم بأقوالهم الحجة، وعلى كل حال فلا حجة فيه، لمصادمته الوحيين، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما:"ما من أحد إلا ويؤخذ (3) من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (4) : (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله (5) يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} (6) أتدري: ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) .
فإذا كان هذا في حق سفيان الثوري، وهو من أئمة المسلمين ومن أتباع التابعين، فأقوال من بعده ممن لا يشق غباره، أولى بأن يؤخذ بقوله (7) ، ويترك
(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(2)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(3)
في "ش": "إلا يؤخذ..".
(4)
سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".
(5)
في "م" زيادة: "تعالى".
(6)
سورة النور، الآية:63.
(7)
في "م": "من قوله.."، وفي "ش":"يؤخذ قوله".
فما وافق أدلة الكتاب والسنة أخذ وقبل، وما خالف الكتاب والسنة رد على قائله.
ولا خلاف بين العلماء من المجتهدين/ أن القياس –وهو من الأدلة عند جمهور العلماء- إذا خالف نصّاً، أو ظاهراً من كتاب أو سنة، ترك وفسد اعتباره، فكيف ما خالف جميع أدلة الكتاب والسنة في الأصل الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وخالف الفطر (1) السليمة، والعقول الصحيحة، من تسوية المخلوق بالخالق، والمربوب بالرب، والإله بالمألوه، والعابد بالمعبود؟ فإنها مصيبة ما أعظمها، فإنا لله وإنا راجعون.
وخالف صريح الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد؛ كما تقدم من الآيات المحكمات (2) .
والأمر الخامس: أنه يأتي ببعض أحاديث لا يعرف لها صحة؛ ولبست في دواوين أهل الإسلام، ولم يذكر له سند (3) حتى يكشف عنه، ويحتمل أن تكون مما وضعه الواضعون، وقد صنف العلماء كتباً في الموضوعات.
وعلى كل حال فما ناقض أدلة الكتاب والسنة، فلا يجوز الأخذ به، بل يجب تركه وعدم الالتفات إليه.
ولا خلاف بين العلماء أن المتشابه يرد إلى المحكم، وإن كان صحيحاً، فكيف إذا كان ضعيفاً أو موضوعاً، فلا يجوز الاحتجاج به في معارضة ما ثبت
(1) في "م" و"ش": "الفطرة..".
(2)
في "م" و"ش" زيادة نصها: "في النهي عن دعوة غير الله والوعيد على ذلك وأن
الدعاء مخ العبادة".
(3)
في "م" و"ش"زيادة: "صحيح".
به الكتاب (1) والسنة.
ومن أصول أهل العلم التي لا يمكن أحد أن ينازع فيها: أنه إذا تعارض دليلان، وصار أحدهما أصح من الآخر أخذ بالصحيح وترك ما دونه، كما إذا تعارض الصحيح والحسن فكيف إذا عارض الصحيح، الضعيف، والمنقطع، أو الموضوع، أو المعضل (2) ، أو الحكايات المكذوبة، والهفوات المنسوبةإلى من لا تقوم بقوله حُجة؟ فيتعين (3) الأخذ بالصحيح عند جميع العلماء. وهذا الذي يورده هذا المماحل قد عارض القرآن كله من أوله إلى آخره، وعارض ما في الصحاح والسنن والمسانيد: من تقرير الإخلاص والتوحيد، وإبطال الوسائل والوسائط (4) بين رب العالمين وعباده، فإنه تعالى أرشدهم إلى أعظم ما يتوسلون به إليه في رغبتهم ورهبتهم، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (5)، وقال:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَب} (6) ، فأخبر أن الملائكة والأنبياء والصالحين الذين يدعوهم من يدعوهم إنما كانت وسيلتهم إلى الله في طلب (7) قربهم منه ورجاءه وخوفه إنما هو بالإخلاص/ له (8) والتوحيد، كما قرره أئمة التفسير من السلف
(1) في "م" و"ش": "في الكتاب والسنة".
(2)
في هامش (الأصل) : "الفرق بين المنقطع والمعضل: المنقطع ما انقطع من سنده
رجل واحد، والمعضل ما انقطع من سنده رجلين فصاعداً تقرير مصنف".
(3)
في "م" و"ش" زيادة: "بردَّه".
(4)
في "م" و"ش" زيادة: "في العبادة".
(5)
سورة الأعراف، الآية:180.
(6)
سورة الإسراء، الآية: 57، وليست في "م" و"ش" بقية قوله تعالى:{أَيُّهُمْ أَقْرَب} .
(7)
سقطت من "م" و"ش": "في طلب".
(8)
سقطت من "م" و"ش": "له".
والخلف، وهو أصل الدين: أن لا يُعْبَد إلا الله، بأي نوع (1) من أنواع العبادة، ولا يعبد (2) الله إلا بما شرع؛ لا بالأهواء والشبهات والخيالات والباطلة، التي تعب فيها من تعب ممن خرج عن الصراط المستقيم.
وهذا العراقي إنما ساق [هذه](3) الأمور التي أكثر فيها الكذب، وقلب الحقائق، ليتوصل بها إلى أن يُعْبد مع الله غيره، من ميت أو غائب، لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع الداعي، ولا يستجيب، غافلاً عمن دعاه ورغب إليه ورجاه، نعوذ بالله من زيغ القلوب وعقوبات الذنوب.
وقد أرشدنا الله تعالى في كتابه إلى ما يجب علينا من حق نبيه صلى الله عليه وسلم، من محبته واتباعه، وتعظيم أمره ونهيه، والصلاة عليه في نفس الصلاة، وبعد الأذان، وعند ذكره، وأن نسأل (4) له الوسيلة والفضيلة التي لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وإكثار الصلاة عليه والتسليم عند كل حديث يرفع إليه، فهذه هي أسباب حصول شفاعته يوم القيامة صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه، والتابعين (5) ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
فلا تتعب ذهنك بهذيان الملحدين، فإنها عند من عرفها من وسواس الشياطين، وخيالات (6) المبطلين؛ وإذا طلع فجر الهدى، وأشرقت أنوار النبوة
(1) في "م" و"ش" زيادة: "كان".
(2)
في "م" و"ش": "وأن لا يعبد الله
…
".
(3)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(4)
في "م" و"ش": "يسأل".
(5)
في "م" و"ش" زيادة: "لهم بإحسان إلى يوم الدين".
(6)
سقطت من (المطبوعة) : "وخيلالات".
فعساكر تلك الخيالات والوساوس في أول المنهزمين؛ والله متم نوره ولو كره الكافرون.
وبهذه الأمور التي ذكرناها عنه ينسخ العلم؛ ويغلب الجهل، كما ذكره (1) البخاري في صحيحه عن قوم نوح (2)، أنهم لما صوروا صور الصالحين بما أوحاه الشيطان إليهم من قولهم (3) : "لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة.
قال: فلما هلك أولئك، ونسخ العلم عبدت" (4) فما أشبه الليلة بالبارحة، فلو تتبعنا ما في القرآن من أوله إلى آخره من الأمر بإخلاص الدعاء لله وحده، والنهي عن دعاء غيره الذي هو مخ العبادة، لاحتمل عدة أوراق كثيرة، ولو تكلمنا على الآيات بتفسير السلف لها والأئمة، لاحتمل مجلداً ضخماً.
فسبحان من طبع على قلوب أعدائه بحكمته وعدله (5) ، وهدى إلى دينه- الذي خلق الخلق/ لأجله –من شاء من عباده برحمته وفضله.
وقد تقدم من (6) الآيات المحكمات، والأحاديث الصحيحة ما يبين الحق، ويبين ما ينافيه من الباطل، ولكنه كما قال القائل:
لقد أسمعت (7) لو ناديت حيا
…
ولكن لا حياة لمن تنادي
فلو ناراً (8) نفخت بها أضاءت
…
ولكن أنت (9) تنفخ في رماد
(1) في "م" و"ش": "ذكر".
(2)
سقطت من (المطبوعة) : "نوح".
(3)
تكررت في "م": "من قولهم".
(4)
سق تخريجه.
(5)
في "ش": "وعلمه".
(6)
في (الأصل) : "في"، والمثبت من "م" و"ش".
(7)
في "م": "قد".
(8)
في "م" و"ش"" "وناراً لو نفخت..".
(9)
في "م"و"ش": "ولكن ضاع نفخك في الرماد".
ونذكر طرفاً من كلام العلماء بأن مدلول الدعاء هو السؤال والطلب.
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى-في شرح البخاري، في أول كتاب الدعوات (1) من الصحيح:
(الدعوات بفتح المهملتين، جمع دعوة بفتح أوله، وهي المسألة الواحدة، والدعاء والطلب (2) ، والدعاء إلى الشيء الحث إلى (3) فعله، دعوت (4) فلاناً سألته، ويطلق أيضاً (5) على العبادة.
ويطلق الدعاء على التسمية، كقوله تعالى:{لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} (6) .
وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في شرح الأسماء الحسنى ما ملخصه: منها العبادة: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّك} (7) .
ومنها الاستغاثة: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم} (8) .
ومنها السؤال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} (9) .
(1) انظر "فتح الباري": (11/97)(ط/الريان) .
(2)
في (المطبوعة) زيادة واو: "والطلب"وهو خطأ.
(3)
في "م" و"ش" و"الفتح": "على فعله".
(4)
سقطت من "م" و"ش": "دعوت".
(5)
سقطت من "م" و"ش": "أيضاً".
(6)
سورة النور، الآية:63.
(7)
سورة يونس، الآية:106.
(8)
سورة البقرة، الآية:23.
(9)
سورة غافر، الآية:60.
ومنها: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُم} (1) .
ومنها النداء: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} (2) .
ومنها: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن} (3) .
قوله وقول الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} وهذه الآية ظاهرة على ترجيح الدعاء على التفويض.
وقال طائفة: الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء. وأجاب الجمهور: على أن الدعاء من أعظم العبادة، فهو كما في الحديث "الحج عرفة"(4)، أي: معظمه وركنه الأكبر، ويؤيده: ما أخرجه الترمذي من حديث أنس رفعه: "الدعاء مخ العبادة"(5) .
(1) سورة يونس، الآية:10.
(2)
سورة الإسراء، الآية:52.
(3)
سورة الإسراء، الآية:110.
(4)
أخرجه الإمام أحمد (4/335) ، وأبو داود في الحج باب من يدرك عرفة
(ح/1949) ، والترمذي في الحج باب من أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (ح/889) ، والنسائي في المناسك باب فرض الوقوف بعرفة (5/256) ، وأيضاً في باب من لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة (5/264) ، وابن ماجه في المناسك باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع (2/1003) كلهم من طريق بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يَعْمر..مرفوعاً، وفيه قصة.
قال الترمذي: قال ابن أبي عمر: قال سفيان بن عتبة: "وهذا أجود حديث رواه سفيان الثوري".
وقال ابن ماجه: قال محمد بن يحيى: "ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه".
وصححه ابن حبان –كما في "الإحسان": (ح/1009)، والحاكم:(1/464)، وقال:"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.
(5)
سبق تخريجه.
وقد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب في الدعاء، والحث عليه، كحديث أبي هريرة (1) رفعه:"ليس (2) شيء أكرم على الله من الدعاء"(3) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والحاكم، وحديث:"من لم يسأل الله يغضب عليه"(4) أخرجه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، وابن ماجه، والبزار، كلهم من رواية أبي صالح الخوزي (5)) انتهى. وقال (6) شيخ الإسلام ابن تيمية (7) :(ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن من قوله تعالى (8) : {ضَرَبَ اللَّهُ/ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً
(1) في "ش"زيادة: "رضي الله عنه".
(2)
في "م" و"ش": "وليس"بزيادة الواو.
(3)
أخرجه الترمذي في الدعوات باب ما جاء في فضل الدعاء (ح/3370) ، وابن ماجه في الدعاء باب فضل الدعاء (ح/3829) ، وابن حبان –كما في "الإحسان"- (ح/2397) ، والحاكم (1/490)، والبخاري في "الأدب المفرد":(ح/185)، والطبراني في "الأوسط":(ح/2544)، وأيضاً في "الدعاء":(ح/28) كلهم من طريق عمران بن القطان عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن أبي هريرة مرفوعاً. والحديث قال عنه الترمذي: "حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عمران القطان". وصححه الحاكم فقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
في (المطبوعة) : "الجوزي" وهو تصحيف.
(6)
في "ش": "قال"بدون الواو.
(7)
في "م" و"ش"زيادة: "رحمه الله، وانظر كلام شيخ الإسلام في "الاقتضاء": (ص 836) .
(8)
ليس في "ش": "تعالى".
لِرَجُلٍ} (1) فلابد في الإسلام من الاستسلام لله وحده، وترك الاستسلام لما سواه، وهذا حقيقة قولنا:"لا إله إلا الله" فمن استسلم لله ولغيره، فهو مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم فهو مستكبر (2) عن عبادته، وقد قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} (3) .
إلى أن قال (4) : (ولم يشرع الله لنبي من الأنبياء أن يعبد غير الله البتة. قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} (5)(6فأمر الرسل أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه6)(6) .
وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} (7) ، فأهل الإشراك متفرقون، وأهل الإخلاص متفرقون، [وقد] (8) قال تعالى:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (9) فأهل الرحمة متفقون مجتمعون، والمشركون فرقوا
(1) سورة الزمر، الآية:29.
(2)
في (الأصل) : "متكبر"، والمثبت من "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(3)
سورة غافر، الآية:60.
(4)
انظر المصدر السابق (ص 839) .
(5)
سورة الشورى، الآية: 13، وتحرفت "والذي" إلى "والذين".
(6)
ما بين القوسين سقط من: "م" و"ش".
(7)
سورة الروم، الآيات: 30-32.
(8)
ما بين المعقوفتين إضافة من "م" و"ش".
(9)
سورة هود، الآيتان: 118و 119.
دينهم وكانوا شيعاً؛ ولهذا تجد ما أحدث من الشرك والبدع بتفرق أهله) . إلى أن قال (1) : (وأهل التوحيد يعبدون الله في بيوته التي أذن (2) أن ترفع ويذكر فيها اسمه، مع أنه قد (3) جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، والله عز وجل هو معبودهم، إياه يعبدون، وعليه يتوكلون، وله يخشون (4) ويرجون، وبه يستغيثون ويستعينون، وله يدعون ويسألون، فإن خرجوا إلى المساجد كانوا مبتغين فيها (5) فضلاً من الله (6) ورضواناً، كما قال تعالى في نعتهم:{تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانا} (7) ، وكذلك إذا سافروا إلى المساجد الثلاثة، لاسيما المسجد الحرام الذي أمروا بالحج إليه، فهم يؤمون بيته يبتغون (8) فضلاً من ربهم (9) ورضواناً، لا يرغبون إلى غيره، ولا يرجون سواه ولا يخافون إلا إياه. وقد زين الشيطان لكثير من الناس سوء عملهم (10) ، واستزلهم (11) عن (12)
(1) انظر المصدر السابق (ص 840- 842) .
(2)
في "م" و"ش" زيادة: "الله".
(3)
سقطت من (المطبوعة) : "قد".
(4)
في جميع النسخ: "يخشون"، والمثبت من "الاقتضاء"، ولعله أولى.
(5)
في (الأصل) : "به"، والمثبت من "م" و"ش" و"الاقتضاء".
(6)
سقطت من"م" و"ش": "من الله".
(7)
سورة الفتح، الآية:29.
(8)
سقطت من (المطبوعة) : "يبتغون".
(9)
في "م" و"ش": "من الله".
(10)
في "م": "عمله".
(11)
في "الاقتضاء": "واستنزلهم".
(12)
في "م" و"ش": "من".
إخلاص الدين لله؛ إلى نوع من الشرك (1) ، فيقصدون بالسفر والزيارة رجاء غير الله (2) والرغبة إليه، ويشدون الرحال/ إلى قبر (3) نبي، أو صاحب، أو صالح (4) ، داعين له راغبين إليه، ومنهم من يظن أن المقصود من الحج هو هذا، فلا يستشعر إلا قصد المخلوق المقبور، ومنهم من يرى أن ذلك أنفع له من الحج إلى البيت، ومن جهالهم من يتوهم أن زيارة القبر واجبة، ومنهم من يسأل المقبور الميت كما يسأل الحي الذي لا يموت. يقول: يا سيدي فلان اغفر لي، وارحمني، وتب عليَّ، وانصرني على فلان، وأنا في حسبك أو جوارك.
وقد ينذرون أولادهم للقبور، ويسيبون لهم السوايب من البقر وغيرها، كما كان المشركون يسيبون لطواغيتهم. قال الله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون} (5) .انتهى.
فإذا جوز هؤلاء-كالعراقي وأمثاله-الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، (6 وخالفوا نهيه الصريح الصحيح 6)(6) ، وخالفوا ما كان عليه الخلفاء الراشدون والسابقون الأولون، فليعلم أن في ذلك من المفاسد العظيمة، وفتح باب (7)
(1) في "م": "الشر".
(2)
سقطت من "م" و"ش": "غير الله".
(3)
سقطت من (المطبوعة) : "قبر".
(4)
في "م" و"ش": "أو صالح أو صاحب".
(5)
سورة المائدة، الآية:103.
(6)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(7)
سقطت من "ش": "باب".
الشرك من كل أحد، ومع كل أحد (1) ، كما هو الواقع الموجود، فصاروا لا يفرقون بين الصالح والطالح في اعتقاد الربوبية والإلهية (2) ، كما كان (3) يفعله (4) بعض الناس بمصر والشام والعراق، مع ما كانوا يعبدونه من دون الله، كفعل أهل مصر مع أحمد البدوي ونحوه، وقد صح عنه أنه لا يصلي، ويبول في المسجد، ولا يتطهر، ذكر ذلك السخاوي عن أبي حيان مشاهدة منه لذلك، وقد افتتن أهل مصر به وبأمثاله من الأموات، فاعتقدوا فيه أن يفك الأسير إذا دعاه، وهو في أيدي الكفار، وينجي من أشفى على الغرق في البحار، ويطفئ الحريف إذا أضطرمت فيه النار، وينادونه من مكان بعيد، وهم لا يعتقدون أن حيّاً من الفضلاء فيهم يسمع ويبصر، [يسمع من](5) ينادونه (6) من فرسخ فأقل، فصار هذا الميت المدفون في قعر (7) الأرض الذي تقطعت أوصاله، وصار (8) في اعتقادهم أنه يسمع مناديه من البحور، ومن هو عنه بمسافة شهور، كما كان أهل العراق يعتقدون ذلك في عبد القادر وغيره. وهل هذا إلا لاعتقادهم أنه يعلم الغيب، ويضر وينفع، ويقدر على ما لا يقدر عليه إلا الله (9 وقد كانوا 9)(9) يفعلون في مولد البدوي من عظائم الشرك
(1) في "م" و"ش" زيادة: "ما لا يحصى".
(2)
في "م" زيادة: "فيه".
(3)
سقطت من (المطبوعة) : "كان".
(4)
في "م" و"ش": "يفعل".
(5)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(6)
في (الأصل) : "لا ينادونه"، والمثبت من "م" و"ش".
(7)
في (المطبوعة) : "مقر.."وهو تحريف.
(8)
سقطت من "م" و"ش": "وصار" وفي "م" و"ش": "وتقطعت أوصاله إرباً..".
(9)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
والفساد/ما يطول تعداده؛ أنه (1) يتحمل عن الزناة واللوطية في مولده ذنوبهم، بمعنى أنه يكفرها عنهم (2 وقد كان2)(2) بعضهم يسجد على باب حضرته.
(3 وقد كان3)(3) بعض المؤذنين بالقاهرة إذا فرغ من الأذان ينادي بأعلى صوته قائلا: يا أبو (4) فراج، يعنون بهذه الكنية أن يفرج الكربات، ولا يخفى ما بين القاهرة وقبره من البعد، فإنه كان (5) في قرية في غربي مصر اسمها طنطا، وهذا وأمثاله تفرع عن [دعوى] (6) من جوز (7) أنه يستغاث بنبي أو صالح. ومن ذلك ما يفعله (8) أهل الشام عند قبر (9) ابن عربي الاتحادي صاحب الفصوص (10) الذي يقول في فصوصه:
(وكنت امرءا من جند إبليس فارتمى
…
بي الدهر حتى صار (11) إبليس من جندي)
وهو إمام الاتحادية، فيعتقد (12) فيه بعض أهل الشام مثل ما كان (13)
(1) في "م" و"ش": "وأنه".
(2)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(3)
ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(4)
في "م" و"ش": "يا أبا فراج".
(5)
سقطت من (المطبوعة) : "كان".
(6)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(7)
وفي (الأصل) : "عمن جوز"، والمثبت من "م" و"ش".
(8)
في "م" و"ش"زيادة: "ما كان".
(9)
سقطت من"م": "قبر".
(10)
في "م" و"ش" زيادة: "في رد النصوص".
(11)
في "م" و"ش": "حتى كان".
(12)
في "م" و"ش": "إمام أهل الاتحاد فأعتقد".
(13)
سقطت من (المطبوعة) : "كان".
يعتقده أهل مصر في أحمد البدوي على مثل ما ذكرناه عنهم. وكذلك ما كان (1) يفعله أهل العراق، والمغرب، والسواحل، من البناء على قبر عبد القادر الجيلاني، وبناء المشاهد لعبادة عبد القادر، كالمشهد الذي في أقصى المغرب، وينادونه من (2) مسافة أشهر؛ بل سنة لتفريج كرباتهم، وإغاثة لهفاتهم، ويعتقدون أنه من تلك المسافة يسمع داعيه، ويجيب مناديه. يقول قائلهم: إنه يسمع ومع سماعه ينفع، وهو لما كان حياً يسمع ويبصر، لم يعتقد أحد فيه أنه يسمع من ناداه من وراء جدار، ثم بعد موته صار منهم ما صار، وهل هذا (3) إلا لاعتقادهم أنه يعلم الغيب، ويقدر على ما لا يقدر عليه إلا الله؟ فلو جاز في حق عبد القادر لجاز في حق من هو أفضل منه بإضعاف، من الخلفاء الراشدين، والسابقين والأولين، (6 والأئمة المهتدين (4) أن يدعي من تلك المسافة، ويستجيب، لكن الله تعالى (5) صان أولياءه6) (6) ، وخيار أهل الإيمان أن يفعل معه مثل هذا، فأين هذا من اعتقاد من اعتقد في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الإلهية، فخدَّ لهم الأخاديد، وألقى فيها من الحطب، وأضرم فيها النار فقذفهم فيها (7) .
(1) سقطت من (المطبوعة) : "كان".
(2)
ليست في "م" و"ش": "من".
(3)
في "م" و"ش"زيادة: "الأمر".
(4)
في "ش": "المهديين".
(5)
ليست في "م": "تعالى".
(6)
ما بين القوسين سقط من: "ش".
(7)
سبق تخريجه.
قال (1) ابن عباس: "إنهم يقتلون بالسيف"، وفعله أمير المؤمنين لشدة غيرته على التوحيد، وشدة إنكاره للشرك والتنديد. وهذا الذي يفعله هؤلاء مع من (2) ذكرنا إنما هو من تأله القلوب بهم، وشدة اعتقادهم فيهم، وصرف خصائص الربوبية والإلهية لهم.
وعبد القادر –رحمه الله –لا شك أنه (3) له فضل ودين، وهو/حنبلي المذهب، وأكثر أصحاب الإمام أحمد أفضل منه في العلم، وكذلك الإمام أحمد، ومن في طبقته من أئمة المحدثين والفقهاء أفضل من عبد القادر بالاتفاق، فلو جازت هذه الأمور في حق عبد القادر لجاز أن تفعل في [حق](4) أحد من هؤلاء، بل وفي حق من هو أفضل من الكل، كأعيان التابعين ومن قبلهم من (5) الصحابة كالخلفاء الراشدين.
وعبد القادر من سائر أهل مذهبه، وله كتاب "الغنية" في مذهب أحمد، وله زهد وعبادة، وليس أفضل من الفضيل (6) بن عياض، وبشر الحافي والجنيد، بل أهل العلم يعلمون أن هؤلاء أفضل منه، فهو فاضل بالنسبة إلى من دونه، مفضول بالنسبة إلى من ذكرنا من الأئمة قبله، وإن كان يذكر له كرامات الله أعلم بصحة ذلك، وما آفة الأخبار إلا رواتها، فإن صح منها شيء فكرامات الصحابة أعظم، كما وقع لعمر وعلي وغيرهما، فلم يعبدوا لأجل ما وقع لهم من الكرامات.
(1) في "م" و"ش": "وقال ابن عباس".
(2)
في "م" و"ش": "ما ذكرنا".
(3)
في "ش": "أن له".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "ش".
(5)
سقطت من"م" و"ش": "قبلهم من".
(6)
في "م""الفضل" وهو تصحيف.
والكرامة فعل الله تعالى، وليست فعلاً لمن وقعت له، ومن أحين مناقب عبد القادر أن إبليس تراءى له في غمامة فقال: أنا ربك وقد أبحت لك المحارم، فقال له (1) : اخسأ أنت إبليس، إن الله لا يأمر بالفحشاء، أو قال (2) :{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن} (3) فرحم الله عبد القادر، فلقد كان لا يرضى بما (4 قد كانوا 4)(4) يفعلونه معه، ولا بمثل قطرة منه.
وأعظم المحارم التي ينكرها ما كان يفعل اليوم وقبله عند ضريحه من الشرك الذي لا يغفره الله، فإنه أعظم ذنب عصى الله (5) به، لا يرتاب في هذا مؤمن (6) .
وهذا الذي ذكرناه على سبيل التمثيل، وإلا فبناء المساجد، والمشاهد على القبور وعبادتها، قد عمت به (7) البلوى في كثير، وقد (8) لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا"(9) ، وقال لأم سلمة لما ذكرت له كنيسة رأتها (10) بأرض الحبشة، وما فيها من الصور قال: "أولئك إذا مات فيهم
(1) سقطت من "م" و"ش": "له".
(2)
في "م" و"ش": "وقال".
(3)
سورة الأعراف، الآية:33.
(4)
ما بين القوسين من (المطبوعة)، وسقطت من "م"و"ش":"قد"
(5)
سقطت من" ش": "الله".
(6)
في "م" و"ش": "مسلم".
(7)
في "م" و"ش": "بها".
(8)
في "م": "ولقد".
(9)
في "ش": "ما صنعوا"، والحديث سبق تخريجه.
(10)
سقطت من "م" و"ش": "له
…
رأتها".
الرجل الصالح أو العبد الصالح (1) بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" (2) .
فما أعظم ما وقع من الشرك في كثير من هذه الأمة، فقد ربا على شرك أهل الجاهلية، فإن أولئك أقروا بتوحيد الربوبية/ وجحدوا توحيد الإلهية، وهؤلاء صرفوا خصائص الربوبية لغير الله، فالله المستعان. وهذا باب دخل فيه أهل الشرك ما فتحه لهم من ينتسب إلى العلم بحكايات تحكي لا تقوم بها حجة ولا عليها تعويل، وغايتها التحريف التبديل والتهويل والتضليل، وصدف الجهال عن سواء السبيل، حتى وقع الشرك في هذه الأمة جيلاً فجيل، فجادل به من جادل وما حل به من (3) ماحل، كما (4) يعلمه الله من هؤلاء الملحدين وأمثالهم. فإن هؤلاء المجادلين الجاحدين المبين قد ما حلوا بقلب الحقائق، حتى جعلوا ما تنزه الله عنه من اتخاذ الشفاء والشركاء [هضماً](5) من حق الرسل والأنبياء؛ وهو هضم لربوبية (6) الله، وسلب لإلهيته (7) ، وسواء ظن به، وقد نزه نفسه عن ذلك في الآيات المحكمات التي أنزلها (8) على رسوله الصادق
(1) سقطت من "م" و"ش": "أو العبد الصالح".
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سقطت من (المطبوعة) : "من".
(4)
في جميع النسخ: "كمن"، ولعل ما أثبته أولى.
(5)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(6)
في "ش": "لربوبيته".
(7)
في (الأصل) : "الألهية"، والمثبت من "م" و"ش".
(8)
في "ش" زيادة: "الله".
المصدوق؛ ودعا الأمة إلى أن يؤمنوا بها ويقبلوها. فمن ذلك قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} (1) إلى قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} (2) ، فنزه نفسه تعالى عن هذا الشرك المقتضى لوضع حقه تعالى (3) في غير محله، ومسبتهم (4) له بهذا الشرك (5) .
ولا ريب أن متخذي الشفعاء إنما كانوا يطلبونهم (6) ويسألونهم أن يشفعوا لهم، كما كان يفعله المشركون مع الأموات والغائبين، فهذا الطلب والسؤال والقصد والإرادة، من توجيه الوجه والقلب إلى غير الله تعالى رجاء لهذا الغير ورغبة إليه (7شرك عظيم 7)(7)، قال تعالى:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَن} (8)، وقال تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} (9) الآية فإسلام الوجه (10) ينفي الشرك بنوعيه (11) ، والإحسان ينفي البدع في الدين
(1) في "م" و"ش": ذكرتا تمام الآية: وهي: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْض} .
(2)
سورة يونس، الآية:18.
(3)
سقطت من "م" و"ش": "تعالى".
(4)
في "م" و"ش": "ونسبتهم".
(5)
في "م": "لهذا للشرك"، وفي "ش":"هذا".
(6)
في "م" و"ش": "يطلبون منهم".
(7)
ما بين القوسين سقط من (المطبوعة) .
(8)
سورة آل عمران، الآية:20.
(9)
سورة البقرة، الآية:112.
(10)
في "م" و"ش"زيادة: "إلى الله".
(11)
في "م" و"ش": "بنفي الشرك بنوعه".
كلها، وقد قال أمام الحنفاء (1 في قوله1) (1) :{إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2) .
فتبين بهذه الآية أن توجيه الوجه (3) والقلب [إلى](4) الله دون من سواه (5) .
قال في "الشرح الكبير"لعبد الرحمن بن أبي عمر رحمه (6) الله تعالى: (الإخلاص عمل القلب وهو أن يقصد بعمله الله (7) دون غيره) انتهى (8) .
وقال شيخ الإسلام: (الإخلاص/ محبة الله، وإرادة وجهه، وقد تقرر في الجواب أن الشفاعة التي أثبتها الله في كتابه بإذنه ورضاه إنما تقع لأهل الإخلاص خاصة، فمن طلبها من ميت أو غائب فقد وقع في الشرك الذي لا
لا يغفره الله، وحرم نفسه الشفاعة بطلبها ممن لا يملكها، وإعراضه عن طلبها ممن يملكها (9) سبحانه وتعالى عما يشركون) .
وهذا العراقي من جهله وضلاله يدعي أن هذا الشرك (*مجمع على جوازه.
قلت: بل الإجماع منعقد على أنه الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه (10) ، ومستند هذا الإجماع الآيات المحكمات، وما فيها من التصريح
(1) ما بين القوسين سقط من: "م" و"ش".
(2)
سورة الأنعام، الآيتان: 78و79.
(3)
في "م" و"ش" زيادة: "لغير الله شرك وأن الإخلاص هو..".
(4)
ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".
(5)
في "م" و"ش": "ما سواه".
(6)
في "م" و"ش": "رحمهما"، وهو في (1/521) .
(7)
في "م" و"ش"زيادة: "وحده".
(8)
في هامش (الأصل) : "هو الإخلاص المنافي للشرك".
(9)
في "ش": "لا يملكها". وهو تحريف.
(10)
في "م" و"ش" زيادة: "كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية".
بتحريمه*) (1) كما (2) في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم [كان](3) يقول في دبر كل صلاة: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون"(4) فإخلاص العبادة له هو الدين (5) الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وأمر به عباده، كما قال تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (6) .
ثم ذكر تعالى ما ينافي الإخلاص من شرك المشركين، فقال (7) :{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (8) وهذه السورة كلها كأمثالها من القرآن، فيها بيان الإخلاص والأمر به؛ وبيان ما ينافيه من الشرك في العبادة والنهي عنه، وتغليظ أمره، وحبوطه للأعمال، فتدبر وتذكر وتفكر، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(*) ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .
(2)
في (الأصل) : وفي "الصحيحين"، والمثبت من:"م" و"ش".
هكذا في جميع النسخ، والحديث إنما هو في صحيح مسلم فقط وسيأتي بيان ذلك.
(3)
ما بين المعقوفتين من إضافتي، ليستقيم الكلام.
(4)
أخرجه مسلم في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة: (1/415و 416)
(ح/594) .
(5)
سقطت "الدين" من" (المطبوعة) .
(6)
سورة الزمر، الآيتان: 2و 3.
(7)
في "ش" زيادة: "تعالى".
(8)
سورة الزمر، الآية:3.