المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل (1) وقد كان شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية - كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيس

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

الفصل: ‌ ‌فصل (1) وقد كان شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية

‌فصل

(1)

وقد كان شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية –رحمه الله، لما قدم مصر فوجد الكثير قد جهل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه: من دين الإسلام الذي رضيه لعباده، واتفقت عليه دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم.

(3 [فبيَّن] (2) ما وقع فيها من البدع3) (3) ، فبيَّن –رحمه الله –لمن حضره (4) ما جهله أكثر الناس من وجوب إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله تعالى، وبيَّن ذلك بالأدلة (5) من الكتاب والسنة، وما عليه سلف الأمة وأئمتها: من تجريد العبادة لله تعالى، وترك عبادة ما يعبد من دونه، ونهاهم عن دعوة الأموات والغائبين، وأخبرهم أن هذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، فعارضه ابن البكري المصري على حسب ما اعتاده من هذا الشرك وجهله بأنواع (6) التوحيد، /وكتب في المعارضة كثيراً من الشبهات الفاسدة الباطلة، وقلب الحقائق، مع سوء الفهم، وعدم العلم، فهجم على دين الإسلام فيما أبداه من الشبهات والضلالات.

(1) في "ش": بياض بمقدار كلمة (في المصورة التي لدي) .

وفي هامش (الأصل) : "بلغ أيضاً مقابلة زياداته على مبيضة المصنف رحمه الله

تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(3)

ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) . وفي "م" و"ش""فبين ما وقع من البدع".

(4)

في "ش": "لمن حضر".

(5)

في "م" و"ش": "بأدلته".

(6)

في جميع النسخ: "من أنواع"، ولعل ما أثبته أولى.

ص: 269

وأخذها شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – (1) فأجاب عنها بصريح المنقول وصحيح المعقول، فردها رداً شافياً بالأدلة والبراهين، فصار علماً لأهل التوحيد، وحجة على أهل الشرك والتنديد.

فرأيت هذا العراقي – الذي نحن بصدد الرد عليه- قد تلقى كثيراً من تلك الشبهات والخيالات والأباطيل والترهات، فرأيت أن أكتب في آخر الرد جملاً من كلام شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى (2) -وإن كان فيه نوع تكرار، مع ما قدمناه له، فإنه يشتمل على مزيد فائدة، فإن الحاجة إليه ماسة، والمنفعة به عظيمة، والمكرر أحلى؛ لما فيه من الرد على كل ملحد ومبطل ومعاند، فرحم الله ذلك الشيخ، فلقد صارت كتبه سلاحاً للموحدين، وحجة على جميع المبطلين.

قال رحمه الله تعالى (3) :

(الوجه الخامس: أن يقال: نحن لا ننازع في إثبات ما أثبته الله من الأسباب والحكم، لكن من هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق ودعاءه سبباً في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؟ ومَن الذي قال: إنك إذا استغثت بميت

أو غائب من البشر، بنبي أو غير نبي، كان ذلك سبباً في حصول الرزق والنصر والهدى، وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى (4) ؟ ومَن الذي شرع ذلك وأمر به؟ ومَن الذي فعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان؟

(1) في "م" و"ش"زيادة: "تعالى".

(2)

سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".

(3)

انظر كتاب "الرد على البكري": (ص 230) .

(4)

سقطت من "م" و"ش": "تعالى".

ص: 270

فإن المقام يحتاج إلى مقدمتين:

إحداهما (1) : أن هذه أسباب لحصول المطالب التي لا يقدر عليها إلاالله.

والثانية: أن هذه الأسباب مشروعة، لا يحرم فعلها، فإنه ليس كل ما كان سبباً كونيّاً يجوز تعاطيه، فإن [قتل](2) المسافر قد يكون سفره (3) سبباً لأخذ ماله، وكلاهما-أي المقدمتين – محرم، والدخول في دين النصارى قد يكون سبباً لمال يعطونه وهو محرم، وشهادة الزور قد تكون سبباً لمال (4) يؤخذ من المشهود له، وهو حرام، كثير من الفواحش والظلم قد يكون سبباً لنيل مطالب وهو محرم،/ والسحر والكهانة سبب في بعض المطالب وهو محرم، وكذلك الشرك كدعوة الكواكب والشياطين، وعبادة البشر، قد يكون سبباً لبعض المطالب وهو محرم. فإن الله تعالى حرم من الأسباب ما كانت (5) مفسدته راجحة على مصلحته، كالخمر والميسر (6) ، وإن كان يحصل به بعض الأغراض أحياناً.

وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقاً وأمراً، فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية على أن الله شرع لخلقه أن يسألوا ميتاً أو غائباً، أو يستغيثوا به، سواء كان ذلك عند قبره، أو لم يكن عند قبره، وهم لا يقدرون

(1) في "م" و"ش": "أحدهما".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(3)

سقطت "سفره"من: "م" و"ش" و"الرد على البكري".

(4)

في "م": "سبباً لنيل المال يؤخذ"، وفي "ش":"ويؤخذ".

(5)

في جميع النسخ: "ما كان"، والمثبت من "الرد على البكري".

(6)

سقطت من "م" و"ش": "والميسر".

ص: 271

على ذلك، بل نقول:

في الوجه السادس: سؤال الميت والغائب: نبيّاً كان أو غيره: من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين، لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله (1) ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وهذا [مما](2) يعلم بالاضطرار من دين المسلمين (3) ، فإن أحداً منهم ما كان يقول إذا نزلت به شدة، أو عرضت له حاجة لميت: يا سيدي فلان أنا في حسبك، أو اقض حاجتي، كما يقول هؤلاء المشركون لمن يدعونهم من الموتى والغائبين، ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا بغيره من الأنبياء، لا عند (4) قبورهم، ولا إذا (5) بعدوا عنها، بل ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلاً، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء، ولا قبور (6) غير الأنبياء، ولا الصلاة عندها، وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقف الرجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه، وذكروا أن هذا من البدع التي لم (7) يفعلها السلف.

وأما ما يروى عن بعضهم أنه قال: قبر معروف الترياق المجرب، وقول بعضهم: فلان يدعي عند قبره، وقول بعض الشيوخ: إذا كانت لك حاجة إلى

(1) في "م" و"ش": "ولا سؤاله".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(3)

في "ش": "الإسلام".

(4)

في "م" و"ش": "ولا عند".

(5)

في "م" و"ش": "إذا".

(6)

سقطت من (المطبوعة) : "قبور".

(7)

في "م": "التي يفعلها السلف.."ثم كتب في الهامش بجانبها: "لعله ما كان"،

وفي "ش": "ما كان يفعلها..".

ص: 272

الله فاستغث بي، أو قال: استغث عند قبري، ونحو ذلك، فإن هذا قد وقع عند (1) كثير من المتأخرين وأتباعهم، وكثير من هؤلاء إذا استغاث بالشيخ رأى صورته، وربما قضى بعض حاجته، فيظن أنه الشيخ نفسه، أو أنه ملك تصور /على صورته، وأن هذا من كراماته، ولا يعلم (2) أن هذا من جنس ما يفعله (3) الشياطين بعباد الأوثان، بحيث تتراءى (4) أحياناً لمن يعبدونها، تخاطبهم ببعض الأمور الغائبة، وتقضي لهم بعض الطلبات؛ ولكن هذه الأمور كلها بدع محدثة في الإسلام بعد القرون الثلاثة المفضلة، وكذلك المساجد المبنية على القبور التي تسمى المشاهد محدثة في الإسلام، والسفر إليها محدث (5) في الإسلام، لم يكن (6) شيء من ذلك في القرون الثلاثة المفضلة، بل ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ما فعلوا"(7) قالت عائشة: "ولولا ذلك أبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً"، وثبت في الصحيح عنه أنه قال، قبل أن يموت بخمس:"إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"(8) .

(1) في "الرد على البكري": "فيه كثير..".

(2)

سقطت من "م": "هذا".

(3)

في "م" و"ش": "ما تفعله".

(4)

في (الأصل) : "تراء"، والمثبت من:"م" و"ش" و"الرد على البكري".

(5)

سقطت من"م": "محدث".

(6)

في "م": "لمن يكن".

(7)

تقدم تخريجه.

(8)

تقدم تخريجه.

ص: 273

وقد تقدم في الجواب أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه (1) -: "لما أجدبوا استسقى بالعباس، وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون"(2) فلم يذهبوا إلى القبور، ولا توسلوا بميت ولا غائب، وتوسلوا بالعباس كما كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان توسلهم به توسلهم بدعائه، كالإمام مع المأموم، وهذا تعذر بموته.

فأما قول القائل، عند ميت من الأنبياء والصالحين: اللهم إني أسألك بفلان، [أو بجاه فلان](3) أو بحرمة فلان، فهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا (4) عن التابعين، وقد نص غير واحد من العلماء أنه لا يجوز، ونقل بعضهم جوازه.

قلت: لكن بغير مستند، فكيف يقول (5) القائل للميت: إني أستغيث بك، أو أستجير بك، أو أنا في حسبك، أو أسأل لي الله، ونحو ذلك.

فتبين أن هذا ليس من الأسباب المشروعة، لو قدر أن له تأثيراً، فكيف إذا لم يكن له تأثير صالح، بل مفسدته راجحة على مصلحته: كأمثال (6) من دعا غير الله؟

وذلك أن من الناس الذين يستغيثون بغائب أو ميت من تتمثل (7) لهم

(1) سقطت من "م": "رضي الله عنه".

(2)

سبق تخريجه.

(3)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش"، و"الرد على البكري".

(4)

سقطت من "م": "عن".

(5)

في (الأصل) : "يقول"، والمثبت من:"م" و"ش" و"الرد على البكري".

(6)

في "ش": "كمثل".

(7)

في (الأصل) : "ممن تمثل.."، والمثبت من:"م" و"ش" و"الرد على البكري".

ص: 274

الشياطين، وربما كانت [على](1) صورة الغائب، وربما كلمته، وربما قضت /له أحياناً بعض حوائجه، كما تفعل شياطين الأصنام، وهذا مما جرى لغير واحد، فينبغي أن يعرف هذا. ومن هؤلاء من يؤذي الميت بسؤاله إياه أعظم مما يؤذيه لو كان حياً، وربما قضيت (2) حاجته مع ذم تلحقه، كما كان الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً فيعطيه، ويقول:"إن أحدكم يسألني المسألة فيخرج بها يتأبطها ناراً"(3) ، وقال

(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد البكري".

(2)

في "م"و"ش": "قضت".

(3)

أخرجه البزار (1/342) ، والحاكم (1/46) كلاهما من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن عمر مرفوعاً وفيه قصة.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي.

وقد روي عن جابر عن عمر أيضاً.

أخرجه البزار (1/351و 352) ، والحاكم (1/46، كلاهما من طريق عبد الله بن بشر عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به بنحوه.

قال ابن أبي حاتم بعد أن ذكر الطريقين السابق ذكرهما: "قلت لأبي أيهما أصح، قال: لا يعلم هذا إلا الله عز وجل كلاهما ثقتين وأبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن عمر وخالفه جرير بن عبد الحميد فرواه عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد عن عمر. وروى عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن عمر.

ورواه حبان بن علي العنزي عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر عن عمر.

ورواه عبد الله بن بشر عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن عمر.

والله أعلم بالصواب"ا. هـ.

ص: 275

صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيداً"(1)، وقال:"اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(2) الحديث. قال غير واحد من السلف في قول الله (3) : {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعا} (4) الآية "هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم"(5) ؛ ولهذا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتخذون قبور الأنبياء [والصالحين](6) مساجد.

وهذا مما تقدم في أول الجواب، والمكرر أحلى.

إلى أن قال رحمه الله تعالى (7) :

الوجه الثاني: أن يقال: التحقيق في هذا الباب إن (8) كان المنفى لا يصلح، لمخلوق فذكره الأنبياء والملائكة على سبيل تحقيق النفي العام، فهذا من أحسن الكلام، كما يقال: لا يجوز العبادة إلا لله تعالى، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فينبه (9) بنفيها عن الأعلى عن انتفائها عمن هو (10) دونهم بطريق الأولى

(1) سبق تخريجه.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

في "م" و"ش"زيادة: "تعالى".

(4)

سورة نوح، الآية:23.

(5)

سبق تخريجه.

(6)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(7)

سقطت من (المطبوعة) : "تعالى"، انظر المصدر السابق (ص 237) .

(8)

في "م" و"ش": "إذا".

(9)

في جميع النسخ: "تنبيه..على انتفائها"، والمثبت من "الرد على البكري".

(10)

سقطت من (المطبوعة) : "هو".

ص: 276

وكذلك إذا كان المخصوص بالذكر ممن (1) قد حصل فيه غلو، كما يقال: ليس في الصحابة معصوم لا علي ولا غيره، وليس في النبيين إله لا المسيح ولا غيره، فهذا حسن (2)، ومنه قوله تعالى (3) :{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (4)(6 تنبيهاً بذلك [على] (5) أن من دونهم أولى أن لا تغني شفاعتهم شيئاً6) (6){وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه} إلى قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (7) .

وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً. لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (8) الآية. /

(1) في جميع النسخ: "من"، والمثبت من "الرد على البكري".

(2)

في "الرد على البكري": "فهذا أحسن".

(3)

سقطت من "م" و"ش": "تعالى".

(4)

سورة النجم، الآية: 26، وفي "ش": إلى قوله: {شيئاً..}

(5)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م"، و"الرد على البكري"، وسقطت من "م":"لا"

من قوله: {لا تغني} .

(6)

ما بين القوسين سقط من: "ش".

(7)

سورة يونس، الآية:18.

(8)

سورة النساء، الآيتان: 171و 172.

وسقط من "م" و"ش": "الآية".

وسقط من "م": ثلاثة"من، الآية: الكريمة.

ص: 277

(2 فإنه لما كان الكلام في إثبات توحيد الله تعالى، والنهي عن (1) الغلو في الدين فيه تشبيه المخلوق بالخالق قال: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} 2) (2)، وأبلغ من هذا قوله تعالى (3) :{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعا} (4) فخص المسيح وأمه بالذكر (5) ؛ لأن المسيح وأمه اتخذا إلهين فكان التخصيص بالذكر؛ لنفي الشرك والغلو الذي وقع في المسيح وأمه، ولم يكن ذلك من باب التنقيص للمسيح وأمه.

وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (6) فتخصيص الأنبياء والملائكة (7) بالذكر تنبيه على من دونهم.

ومنه قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} إلى قوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَنْ يَقُلْ

(1) في (الأصل) : "ونفي الغلو الذي في الدين"، والمثبت من "الرد على البكري".

(2)

ما بين القوسين سقط من: "م" و"ش".

(3)

سقطت من "م" و"ش": "تعالى".

(4)

سورة المائدة، الآية:17.

(5)

سقطت من "م" و"ش": "بالذكر".

(6)

سورة آل عمران، الآيتان 79و 80.

وفي "م" و"ش": أكملت بقية قوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُون} .

(7)

في "م" و"ش": "فتخصيص الملائكة والأنبياء".

ص: 278

مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين} (1) فذكر هذا الوعيد في الملائكة تنبيهاً على أن دعوى الإلهية لا تجوز لأحد من المخلوقين، لا ملك ولا غيره، وأنه لو قدر وقوع ذلك من ملك من الملائكة لكان جزاؤه جهنم، فكيف من دونهم؟ وهذا التخصيص لإفراد الله بالإلهية.

ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) ، والأنبياء معصومون من الشرك، لكن (3) المقصود بيان أن الشرك لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله، فكيف بغيره؟

وكذلك قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} (4) مع أن الشرك منه (5) ممتنع، لكن بيَّن بذلك أنه إذا قدر وجوده كان مستلزماً لحبوط عمل (6) المشرك وخسرانه/ كائناً من كان، وخوطب بذلك أفضل الخلق لبيان عظم [هذا](7) الذنب، لا لحط قدر المخاطب، كما قال تعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين} (8) .

ليبيِّن أنه ينتقم ممن يكذب بالرسالة كائناً من كان، وأنه لو قدر أنه

(1) سورة الأنبياء، الآيات: 26-29.

(2)

سورة الأنعام، الآيتان: 87و 88.

(3)

في "م": "ولكن".

(4)

سورة الزمر، الآية:65.

(5)

سقطت من "م" و"ش": "منه".

(6)

في جميع النسخ: "لحبوط العمل عمل الشرك.."، والمثبت من "الرد على البكري".

(7)

ما بين المعقوفتين إضافة من "الرد على البكري".

(8)

سورة الحاقة، الآيات: 44و 46.

ص: 279

غيَّر الرسالة لا نتقم منه، وهذا باب واسع. فمن (1) غلا في طائفة من الناس، فإنه يذكر له من هو أعلى منه، ويبين أنه لا يجوز هذا الغلو فيه، فكيف يجوز الغلو في الأدنى، كما قال بعض الشيعة لبعض شيوخ أهل (2) السنة: نقول إن مولانا أمير المؤمنين علياً كان معصوماً، فقال: أبو بكر وعمر: عندنا أفضل منه، وما كانا معصومين.

وكما يقال لمن يعظم شيخه أو أميره، بأنه يطاع في كل شيء، وأنه لا ينبغي مخالفته: أبو بكر الصديق (3) أفضل منه، وقد قال:"أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، إنما أنا متبع ولست مبتدع، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني"(4)(5) .

وكما إذا ظن الغالي أن الصالحين لا يؤذيهم عدوهم، لاعتقاده أن ذلك نقص فيهم، وأنهم قادرون على دفع كل أذى؛ فيقال: أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قد أوذي وعودي، وقد جرح يوم أحد، وذلك كرامة له من الله تعالى (6) ، ليعظم أجره، ويزيده رفعة بالصبر على الأذى.

وكذلك لو حلف بشيخه، فقيل له: لا تحلف بغير الله، فمن حلف بغير الله فقد أشرك.

(1) في جميع النسخ: "فيمن"، والمثبت من:"الرد على البكري".

(2)

سقطت من (المطبوعة) : "أهل".

(3)

سقطت من"م" و"ش": "الصديق".

وفي (الأصل) : "أبي بكر"، والمثبت من "م"و"ش".

(4)

في هامش (الأصل) : "قوموني أي: أمنعوني وخذوا على يدي تقرير ش".

(5)

أو رده ابن كثير في "البداية والنهاية": (5/248)، وقال:"هذا إسناد صحيح".

(6)

في "م" و"ش": "وذلك كرامة من الله تعالى له".

ص: 280

وكذلك إذا اعتقد معتقد في شيخه أنه يشفع (1) لمريديه، أو أنه راية في الآخرة يدخل تحتها مريده الجنة، فيقال:[له](2) : المرسلون أفضل منه؛ وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا جاء يشفع يسجد بين يدي الله، ويحمد ربه بمحامد فيقال له: "ارفع رأسك؛ وقل يسمع؛ وسل تعطه؛ واشفع تشفع، فيقول: يا رب أمتي،

فيحد لي حداً، فأدخلهم الجنة" (3) فهو صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بعد أن يؤذن له، بل يبدأ بالسجود لله والثناء عليه، ثم إذا أذن له في الشفاعة وشفع حد له حداً، يدخلهم الجنة (4) .

فليست الشفاعة مطلقة في حقه؛ ولا يشفع إلا بإذن الله، فكيف يكون الشيخ إذا (5) كانت له شفاعة؟ وكذلك إذا / قيل عن بعض الشيوخ: إن قبره ترياق مجرب، فيقال له: إذا كانت قبور الأنبياء –عليهم السلام-ليست ترياقاً مجرباً؛ فكيف تكون قبور الشيوخ ترياقاً مجرباً؟.

وكذلك إذا قيل: إن الشيخ الميت يستسقى عند قبره، ويقسم به على الله؛ ويعَّرف عنده عشية عرفة ونحو ذلك. قيل له: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق لم يستق الصحابة –رضوان الله عليهم-عند قبره، ولا أقسموا به على الله؛ ولا عرَّفوا عند قبره فكيف بغيره؟

(1) سقطت من "ش": أنه يشفع".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(3)

سبق تخريجه.

(4)

سقطت من "م": "الجنة".

(5)

في "الرد على البكري": "إن".

ص: 281

وكذلك إذا قيل: إنه يسجد لقبر الشيخ أو يستلم ويقبل (1)، قيل له: إذا كان قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يسجد ولا يقبل باتفاق الأئمة، فكيف بقبر غيره؟.

[وكذلك إذا قيل: الموضع الذي كان الشيخ يصلي فيه لا يصلى فيه](2) احتراماً له قيل له: إذا كان الصحابة –رضي الله عنهم-لم يصلوا في الموضع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه، فكيف لا يصلى في موضع مصلى غيره؛ وهو أحق بالاحترام من كل أحد؟ وكذلك إذا قيل: إن الشيخ الميت يدعى، ويسأل، ويستغاث به، قيل: إذا كان الأنبياء بعد موتهم لا يدعون، ولا يسئلون؛ ولا يستغاث بهم؛ فكيف بمن دونهم؟ وإذا قيل: يطلب من الشيخ كل شيء. قيل: ما لا يقدر عليه إلا الله، لا يطلب من الأنبياء، فكيف يطلب ممن دونهم؟

وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ألفين (3) أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رُغاء؛ فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: قد أبلغتك، لا أملك لك من الله شيئاً (4) -الحديث" فقد أخبر أنه يستغيث به أهل الغلول يوم القيامة فلا يغيثه، بل يقول: "لا أملك لكم من

الله شيئاً" كما قال: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفة

(1) في "ش": "أو يقبل".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(3)

في هامش (الأصل) : "بيان لأجدن".

(4)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب الغلول (ح/3073) ، ومسلم في الإمارة

باب غلظ تحريم الغلول (ح/1831) . من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

ص: 282

عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً (1) .

وحينئذ (2) فإذا قدر أن سائلاً (3) سأل: هل يستغاث بميت من الأنبياء والصالحين؟ فقيل [له](4) : لا تستغيث بأحد منهم، لا نبي ولا غيره، أو قيل: لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن دونه (5) ؟، أو قيل: أفضل الخلق لا يستغاث به، ونحو ذلك من/ العبارات التي يفهم منها (6) عموم النفي (7) ؛ وأنه (8) ذكر الأفضل تحقيقاً (9) للعموم: كان هذا من أحسن الكلام، كما تقدم.

كما إذا قيل: لا يسجد لقبر؛ ولا يتمسح به ولا يقبل؛ ولا يتخذ وثناً يعبد ونحو ذلك.

وكذلك لو كان الخطاب ابتداء في سياق التوحيد، ونفى خصائص الرب

(1) أخرجه البخاري في "الوصايا" باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب

(ح/2753) ، وأيضاً في "المناثب" باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية

(ح/3527) ، وأيضاً في "التفسير" باب {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} (ح/4771)، ومسلم في "الإيمان" باب قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} (ح/206) من حديث أبي هريرة. مرفوعاً.

(2)

في "م": "وح"، وسقطت من "ش":"وحينئذ".

(3)

في "م" و"ش": "سائل".

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(5)

في (الأصل) : "دونهم"، والمثبت من "م" و"ش" و"الرد على البكري".

(6)

سقطت من "م" و"ش": "منها".

(7)

في هامش (الأصل) : "النفي" وفوقها حرف –خاء-.

(8)

في "ش": "وأن ذكر".

(9)

في "م" و"ش": "تحقيق".

ص: 283

عن العبد، وقيل: ما لا يقدر عليه إلا الله (1) لا يطلب إلا منه، لا من نبي ولا غيره، وقيل: ما لا يستغاث فيها إلا بالله، لا يستغاث فيه بنبي ولا غيره: كان حسناً.

فالاستغاثة المنفية نوعان: أحدهما: الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق.

وليس لأحد أن يسأل غير الله ما لا يقدر (2) عليه إلا الله لا نبي ولا غيره، وليس لأحد أن يسأل غير الله أو يستغيث به في شيء من الأشياء، سواء كان نبياً أو غيره، وإذا كان كذلك، فكثير مما وقع هو من هذا الباب. وأما قوله: فمن خص الرسول والملائكة بنفي خاص، يفهم منه طرح رتبهم، وعدم صلاحيتهم للأسباب [فقد نقصهم بعبارته](3) .

فيقال له: قولك: "خصهم بنفي خاص يفهم منه طرح رتبتهم وعدم صلاحيتهم للأسباب"لفظ مجمل، أتريد صلاحيتهم للأسباب التي أثبتها الله لهم، مثل عدم صلاحية الملائكة للنزول بالوحي والعذاب، وعدم صلاحية الرسول لتبليغ (4) رسالات الله، ونحو ذلك، مما أثبته الله لهم، أو عدم صلاحيتهم لما اختص الرب (5) تبارك وتعالى به، مثل أن يطلب منهم الأمور التي لا يقدر عليها غيره، وعدم صلاحيتهم لكونهم يُسألون ويُدعون بعد

(1) في "م" و"ش": "إلا بالله".

(2)

في "ش" ك "فيما لا يقدر".

(3)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(4)

في "ش": "تبليغ"، وفي "ش":"تبليغ".

(5)

في (الأصل) : "بالرب"، والمثبت من "م" و"ش" و"الرد على البكري".

ص: 284

موتهم، أو يطلب منه كل ما يطلب من الله؟ فإن عنيت الأول (1) فقائله أعظم جرماً [من] (2) أن يقال: تنقصهم بعبارته (3) ، إذ قد يكون كافراً؛ مثل أن يتضمن نفيه مثل جحد رسالة الرسول، أو جحد ما يدخل في الإيمان، من الإيمان بالملائكة، ولكن ما نحن فيه ليس من هذا الباب.

وإن أردت الثاني، فليس في نفي خصائص الربوبية عن المخلوق نقص له يجيب تنزيهه عنه، فضلاً عن أن يجب نفيه [عنه] (4) فمن قال: لا إله إلا الله، لم يكن قد تنقص (5) الملائكة والأنبياء بنفي الإلهية عنهم، ومن قال: إن

الأنبياء والملائكة ليسوا أرباباً ولا آلهةً، ولا يُعبدون ولا يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، كان قد نفى عنهم ما يختص به الرب تبارك وتعالى [ولم ينف عنهم الأسباب](6) .

قلت (7) : وهذا النفي هو الذي خلقوا له، وهو دينهم الذي كانوا عليه وهو الذي يرضيهم من أتباعهم، وهو كمال في حقهم كما قال تعالى:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّه} (8)

(1) في "م" و"ش": "الأولى".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(3)

في "ش": "بعباته".

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش" و"الرد على البكري".

(5)

في "م" و"ش": "نقص".

(6)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(7)

القائل هو الشيخ عبد الرحمن بن حسن.

(8)

سورة آل عمران، الآية:79.

ص: 285

الآية ونظائرها (1) .

[قال شيخ الإسلام](2) : وإنما (3) يكون نافياً للأسباب إذا قال: لا شفاعة لهم، أو قال: إنه لا يتوسل/ إلى الله بالإيمان بهم ومحبتهم وطاعتهم، ولا يتوسل إليه بدعائهم (4) ، فهذا باطل، بل كفر.

وأما من قال: إنه لا يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، أو قال:[إنه](5) لا يسأل بعد موته كما كان يسأل في حياته، فهذا قد أصاب، ومن قال: إنه لا يقسم على الله بمخلوق، ولا يتوسل [بميت، ولا يسأل](6) بذات مخلوق، فإن الصحابة إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، ولما مات لم يتوسلوا بذاته، إذ لم ينقل عن أحد من السلف أنه توسل إلى الله بميت في دعائه، ولا أقسم على الله به (7) .

قال أبو حنيفة وأبو يوسف وغيرهما: أنه لا يجوز أن يقال: أسألك بحق الأنبياء.

وكذلك قال أبو محمد بن عبد السلام: إنه لا يقسم عليه بحق الأنبياء، وتوقف في نبينا لظنه أن في ذلك خبراً يخصه (8) ، وليس كذلك.

(1) سقطت من"م": "الآية"، ومن "ش":"ونظائرها".

(2)

ما بين المعقوفتين من إضافتي؛ لأن ما بعدها إنما هو من كلام شيخ الإسلام ابن

تيمية، وليس من كلام شيخ الإسلام عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله.

(3)

سقطت من"م" و"ش": "إنما".

(4)

في جميع النسخ: "بدعائه"، والمثبت من "الرد على البكري".

(5)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"الرد على البكري".

(6)

ما بين المعقوفتين إضافة من "م" و"ش"و"الرد على البكري".

(7)

في "الرد على البكري": "ولا أقسم به عليه".

(8)

في "ش": "خبر تخصيصه".

ص: 286

وقد تنازع العلماء في القسم به (1)، هل تنعقد به اليمين؟ على قولين: أشهرهما: أنه لا تنعقد (2) به، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب أحمد. والثاني: تنعقد اليمين به، وهي الرواية الأخرى عن أحمد، اختارها طائفة من أصحابه.

والصواب، ما عليه الجمهور من أنه لا تنعقد اليمين (3) بمخلوق لا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره. ولكن لم يسم أحد من الأمم هذا استغاثة، فإن الاستغاثة [به](4) طلب منه لا طلب به، وهذا اعتقد جواز هذا بالإجماع (5) ، وسماه استغاثة، فلزم جواز الاستغاثة به بعد موته بالإجماع، فجوز أن يتوسل به في كل شيء. ثم إنه لم يجعل هذا وحده معنى الاستغاثة، بل جعل الاستغاثة الطلب منه أيضاً فكان لا يميز بين هذا المعنى وهذا المعنى، بل يجوز عنده أن يستغاث به في كل ما يستغاث الله (6) فيه، على معنى أنه وسيلة من وسائل الله في طلب الغوث، وهذا ثابت عنده للصالحين، ولو كان هذا حقاً لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل"(7)

(1) في هامش (الأصل) : "مسألة فقهية".

(2)

في "الرد على البكري": "لا تنعقد اليمين..".

(3)

في (الأصل) : "لا تنعقد به اليمين بمخلوق"، والمثبت من"م" و"ش" و"الرد على البكري".

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(5)

في "م" و"ش": "الإجماع".

(6)

في "ش": "بالله فيه".

(7)

تقديم تخريجه.

ص: 287

فدخل عليه الخطأ من وجوه: منها: أنه جعل المتوسل (1) به بعد موته بالدعاء مستغيثاً، وهذا لا يعرف في لغة أحد من الأمم، [لا](2) حقيقة ولا مجازاً، مع دعواه الإجماع على ذلك، فالمستغاث (3) به هو المسئول المطلوب منه، [لا](4) المسئول به.

والثاني: ظنه أن توسل الصحابة به (5) في حياته كان توسلاً بذاته، لا بدعائه وشفاعته، فيكون التوسل به بعد موته كذلك، وهذا غلط (6) .

الثالث: أنه أدرج سؤاله أيضاً في الاستغاثة به، وهذا صحيح جائز في حياته، وقد سوى في ذلك بين محياه ومماته، فأخطأ في التسوية بين المحيا والممات، وهذا ما علمته ينقل عن أحد من العلماء (7) ، لكنه موجود في كلام بعض الناس، مثل الشيخ يحيى الصرصري في شعره قطعة منه، ومحمد بن النعمان كان له كتاب "المستغيثين بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام".

/وهؤلاء ليسوا من أهل العلم العالمين بمدارك الأحكام، الذين يؤخذ بقولهم في شرائع الإسلام، ومعرفة الحلال والحرام، وليس معهم (8) دليل شرعي

(1) في "ش": "التوسل".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(3)

في "م" و"ش": "فإن المستغاث..".

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(5)

سقطت من"م" و"ش": "فيه".

(6)

في "م" و"ش" و"الرد على البكري" زيادة: "لكنه يوافقه عليه طائفة من الناس

بخلاف الأول فإني ما علمت أحداً وافقه عليه".

(7)

في "ش": "العلم".

(8)

في "ش": "لهم".

ص: 288

ولا نقل عن إمام (1) مرضي؛ بل عادة (2) جروا عليها، كما جرت عادة (3) كثير (4) من الناس أن يستغيث بشيخه في الشدائد ويدعوه، وهؤلاء ليس لهم مستند شرعي من كتاب أوسنة، أو قول من الصحابة والأئمة، وليس عندهم إلا قول طائفة من الشيوخ: إذا كانت لكم حاجة فاستغيثوا بي، وتعالوا إلى قبري، ونحو ذلك مما فيه تصويب (5) لأصحابه بالاستغاثة به حياً وميتاً، وإن كان له نوع من العلم والعبادة.

فليس معهم بذلك حديث يروى، ولا نقل عن صحابي (6) ولا تابعي، ولا قول عن إمام مرضي؛ ولهذا لما نُبه من نبه من فضلائهم تنبهوا، وعلموا أن ما هم عليه ليس من دين الإسلام، بل هو مشابهة لعباد الأصنام.

لكن هؤلاء كلهم ليس فيهم من يعُدّ (7) نفي هذا، والنهي عنه، كفر إلا

مثل هذا الأحمق الضال الذي حاق به وبيل النكال، فإنه من غلاة أهل البدع الذين يبتدعون القول، ويكفرون من خالفهم فيه، كالخوارج، والروافض، والجهمية، فإن هذا القول الذي قاله لم يوافقه عليه أحد من المسلمين الأولين والآخرين (8) ، وما علمت عالماً نازع في أن الاستغاثة بالنبي (9) وغيره من

(1) في "م" و"ش": "عالم".

(2)

في "م": "بل عبادة".

(3)

سقطت من "م" و"ش": "عادة".

(4)

في "ش": "لكثير".

(5)

في (المطبوعة) : "تضليل"، وهو تحريف.

(6)

في "م" و"ش": "صاحب".

(7)

في (المطبوعة) : "بعد"، وهو تحريف.

(8)

في "م" و"ش": "لا الأولين ولا الآخرين".

(9)

في "م" و"ش" زيادة: "صلى الله عليه وسلم".

ص: 289

المخلوقين لا تجوز.

وهذه الطريقة التي سلكها هذا وأمثاله هي طريقة أهل البدع، الذين يجمعون بين الجهل والظلم، فيبتدعون (1) بدعة مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم (2) ، كالحلولية، والمعطلة في الذات والصفات، يكَفَّر كثير منهم من خالفهم، والذين يقولون ليس كلامه إلا معنى واحداً قائماً بذاته: ومعنى التوراة والإنجيل واحد، والقرآن العزيز ليس هو كلامه؛ بل كلام جبريل وغيره، فمنهم من يكفر من خالفه، ونظائر هذا متعددة.

وأما أئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي (3) يكونون به موافقين للسنة، / سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم، كما قال تعالى:{كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (4) ويرحمون الخلق، ويريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداء بل إذا (5) عاقبوهم، وبينوا خطأهم، وجلهم، وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف

(1) في (المطبوعة) : "فيتبعون" وهو تحريف.

(2)

في "م" و"ش": "بدعهم".

(3)

في "م" و"ش": "الذين".

(4)

سورة المائدة، الآية:8.

وفي "ش": ذكرت أول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..} وفي "م": ذكرت أول،

الآية: في الهامش، ولم يكتب الناسخ بجانبها علامة (صح) .

(5)

سقطت من"م" و"ش": "إذا".

ص: 290

والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين (1) كله لله، وأن تكون (2) كلمة الله هي العليا.

وقوله: إن الاستغاثة به بعد موته ثابتة ثبوتها في حياته؛ لأنه عند الله في مزيد دائم لا ينقص جاهه. فيقال (3) : إذا كان معنى الاستغاثة هو الطلب منه، فما الدليل [على](4) أن الطلب منه شيئاً كالطلب منه حياً؟ وعُلُوُّ درجته بعد الموت لا يقتضي أن يسأل، كما لا يقتضي أن يستفتى، ولا يمكن أحداً أن يذكر دليلاً شرعياً على أن سؤال الموتى من الأنبياء والصالحين وغيرهم مشروع (5) ، بل الأدلة الدالة على تحريم ذلك كثيرة، كما لا يجوز دعاء الملائكة وإن [كان](6) الله وكّلهم بأعمال يعملونها؛ لما في ذلك من الشرك.

وهو يحتج بحديث الأعمى الذي قال: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد (7) نبي الرحمة".

وهذا الحديث لا حجة فيه لوجهين:

أحدهما: أنه ليس هو استغاثة به (8) بل توجه به.

(1) سقطت من"م": "الدين".

(2)

في "م": "وأن يكون".

(3)

في "ش": بياض بمقدار كلمة (في المصورة التي لدي) .

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "ش".

(5)

في جميع النسخ: "مشروعاً"، ولعل الصواب ما أثبته.

(6)

ما بين المعقوفتين من: "الرد على البكري".

(7)

سقطت من "م" و"ش": "محمد"، والحديث سبق تخريجه.

(8)

سقطت من "م" و"ش": "به".

ص: 291

والثاني: أنه (1) إنما توجه بدعائه وشفاعته، فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقال في آخره "اللهم فشفعه في"فعلم أنه يشفع (2) له، فتوسل بشفاعته لا بذاته، كما كان الصحابة يتوسلون بدعائه في الاستسقاء، وكما توسلوا بدعاء العباس بعد مماته.

وهذا المحتج به بنى حجته على مقدمتين فاسدتين: على أنهم توسلوا (3) بذاته، وأن ذلك يسمى استغاثة به (4) ، فلزم من ذلك (5) جواز ذلك بعد موته، وفساد إحدى المقدمتين يبطل كلامه (6) ، فكيف إذا بطلتا؟ وما ذكره من توسل آدم وحكاية المنصور، /فجوابها من وجهين:

أحدهما: أن هذا لا أصل له، ولا تقوم به حجة، ولا إسناد لذلك.

والثاني: أنه (7) لو دل لدل (8) على التوسل بذاته، لا على الاستغاثة به.

وأما فتح الكوة لينزل المطر، فهذا (9) أيضاً باطل، كما تقدم التنبيه عليه، ومع هذا فليس من هذا، وكذلك استسقاؤهم بدعائه ليس من هذا الباب.

وأما اشتكاء البعير إليه، فهذا كاشتكاء الآدمي إليه (10) ، وما زال الناس

(1) سقطت من "ش": "إنه".

(2)

في (الأصل) : "شفع.."، والمثبت من:"م" و"ش".

(3)

هكذا في جميع النسخ، وفي "الرد على البكري":"توجهوا".

(4)

سقطت من "م" و"ش": "من ذلك".

(5)

سقطت من "م"و"ش": "من ذلك".

(6)

في "م" و"ش": "كلا".

(7)

سقطت من "ش": "الثاني أنه..".

(8)

سقطت من "ش": "لدل".

(9)

في "م" و"ش": "فهو".

(10)

سقطت من "م" و"ش": "إليه".

ص: 292

يستغيثون به في حياته كما يستغيثون به يوم القيامة، وقد قلنا أنه إذا طلب منه ما يليق بمنصبه فهذا لا نزاع فيه، والطلب منه في حياته والاستغاثة به في حياته فيما يقدر عليه لم يُنازع فيه، فما ذكره لا يدل على مورد (1) النزاع.

وأما قوله: ولم يجعل الله لأحد تنقيص الرسل، وأجمع السلف والخلف على وجوب (2) تعظيمهم في الاعتقاد والأقوال (3) والأفعال.

فيقال: هذا حق لكنه كما قال علي بن أبي طالب [رضي الله عنه](4) :

(كلمة حق أريد بها باطل)(5) .

وهو أن من سألهم ما لا يقدرون عليه أحياء وأمواتاً، فقد آذاهم واعتدى عليهم، فهو مستحق للعقوبة التي يستحقها مثله، بل من سألهم ما لا يريدون فعله حتى فعلوا (6) ما يكرهونه فهو مستحق للذم والمقت.

ومن ابتدع في دينهم ما لم يأذن به الله وما يخالف ما جاءوا به، لزم أن يكون دينهم ناقصاً، وأنهم أتوا بالباطل، وهذا مناقض بلا ريب لما يجب من الإيمان بهم وتعزيرهم وتوقيرهم، ومن خالف ما جاءوا به من توحيد الله، وإفراده بالدعاء، فهو من أعظم المخالفين لهم اعتقاداً وقولاً وعملاً.

فإن أعظم ما دعوا إليه التوحيد، فالمخالف له (7) من أعظم الناس مخالفة

(1) في "ش": "موارد".

(2)

سقطت من (المطبوعة) : "وجوب".

(3)

في (الأصل) و"م": "في الأقوال"، والمثبت من:"ش".

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "ش".

(5)

أخرجه مسلم في الزكاة باب التحريض على قتل الخوارج (2/749) .

(6)

في (المطبوعة) : "فعلوا"، وهو تحريف.

(7)

في (الأصل) : "لهم"، والمثبت من:"م" و"ش".

ص: 293

لهم، وقد بينا "بالصارم (1) المسلول"أن التوحيد والإيمان بالرسل متلازما، وكل أمة لا تصدق الرسل فلا تكون إلا مشركة، وكل مشرك فإنه مكذب للرسل، فمن دخل فيه نوع من الشرك الذي نهت عنه الرسل فإنه مناقض لهم، مخالف لموجب رسالاتهم (2) .

وإن (3) كان كذلك فما قال هذا المفتري وأمثاله هو بدعة لم تشرعها الرسل، لو لم يرد ما يتضمن (4) النهي عنها، فكيف إذا علم أنه نهى عنها؟

أما/ المقام الأول: فإنه لا يمكن أحداً أن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته أن يستغيثوا بميت ولا غيره، لا في (5) جلب منفعة، ولا دفع مضرة (6) ، لا بهذا (7) اللفظ ولا بمعناه، فلا شرع لهم أن يدعوا ميتاً ولا يسألوه، ولا يدعو به (8) ، ولاأن (9) يستجيروا به ولا يدعوه؛ لا رغبة ولا رهبة (10)، ولا يقول أحد لميت: أنا في حسبك، أو أنا في جوارك، أو أنا أريد أن تفعل كذا وكذا، ولا أن يخطو إلى قبر ميت خطوات، وأن يتوجه إلى جهة قبره ويسأله، كما يفعل كثير من (11)

(1) في "م" و"ش": "في الصارم..".

(2)

في "ش": "وسالتهم".

(3)

في "م" و"ش": "وإذا".

(4)

في "ش": "ما يناقض".

(5)

سقطت من "ش": "لا". من "لا في".

(6)

سقطت من "م" و"ش": "مضرة".

(7)

سقطت من "ش": "لا" من "لا بهذا".

(8)

في "م" و"ش": "ولا يدعوه".

(9)

سقطت من "ش": "أن".

(10)

في "م" و"ش": "لا رهبة ولا رغبة".

(11)

في (الأصل) : "كما يفعل كثير مع النصارى"، والمثبت من:"م"و"ش".

ص: 294

النصارى وأشباه النصارى، من ضلال (1) هذه الأمة، بكثير من شيوخهم وغير شيوخهم، ولا يشرع لأحد أن يقول لميت: سل لي الله أو ادع لي، ولا يشرع لهم أن يشكوا إلى ميت، فيقول أحدهم مشتكياً إليه: عليَّ دين، أو آذاني فلان، أو (2) قد نزل بي العدو، أو أنا مريض، أو أنا خائف ونحو ذلك من الشكاوي؛ سواء كان هذا السائل عند قبر الميت، أو كان بعيداً منه، وسواء كان الميت نبياً أو غيره، بل ولا يشرع لأمته إذا كان لأحد (3) حاجة أن يقصد قبر نبي أو صالح فيدعو لنفسه، ظاناً أن الدعاء عند قبره يجاب، ولا يشرع (4) لأمته أن يتوسلوا إلى الله بذات نبي أصلاً، بل ولا بذات حي، إلا أن يكون مما أمر الله به من الإيمان به وطاعته أو بدعاء المتوسِّلِ وشفاعته، فأما إذا (5) لم يكن المتوسل يتوسل بما أمر الله به، ولا بدعاء الداعي له، فليس هناك وسيلة شرعها الله ورسوله، فإذا كان النبي (6) والرجل الصالح له (7) عند الله من الجاه، والقدر، والحرمة، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهذا لا ينتفع المتوسل به إلا بأحد وجهين:

إما أن يتوسل المتوسل بما أمر الله به من الإيمان به، ومحبته (8) ، وطاعته، وموالاته، والصلاة عليه والسلام، ونحو ذلك: فهذه هي الوسيلة التي أمر الله

(1) سقطت من "م" و"ش": "ضلال".

(2)

في (الأصل) : "وقد.."، والمثبت من:"م"و "ش".

(3)

في "م" و"ش": "لأحدهم".

(4)

في "م" و"ش": "ولا شرع".

(5)

في (الأصل) : "إذ لم"، والمثبت من "م" و"ش".

(6)

في "م" و"ش"زيادة: "له كذا".

(7)

في "م" و"ش": "لهم..".

(8)

في "م" و"ش": "في محبته".

ص: 295

بها في قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (1) فالوسيلة تجمعها طاعة الرسول، فكل وسيلة طاعة، وكل طاعة للرسول وسيلة:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2) ، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ/ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (3) .

والوجه الثاني: أن يدعو له الرسول، فهذه أيضاً مما يتوسل به إلى الله تعالى فإن دعاءه وشفاعته (4) عند الله من أعظم الوسائل.

فأما إذا لم يتوسل العبد بفعل واجب أو مستحب، ولا الرسول دعا له، فليس في عظم قدر الرسول ما ينفعه، ولكن بعض الناس الذين دخلوا في دين الصابئين والمشركين ظنوا أن شفاعة الرسول لأمته لا يحتاج إلى دعاء منه، بل الرحمة التي تفيض على الرسول تفيض على المُسْتَشِفعِ، من غير شعور من الرسول، ولا دعاء منه، ومثلوا ذلك بانعكاس شعاع الشمس إذا (5 وقع على جسم صقيل ثم انعكس على غيره فإن5)(5) الشمس إذا وضعت على ماء، أو مرآة، وانعكس شعاعها على حائط أو غيره، حصل النور في الموضع الثاني بواسطة الشعاع المنعكس على المرآة. قالوا: فهكذا (6) : الرحمة تفيض على النفوس الفاضلة، كنفوس الأنبياء والصالحين، ثم تفيض بتوسطهم على

(1) سورة المائدة، الآية:35.

(2)

سورة النساء، الآية:80.

(3)

سورة النساء، الآية:69.

(4)

في "م" و"ش": "شفاعة".

(5)

ما بين القوسين سقط من: (المطبوعة) .

(6)

في (الأصل) و"ش": "فهذه.."، وفي "م":"فهذا.."، والمثبت من:"الرد على البكري".

ص: 296

نفوس المتعلقين بهم، وكما أن انعكاس الشعاع يحتاج إلى المحاذاة، فكذلك الفيض لابد فيه من وتوجه الإنسان إلى النفوس الفاضلة.

وجعل هؤلاء الفائدة في زيارة القبور من هذا الوجه، وقالو: إن (1) الأرواح المفارقة تجتمع هي والأرواح الزائرة فيقوى تأثيرهما (2) .

وهذه المعاني ذكرها طائفة من الفلاسفة ومن أخذ عنهم، كابن سينا وأبي حامد وغيرهم.

وهذه الأحوال هي من أصول الشرك وعبادة الأصنام، وهي من [المقاييس الفاسدة] (3) وهي من أقوال من قال: إن الدعاء إنما تأثيره بكون النفس تتصرف في العالم (4) ، لا بكون الله هو يجيب الداعي، وهي مبنية على أن الله ليس بفاعل مختار؛ يحدث الحوادث بمشيئته واختياره.

وقول هذا المفتري وأمثاله يجر (5) إلى مثل هذا، لكنهم لا يعرفون أصل قولهم ولوازمه، إتباع لشيوخ لهم (6) نوع من علم ودين، وليس لهم خبرة بما جاء به الرسول.

وعندهم تعظيم الأنبياء والصالحين من جنس تعظيم النصارى والمشركين، يعظمونهم تعظيم ربوبية، من جهة ما يرجونه في حصول

(1) سقطت من (المطبوعة) : "إن".

(2)

في "م" و"ش": "تأثيرها".

(3)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(4)

في (الأصل) و "م": "العلم"، والمثبت من:"الرد على البكري"، وفي "ش":

بياض بمقدار كلمة (في المصورة التي لدي) .

(5)

في "ش": بياض بمقدار كلمة.

(6)

في "م" و"ش": "اتباع لشيوخ لهم..".

ص: 297

مطالبهم، لا يعظمونهم/ لكونهم رسل الله الذين أمرَ (1) بطاعتهم، فيجب أن يطاعوا فيما أمروا به، (3 وأن يقتدي بهم فيما يشرع التأسي فيه بهم، بل هم (2) يعرضون عن بعض طاعتهم، والتأسي بهم3) (3) ، ويقبلون على نوع من دعائهم، وسؤالهم والإشراك بهم، وهؤلاء بالنصارى أشبه منهم بالصابئة (4) الفلاسفة، لكن الجميع فيهم شرك.

وهذا الضال وأمثاله يجعلون الأنبياء والصالحين من جنس الذين يظنون أن النفع والضر يحصل لهم بتوسطهم، كما يجعل الشعاع والحرارة بتوسط الشمس.

ونحن نقول: إن كل ما شرعه الله ورسوله فهو من أعظم الوسائل إلى الله، لكن دعاؤهم بعد الموت لم يشرعه الله ورسوله، فليس من الوسائل، كذلك سؤال أحدهم ما لا يقدر عليه إلا الله، وأن لا يعبد إلا بما شرع، وما ذكره هؤلاء يتضمن عبادة غير الله.

المقام الثاني: أن يقال هذا مما نهت عنه الرسل، فقد ثبت في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد وقال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا"(5)، وقال:"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها"(6) .

(1) في "م" و"ش": "أمدوا ".

(2)

سقطت من (المطبوعة) : "هم".

(3)

ما بين القوسين سقط من: "ش".

(4)

في جميع النسخ: "بهم من الصابئة.."، والمثبت من:"الرد على البكري".

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

أخرجه مسلم في الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبور..:(ح/972) .

ص: 298

فلو كان الدعاء عند القبور أجوب منه في غير تلك البقعة؛ لكان قصدها للدعاء (1) عندها مشروعاً لم ينه أن يتخذ مسجداً، فإن اتخاذ القبور مساجد يدخل فيه الصلاة وغيرها، ويدخل فيه بناء المساجد [عليها](2) ، وكلاهما منهي عنه، بل محرم كما صرح به غير واحد من العلماء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك تحذيراً، وهذا يقتضي توكيد التحريم، فإن الدعاء في الصلاة أجوب منه في غيرها، كالدعاء في دبرها، / كما جاءت به السنة في الأدعية الشرعية فإنها مشروعة في آخر الصلاة، كذلك الدعاء عقب الصلاة، وأفضل الدعاء دعاء (3) يوم عرفة، وإنما يكون بعد صلاة الظهر والعصر، والوقوف بمزدلفة ودعاؤها بعد صلاة الفجر، والطواف يجري مجري الصلاة، ولهذا يستحب الدعاء في آخره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ [النَّارِ] } (4) ، والطواف

(1) في "م" و"ش": "لكان قصد الدعاء..".

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(3)

سقطت من "ش": "دعاء".

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

والحديث أخرجه أبو داود في "المناسك"باب الدعاء في الطواف (4/1892)، والنسائي في "الكبرى"كتاب الحج:(4/3934)، والإمام أحمد في "مسنده":(3/411)، وابن أبي شيبة في "مصنفه":(4/108) ، (10/368، وعبد الرزاق في "المصنف": (5/50)، والبغوي:(ح/1915) ، من حديث عبد الله بن السائب مرفوعاً.

وصححه ابن خزيمة (ح/2721) ، وابن حبان (ح/3815)، والحاكم (1/455) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 299

تحية المسجد الحرام (1) ، وأما منى فعبادتها رمي الجمار، ولهذا يرجمونها يوم النحر ثم ينحرون، فليس بمنى (2) صلاة عيد، بل رمي جمرة العقبة لهم كصلاة العيد لغيرهم، وسائر الجمرات ترمى بعد الزوال، قبل صلاة الظهر، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله"(3) فلما كان هذا (4) من شعائر الصلاة والطواف كان كالدعاء عندها مشروعاً؛ كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم: "كان يدعو بين الجمرتين بقدر (5) سورة البقرة"(6) .

(1) في جميع النسخ زيادة: "ثم ينحرفون كما يصلون" والمثبت من "الرد على البكري".

(2)

في "م": "بمعنى".

(3)

أخرجه أبو داود في "المناسك" باب الرمل (ح/1888) ، والترمذي في "الحج" باب ما جاء كيف ترمي الجمار (ح/902)، والإمام أحمد في "مسنده":(6/64و 75و 139) ، وابن خزيمة (4/279و 317) ، والحاكم (1/459) ، والبيهقي (5/145) كلهم من طريق عبيد الله بن زياد عن القاسم عن عائشة مرفوعاً.

قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"ووافقه الذهبي.

(4)

سقطت من (المطبوعة) : "هذا".

(5)

في "م": بعد، و"ش": بياض بمقدار كلمة (في المصورة التي لدي) .

(6)

لم أقف على هذا الحديث في الصحيحين أو أحدهما، أو المصادر الحديثية الأصلية، والذي عند البخاري في الحج باب الدعاء عند الجمرتين (ح/1753) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

يكبر كلما رمى بحصاة ثم تقدم أماها فوقف مستقبل القبلة، رافعاً يديه يدعو، وكان يطيل الوقوف

"، لكن هناك أثر عن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة، ولفظه: "كان ابن عمر يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة"، وقد ذكر ابن حجر في "الفتح": (3/683) أن أثر ابن عمر هذا مفسر لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "

وعلى استقبال القبلة بعد الرمي والقيام طويلاً، وقد وقع تفسيره فيما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.."وذكره. والله أعلم.

ص: 300

ففي الجملة: أحق البقاع بذكر الله فيها المساجد التي يصلى فيها، والمشاعر التي [شرع الله](1) فيها الذكر، وأمر أن يكون الدين خالصاً له، كما قال تعالى (2) :{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَه} (3) فإذا كانت (4) الصلاة والذكر لله وحده لم يكن ذلك مشروعاً عند قبر، كما لا يذبح للميت ولا عند قبره، بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن (5) العقر (6) ، وكره العلماء الأكل من تلك الذبيحة، فإنها شبه ما ذبح لغير الله.

فلو كانت مقابر الأنبياء والصالحين مما يستحب الدعاء عندها، لكانت إما من المساجد، وإما من المشاعر [التي](7) يحج إليها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا وهذا، بل لعن الذين يتخذون القبور مساجد، وقال في الحديث الذي

(1) ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(2)

سقطت "تعالى"من: "م".

(3)

سورة الأنعام، الآيات: 161-163.

(4)

في جميع النسخ "كان"، والمثبت من:"الرد على البكري"ولعله الأولى.

(5)

في "م" و"ش": "عند".

(6)

أخرجه أبو داود في الجنائز باب كراهة الذبح عند القبر (ح/3222) ، وأحمد (3/197)، وعبد الرزاق في "مصنفه":(ح/6690)، والبيهقي في "الكبرى":(4/57)، و (9/314) من طريق ثابت عن أنس مرفوعاً:"لا عقر في الإسلام".وسنده صحيح.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية": (7/118)، والقضاعي في "مسند الشهاب":(2/40) كلاهما من طريق سفيان عن أبان عن أنس مرفوعاً. وسنده –من هذا الطريق –ضعيف جداً لأن فيه أبان وهو ابن أبي عياش العبدي وهو متروك.

تنبيه: وقع في "مسند الشهاب""لا عقد.." وهو تحريف. (7) ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

ص: 301

رواه أبو داود وغيره: "لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا علي حيث كنتم (1) ، فإن صلاتكم/ تبلغني"(2) فنهى أن نتخذ (3) قبره عيداً، والعيد اسم للوقت والمكان (4) الذي يعتاد الاجتماع (5) فيه.

وقد ثبت عن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه](6) أنه: "رأى رجالاً ينتابون مكاناً يصلون فيه فقال (7) : ما هذا؟ قالوا مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه (8) فليصل وإلا فليمض"(9) فقد نهاهم عن اتخاذ آثار أنبيائهم مساجد (10) .

وأما نقل عن ابن (11) عمر أنه كان يتحرى النزول في مكان النبي صلى الله عليه وسلم (12) ،

(1) في "م" و"ش": جعلت جملة "حيث كنتم" في آخر الحديث.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

في "م" و"ش": "أن يتخذ".

(4)

في "ش": "للزمان".

(5)

في (المطبوعة) : "المجيء.."، وهو تحريف.

(6)

ما بين المعقوفتين إضافة من:× "ش".

(7)

في جميع النسخ: "قال"، والمثبت من "الرد على البكري"ولعله أولى.

(8)

سقطت من "ش": "فيه".

(9)

أخرجه سعيد بن منصور كما في "الاقتضاء": ص 774، وابن أبي شيبة: (2/376

و377) ، وعبد الرزاق:(1/118، 119)، وابن وضاح في "البدع":(ص 41، 42) ، بسند صحيح.

(10)

في هامش "م": "قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية:

ولقد نهانا أن نصير قبره

عيداً حذار الشرك بالرحمان

فأحيا رب العالمين دعائه

وأحاطه بثلاثة الجدران

(11)

سقطت من"م": "أين".

(12)

في "الرد على البكري"زيادة: "والصلاة في مصلاه".

ص: 302

فهذا أمر انفرد به ابن عمر –رضي الله عنه (1) ، والخلفاء الراشدون (2) من الأكابر والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يكونوا يفعلون ذلك، وهم أفضل من ابن عمر وأعظم اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا مستحباً لفعله هؤلاء.

وأيضاً فلما فتح المسلمون تستر وجدوا فيه قبر (3) دانيال، وكان أهل البلد يستسقون به، فكتب في ذلك أبو موسى إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه:

"أن احفر بالنهار ثلاثة عشر قبراً وادفنه بالليل في واحد منهما؛ لئلا يفتن (4) به الناس فيستسقون به"(5) .

فهذه كانت سنة الصحابة رضوان الله عليهم.

ولهذا لم يكن في زمن الصحابة والتابعين لهم بإحسان (6) ، على وجه الأرض في ديار الإسلام مسجد (7) على قبر؛ ولا مشهد يزار، لا في الحجاز، ولا في اليمن، ولا الشام، ولا مصر، والعراق، ولا خراسان.

وقد ذكر مالك –رحمه الله (8) – أن وقوف الناس للدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعة لم يفعلها الصحابة والتابعون، وقال:"لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها".

(1) في "ش": "رضي الله عنهما".

(2)

في "ش": "الراشدين".

(3)

في هامش (الأصل) : "قوله: قبره، قال شيخنا: المراد به الموضع الذي هو فيه، ليس هو القبر المعهود، وإلا هو كما ورد وجد على سرير ببيت الهرمزان".

(4)

في "م" و"ش": "يغتر"، وكذا في هامش (الأصل) ، وكتب فوقها حرف (خ) .

(5)

سبق تخريجه.

(6)

في جميع النسخ زيادة: "مسجد"، ومقتضى السياق حذفها ليستقيم الكلام.

(7)

في جميع النسخ زيادة: "لم يذكر أن أحداً"، والمثبت من:"الرد على البكري".

(8)

في "م" و"ش" زيادة: "تعالى".

ص: 303

وأما دعاء الميت، وسؤاله بلفظ الاستغاثة وغيرها، فهذا مما نهى عنه

القرآن، قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} (1) .

وفي/ التفسير الصحيح عن مجاهد {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} قال: "عيسى ابن مريم وعزير والملائكة"(2) .

وكذلك عن إبراهيم قال: كان ابن عباس يقول في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} "هو عزير والمسيح والشمس والقمر".

وكذلك رواه شعبة عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:

"عيسى وأمه والعزير في هذه الآية"{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} .

وروى قتادة عن عبد الله بن معبد الزماني عن ابن (3) مسعود قال: "كان قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة يقال لهم الجن يقولون: هم بنات الله، فأنزل الله تبارك وتعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} .

وفي رواية الزماني عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله قال: "نزلت

(1) سورة الإسراء، الآيتان: 56و 57.

(2)

انظر هذه الآثار في "تفسير ابن جرير": (15/106)، و"تفسير ابن كثير":(3/50 و51) .

(3)

سقطت "ابن" من: "ش".

ص: 304

في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فاسلم الجنيون (1) ، والأنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم، فنزلت:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} .

وكذلك قال ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال (2) : الذين يدعون الملائكة تبتغي إلى ربها الوسيلة أيهم أقرب، ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً. قال: "وهؤلاء (3) الذين عبدوا الملائكة من

المشركين".

وكذلك ذكر (4) العوفي في تفسيره عن ابن عباس قال: "يقولون: نعبد الملائكة والمسيح وعزيراً".

وثبت أيضاً في الصحيح للبخاري (5) عن ابن مسعود قال: "كان ناس يعبدون قوماً من الجن. فأسلم الجن، وبقي الأنس على كفرهم، فأنزل الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يعني الجن" وهذا

معروف عن ابن مسعود من غير وجه.

وهذه الأقوال كلها حق، فإن الآية تعم كل من كان معبوده عابداً لله؛ سواء كان من الملائكة، أو من (6) الجن، أو [من](7) البشر.

(1) في "م" و"ش": "الجن".

(2)

سقطت "قال"من: (المطبوعة) .

(3)

في "م" و"ش": "هؤلاء".

(4)

سقطت "ذكر"من: "ش".

(5)

انظر كتاب التفسير "مع الفتح": (8/250) .

(6)

في "م" و"ش": "ومن الجن ومن البشر".

(7)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش" و"الرد على البكري".

ص: 305

والسلف –رض الله عنهم- في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل، كما/ يقول الترجمان لمن سأله عن الخبز فيريه رغيفاً، فيقول: هذا، فالإشارة إلى نوع لا إلى عينه. فالآية خطاب لمن دعا من دون الله مدعواً، وذلك المدعو يبتغي إلى ربهالوسيلة ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، وهذا (1) موجود في الملائكة والجن والإنس.

والاستغاثة هي طلب كشف الشدة، فكل من دعا ميتاً أو غائباً من الأنبياء والصالحين، أو دعا الملائكة، أو دعا الجن، فقد دعا م لا يغيثه، وقد قال (2) تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا} (3) .

وقد نص الأئمة، كأحمد وغيره على (4) أنه لا يجوز الاستعاذة (5) بمخلوق، وهذا مما استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق، قالوا لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ بكلمات الله التامات، من غضبه، وعقابه، [وشر عباده] ، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون" (6) .

(1) في (الأصل) : "هو"، والمثبت من "م" و"ش".

(2)

في "م": "وقد قال الله..".

(3)

سورة الجن، الآية:6.

(4)

سقطت من "ش": "على".

(5)

في جميع النسخ: "الاستغاثة"، والمثبت من:"الرد على البكري".

(6)

كتاب "الرد على البكري" الذي بين أيدينا قد ساق فيه المؤلف الحديث بتمامه دون اختصار.

والحديث أخرجه أحمد (2/181) ، وأبو داود في "الطب" باب كيف الرقى (ح/3893)، والترمذي في "الدعوات":(ح/3528)، والنسائي في "اليوم والليلة":(ص 453)، والحاكم (1/548) كلهم من طريق ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:"إذا فزع أحدكم في النوم فليقل.."وذكره.

قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد متصل في موضع الخلاف".

وأخرجه أحمد (4/57) و (6/6) من حديث الوليد بن الوليد أنه قال: يا رسول الله:

"إني أجد وحشة قال: " إذا أخذت مضجعك فقل أعوذ بكلمات

" الحديث.

وسنده منقطع؛ لأن محمد بن يحيى بن حبان لم يسمع من الوليد بن الوليد، أفاده المنذري، انظر "الترغيب والترهيب":(2/451) .

ص: 306

وقال (1) : "أعوذ بكلمات الله التامات، التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجر، من شر ما خلق، وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ومن شر ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، ومن شر فتن (2) الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق (3) إلا طارقاً يطرق بخير يارحمن (4) ".

(1) سقطت من (المطبوعة) : "وقال".

(2)

في (الأصل) : "فنتة"، والمثبت من:"م" و"ش" ومصادر التخريج.

(3)

سقطت من (الأصل) : "يطرق".

(4)

أخرجه الإمام أحمد (3/319) ، وأبو يعلى (6/9213 (ح/6809)، ومن طريقه ابن السني في "عمل اليوم والليلة":(ص 173)، والطبراني كما عزاه له الهيثمي في "المجمع":(10/130)، والبيهقي قي "الدلائل":(7/95) كلهم من طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي التياح.

قال: قلت: لعبد الرحمن بن خنبش التميمي وكان شيخاً كبيراً أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعاب وفيهم شيطان بيده شعلة من نار، يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل، قال: ما أقول؟ قال: قل أعوذ بكلمات

"وذكره.

قال المنذري في"الترغيب والترهيب": (2/457) : "إسناده جيد محتج به".

وبنحوه من حديث ابن مسعود أخرجه النسائي في "اليوم والليلة": (ص 530)، والطبراني في "الصغير"كما عزاه له الهيثمي في "المجمع":(10/130و 131)، وقال الهيثمي:"في إسناده من لا أعرفه".

ورواه مالك في الموطأ (2/950) عن يحيى بن سعيد مرسلاً.

ص: 307

قالوا: والاستعاذة لا تجوز بالمخلوق، وقول القائل:"أعوذ بالله" معناه أستجير بالله، فإذا لم يجز أن يستعاذ بمخلوق؛ لا نبي ولا غيره، فإنه لا يجوز أن يقال أنت خير معاذ (1) يستعاذ به، بطريق الأولى والأحرى (2)، كقول القائل لمن مات من الأنبياء وغيرهم: بك استجير من كذا، وكذا كقوله: بك أستعين، وقوله: بك أستغيث في معنى ذلك إذا كان مطلوبه منع الشدة أو رفعها، والمستعيذ بطلب منع المستعاذ منه أو رفعه، فإذا كان مخوفاً طلب منعه؛ كقوله: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، وإذا كان حاضراً طلب رفعه، كما في الحديث الصحيح:"أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"(3) فتعوَّذ من شر الموجود، وشر المحاذر.

والداعي يطلب حصول (4) أحد شيئين: إما حصول منفعة، أو دفع مضرة، فالاستعاذة (5) والاستجارة والاستغاثة

/كلها من نوع الطلب والدعاء. ومما يبين حكمة الشريعة وعظم قدرتها، وأنها كما قيل: "سفينة نوح من

(1) في "م" و"ش": "مستعاذ".

(2)

سقطت من "م" و"ش": "والأحرى".

(3)

أخرجه مسلم في "السلام"باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء

(ح/2202) من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعاً.

(4)

سقطت من (المطبوعة) : "حصول".

(5)

في "م": "فالاستعانة".

ص: 308

ركبها (1) نجا ومن تخلف عنها غرق" إن الذين خرجوا عن المشروع، زين لهم الشيطان أعمالهم، حتى خرجوا إلى الشرك.

وطائفة من هؤلاء يصلون إلى الميت، ويدعو أحدهم الميت ويقول: اغفر لي وارحمني. ومنهم من يستقبل (2) القبر، ويصلي إليه، مستدبر (3) الكعبة، ويقول: القبر قبلة الخاصة والكعبة (4) قبلة العامة، وجمهور هؤلاء المشركين يجدون عند (5) عبادة القبور من الرقة، والخشوع، والدعاء، وحضور القلب ما لا يجده أحدهم في مساجد الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وآخرون يحجون إلى القبور.

وطائفة صنفوا كتباً وسموها "مناسك حج المشاهد"، كما صنف محمد بن النعمان الملقب بالمفيد، أحد شيوخ الإمامية كتاباً في ذلك، وذكر فيه من الحكايات المكذوبة عن أهل البيت ما لا يخفى كذبه على من له معرفة بالنقل، وآخرون يسافرون إلى قبور المشايخ، وإن لم يسموا (6) ذلك منسكاً وحجاً، والمعنى واحد.

ومن هؤلاء من يقول: حق النبي الذي تحج إليه المطايا، فيجعل الحج إلى النبي لا إلى بيت الله عز وجل.

(1) في (الأصل) : "كبها" وهذا سبق قلم.

(2)

في "م" و"ش": "يقبل"، وفي (الأصل) :"يتقبل"، والمثبت من "الرد على البكري".

(3)

في "ش": "يستدبر".

(4)

في "م" و"ش": "والقبر".

(5)

في "ش": "عن".

(6)

في "م": "سموا".

ص: 309

وكثير من هؤلاء أعظم قصده من الحج قصده قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا حج البيت) .

وذكر –رحمه الله-كثيراً من هؤلاء ما هو من جنس ما تقدم، وأعظم –إلى أن قال (1) : (ومنهم من يجعل السفر إلى المشهد والقبر الذي يعظمه أفضل من الحج، ويقول أحد المريدين للآخر وقد حج سبع حجج إلى بيت الله العتيق: أتبيعني زيارة قبر الشيخ بالحجج السبع؟ فشاور الشيخ؛ فقال: لو بعت لكنت مغلوباً.

ومنهم من يقول: من طاف بقبر الشيخ سبعاً كان حجة، وذكر عن أمثال هؤلاء كثيراً من هذا الضرب) .

ثم قال: (وهؤلاء وأمثالهم صلاتهم ونسكهم لغير الله رب العالمين، فليسوا على ملة إبراهيم إمام الحنفاء، وليسوا من عمار مساجد (2) الله الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّه} (3)[فعمار مساجد الله لا يخشون إلا الله](4) ، وعمار مساجد المقابر يخشون غير الله، ويرجون غير الله.

وآخرون قد جعلوا الميت بمنزلة الإله، والشيخ الحي المتعلق به كالنبي، فمن الميت يطلب قضاء (5) الحاجات، وتفريج الكربات، وأما الحي فالحلال

(1) انظر "الرد على البكري": (296) .

(2)

في "م" و"ش": "عمار المساجد".

(3)

سورة التوبة، الآية:18.

(4)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(5)

سقطت من "م" و"ش": "قضاء".

ص: 310

ما أحله، والحرام ما حرمه، وكانوا في أنفسهم/ قد عزلوا الله عن أن يتخذوه إلهاً، وعزلوا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن أن يتخذه رسولاً.

وقد يجيء الحديث العهد بالإسلام، أو التابع لهم الحسنُ الظنِّ بهم، أو غيره (1) يطلب من الشيخ الميت إما (2) دفع ظلم ملك يريد أن يظلمه، أو غير ذلك، فيدخل ذلك السادن فيقول: قد قلت للشيخ، والشيخ يقول للنبي، والنبي يقول لله، والله قد بعث رسولاً للسلطان (3) فلان، فهل هذا إلا دين المشركين والنصارى؟ وفيه من الكذب والجهل ما لا يستجيزه كل مشرك ونصراني، ولا يروج عليه.

ويأكلون من النذور وما يؤتى به إلى قبورهم ما يدخلون به في معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} (4) والله تعالى لم يذكر في كتابه المشاهد، بل ذكر المساجد، قال تعالى:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} (5)، قال تعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} إلى قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِين} (6) .

(1) في (الأصل) : "أو غيرهم"، والمثبت من "م" و"ش".

(2)

في "م"و"ش": "وإما".

(3)

في "م" و"ش": "إلى السلطان".

(4)

سورة التوبة، الآية:34.

(5)

سورة الأعراف، الآية:29.

(6)

سورة التوبة، الآيتان: 18و 18.

ص: 311

لم (1) يذكر بيوت الشرك؛ كبيوت الأصنام والمشاهد، ولا ذكر بيوت النار، ولا ذكر بيوت الصائبة المشركين، كالذي يسمونه هيكل العلة الأولى، هيكل العقل، هيكل النفس، (2 هيكل زحل2)(2) ، هيكل المشترى، هيكل المريخ، هيكل الشمس، هيكل عطارد، هيكل الزهرة، هيكل القمر، فإن هذه البيوت ليس في أهلها مؤمن، ولم يكن في أهلها عبادة أمر الله بها، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لم ذكر له كنيسة بأرض الحبشة، وذكر حسنها، وتصاوير فيها (3)، فقال:"أولئك (4) إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا (5) فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"(6) .

وفي الصحيح عن أبي الهيَّاج الأسدي قال: قال لي (7) علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ألا أبعثك (8) على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أمرني أن لا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته (9) ، ولا تمثالاً إلا طمسته"(10) .

(1) في "م" و"ش": "ولم".

(2)

ما بين القوسين سقط من: "م" و"ش".

(3)

في "م": "وتصاويرها".

(4)

في "م": "إن أولئك".

(5)

في "م": "أو صوروا".

(6)

سبق تخريجه.

(7)

سقطت من (المطبوعة) : "لي"، وفي (الأصل) :"قال قالي"، والمثبت من:"م" و"ش".

(8)

في (الأصل) : "بعثك"، والمثبت من:"م" و"ش" ومصادر التخريج.

(9)

في (الأصل) : "سيونه"، والمثبت من:"م" و"ش".

(10)

سبق تخريجه، وفي هامش "م":"بلغ قراءة".

ص: 312

إلى أن قال (1) :

(الوجه الرابع أن يقال: الغلاة المشركون هم في الحقيقة بخسوا الرسل ما يستحقونه من التعظيم؛ دون الأمة الوسط أهل التوحيد، المتبعين لشريعة/الرسل.

وبيان ذلك بأمور:

منها أنهم يقولون: إن النصارى يعظمون المسيح، وكذلك الغالية في علي، أو الأئمة (2) أو الشيوخ أو غيرهم، وهم في الحقيقة متنقصون لهم، فإن المسيح عليه السلام أمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وأخبرهم أنه عبد الله؛ فهم إذا اتبعوه كان له من الأجر مثل أجورهم؛ من غير أن ينقص من أجورهم شيء، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من دعا إلى هدى كان له (3) من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص (4) من أجورهم شيء"(5) وإذا غلوا فيه، واتخذوه ربّاً انقطع (6) العمل الصالح الذي كان يحصل بالتوحيد والطاعة، وحصل لهم مع ذلك عذاب أليم.

(1) انظر ص 309.

(2)

في (الأصل) : "والأئمة والشيوخ"، وفي "م" و"ش":"والأئمة"، والمثبت كما في "الرد على البكري".

(3)

في جميع النسخ: "فله

"، والمثبت كما في المصدر المخرج منه الحديث.

(4)

في "م" و"ش" و"صحيح مسلم": "ينقص ذلك..".

(5)

أخرجه مسلم في "العلم" باب من سن سنة حسنة أو سيئة (ح/2674) من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

(6)

في "الرد على البكري": "انقطع ثواب العمل الصالح".

ص: 313

وأما أهل الاستقامة (1) ، فهم إذا وحدوا الله وعبدوه (2) ، كما شرعته لهم (3) الرسل، وأطاعوهم صاروا أولياء الله مستحقين لثوابه، وحصل للرسول الذي دعاهم مثل أجورهم، وكان في هذا من التعظيم للرسول (4) ما ليس في طريق الغلاة.

الثاني: أن الغلاة يحرمون ثواب الدعاء لمن كانوا يعبدونه من الأنبياء والصالحين، فيشغلهم عن الدعاء لهم، فيحرمون ثواب ذلك.

الثالث: أن أهل (5) التوحيد والسنة يصدقون الرسل فيما أخبروا، ويطيعونهم فيما أمروا، ويحفظون ما قالوا، ويفهمونه ويعملون به، وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويجاهدون من خالفهم، تقرباً إلى الله، وطلباً للجزاء من الله لا منهم، وأهل الجهل والغلو لا يميزون بين ما أمروا به ونهوا عنه، ولا بين ما صح عنهم، ولا ما كذب عليهم (6) ، ولا يفهمون حقيقة مرادهم، ولا يتحرون طاعتهم بل هم جهال لما أتوا به، معظمون لأغراضهم، فالسدنة الذين هم (7) عند القبور ونحوهم: غرضهم تعظيم أنفسهم عند الناس؛ وأخذ أموالهم بهم، فأي الفريقين أشد تعظيماً؟ أولئك أو هؤلاء؟

(1) في "م" و"ش": "الاستغاثة".

(2)

سقطت من (المطبوعة) .

(3)

سقطت من "م" و"ش": "لهم".

(4)

في "م" و"ش": "للرسل".

(5)

في "م": "هل أهل".

(6)

في "ش": "عنهم".

(7)

سقطت من (المطبوعة) : "هم".

ص: 314

حتى إن بعض أصحابنا لما بلغه أني أنهي (1) عن ذلك صار عنده شبهة، قال لبعض أصحابنا شراً: أنا (2) جربت إجابة الدعاء عند قبر (3) بالقرافة، فقال له ذلك الرجل: أنا أذهب معك إليه، لأعرف قبر من هو، فذهبنا إليه فوجدا مكتوباً عليه: / عبد علي، فعلموا أنه إما رافضي، وإما إسماعيلي، وكان بالبلد جماعة كثيرون يظنون في العبيديين أنهم أولياء الله صالحون.

وكم من مشهد يعظمه الناس وهو كذب، بل يقال أنه قبر كافر، كالمشهد الذي بسفح جبل لبنان، فإن أهل المعرفة يقولون إنه قبر بعض العمالقة، وكذلك (4) مشهد الحسين في القاهرة، وقبر أبي بن كعب بدمشق، اتفق العلماء أنه كذب.

وكثير من المشاهد عندها (5) شياطين تضل بسببها من تضل، ومنهم من يرى في المنام شخصاً يظن أنه المقبور، ويكون ذلك شيطاناً تصور بصورته، أو بغير صورته، كالشياطين الذين [يكونون (6) بالأصنام، وكالشياطين الذين](7) ، يتمثلون لمن يستغيث بالأصنام والموتى والغائبين) .

وذكر –رحمه الله تعالى-من هذا الضرب-إلى أن قال: (والمقصود أن هؤلاء بهم الأمر أن يسووا بين الأنبياء والكفار،

(1) في "م": "أنها".

(2)

في "ش": "إني".

(3)

سقطت من "ش": "قبر".

(4)

في (الأصل) : "وكذا"، والمثبت من:"م" و"ش".

(5)

في "م" و"ش": "عندهما".

(6)

في "م": "يكون"، والمثبت من:"ش".

(7)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

ص: 315

ويطلبون من هذا ما يطلبون من هذا، فأي الفريقين أشد تعظيماً للأنبياء (1) ، هؤلاء [أو](2) من يوجب تعظيمهم باتباع شريعتهم، ويفرق بين الحق الذي جاؤا به وبين غيره، ولا ينزل أحداً منزلتهم، ولا يشبه بهم من ليس منهم، ولا يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، فإن المبتدع من شرع ديناً لم يأذن به الله؛ لا من أمر بما أمر الله به ونهى عن ما نهى الله عنه. ومن أعظم المبتدعين من جوز أن يستغاث بالمخلوق الحي والميت في كل ما يستغاث فيه الله عز وجل، بل [من](3) جوز أن يسأل الميت، ويدعى على أي وجه كان، بل من حمل ألفاظ الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم على التوسل، وجعل توسل الصحابة به (4) هو توسلهم بذاته، أو الأقسام به على الله تعالى.

ومن أعظم المبتدعين من جعل التوحيد كفراً والشرك إيماناً، وكفر من هو (5) أحق بالإيمان من طائفته، ونفى الكفر عن طائفته الذين هم أحق بالكفر ممن كفروه) .

/إلى أن قال: (الثالث: أن قول المجيب؛ ليس هو قوله وحده، بل هو قول جميع أئمة الدين، وعلماء المسلمين، فليس في (6) علماء المسلمين من يقول: إنه يستغاث بمخلوق في كل ما يستغاث الله به، ولا من يقول إن الميت يستغاث

(1) في (الأصل) زيادة: "من"، والصواب حذفها.

(2)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(3)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(4)

سقطت من "ش": "به".

(5)

سقطت من "م" و"ش": "هو".

(6)

في "م" و"ش": "ليس فيهم من يقول".

ص: 316

به، وما علمت إلى ساعتي هذه أحداً من علماء المسلمين الذين يستحقون الإفتاء نازع في هذا، وأما الشيوخ الذين يسألون الميت فهؤلاء ليس فيهم أحد ممن يرجع المسلمون إلى فتياه، فلهذا قال بعض السلف: لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن اسأله يصدقك) .

ثم قال رحمه الله تعالى (1) :

(فإذا قيل لا يعبد إلا الله، لا الأنبياء ولا غيرهم، ونحو ذلك، كان ذلك (2) تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، وتبيينا (3) أنه لا أحد أرفع منه من الخلق، وخصائص الرب عز وجل منتفية عنه؛ فعن غيره بطريق الأولى، كقوله تعالى:{وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون} (4) . وقوله تعالى (5) : {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّه} (6) . وقوله: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل} (7) فإن الحاجة داعية إلى ذكر (8) المسيح، لوقوع النزاع (9) فيه.

(1) سقطت من "م" و"ش": "تعالى".

(2)

سقطت من "م" و"ش": "ذلك".

(3)

سقطت من "م" و"ش" الواو في: "وتبييناً".

(4)

سورة آل عمران، الآية:80.

(5)

سقطت من "م" و "ش": "تعالى".

(6)

سورة النساء، الآية: 172، وفي "م" و"ش":"الآية".

(7)

سورة المائدة، الآية:75.

(8)

تحرف في (المطبوعة) إلى: "ذلك".

(9)

في "ش": "التنازع".

ص: 317

فلو (1) تنازع اثنان: هل يخص النبي (2صلى الله عليه وسلم2)(2) بالحلف (3) به دون سائر الأنبياء؟ فقال أحدهما (4) : لا يحلف به؛ لم يكن هذا تنقصاً، بل هذا قول الجمهور، وهو الصواب.

وكذلك إذا تنازع اثنان، [هل يخص](5) الاستغاثة به، أو بالإقسام على الله به بعد موته، فقال أحدهما: لا يستغاث، ولا يقسم به، فليس هذا (6) من خصائصه، لكان من هذا الباب.

قال أبو يزيد (7) : استغاثة المخلوق بالمخلوق، كاستغاثة الغريق بالغريق، (8 وما قاله أبو يزيد رحمه الله تعالى8)(8) تلقاه الناس بالقبول، وقاله بعده أبو عبد الله القرشي، قال: استغاثة المخلوق بالمخلوق، كاستغاثة المسجون بالمسجون، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"(9)، وقوله لطائفة من أصحابه (10) : "لا تسألوا الناس

(1) سقطت من "م" و"ش": "فلو".

(2)

ما بين القوسين سقطت من: (المطبوعة) .

(3)

في جميع النسخ: "بالحلف"، وكتب في هامش الأصل:"وصوابه الحلف"،

والمثبت كما في: "الرد على البكري".

(4)

في (الأصل) : "أحدهم"، والمثبت من:"م" و"ش".

(5)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(6)

في "م"و "ش": "فهذا ليس".

(7)

هو: طيغور بن عيسى بن شروسان البسطامي أحد الزهاد، ت 261هـ..للاستزادة انظر "سير أعلام النبلاء":(13/86) .

(8)

ما بين القوسين سقطت من: (المطبوعة) .

(9)

سبق تخريجه.

(10)

في "م": "من الصحابة"، وفي هامشها كتب:"لعله من أصحابه".

ص: 318

شيئاً" (1) ومنه قوله تعالى: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب} (2) ، / ومنه قول (3) النبي صلى الله عليه وسلم في وصف السبعين ألفاً: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون" (4) ، فالاسترقاء طلب الرقية من المخلوق. وقد تقدم أن دعواه أن الميت هو عين المنفي في كلام الله ورسوله خطأ، بل ما نفاه الرب عن غيره لم يثبته له، والمنفي عن المخلوق ما اختص الرب به. والمقصود أن كثيراً من الضالين الجاهلين، يستغيثون بمن يحسنون به الظن من الأموات والغائبين، في كل ما يستغاث الله فيه، ولا يتصور أن هؤلاء يسألونهم مطالبهم كلها (5) ، ولا أكثرها (6) ، بل غاية ما يطلبونه منهم من جنس تحصيل المنافع ودفع المضار لا يحصل، بل قد يحصل بعض المطالب، كما يحصل لعباد الأصنام، والكواكب، وغيرهم من المشركين، ويكون [ما](7) يخبرون به ويفعلونه شبهة للمشركين، كما أن ما يخبر به الكاهن ونحوه، فإنه يصدق في واحدة ويكذب في مائة.

(1) أخرجه مسلم في الزكاة باب كراهة المسألة للناس (ح/1043) من حديث عوف بن مالك الأشجعي مرفوعاً.

(2)

سورة الانشراح، الآية:8.

(3)

في "ش": "قوله".

(4)

أخرجه البخاري في "الطب" باب من أكتوى أو كوى غيره (ح/5705) ، ومسلم في "الإيمان"باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (ح/220) من حديث ابن عباس.

وأخرجه مسلم في المصدر السابق (ح/218) من حديث عمران بن حصين مرفوعاً.

(5)

سقطت من "ش": "كلها".

(6)

في "ش": "أو أكثرها"، وفي (الأصل) :"ولا أكثر"، والمثبت من:"م".

(7)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

ص: 319

فهذا القول الذي يقوله هذا هو (1) مطابق لأحوال هؤلاء المشركين الضالين، وهذا ليس يقوله مسلم، ولا عاقل يتصور ما يقول، بل هو من جنس قول النصارى: دعاء المسيح دعاء الله (2) ؛ لكن أولئك يقولون باعتبار الحلول والاتحاد، وأما بدون هذا فهو كلام غير معقول، فإن الله تعالى أمر أن يدعى هو ويسأل هو، ولم يجعل دعاء أحد المخلوقين دعاء له؛ بل قد نهى الله عن دعائه، ولو كان هذا حقاً لكان من دعى (3) الملائكة والأنبياء دعى (4) الله (5) ، فلا يكون شركاً)

قلت: فيلزم على (6) هذا أن من سجد للشمس يكون ساجداً لله، ويلزم على هذا أيضاً أن كل مشرك بعبادة غير الله عابداً لله، واللازم باطل، فيبطل الملزوم (7) .

(والله قد جعلهم مشركين، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (8) الآية.

(1) سقطت من (المطبوعة) : "هو".

(2)

في "م" و"ش".

(3)

في جميع النسخ: "دعا"، والصواب ما أثبته".

(4)

في جميع النسخ: "دعا"، والصواب ما أثبته.

(5)

في "م""دعا يا لله"، وفي "ش":"بياض" بمقدار كلمة.

(6)

في (الأصل) : "من"، والمثبت من:"م" و"ش".

(7)

انتهى كلام شيخ الإسلام عبد الرحمن بن حسن، والسياق الذي بعده إنما هو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

(8)

سورة الإسراء، الآيتان: 56و 57.

ص: 320

فإن هؤلاء الضالين جعلوا الصالحين مع الله سبحانه كالوكيل مع موكله، فإذا طلب من الوكيل الدعاء (1) كانت المطالبة للموكل في المعنى، لكن هذا ليس من أقوال الموحدين، بل هو من أعظم شرك الملحدين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يضمن للخلق أن يرزقهم، ويحاسبهم، ولا يجيب (2) / دعاءهم، بل أخبر أن (3) هذا كله لله وحده.

قال تعالى: {فَإِنَّمَا (4) عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَاب} (5) .

وقال تعالى (6) : {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَي} (7) .

وقال تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً (8) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (9) . وقال تعالى (10) : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُون} (11) .

(1) في جميع النسخ: "بالدعاء"، والمثبت من:"الرد على البكري".

(2)

في "م": "ولا يجب".

(3)

سقطت من (المطبوعة) : "أخبر أن".

(4)

في جميع النسخ: "إنما" وهو خطأ.

(5)

سورة الرعد، الآية:40.

(6)

سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".

(7)

سورة الأنعام، الآية:50.

(8)

في (الأصل) و"ش": "ضراً ولا نفعاً.."وهو خطأ.

(9)

سورة الأعراف، الآية:188.

(10)

سقطت من "م": "تعالى".

(11)

سورة التوبة، الآية:59.

ص: 321

فبين تعالى أن التحسب بالله وحده، والرغبة إلى الله وحده، وأما (1) الإيتاء فلله وللرسول؛ لأن الحلال ما حلله الرسول، والحرام ما حرمه الرسول، كما قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) .

فالله تعالى قد جعل الرسول مبلغاً كلامه الذي هو أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وهؤلاء يجعلون الرسل (3) والمشايخ يدبرون العالم، بالخلق، والرزق، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، بل النصارى تقول هذا في المسيح

وحده، لشبهة الاتحاد والحلول؛ ولهذا لم يقولوا هذا في إبراهيم وموسى وغيرهم من الرسل، مع أنهم في غاية الجهل في ذلك، فإن الآيات التي بعث بها موسى أعظم) . إلى أن قال رحمه الله تعالى (4) :(فما الدليل على جواز السؤال لله بذوات (5) المخلوقين مطلقاً، أو بعد (6) موتهم؟، ومن قال هذا من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان؟ والصحابة إنما كانوا يتوسلون بدعائه وشفاعته؛ ولهذا توسلوا بعده بالعباس، ولو كان التوسل بذاته ممكناً بعد موته لم يعدلوا إلى العباس، والأعمى إنما توجه بدعائه وشفاعته، وكذلك الناس يوم القيامة يستغيثون به ليشفع لهم إلى الله، فهم يتوسلون بشفاعته؛ أما بمجرد الذات بعد الممات فلا

(1) في "م": "وما الإيتاء".

(2)

سورة الحشر، الآية:7.

(3)

في "م" و"ش": "الرسول".

(4)

سقطت من "م" و"ش": "تعالى".

(5)

في "م" و"ش": "بذات".

(6)

في "م" و"ش": "بذات".

ص: 322

دليل عليه، ولا قاله أحد من السلف، بل المنقول عنهم يناقض ذلك، وقد نص غير واحد من العلماء أن هذا لا يجوز، وإن نقل عن بعضهم جوازه، وقد قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} (1) .

وإن أراد بقوله: لا يكون وسيلة، أي: لا يكون الإيمان به، ومحبته، وطاعته، وموالاته، واتباع سنته، والمجاهدة في دينه ونحو ذلك وسيلة إلى الله تعالى، فهذا لم ينفه أحد، ونفى الاستغاثة به (2) لا ينفي هذه/الوسائل. قوله: وهذا نفي لوصف من أوصاف الكمال الثابتة له صلى الله عليه وسلم.

فيقال له: لا نسلم أن هذا النفي لشيء من صفات الكمال، [بل](3) ولا نفي لشيء موجود، بل هو نفي لشيء منتف في نفس الأمر.

ويقال أيضاً: ليس كل (4) من نفى وصفاً من أوصاف الكمال يكون كافراً، وقد قال ابن عباس وطائفة: إنه رأى ربه، ونفى ذلك آخرون من الصحابة وغيرهم، بل نفس المعراج قال الجمهور: إنه كان ببدنه، وآخرون من السلف والخلف قالوا: إنه كان بروحه فقط، وقال أكثر المنتسبين إلى السنة: إن الأنبياء أفضل من الملائكة، وآخرون قالوا: الملائكة أو بعضهم أفضل من الأنبياء إلى غير ذلك.

وقال بعض الغلاة: إنه كان يعلم علم الله؛ ويقدر قدرته، وكفر المسلمين من قال ذلك.

وهذا باب واسع، فما زال المسلمون يتنازعون في شيء من إثبات صفات

(1) سورة النساء، الآية:59.

(2)

سقطت من "ش": "به".

(3)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "الرد على البكري".

(4)

سقطت من: (المطبوعة) : "كل".

ص: 323

الكمال، ولا يقول المثبت للنافي: إنك كفرت، فإن الكمال الثابت ليس محدوداً يعلمه الناس كلهم، والكمال المطلق الذي لا غاية فوقه لله تبارك وتعالى، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال:"كمل من الرجال كثير"(1) وهؤلاء الكاملون بعضهم أكمل من بعض.

فإذا قال قائل: إذا كان الرسول الذي هو أفضل الخلق لا يضر ولا ينفع، فكيف بمن دونه؟، ونحو ذلك، فهذا مثل (2) قوله: لا يضر ولا ينفع (3) إلا الله، وهو نظير أن يقال: الرسول لا يستغاث به وإنما يستغاث بالله، والمراد به (4) بعد وفاته؛ كما قال تعالى:{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِه} (5)، فأخبر أنه لا يملك من الله لا ضرهم ولا رشدهم.:وقال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (6)، وقد ثبت في الصحيحين أنه قال:"يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً"(7) ، فهذا تخصيص له بنفي ذلك، وهو الصادق

(1) أخرجه البخاري في "الأنبياء" باب قول الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه

} (ح/3433) ، ومسلم في "فضائل الصحابة"باب فضائل خديجة أم المؤمنين (ح/2431) من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً.

(2)

سقطت من (المطبوعة) : "مثل".

(3)

في "ش": "لا ينفع ولا يضر".

(4)

سقطت من (المطبوعة) : "به".

(5)

سورة الجن، الآيات: 21-23.

(6)

سورة آل عمران، الآية:128.

(7)

أخرجه البخاري في "الشروط"باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب (ح/2753)، وأيضاً في "التفسير":(ح/4771) ، ومسلم في "الإيمان"باب في قوله تعالى" {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} (ح/204و 206) من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وبنحوه أخرجه مسلم في المصدر السابق:(ح/205) من حديث عائشة مرفوعاً.

ص: 324

ومن صدَّق الرسول فيما (1) قاله فهو مؤمن ليس بكافر.

فإذا قال قائل: الرسول (3 لا يغني عن بنته (2) 3) (3) ، ولا عمه، ولا عمته من الله /شيئاً، فكيف بمن دونهم؟، فهذا من أحسن الكلام وأصدقه.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في دبر كل صلاة يقول (4) : "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"(5) وكان يقول في رقيته: "أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك"(6) .

وما يظنه المشركون (7) ، والغلاة من النصارى، وأشباههم أن الأنبياء والصالحين بعد موتهم، أو في حياتهم ينزلون المطر، ويدفعون العدو، ويشفون المرضى، ونحو ذلك من الحوادث، فهذا (8) معلوم البطلان، وهو

شرك عظيم، كما تقدم بيانه بالأدلة والبراهين، وقد قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ

(1) في "م" و"ش": "بما".

(2)

في "ش": "نفسه".

(3)

ما بين القوسين سقط من: "م".

(4)

وقعت كلمة "يقول" في: "م" و"ش" بعد قوله: "صلى الله عليه وسلم".

(5)

أخرجه البخاري في "الأذان" باب الذكر بعد الصلاة: (ح/844) ، ومسلم في "المساجد"باب استحباب الذكر بعد الصلاة (ح/593) ، من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعاً.

(6)

أخرجه البخاري في "المرضى"باب دعاء العائد للمريض: (ح/5675)، ومسلم في "السلام"باب استحباب رقية المريض:(ح/2191) من حديث عائشة مرفوعاً.

(7)

في "م"و "ش": "المشركين".

(8)

في "ش" زيادة: "أمر".

ص: 325

تَكُنْ تَعْلَمُ} (1)، وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (2)، وقال تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين} (3)، وقال تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} (4) فهذا المعنى ليس بكفر، بل هو صحيح.

(6 وقد يكون في سياق أن الله هو المختص بكمال السمع والعلم، وأن غيره لا يبلغ مبلغه (5) وهذا أيضاً صحيح6) (6) ؛ ولهذا يقول المسلم لا ينفعني ولا يضرني إلا الله، ويقول: لا يعلم ما في نفسي إلا الله، ولا يسمع كلام العباد إلا الله، وأدلة هذا في القرآن كثيرة (7)، كقوله:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} (8) .

فإذا كان هذا (9) يدَّعي أن ما يدل على تجريد التوحيد من هذه الألفاظ سوء عبارة في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك كفر، فسوء العبارة في حق الله أعظم

(1) سورة النساء، الآية:113.

(2)

سورة الشورى، الآية:52.

وفي "م" و"ش"ذكرت تمام الآية والتي بعدها: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُور}

(3)

سورة يوسف، الآية:3.

(4)

سورة الضحى، الآية:7.

(5)

في "الرد على البكري" زيادة: "في ذلك".

(6)

ما بين القوسين سقط من: "ش".

(7)

في "م" و"ش": "كثير".

(8)

سورة القصص، الآية:56.

(9)

سقطت من (المطبوعة) : "هذا".

ص: 326

كفراً، كقولهم: إنه يستغاث بالمخلوق في كل ما يستغاث فيه بالخالق (1) ، فهذا يشعر أنه جعل المخلوق ندّاً للخالق، وما يفهم الشرك كان من سوء (2) العبارة، فيجب أن يكون كفراً يلزم هذا القائل، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم:"ما شاء الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندّاً، بل ما شاء الله وحده" (3) ، وقال: "من حلف بغير الله فقد أشرك" (4)، ومثل هذا كثير كقوله تعالى:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} (5) ، فمن جعل الرسول (6) صلى الله عليه وسلم يطلب منه الناس ما يطلبونه من الله، فقد عصى الله ورسوله، وآذى الرسول، وأساء في حقه، وسلط عليه العامة على اختلاف أغراضهم: هذا يطلب منه الولد؛ وهذا يطلب [منه](7) / جارية حسنة؛ وهذا يشتكي إليه (8) ظهور البدع، فنزلوا المخلوق منزلة الخالق، وطلبوا منه من جلب المنافع ودفع

(1) في "م": "بالخلق".

(2)

في "الرد على البكري": "أسوء".

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

أخرجه الإمام أحمد: (1/407) ، (2/34و 69و 86و 125)، وأبو داود في "الإيمان والنذور"باب في كراهية الحلف بالآباء:(ح/3251) ، والترمذي في "النذور والأيمان"باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله (ح/1535)، والطيالسي:(ح/1896)، وابن حبان –كما في "الإحسان":(6/278)(ح/4343) ، والحاكم، (1/18و 52) ، و (4/297)، والبيهقي في "الكبرى":(10/29) من طرق عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر مرفوعاً، وفيه قصة.

والحديث حسنه الترمذي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي.

(5)

سورة يونس، الآية:106.

(6)

في "م" و"ش": "النبي".

(7)

ما بين المعقوفتين إضافة من: "م" و"ش".

(8)

في جميع النسخ: "عليه"، والمثبت من:"الرد على البكري".

ص: 327

المضار ما لا يقدر عليه إلا الله.

فمن سلط الناس على الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون هذا كله منه، فهو من أعظم الناس إساءة إليه.

ثم إنه إذا كان الكلام في توحيد الرب، ونفى خصائصه عما سواه لم يجز أن يقال: هذا سوء عبارة في حق من دون الله من الأنبياء والملائكة؛ فإن المقام أجل من ذلك، وكل ما سوى الله يتلاشى عند تجريد توحيده (1) ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان من أعظم الناس تقريراً لهذا، كما في الصحيحين من حديث الإفك:"لما نزلت براءة عائشة من السماء أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقالت لها أمها: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي"(2)، وفي رواية:"نحمد الله ولا نحمدك"(3) ، فأقرها (4) النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الكلام الذي نفت به أن يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يحمد إلا الله؛ ولم

(1) في "م" و"ش": "التوحيد".

(2)

أخرجه البخاري في "الشهادات"باب تعديل النساء بعضهم بعضاً (ح/2661) ، ومسلم في "التوبة"باب حديث الإفك وقبول توبة القاذف (ح/1770) من حديث عائشة.

(3)

لم أقف على هذه الرواية بهذا اللفظ؛ ولكني وقفت على نحوها بلفظ: "بحمد الله لا بحمد أحد، ولا بحمدك". وهي عند البخاري في "المغازي"باب حديث الإفك:

(ح/4143) من حديث عائشة.

وبلفظ: "لا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله.."عند البخاري أيضاً في "التفسير": (ح/4757) من حديث عائشة.

وبلفظ: "بحمد الله لا بحمد أحد.."عند الإمام أحمد: (6/367، 368) من حديث أم رومان.

(4)

في "م" و"ش": "وأبوها".

ص: 328

يقل أحد هذا سوء أدب عليه وسوء الأدب عليه كفر.

قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله (1) الحافظ- وساق السند إلى حبان (2) صاحب ابن المبارك-قلت لعبد الله بن المبارك: قول عائشة: "بحمد الله لا بحمدك، إني لأستعظم هذا القول، فقال عبد الله: ولت الحمد (3) أهله"، وكذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بأسير فقال:"اللهم إني أتوب إليك، ولا أتوب إلى محمد"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عرف الحق لأهله"(4) .

وأيما أبلغ؟ قول عائشة: "لا أحمد الرسول ولا أحمد إلا الله"، وقول (5) الأسير:"أتوب إلى الله لا إلى محمد"، وقول القائل: لا يستغاث بالرسول بل

(1) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب "المستدرك".

(2)

في (الأصل) : "ابن حبان"وهو خطأ، وفي "م" و"ش":"ابن حيان" وهو خطأ أيضاً وإنما هو حبان بن موسى السلمي المروزي أبو محمد، انظر "تهذيب التهذيب".

(3)

في "م" و"ش": "التحميد".

(4)

أخرجه الإمام أحمد (3/435)، والطبراني في "الكبير":(1/263)، والحاكم في "المستدرك":(4/255)، والبيهقي في "الشعب":(4/103) كلهم من طريق محمد بن مصعب القرقساني عن سلام بن مسكين والمبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع مرفوعاً.

قال الحاكم: "صحيح"، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: فيه محمد بن مصعب ضعيف.

قلت: وفي سنده أيضاً انقطاع فإن الحسن لم يسمع من الأسود بن سريع كما ذكره ابن منده، وعلي بن المدني كما نقله عنه ابن حبان في "ثقاته".

انظر "تهذيب التهذيب": (1/338) ، و "الثقات"لابن حبان (3/8) .

(5)

في "م" و"ش": "قول".

ص: 329

بالله تعالى، أو (1) ما يُدْعى (2) الرسول وإنما يُدعى الله تعالى (3) ، ونحو ذلك؟

وهذا الرجل لا تمييز له في أقوال الناس، وبيان حقها من باطلها، ولا له معرفة بطرق الاستدلال فلا ذاكر (4) لكلام منقول، ولا مبين لمعنى مقبول (5) ، ولا أثر منقول (6) .

العلم شيئان: إما نقل مصدق، وإما بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مسروق، وكثير من كلام هؤلاء فهو (7) من الهذيان، وما يوجد فيه من نقل فمنه ما لا يميز صحيحه من فاسده، وفيه ما لا ينقله على وجهه، ومنه ما لا /يضعه (8) في غير موضعه، ولا يحقق جنس الأدلة حتى يميز بين ما يدل وما لا يدل، ولهذا كان أصول الفقه مقصودها معرفة الأدلة الشرعية، وقد قيل إن ما يفسد الناس نصف متكلم؛ ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب، هذا يفسد الأديان (9) ، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد اللسان، وهذا يفسد الأبدان، لاسيما إذا خاض هذا في المسألة التي لم يسبقه إليها عالم، ولا هي من مسائل النزاع بين العلماء، فيختار أحد القولين؛ بل يهجم على ما يخالف دين الإسلام بالضرورة.

(1) في "ش": "وما يدعى".

(2)

في "الرد على البكري": "أو لا يدعى".

(3)

سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".

(4)

في (الأصل) : "ذكر"، والمثبت من "م" و"ش".

(5)

في "م" و"ش": "معقول".

(6)

في "م" و"ش": "معقول".

(7)

سقطت من "م" و"ش": "فهو".

(8)

في "م" و"ش": "ما يضعه..".

(9)

في "ش": "هذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان..".

ص: 330

وقد علم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ (1) الاستغاثة، ولا بلفظ (2) الاستعانة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا إلى ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، لكن لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك، (3 حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم3)(3) ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لم يعرف أصل الإسلام إلا تفطن، وقال: هذا أصل دين الإسلام.

وكان بعض الأكابر العارفين يقول: هذا أعظم من بينته لنا، لعلمه أن هذا أصل الدين، وكان هذا وأمثاله في ناحية أخرى، يدعون الأموات ويسألونهم، ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم، فيدعونهم دعاء المضطر، راجين قضاء حاجاتهم بدعائه أو بالدعاء به) (4) .

وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وهو الظلم المذكور في قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} (5) . قالوا: "يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إن الشرك لظلم عظيم"(6) وهذا الذنب العظيم الذي هو أعظم ذنب عصى الله به،

(1) في "م": "بالفظ".

(2)

في "م": "بالفظ".

(3)

ما بين القوسين سقط من: "م" و"ش".

(4)

انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

(5)

سورة الأنعام، الآية:82.

(6)

أخرجه البخاري في "الأنبياء" باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّه..} (ح/3428، 3429)، وأيضاً في "التفسير":(ح/4776) ، ومسلم في "الإيمان"باب صدق الإيمان وإخلاصه (ح/124) من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً.

ص: 331

فمن فعله ولم يتب منه ارتفع الأمن والاهتداء في حقه؛ فلم يبق له أمن ولا اهتداء، وقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة على النهي عنه، والوعيد عليه (1) بالنار.

وقد تقدم من الأدلة على ذلك ما يكفي ويشفي لمن أراد الله هدايته، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

ولنختم الجواب بآيتين عظيمتين:

الأولى: قوله تعالى (2) : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} (3) .

حقيق على كل عبد أن يستمع/ لهذا المثل؛ ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع مواد الشرك من قبله.

وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لا (4) تقدر على خلق ذباب، ولو اجتمعوا (5) كلهم على خلقه، فكيف ما هو أكبر منه؟ ولا يقدرون

(1) سقطت من "م" و"ش": "عليه".

(2)

سقطت من (المطبوعة) : "تعالى".

(3)

سورة الحج، الآيتان: 73و 74.

(4)

في (المطبوعة) : "لن"، وهو تحريف.

(5)

في (الأصل) زيادة: "له"بعد قوله: "ولو اجتمعوا"، والمثبت من:"م" و"ش".

ص: 332

على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئاً مما عليهم من طيب ونحوه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوان ولا على الانتصار منه، واسترجاع ما سبلهم.

فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟

وهذا المثل من أبلغ ما أنزل الله سبحانه وتعالى (1) في بطلان الشرك، وتجهيل أهله، وتقبيح عقولهم؛ وأن الشيطان قد تلاعب بهم مثل (2) تلاعب الصبيان بالكرة.

كيف أعطوا الإلهية التي من بعض لوازم القدرة على جميع المقدورات، والإحاطة بجميع المعلومات، والغني عن جميع المخلوقات؟ وأن يعمدوا (3) إلى الرب في جميع الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإجابة الدعوات؟ فأعطوها صوراً وتماثيل تمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الإله الحق، وأذلها، وأصغرها، وأحقرها، ولو اجتمعوا على الذباب، وتعاونوا عليه لدل ذلك على عجزهم، وانتفاء آلهتهم، ثم سوى بين العابد والمعبود في الضعف والعجز، بقوله:{ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب} (4) قيل: الطالب العابد، والمطلوب المعبود، فهو عاجز متعلق بعاجز.

فمن جعل هذا إلهاً مع القوي العزيز؛ فما قدره حق قدره، ولا عرفه حق معرفته، ولا عظمه حق تعظيمه) (5) انتهى.

(1) سقطت من "م" و"ش": "تعالى".

(2)

سقطت من "م" و"ش": "مثل".

(3)

في (الأصل) : "وأن يعمد"، والمثبت من:"م" و"ش".

(4)

سورة الحج، الآية:74.

(5)

في "م" و"ش": "عظمته".

ص: 333

وتأمل قول الله تعالى: {وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ. وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون} (1) ، فرجع الأمر يوم القيامة إلى أن كل معبود ينكر عبادة من عبده، ويكذبه فيما قصده.

فرحم الله هذا الشيخ فلقد أتى بما يشفي العليل، ويروي الغليل، ويهدي ببيانه وكشفه إلى سواء السبيل.

(1) سورة النحل، الآيتان: 86و 87. وتحرف في "ش"قوله: "الذين"إلى "الذي".

ص: 334