الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المساقاة
المساقاة اسم لعقد لازم، يعقده مالك الشجرة مع إنسان يحسن القيام بتعهد الأشجار، على أن ما يرزقه الله من ثمرة فيها يكون بينهما على حسب ما يشترطانه.
واشتق هذا الاسم من السقي دون سائر الأعمال؛ لأنه [أنفع الأعمال فيها] وأكثر، لاسيما في الحجاز، فإن غالب ما تسقى الأشجار فيه من الآبار.
وقيل: لأنها معاملة على ما يشرب بساقٍ.
وقيل: لأن موضع النخل والشجر يسمى سقياً فاشتقوا اسم المساقاة منه.
والأصل في مشروعيتها قبل اتفاق الصحابة والتابعين عليها: ما روى مسلم عن ابن عمر، قال:"أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع".
وروي عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم "أعطى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم [شطرها] ".
وغير ذلك من الأخبار، ولا يقال: إن أهل خيبر كانوا عبيداً للمسلمين وأن أرض خيبر كانت لأهل خيبر، فما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مخارجة أو جزية؛ لأن عمر أجلاهم عنها لما سحروا ولده عبد الله فتكوعت يده.
ولو كانوا عبيداً للمسلمين، أو الأرض لهم؟ لما فعل عمر ذلك.
وأيضاً: فقد قال عمر لرسول الله: "إني ملكت مائة سهم من خيبر، وهو مال لم أصب قط مثله .. ؟ " الحديث. وذلك ينفي السؤال.
ومن جهة المعنى: أن الأشجار أعيان لا يجوز إجارتها ولا [يزكو نماؤها] إلا بالعمل عليها فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها؛ كالدنانير، والدراهم في القراض، ولا ترد المزارعة، لأن إجارة الأرض ممكنة ولا المساقاة على أصول البطيخ ونحوها؛ لأنها تنمى من غير عمل والعمل يقع في غيرها وهو الأرض.
قال: من جاز تصرفه في المال صح منه عقد المساقاة لأنه تصرف في المال.
قال: وينعقد بلفظ المساقاة؛ لأنه موضوع له وبما يؤدى معناه أي كقوله: اسق هذا النخل، وتعهده بكذا من ثمرته؛ لوفائه بالمقصود.
قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا من الأئمة جواباً على انعقاد العقود الكنايات مع النية، أو يكون ذهاباً إلى أن صرائح هذا العقد غير محصورة؛ كما قيل في الرجعة على رأي، ولا بد في هذا العقد من القبول لكونه لازماً بخلاف القراض حيث لم يشترط على وجه؛ كما صار إليه القاضي فيما إذا لم يأت بلفظ القراض، ولا يشترط مع ذلك بيان أعمال المساقاة، بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب إذا عرفه المتعاقدان دون ما إذا لم يعرفه أحدهما.
وفيه وجه: أنه يشترط تفصيلها وإن عرف العرف؛ لأنه يكاد يضطرب.
فروع:
لو قال خذ هذه النخلة واعمل عليها بكذا، ففي ابن يونس: أنه يصح.
وفي "النهاية": أنه لا يصح ما لم يبين الأعمال التي تستحق على العامل.
ولو قال عاملتك على هذه الأشجار لتعمل عليها على كذا ففيه وجهان:
وجه البطلان: أن هذا من أحكام العقد، فلم ينعقد [به] العقد.
قال الماوردي: وهذان الوجهان من اختلاف أصحابنا في البيع إذا عقد بلفظ التمليك، ومقتضى هذا: أن يكون الصحيح عنده المنع؛ كما حكاه في لفظ التمليك، وعلى قول الصحة هل يحتاج إلى تفصيل الأعمال؟ فيه تردد حكاه الإمام.
ولو قال: استأجرتك على سقي هذه الأشجار، وتعهدها بكذا من ثمرها وهي مفقودة؛ لم يصح إجارة؛ لجهالة الأجرة، ولا كناية في المساقاة؛ لأن ذلك عقد على منفعة.
ولفظ الإجارة صريح فيه فلا يكون كناية فيه.
وفي "الوسيط" حكاية وجه: أنه [يجوز]؛ لما بين العقدين من المشابهة، وهو جار في انعقاد الإجارة بلفظ المساقاة.
وحاصل الخلاف كما قيل راجع إلى أن العبرة باللفظ أو المعنى.
وإن كانت الثمرة موجودة لم يبد صلاحها لم تصح إجارة أيضاً؛ لأن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لا يصح بدون شرط القطع.
وقطع البعض متعذر.
ولا تصح مساقاة على الوجه الضعيف أيضاً إن منعنا المساقاة [على] الثمرة الموجودة، وإن جوزناها:
فيتجه أن يجيء الوجه الضعيف هنا أيضاً.
وإن كان قد بدا صلاحها- صح العقد إجارة.
قال: ويجوز على الكرم والنخل أما [على] النخل؛ فلما تقدم.
وأما [على] الكرم فبعضهم قال: إن الشافعي قاسه على النخل بجامع ما اشتركا فيه من وجوب الزكاة وظهور الثمرة وإمكان خرصها.
وقال الماوردي إنه أشبه، وبعضهم قال إن الشافعي أخذه بالنص، وهو ما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "عامل أهل خيبر على الشطر مما يخرج من النخل والكرم"، كذا حكاه في "البحر".
وهذا القول هو ظاهر لفظه في "المختصر"؛ فإنه قال: فإذا ساقى على النخل أو العنب بجزء معلوم؛ فهي المساقاة التي ساقى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرع: هل يجوز الخرص فيهما في المساقاة؟ فيه قولان حكاهما القاضي الحسين وغيره- وفائدتهما تظهر من بعد:
أحدهما: يجوز كما يجوز في الزكاة تمسكاً بما روي أنه- عليه السلام: "أرسل عبد الله بن رواحة خارصاً لخيبر فخرص نخلها عليهم".
والثاني: لا يجوز؛ لأنه ظن وتخمين وما جاء في الحديث كان معاملة بين المسلمين [والمشركين ويعفى في المعاملة مع المشركين ما لا يعفى عنه في المعاملة بين اثنين من المسلمين].
تنبيه: أراد الشيخ بالكرم العنب، وكان الأولى ألا يذكر لفظ "الكرم"، ويذكر لفظ العنب كما حكيناه عن لفظ الشافعي في "المختصر"؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم:"لا تقولوا: الكرم وقولوا: الحبلة يعني العنب".
قال: وفيما سواهما من الأشجار قولان- أي الأشجار المثمرة كالتين والكمثرى والمشمش والتفاح ونحوهما.
وجه الجواز، وهو القديم وبه قال أبو ثور:"ما روى الدارقطني بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بالشطر مما يخرج من النخل والشجر".
ولأن الحاجة تدعو إليها في [هذه الأشجار كما تدعو إليها في] النخل فألحقت به.
ووجه المنع- وهو الجديد والأصح: أنها أشجار لا تجب الزكاة في ثمارها فلا تجوز المساقاة عليها؛ كالموز، والصنوبر.
والخبر محمول على شجر خيبر [ولم يكن][بها] سوى النخل، والكرم، ويخالف النخل والكرم؛ لأن ثمارها لا تنمو إلا بالعمل فيها؛ فالنخل يحتاج إلى اللقاح والكرم للكساح وسائر الأشجار تنمو من غير تعهد وعمل فيها، وبنى القاضي الحسين والفوراني القولين في جواز الخرص في النخل والكرم، كما تقدم: إن جوزناه لم تجز المساقاة فيما عداهما من الأشجار؛ لأن الخرص لا يتأتى فيها، وإلا جاز؛ لأن الخرص على هذا القول ساقط الاعتبار.
قال الماوردي: والخلاف المذكور فيما [إذا] أفردت هذه الأشجار بالعقد عليها، أما إذا وقع العقد على النخل وهي في وسطه قليلة جازت المساقاة عليها تبعاً؛ كما تجوز [المزارعة تبعاً].
التفريع:
إن قلنا بالجديد قال ابن سريج تجوز المساقاة على المقل وجهاً واحداً؟
قال القاضي أبو الطيب: وهو المنصوص والصحيح أنه على القولين. انتهى.
وإن قلنا بالقديم: فهل تجوز المساقاة على شجر الفرصاد الذي يصلح ورقه
للقز، وعلى شجر الخلاف لينتفع بأغصانه بعد سنة أو سنتين؟ فيه وجهان: حكاهما الشيخ أبو علي.
ووجه الجواز إقامة الورق والأغصان مقام الثمرة.
[تنبيه:] احترز الشيخ على القديم بلفظ الشجر عما ليس بشجر من الخضراوات؛ كالبطيخ، والخيار ونحوهما، وعن قصب السكر، والباذنجان والبقول، والقصب ونحو ذلك، فإنه لا يجوز عقد المساقاة عليها.
وفي "التتمة" حكاية وجه فيما إذا كانت البقول تجز مرة بعد أخرى أنه يجوز على القديم.
قال: وإن ساقاه على ثمرة موجودة ففيه قولان:
أحدهما: وهو المنصوص في "الأم"، والصحيح في الرافعي، وقال القاضي الحسين، والإمام: إنه الجديد أنه يجوز.
ووجهه: ما حكاه القاضي الحسين عن الشافعي أن المساقاة لما جازت قبل خروج الثمرة فبعدها أجوز، ومن الغرر أبعد.
قال القاضي: وهذا يدل على أن الذي يخرج كله [لرب النخل]، ثم يستحق العامل جزاء.
والثاني: [أنه] لا يجوز؛ لفوات بعض الأعمال؛ ولأن الثمرة إذا ظهرت فقد ملكها رب النخل، فكان شرط جزء منها للعامل كشرط جزء من النخل.
وهذا القول رواه البويطي كما حكاه الماوردي، وقال إنه المشهور من المذهب، وهو الذي صححه الروياني.
وقال القاضي الحسين، والإمام: إنه القديم واستبعد الرافعي أن يكون هذا قولاً قديماً؛ لأن "البويطي" معدود من الكتب الجديدة [ولا وجه لاستبعاده فإن "الأم" من الكتب الجديدة] أيضاً.
وفيها ما هو معزي إلى القديم.
واعلم أن هذا الخلاف جار على المشهور في الطريق فيما إذا كانت الثمرة
لم يبد صلاحها، أما إذا بدا صلاحها فبعضهم أجراه أيضاً [مجرى] ما لم يتبين نضجها ولم يبق إلا الجداد وهو قضية إطلاق الشيخ، والماوردي حيث قال: حكي عن الشافعي في "الإملاء" جوازه بلا تفصيل، ولعل هذا على قولنا: إن العامل أجير لا شريك، وهو ما صرح به البندنيجي حيث قال: إذا ساقاه بعد ظهور الثمرة وقد بلغت أوان الجداد فهي باطلة قولاً واحداً، وإن كان قد بقي من العمل عليها ما فيه مستزاد فيها بالسقي والتسوية وقطع الحشيش المضر بالنخل ففيه قولان:
قال في القديم: يصح.
وقال في الجديد: لا يصح.
وهذا على الضد مما حكيناه عن الإمام والقاضي.
وبعضهم جزم بالإبطال، وهي الطريقة التي جعلها الرافعي أظهر؛ لأنها لا تتأثر بالعمل بعد، و [بها] جزم ابن الصباغ، والقاضي أبو الطيب.
وحكى القاضي الحسين [الخلاف] في هذه الحالة مرتباً على الخلاف فيما إذا لم يبد صلاحها وأولى بالبطلان.
وفرق بأن بعد بدو الصلاح فات معظم الأعمال، والمساقاة عقد عمل، وقبله بقي المعظم، وجزم الفوراني والمسعودي بالجواز قبل بدو الصلاح لهذا المعنى، وقد حيكنا الخلاف في الجواز بعده.
قال: وإن ساقاه على ودي إلى مدة لا تحمل فيها أي غالباً كما قاله المحاملي، والبندنيجي، وغيرهما لم يصح؛ لأن المقصود أن يشتركا في الثمرة، وذلك معدوم.
وفي "الوسيط" حكاية وجه في الصحة، ولم أر في "النهاية" تصريحاً به.
قال: وهل يستحق أجرة العمل؟
فيه وجهان:
وجه النفي: وهو ما صار إليه المزني، كما حكاه الشيخ في "المهذب" وغيره: رضاه بالعمل بغير عوض؛ إذ المسألة مصورة بما إذا عرف الحال، أما إذا لم يعرفه فإنه يستحقها وجهاً واحداً، وفيما وقفت عليه من "النهاية" حكاية خلاف في هذه الحالة أيضاً.
ووجه الاستحقاق: أن العمل في المساقاة يقتضي العوض فلا يسقط بالرضا، [كالوطء] في النكاح، وهذا ما صار إليه ابن سريج، وبه جزم الشيخ في نظير المسألة عن القراض وهي ما إذا قال: قارضتك على أن [يكون] الربح كله لي، أما إذا كانت تحمل فيها غالباً صح كما صرح به الماوردي وغيره. وعبارة الروياني: أن شرط الصحة أن يقدر بالمدة التي أجرى الله- تعالى- العادة بأن الثمار تطلع فيها إطلاعاً متناهياً وفي هذه العبارة زيادة على الأولى، فإن [بين التناهي] ومجرد الحمل فرقاً ظاهراً.
وفي "النهاية" حكاية وجه: أنها لا تصح، وإن غلب [على] الظن الموجود [فيها ما] لم يتحقق، وضعفه.
تنبيه: الودي: بكسر الدال المهملة وتشديد الياء صغار النخل، وتسمى أيضاً الفسيل.
قال: وإن كان إلى مدة قد تحمل فيها وقد لا تحمل أي: وليس أحدهما أظهر، كما صرح به المحاملي والبندنيجي والجمهور، فقد قيل: يصح؛ لأنه يرجى وجود الثمرة [فيها] فهو كشرط مدة توجد [الثمرة فيها] غالباً، فعلى هذا لو لم تظهر ثمرة لا يستحق [العامل] شيئاً، كما لو ساقاه على نخل يحمل فلم يطلع.
وقيل: لا يصح؛ لأنه عقد أجير على عوض غير موجود ولا الظاهر وجوده، فهو كالسلم في معدوم لا يوجد غالباً في المحل المشروط.
وهذا ما صار إليه أبو إسحاق، وصححه الرافعي وغيره.
قال: وللعامل أجرة المثل أي: على هذا القول وإن لم يطلع؛ لأنه لم يرض أن يعمل مجاناً ولم يسلم نفسه له ما شرط له فرجع إلى البدل ولا خلاف في أنه إذا ساقاه على عشر سنين مثلاً وجوزنا ذلك أنا لا نعتبر العلم بحمل الأشجار، أو الظن به في كل سنة بل يكفي العلم أو الظن بحملها قبل فراغ المدة.
قال: وإن ساقاه على ودي يغرسه ويعمل عليه لم يصح؛ أي: سواء شرط له
جزءاً من الودي أو جزءاً من [ثمرته] عند حدوثها، وقد عقد إلى مدة يحمل في مثلها، [لأن هذا] تعليق للمساقاة على [صفة، وفيه مشابهة المساقاة على] الزرع لكونها لم ترد على أصل ثابت، ولأنه في الحالة الأولى [يشبه المزارعة].
وفي "الحالة" الثانية قد شرط عليه الغرس، وليس [هو] من أعمال المساقاة فكان كضم عير التجارة إلى عمل القراض.
وفي الحالتين وجه عن رواية صاحب "التقريب": أنه يصح، وحكاه في الثانية غيره، وعلى الصحيح إذا عمل العامل في هذا العقد الفاسد استحق أجرة المثل إن كانت الثمرة متوقعة في المدة، وإن لم تكن متوقعة فعلى ما ذكرناه من خلاف ابن سريج والمزني.
قال: ولا تجوز المساقاة إلا إلى مدة معلومة خلافاً لأبي ثور حيث قال: مطلقها يحمل على سنة، ولنا عليه أنه عقد لازم فافتقر [فيه] إلى تقدير المدة حتى لا يتضرر واحد منهما كالإجارة ويخالف القراض حيث لم يعتبر فيه التأقيت؛ لأنه [] يخل بمقصوده؛ لأن الربح ليس له وقت معلوم، وربما لا يحصل في المدة المقدرة، ولحصول المقصود في هذا العقد وهو الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها فإن قيل قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود لما افتتح خيبر:"أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ؛ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ" وهذا يدل على جواز عقدها [لا] إلى مدة فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه – عليه السلام قال ذلك لهم؛ لأنهم لا يرون النسخ فشرط عليهم ذلك؛ قطعا لتوهم من يتوهم منهم اللزوم فيه ومثل هذا الشرط جائز؛ لأنه
عليه السلام كان يوحى إليه، ولا يجوز لواحد منا لعدم الوحي.
الثاني: قاله الماوردي: أنه- عليه السلام إنما شرط ذلك في عقد الصلح لا في عقد المساقاة.
فرع: لو أقت المدة بإدراك الثمار هل يصح؟ فيه وجهان:
وجه المنع فيه. قال الأكثرون: الجهل بوقت الإدراك.
ووجه الجواز وهو الأصح عند الرافعي: أن ذلك هو المقصود في هذا العقد فكان التأقيت به أولى، فعلى هذا لو قال: ساقيتك سنة، فهل يحمل على سنة عربية أو على سنة الإدراك؟ فيه وجهان:
أصحهما عند أبي الفرج السرخسي: الثاني وإن قلنا: بالأول أو أقت بالزمان فأدركت الثمار في بعض المدة وجب على العامل أن يعمل في باقي المدة ولا أجرة له، وإن انقضت المدة وعلى الأشجار طلع أو بلح فللعامل نصيبه منها، وعلى المالك التعهد إلى الإدراك، وإن حد الطلع بعد [تعد] المدة فلا حق له فيه كذا قاله الرافعي.
وأوضح منه ما حكاه في "المهذب" أنه لو ساقاه عشر سنين فانقضت ثم أطلعت ثمرة السنة العاشرة لا يستحق؛ لتقضي مدته وزوال عقده.
وكذلك هو لفظ الماوردي والروياني في "البحر" وقالا: فيما إذا أطلعت قبل تقضي تلك السنة ثم انقضت ولم يبد صلاحها فله حقه فيها، ثم إذا قيل: إنه أجير كان عليه أن يأخذ حقه منها طلعا أو بلحاً، وليس له استيفاء حقه إلى بدو الصلاح.
وإن قيل: إنه شريك كان له استيفاؤه إلى بدو الصلاح وتناهي الثمرة وقد يشكل [الجمع بين] ما حكيته عنهما في صدر هذا الكلام وبين ما قالاه في موضع آخر من كتابيهما، وهو أنه إذا ساقاه إلى مدة تحمل الثمرة فيها غالباً ثم
تأخر الإطلاع فيها لعارض ثم أطلعت بعد تقضيها أما إن قلنا: إن العامل شريك في الثمرة كما هو المذهب كانت الثمرة بينهما؛ لأن ثمرة هذا العام حادثة على ملكهما، ولا يلزم العامل العمل بعد انقضاء المدة.
وإن قلنا: إنه أجير فالثمرة لرب النخل وللعامل أجرة المثل وطريق الجمع يؤخذ من لفظ التأخر لعارض فتكون صورة ما قالاه أولاً: فيما إذا انقضت المدة ولم تحدث الثمرة ولا عارض، وصورة ما قالاه ثانياً: في أن الثمرة لولا العارض لظهرت في المدة.
قال: ويجوز إلى مدة تبقى فيها العين في أصح القولين؛ أي: مثل أن يقول: ساقيتك على [هذه النخيل] خمسين سنة مثلاً.
ووجهه: أنه يجوز عقدها إلى سنة بالاتفاق، وما جاز عقده إلى سنة جاز إلى أكثر منها كالأجل في البيع، والكتابة.
[قال:] ولا يجوز في الآخر أكثر من سنة؛ لأنه عقد غرر جوز للحاجة، والحاجة لا [تدعو] إلى أكثر من سنة؛ لأن منافع الأعيان تتكامل فيها.
وقيل: في المسألة قول ثالث؛ أنه لا يجوز [إلى] أكثر من ثلاثين سنة؛ لأنها شطر العمر فلا تبقى الأعيان على حال واحد أكثر منها في الغالب.
وهذا أخذ من قول الشافعي: يجوز ثلاثين سنة، والصحيح: الأول، وذكر الثلاثين كان على سبيل التكثير لا على سبيل التحديد، أو قاله الشافعي فيما لا يبقى أكثر منها، وعلى هذا إن كانت الشجرة مما تثمر [في] كل سنة، فهل يجب تعيين [كل] حصة كل سنة، أم يكفي قوله:"ساقيتك على النصف"؛ لاستحقاق النصف كل سنة؟ فيه طريقان في "المهذب" وغيره:
أحدهما: [إجراء] وجهين أو قولين كما سنذكرهما في الإجارة.
والثاني: القطع بالوجوب، وبها جزم الماوردي، والفرق أن الاختلاف في الثمار يكثر وفي المنافع يقل.
قال: ولا يجوز إلا على جزء معلوم من الثمرة؛ لأنه أنفى للغرر وأقطع للمنازعة.
واحترز الشيخ بلفظ الثمرة عن أن يجعله من غيرها فإنه لا ينعقد العقد مساقاة بل إجارة إن وجد شرطها.
قال: كالثلث والربع والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ساقى أهل خيبر على الشطر مما يخرج من ثمر وزرع مع جهل قدره، وقد اتفق العلماء حتى أهل الظاهر على أنه لا يشترط التقييد بالشطر؛ فتعين أن المراد التقييد بالجزء.
قال: وإن شرط [أن] له ثمرة نخلات بعينها أو آصعاً معلومة من الثمرة لم يصح؛ لأنه خلاف ما ورد الخبر به، ولما ذكرناه في القراض والحكم عند قوله: ساقيتك على هذا النخل من غير أن يذكر شيئاً من الثمرة، أو على أن لي النصف، أو على أن لك النصف، أو على أن الثمرة بيننا، أو على أن الثمرة كلها لي؛ كالحكم المذكور في القراض وفاقاً وخلافاً صرح به الرافعي والماوردي؛ حتى حكي عن ابن سريج فيما إذا قال: ساقيتك وأطلق أنه يصح على نصف الثمرة.
وحكي عن الأكثرين فساد العقد فيما إذا قال: على أن الثمرة بيننا.
ولو قال: ساقيتك على أن الثمرة كلها لك؛ قال الأصحاب: فسد العقد، ولا يجيء فيه ما ذكرناه في القراض أن الثمرة تكون للعامل [على] وزان أن الربح كله للعامل؛ لأن هناك قدرنا المدفوع إليه قرضاً وهاهنا لا يمكن قرض الأشجار، ولكن هل للعامل أجرة عمله؟ فيه وجهان في "الإبانة":
ووجه المنع: أنه عمل وعنده أنه يعمل لنفسه، ومن عمل لنفسه لا يستحق أجرة على غيره.
وفي "التتمة" حكاية وجه في صحة العقد إذا شرط كل الثمرة للعامل لغرض القيام بتعهد الأشجار وتربيتها، ويجوز إذا ساقاه على ثلاث سنين مثلاً وأن يجعل للعامل في السنة الأولى النصف، وفي الثانية الثلث، وفي الثالثة السدس وبالعكس كما جزم به في "الحاوي" وحكاه ابن الصباغ عن ابن أبي هريرة، وحكي عن غيره: أنه خرج ذلك على ما إذا أسلم في قمح وشعير إلى أجل واحد، لاختلاف السنين في الأحكام.
وهل يجوز أن يشترط له نصف [الثمرة السنة الثالثة دون ما عداها؟ فيه وجهان في "المهذب" وغيره:
أحدهما: وهو الذي قطع به المحققون: المنع كما لا يجوز أن يشترط له نصف] ثمرة السنة الأولى دون ما عداها، ولا خلاف أنه إذا لم يغلب حدوث الثمرة إلا في السنة الأخيرة فساقاه على شطر ثمرتها أنه يصح، ويجب الوفاء بالشرط حتى إذا حدثت ثمرة نادرة قبل ذلك اختص بها رب النخل.
ولو كان في هذه الحالة العقد بصيغة: أن ما حصل من الثمار في المدة المذكورة فلك منه كذا، ولم يقع التخصيص بثمار السنة الأخيرة؛ فالثمرة النادرة تقسم كما تقسم الغالبة- صرح به الإمام.
ويجوز إذا كان النخل أنواعاً معروفة لهما أن يجعل له من ثمرة نوع نصفها ومن النوع الآخر ثلثها، ولا يجوز ذلك عند جهل أحدهما بالأنواع.
فرعان:
أحدهما: العرجون هل يدخل في المساقاة؟ فيه وجهان في "البحر".
الثاني: سواقط النخل من السعف والكرناف والليف لرب النخل؛ لأنه ليس من مألوف الثمار ولا مقصود النخل، فإن شرطه العامل لنفسه بطل، وإن شرط بينهما على نسبة معلومة؛ ففي صحة المساقاة وجهان في "الحاوي".
قال: فإذا انعقد لزم كالإجارة هذا من الشيخ مغن عن التعليل، لكن يحتاج إلى بيان الجامع، وهو أنهما عقدان على عمل على العين مع بقائها، وبهذا خالفا القراض، فإن العامل فيه متصرف في العين بإذن مالكها، كالوكيل، فلذلك كان جائزاً كالوكالة.
وفرق الماوردي بينهما بأن نماء النخل في المساقاة متأخر عن العمل فكان في ترك لزومه تفويت للعمل بغير بدل، ونماء المال في القراض متصل بالعمل فلم يكن في ترك لزومه تفويت للعمل بغير بدل.
وقد استدل الرافعي على اللزوم: بأنا لو قلنا بجوازها فربما يفسخ المالك بعد العمل وقبل ظهور الثمرة وحينئذ فإما أن نقطع حق العامل عنها، أو لا؛ فإن
قطعناه ضاع سقي العامل مع تأثيره في الثمار، وإنه ضرر، وإن لم نقطعه لم ينتفع المالك بالفسخ، بل يتضرر لحاجته إلى القيام ببقية الأعمال، ويخالف القراض فإن الربح ليس له وقت معلوم ولا له تأثير بالأعمال السابقة فلا يلزم من فسخه ما ذكرناه.
قلت: ولا يرد عليه أن يقال: يفسخ ولا يسقط حق العالم بالكلية ولا يستحقه من الثمرة، بل يستحق أجرة مثل ما عمل كما يقول في الجعالة؛ [لأن العمل في الجعالة] مضبوط يمكن اعتباره وهو في المساقاة غير مضبوط.
تنبيه: قول الشيخ: لزم كالإجارة فيه إشارة إلى أن خيار [الشرط] لا مدخل له فيها، وفي خيار المجلس وجهان كما سيأتي في الإجارة، وصرح به في "المهذب" هنا.
فإن قيل: قد صرح الغزالي: بأن من شرط صحة المساقاة ورودها على الذمة، وهو الذي يقتضيه كلام الأصحاب حيث أطلقوا أن للعامل أن يساقي على جزء من الثمرة بقدر ما شرط له أو دونه، وكذا إطلاقهم أنه إذا هرب أو مات أن يؤجر من ماله من يعمل عنه، ولو كان وردوها على العين يصح لما صح هذا الإطلاق منهم.
وإذا كان كذلك فسيأتي حكاية خلاف في ثبوت خيار الشرط في الإجارة الواردة على الذمة، فينبغي أن يأتي مثله هاهنا.
قلت: لا نسلم أن من شرط المساقاة ورودها على الذمة وما ذكره الغزالي فهو احتمال أبداه الإمام وقد صرح المتولي بأنها إذا وردت على العين صحت، وليس للعامل أن يستعين بعامل غيره، وإنه إذا فعل ذلك انفسخت المساقاة بتركه العمل
وكانت الثمار لرب النخيل ولا شيء للعامل الأول، والعامل الثاني إن علم بالفساد فلا شيء له، وإن جهل ففي استحقاقه أجرة المثل ما سنذكره في خروج الأشجار مستحقة، وما أطلقه الأصحاب فهو محمول على الأعم الأغلب [فيها].
وعلى تقدير أن يكون من شرطها الورود في الذمة [كما] ذكر فيما ذكر من الاختلاف في ثبوت خيار الشرط في الإجارة الواردة على الذمة مخصوص بما إذا لم يقيده بمدة، أما إذا تقيدت بمدة فلا، وهو نظير مسألتنا. واعلم أنه قد بقي من الشروط شرطان لم يذكرهما الشيخ:
أحدهما: أن تكون الأشجار معينة فلو قال: ساقيتك على إحدى حوائطي أو على ما شئت من نخلي كان باطلاً؛ لأن النخل أصل في العقد فبطل بالجهالة؛ كالبيع.
الثاني: الرؤية فلو ساقاه على نخل لم يرها ووصفها- لم يصح، وبعضهم خرجه على قولي بيع الغائب، والذي صححه الماوردي والروياني- الطريق الأول؛ لما في ذلك من تكثير الغرر في [هذا] العقد، بخلاف البيع.
فائدة: ذكرها القاضي الحسين وهي: أن هذا العقد شبيه بعقود:
فمن حيث إنه التزام عمل في الذمة ولا يبطل بموت العامل شبيه بالسلم.
ومن حيث إنه يجوز التفرق فيه قبل التقابض: شبيه ببيع العين.
ومن حيث إنه معقود على العمل [في شيء ببعض ما يخرج منه شبيه بالقراض.
ومن حيث إنه عقد لازم بعوض على العمل]. يشترط فيه التأقيت شبيه بالإجارة. انتهى.
وما قاله أولاً [لا يعضد] ما قاله الغزالي: أن شرطها الورود على الذمة.
قال: "وعلى العامل أن يعمل على ما فيه مستزاد في الثمرة" أي: عند إطلاق العقد من التلقيح، وصرف الجريد، وإصلاح الأجاجين وتنقية السواقي والسقي؛ لاقتضاء العرف ذلك.
تنبيه: المستزاد: الزيادة.
والتلقيح: وضع شيء من طلع الذكور في طلع الإناث، والكثر يكون على المالك.
وصرف الجريد قطعه إذا أضر بالنخل، يابساً كان أو رطباً.
وقيل: إنه يرده عن وجوه العناقيد وتسوية العناقيد [بينها] لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الإدراك، وهو بالمعنى الأول متفق على وجوبه على العامل، وفي معناه تقليم قضبان الأشجار المضرة، وبالمعنى الثاني قال الماوردي: لا يجب على العامل إلا بالشرط، وغيره أوجبه من غير شرط، وألحق به المتولي تعريش الكرم حيث جرت العادة به، وكذا وضع الحشيش فوق العناقيد، صوناً لها عن الشمس عند الحاجة.
الأجاجين: ما حول المغارس محوط عليه يشبه الإجانة التي يغسل فيها.
السواقي: هي المجاري.
ويجب على العامل تنقيتها من الحمأة، والسقي بأن يجري الماء بآلة المالك إلى الأشجار في الوقت المعتاد، ويفتح رأس الساقية، ويسدها عند الحاجة إليها.
قال: وعلى رب المال ما يحفظ به الأصل [أي: مما يعد من الأصول]، كسد الحيطان وحفر الأنهار أي: الذي احتيج إلى تجديدها، أو التي: انهارت، وشراء الدولاب أي: ونصبه، وشراء الأبقار، والآلات التي يوفي بها العمل؛ كالفأس والمعول والمنجل، والمسحاة ونحو ذلك.
ووجه وجوبه على المالك: العرف.
وقيل: إن الثيران والمسحاة ونحوها على من شرطت عليه، ولا يجوز السكوت عنها، وهو المذكور في "أمالي" السرخسي.
ويحكى عن أبي إسحاق ووراء ذلك أمور أخر مختلف فيها.
فمنها: تنقية البئر والنهر [والمذهب] إنها على العامل.
وقيل: على المالك.
وقيل: هو على من شرط عليه؛ فإن لم يشترط بطل العقد، وهو قول أبي إسحاق.
ومنها: حفظ الثمار هل هو على العامل أو عليهما على نسبة ملكيهما في الثمرة؟ فيه وجهان:
أظهرهما؛ وبه قال ابن الصباغ وغيره: الأول، وهما جاريان [في حفظ الثمار] عن الطيور والزنابير بأن يجعل كل عنقود في قوصرة، لكن القوصرة على المالك جزما.
وفي جداد الثمار أيضاً وقطافها كما حكاها الماوردي وغيره وطردهما في "الرقم" في تجفيف الثمار، والظاهر وجوبه إذا اطردت العادة به أو شرطاه، وإذا وجب التجفيف وجب تهيئة موضع التجفيف، ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس من وجه إلى وجه.
ومنها: سد الثلم اليسيرة التي تتفق في الجدار، فيه وجهان، والأشبه: اتباع العرف، وكذلك في وضع الشوك على رأس الجدار الوجهان.
فرع: لو شرط على العامل ما يلزم المالك بطل الشرط والعقد.
[وقيل: يبطل الشرط دون العقد].
وقيل: يبطل العقد دون الشرط حملاً على الشروط الفاسدة في الرهن.
وقال الماوردي: وهو خطأ؛ لأن عقود المعاوضات إذا تضمنت شروطاً فاسدة بطلت؛ كالشروط الفاسدة في البيع والإجارة.
ولو شرط على المالك شيء مما على العامل بطل إلا السقي فإنه إذا شرط على رب النخل جاز كما نص عليه في "البويطي"؛ لأنه لو ساقاه على بعل جاز والبعل: ما شرب بعروقه من غير سقي كذا حكاه البندنيجي.
وحكى الماوردي في ما يشرب بعروقه؛ كنخل البصرة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن سقيها على العامل.
والثاني: أنه على رب النخل واشتراطها على العامل يبطل العقد.
والثالث: يجوز [اشتراطه] على المالك، ويجوز على العامل.
فإن أطلق العقد لم يلزم واحد منهما.
تنبيه: الدولاب: فارسي معرب تضم داله وتفتح.
الأنهار: جمع نهر بفتح الهاء وإسكانها، وتجمع أيضاً على نهر بضمتين، مشتق من: أنهرت الدم وغيره: أي: أسلته.
قال: وإن شرط أن يعمل معه غلمان رب المال أي فيما يلزمه من أعمال المساقاة ويكونوا تحت أمره- جاز على المنصوص أي: إذا كانوا معروفين بالرؤية، أو الوصف لما ذكرناه في القراض، وقد استدل له الغزالي بأن العبد يكون مستعاراً على التحقيق والإعانة به كالإعانة بالثيران، ولا خلاف في [جواز اشتراطها].
وقد اعترض عليه بأن الثيران على المالك كما تقدم، فإذا اشترطت فقد شرط على المالك ما هو واجب عليه.
وجوابه: أن المراد أن المالك قد وجب عليه بعض الأعمال وهو إدارة السواقي بالثيران وكان مقتضى العقد أن يجب على العامل وقد وجب على المالك بالشرط؛ فكذلك [عمل] الغلمان.
وإذا عين رب المال [الغلمان] فلا يجوز له أن يبدلهم بغيرهم صرح به الماوردي، أما إذا شرط في عمل الغلمان الاستقلال بالتصرف دون مراجعة العامل، أو ألا يتصرف [العامل] دون مراجعتهم لم يصح.
وكما يجوز أن يشترط العامل عمل غلمان رب المال معه يجوز أن يشترط رب المال عمل غلمان العامل معه كذا حكاه الماوردي عن نص الشافعي وقال: إنه يجوز اشتراطهم من غير تعيين ولا وصف.
قال: وتكون نفقتهم على رب المال؛ لأنهم ملكه، وهذا هو المشهور، ولم يذكر في "التعليق" وابن الصباغ غيره، ووراءه وجوه:
أحدها: أنها على العامل حكاه في المهذب فعلى هذا لو اشترطت على المالك جاز.
والثاني: أنها تكون من الثمرة وهو الذي اختاره في "المرشد".
والثالث: أن العقد يفسد عند عدم بيان من هي عليه.
قال: وإن شرط أن يكون على العامل جاز؛ لأن العمل في المساقاة عليه فلا يبعد أن يكون [عليه] مؤنة من يعمل معه ويعاونه، وهو كاستئجار من يعمل معه، وعلى هذا هل يجب تقديرها؟ فيه وجهان: أقيسهما عند القاضي الحسين: نعم فيبين ما يدفع إليهم كل يوم من الخبز والإدام.
والثاني: لا وبه أجاب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب، ويحمل على المعتاد؛ لأنه يتسامح بمثل ذلك في المعاملات.
وقيل: لا يجوز شرطها على العامل؛ لما في ذلك من قطع نفقة الملك [عن المالك] وبه قطع المسعودي.
فرع: لو شرطت النفقة في الثمار قال في "التهذيب": لا يجوز؛ لأن ما يبقى يكون مجهولاً.
وقال صاحب "الإفصاح": يجوز؛ لأنه قد يكون [ذلك] من صلاح المال.
قال الرافعي: ويشبه أن يتوسط فيقال: إن شرطاها من جزء معلوم بأ، شرطا صرف ثلث الثمار للنفقة والثلث للمالك، والثلث للعامل جاز، وكأن المشروط للمالك ثلثاها وإن شرطاها في الثمرة من غير تقدير جزء لم يجز.
وفي "الحاوي": إن كان عملهم قبل حدوث الثمرة فالشرط باطل لعدم محلها، وإن كان بعد حدوث [الثمرة] ونفقتهم من غير جنسها ليباع ويصرف في نفقتهم فهو باطل أيضاً؛ لأن الثمرة غير مستحقة، والنفقة غير ثابتة [في الذمة].
وإن كانت النفقة من الثمرة نفسها ففي الجواز وجهان:
الأصح: البطلان، ووراء المنصوص طريقة أخرى بإجراء وجهين في الجواز كما قيل في القراض.
ووجه المنع: أن يد العبد كيد سيده والقائل به حمل النص على ما إذا اشترط أن يعملوا [فيها لو تعلق] على السيد من الأعمال؛ كحفر الأنهار وبناء الحيطان.
والأظهر: الطريقة الجازمة بالمنصوص.
وفرق قائلها بين المساقاة والقراض بأن في المساقاة بعض الأعمال على المالك.
فجاز أن يشترط عمل غلمانه، وفي القراض لا عمل على المالك [أصلاً] فلا يجوز شرط عمل غلمانه، وأما ما حمل عليه النص فلا يستقيم؛ لأن تتمة قول الشافعي:"ونفقة الرقيق على ما يتشارطان عليه وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم فإذا جاز [أن يعملوا] للمساقي بغير أجرة جاز أن يعملوا له بغير نفقة"، ومع هذه التتمة لا يحسن الحمل على ما قالوه.
قال: وإن شرط أن يعمل معه رب المال لم يجز؛ لما ذكرناه في القراض، ويجوز للعامل أن يستأجر المالك في الأعمال المتوجهة عليه على الأصح كما يجوز للمالك أن يستأجر العامل فيما يجب عليه.
وفيه وجه: أنه لا يجوز بناءً على أن من أجر داره لا يجوز أن يستأجرها.
وهل يجوز أن يشترط رب المال لنفسه الدخول إلى الأشجار مع تسليم المفتاح إلى العامل؟ فيه وجهان:
أصحهما: نعم؛ لحصول الاستقلال والتمكن من العمل.
ووجه المنع: أنه إذا دخل كانت الحديقة في يده وقد يتعوق بحضرته عن العمل.
قال: والعامل ــ فيما يدعي من هلاك؛ كالعامل في القراض لائتمانه لهما.
فإن قيل: قد ألحقتم هذا العقد بالإجارة في لزومها؛ فيكون العامل كالمستأجر على عمل في الذمة، وهذا حقيقة الأجير المشترك فهلا جرى الخلاف في تضمينه كما في الأجير المشترك ثم على تقدير ألا يكون كالأجير المشترك فهو لا يتقاعد عن الوكيل بجعل، وقد حكى الماوردي في ضمانه وجهين فينبغي أن يكون هذا مثله.
قلت: قد يظهر الفرق بينهما أن الأجرة في مسألة الأجير المشترك والجعل في الوكالة محقق فغلب غرض الأجير والوكيل، وهاهنا لم يتحقق العامل [حصول] الأجرة وغرض المالك حاصل فغلب جانبه وجعلت اليد له.
قال: وفيما يدعى عليه من الخيانة؛ لأن الأصل عدمها، وقد وجهه
الغزالي بأنه أمين، واعترض عليه بأن القول قول من ادعى عليه الخيانة، وإن لم يكن أميناً؛ عملا بما ذكرناه ولا يسمع دعوى الخيانة إلا مفسرة كسائر الدعاوى.
وفي "الحاوي": [أنه] إن أراد بدعوى السرقة التغريم لم تسمع الدعوى إلا معلومة، وإن أراد رفع يد العامل بها عن الثمرة ففي سماعها مجهولة وجهان.
قال: فإن ثبتت خيانته أي: إما بإقراره أو بالبينة أو بيمين المدعي بعد النكول ضم إليه من يشرف عليه؛ لأنه مستحق العمل ويمكن استيفاؤه منه بهذا الطريق فتعين كما نقول في المرتهن: إذا تعدى في الرهن لم يبطل حقه منه، بل يحفظ عند عدل لتعينه طريقاً للجمع بين الحقين، وهذا ما نقله [المزني] في غير "المختصر" ويكون أجرة المشرف على العامل.
وفي "التتمة": أن إيجاب الأجرة على العامل مبني على أن مؤنة الحفظ عليه [أم لا] فإن المقصود من ضم المشرف إليه الحفظ، أما إذا قلنا:[إن] الحفظ عليهما؛ فكذلك أجرة المشرف.
وفي "الوسيط": أن أجرة المشرف على العامل إن ثبتت خيانته بإقراره أو ببينة، وإلا فعلى المالك.
فإن قيل: هذا يفهم أنها إذا ثبتت بيمين الرد تكون على المالك، وكان ينبغي أن تجب على العامل في هذه الحالة أيضاً؛ لأنها بمنزلة الإقرار، أو البينة بالنسبة إلى الحالف والناكل وإيجاب الأجرة لحق الحالف، وقد وافق على أنها إذا ثبتت بالإقرار أو بالبينة تكون على العامل؛ فكذلك عند النكول والحلف وقد صرح بذلك الرافعي وغيره.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن يجري اللفظ على ظاهره ويسلم [إليه بمقتضى] عدم إيجابها في حالة النكول والحلف، لكن يمنع أن الأجرة تعود إلى الحالف فإن مستحقها المشرف وهو أجنبي عنهما، والنكول مع الحلف إنما يجعل كالإقرار أو كالبينة بالنسبة إلى الحالف.
الثاني: أن نمنع أن المراد عدم إيجابها في حالة النكول والحلف كما ذكر؛ لكون الكلام الأول مغنياً عنه [لكن المراد ما إذا لم تثبت خيانته وضم إليه المالك مشرفاً احتياطاً، فإنه يجوز وأجرته عليه] كما صرح به الإمام والله أعلم.
قال: فإن لم يتحفظ بالمشرف استؤجر عليه من يعمل، عنه؛ لتعذر استيفاء العمل بالواجب عليه منه والقدرة عليه بهذا الطريق.
وقيل: يستأجر عليه ابتداء وهو ظاهر ما نقله المزني في "المختصر"، والجمهور لم يثبتوا اختلاف نقل المزني قولين، بل نزلوه على حالين كما ذكر الشيخ.
قال: وإن هرب العامل استؤجر من ماله من يعمل عنه؛ لأن العقد لا ينفسخ بهربه؛ كما لا ينفسخ بصريح فسخه، وإذا لم ينفسخ فالحق متوجه عليه، وتحصيله ممكن بهذا الطريق فتعين، والمستأجر هو الحاكم فيرجع الأمر إليه وتثبت عنده المساقاة وهرب العامل بعد اللزوم، فإذا ثبت ذلك طلبه، فإن وجده ألزمه العمل، وإن لم يجده وكان له مال ظاهر اكترى عليه من يقوم مقامه في العمل.
قال: وإن لم يكن له مال [أي] ظاهر أقرض عليه؛ لأن للحاكم ولاية الإقراض لوفاء الحقوق التي تفوت بالتأخير، والإقراض يكون من بيت المال، فإن لم يكن فيه فضل اقترض من آحاد المسلمين، ولو اقترض من رب النخل جاز، وهذا إذا لم يجد من يرضى بأجرة مؤجلة إلى مدة تدرك فيها الثمار، فإن وجد استأجره وأعطاه أجرته عند إدراك الثمرة من ثمر نصيب العامل.
قال: فإن أنفق عليه رب المال بغير إذن الحاكم أي: مع قدرته عليه لم يرجع؛ لأنه متبرع، فإن أذن له الحاكم في ذلك جاز كما صرح به البندنيجي، وأبو الطيب، وادعى المحاملي نفي خلافه.
وفي "تعليق" القاضي الحسين وغيره من كتب المراوزة حكاية وجهين في الرجوع:
وأصحهما: المحكي عن العراقيين ووجه المنع: أنه متهم [في حق نفسه]
فطريقه: أن يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالإنفاق، وهذه الطريقة [أشبه لما] سيأتي في مسألة هرب الجمال.
قال: فإن لم يقدر على إذنه فأنفق ولم يشهد أي: مع القدرة عليه- لم يرجع؛ لأن عدم إشهاده مع القدرة دليل على تبرعه.
قال: وإن أشهد أي: وشرط الرجوع كما صرح به البندنيجي وابن الصباغ وغيرهما، فقد قيل: يرجع؛ لأنه موضع ضرورة، وقد بذل المجهود، وهذا هو الأصح وقيل: لا يرجع لئلا يكون حاكماً لنفسه على غيره، وهو لا يجوز وإن لم يشهد لعدم القدرة عليه فإن قلنا: إنه لو أشهد لا يرجع فهاهنا أولى، وإن قلنا: يرجع ثم؛ فهاهنا وجهان حكاهما القاضي الحسين وقال: إن حكم هذه المسألة حكم هرب الجمال في الإجارة، واختصر الغزالي، والإمام، والفوراني هذا التطويل وقالوا في رجوعه إذا أنفق عند تعذر مراجعة الحاكم ثلاثة أوجه:
أحدها: يرجع.
الثاني: [لا يرجع].
الثالث: إن أشهد رجع وإلا فلا، وقد يفهم من ذلك جريان وجه مطلق أنه يرجع وإن قدر على الإشهاد فلم يفعله كما فهمه الرافعي، والظاهر خلافه [لما سنبينه] في الإجارة- إن شاء الله تعالى.
والمراد بالإنفاق: ما يصرفه أو يستأجر من يعمل على العامل، وفي معناه عمل رب النخل بنفسه.
قال: فإن لم يمكن ذلك فله أن يفسخ؛؛ لأنه تعذر عليه استيفاء المعقود عليه، وكان له الفسخ؛ كما لو أبق العبد المبيع قبل القبض.
ولا يسقط حقه من الفسخ ببذل رجل له العمل متبرعاً به عن العامل؛ [لأنه قد لا ياتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه.
نعم لو عمل متبرعاً به عن العامل] قبل شعور رب النخل [به] حتى حصلت الثمرة؛ سلم للعامل نصيبه منها، وأبدى الرافعي احتمالاً لنفسه في منع الفسخ عند بذل الأجنبي.
وحكي عن [ابن] أبي هريرة فيما إذا لم تكن الثمرة قد ظهرت أنه منع الفسخ، وقال: يساقي الحاكم عن العامل فربما يحصل له فضل من الثمرة، وهو الذي حكاه القاضي أبو حامد في "جامعه".
وقال القاضي أبو الطيب: إنه غير صحيح؛ لأن المساقاة إنما تجوز إذا كان من أحدها الأصل ومن الآخر العمل، والهارب لا أصل له فيها فلم يصح أن يساقي عنه، وهذه العلة من القاضي تفهم أن العامل لا يجوز له أن يساقي بنفسه، وقد صرح في "البحر" وغيره بالجواز كما حكيناه من قبل.
قال: فإن لم تكن ظهرت الثمرة أي: عند الفسخ؛ فالثمرة للمالك لزوال العقد قبل ظهورها الذي هو سبب ملك العامل، وللعامل أجرة ما عمل؛ لأنه عمل في عقد لازم طامعاً في العوض فأشبه المستأجر إذا وقعت الإجارة على عينه وهرب، ولا يقال: أن الثمرة عند حدوثها تتوزع على جميع المدة؛ لأن العمل فيها غير مضبوط حتى تتوزع الثمرة عليه.
وأيضاً فإن الثمرة غير معلومة حالة العقد حتى يقال: اقتضى العقد التوزيع فيها.
قال: وإن ظهرت فهي لهما؛ لأنه مقتضى العقد، وهذا من الشيخ تفريع على أن للعامل تملك حصته من الثمرة بالظهور.
أما إذا قلنا: إنه لا يملكها به؛ فالحكم كما لو لم يظهر.
قال: [فإن اختار رب المال] البيع أي: بيع حصته مع حصة العامل بشرط القطع فعل لأنه يسقط [عن] العامل العمل فإنه لا عمل بعد قطعها، ويحفظ نصيب العامل عليه [هذا ما] قاله البندنيجي وصاحب "البحر".
قال: وإن لم يختر بيع منه نصيب العامل [أي:] أو بعضه على قدر ما يحتاج إليه من الأجرة؛ لأنا قدرنا على بيع ماله لوفاء ما بقي عليه من حق، وهو العمل؛ لأجل بقاء نصيب رب الشجر من الثمرة عليها، فهذا من الشيخ
جواب على ما ذكره في البيع أن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بدون شرط القطع يصح من صاحب الأصل.
وفيه وجه حكيناه ثم: إنه لا يجوز، فعلى هذا يكون الحكم كما لو امتنع من الشراء صرح به الأصحاب.
قال: وإن لم يختر أي: المالك الشراء ترك إلى أن يصطلحا؛ إذ لا طريق غيره.
قال المزني في "الجامع الكبير": ويقال للمالك: تصرف فلا حق لك عندنا، ولا يخفى أن مراد الشيخ بما ذكره إذا لم تكن الثمرة [قد بدا] صلاحها، أما إذا كان صلاحها قد بدا قبل الفسخ فبيعها من المالك وغيره ممكن من غير شرط القطع، وهي مال من جملة أمواله التي يقدر على التصرف فيها فيندرج في كلامه الأول.
واعلم أن ظاهر ما ذكره الشيخ [يقتضي] أن لرب المال الفسخ وإن كانت الثمرة قد ظهرت، وكذلك كلام الغزالي في "الوجيز" يقتضيه، وهو ما ذكره في "المهذب" وصرح به الإمام في صدر الفصل فإنه لم يفرض المسألة إلا فيما إذا هرب بعد ظهور الثمرة كما ذكرها المزني في "المختصر"، وكذلك الماوردي فرض المسألة [فيما] إذا ظهرت الثمرة ولم يبد صلاحها وحكى الوجه المحكي عن ابن أبي هريرة ثم حكى وجهاً آخر أن له الفسخ وقال: إنه الصحيح عندي لكن الشيخ في "المهذب" لم يذكر التفريع الذي ذكره هنا بل سكت عنه وعن غيره، والإمام قال: إذا جرى الفسخ وقد عمل العامل بعض الأعمال فلا نقول يستحق العامل جزءاً مما [شرط له]، ويسقط جزء، بل ينقطع الاستحقاق من الثمار بالكلية، ولو جرينا على قياس الإجارة ونزلنا الثمرة منزلة الأجرة لأثبتنا بعضاً من الثمار فإن الإجارة إذا انقضى بعض مدتها وطرأ في باقيها ما يوجب الفسخ فإذا فسخت في البقية لم تنفسخ فيما مضى على ظاهر المذهب فأعمال المساقي لا تجري مجرى المنفعة في الإجارة حتى يقال: المقتضى منه يسقط من العوض المسمى في المعاملة، وهذا يفهم أن الثمرة كلها تسلم لرب المال، وللعامل أجرة عمله،
ويؤيده أنه قال في آخر الفصل: [و] في كلام القاضي إشارة إلى أن حق العامل إنما يسقط بالفسخ إذا لم تظهر الثمرة، فأما إذا ظهرت؛ ففي كلامه تردد ظاهر [في] أن الفسخ لو جرى لم يتضمن إسقاط حق العامل من الثمرة بالكلية التفاتاً على ما ذكرناه في الإجارة فلا [بد] من سقوط البعض ولا يرجح فيه إلا ما مهدناه في صدر الفصل، وما حكاه عن القاضي هو عين ما صار إليه الماوردي فإنه قال: إن الثمرة إذا ظهرت واختار رب النخل الفسخ كما هو الصحيح- صار العقد منفسخاً في الباقي من الثمرة، ثم الصحيح من مذهب الشافعي لزومه في الماضي من العمل ويكون حصة العامل من الثمرة مقسطة على الزمان الماضي منه والباقي، فيستحق العامل منها ما قابل الماضي من عمله، ويستحق رب النخل ما قابل الباقي من عمله مضموماً إلى حصته وقال الروياني: إنه حسن غريب، والذي صار إليه [الجمهور والمصنفين] من المحاملي، والبندنيجي، وأبي الطيب، وابن الصباغ، والقاضي الحسين: أن الفسخ إنما يتسلط عليه رب النخل إذا لم يكن قد ظهرت الثمرة.
أما إذا كانت قد ظهرت فإن كان بدا صلاحها، فإن سمح رب النخل ببيع نصيبه مع نصيب العامل فعل.
قال ابن الصباغ والبندنيجي: ويحفظ نصيب العامل.
ووجهه البندنيجي: بأن العمل حينئذ لم يبق بعد قطعها.
وفي "تعليق" القاضي الحسين أن في هذه الحالة أيضاً أنه يستأجر من [ثمر] حصة العامل من يعمل عنه وإن لم يسمح عرض عليه [شراء] نصيب العامل إذا قلنا بجواز بيع الثمرة من صاحب الأصل بدون شرط القطع، فإن رضي صرف ثمنه أو بعضه في أجرة من يكمل العمل، وإن لم يرض ترك، ويقال له: تصرف فلا حكم لك عندنا، وهذا هو المناسب فإن الثمرة إذا ظهرت وملكها العامل فقد صارت مالا من جملة أمواله يمكن بيعها بهذا الطريق، فأي فائدة في الفسخ قبله؛ وإلى هذا يجيء الرافعي حيث قال بعد حكاية ما ذكرناه عن "المهذب": ولا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمار فائدة.
قلت: وقد يفرض له فائدة وهي: أنه لو لم يفسخ يصير متطوعاً بالباقي من [العمل؛ فللعامل] حصته من الثمرة كما صرح حكايته الماوردي.
وأيضاً: فإنه يتمكن بعد الفسخ من المساقاة عليها على جزء من ثمرة نفسه على رأي، بخلاف ما إذا لم يفسخ، فإنه لا يقدر على ذلك.
فإن قيل: هل يمكن حمل كلام الشيخ في "التنبيه" على ما حكاه الجمهور من أنه لا يتمكن من الفسخ بعد حدوث الثمرة.
قلت: نعم إذا حذفت واو مما يوجد في النسخ فيكون الكلام: فإن لم يكن ذلك فله أن يفسخ إن لم تكن ظهرت الثمرة فالثمرة للمالك، وإن ظهرت فهي لهما .. إلى آخر الكلام، والله أعلم. والعجز عن العمل بالمرض ونحوه؛ كالهرب قال: وإن مات العامل فتطوع ورثته بالعمل استحقوا الثمرة أي: التصرف في الثمرة؛ لأنها منتقلة إليهم بالإرث، وقد زال تعلق حق الغير بها.
قال: وإن لم يعملوا استؤجر من ماله من يعمل [عنه] لأنه حق وجب عليه إبقاؤه، والمستأجر كذلك هو الوارث فإن امتنع فالحاكم.
وفي "البحر"، وغيره عن رواية القاضي أبي حامد في الجامع وصاحب "التقريب": أن الوارث يجبر [على العامل]؛ لقيامه مقام المورث، كما يقوم وارث المستأجر مقامه.
وعنه احترز الشيخ بقوله: فتطوع ورثته بالعمل.
قال: فإن يكن له مال [فلرب] المال أن يفسخ؛ لتعذر استيفاء المعقود عليه، ويجيء فيه وجه ابن أبي هريرة وما ذكر من التفصيل كما صرح به الماوردي وغيره حتى قال البندنيجي: إن ما ذكرناه عند الهرب يجري في هذه المسألة حرفاً بحرف إلا جواز الاستقراض عليه، لخراب ذمته بالموت.
وفي "البحر"[أنه] قيل: لا يستأجر عليه بأجرة مؤجلة، وهذا كله تفريع على أن عقد [المساقاة] لا ينفسخ بالموت إذا ورد على الذمة كما هو الصحيح.
وقد حكى الإمام عن رواية الشيخ أبي علي وجهاً ضعيفاً: أن العقد ينفسخ بموت العامل.
قال: ويملك العامل حصته من الثمرة بالظهور كما ملك رب النخل حصته توفية للشروط وزكاته عليه؛ لتمام ملكه، وهذا إذا بلغت حصته نصاباً، أو كان الجميع نصاباً وقلنا: بصحة الخلطة في [غير] المواشي، أما إذا قلنا: بأنها لا تجري في غير المواشي فلا زكاة عليه.
قال: وقيل فيه قولان: أحدهما: هذا.
والثاني: أنه لا يملك إلا بالتسليم قياساً على القراض، والمذهب الأول.
والفرق أن الفائدة هنا لم تجعل وقاية للأصل وليس كذلك في المضاربة؛ فإن الربح فيه وقاية لرأس المال، فإنه لو ذهب منه شيء جبر بالربح [ثم] على القول بعدم الملك، زكاة الجميع تخرج من الثمرة وهل هي محسوبة من نصيب المالك أم من نصيبهما؟
فيه طريقان: أحدهما: حكاية قولين كما في القراض، ولا يجيء الثالث المذكور في القراض هاهنا.
والطريق الثاني: القطع بأنها تخرج من النصيبين، والفرق بينهما وبين القراض أن رب المال لما اختص ببعض المال الزكائي وهو الأصل اختص بتحمل الزكاة عن الكل، ولما لم يختص رب النخل بشيء من الثمرة لم يتحمل زكاة كل الثمرة.
فرع: لو ظهرت الثمرة بعد لزوم العقد، وقبل أن يعمل العامل شيئاً من أعمال المساقاة، قال في "الحاوي": إن كان ذلك بعد قبض الأشجار استحق نصيبه من الثمار وإن كان قبل قبضها، فإن قيل: إنه أجير لم يكن له في تلك الثمرة نصيب؛ لارتفاع يده.
وإن قيل: إنه شريك استحق نصيبه من الثمرة؛ لأنها بعد العقد حادثة على ملكهمأ، وعلى العامل أجرة مثل ما استحق عليه من العمل.
وقال الإمام: إن وقع الاستغناء عن جميع أعمال المساقاة، أو عن معظمها فلا شك أن هذا يؤثر إذ لو قلنا: إنه لا أثر لذلك لزم، أن يستحق ما شرط له من
الثمرة من غير عمل، وهذا محال فإن الجزء الذي شرط له قوبل استحقاقه بالعمل فيستحيل ثبوت استحقاقه دونه.
وينقدح لي إذا علم البعض! نسبة أجرة المثل إلى الأعمال التي لا تسقط من أعمال المساقاة إلا على ندور دون ما يغلب سقوطه في تارة ويغلب الإتيان به في تارة حتى يتبين أنه لو استتمها كم كانت [أجرة مثله؟ وإذا سقط بعض الأعمال؛ كم أجرة مثله؟ فينسب ما سقط من] أجرة المثل إلى جميعها وتسقط.
مثال ذلك من الجزء [المشروط من الثمار] فإن كان الساقط نصف أجرة المثل [مثلاً] سقط نصف ما شرط للعامل ليفوز به رب الثمار، ولست أرى [إسقاط] استحقاقه من الثمار وإيجاب أجرة المثل؛ كما ذكرناه في انفساخ العقد، وليس يبعد المصير إليه، فإن تبعيض الثمار عسير في وجه الرأي.
فرع: إذا لم تثمر الشجرة أصلاً أو تلفت الثمار بجملتها، أو غصبت، فعلى العامل إتمام العمل. وإن تضرر كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر الخسران في المال كما حكاه المتولي.
قلت: ويجوز أن يفرق بينهما بما ذكره الأصحاب في توجيه وجوب التنضيض، وهو أنه قبض المال ملكاً تاماً، والدين يناقض ذلك فلزمه رده، كما أخذه وهذا مفقود هنا، وقد قال الرافعي: إن ماصار إليه المتولي أشبه مما ذكره في "التهذيب" أن الثمار إذا هلكت كلها بالجائحة أن العقد ينفسخ إلا أن يريد بعد تمام العمل وتكامل الثمار، وإنه إن هلك بعض الثمرة؛ فللعامل الخيار بين أن يفسخ ولا شيء له، وبين أن يجبر ويتم العمل ويأخذ نصيبه من الباقي.
قال: وإن ساقاه في المرض وبذل له أكثر من أجرة المثل اعتبرت الزيادة من الثثلث؛ لأنها محاباة؛ فأشبه ما لو أجره داره بأقل من أجره المثل.
وقيل: يعتبر من رأس المال كما في القراض والجامع بينهما أنه [لو] لم يكن ملكا لما شرطه للعامل حين العقد والصحيح هو الأول.
والفرق بينهما مذكور في "باب القراض".
وقد حكى المتولي في باب الوصية: أنه ينظر إلى القدر الذي يحصل من الثمار دون عمل العامل، وإلى ما يحصل من الزيادة بسبب عمله، فإن كان المشروط للمالك [قدر ما] يحصل له من فائدة النخل لو لم يكن عمل العامل، أو أكثر لم يعتبر من الثلث؛ لأنه لو ترك المساقاة لم يعتبر ما فاته من النخيل من الثلث وإن كان دون ذلك القدر فقدر النقصان مما كان يحصل له دون عمله، معتبر من الثلث.
قال: وإن اختلفا في القدر المشروط للعامل أي مثل إن قال العامل شرطت لي النصف، وقال رب الشجر: بل الثلث، ولا بينة؛ تحالفا؛ لأنهما اختلفا في عوض العقد فتحالفا؛ كالمتبايعين والمتواجرين، فإذا تحالفا وانفسخ العقد أو فسخ، فإن لم يكن للعامل عمل فلا شيء له، وإن كان له عمل فله أجرة مثله، سواء أثمرت الشجرة أو لا، أما إذا كانت لأحدهما بينة عمل بها، وإن كان لهما بينة على عقد واحد في زمن واحد تعارضتا وفيهما قولان: فإن قلنا: يسقطان فكأن لا بينة.
وإن قلنا: تعملان فيتعين هاهنا القرعة كما جزم به الماوردي وحكاه الفوراني عن القفال، وأنه قال: لا يجيء في هذه الصورة قول القسمة والوقف؛ لأن العقد لا يمكن قسمته ولا يجوز وقفه، وحكي عن غيره أنه يجيء قول القسمة أيضاً فيسلم للعامل ما اتفقا عليه وما اختلفا فيه وهو في مثالنا السدس، يقسم بينهما نصفين، وإذا استعملنا القرعة فخرجت لأحدهما، فهل يحلف معها؟ فيه وجهان:
أصحهما [:لا].
ولنختم الباب [بفروع] تتعلق به.
إذا كانت الأشجار بين شخصين نصفين، فساقى أحدهما صاحبه على نصيبه و [شرط له أكثر من نصف الثمرة، مثل أن جعل له ثلثي الثمرة صح، وإن] شرط له نصف الثمرة لم يصح؛ لأنه لم يثبت عوضا للمساقاة.
ومن طريق الأولى: إذا شرط له الثلث؛ لأنه شرط [عليه] أن يترك بعض ثمرته.
وهل للعامل أجرة المثل؟ فيه خلاف المزني وابن سريج؟
و [قد] حكى الماوردي: أن أبا إسحاق وجمهور أصحابنا وافقوا المزني في عدم الرجوع.
ولو شرط جميع الثمرة للعامل فسد [العقد] على الأصح كما ذكرناه، وفي استحقاقه أجرة المثل الخلاف السابق.
إذا خرجت الأشجار المساقي عليها مستحقة أخذها المالك مع الثمرة إن كانت باقية، فإن جففها ونقصت [الثمرة بالتجفيف] استحق الأرش، والحكم فيه؛ كما لو كانت الثمار تالفة وسنذكره. قاله القاضي الحسين، ويرجع العامل على المساقي بأجرة المثل إن كان قد عمل جاهلاً بالحال؛ كما لو غصب نقرة واستأجر شخصاً على ضربها دراهم ولم يعلم الأجير.
وفيه وجه: أنه لا أجرة له؛ تخريجاً على قول الغرور؛ لأنه الذي أتلف منفعة نفسه.
وإن اقتسم الثمرة وتلفت في يدهما، فإن تلفت بسرا أو رطباً أو تمراً مكنوزاً- رجع بقيمتها.
وإن تلفت تمراً بثا رجع بمثله، قاله الماوردي، والمالك بالخيار في نصيب العامل بين أن يطالب بضمانه الغاصب أو العامل وقرار الضمان على العامل.
وفي "تعليق" القاضي الحسين حكاية وجه في رجوعه به على الغاصب المساقي؛ لكونه غره.
وحكي عن أبي العباس أنه قال: وهذا كما لو اشترى أرضاً وبنى فيها وغرس فاستحقت وقلع عليه البناء والغراس، فإنه يرجع بأرش النقص إن كان جاهلاً بالحال على البائع الغار، وهو ما بين قيمته قائماً ومقلوعاً.
وذكر في "التتمة": أن بعض الأصحاب بنى المسألة على ما إذا أطعم الغاصب المالك الطعام المغصوب، فيجيء من هاهنا وجه أن القرار على الغاصب قاله الرافعي وهو ما حكيناه عن القاضي.
وأما نصيب الغاصب فللمستحق مطالبته به، وهل يطالب به العامل؟ قال القاضي الحسين: لا يخلو ما أن يكون قد دخل الجميع في يد العامل قبل الاقتسام بأن اجتنى الجميع وأحرزه في موضع إلى أن يتفق الاقتسام، أو لم يدخل الجميع في يده فإن [كان] لم يدخل في يده فلا يطالب به، وإن كان قد دخل في يده ففيه وجهان:
أظهرهما عند المعظم كما قاله الرافعي: نعم؛ لثبوت يده عليه كما يطالب عامل القراض إذا خرج ماله مستحقاً.
والثاني: المنع؛ لأن يده لم تثبت عليه حكما بدليل أنه لا يلزمه حفظها بخلاف عامل القراض: فإن اليد للعامل بدليل أنه يلزمه حفظه [وهذا] ما حكاه الماوردي، وحكاه في [بحر المذهب] عن القاضي الطبري، وعلى الوجهين يخرج ما إذا تلفت جميع الثمار قبل المخاصمة بجائحة أو غصب فعلى الأول: يطالب العامل، وعلى الثاني: لا، ولو تلف شيء من الأشجار ففيه الوجهان وإذا قلنا: إن العامل يطالب بنصيب الغاصب، فإذا غرمه ففي رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع على المودع، والظاهر أنه يرجع إذا
بدا صلاح الثمرة فإن وثق المالك بالعامل؛ فتركها في يده إلى وقت الإدراك، فيقتسمان حينئذ إن جوزنا القسمة، أو يبيع أحدهما نصيبه من الآخر، أو يبيعان من ثالث، وإن لم يثب به وأراد تضمينه التمر أو الزبيب، فينبني على أن الخرص عبرة أو تضمين؟ إن جعلناه عبرة لم يجز، وإن جعلناه في الزكاة تضميناً انبنى على جواز دخوله المساقاة، وفيه قولان تقدما والصحيح دخوله، ويجري الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص.
إذا انقطع ماء البستان وأمكن رده ففي تكليف المالك السقي وجهان:
أحدهما: لا يكلف؛ كما لا يجبر أحد الشريكين على العمارة.
والثاني: يكلف؛ لأنه لا يتمكن من العمل إلا به، فأشبه ما إذا استأجر لقصارة ثوب بعينه يكلف تسليمه إليه، فعلى هذا لو لم يسع في رده لزمه للعامل أجرة عمله.
ولو لم يمكن رد الماء، فهو كما لو [تلفت الثمرة] بجائحة.