الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العبد المأذون
اشتقاق العبد من الخضوع والتذلل، يقال: طريق معبد أي مذلل، وعبدت فلاناً أي: اتخذته ذليلاً.
قال: إذا كان العبد بالغاً رشيداً، جاز للمولى أن يأذن له في التجارة.
قال الرافعي: بالإجماع؛ ولأنه أهل للتصرف، والمنع كان لحق السيد، فإذا أمره؛ فقد ارتفع المانع.
ولا يشترط في صحة ذلك أن يدفع إليه السيد مالاً؛ ليتجر فيه، بل يجوز ذلك، ويجوز أن يأذن له في أن يشتري في ذمته، كذا أطلقه ابن الصباغ في أواخر باب القراض، وظاهره [يقتضي]: أنه لا يحتاج عند الإذن في الشراء في الذمة إلى التقييد بقدر معلوم؛ لأن ذلك لا يثبت في ذمة السيد- كما سنذكرهح فشابه إذنه للعبد في النكاح، فإنه لما كان المهر في ذمة العبد، لم يفتقر إلى تعيين المهر ولا الزوجة.
نعم: من قال من أصحابنا: إن السيد يكون مطالباً بدين التجارة يجوز أن يشترط تعيين ما يتجر فيه؛ [لما في كثرة التصرفات من الإضرار بالسيد، وهل يشترط تعيين ما يتجر فيه]؟
المنقول عن أبي طاهر الزيادي اشتراطه، واختاره الصعلوكي.
وعن الجيلي وغيره: لا، بل له التصرف في أنواع الأموال، ولا يجوز للعبد إذا دفع إليه السيد مالاً ليتجر فيه أن يشتري بأكثر منه إلا أن يقول [له] السيد: اجعله رأس مالك، وتصرف، واتجر- فله أن يشتري بأكثر من المدفوع إليه، [وله] في كل حال عند [إطلاقه الإذن] أن يعقد على عين ما دفعه له السيد وبقدره في الذمة.
قال: وما يكسبه يكون لمولاه؛ لأنه إن اشترى بما دفع إليه من المال؛ فهو عوض ماله، وإن اشترى في الذمة، فالمشتري من أكسابه، وأكساب العبد لسيده.
قال: وما يلزمه من دين التجارة يجب قضاؤه من مال التجارة؛ لتناول إذن السيد لذلك، ويستوي في ذلك الربح ورأس المال، ومن هذا يظهر أن مال التجارة [كالمرهون] بحقوق الغرماء؛ لأنه يتعلق حقهم في ذمة العبد، كما صرح به الإمام في "النهاية" وسنذكر عن الماوردي وغيره ما ينازع فيه.
قال: فإن بقي [عليه] شيء اتبع به إذا أعتق، أي: ولا يتعلق برقبته؛ لأنه دين لزمه برضا مستحقه فتعلق بذمته دون رقبته، كما لو أقرض بغير إذن السيد، وكما لا يتعلق برقبته لا يتعلق بأرش الجناية عليها، ولا بالمهر إذا كان المأذون له جارية وقد وطئت مستكرهة.
واعلم أن قول الشيخ: [فإن بقي شيء اتبع به إذا عتق] مع كلامه الأول يدل على أمرين:
أحدهما: أن دين المعاملة يثبت في ذمة العبد، ولا تعلق له بشيء من أكساب العبد من احتطاب ونحوه.
والثاني: أنه لا تعلق له بذمة السيد كما صرح به [ابن] الصباغ، وقد حكى الإمام في تعلق دين المعاملة بأكساب العبد من احتطاب، واحتشاش، ونحوه [وجهين].
أصحهما: التعلق مع قطعه بألا ينفذ تصرف العبد فيه.
وصاحب "التهذيب" أجرى الوجهين في جواز التصرف أيضاً، وصحح وجه التعلق به والتصرف.
[و] على هذا: إذا فضل عليه شيء من الديون بعد القسمة، استكسب إلى أن يوفيه، فإن لم يتفق الوفاء حتى عتق، قال الإمام: فلا شك أنه مطالب؛ فإنه لا يتصور أن يتعلق دين بالكسب إلا وهو متعلق بالذمة.
ثم إذا أدى، فهل يرجع على مولاه؟ [فيه] وجهان:
أظهرهما في الرافعي: عدم الرجوع.
وحكى الإمام- أيضاً- في مطالبة السيد بدين التجارة ثلاثة أوجه:
أحدها: لا، كما دل عليه كلام الشيخ؛ لأن السيد بالإذن قد أعطاه استقلالاً، فشرط من تعامله قصر الطمع على ما في يده وذمته.
والثاني: أنه مطالب؛ لأن العقد وقع له؛ فكأنه المشتري، أو لأن العبد وكيل، والموكل مطالب بما يشتريه الوكيل؛ فكذلك السيد، وهذا ما صححه الرافعي وصار إليه القياسيون.
والثالث: أن السيد لا يطالب إذا كان في المال الذي في يد العبد وفاء، وإن لم يكن فيه وفاء بالديون طولب.
قال الإمام: ولا خلاف في أن العبد يطالب في حال الرق وبعده، بخلاف الوكيل على رأي؛ لأن عقد العبد يعتمد أكسابه، وهي مملوكة للسيد، ولا يتأتى تعلق الطلبة بالكسب ما لم يتعلق بالذمة، وأمر السيد للعبد في الابتياع استخدام يجب عليه إمساكه؛ فأفضى الأمر إلى ذلك، بخلاف الأجنبي؛ فإن ذلك مفقود فيه.
وكما يطالب العبد بثمن ما ابتاعه، فهو مطالب بما قبضه [بها عما] خرج مستحقاً، وقد باعه، وتلف ما قبضه في يده.
وهل يطالب به السيد؟ [فيه] الأوجه المذكورة آنفاً، وضعف الإمام الوجه الصائر إلى عدم المطالبة، وقال: لولا أن في "التقريب" رمزاً إليه لم أحكه.
وحكى غيره عن ابن سريج: أن السيد إن كان قد دفع إليه عين ماله، وقال: بعها، وخذ ثمنها، واتجر فيه؛ أو قال: اشتر هذه السلعة وبعها، واتجر في ثمنها ففعل، ثم ظهر الاستحقاق- فالسيد [مطالب].
فإن استقل العبد بالشراء دون تعيين السيد، [فلا يطالب السيد][وقد]
حكى الإمام وجهين [في] أن العبد في هذه المسألة لا يطالب أصلاً؛ لأن عبارته مستعارة في "الوسيط"؛ فيده يد سيده، وقال: إنه مزيف.
فرع: إذا دفع السيد للعبد ألفاً للتجارة، فاشترى العبد شيئاً في الذمة بألف، وتلف الألف قبل القبض – فالصحيح عند المراوزة: أن السيد يلزمه ألف بدله.
وقيل: لا يلزمه.
فعلى الأول: إذا نقد السيد الألف في الثمن، ثم انفسخ العقد، هل ينفذ تصرف العبد بالألف [بالإذن] السابق أم لا بد من استئناف إذن؟ فيه وجهان، وعليهما ينبني فسخ العبد العقد بأمر رأي فيه الغبطة: فإن قلنا: لا ينفذ تصرف العبد في الألف؛ فقد انعزل بتلف الألف الأولى.
وإن قلنا: ينفذ، فهو باق على الإذن؛ فينفذ فسخه.
وعلى الثاني: هل ينفسخ العقد كما لو ورد العقد على عينه، أو يكون السيد بالخيار: إن شاء دفع الألف واستمر العقد، وإن شاء لم يبذله ويكون للبائع فسخ العقد حينئذ؟ فيه وجهان:
ثانيهما: اختيار الشيخ أبي محمد: وإليه مال الإمام، وأولهما اختيار القاضي الحسين، والوجهان في الأصل قبل التفريع ينبنيان على نظير المسألة في القراض، وقد رجع حاصل ما ذكرناه عند الاختصار إلى ثلاثة أوجه، وحكى الرافعي معها وجهاً رابعاً: أن الثمن يكون في ذمة العبد.
قال: ولا يجوز أن يتجر إلا فيما أذن له فيه؛ لأن تصرفه بحكم الإذن [يقصر على محل الإذن]؛ كالمضارب فلو أتجر فيما لم يؤذن له فيه، نظر: إن كان بعين المال بطل، ويجيء فيه قول وقف العقود.
وإن كان في الذمة، فهل يصح؟ حكمه حكم غير المأذون إذا اشترى شيئاً [بثمن] في ذمته، وفيه قولان:
اختيار الإصطخري وأبي إسحاق كما حكاه في "المهذب": المنع، وهو الذي صححه الرافعي، وحكى الإمام وصاحب التقريب القطع [به] وعليه يدل كلام
القاضي أبي الطيب من بعد [واختار ابن أبي هريرة الصحة وهو ما حكاه في "المرشد"، وقال في كتاب التفليس: إن الشيخ أبا علي قال في "شرح التلخيص" إنه المذهب]؛ لأنه محجور عليه لحق السيد؛ فنفذ تصرفه فيما لا ضرر عليه [فيه]؛ كالمفلس.
وفرق الإمام بينهما بأن المفلس من أهل التملك بخلاف العبد، وعماد الشراء إمكان الملك للمشتري.
وهذا الخلاف يجري في عقود المعاوضات الصادرة منه سوى النكاح كما ذكرناه عن الأصحاب في باب الضمان.
فعلى الأول لا يخفى الحكم [وإذا تلف المال في يده تعلق بذمته؛ وما المتعلق بها؟ المذهب: إنه القيمة، وفي كتاب الإقرار من "النهاية" وجه أنه ثمن ما أتلفه]؟
وعلى الثاني: الملك واقع للعبد أو للسيد؟ فيه وجهان في الرافعي: المذكور منهما في النهاية الأول، ونسبه إلى العراقيين، وقال: إنهم قالوا: السيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين أن ينتزعه السيد من يده، وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد، فإن انتزعه السيد من يده؛ امتنع عليه الرجوع في هذه الحالة، وأبدى احتمالاً في جواز الرجوع، وأقامه الرافعي وجهاً، وقال: على قول وقوع الملك للسيد: إن علم البائع بالحال، لم يطالب بشيء حتى يعتق [العبد] فيطالبه، وإن لم يعلم فهو بالخيار بين أن يصبر إلى أن يعتق العبد وبين أن يفسخ، ويرجع إلى عين ماله.
وحكى الإمام في كتاب التفليس وجهين فيما إذا علم البائع برق المشتري حالة العقد:
أحدهما: يثبت له الخيار، وهو الذي حكاه الشيخ أبو علي في الشرح.
والثاني: حكاه غيره: أنه لا خيار [له].
وحكى بعد ذلك في فرع عن الشيخ أبي علي القطع بعدم الفسخ فيما إذا كان
الثمن مؤجلا، ولم يحل، وكذا إذا حل وأبدى لنفسه [إذا حل احتمالاً].
فرع: هل يجوز للمأذون وغيره قبول الوصية والهبة من غير إذن السيد؟ فيه وجهان:
مختار الإصطخري: المنع.
وأصحهما: الصحة؛ لأنه اكتساب لا يستعقب عوضاً؛ فأشبه الاحتطاب.
وادعى القاضي أبو الطيب في كتاب الوصية: أنه الذي قال به [أكثر] الأصحاب، وأنه المذهب.
ثم قال: ومثل هذه المسألة إذا اشترى العبد من رجل شيئاً [بثمن] في ذمته، فهل يصح البيع أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح، ويملك السيد ما اشترى العبد، ويثبت الثمن في ذمته يتبعه البائع به إذا عتق.
قال: فإن أذن له في التجارة لم يملك الإجارة؛ لخروجها عن التجارة ويملك البيع، والشراء، والمطالبة بالأثمان، وقبض السلع، والرد بالعيب، وطي الثياب ونشرها، ونحو ذلك مما جوز لعامل القراض؛ لأنه حقيقتها.
وأطلق الرافعي القول بأن له المخاصمة في العهدة وغيرها.
وقد ذكرنا خلافاً في [أن] عامل القراض هل له المخاصمة عند غصب مال القراض أو إتلافه؟ ويتجه أن يكون هنا مثله.
قال: وقيل يملك ذلك في مال التجارة أي: كالعبيد، والدواب؛ لأن المنفعة من فوائد الملك، فملك العقد عليها: كالصوف، واللبن.
ولأن التجار يعتادون ذلك، فجرى الإذن عليه، ولا يملك [ذلك] في نفسه؛ لانتفاء هذا المعنى؛ وهذا هو الأصح في الرافعي.
وحكي عن الحليمي أنه يجوز أن يؤجر نفسه أيضاً، وحكاه مجلي في كتاب الإجارة وأن مأخذه أن الإذن في التجارة هل يتضمن الإذن في منافع نفسه أم لا؟ وقد حكيناه من قبل.
فرع: هل يملك المأذون الاستقراض بحكم الإذن في التجارة؟
حكى الإمام في كتاب الإقرار عن القاضي تردداً فيه، فإن قلنا يملكه: كان وفاؤه كوفاء ديون التجارة [كما تقدم].
قال: ولا يتصرف إلا على وجه النظر والاحتياط؛ ولا يهب، [ولا] يتخذ دعوة، ولا يبيع بنسيئة، ولا بدون ثمن المثل [أي] بما لا يتغابن بمثله، ولا يسافر بالمال إلا بإذن المولى؛ لأنه متصرف للغير؛ فلم يملك ذلك دون إذنه؛ كالوكيل.
وهذا إذا دفع إليه السيد مالاً؛ ليتجر فيه، أما إذا قال: اتجر بجاهك، ولم يدفع له مالاً- فله البيع والشراء في الذمة حالاً ومؤجلاً، وكذا له الرهن والارتهان؛ إذ لا ضرر فيه على السيد، فإن فضل في يده شيء؛ كان كما لو دفع إليه مالاً؛ كذا حكاه الرافعي في [كتاب الرهن].
والمراد بالدعوة الضيافة، وهي بفتح الدال عند جمهور العرب.
قال: وإن اشترى من يعتق على مولاه بغير إذنه لم يصح الشراء في أصح القولين؟ لأن المقصود تحصيل الربح، وذلك ضده فلم ينفذ؛ كما في عامل القراض، وهذا ما نص عليه في "المختصر"، واختاره المزني ويستوي فيه الشراء بالعين و [في] الذمة؛ كما قاله أبو إسحاق.
والقول الثاني: أنه يصح؛ لأن العبد لا يصح منه الشراء لنفسه، وإذا أذن له السيد فكأنه أقامه مقام نفسه في جميع الابتياع والتصرف؛ بخلاف العامل، وهذا ما نص عليه مع الأول في الدعاوى والبينات.
ومحله: إذا لم يكن عليه دين.
أما إذا كان عليه دين؛ فإن قلنا: لا يصح عند عدم الدين فها هنا أولى.
وإن قلنا: يصح فهاهنا قولان:
أحدهما: يصح ويباع العبد.
والثاني: يبطل الشراء.
قال الروياني: - وهذا حسن قاله أبو إسحاق وقال ابن أبي هريرة وجهان:
أحدهما: لا يصح.
والثاني: يصح ويعتق [عليه] ويكون دين الغرماء في ذمة السيد، فحصل في حالة الدين ثلاثة أوجه كما حكاه ابن الصباغ:
أحدها: يبطل الشراء.
الثاني: يصح، ولا يعتق.
والثالث: يصح، ويعتق، والثمن في ذمة السيد.
قال: وإن اشترى أباه بإذنه أي اشترى العبد أبا سيده بإذنه صح الشراء؛ إذ المنع كان لحقه فسقط بإذنه وعتق عليه إن لم يكن عليه دين؛ لتحقق الملك، وعدم تعلق حق الغير به.
قال: وإن كان عليه دين ففي العتق قولان:
وجه المنع: تعلق حقوق الغرماء به.
ووجه الوقوع: تحقق الملك.
قال المحاملي وغيره: وهذان القولان، كالقولين في عتق الراهن فإن نفذناه فعلى السيد قيمته للغرماء، فلو كان معسراً.
قال الشيخ أبو حامد لم يعتق وجهاً واحداً، وهذا منه يدل على [أن الغرماء يتعلق حقهم بما في يد العبد قولاً واحداً، وفي كلام الماوردي ما يدل على] خلاف فيه فإنه قال: [إذا اشترى] العبد بإذن سيده والده، فهل يعتق بمجرد الشراء، أو دفع الثمن؟ فيه وجهان مبنيان على وجهين في أن غرماء العبد هل ملكوا حجراً بديونهم على ما [في يده] أم لا؟
فروع:
أحدها: إذا اشترى العبد المأذون جارية، فهل يجوز للسيد تزويجها؟
ينظر: إن لم يكن عليه دين؛ جاز بإذن العبد، وهل يجوز بدونه؟ فيه وجهان:
أصحهما: نعم.
والثاني: لا، إلا أن يعيد الحجر عليه.
وإن كان عليه دين: فإن زوجها بإذن الغرماء والعبد- صح، وإن زوجها بإذن العبد دون الغرماء، أو [بإذن] الغرماء دون العبد- لم يصح على أصح الوجهين؛ لأنهم يتضررون به.
أما العبد؛ فلأن التزويج ينقص قيمتها، والباقي من الدين يتعلق بذمته. وأما الغرماء؛ فلأنهم لم يرضوا بتأخير حقوقهم وتعلقها بذمته إلى أن يعتق.
وبيع السيد وهبته ووطؤه هذه الجارية؛ كالتزويج في حالة قيام الدين وعدمه؛ هكذا حكاه الرافعي في كتاب النكاح.
ولم يحك في "التتمة" خلافاً في جواز البيع، بل استشهد به على جواز التزويج بغير إذن الغرماء.
[وألحق الإمام] في كتاب الضمان تبرع السيد بما في يد العبد قبل الحجر عليه بوفاء مال الضمان مما في يده بعد الإذن فيه، وقال: إن فيه قولين.
وإذا وطئ بغير إذن الغرماء فهل عليه المهر [لهم]؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ كما لو وطئ المرهونة.
والثاني: يجب، والفرق: أن منفعة المرهونة للراهن، ومنفعة رقيق المأذون الذي عليه دين لا تكون للمالك.
ولو أحبلها، فالولد حر، والجارية أم ولد؛ إن كان موسراً، وإن كان معسراً لم تصر أم ولدن وتباع في الدين، ويجب عليه قيمة الولد.
الثاني: لا يجوز للسيد معاملة عبده المأذون في الشراء والبيع منه؛ لأن ما في يده ملكه، بخلاف المكاتب.
وحكى الإمام في آخر باب القراض عن العراقيين في جواز معاملته إذا ركبته الديون وجهين.
الثالث: لا يجوز لمن عرف رق المأذون ولم يعرف الإذن له معاملته [فلو عامله، ثم ظهر أنه مأذون له كان كما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هو
ميت، ولمن لا يعرف رقه ولا حريته] ويجوز لمن عرف الإذن للعبد أن يعامله، وله أن يمتنع من دفع ثمن ما يشتريه منه إليه إلا ببينة تشهد بالإذن؛ خشية من إنكار السيد، كما قلنا فيما إذا اعترف من عليه دين لشخص بأنه وكيل عن رب الدين، ولو شاع في الناس أنه مأذون له ولا بينة، فهل يجوز معاملته؟ فيه وجهان: أصحهما: نعم؛ لأن إقامة البينة لكل معامل مما يشق.
ولو عرف كونه مأذوناً، فقال العبد: حجر على السيد امتنع عليه معاملته، وكذا لو قال السيد: لم أعزله على أصح الوجهين ولا ينعزل العبد بإباقة بحال، وكذا بعزله نفسه كذا صرح به المتولي.
قال: وإن ملكه السيد مالاً لم يملكه في أصح القولين وهو الجديد؛ لأنه مملوك فلم يملك؛ كالبهيمة؛ ولأن التمليك سبب يملك به المال فلا يملك به العبد؛ كالإرث، ويملك في الآخر وهو القديم ملكاً ضعيفاً يملك المولى انتزاعه منه؛ لقوله عليه السلام:"من ابتاع عبداً وله مال؛ فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" فأثبت له ملكاً، وجعله يرجع للسيد بالبيع، وذلك يدل على ضعفه.
قال: ولا تجب فيه الزكاة أي لا على العبد؛ لضعف ملكه، ولا على السيد لزوال ملكه عنه، وكذا لا يعتق على العبد أباه إذا كان هو الملك.
وقد قال الأصحاب: إن الحديث غير ثابت، على أنه حجة الجديد، فإن العبد لو ملك لم يكن للبائع، وقد دل الحديث على أنه للبائع فدل على أن العبد لم يملكه، والإضافة إليه غير حقيقية على القديم.
فروع:
أحدها: هل يحتاج العبد إلى القبول عند التملك؟ فيه وجهان ينبنيان على أن السيد هل يملك إجبار عبده على النكاح؟ حكاهما في "التتمة" في كتاب البيوع
قبل الفصل الرابع في اعتبار القدرة على التسليم بورقتين.
الثاني: إذا كان الملك جارية فهل يحل له وطؤها؟ الذي جزم به ابن الصباغ: الحل، وجعله فائدة الملك، وكذا التكفير بالمال، والذي حكاه الإمام: أن السيد إن أذن له في الوطء جاز عند الجمهور خلافاً للأستاذ أبي إسحاق، وإن لم يأذن له امتنع عند الجمهور.
وفيه وجه ضعيف، ثم قال: ولعل صاحب "المهذب" يطرد مذهبه في أكل الطعام المملك، وشرب الشراب.
نعم كل ما يقتضيه زوال الملك فهو متعلق بتمليك السيد عبده من انقطاع الحول، ووجوب الاستبراء إذا رجع، وما يتعلق بصورة الملك فهو يحصل بملك العبد؛ كانفساخ النكاح [إذا ملكه][زوجته، وما يستدعي كمالا في الملك لا يحصل في ملك العبد؛ كتقدير العتق] إذا ملكه سيده أباه أو ابنه.
الثالث: إذا ملك الرجل عبدين: سالماً، وغانماً، فملك كل واحد منهما صاحبه- فالملك يثبت للآخر على الأول.
ولو وكل وكيلين حتى يهبا سالماً لغانم وغانماً لسالم، ثم جرى ذلك منهما جميعاً- لم ينفذ واحد منهما.
الرابع: السيد لا يعامل عبده فيما ملكه حتى لو ابتاع منه شيئاً فما ابتاعه منه راجع إلى السيد، وما بذله السيد [من الثمن هل يملك للعبد]؟ فيه وجهان:
أصحهما في النهاية: لا.
الخامس: إذا أتلف ما ملك العبد، فهل ينقطع حق العبد، وتكون القيمة للسيد، أو تنتقل القيمة إلى العبد؟ فيه وجهان:
أفقههما: الانقطاع؛ حكاهما الرافعي في الركن الرابع من القسامة.
السادس: لو أعتق السيد قبل أن يسترجع منه ما ملكه هل ينقطع ملك العبد ويعود إلى السيد؟
قال الماوردي في كتاب القسامة: إنه لا يسترجعه منه؛ كما إذا ملك أم ولده شيئاً، وقلنا بالقديم إنها تملكه، فإن للورثة الانتزاع منه؛ لبقائه على رقه.
وفي "تعليق" القاضي الحسين في كتاب القسامة أيضاً: أنه لو أعتقه عاد الملك إليه، والله أعلم.