المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اختلافهما في قدر رأس المال - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١١

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌اختلافهما في قدر رأس المال

وقال القاضي أبو الطيب: إنه المذهب.

وقيل: القول قول رب المال؛ لأنه قبضها لمنفعة نفسه وهو الربح فأشبه المرتهن، وقد تقدم في باب الرهن ما ذكر من الفرق بينه وبين [نظائره وبين] قبول القول في التلف دون الرد.

قال: وإن اختلفا في قدر الربح المشروط [للعامل] تحالفا، صورة ذلك: أن يدعي العامل أنه شرط له النصف، فيقول رب المال: بل الثلث فيتحالفا؛ لأنهما اختلفا في العوض المشروط في العقد فيتحالفا، كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن.

وإذا تحالفا كان جميع الربح لرب المال، وللعامل أجرة مثله وإن زادت على نصف الربح وقيل: لا يستحق ما زاد على نصف الربح.

ولو اختلفا في قدر ما حصل من الربح؛ فالقول قول العامل، فلو قال العامل: إنه مائة، ثم قال: إنما قلت ذلك خوفاً من انتزاع المال من يدي؛ لم يقبل منه، وهل له إحلاف رب المال؟

قال في "البحر": إن ذكر شبهة تحتمله استحق إحلافه، وإن لم يذكر؛ فوجهان:

أحدهما: وبه قال ابن سريج وابن خيران: أن له إحلافه.

والثاني: وبه قال أبو إسحاق لا عملاً بقوله السابق، ثم إذا لم يطلب إحلاف رب المال لكنه ادعى بعد ذلك خسراناً؛ قبل منه ولا تبطل أمانته بالقول السابق.

هكذا قاله أصحابنا ونسبه الروياني في "البحر" إلى نصه، كذا حكاه الرافعي عنه، وكلامه في "البحر" مشير إلى الحكم المذكور.

‌اختلافهما في قدر رأس المال

قال: وإن اختلفا في قدر رأس المال؛ أي مثل أن قال المالك: إنه ألفان وقال العامل: بل ألف فالقول قول العامل؛ لأن الأصل عدم قبضه لما ينكره وقيل: إن كان في المال ربح تحالفا؛ لأنهما اختلفا فيما يستحقه العامل من الربح وليس بشيء؛ لأن الاختلاف في الربح المشروط- اختلاف في صفة العقد؛ فلذلك

ص: 145

تحالفا، وهاهنا الاختلاف وقع في القبض، فلا تحالف فيه؛ كما لو اختلفا في قبض الثمن في البيع.

فرع: لو اختلفا في أصل القراض، فقال رب المال: دفعته لك؛ لتشتري لي [به] وكالة، وقال من في يده المال:[بل] مضاربة، فالمصدق رب المال، فإذا حلف أخذ المال وربحه، ولا شيء للآخر.

قال: ولكل واحد منهما أن يفسخ العقد متى شاء؛ لأنه عقد ليس على التأبيد، ولا يفتقر إلى مدة معلومة، ولا عمل معلوم؛ فأشبه الشركة والوديعة؛ ولأنه في ابتدائه وكالة؛ لأنه يبتاع لرب المال، وفي انتهائه قد يكون شركة؛ إن قلنا: إن العامل يملك بالظهور، أو جعالة؛ إن قلنا: إنه لا يملك به، وكل هذه العقود يتمكن كل من [تعاقد بها] من فسخها متى شاء، فكذلك هذا.

وكما يرتفع هذا العقد بلفظ الفسخ يرتفع بقول المالك للعامل: لا تتصرف بعد هذا، وكذلك باسترجاع المال منه.

وهل يرتفع ببيع المالك ما اشتراه العامل للقراض كما ينعزل الوكيل ببيع ما وكل في بيعه، أو لا يعزل ويحمل فعله على الإعانة؟ فيه وجهان: أشبههما الثاني، وهما جاريان فيما لو حبس العامل، ومنعه من التصرف أو قال: لا قراض بيننا.

قال: وإن مات أحدهما، أو جن، أو أغمى عليه؛ انفسخ العقد كما في الوكالة والشركة.

قال: وإذا فسخ وهناك عرض وتقاسماه جاز؛ لأن الحق لهما. قال: وإن طلب أحدهما البيع لزمه بيعه؛ لأن حق [العامل] في الربح وحق رب المال في رأس المال وتحصيل كل من الحقين موقوف على البيع، فيتعين عند الطلب والفاعل له هو العامل.

وحكم وارث أحدهما في طلب البيع حكم مورثه، ولا يحتاج العامل عند موت رب المال إلى إذن [من وارثه] في البيع بخلاف ما لو مات العامل، فإن وارثه يحتاج إلى الإذن من رب المال.

ص: 146

وفي "التتمة" حكاية وجه في العامل أيضاً أنه لا يبيع إلا بإذن، وهو جار في استيفاء الديون.

ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يطلب البيع في زمان كساد العروض أو رواجها، ولا بين أن يترك حقه لرب المال عند طلبه البيع أم لا.

وقيل: إذا قلنا: إن العامل لا يملك إلا بالقسمة فدفع له رب المال قدر حصته من الربح، أو طلب مقاسمة العروض وأبى العامل إلا البيع أن المالك لا يجبر عليه على وجه في "المهذب"، وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما في الحالة الأولى؛ لأن المعير إذا بذل قيمة ما غرسه المستعير في أرضه بعد رجوعه في العارية ليتملكه عليه؛ جاز لدفع الضرر فهاهنا أولى، وهذا ما صححه في "البحر".

وإن ترك العامل الربح لرب المال مع طلبه البيع لا يجبر العامل على البيع على وجه في "المهذب" وغيره.

وفي "الوسيط": أن العامل إذا ترك حقه لرب المال على القول الذي عليه فرعنا، وهو أن العامل لا يملك إلا بالقسمة، هل يسقط حقه؟ فيه وجهان كالوجهين في إجباره على البيع عند خلو المال عن الربح.

وأظهرهما، وبه قال الشيخ أبو محمد وأبو علي والقاضي الحسين: أنه يجبر، وبه جزم العراقيون.

وجزم في الوسيط بأن المال إذا لم يكن فيه ربح، وطلب العامل البيع، لا يجبر عليه رب المال إلا أن يوجد من يشتريه بزيادة على رأس المال.

وحكى الإمام مع ذلك وجهاً آخر: أنه يجبر على البيع؛ لاحتمال مصادفة زبون. وهو ما جعله القاضي الحسين الظاهر.

قال الإمام: وعند هذا يتجه ألا ينفذ بيعه بثمن المثل.

وعلى الأول لو اتفق ارتفاع الأسواق، وظهر [في المال] ربح بعد رد العروض على المالك فهل للعامل طلب نصيبه من الربح؟ فيه وجهان.

أظهرهما: وبه جزم الماوردي: المنع.

تنبيه: ظاهر كلام الشيخ يقتضي وجوب بيع جميع العروض عند الطلب

ص: 147

والذي [جزم به] المحققون كما ذكره الإمام أن الذي يلزم تنضيضه قدر رأس المال؛ لأنه الملتزم بعقد القراض، وأما الباقي فحكمه حكم عرض آخر مشترك بين اثنين لا يكلف واحد منهما بيعه، وكلام الماوردي، والقاضي أبي الطيب منطبق عليه.

ثم ما يباع به العرض: قال الأصحاب: ينظر: إن كان رأس المال من نقد البلد باع به، وإلا باع بما يرى فيه المصلحة من رأس المال أو نقد البلد، ثم يحصل به رأس المال؛ كما لو كان في يده عند الفسخ نقد غير نوع رأس المال، ولم يرض به رب المال، أو كان ما في يده [عند الفسخ] من نوع رأس المال لكنه مكسر، ورأس المال صحاح.

وفي "تعليق" القاضي الحسين حكاية وجه: أنه ليس له البيع إلا بنوع رأس المال.

وعلى الأصح: لو أراد أن يشتري بما في يده عرضاً؛ ليبيعه بنوع رأس المال هل يجوز؟ فيها وجهان:

أصحهما في الرافعي: الجواز، ووجه المنع: خشية تعوق البيع عليه.

قال: وإن كان هناك دين، لزم العامل أن يتقاضاه؛ لينض:

لأنه دخل في العقد على أن يرد رأس المال، وذلك لا يحصل بدون ذلك، هكذا علل الشيخ في "المهذب".

وحكى الرافعي عن الأصحاب: أنهم وجهوا ذلك بأن الدين ناقص، وقد أخذ منه ملكاً كاملاً؛ فيلزمه رده كما أخذه.

وكل من الكلامين يفهم أن رأس المال لو كان ناضاً لا يجبر العامل على تنضيض شيء آخر، وهو موافق لما حكيناه من قبل من أنه لا يجب على العامل بيع ما زاد على قدر رأس المال.

وقد صرح في "المرشد" بأن العامل يجب عليه تنضيض جميع الدين وإن كان زائداً على رأس المال، وخص صاحب رفع التمويه محل وجوب التقاضي على العامل بما إذا كان ثم ربح، أما إذا لم يكن، ففي وجوبه وجهان.

ومعنى قول الشيخ: يتقاضاه، أي يطلب قضاءه واستيفاءه وقوله: لينض أي

ص: 148

يصير نقداً حاصلاً وهو بكسر النون مأخوذ من نضاضة المال وهو بقيته.

قال: وإن قارض في المرض اعتبر الربح من رأس المال وإن زاد على أجرة المثل:

لأن المعتبر من الثلث ما يخرج من المال، والربح من كسب العامل لا من ماله، وحالة شرطه لم يكن مملوكاً لرب المال.

والفرق بينه وبين العامل في المساقاة إذا شرط له أكثر من أجرة المثل؛ حيث يعتبر من الثلث على المذهب أن الثمرة لا تحدث من العمل بدليل أنها تحدث وإن لم يعمل وإنما حصلت من نفس الشجرة فكانت كمنافع الدار.

قال: وإن مات وعليه دين قدم العامل على سائر الغرماء.

أي: وإن قلنا إنه لا يملك بالظهور لتعلق حقه بعين المال، فلا يتقاعد عن المرتهن، وليس للوارث أن يلزم العامل أخذ حقه من غيرها، صرح به في "البحر".

وكما لا يحسب ما شرط للعامل زائداً على أجرة مثله من الثلث، لا يحسب ما اشترطه العامل في المرض لنفسه ناقصاً عن أجرة مثله من الثلث؛ صرح به في "الحاوي".

ولنختم الباب بفروع تتعلق به:

ليس للعامل التصرف في الخمر شراء وبيعاً وإن كان ذمياً، فلو خالف واشترى خمراً أو خنزيراً أو أم ولد ودفع ثمن ذلك عن علم فهو ضامن، وإن كان جاهلاً فكذلك على الأشهر.

وقال القفال: يضمن في الخمر دون أم الولد؛ إذ ليس عليها أمارة يعرفها.

وفي "التهذيب" عن بعضهم: التسوية بين الخمر وبينها في عدم الضمان.

قال الرافعي: وأبعد منه وجه نقله في "الشامل" أنه لا يضمن حالة العلم أيضاً.

ص: 149

ولو قارضه على أن ينقل المال إلى موضع كذا ويشتري به من أمتعة، ثم يبيعها هناك أو يردها إلى موضع القراض، فالذي ذهب إليه الأكثرون- كما قال الإمام- فساد القراض؛ لأن نقل المال من قطر إلى قطر عمل زائد على التجارة، فأشبه شرط الطحن والخبز.

ويخالف ما إذا أذن له في السفر؛ فإن الغرض منه رفع الحرج.

وعن الأستاذ أبي إسحاق وطائفة من المحققين: أن شرط المسافرة لا يضر؛ فإنها الركن الأعظم في الأموال والبضائع الخطيرة.

لو قال: خذ هذه الدراهم قراضاً وصارف بها مع الصيارف؛ ففي صحته وجهان:

لو خلط العامل مال القراض صار ضامناً، ثم مع هذا لا ينعزل عن التصرف والربح مقسوم في رأس المال كما شرط، صرح به الإمام.

وكذا لو قارضه رجلان؛ هذا على مال وهذا على مال، فخلط أحدهما بالآخر، ولو اشترى بمال كل واحد منهما عبداً واشتبها عليه، ففي قول: يباعان ويقسم ثمنهما عليهما بالسوية، فإن زاد ثمنهما على رأس المال قسم الربح بينهما على ما شرط.

وإن نقص لزم العامل النقص، وهو محمول عند المتأخرين على ما إذا لم يكن سببه انخفاض السوق.

ص: 150

وفي قول يحكم بانتقال ملكهما إلى العامل، ويغرم لهما قيمتهما بالسوية، فإن زاد فذاك، وإن نقص غرم قدر النقصان فكأنه مقصر بالنسيان.

وقيل: لا يغرم إلا قدر رأس المال، وهو الذي صار إليه الأكثرون.

وقال الإمام: القياس مذهب ثالث وراء القولين؛ وهو أن يبقى العبدان لهما على الإشكال إلى أن يصطلحا.

لو دفع إليه ألفاً قراضاً ثم ألفاً آخر، وقال: ضمه إلى الأول، فإن لم يتصرف بعد في الأول جاز وكانا رأس المال.

وإن تصرف في الأول لم يجز القراض في الثاني ولا الخلط؛ لأن حكم الأول قد استقر بالتصرف ربحاً وخسراناً، وربح كل ماله وخسرانه يختص به، والله أعلم بالصواب.

ص: 151