المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة تقدم في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ما يكفي - كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيس

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

الفصل: ‌ ‌خاتمة تقدم في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ما يكفي

‌خاتمة

تقدم في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ما يكفي ويشفي في الرد على من غلا في الدين، وأشرك مع الله في ربوبيته وإلهيته، ونزَّل (1) المخلوق منزلة الخالق، والعبد منزلة المعبود، والمربوب منزلة الرب العظيم، الذي له الأمر كله، وله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فعظم هؤلاء المشركون (2) المخلوق بما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعظم به أحد غير الله، وسد الذرائع الموصلة إلى هذا الشرك بقوله صلى الله عليه وسلم لمن/ قال له:

"أنت سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا، وابن خيرنا" قال: "قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي (3) أنزلني الله"(4)، وقال: "لا تطروني كما أطرت

(1) في جميع النسخ: "ونزلوا"، ولعل ما أثبته أولى، ليناسب مقتضى السياق.

(2)

في "م" و"ش": "المشركين".

(3)

في "م" و"ش": "التي".

(4)

أخرجه النسائي في: "اليوم والليلة": (ح/250)، وابن حبان كما في "الإحسان":(ح/6207)، وأبو نعيم في "الحلية":(6/252) ، كلهم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعاً.

وأخرجه الإمام أحمد (3/241)، والبيهقي في "الشعب":(4/226) عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس مرفوعاً.

وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة": (ح/249) ، من طريق حماد بن سلمة عن ثابت وحميد عن أنس مرفوعاً.

قال ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي": ص 385، ط/الإفتاء. "وفي المسند بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس" فذكره.

وبنحوه من حديث عبد الله الشخير.

أخرجه الإمام أحمد (4/25)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة":(ح/247)، وابن أبي الدنيا في "الصمت":(ح/73) ، كلهم من طريق مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير عن مطرف بن عبد الله الشخير عن أبيه مرفوعاً وفيه قصة.

وأخرجه أبو داود في "الأدب"باب في كراهية التمادح (5/154و 155)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة":(ح/248)، والبخاري في "الأدب المفرد":(ح/211) من طريق سعيد بن يزيد عن أبي نظرة عن مطرف عن أبيه مرفوعاً، وأخرجه الإمام أحمد (4/24و 25)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة":(ح/246) من طريق شعبة عن قتادة عن مطرف عن أبيه مرفوعاً.

قال العراقي كما في "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين": (4/1641) : "إسناده صحيح".

وقال الحافظ في"الفتح": (5/179) : "رجاله ثقات وقد صححه غير واحد".

وعزاه الزبيدي كما في "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين": (4/1641) إلى الطبراني في "الكبير" والضياء في "المختارة".

ص: 335

النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" (1) ، وقال: "إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله عز وجل" (2) وأمثال هذا في السنة كثير.

وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس (3) عبودية لله، وخضوعاً، وتذللا، ومحبة، وكلما كان العبد أعظم محبة لله (4) ، وعبودية، وتذللاً فهو إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم أقرب، وبالعمل بالسنة أكمل.

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

سقطت من "ش": "الناس".

(4)

سقطت من "ش": "لله".

ص: 336

فأبي هؤلاء المشركون الناقصون المنقوصون إلا الوقوع في الغلو الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقع في النصارى، ونهى عنه أمته بقوله:"إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"(1) .

فصار في هؤلاء المجادلين في الدين شبه من النصارى في الغلو الذي نهى الله عنه أهل الكتاب بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّه} (2)[الآيات](3) .

وقوله تعالى (4) : {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} إلى قوله: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} (5) .

وهذا في سياق النهي عن عبادة المسيح وأمه عليهما السلام، كما في قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} (6) ، وقد تقدم في (7) هذا أن المعني (8) بهذا عيسى، وأمه، والعزير، والملائكة.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

سورة النساء، الآية: 171وفي هامش (الأصل) زيادة قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا

} الآية.

(3)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(4)

سقطت "تعالى": من "م" و"ش".

(5)

سورة المائدة، الآيتان: 75و 76، وسقطت:"قل"من النسخة (الأصل) .

(6)

سورة الإسراء، الآية:56.

(7)

في "ش": "أن هذا".

(8)

في "م": "المعين".

ص: 337

ومقام الربوبية (1) والإلهية لله وحده لا يشركه فيه أحد من خلقه، وكل هذا هو الذي (2) دعت إليه الرسل، وأنزلت به الكتب.

ومعلوم أن الدعاء والاستغاثة من أعظم العبادات؛ ولا يجادل فيها إلا مماحل مكابر معاند.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بدأ الإسلام غريباً (3) ، وسيعود غربياً كما بدأ، فطوبي للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس"(4) ، وهم طائفة من ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة، كما في الحديث، وستفترف هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة (5) ، وتقدم الحديث من أوله، وهم أهل السنة والجماعة وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان:"وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان"(6) .

(1) في "ش": "وقوام".

(2)

في "م": "هذا أي".

(3)

سقطت "غريباً"من: "ش".

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

ومن ذلك حديث عوف بن مالك مرفوعاً: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعون في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار" قيل: يا رسول، من هم؟ قال:"الجماعة".

أخرجه: ابن ماجه في الفتن، باب افتراق الأمم:(ح/3992)، وابن أبي عاصم في السنة:(ح/63)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة":(1/101، ح/149) ، كلهم من طريق عبَّاد بن يوسف عن صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك به. وسنده صحيح.

(6)

جزء من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد (5/278و 284) ، وأبو داود في "الفتن الملاحم"باب ذكر الفتن ودلائلها (ح/4252) ، وابن ماجه في "الفتن"باب ما يكون من الفتن (ح/3952) ، والحاكم (ح/449)، وأبو نعيم الأصفهاني في "الحلية":(2/289) ، والبيهقي (9/181) كلهم من طريق أبي قلابة الجرمي عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مرفوعاً.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

ص: 338

وقد ذكر العلماء –رحمهم/ الله (1) – أن (2) غربة الإسلام استحكمت في القرن السادس وما بعده، حتى آل الأمر إلى أن ناساً (3) ممن يشار إليهم بالعلم والفهم، قد وضعوا تصانيف في جواز الشرك في العباد، وغلطوا في مسمى التوحيد، وظنوا أن الغاية في التوحيد هو ما أقر به مشركوا قريش والعرب ومن بعدهم، كلهم أقروا بهذا التوحيد الذي (4 هو توحيد الربوبية الذي4)(4) ظن من ظن أنه هو الغاية في التوحيد.

إذا تبين أن الإسلام عاد غريباً كما بدأ، كما أخبر به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، قلنا جواب ما تقدم عما (5) أدعاه (6) هذا العراقي من الإجماع على (7) الاستشفاع بالأموات والغائبين.

فنقول: نعم (8) أجمع على هذا الشرك، وما هو أعظم منه، الهمج الرعاع، أتباع (9) كل ناعق، يميلون مع كل ريح (10) ، لم يستضيئوا بنور العلم

(1) في "م" و"ش"زيادة: "تعالى".

(2)

سقطت "أن"من: "م" و"ش".

(3)

في "م" و"ش": "أناساً".

(4)

ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .

(5)

في "ش": "مما".

(6)

في "م": "الدعاه".

(7)

في جميع النسخ: "بالاستشفاع"، ولعل ما أثبته أولى.

(8)

سقطت "نعم"من: "ش".

(9)

في "م" و"ش": "وأتباع".

(10)

في جميع النسخ: "رايح"، والمثبت من "الحلية".

ص: 339

ولم يلجؤا إلى ركن وثيق، كما أخبر عنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1) فيما رواه عنه كميل بن زياد وشبههم بالأنعام السائمة.

فليس إجماع هؤلاء حجة، وليسوا من أهل الإجماع الذي يحتج به في الأحكام؛ لمخالفتهم (2) ما جاءت به الرسل من توحيد الله، وما بُعث (3) به خاتم النبيين محمداً صلى الله عليه وسلم من النهي من الشرك، وقتال أهله واستحلال دمائهم وأموالهم، (7 وخالفهم أتباع الرسل فعرفوا ما جهلوه (4) من التوحيد، وأنكروا ما وقعوا فيه من الشرك، وهم الفرقة الناجية، والطائفة التي لا تزال على الحق ظاهرة (5) ، وما أجتمع (6) عليه7) (7)[سلف](8)[هذه](9) الأمة وأئمتها من إنكار الشرك، ومعادات أهله، وقتالهم، فإجماع الرسل، وأتباعهم من سلف الأمة وأئمتها هو الإجماع الصحيح، وما خالفه فباطل لا يلتفت إليه، ولا يحتج به ولو لم يخالف هذا الإجماع الذي ادعاه هذا المفتري إلا مصادمة الوحيين، ومخالفته لما جاءت به الرسل من دين الله لكفى به بطلاناً. ويبطل أيضاً- (ما ادعاه من الإجماع)(10) -ببقاء الفرقة الناجية التي أخبر

(1) أخرجه أبو نعيم في "الحلية": (1/79و 80) .

(2)

في "م" و"ش": "المخالفة".

(3)

في "م" و"ش": زيادة لفظ الجلالة: "الله".

(4)

في "م" و"ش": "ما جهلوا".

(5)

في جميع النسخ: "ظاهرين"، ولعل ما أثبته أولى.

(6)

في (الأصل) : "ومما"، والمثبت من:"م" و"ش".

(7)

ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .

(8)

ما بين المعقوفتين إضافة يقتضيها السياق.

(9)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "ش".

(10)

ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .

ص: 340

النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال على الحق إلى قيام الساعة (1) ، فهم أتباع الرسل، وإجماعهم هو الحجة أيضاً وإن كانوا هو الأقلون عدداً، فهم الأعظمون قدراً (2) عند الله؛ وأما الهمج الرعاع الذين اشتدت بهم غربة الإسلام، الذين وقع فيهم من الشرك ما وقع (3)، وإن كانوا الأكثر (4) عدداً فهم الأقلون قدراً عند الله؛ لظهور الشرك فيهم والبدع؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"فطوبى للغرباء (5) /الذين يصلحون إذا فسد الناس"(6) ، فسماهم غرباء لقلتهم، وقلة أتباعهم على الحق، كثرة معاديهم، كما قال الشاطبي (7) .

وهذا زمان الصبر من لك بالتي

كقبض على جمر؟ فتنجو من البلاء

فكم من جاهل اغتر بما عليه الهمج الرعاع، وظن أن كثرتهم تدل على صحة ما كانوا عليه من الشرك والبدع على اختلاف آرائهم ومذاهبهم، فالاحتجاج بهم، والاقتداء بهم يشبه ما ذكره الله تعالى (8) عن المشركين بقولهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُون} (9) الآيتين.

(1) رَوى هذا جمع من الصحابة منهم ثوبان، بلفظ:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، أخرجه مسلم في "الإمارة":(ح/1920) .

(2)

سقطت "قدراً" من: (المطبوعة) .

(3)

في (الأصل) زيادة: "منهم"، والمثبت من:"م" و"ش".

(4)

في "م" و"ش": "الأكثرون".

(5)

في "م": "للغربى".

(6)

سبق تخريجه.

(7)

في "م" و"ش": "رحمه الله"، وفي "م" زيادة:"تعالى".

(8)

سقطت "تعالى"من: "ش".

(9)

سورة الزخرف، الآيتان: 22و 23.

ص: 341

فما احتج به المشركون من أعداء الرسل، احتج به هؤلاء على ما أحدثه الجاهلون، فما أشبه الليلة بالبارحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذّة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"(1)، وفي رواية:"شبراً بشبر وذراعاً بذراع"، وفي رواية:" [حتى] (2) لو كان فيهم من أتى (3) أمه علانية، لكان في أمتي من يفعل ذلك"(4) فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم،

(1) تقدم تخريجه.

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من المصادر التي خرجت الحديث.

(3)

في جميع النسخ "يأتي"، والمثبت كما في المصادر التي خرجت الحديث.

(4)

سبق تخريجه بلفظ "لتتبعن سنن.."

وأما رواية "شبراً بشبرً وذراعاً بذراع":أخرجها البخاري في "الأنبياء"باب ما ذكر عن بي إسرائيل (ح/3456) ، ومسلم في "العلم" باب اتباع سنن اليهود والنصارى (ح/2669) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً.

أما رواية: "حتى لو كان فيهم من يأتي أمه..":أخرجها الترمذي في "الإيمان"باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (ح/2641)، ومن طريقه ابن الجوزي في "تلبيس إبليس":(ص 10)، وابن وضاح في "البدع":(ص 85) والحاكم (1/128و 129) وصححه، كلهم من طريق سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي عن عبد الله بن يزيد عند الله بن عمرو.

قال الترمذي: "حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه".

قلت: وسنده ضعيف لأجل عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، فقد ضعفه غير واحد، ولكن للحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً بنحوه ولفظه:"لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وباعاً بباع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدكم جامع أمه لفعلتم".

أخرجه ابن نصر في "السنة": (ح/43)، والبزار –كما في "مختصر زوائد البزار":(2/176و 177)(ح/1645) ، والحاكم (4/ 455) كلاهما من طريق أبي أويس عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس به.

قال البزار: "لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وثور مدني ثقة مشهور".

وقال الحاكم: "صحيح، ووافقه الذهبي".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (7/264) : "رواه البزار ورجاله ثقات".

ص: 342

وصار علماً من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فإنه قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة؛ وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة". قالوا من (1) هي يا رسول الله؟

قال: "ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"(2) .

وفي (3) الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما هلك من كان

(1) في جميع النسخ: "ما هي"، والمثبت كما في المصادر التي خرجت الحديث.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

من هنا وقع خلاف في سياق كلام المصنف بين النسخة (الأصلية) ، وبين النسخة "م" و"ش"، ونص ما في النسخة"م".

"وقد ذكر هذا العراقي المغالط المماحل من جملة أكاذيبه، وصدفه الجهال عن الحق أن الاستشفاع بالأنبياء والصالحين مجمع عليه، فيا ويحه ما أجرأه.

والجواب من وجوه:

الأول: أن الاستشفاع بالأنبياء والصالحين ينافي الإخلاص الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وذكر تعالى أن اتخاذ الشفعاء هو دين المشركين وكفَّرهم به في سورة الزمر وأخبر في سورة يونس أنه هو الشرك وأبطل هذا الاستشفاع في آيات كثيرة ونهى عنه أشد النهي وأبطله تعالى في كتابه بضرب الأمثال. وقد تقدم من الأدلة ما يدل على ذلك ويوضحه ويحقق أن اتخاذ الشفعاء من الشرك الذي لا يغفره الله.

الوجه الثاني: أن هذا الإجماع الذي ذكره قد أجمع عليه قوم نوح لما عبدوا الأصنام التي صورها على صور الصالحين.

قال من عبدها من دون الله: "ما عظم أولنا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم من دون الله" فبعث الله نبيه نوحاً عليه السلام ينهاهم عن عبادتها واتخاذها وسائط، وكذلك

أهل الجاهلية لما أحدث فيهم الشرك عمرو بن لحي، وفرق أصنام قوم نوح من قبائل العرب فعلوا كفعل قوم نوح فاتخذوا شفعاء فبعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذا الاستشفاع الذي أجمعت عليه الأمم المكذبين للرسل وأهل الجاهلية وأنزل القرآن بالنهي عن ذلك كما تقدم.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن عبسه ما يدل على غربة الإسلام في ابتدائه لما قال له: "من معك على هذا؟ قال حر وعبد"ز الدعاء لغير الله، ويزعمون أنه أسرع فرجاً من الله فهذا هو الإجماع الذي يحكيه داود بن جرجيس، وهو أنهم أجمعوا على الشرك في هذه القرون إلا بقايا من أهل السنة فحدث بهذا الإجماع الذي ذكره من أنواع الشرك ما يخالف المنقول والمعقول والفطر والكتب والرسل فحصل بهذا الإجماع من أنواع الكفر بالله ما لا يحصى.

وأما الإجماع الصحيح الذي يستند إلى القعول الصحيحة والفطر السليمة والرسل والكتب فهو إجماع الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة والفقهاء والمفسرين وأهل الحديث من أهل القرون الثلاثة المفضلة.

وقد كان هذا الشرك لا يوجد فيهم، وكانوا يشددون في دقائق الشرك بالإنكار كالحلف بغير الله، وتعليق التمائم، وقطعها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عمران بن حصين حلقة من صفر قال:"ما هذه؟، قال: من الواهنة فقال: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً".

وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل".

ولما قال له رجل: أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا، قالك "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله".

وقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله". وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد"، وقال:"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذر ما فعلوا، ولو ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً".

وقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله".

وقد كثر في هذه الأمة بناء المساجد على القبور، وبناء المشاهد، فصاروا به من شرار الخلق بنص الحديث.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده".

وقال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، وقد حرق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الغالية، وخدّ لهم الأخاديد، وأضرمها بالنار، فقذفهم فيها فلو تتبعنا ما ورد في هذا الباب لطال الجواب، وعلى هذا أجمع السلف-رضي الله عنهم ومن بعدهم كما تقدم، وذكروا في معنى قول الله تعالى:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . قول القائل: لولا الله وأنت، ولولا كليبة فلان لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص.

ولم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين والأئمة سؤال الميت ولا السؤال به، وقد خرج عمر –رضي الله عنه –بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء، وقال:"اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون"

فلو كان التوسل بذات الميت جائزة، لما عدل عمر والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار إلى العباس، مع قرب الحجرة التي كان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لأن الاستسقاء إنما هو بدعاء الحي الحاضر، وكل ما ذكرنا قد مضى بزيادة بيان وتقرير، وقد تقدم ما ذكره شيخ الإسلام –رحمه الله –من الإجماع على كفر متخذي الوسائط قال: "من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم، ويتوكل عليهم كفر إجماعاً، فهذا هو الإجماع الصحيح الموافق للكتاب والسنة وبالله التوفيق.

وقد عرضت مما تقدم أن الاستشفاع بالأموات والغائبين ينافي الإخلاص، لأن المستشفع يقبل على من اتخذه شفيعاً بقلبه، وروحه، ولسانه، ومحبته لذلك، وقال تعالى:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} ، وأهل الإخلاص هم الأقلون عدداً في كل زمان كما قال تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُون} .

وقال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِين} .

وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} .

وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} ، وأخبر تعالى أنهم كثيرون على ما كانوا عليه من العلم والعبادة فما نفعهم ذلك مع صدهم عن سبيل الله، وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب، والآيات في هذا المعنى كثير، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهذه الجماعة،

فالحديث دل على أن أهل النار في أواخر هذه الأمة هم الأكثرون، وهم الذين احتج بهم داود في بهرجه أنهم أجمعوا على ما زينه من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، فبهذا يتبين أن أهل الحق هم الأقلون، خلافاً لما يزعمه هؤلاء الجاهلون الملحدون، وفي الحديث:"إن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب"، فما احتج به داود من الإجماع صار حجة عليه بما ذكرنا من غربة الإسلام، وقلة أهله، ومشابهة آخر هذه الأمة لليهود والنصارى يتركهم الحق، وانحرافهم إلى الباطل، واتخاذه ديناً، ومشابهتهم لليهود والنصارى في كل ما فعلوا والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن في أمته مضاهاة لليهود والنصارى، ولفارس، والروم، والواقع يشهد لذلك، فكل من الكتاب والسنة، واستدل بالأغلوطات والشطحات فقوله مردود عليه بصريح الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.

وقد قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ. كِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} .

ص: 343

قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" (1) .

(1) في هامش (الأصل) : "بلغ أيضاً على مبيضة المصنف بزيادتها، ولله الحمد والمنة". والحديث أخرجه مسلم في الحج باب فرض الحج مرة في العمر (ح/1337) من حديث أبي هريرة.

ص: 346

وهذا الذي ذكره هذا العراقي من أن الاستشفاع بالأموات مجمع عليه، ليس في شريعة أحد من الأنبياء جوازه، وأما شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ففي الكتاب وفي السنة (1) من النهي عن ذلك، وأنه هو الشرك الذي كان يفعله أهل الجاهلية ومن قبلهم من الأمم المكذبة للرسل.

ومما يدل على فساد هذا الإجماع الذي حكاه ما رواه الدارمي في مسنده:

قال حدثنا سعيد (2) بن منصور حدثنا أبو عوانة عن بيان هو [ابن](3) بشر الأحمسي عن قيس عن مرداس الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يذهب الصالحون أسلافاً؛ ويبقى حثالة كحثالة الشعير"(4) .

وقد أخبر العلماء –رحمهم الله تعالى-كالصرصري- كما تقدم في شعره، وغيره من العلماء أن ذلك وقع في زمنهم، وهم كانوا في القرن السادس قبله وبعده: إن الصالحين مضوا، وذهبوا، وبقيت الحثالة التي اشتدت بها غربة الإسلام؛ وعاد المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير؛ وهدم عليه الكبير؛ وهؤلاء هم الذين ذكر/ العراقي إجماعهم، وبهم اشتدت غربة الإسلام.

وبهذا يحصل الجواب عما ذكره هذا العراقي: أن فلاناً وفلاناً شرحوا البردة، وهؤلاء كلهم ليسوا من أهل العلم، ولا من أهل السنة، وإن كان لهم درايات (5) في علم المعقول، فليسوا من أهله.

(1) في (الأصل) : "السنن"، ولعل ما أثبته أولى.

(2)

في (الأصل) : "سعد"، والمثبت كما في "سنن الدارمي".

(3)

ما بين المعقوفتين إضافة من "سنن الدارمي".

(4)

أخرجه البخاري في "المغار" باب غزوة الحديبية (ح/4156) ، وأيضاً في "الرقاق" باب ذهاب الصالحين (ح/6434) .

(5)

في (الأصل) : "دريات"، ولعل ما أثبته أولى.

ص: 347

وقد أخطأ في هذا الأمر أناس لهم ذكاء ومصنفات، ظهر فيها خطؤهم، كالفخر الرازي، وأبي معشر البلخي، وابن الأخنائي، وابن البكري، والمفيد (2 محمد ابن النعمان ذكره (1) شيخ الإسلام2) (2) ، وقبلهم الغزالي وغيره من أكثر المتكلمين، كأبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين والآمدي، وغيرهم من المتكلمين.

وقد اشتدت بهم غربة الإسلام لإعراضهم عن الوحيين، كما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وما ذكروه في مصنفاتهم، وخالفوا أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات، وأيضاً فإذا كان (3الخطاء في أمر3)(3) التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه قد أخطأ في معرفته من هو أفضل من هؤلاء المتأخرين، الذين هم حثالة الحثالة، فكيف يحتج بهم؟ وقد قال ابن عباس:

"كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال الأئمة كذلك، فلا حجة في قول أحد ولا فعله ممن يجوز عليه الخطأ، فكيف إذا تبين خطأه، ومخالفته للكتاب والسنة في هذا الأصل العظيم؟.

فمن تتبع ما ذكره هذا العراقي لم يجد فيه كلمة تقوم بها حجة، بل ما ذكره مردود بصريح القرآن والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها، وكل من خالف الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح-وهم الذين إجماعهم حجة –فقوله مردود عليه في أي مسألة كانت، فكيف إذا كان في أصل دين الإسلام الذي بعث الله به المرسلين؛ وأظهر براهينه في كتابه المبين، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصادق الأمين.

(1) في هامش (الأصل) : "لعله فيما ذكره".

(2)

ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .

(3)

ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .

ص: 348