المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب المسابقة المسابقة: مصدر "سابقته مسابقة"، ويطلق- كما قال القاضي الحسين- - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١١

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌ ‌باب المسابقة المسابقة: مصدر "سابقته مسابقة"، ويطلق- كما قال القاضي الحسين-

‌باب المسابقة

المسابقة: مصدر "سابقته مسابقة"، ويطلق- كما قال القاضي الحسين- على المسابقة على الخيل، وعلى المسابقة بالسهم، إلا أن المسابقة على الخيل تختص بأن يقال لها: رهان، والمسابقة على السهام يقال لها: مناضلة ونضال.

والأصل في مشروعيتها- على الجملة- من الكتاب قوله- تعالى-: {يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} [يوسف: 17] فأخبر تعالى بذلك، ولم يعقبه بنكير؛ فكان شرعاً لنا وقال - تعالى-:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]، والقوة الرمي؛ قال عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله علي وسلم يقول: "أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ" قالها ثلاثاً. ولا غناء في إعداد القسي والسهام مع الخرق وعدم العلم بكيفية الرماية، وكذا لا غناء في إعداد الخيل من غير معرفة بالفروسية؛ فالإعداد يشعر بالتوصل إلى ما لا غناء عنه في التعلم، وهو المسابقة.

ومن السنة: ما روى مسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية. إلى مسجد بني زريق.

والحفياء: تمد وتقصر، ويقال: إن بينها وبين الثنية خمسة أميال أو ستة، وبين الثنية وبين مسجد بني زريق ميل.

وإضمار الخيل: أن تسمن، ثم تحبس في بيت، وتغطى بالجلال؛ لتعرق، ولا تعلف بعد ذلك إلا ما تتقوت به؛ لتضمر وتذهب رخاوتها؛ فتكون أقوى.

وروى سلمة بن الأكوع قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم مِنْ أَسْلَم

ص: 334

يتناضلون بالسيوف، فقال:"ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِياً".

قال ابن الصباغ: وأجمع المسلمون على جوازها على الجملة.

قال: المسابقة على عوض كالإجارة في أحد القولين.

هذا الفصل يتضمن أمرين:

أحدهما: جواز دخول العوض فيها، ودليلة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"رِهَانُ الْخَيْلِ طِلْقُ" أي: حلال. وعن عثمان- رضي الله عنه أنه قال له: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له، فجاءت سابقة؛ فهش لذلك وأعجبه. والرهن لا يكون إلا على عوض، ولأن في دخول المال في ذلك حثا على الاستعداد للجهاد.

والثاني: ما حكمهما بعد ذلك:

فأحد القولين- وهو الصحيح-: أنها كالإجارة، والجامع: أنه عقد يشترط أن يكون المعقود عليه معلوماً من الجانبين.

فعلى هذا قال: تصح ممن تصح منه الإجارة، ولا يجوز فسها بعد لزومها، ولا الزيادة فيها، أي: في مسافة، أو عدد رشق، أو عوض، ولا الامتناع من إتمامها، وحكمها في [خيار المجلس وخيار الشرط] حكم الإجارة، ويجوز أخذ الرهن والضمين فيها، لأن هذه أحكام الإجارة.

ويجب على هذا الإتيان بالإيجاب والقبول، وهل يجوز الزيادة فيها قبل اللزوم؟ فيه الخلاف المذكور في إلحاق الزيادة بالعقد. ولا يجب على أحد المتسابقين إذا كان هو الملتزم للمال تسليمه لصاحبه قبل السبق، واحتج القفال بهذا على أن المال لا يستحق إلا بالعمل؛ فخرج ضمانه على الخلاف في ضمان

ص: 335

ما لم يجب ولكن جرى سبب وجوبه.

والخلاف يجري في الرهن من طريق الأولى؛ لأن الضمان أوسع ثبوتاً.

وقد ذكر الفوراني وجهاً: أنه يجب دفع المال كالإجارة.

وقال الغزالي: إنه فاسد. وسلك الإمام طريقاً في تصحيح الضمان والرهن مع القول بعدم وجوب تسليم العوض قبل السبق، فقال: لا يبعد أن يكون استحقاق السبق موقوفاً مراعى: فإذا سبق من شرط له السبق تبينا أنه استحق ذلك بالعدقن ويكون على هذا ضمان السبق كضمان العهدة، وهذه عهدة تقبل الرهن أيضاً؛ فإنها ستبدو على القرب؛ فليست كعهدة المبيع، ثم إنه ليس لمعرفتها غاية تنتظر.

وما أبداه الإمام احتمالاً من كون استحقاق السبق يكون موقوفاً على هذا القول، قد حكى مثله قولاً منصوصاً في ملك الأجير الأجرة في كتاب الزكاة، وحكاه الماوردي في كتب الإجارة.

قال: وكالجعالة في القول الآخر، والجامع: أنه عقد يبذل العوض فيه على ما لا يوثق به؛ فعلى هذا قال: فيجوز فسخها، أي: قبل الشروع، والزيادة فيها، أي: في العوض وإعداد السهام، والامتناع من إتمامها، ويفسخها متى شاء، أي: بعد الشروع، وإن كان لأحدهما فضل ولا يأخذ فيها الرهن والضمين؛ لأن هذه أحكام الجعالة.

وقيل: إذا كان لأحدهما فضل لم يجز للمفضول الفسخ، وإلا أفضى الأمر إلى ألا يسبق أحد أحداً؛ فإنه يفسخ إذا أحس بغلبة صاحبه؛ فعلى هذا: يكون العقد جائزاً ما لم يظهر فضل، فإذا ظهر لزم في حق المفضول. وهذا الوجه- كما قال في "المهذب"- يجري في طلب الزيادة.

وقيل: يجوز أخذ الرهن والضمين فيها؛ كما قيل في الجعالة على النعت المذكور في بابيهما، ورتب الإمام الخلاف في الرهن على الضمان، فقال: إن جوزنا الضمان ففي الرهن وجهان.

وعلى هذا القول: لا يفتقر إلى القبول بالقول، وفيه وجه حكاه الإمام.

وقد اختلف الأًحاب في محل القولين في الأصل:

فالذي حكاه في "المهذب"، والبندنيجي في كتاب الضمان والرهن، والقاضي

ص: 336

الحسين في كتاب الضمان: أن محلهما إذا كان المال من المتسابقين وبينهما محلل، أما إذا كان من أحدهما أو من غيرهما؛ كان جعالة قولاً واحداً.

قال الرافعي: والظاهر- وهو المذكور في "التهذيب"-: طرد القولين، وإن أخرجه أحدهما أو غيرهما، وهو الذي يقتضيه إطلاق الشيخ هنا، لكن إن كان المخرج للمال أحدهما أو أجنبياً فنقول: اللزوم مختص بالمعطى، أما الذي يغنم وقد لا يغرم شيئاً، فهو جائز من جهته، كذا قال في "التهذيب"، وبه قال الشيخ أبو محمد والأئمة، ويكون العقد جائزاً من أحد الطرفين لازماً من الآخر، ولا غرو في ذلك، فإن الرهن والكتابة كذلك.

وقيل: إن العقد لازم في حق من التزم المال إذا كان من المتسابقين، وفي حق من لا يغرم وقد يغنم: وهو المحلل إذا أخرجا السبق، أو أحدهما إذا كان المخرج للسبق غيرهما كما صرح به الإمام، وكأن باذل المال أراد أن يستفيد من عمل صاحبه في الركض؛ فهو كالمستأجر وصاحبه كالأجير.

واعلم أن ما ذكره الشيخ تفريعاً على القول الأول فيه منازعة من وجهين:

أحدهما: أنه جزم بصحتها ممن تصح منه الإجارة، وهذا يشمل الرجل والمرأة، وقد قال الصيمري في "الإفصاح": إنه لا يجوز السبق والرمي من النساء؛ لأنهن لسن من أهل الحرب.

الثاني: أنه جزم بأنه لا يجوز الامتناع من إتمامها، وغيره فصل فقال: إن كانا متساويين من غير فضل فالأمر كذلك، وكذا إن كان أحدهما مفضولاً واحتمل أن يلحق الفاضل ويفضله، أما إذا لم يمكن ذلك فيجوز للفاضل الامتناع من الإتمام دون المفضول، وبهذا جزم الرافعي، وحكى في "الذخائر" وجهين في جواز امتناع الفاضل من الإتمام.

فروع: أحدها: إذا وقع عقد المسابقة في الصحة، وسلم المال في مرض الموت- فهو من رأس المال إن جعلناه إجارة، وإن جعلناه جعالة فوجهان.

ولو ابتدأ العقد في المرض، قال في "البحر": يحتمل أن يحسب العوض من الثلث، ويحتمل أن يبنى على اختلاف القولين.

الثاني: السبق يجوز أن يكون عندهما، ويجوز أن يكون عند عدل، فلو قال

ص: 337

أحدهما: نتركه عندنا، وقال الآخر: بل ندعه عند عدل- نظر: إن كان الملتزم ديناً أجيب الأول، وإن كان عيناً أجيب الثاني. فلو اتفقا على إخراجه من اليد، وقال أحدهما: نضعه عند زيد، وقال الآخر: بل عند عمرو- اختار الحاكم أميناً، وهل يتعين أحد الأمينين المتنازع فيهام أو له أن يختار غيرهما؟ فيه وجهان.

الثالث: لو جمع بين بيع ومسابقة على عوض، فإن قلنا: إن المسابقة كالإجارة، خرج على القولين في الجمع بين بيع وإجارة، وإن قلنا: إنها كالجعالة؛ لم يصح؛ لأن الجمع بين معاملة لا تلزم وبيع يلزم في صفقة واحدة لا يمكن، كذا حكاه الرافعي عن الصيدلاني.

ويجوز ذلك، أي: العقد بعوض على الرمي بالنشاب والرماح والزانات، أي: المزاريق وما أشبهها من آلة الحرب، أي: كالنبال والمسلة والإبرة؛ لما روى الشافعي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفِّ، أَوْ حَافِرٍ" وخرجه أبو داود والنسائي والترمذي أيضاً.

ص: 338

والسبق- بفتح الباء-: هو المال الذي يدفع للسابق على سبقه، ويسمى: الخطر، والندب، والفرع، والواجب، وبالتسكين: مصدر "سبق يسبق"، وقد وردت الرواية بهما لكن الأولى أثبت.

والنصال، قال في "الصحاح": نصل السهم والسيف والسكين والرمح والمزاريق.

وأراد صلى الله عليه وسلم بالخف: الإبل، وبالحافر: الخيل.

وفي "التهذيب" حكاية وجه: أن المسابقة بالعوض لا تجوز على الرمي بالرماح والزانات ونحوهما من آلة الحرب؛ لأنه قل ما يحتاج إلى الرمي بها في الحرب.

ومن صور الخلاف: رمي الحجارة باليلد وبالمقلاع والمنجنيق، وجزم في "المهذب" بالجواز في الرمي بالمقلاع، وهو الصحيح في الجميع في غيره.

ومن صور الخلاف: التردد بالسيوف والرماح، والأصح- وعليه نص في "الأم" ما حكاه أبو الطيب-: الجواز أيضاً، للخبر، ولأنه أعظم عدد القتال.

ولا خلاف في أنه لا يجوز على الرمي بالجلاهق.

تنبيه: النشاب: ما يرمى به عن القسي الفارسية، والنبل: ما يرمى به عن العربية، كذا حكاه الأزهري.

قال: ويجوز على الخيل؛ لقوله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]، ولخبر أبي هريرة، ولأنها المعتدة للقتال غالباً.

قال: والإبل؛ للخبر، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها: العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها؛ فشق ذلك على المسلمين فقالوا:

ص: 339

يا رسول الله، سبقت العضباء! فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]:"إِنَّهُ حَقُّ عَلَى اللهِ أَلَّا يَرْتَفِعَ مِنْ هَذِهِ الْقَذِرَةِ شَيْءُ إِلَّا وَضَعَهُ" خرجه البخاري والنسائي.

ولأن العرب تقاتل عليها أشد قتال؛ فكانت كالخيل، وتخالف الغنيمة حيث لم يجعل للواحد من الإبل سهم كالفرس؛ لأن السهم منوط بزيادة المنفعة والفائدة، وما يتهيأ للخيل من الانعطاف والالتواء وسرعة الإقدام، لا تشاركها الإبل فيه، والقصد هنا ما فيه غناء وفائدة في القتال، والإبل كذلك.

قال: وفي الحمار والبغل قولان:

وجه الجواز- وهو الذي رجحه الأكثرون-: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "أَوْ حَافِرِ".

قال الإمام: ومما يخطر للإنسان في إمكان قصد التعميم عدول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل والخيل إلى الخف والحافر.

ووجه المنع- وبه قال الإصطخري-: أنهما لا يصلحان للكر والفر في الحرب، ولا يقاتل عليهما غالباً. وهذه طريقة ابن خيران، ووراءها طريقان أخريان:

إحداهما: القطع بالجواز، وبها قال ابن الوكيل وأبو إسحاق.

والثانية: القطع بالمنع، وبها قال ابن سريج.

قال: وفي الفيل وجهان:

وجه الجواز- وهو الأصح-: أنه أعتى من غيره في الحرب، ولأنه ذو خف؛ فيدخل في الخبر.

ووجه المنع أنه لا يسهل به الإقدام، ولا يحصل منه كر ولا فر، ولا يقاتل عليه غالباً؛ فلم يكن في معرض عموم الحاجة.

وقد روى بعضهم هذا الخلاف قولين.

قال: ولا يجوز على الأقدام، أي: على الجري على الأقدام، والزبازب والطيور في ظاهر المذهب؛ لخبر أبي هريرة وهذا هو الأصح، وقيل: يجوز

ص: 340

ذلك؛ لأنه يحتاج إليها في الحرب، وعلى هذا: هل يجوز في السباحة؟ فيه وجهان. ووجه الفرق بينهما وبين الأقدام: أن الماء يؤثر في السباحة، والأرض لا تؤثر في السعي. ولا تجوز المسابقة على مناطحة الكباش ومهارشة الديوك بعوض ولا بغيره؛ لأنه حرام.

[قال]: وفي الصراع وجهان:

وجه الجواز: أنه صلى الله عليه وسلم صارع ركانة بن عبد يزيد على شاة، فصرعه، ثم عاد فصرعه، ثم عاد فصرعه.

ووجه المنع- وهو الأظهر-: ظاهر خبر أبي هريرة، وصراع ركانة كان الغرض منه أن يريد شدته ليسلم؛ ولهذا لما أسلم رد عليه غنمه.

فعلى الأول: هل يجوز على المشابكة باليد؟ فيه وجهان منقولان عن "الحاوي"، ولا خلاف في جواز هذه الأشياء بغير عوض.

تنبيه: الصراع: بضم الصاد، يقال: صارعته مصارعة، حكاه في "رفع التمويه".

قال: ولا يجوز المسابقة بين الجنسين: كالخيل والإبل، وكذا بين الخيل والبغال، والبغال والحمير، إذا جوزنا المسابقة عليهما؛ لأن المقصود منهما اختيار الأفراس، وهؤلاء التفاوت بينهما معلوم، وقال أبو إسحاق: إذا تقارب جنسان كالخيل والنجيب جاز.

قال: ويجوز على نوعين كالعربي والبرذون؛ لأن البرذدون في أول شوطه أجرى، وفي آخره ألين، والآخر بعكس؛ فربما تكافآ عند الغاية.

وقال أبو إسحاق: إن تفاوت نوعان كالعتيق والهجين من الخيل، أو النجيب والبختي من الإبل- لم يجز. قال الرافعي: وهذا ينبغي أن يكون أرجح؛ لما سنذكره، وإن كان الجواز أشهر.

ص: 341

ولا نزاع في أنه لو كان الفرسان من نوع واحد، وكان كل منهما نجيباً [يمكن أن] يسبق الآخر- جاز إذا كان القتال عليه ممكناً. ولو كان أحد الفرسين [ضعيفاً] يقطع بتخلفه، أو فارهاً يقطع بتقدمه- لم يجز. ولو كان سبق أحدهما ممكناً على الندور، ففي الاكتفاء به للصحة وجهان، أقربهما في كلام الأصحاب: المنع؛ فإنه لا يقام للاحتمال النادر وزن، وهذا ما تمسك به الرافعي في تقوية مذهب أبي إسحاق، وقال: أي فرق بين أن يقع التخلف لأمر عارض أو لرداءة النوع؟

تنبيه: البرذون: هو الذي أبواه عجميان، والعتيق: أبواه عربيان، والهجين: أبوه عربي وأمه غير عربية، والمقرف- بضم الميم، وإسكان القاف، وكسر الراء، وبالفاء-: أبوه عجمي وأمه عربية. ويكون ذلك في الناس والخيل.

قال: ولا يجوز إلا على فرسين معروفين؛ لتوقف المقصود على ذلك، وهو معرفة جوهرهما. ولا نزاع في أن التعيين في ذلك كاف، وهل يكفيفيه الوصف؟ فيه وجهان:

المعزي منهما للعراقيين- كما حكاه الإمام ورجحه-: الجواز أيضاً؛ لن الوصف والإحضار بعده يقومان مقام التعيين في عقد السلم وعقود الربا؛ فكذلك هاهنا.

وعلى هذا: فيجب أن يحضرا فرسين من نوع واحد.

والثاني- وبه قال الشيخ أبو محمد، وهو الذي صححه في "الوجيز"، وأجاب به الروياني-: المنع.

ولو جرت المسابقة مطلقاً، قال العراقيون: هو كما لو جرت على السهام مطلقاً.

قال: ولا تجوز إلا على مسافة معلومة الابتداء والانتهاء، أي: يمكن وصول الفرسين إليها غالباً؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، وما لم يضمر منها من الثنية إلى مسجد بني زريق. ولأنهما لو تسابقا [على] إجراء الفرسين إلى أن يسبق أحدهما من غير غاية؛ لم يؤمن ألا

ص: 342

يسبق أحدهما إلى أن يعطب؛ حرصاً على طلب المال، ويتعذر عليهما إقامة البينة على السبق. وأيضاً: فإن فرس أحدهما قد يكون أكثر جرياً في الابتداء والآخر عكسه؛ فلا بد من غاية تجمع حالتيه، أما إذا كانت المسافة لا تنتهي إلى مثلها الأفراس غالباً، فلا يصح العقد.

ولو عينا غاية، وشرطا أن السبق إن اتفق في وسط الميدان كفى- ففي جوازه وجهان مبنيان على المعنيين: فعلى الأول يصح، وعلى الثاني لا [يصح]، وهو الأشبه. ولو عينا غاية وقالا: إن اتفق السبق عندها فذاك، وإلا تعدينا إلى غاية أخرى، واتفقا عليها- فوجهان مرتبان، وأولى بالصحة.

قال: ولا يجوز إلا على عوض معلوم كالإجارة والجعالة، والعلم تارة يحصل بالمشاهدة إن كان معيناً، وتارة بالوصف إن كان في الذمة. ويجوز أن يكون العوض حالاً ومؤجلاً.

ولو عقدا على مجهول أو خمر أو خنزير فسد العقد، وهل يستحق السابق أجرة المثل؟ فيه وجهان جاريان في كل صورة يفسد فيها عقد المسابقة والمناضلة:

أحدهما- وبه قال أبو إسحاق وابن القاص-: أنه لا يستحق شيئاً على باذل المال؛ لأنه لم يعمل له شيئاً، وفائدته ترجع إليه.

وأصحهما- وبه قال أبو الطيب بن سلمة، واختاره الشيخ أبو محمد والقفال-: أنه يستحق؛ لأن المنفعة التي يستحق بها المسمى في العقد الصحيح لا تعرى عن العوض عند الفساد كما في الإجارة والقراض، والعمل قد لا يقع في القراض ومع ذلك يكون مضموناً.

فعلى هذا: لو كان الفساد بسبب آخر، وكان العوض لا يتعذر تقويمه- ففيما يرجع به طريقان حكاهما الإمام:

أحدهما: في المسألة قولان كما في الصداق والخلع، ووجه الشبه: أن السبق ليس على حقائق الأعواض؛ فإن فائدة العمل للعامل؛ كما أن الصداق وبذل الخلع ليسا على حقائق الأعواض.

ص: 343

والثاني: القطع بالرجوع إلى أجرة المثل، وهذا هو الصحيح وإن ثبت الخلاف، لكن تعتبر أجرة المثل بالنظر إلى الزمان الذي اشتغل فيه بالرمي، أو ما يجري في المسابقة بالنسبة إلى تلك المسافة في عرف الناس غالباً؟ فيه وجهان:

الأول منهما: عن أبي الطيب بن سلمة، قال ابن كج: وكأنه بناه على أن الحر إذا غصب على نفسه يستحق أجرة المثل لتلك المدة.

والثاني: عن أبي الحسين، قال الرافعي: وهو أقرب، مع أنه يمكن أن يقال: ليس للناس في هذا اعرف غالب يرجع إليه.

قال: ويجوز أن يكون العوض منهما ومن غيرهما، أي: ولو من بيت المال؛ لأنه إخراج مال لمصلحة الدين فجاز من الجميع كرباط الخيل في سبيل الله، وقد روى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل، وجعل بينهما سبقاً.

فرع: إذا كان العوض منهما جاز أن يكونا متساويين فيه ومتفاضلين، وعن "الحاوي" والصيمري: أنه يجب أن يتساوى المالان.

قال: فإن أخرج أحدهما السبق على أن من سبق [منهما] أحرزه، جاز؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحزبين من الأنصار يتناضلون [وقد] سبق أحدهما الآخر، فأقرهما على ذلك، ولأن المقصود من العقد يحصل بذلك مع خلوه عن القمار؛ فإن المخرج حريص على أن يسبق كي لا يغرم، والآخر حريص عليه؛ ليحوز السبق.

فرع: لو كان المخرج للمال يقطع بأنه سابق فهذه مسابقة على غير مال، وإن كان يقطع بأنه مسبوق؛ ففي صحة هذه المسابقة وجهان.

قال: وإن أخرجا السبق على أن من سبق منهما أخذ الجميع، لم يجز؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أَدْخَلَ فَرَساً بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَهُوَ قِمَارُ، وَإِنْ لَمْ يَامَنْ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ"، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قماراً عند

ص: 344

الأمن من سبق فرس المحلل فرسهما، فبأن يكون قماراً إذا لم يكن ثم محلل أولى، ولأن معنى القمار موجود فيه؛ فإن كل واحد منهما يرجو الغنم ويخاف الغرم.

قال: إلا أن يكون معهما محلل [وهو ثالث] على فرس كفيء لفرسيهما؛ لا يخرج شيئاً، أي: فيجوز؛ للخبر.

وذهب ابن خيران إلى منع هذه المسابقة، ووجهه: بأن كل واحد من المخرجين قد يغرم وقد يغنم لو جوزناه، وذلك قمار.

وقد حكى الإمام ما قاله ابن خيران قولاً، وجعل المسألة على قولين، وغيره حكى الخلاف وجهين وعبر عنه بأن المحلل يحلل لنفسه ولغيره، أو لنفسه فقط؟ وظاهر المذهب- وهو المنصوص: الأول؛ لما ذكرناه وهو الذي يأتي عليه التفريع. وأما إذا لم يكن فرس المحلل كفئاً لفرسيهما: فإن قطع بأنه مسبوق فهو كما لو لم يكن؛ للخبر، وإن قطع بأنه سابق؛ ففي الصحة وجهان، والأصح: عدم الصحة.

تنبيه: الكفيء: بفتح الكاف وكسر الفاء، مهموز ممدود، وهو المكافئ المماثل للنظير، ويقال فيه: الكفء، والكفوء- بالضم والمد- على "فعول"، والمصدر: الكفاءة، بالفتح والمد.

قال: فإن سبقهما أحرز سبقهما بسبقه، وإن سبقاه أحرز كل واحد منهما سبقه؛ لعدم سبقه لهما وسبق أحدهما للآخر، وإن سبق أحدهما [مع]

ص: 345

المحلل أحرز سبق المتأخر لسبقهما. وعلى مذهب ابن خيران: يفوز المحلل بالسبق. وإن سبق أحدهما أخذ السبقين: أما سبق نفسه؛ فلأنه لم يسبق، وأما سبق الآخر؛ فلسبقه له. وعلى مذهب ابن خيران: لا يأخذ سبق صاحبه.

ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون المخرج للمال اثنين أو مائة والمحلل واحد، وهاهنا أصل آخر حكاه الإمام، وهو أنه: إذا أطلقنا شرط المال للسابق فاللفظ للسابق المطلق، أو يتناول من سبق غيره وإن كان مسبوقاً بغيره؟ وفيه اختلاف للأصحاب، والظاهر الأول، ويترتب على الأصلين خلاف في صورتين:

إحداهما: إذا كانت الصورة كما ذكرها الشيخ، ثم جاء المحلل ثم أحد المستبقين، ثم الآخر- فالمحلل يحوز ما أخرجه المصلي بلا خلاف، وفيما أخرجه الفِسْكِل ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنه للمحلل أيضاً؛ بناء على أن الاعتبار في السبق السابق المطلق.

والثاني: أنه للسابق والمصلي جميعاً؛ لأنهما سبقاه.

وأضعفها: أنه للمصلى وحده، ويجعل سابقاً للفسكل؛ كما جعل المحلل سابقاً للمصلي.

الثانية: لو سبق أحد المستبقين، ثم جاء المحلل، ثم جاء الثاني- فيحوز السابق ما أخرج، وأما ما أخرجه الثاني.

فإن قلنا بظاهر المذهب ففيه ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنه للسابق؛ لأن المحلل مسبوق.

والثاني: أنه لو وللمحلل؛ لأنهما سبقاه.

والثالث: أنه للمحلل وحده.

وإن قلنا بمذهب ابن خيران فوجهان:

أحدهما: أنه للمحلل.

والثاني: أنه يحوزه مخرجه، ولا يستحقه السابق ولا المحلل: أما السابق؛ فلأنا نفرع على أن المحلل لا يحل لغيره، وأما المحلل؛ فلأنه مسبوق مطلق.

فرع: ينبغي أن يجري فرس المحلل بين فرسي المتسابقين، فإن لم يتوسطهما وأجري من أحد الجانبين- جاز إذا تراضيا به؛ فلو رضي أحدهما بأن يعدل عن الوسط ولم يرض الآخر لزمه التوسط. ولو رضيا بألا يتوسط، لكن قال أحدهما:

ص: 346

يكون على اليمين، وقال الآخر: بل على اليسار- لزم التوسط، [وليس كما] لو تنازع المتسابقان في اليمين واليسار؛ فإنه يقرع بينهما.

قال: وإن أخرج الإمام من بيت المال أو أحد الرعية من ماله السبق بين اثنين، وشرط أن من سبق منهما فهو له- جاز، أي: جاز من غير محلل؛ لانتفاء معنى القمار منهن وإلا فقد تقدم أنه يجوز أن يكون السبق من غير المتسابقين، وهو شامل للصورتين.

قال: فإن سبق أحدهما استحق؛ عملاً بالشرط، وإن جاءا معاً لم يستحقا؛ لفقد الشرط. وإن شرط للسابق وللآخر أي: مثل أن قال: من جاء منكما أولاً فله درهم، ومن جاء آخراً فله درهم- لم يجز؛ لأن كل واحد منهما يعلم أنه يستحق فلا يجتهد؛ فلا يحصل المقصود الذي شرع له العقد، وهذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب. نعم لو شرط للسابق أكبر من الآخر كان فيه الخلاف الآتي من بعد.

قال: فإن كانوا ثلاثة فشرط لاثنين دون الثالث، أو أربعة، فشرط لثلاثة دون الرابع- جاز.

صورة المسألة الأولى: أن يقول: من جاء منكم مجلياً فله درهم، ومن جاء منكم مصلياً فله درهم، ومن جاء منكم فسكلاً فلا شيء [له].

وصورة الثانية: أن يقول: من جاء منكم مجلياً فله درهم، ومن جاء منكم مصلياً فله درهم، ومن جاء تالياً فله درهم، ومن جاء فسكلاً فلا شيء له.

وإنما جاز في هاتين الصورتين؛ لأن كل واحد منهم يجتهد حتى لا يكون فسكلاً. وكلام الإمام يشير إلى خلاف فيهما، وأن الأصح الفساد؛ فإنه قال: لو شرط للمجلي وللمصلي، وفاضل المصلى- فالمذهب: أن ذلك باطل. ولو سوى بين السابق والمصلي فهو في الترتيب كما لو فضل المصلي على السابق. وكل ما ذكرناه فيه إذا اشتمل مكان التسابق- وهي المسمى: الحلبة- على فرسان السابق والمصلي وغيرهما؛ فلو كان يتسابق رجلان فالمصلي فسكل، ولا خلاف أنه لا يجوز تخصيص الفسكل بالسبق، وهذا غير المثالين اللذين ذكرهما الشيخ.

ص: 347

قال: وإن شرط للجميع وسى بينهم، أي: مثل: أن شرط لمن جاء فسكلاً درهماً- أيضاً- لم يجز؛ لما ذكرناه.

قال: وإن فاضل وجعل للسابق عشرة، وللمجلي تسعة، وللمصلي ثمانية- فقد قيل: يجوز؛ لأن كل واحد يجتهد أن يتقدم فيأخذ الأكثر، وهذا ما صححه ابن الصباغ، وجعله البندنيجي المذهب، وقال الإمام: إنه الذي قطع به معظم الأصحاب.

وقيل: لا يجوز؛ لأن كل واحد قطع بحصول شيء له؛ فلا يبالغ في الاجتهاد.

واعلم أن بعض الشارحين ناقش [الشيخ] فقال: قد جعل المجلي الثاني، والمصلي الثاني، وقد جاء في بعض النسخ تقديم المصلي على المجلي، والكل سهو؛ بل السابق هو: المجلي، والثاني هو المصلي، والثالث: التالي، والرابع: البارع، والخامس: المرتاح، والسادس: الحظي، والسابع: العاطف، والثامن: المؤمل، والتاسع: اللطيم، والعاشر: السكيت، والذي يجيء في آخر الكل: الفسكل، بكسر الفاء والكاف.

قلت: لا سهو في النسخ المذكورة؛ لأن صاحب "الذخائر" حكى أن أبا منصور عبد الملك الثعالبي قال في كتاب "فقه اللغة": كانت العرب تعد السوابق ثمانية، ولا تجعل لما جاوزها حظاً، أولها: السابق، ثم المجلي، ثم المصلي، ثم المقفي، ثم المؤمل، ثم البارع، ثم اللطيم.

وحكي عن الفراء: أنه ذكر في السوابق عشرة لم يحكها غيره، [وهي] السابق، [ثم المجلي]، ثم المصلي، ثم التالي، ثم المرتاح، ثم العاطف، ثم الحظي مخفف

ص: 348

الظاء- وقيل: ثم المؤمل- ثم اللطيم ثم السكيت بتخفيف الكاف، ثم يثقل.

فعلى ما حكاه أبو منصور عن المشهور، ينطبق كلام الشيخ.

وأما ما جاء في بعض النسخ من تقديم المصلي على المجلي فنقول: إن صح فالشيخ- رضي الله عنه لم يعتبر الترتيب المعهود في كتب اللغة، ولكنه أراد أن يعرفك أنه إذا جعل للمتأخر أكثر من المتقدم هل يصح عقد المسابقة أم لا؟ وفيه خلاف مشهور في المذهب، كما هو مذكور فيما إذا شرط لجميع المتسابقين وفاضل بينهم حتى الفسكل، وهو جارٍ- أيضاً- فيما إذا شرط للمتاخر دون المتقدم، لكن الأصح في هاتين الصورتين: المنع، والأصح- كما ذكرناه- فيما إذا جعل الأكثر للسابق، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه: الجواز.

قال: وإن شرط- أي: المخرج- أنه إذا سبق أحدهما أطعم السبق أصحابه، لم تصح المسابقة على ظاهر المذهب، وهو الصحيح؛ لأنه تمليك شرط فيه ما يمنع المالك كمال التصرف؛ فإذا لم يصح الشرط بطل العقد؛ كما لو باعه [شيئاً] بشرط ألا يبيعه.

فعلى هذا: من سبق لا يستحق [المسمى] وهل يستحق على الشارط أجرة المثل؟ فيه الخلاف السابق.

والأصح في "تعليق" القاضي الحسين- وبه قال الأكثر الأصحاب-: الاستحقاق.

قال: وقيل: تصح، إلا أنه يسقط المسمى، ويجب عوض المثل؛ لأن المسابقة تصح بدون العوض، وثبوته فيها ليس على حقائق الأعواض، وقد اقترن به ما يفسده؛ فاقتصر الفساد عليه، كما نقول في الصداق والخلع.

قال: وقيل: تصح، ولا يستحق [شيئاً]، أي: تصح بالمسمى، ويلغى الشرط، ولا يستحق المشروط له الطعمة شيئاً، لأن الشرط لا يعود نفعه إلى المستبق، فلا يكون شرطاً، وإنما يكون وعداً، وهذا قول أبي إسحاق المروزي، وشبهه بما قاله الشافعي فيما إذا قال: أصدقتك ألفين على أن تعطي أباك ألفاً؛ فإن الصداق صحيح؛ لأنه شرط عليها ما لا يعود نفعه إليه.

ص: 349

وقد حكى الإمام عن صاحب "التقريب": أنه قال: كل شرط فاسد لو فرض طرحه لاستقل عقد المسابقة والمناضلة بإطلاقه، فهل يبطل العقد؟ فيه وجهان. وكل ما لو صرح به لم يستقل العقد، فإذا فسد فلا بد من فساد العقد، وهو كما لو لم يذكر في المسابقة غاية ولا في المناضلة، أما إذا شرط المجعول له السبق الطعمة، قال القاضي الحسين: العقد صحيح؛ كما في البيع: إذا باع طعاماً، وشرط البائع على المشتري أن يطعم أصحابه لا يجوز، ولو شرط المشتري أن يطعم أصحابه لا يفسد العقد، وهذا كما قال الشافعي: لو عقد النكاح، وشرط ألا يطأها: لا يصح النكاح. وقال في موضع آخر: يصح النكاح.

قال الربيع: المسألة على حالين:

حيث قال: لا يصح، إذا شرطت المرأة على الزوج ألا يطأها.

وحيث قال: يصح، إذا شرط الزوج ألا يطأها؛ وذلك لأن الوطء حق الزوج. وهذا مما استحسن من تخريجات الربيع. انتهى.

واعلم أن بعض الشارحين لهذا [الكتاب] قال: إن القول الثاني غير موجود في مشاهير الكتب، وإن أقرب ما يؤول عليه كلام الشيخ أن يقال: عنى بقوله: لا يصح على ظاهر المذهب، أنه لا ينعقد على وجه يستحق به المسمى. وعنى بقوله: وقيل يصح إلا أنه يسقط المسمى ويجب عوض المثل، أنه ينعقد فاسداً ولا يلغو؛ فيجب أجرة المثل. وعنى بقوله: يصح ولا يستحق شيئاً، أنه لا يلغو بالكلية؛ من حيث إنه جعل لنفسه نفعاً، ولا يستحق شيئاً، لأنه لم يحصل لصاحبه نفعاً.

قال: والسبق في الخيل إذا استوت أعناقها- أي: في الطول والقصر والارتفاع والمد عند الجري- أن يسبق أحدهما بجزء من الرأس من الأذن وغيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ كَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْبِقَ الآخَرَ بِأُذُنِهِ"، فأثبت

ص: 350

النبي صلى الله عليه وسلم السبق بالأذن، وفي هذه الحالة متى وجد السبق بجزء من الرأس وجد السبق بالكاهل.

قال: وإن اختلفا في طول العنق، أو كان ذلك في الإبل- اعتبر السبق بالكاهل؛ كي لا يحصل السبق بزيادة الخلقة لا بجودة الجري. وفي هذه هالحالة إن سبق القصير العنق بكل عنقه أو بعضه فهو السابق، وكذا إن سبق الطويل العنق القصير العنق بكل عنقه فهو السابق، وإن سبقه ببعضه: فإن كان بقدر الزيادة فلا سبق، وإن كان بأقل من الزيادة فالسابق القصير. وهذه الطريقة المشهورة كتب العراقيين.

وحكى الإمام عن الأصحاب [ترددا] في أن السبق يعتبر بمقدم الرأس والعنق والهادي، أو بمواقع الأقدام، وأن بعضهم نسبه إلى المنصوص، وجعل في المسألة قولين، وأن العراقيين قالوا: إن كان عنق أحد الفرسين أطول فسبق بقدر الزيادة؛ فلا يكون سابقاً، وإن استوى العنقان في الطول فهو موضع الخلاف. ثم قال: وفي ذلك إشكال؛ فإن الفرسين إذا استويا في طول الرقبة وقصرها، وكانا يمدان عنقهما في العدو- فالسابق بالرقبة يكون سابقاً بمواقع الأقدام لا محالة؛ فلا يبقى للتردد وجه، والوجه: حمل التردد على ما إذا كان الفرسان يتفاوتان في مد العنق عند العدو؛ فإن من الخيل ما يعتاد مد العنق في العدو، وذلك مما يستحسن، ومنها ما يكون شائلاً رأسه صعداً، وهذا غير محبوب في العدو، وإنما يؤثر ويستحب في السير والهملجة، وقد يصدم وجه الفارس إذا كان يستعمل سلاحاً في عدوه، وإذا كان كذلك؛ فلا نظر إلى [أقدار] الأعناق.

وإن كانا يمدان الأعناق، وقلنا: الاعتبار بالأقدام- فلا نظر إلى الأعناق. وإن قلنا: الاعتبار بالأعناق فيتجه اعتبار التساوي في العنقين، وعلى هذا ينطبق ما حكاه الرافعي عن طريقة الصيدلاني والعمراني عن "العدة": أنه لو كان أحد الفرسين أطول عنقاً من الآخر، فسبق الآخر ببعض العنق، وسبقه الآخر ببعض الكاهل- فأيهما السابق؟ فيه وجهان، ووراء ذلك أوجه:

أحدها: حكى الصيدلاني أن عند اختلاف العنق إذا سبق الأطول عنقاً ببعض عنقه- وكاهلهما سواء- عد ذلك سبقاً؛ لأن تقدير أعناق الخيل وضبطها عسير.

والثاني: أن التقدم ببعض العنق أو بالكاهل سبق؛ فلو تقدم أحدهما بأحدهما والآخر بالآخر فلا سبق.

ص: 351

والثالث: أن المتبع عرف الناس وما يعتبرون به السبق.

والرابع: الاعتبار بتقديم الأذن، أي: وإن اختلف العنق، وهو مذهب الثوري.

وهذا كله فيما إذا أطلقا العقد، فأما لو شرطا في السبق أقداماً معلومة لم يحصل السبق بما دونها، كذا صرح به في "المهذب"، وحكى في موضع آخر: أن أبا علي الطبري قال في "الإفصاح": لو تسابقا على أن من سبق صاحبه خمسة أقدام- كان له السبق، قال: جاز ذلك عندي؛ كما في الرمى. ثم قال أبو علي: ورأيت لبعض أصحابنا منع ذلك، ولا أعرف له وجهاً.

وقد تم الكلام في معرفة نهاية السبق، وأما موضع وقوفها في الابتداء؛ فلم يتعرض الشيخ لذكره ولا ضبطه، وقد حكى الإمام عن شيخه: أن المعتبر فيه بالأقدام لا غير، وأنما التردد في آخر الميدان، و [قال]: هذا حسن متجه لا يجوز غيره؛ فإنا لو اعتبرنا السبق من جهة استحسان مد الفرس عنقه فهذا لا يتحقق في الابتداء؛ فتعين اعتبار الأقدام؛ إذ بها السبق في الحقيقة، ولو اعتبرنا الرقبة لجر ذلك تفاوتاً في السبق مهما اختلفت الأقدام.

تنبيه: العنق يسمى الهادي.

والكاهل- بكسر الهاء- هو الكتف- بفتح الكاف وكسر التاء ثالثة الحروف – وهو مجتمع الكتفين، ويسمى: الكتد، وهو من الخيل مكان السنام من البعير، كذا نقله ابن الصباغ.

وقال القاضي الحسين: إنه مجتمع أسفل العنق وأعلى الصدر، بقرب سنام الإبل فوق اليدين.

[هنا] مناقشة: قال الشيخ محيي الدين النواوي- رحمه الله: قد ينكر على المصنف كونه جعل الأذن من الرأس، ومذهبنا: أنه عضو مستقل لا من الرأس ولا من الوجه.

ويجاب عنه: بأنه جعلها من الرأس هنا مجازاً؛ للمجاورة، وكونها في تدوير الرأس.

وقد ينكر عليه شيء آخر، وهو أنه جعل الاعتبار بالرأس والأذن، وهذا خلاف ما نص عليه الشافعي والمصنف في "المهذب" وسائر الأصحاب: أن الاعتبار بالعنق لا بالرأس.

ص: 352

قلت: في كلام الإمام الذي حكيته من قبل ما يدل على خلاف ذلك، وكذا كلام اب الصباغ؛ فإنه قال- بعد أن حكى عن الثوري أنه اعتبر السبق بالأذن، وأنه استدل بالحديث الذي ذكرناه-: وأما الخبر فالقصد به المثل، وقد يكون ذلك مع تساوي العنقين ومدهما، وهذا عين ما ذكره الشيخ.

قال: وإن مات أحد المركوبين قبل الغاية بطل العقد، أي: إذا ورد العقد على عينه؛ لأن القصد متعلق بعينه فبطل بتلفه كهلاك المبيع قبل القبض، أما إذا ورد على فرس موصوف، قال الرافعي: فلا ينبغي أن ينفسخ بهلاكه.

قال: "وإن مات أحد الراكبين قام وارثه مقامه"، أي: فإ، لم يكن له وارث استأجر الحاكم من يقوم مقامه أي: إذا قلنا: إنه لازم كالإجارة، قال الرافعي: وقد أبدي فيه احتمال آخر؛ لأن للفارس أثراً ظاهراً، أما إذا قلنا: إنه جائز، انفسخ؛ كالجعالة.

واعلم: أن من هذا الكلام يؤخذ أن من شرط المسابقة على الخيل- وما في معناها- أن تركب في حال السباق، حتى لو شرط إرسال الدواب لتجري بنفسها كان العقد باطلاً، كما صرح به الأصحاب.

قال: "وإن كانت المسابقة على الرمي لم يجز إخراج السبق منهما أو من غيرهما، إلا على ما ذكرناه في الخيل"؛ لما ذكرناه.

قال: "ولا يجوز" أي: العقد "حتى يتعين الرماة؛ لأن المقصود معرفة حذقهم؛ وذلك لا يحصل بغير تعيين، ولا يكفي في ذلك الوصف، بخلاف الخيل، كما حكيناه عن العراقيين"، ومن عبارتي الشيخ هنا وهناك يظهر اختلاف الحكم.

ثم أقل ما يصح عليه عقد النضال اثنان، وقد قال الشافعي: لو قال: ارم عشرة، فإن كان صوابك أكثر فلك كذا- لم يجز أن يناضل نفسه. وفيه وجه: أنه يصح جعالة؛ لأن له فيه غرضاً صحيحاً، وهذا ما قال ابن الصباغ: إنه المذهب. وصححه البندنيجي.

فعلى هذا: إذا رمى ستة على التوالي، فأصابها فقد استحق السبق، وهل يلزمه

ص: 353

استكمال العشرة؟ فيه وجهان.

قال: "وإن كانوا حزبين لم يجز" أي: العقد "حتى يعرف كل واحد من رأس الحزبين أصحابه قبل العقد".

جرت عادة الرماة أن يتحزبوا حزبين، وينزلوا كل حزب منزلة الرجل الواحد، وهو جائز على المذهب، ودليله: ما روى سلمة بن الأكوع قال: أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نترامى، فقال:"حَسُنَ هَذَا لَعِباً! ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ أبَاكُمْ كَانَ رَامِياً، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الأَكْوَعِ" فكف القوم أيديهم وقسيهم، وقالوا: غلب يا رسول الله من كنت معه. قال: "ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ جَمِيعاً".

وقال أبو علي بن أبي هريرة: لا يجوز؛ لأنه يأخذ كل واحد منهم بفعل غيره.

وعلى الأول: لا بد في صحة [هذا] العقد من أربع شرائط يمتاز بها عن غيره:

أحدها: أن يكون لكل حزب زعيم، وهو الذي سماه الشيخ رأساً؛ فلا يكفي أن يكون للحزبين زعيم واحد يعقد عنهما، ويرتبهما في الرمي؛ كما لا يجوز أن يتوكل الواحد عن شخصين في البيع والشراء، قال القاضي الحسين: ويحتاج أن يكون الزعيم أحذقهم وأعرفهم باختيار الرجال.

والثاني: [تعيين] رماة كل حزب؛ لاختلاف الغرض به، وصورته: أن يأخذ هذا الزعيم واحداً، والزعيم الآخر واحداً بالتراضي.

ولا يجوز أن يعين أحد الزعيمين أصحابه دفعة واحدة، ثم الآخر كذلك؛ لاحتمال أن يعين أحدهما الأقوياء.

ولا مدخل للقرعة في هذا التعيين؛ لأنها لا تنضبط، وربما أخرجت الحذاق لأحد الحزبين والضعفاء للآخر؛ فيبطل مقصود العقد. وكذا لو عدل الزعيمان بالاختيار وتساووا في القوة والضعف، ثم أخرجا القرعة على الحزبين؛ ليكون كل حزب لزعيم- لم يجز؛ لأنه عقد معاوضة فلم يجز تعيين المعقود عليه بالقرعة؛ كالبيع.

ص: 354

نعم، للقرعة مدخل في تعيين المبتدئ من الزعيمين بالتعيين، كذا حكاه العراقيون، ومنهم ابن الصباغ، والبندنيجي، والمصنف.

ولا يشترط بعد هذا معرفة الرماة بعضهم بعضاً؛ بل معرفة الزعيم كافية.

والثالث: أن يكون عدد الحزبين متساوياً عند العراقيين، وبه أجاب صاحب "التهذيب" وغيره.

وقال الإمام ومن تابعه: لا يشترط التساوي في العدد، وإنما يشترط التساوي في الرمي وعدد الإصابة؛ فيجوز أن يكون أحد الحزبين واحداً، والحزب الآخر اثنين، فيرمي الواحد سهمين، ويرمي كل من الآخرين سهماً سهماً.

ثم المحلل في التحزيب يجوز أن يكون من الحزبين، ويجوز أن يكون خارجاً عنهما يناضلهم أو لا يناضلهم.

[و] الرابع: أن يكون عدد السهام يمكن قسمته على الحزبين من غير تفاوت ولا كشر.

فإذا كان كل حزب ثلاثة؛ اعتبر أن تكون السهام لها ثلث صحيح؛ كالثلاثين والستين.

وإن كان أربعة اعتبر أن يكون للعدد ربع صحيح كالأربعين والثمانين؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك بقي سهم، ولا يمكن اشتراك الجماعة في سهم واحد.

فرع: إذا شرط الرماة لواحد [معين] من الحزبين: أن حزبه إن نضل شاركهم في المأخوذ، وإن كان الآخر هو الناضل فلا شيء عليه، وإنما يغرم أصحابه – فهل يغني هذا عن المحلل؟ فيه وجهان، أصحهما- كما ذكره الإمام-: لا؛ لأن المحلل هو الذي إذا فاز بالسبق استبد بالمال، وهنا لا يستدب؛ بل يوزع المال عليه وعلى أصحابه. ولو اشتمل كل حزب على واحد- كما ذكرنا- قال الإمام: ففيه وجهان مرتبان على التي قبلها، وهذه أقرب إلى الصحة، والوجه: المنع.

ولو شرط كل حزب [كل] المال لمحللهم فهذا يمتنع على كل وجه.

قال: "ولا يجوز" أي: عقد المناضلة "مطلقاً إلا ممن يحسن الرمي"؛ لتوقف

ص: 355

المقصود عليه، وهل يشترط تدانيهما في كثرة الإصابة وقلتها، حتى لو كان أحدهما كثير الإصابة والآخر كثير الخطأ- لا يصح؟ فيه وجهان، وجه المنع: أن نضل أحدهما معلوم؛ فيكون الناضل منهما كآخذ المال بغير حق.

فعلى هذا: لو ترامى غريبان صح، وإن أمكن أن يكون أحدهما بحيث لو علم حاله لتحقق عجزه أو ظفره.

وعن الشيخ أبي محمد في "المنهاج": أنه لا يبعد عن القياس المنع؛ لما فيه من الجهالة العظيمة، ولكن الشافعي نص على تجويزه. ثم إذا ظهر أنه لا يحسن الرمي بطل العقد، وإن تبين أن أحدهما أحذق فهل يتبين بطلان العقد؟ فيه خلاف في "الرافعي".

قال: "فإن خرج في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي" أي: مثل أن أدخل الزعيم غريباً في حزبه على ظن أنه يحسن، فبان عدمه- قال:"بطل العقد فيه"؛ لما ذكرناه، "وسقط من الحزب الآخر بإزائه واحد"؛ ليحصل التساوي؛ كما لو خرج أحد العبدين المبيعين مستحقاً فإنه يبطل العقد فيه، ويسقط ما قابله من الثمن.

قال: "ثم الرماة بالخيار بين فسخ العقد وبين الإمضاء"؛ لتبعيض الصفقة عليهم، وقيل في المسألة قول آخر: إن العقد قد بطل في الجميع؛ عملاً بقاعدة تفريق الصفقة.

وهذا الطريق هو المشهور، وهو الذي اقتصر ابن الصباغ على إيراده، وجعل الذي يبطل العقد فيه من الحزب الآخر إذا رأينا تفريق الصفقة للشخص الذي اختاره الزعيم في مقابلة من لا يحسن الرمي، كما ذكرناه من قبل، وكلام الشيخ في "المهذب" يقتضي أنه لا يتعين؛ فإنه قال تفريعاً على قول عدم البطلان في الجميع: لو اختلف الرماة في تعيين من يخرج في مقابلة من لا يحسن الرمي فسخ العقد؛ لأنه تعذر إمضاؤه على مقتضاه.

ومن أصحابنا من قال: يبطل العقد في الجميع قولاً واحداً؛ لأن في مقابلته في الحزب الآخر لا يتعين؛ فلا وجه للقرعة.

واستدرك الإمام ورأى أن يفصل فقال: إن كان الآخر بحيث لا يتمكن من أخذ القوس ونزع وتر فالحكم كما ذكروه، وإن كان يتمكن منها، لكنه ما اعتاد الرمي- ففيه احتمال، ويتطرق أيضاً إلى أن مثل هذا هل يرامى مع العلم بحاله،

ص: 356

أما لو خرج في [أحد] الحزبين من هو ضعيف الرمي قليل الإصابة، ولكن يحسن الرمي- فلا انفساخ، ولا خيار لإخوانه؛ لتقصيره، كما لا خيار للحزب الآخر لو خرج أقوى رمياً [مما] ظن به.

فرع: إذا نضل أحد الحزبين الآخر؛ ففي كيفية قسمة المال وجهان في "المهذب":

أحدهما- وبه جزم الغزالي، وابن الصباغ-: أنه يقسم بينهم بالسوية؛ كما يجب على المنضولين بالسوية؛ فعلى هذا: إن خرج فيهم من لا يصيب استحق.

والثاني: يقسم بينهم على قدر إصاباتهم؛ لأنهم استحقوا بها، ويخالف ما لزم المنضولين؛ فإن ذلك وجب بالالتزام، والاستحقاق بالرمي؛ فاعتبر بقدر الإصابة؛ فعلى هذا: إن خرج فيهم من لم يصب لم يستحق شيئاً، وهذا إذا أطلق العقد، فإن شرطوا أن يقتسموا على الإصابة فالشرط متبع، وللإمام احتمال فيه.

فرع: لو شرط في هذا العقد أن يرمى أول الحزب فلان، ثم بعده فلان، ثم بعده فلان، وهكذا في الحزب الآخر- لم يجز؛ لأن التقديم إلى الزعيم، حكاه البندنيجي وغيره.

قال: "ولا يجوز إلا على عدد من الرشق معلوم" أي: بأن يقول: يرمي كل واحد منا عشرة سهام مثلاً؛ "وأن يكون عدد الإصابة معلوماً" أي بأن يقول: ويكون المصاب منها خمسة مثلاً، لتوقف معرفة السبق عليه، وقيل: إذا تناضلا على رمية واحدة، وشرطا المال للمصيب فيه- صح على الأصح".

وقيل: لا يشترط بيان عدد الرشق؛ [بل التعويل على الإصابة. وقيل: إنه يشترط عدد الرشق] في المحاطة؛ لينفصل الأمر وتتبين نهاية العقد، ولا يشترط في المبادرة؛ لتعلق الاستحقاق بالبدار إلى العدد المشروط، وهو سهل المدرك، وهذا الخلاف موجود في طريق المراوزة.

[تنبيه: الرشق- بكسر] الراء المهملة-: الوجبة من السهام، كذا أطلقه أبو عبيد وغيره. وقال الأزهري: هو ما بين العشرين إلى الثلاثين، يرمي بها رجل أو رجلان يتسابقان. قال القاضي الحسين: والعجم تسميه: دست.

ص: 357

وبفتح الراء: مصدر "رشقه، يرشقه، رشقاً" أي: رماه.

قال: فإن شرطا إصابة "تسعة من تسعة، أو] تسعة من عشرة، أو عشرة من عشرة- لم يجز في أصح الوجهين؛ لأن ذلك يندر فيتعذر المقصود.

والثاني: يجوز؛ لأنه يحتمل فأشبه ثمانية من عشرة، ولو شرط إصابة واحد من مائة- والرامي حاذق- ففيه أيضاً وجهان، أصحهما: المنع.

قال: "وأن يكون مدى الغرض" أي: الغاية "معلوماً"؛ لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد.

والمدى: مقصور يكتب بالياء، [وهو الغاية]، والعلم به يكون بالمشاهدة و [بذكر] الذرعان، وحكى قول أو وجه: أن ذكر الذرعان لا يشترط، ويترك على العرف الغالب للرماة في ذلك الموضع. وهذا ما رجحه الرافعي، واقتصر ابن كج على إيراده، وكلام صاحب "المهذب" و"التهذيب" يقرب منه؛ فإنهما قالا: إذا كان هناك غرض معلوم المدى حمل مطلق العقد عليه، والقولان متفقان على أنه إذا لم يكن هناك عادة غالبة يجب الإعلام.

[قال الرافعي: وليحمل على هذه الحالة ما أطلقه الأكثرون من اشتراط الإعلام].

قال: "فإن شرط دون المائتي ذراع جاز"؛ لأن الإصابة فيه معتادة "وفيما زاد، قيل: يجوز إلى مائتين وخمسين ذراعاً"؛ لما روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: كيف تقاتلون العدو؟ فقال: إِذَا كَانُوا عَلَى مَائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعاً قَاتَلْنَاهُمْ بِالنَّبْلِ، وَإِذَا كَانُوا عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَاتَلْنَاهُمْ بِالسُّيُوفِ.

وقيل: يجوز إلى ثلاثمائة وخمسين ذراعاً؛ لأن إصابة ذلك ممكنة، ولا

ص: 358

يجوز فيما جاوز ذلك أن يجعل غاية؛ لأن المقصود لا يحصل، وقد قيل: إنه ما رمى إلى أربعمائة إلا عقبة بن عامر الجهني.

قال الرافعي: وقد عد الأصحاب ما بين المقدارين في حد النادر. يعني ما بين المائتين وخمسين والثلاثمائة وخمسين كما صرح به في "المهذب" و"التهذيب"، ومقتضى ذلك: أن يكون الأصح المنع؛ إذ الصحيح – كما ذكره من قبل- أن ما يندر الإصابة فيه لا يجوز المسابقة إليه، والذي حكاه القاضي الحسين عن المنصوص: الجواز.

وقد طرد صاحب "التهذيب" الخلاف فيما إذا شرط التناضل في الليلة المظلمة إذا كان الغرض مرئياص لهما، وقرب الخلاف من الخلاف فيما إذا نوى الإمام الإقامة في مفازة ليست هي موضع الإقامة، هل يصير مقيماً؟

واعلم أن كلام الشيخ يقتضي أن المائتين وخمسين يجوز الرمي إليها اتفاقاً؛ كأنه ردد الخلاف فيما زاد على مائتين وخمسين إلى ثلاثمائة وخمسين. ويفهم أن الخلاف في المائتين؛ لكونه قال أولاً: "فإن شرط دون المائتي ذراع جاز"، و"هو مقتضى كلامه قد صرح به القاضي الحسين، وادعى أنه لا خلاف في الجواز إلى مائتين وخمسين، وفي الامتناع فيما زاد على ثلاثمائة وخمسين، وما هو مفهوم من كلامه قد حكاه الجيلي، حيث قال: إن في المائتين قولين ينبنيان على ما إذا شرطنا إصابة الرقعة، وفيها قولان، وعزا ذلك إلى "السلسلة".

وعن رواية الطبري وجه: أنه لا تجوز الزيادة على مائتي ذراع.

قال: وإن شرط الرمي إلى غير غرض، وأن يكون السبق لأبعدهما رمياً- لم يصح؛ لأن المقصود من الرمي الإصابة، لا بعد المسافة".

وفيه وجه في الطريقين: [أنه يجوز]، وصححه الرافعي.

قال الإمام: والذي أراه على هذا أنه يجب استواء القوسين في الشدة، وتراعى خفة السهم ورزانته؛ فإنهما تؤثران في القرب والبعد تأثيراً عظيماً.

قال: "وأن يكون الغرض في نفسه معلوم الصفة، معلوم الطول والعرض [والسمك] والارتفاع والانخفاض من الأرض"؛ لاختلاف الإصابة

ص: 359

باختلاف ذلك، ويكفي في ذلك العرف إن كان، وإلا فلا بد من الشرط.

وقيل: لا بد من الشرط.

تنبيه: الغرض- بفتح الراء-: العلامة التي يرمى إليها من خشب أو قرطاس أو نعل أو شن وهو الجلد البالي، كما سنذكره- أو الدائرة التي في الشن: وهي نقش كالقمر قبل استكماله- أو الخاتم الذي في الدائرة: وهي نقش أيضاً كالخاتم. ومراد الشيخ بالوصف بيان أحد هذه الأنواع.

وحكى القاضي الحسين: أنهما لو شرطا إصابة الحلقة والرقعة هل يجوز؟ فيه وجهان؛ لندور الإصابة.

الهدف: ما ينصب الغرض عليه من كثيب الرمل أو التراب أو البناء، وغير ذلك.

وقيل: القرطاس: ما وضع على الهدف ليرمى من أي شيء كان، والغرض: ما ينصب في الهواء، قال الأزهري: ويسمى القرطاس هدفاً وغرضاً على الاستعارة.\

السمك- بفتح السين-: الغلظ.

الارتفاع إذا كان منصوباً في الأرض يعرف قدر ارتفاعه عنها.

الانخفاض إذا كان معلقاً في الهواء يعرف قدر انخفاضه، وهو نزوله أو قربه من الأرض.

قال: "وأن يعلم أن الرمي محاطة، أي: بتشديد الطاء "أو مبادرة أو مناضلة"؛ لأن الغرض يختلف به.

وقيل: إذا أطلق العقد حمل على المبادرة، وهو الأصح في "التهذيب".

قال: فالمحاطة: أن يحط أكثرهما إصابة من عدد الآخر؛ فيفضل له عدد معلوم يتفقان عليه فيفضله به.

تقرير هذا الكلام ما قاله الشيخ محيي الدين النواوي: إن لفظة "من" هاهنا بمعنى "عوض"؛ كما في قوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ} [التوبة: 38] أي: بدل الآخرة وعوضها، وقوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة: 178] أي: بدل أخيه، وقوله تعالى:{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] أي بدلكم، ومنه قولهم: عوضت فلاناً من دراهمه ثوباً،

ص: 360

أي: بدلها، ذكره الأزهري.

ومعنى كلام المصنف: المحاطة: أن يحط، أي: يسقط، أكثرهما إصابة، من إصاباته مثل عدد إصابات الآخر.

مثاله: قالا: يرمي كل واحد عشرين سهماً، ويضم الإصابات بعضها إلى بعض فمن فضل له خمسة مثلاً فهو ناضل، وليس للثاني أن يكلفه [تمام الرمي؛ لفقد فائدته.

وفيه وجه: أنه يكلفه]، كما ستعرف أصله في مسألة المبادرة.

ولو رميا عشرة، فأصاب أحدهما منها ستة، والآخر واحداً- كان له طلب الرمي؛ لأنه يرجو أن يصيب العشرة الباقية ويحطها صاحبه؛ فتحصل له أحد عشر، ولصاحبه ستة فينضله.

وهكذا لو رميا خمسة عشر، فأصاب أحدهما عشرة، والآخر خمسة- فله طلب الرمي؛ لرجائه أن يرمي الخمسة الباقية فيصيبها ويخطئ صاحبه [فيها] فيساويه. وهكذا لو رميا خمسة عشر فأصاب أحدهما أحد عشر، والآخر اثنين- فله طلب الرمي؛ لاحتمال [أن يصيب الباقي فيكمل له سبعة، ويخطئ صاحبه الثاني فلا يكون قد أتى بالمشروط]؛ لأن الفاضل حينئذ [يكون أربعة.

وفي "الشامل" حكاية وجه: أن المفضول في هذه الأحوال ليس له طلب الرمي، وأنه] يكون منضولاً؛ لأن صاحبه قد ساواه فيما رماه وزاد عليه بالقدر المشروط- وهو خمسة- فشابه المبادرة.

وسلك الرافعي طريقاً آخر فقال: إذا حصل الفضل بالقدر المشروط قبل استكمال الرشق، فهل يستحق [من له الفضل المال قبل إتمام الرشق؟ فيه وجهان، أصحهما: المنع. فإن قلنا: لا يستحق] المال ما لم يكمل الرشق، فلا بد من إتمامه، وإن قلنا بالاستحقاق، وقلنا: لا حط بعد خلوص العدد المشروط، فهل للآخر أن يكلفه إتمام العمل؟ فيه وجهان يأتيان في المبادرة.

قال: "والمبادرة: أن يشترطا إصابة عشرة من عشرين، فيبدر أحدهما" أي

ص: 361

يسبق "إلى إصابة العشرة" أي: موضع التساوي في الرمي؛ "فينضل صاحبه".

قال بعضهم: وهذه من صور المبادرة، وإنما المبادرة: أن يشترطا إصابة معلومة من الرشق، وأن من بدر منهما إليها مع تساويهما في الرمي كان ناضلاً، وعلى هذا جرى في "المهذب"، وابن الصباغ، وحكى في "الشامل" أن البويطي قال: المبادرة: أن يقوما جميعاً سهميهما، فأيهما وقع سهمه أولاً بدره بالسبق. وقال: الأصح الأول.

فرع: إذا رمى كل واحد منهما عشرة وأصابها فقد تساويا، فلا يكمل الرشق؛ لأن المشروط من الإصابة حصل. وكذا لو أصاب أحدهما العشرة، والآخر تسعة، لكن [في هذه الصورة: الأول ناضل.

وحكى الإمام وجهاً: أن الناضل يلزمه] الإتيان ببقية الرمي؛ لينتفع صاحبه بمشاهدة رميه، ويتعلم منه. وقرب هذا الخلاف من الخلاف في الرجوع إلى أجرة المثل عند فساد هذه المعاملة: إن قلنا: لا يرجع بالأجرة، وإنه يعمل لنفسه، واستحقاقه بالشرط- فلا يكلف إتمام العمل. وإن أثبتنا الرجوع بأجرة المثل، فقد قدرنا العمل كالمنافع المستحقة؛ فلا يبعد أن يكلف استكمال العمل بعد الفوز بالمال.

ومقتضى هذا البيان: أن يكون الصحيح وجوب إتمام العمل؛ لأن الصحيح استحقاق أجرة المثل، لكن الصحيح الأول.

ولو أصاب الأول تسعة من العشرة، والثاني ثمانية: فالنضال بحاله؛ فيرميان: فإن رمى الأول سهماً فأصاب، فقد نضل، وسقط رمي الثاني، على الأصح.

وإن رمى سهمين فأخطأ فيهما، ورمى الثاني سهمين، فأصاب فيهما]- كان هو الناضل؛ لأن الأول أصاب تسعة من اثنين وعشرين، [والثاني أصاب عشرة من اثنين وعشرين].

أما إذا ابتدر أحدهما إلى إصابة العشرة من عدد، ولم يستوف الآخر ذلك العدد، وأمكن أن يساويه في تحصيل المشترط: كما إذا رمى أحدهما العشرة وأصاب تسعة، والآخر كذلك، ثم رمى الأول سهماً وأصاب- فليس بفائز؛ بل يرمي الثاني سهماً: فإن أصاب فقد استويا، وإن أخطأ فالأول ناضل.

ص: 362

قال: والمناضلة: أن يشترطا إصابة عشرة من عشرين على أن يستوفيا جميعاً، أي: العشرين، فيرميان معاً جميع ذلك: فإن أصاب كل واحد منهما العشرة [أو أكثر أو أقل أحرزا سبقهما، وإن أصاب أحدهما دون العشرة] وأصاب الآخر العشرة أو فوقها فقد نضله.

وقد ذكر الأصحاب نوعاً آخر يسمى الحوابي: وهو أن يشترك إصابة عدد من الرشق، على أن يسقط ما قرب من إصابة أحدهما ما بعد من إصابة الآخر؛ فمن فضل له بعد ذلك من الإصابة ما اتفقا عليه من العدد كان السبق له.

مثاله: إذا رمى أحدهما، فأصاب من الهدف موضعاً بينه وبين الغرض قدر شبر- حسب له، فإذا رمى الآخر فأصاب موضعاً بينه وبين الغرض إصبع حسب له، وأسقط ما رماه الأول، فإن عاد الأول فرمى وأصاب الغرض أسقط ما رماه صاحبه. ولو رمى أحدهما أولاً فأصاب الشن، ورمى الثاني فأصاب الرقعة التي في وسط الشن- قال الرافعي: القياس عندي أنهما سواء؛ لأن [القريب] إنما يسقط البعيد إذا كان خارجاً من الشن، أما إذا كان في الشن فلا؛ لأن الشن كله موضع الإصابة.

قال: وأن يكون البادئ [منهما] معلوماً، أي: حالة العقد؛ لأنه لو أطلق من غير شرط لما كان أحدهما بأولى من الآخر، ولا سبيل إلى القرعة؛ لأن هذا العقد موضوع على نشاط القلب وقوة النفس؛ فلو اعتبرت لكان في خروجها لأحدهما كسر قلب الآخر فيسوء رميه.

وقيل: إن شرط ذلك وجب الوفاء [به]؛ عملاً بالشرط، "وإن لم يشرط جاز"؛ لأن ذلك من توابع العقد، ويمكن تلافيه بما تذهب به التهمة من تراض أو عرض أو قرعة- كما سنذكره- وهذا ما حكاه القاضي الحسين.

قال: "فإن تشاحا أقرع بينهما"؛ لأن القرعة يرجع إليها في كثير من مواضع المنازعات، وهذا ما اختاره القاضي الطبري، وهو ظاهر نصه في "الأم"، ويدخل المحلل إن كان ثم في هذه القرعة.

ص: 363

وقيل: إنه ينزل على عادة الرماة، وهو تفويض الأمر إلى المستبق: فإن أخرج السبق أحدهما فهو أولى بالبداية، وإن أخرجه غيرهما قدم من شاء منهما، وإن أخرجاه جميعاً حكمت القرعة.

وعلى هذا لا يدخل المحلل في القرعة.

وحكى القاضي الحسين: أنه إن كان المخرج للسبق غيرهما، رجع إليه، وإن كان المخرج له أحدهما، فوجهان.

فرع: إذا شرط تقديم واحد، واعتبرنا القرعة، فخرجت لواحد، فيقدم في كل رشق، أو يؤثر بسبب التقديم في السهم الأول خاصة؟ فيه وجهان حكاهما الإمام، والمذكور في تعليق القاضي الحسين: الأول.

ولو صرحوا بتقديم من قدموه في كل رشق اتبع الشرط؛ كما نقله الإمام عن الأصحاب.

وفي الرافعي: أن الشافعي في "الأم" قال: لو شرط أن تكون البداية لأحدهما أبداً، لم يجز؛ لأن المناضلة مبنية على التساوي.

وقضية هذا: أن يبتدئ الثاني في النوبة الثانية، ويتصل رميه برميه.

وفائدة استحقاق التقديم: أن غيره لو رمى في نوبته لم يحسب له ولا عليه.

قال: "ويرميان سهماً سهماً" أي: عند الإطلاق؛ لأنه المتعارف [عند الرماة]، فإن شرط [أن يرمي أحدهما] بجميع سهامه- حملاً على الشرط – عَمِلا بمقتضاه. وهكذا لو وقع الشرط على أن يرميا عشرة عشرة، أو خمسة خمسة: اتُّبعَ.

فرع: يستحب أن يكون الرمي بين غرضين متقابلين: يرمي المتناضلان أو الحزب من عند أحدهما إلى الآخر، ثم يأتيان الثاني، ويلتقطان السهام، ويرميان الأول؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَا بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ رَوْضَةُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ".

ص: 364

قال: وأن تكون صفة الرمي معلومة من القرع والخزق والخسق والمرق والخرم؛ لأن الغرض يختلف [بذلك]، قال النواوي وغيره: كان الأولى أن يقول: صفة الإصابة؛ لأن ما ذكره صفتها، لا صفة الرمي، لكنه من توابع الرمي ومتعلقاته؛ فأطلق عليه اسمه مجازاً.

قال: "فالقرع" أي: بفتح القاف وإسكان الراء "هو إصابة الشن"، [أي]: من غير تأثير فيه، واشتق من قرع الباب.

والشن- بشين معجمة ونون مشددة-: الجلد البالي الذي أتى عليه سنون، وجمعه: شِنان؛ ككلب وكلاب، والقرطاس للعجم كالشن للعرب، وقد سمى المحاملي السهام التي يحصل بها القرع: الخواصر، بخاء معجمة وصاد غير معجمة.

وقال ابن الصباغ: الخواصر: ما كانت في جوانب الغرض، ومنه قيل: الخاصرة؛ لأنها من جانبي الإنسان، ويقال: حاز السهم بهذا المعنى، وجاز: إذا وقع وراء الهدف.

قال: "والخزق" أي: بفتح الخاء المعجمة وإسكان الزاي: "أن يخدش الشن" أي: بكسر الدال "ولا يثبت فيه، والخسق": أي بفتح الخاء المعجمة وإسكان السين المهملة وقاف "أن يثبت فيه" أي: بعد أن يثقبه.

قال: "والمرق" أي: بفتح الميم وإسكان الراء "أن ينفذ فيه"، قال صاحب "رفع التمويه": واشتقاقه من المروق، وهو: الخروج من الشيء، وإنما يتصور ذلك إذا كان الشن معلقاً، واعتبر ابن الصباغ في هذه التسمية أن يقع من الجانب الآخر.

قال: "والخرم" أي: بفتح الخاء المعجمة وإسكان الراء "أن يقطع طرف الشن، ويكون بعض النصل في الشن وبعضه خارجاص منه"، وقد أضاف بعضهم إلى صور الكتاب صورة أخرى، وهي: الخرق- براء غير معجمة- وفسرها بأن يثقب الشن فقط.

وعد ابن الصباغ من صفة الرمي: الحوابي، وهو ما وقع بين يدي الغرض، ثم حبى إليه؛ ومنه يقال: حبا الصغير. والخواصل- وهو كما قال الأزهري-: ما

ص: 365

أصاب القرطاس؛ يقال: أخصلت مناضلي، أخصله خصلاً.

قال: "فيحملان على ما شرطا" عملاً بالشرط، قال في "المهذب": فإن أطلق العدق حمل على القرع؛ لأنه المتعارف، وقضية ذلك: أن يكون التعيين ليس بشرط؛ إذ لو كان شرطاص لما صح عند الإطلاق، وقضية كلامه هنا: أن التعيين شرط، وكما دل عليه كلام ابن الصباغ بعد قوله: إن كيفية الإصابة منقسمة إلى حوابي وخواصر وخوازق وخواسق وخواصل، وللإصابات أسماء غير هذه، ولكنها ليست من شرائط المناضلة، وقد صرح في "التهذيب" بالاشتراط بقوله: ويشترط في المناضلة بيان ستة أشياء، وعد منها صفة الإصابة، لكنه ذكر بعد ذلك مثل ما ذكره الشيخ في "المهذب".

فرع: لو شرطا قرع عشرة من عشرين، وأن يحسب خاسق كل واحد منهما بقارعين- جاز، فإن أصاب أحدهما تسعة قرعاً، وأصاب الآخر قارعين وأربعة خواسق- فقد نضله؛ لأنه استكمل العشرة بالخواسق.

قال في التهذيب: [وقيل:] هذا لا يجوز.

واعلم أنه لا يجوز أن يتفاضلا في عدد الإصابة ولا في عدد الرشق، ولا في صفة الإصابة، ولا في محل الإصابة، ولا يحسب قرع أحدهما خسقاً ولا أن يكون في يد أحدهما [من السهام] أكثر مما في يد الآخر في حال الرمي، ولا أن يرمي أحدهام والشمس في وجهه، ولا أن يشترط تقدم أحدهما في الموقف؛ لأن القصد أن يعرف حذقهما، وذلك لا يعرف مع الاختلاف؛ فإذا شرط شيئاً من ذلك بطل العقد.

ولو قدم أحد الراميين قدمه عمداً عند الرمي فلا بأس. وكذا يغتفر وقوف الرماة صفاً، ويرمي كل واحد منهم من موضعه، وإن كان الواقف في الوسط أقرب إلى الهدف من غيره. ولو تقدم الرامي الثاني عن الأول بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، فإن كان ذلك عادة الرماة ففيه وجهان، ووجه الجواز: أن ذلك في مقابلة قوة النفس الأول بالبداية، فإن لم تكن عادة مطردة وجبت رعاية المساواة.

قال: وإن شرطا إصابة حوالي الشن، فأصاب الشن أو بعيداً منه- لم

ص: 366

يحسب له؛ لأنه لم يأت بالمشروط. ولو كان الشرط إصابة الغرض، فأصاب الشن أو الجريد الذي يداور الشن، أو العرى وهي السير الذي يشد به الشن على الجريد حسب له؛ لأن ذلك كله من الغرض.

وإن [شرطا] إصابة العلاقة التي يعلق بها الغرض في الهواء؛ فقولان.

ولو شرط إصابة الشن، فأصاب العلاقة أو السير الذي يشد به، لم يحسب.

قال: "وإن شرطا الخسق، وفي الغرض حصاة منعت من الخسق، أي: بتواقف المتراميين، فخرق السهم وسقط- حسب له خاسقاً؛ لأن الغرض إصابة الغرض وقد حصل".

وفي "الرافعي": أن بعضهم أجرى في ذلك قولين.

فإن قلنا: لا يحسب له، ويجعل كالعوارض المانعة [التي] نذكرها.

ولو ادعى الرامي أن الحصاة منعت من الخسق، وهي موجودة في موضع الإصابة، [وأمكن الرسيل- فوجهان فيمن القول قوله. ولو لم يكن في موضع الإصابة] فالقول قول الرسيل بلا يمين. ولو لم يعرف موضع الإصابة، فإن كانت الحصاة موجودة فالقول قول الرسيل مع اليمين، وإذا حلف لم يحسب له، وهل يحسب عليه؟ فيه وجهان، أظهرهما: لا. وإن لم يكن ثم حصاة [فالقول قول الرسيل بلا يمين، وحسب على الرامي، أما إذا لم يكن ثم حصاة] وقد خرق السهم وسقط ولم يثبت، ففيه طريقان:

أحدهما: أن فيه قولين، أظهرهما: أنه خسق.

والطريق الثاني: القطع به، وهو الذي نص عليه في "المختصر"، والقول الآخر حكاه عن غيره، وهذا ما اختاره القاضي ابن كج والروياني وغيرهما؛ لأنه قد حصل الخسق، والمرق بعده يدل على زيادة القوة، ولو ثبت ثم سقط حسب له؛ كما لو ثبت ثم نزعه إنسان. ولو لم يثبت، ولكنه ثقب الموضع بحيث يصلح لثبوت السهم – ففيه قولان في "المهذب" وغيره:

ص: 367

أظهرهما عند الشيخ أبي حامد والإمام: أنه يحسب له خاسقاً، وفي موضع القولين طرق:

أحدها: أن الخلاف فيما إذا كان خرم النصل خارجاً، أما إذا أخذ الغرض خرم النصل كله فقد حصل الخزق بلا خلاف.

[والثاني: أنه إن كان بعضه خارجاً لم يحسب خاسقاً بلا خلاف].

ومحل القولين ما إذا بقيت جليدة تحيط بالنصل، ذكره في "المهذب".

والثالث: إن أبان من الطرف قطعة لو لم يبنها لكان الغرض محيطاً بالنصل، فهو خاسق قولاً واحداً، والقولان فيما إذا خرم الطرف لا على هذا الوجه.

والرابع: أنه إذا خرم الطرف لم يكن خاسقاً بلا خلاف، وإنما الخلاف فيما إذا خرم شيئاً من الوسط وثبت مكانه، وهذا أبعدها.

[وعن القفال]: أنه لو كان بين النصل وبين الطرف شيء، لكنه تشقق وانخرم ليبوسةٍ كانت في الشن أو غيرها فهو خاسق، ولو فرض ما ذكرناه من إصابة الطرف، والمشروط القرع أو الإصابة دون الخسق ففيه طريقان:

أحدهما: طرد القولين، وبه قال ابن القطان.

قال: "وإن انقطع الوتر أو انكسر القوس" أي: قبل خروج السهم، لا بتقصيره وسوء رميه "أو استغرق في المد فسقط" أي السهم مثل أن بالغ في نزع القوس حتى وصل النصل إلى القبضة؛ فخرج السهم من يده بغير اختياره.

قال: "أو عرضت [ريح] في يده أو هبت ريح شديدة، فرمى فأخطأ- لم يحسب عليه"؛ إحالة للخطأ على السبب العارض، وقيل: يحسب عليه في صورة الأعلاق؛ لأنه منسوب لتقصيره كما لو انكسر القوس أو انقطع الوتر بتقصيره وسوء رميه؛ فإنه يحسب عليه، وحكى الإمام وجهاً: أن السهم عند هذه العوارض إن وقع قريباً من الغرض حسبت الرمية عليه؛ لأنه قد وقع في حد غير بعيد عن الإصابة؛ فكأن النكبة لم تؤثر، ونسبه إلى أبي إسحاق، وخصص الأكثرون هذا الوجه بما إذا وقع السهم مجاوزاً للغرض، وجعلوا المجاوزة مشعرة بأن النكبة لم تؤثر، أما إذا حصل انقطاع الوتر وانكسار القوس بعد خروج

ص: 368

السهم فلا أثر له، صرح [به] ابن كج.

قال: "وإن هبت ريح شديدة" أي: بحيث لم يكن له فيها حيلة، فرمى "فأصاب- لم يحسب له"؛ لأنه لم يكن بجودة رميه.

وفي "الرافعي" و"الحلية" حكاية وجه فيه؛ أخذاً مما سنذكره فيما إذا أصاب السهم ارض فازدلف، ونفى الشيخ في "المهذب" الخلاف فيه، وفرق بينه وبين الازدلاف: بأن ذلك قد حصل بحدة رميه، ومع الريح العاصفة لا يعلم أنه أصاب برميه، وحكى الماوردي الوجهين في كتاب السرقة كالوجهين فيما إذا نقب ووضع المتاع في النقب، فهبت الريح فأخرجته، وجزم بأنه لو رمى في وقت هبوب الريح، فأعانته، فأصاب- حسب له؛ كما لو وضع المتاع في وقت هبوب الريح في النقب، فأخرجه: يقطع.

ولو كانت الريح لينة فلا أثر لها، حتى لو رمى رمياً ضعيفاً، فقوته وأصاب- حسب له. وإن صرفت السهم بعض الصرف فأخطأ حسبت عليه؛ لأن الجو لا يخلو عن الريح الخفيفة غالباً. وفيها وجه: أنها تمنع الاحتساب له وعليه.

وإن أصاب مع باقي الأعذار التي ذكرناها، وقلنا: لا تحسب عليه لو أخطأ- قال في المهذب: تحسب له؛ لأنه أدل على رميه.

وحكى ابن الصباغ فيه وجهين، أصحهما في الرافعي: الأول.

فرع: إذا انكسر السهم بعد خروجه من القوس نصفين، فأصاب بأحد النصفين، فهل يحسب له؟ فيه الوجهان، فإن فرعنا على الأصح فبأي النصفين الاعتداد؟ فيه وجهان:

أحدهما: بالذي فيه النصل، فإن أصاب حسب له، وإلا فلا؛ كما لو أصاب بالأسفل من غير كسر السهم.

والثاني: بالذي فيه الفُوقُ ولا عبرة بالآخر.

وهذا ما أجاب به في "التهذيب"، والأول هو المنصوص، وبه أجاب العراقيون.

تنبيه: ظاهر كلام الشيخ يقتضي: أن الرمي إذا وجد بغير هبوب الريح

ص: 369

الشديدة، وترتب عليها الخطأ أو الإصابة، لا يحسب ذلك، وهو ما حكي عن أبي الطيب بن سلمة والعراقيين، وهو الأظهر في "الرافعي"؛ لقوة تأثيرها، ومن طريق الأولى إذا عرضت بعد إرسال السهم.

وفي الحالة الأولى وجه هو ظاهر النص، وبه أجاب الإمام: أنه يحسب؛ لأن ابتداء الرمي والريح تهب عاصفة- تقصير، وأيضاً: فللرماة حذق ونظر في الرمي وقت هبوب الريح؛ ليصيبوا، فإذا أخطأ فقد ترك ذلك النظر، وظهر سوء رميه.

فلو ظهر هبوبها بعد خروج السهم من القوس فقضية الترتيب أن يقال: إن جعلنا اقترانها مؤثراً فطرؤها أولى، وإلا فوجهان:

أحدهما: أنه كالنكبات العارضة.

والثاني: المنع؛ لأن الجو لا يخلو عن الريح، ولو فتح هذا الباب لطال النزاع.

قال: "وإن انتقل الغرض بالريح فأصاب موضعه، والشرط هو القرع حسب له"؛ لأنه لو كان الغرض مكانه لقرعه.

وقيل: لا يحسب له ولا عليه، وقد نسب هذا إلى ابن القاص، فلو أصاب الغرض لم يحسب له وحسب عليه.

قال: وإن كان الشرط هو الخسق، فثبت السهم، والموضع في صلابة الغرض [أي: بأن كان من الخشب أو الآجر أو الطين اليابس حسب له؛ لأنه لو كان الغرض مكانه لخسقه. وعن "الحاوي"، حكاية وجه: أنه لا يحسب له ولا عليه. ولو كان الموضع دون صلابة الغرض] كما إذا كان تراباً أو طيناً ليناً؛ فلا يحسب له ولا عليه؛ لأنه لا يدري هل كان يثبت لو أراد موضعاً [أم لا]؟

قال: وإن أصاب السهم الأرض [فازدلف]، أي: انتقل ووثب، وفي رفع التمويه أنه يقال: ازدلف الرجل، أي: تقدم، والأفصح أن يقال: زلف.

قال: "وأصاب الغرض، حسب له في أحد القولين" وهو الأصح عند العراقيين، لأنه أصاب الغرض بالنزعة التي أرسل بها، وما عرض دونه كشيء

ص: 370

هتكه، ثم أصاب، وكما لو صرف الريح اللينة السهم فأصاب.

"ولم يحسب له ولا عليه في القول الآخر؛ للشك. وهذا أصح عند الإمام، [والخلاف المذكور يجري فيما لو أصاب السهم شجرة أو حائطاً ثم أصاب الغرض.

ووجه المنع: أصح عند الإمام] – أيضاً- لكنه فرض المسألة فيما إذا كانت الشجرة مائلة عن قبالة الغرض، ثم ردته الصدمة إلى الغرض.

وقال أبو إسحاق: يحتمل أن يكون الجواب على اختلاف حالين: فإن كانت الأرض أعانته لم يحسب له، وإن لم تعنه حسب له. أما لو ازدلف فأخطأ فهل يحسب عليه؟ فيه وجهان- أظهرهما وبه أجاب الشيخ أبو محمد-: نعم.

ولو ارتفع السهم في الهواء، ثم خطف نازلاً، فأخطأ- حسب عليه، وإن أصاب فهل يحسب له؟ فيه وجهان، أحدهما: لا، فعلى هذا: هل يحسب عليه من خطئه؟ فيه وجهان، [وهذا السهم يقال له: سهم خاطف].

قال: "وإن شرطا الرمي [عن القسي] العربية أو الفارسية، أو أحدهما يرمي [عن العربية]، والآخر [عن الفارسية]- حملا عليه"؛ عملاً بمقتضى الشرط.

وكذا لو شرط أن يرمي أحدهما بالنبل والآخر بالنشاب.

ص: 371

وعن رواية صاحب "التقريب" وجه: أنه لا تجوز المناضلة على النبل والنشاب، وانهما ينزلان منزلة الخيل والبغال، وإلى هذا مال ابن كج. ولو شرطا أن يرمي أحدهما بالسهام، والآخر بالمزاريق أو الحراب إذا جوزنا المناضلة عليهما- فهل يجوز ويتعين الشرط أو لا يجوز؟ فيه وجهان كالوجهين في المسابقة على الخيل والإبل، وهذه الصورة أولى بالجواز؛ لأن التعويل في المسابقة على المركوب، والتعويل في الرمي على الرامي؛ فإنه لا عمل لآلته، ومع هذا فالجواب في "المهذب": المنع.

قال: وإن أطلقا العقد حملا على نوع واحد أي: المتعارف في ذلك الموضع؛ لأن العرف يحكم عند الإطلاق كما في النقود المختلفة.

وعن ابن القاص بأنه لا يصح مع الإطلاق؛ لأن الأغراض متفاوتة، والإصابة في الأنواع والحذق في استعمالها [يختلف]؛ فلا بد من البيان.

وعلى الأول- وهو الأظهر، وبه أجاب الأكثرون-: لو لم يكن عرف بطل العدق؛ إذ لا مرجح.

وقيل: يصح، ويستويان بالتراضي في القوس إما العربية أو العجمية، فلو تراضيا على أن يرمي أحدهما بالعجمية والآخر بالعربية ففي "التهذيب" ما يدل على الجواز، وهذا هو قياس الابتداء.

ولو اختار أحدهما نوعاً، وقال الآخر:[بل] نرمي بنوع آخر- ففي "الحاوي": أنهما إن أصرا على النزاع [صح] الفسخ.

والذي ذكره الإمام: أنا إذا قلنا بالجواز انفسخ، وإن قلنا باللزوم؛ فالوجه أن يحكم أن الإطلاق مفسد؛ لإفضائه إلى النزاع المذكور، وتعذر الفصل.

قال: "وإن تلف القوس أبدلت، أي: بقوس من نوعها؛ لأن المقصود حذق

ص: 372

الرامي، وهو حاصل مع ذلك.

قال النواوي: كذا ضبطناه عن نسخة المصنف بحذف التاء [من]"تلف"، وهو جائز، وبإثباتها في "أبدلت"، وهو لازم إذا أنثنا "القوس" وهو المشهور.

ولا يجوز أن يبدلها بأعلى منها، وهل يجوز أن يبدلها بما هو دونها، كما إذا أبدل العربي بالفارسي؟ [فيه] وجهان، أظهرهما: المنع إلا برضا الشريك؛ لأنه ربما كان استعماله لأحد النوعين أكثر، ورميه به أجود.

فرع: لو عينا قوساً أو سهماً من نوع لم يتعين، وجاز إبداله بمثله من ذلك النوع، سواء حدث فيه خلل أم لا، بخلاف الفرس. ولو شرط ألا يبدل ففيه ثلاثة أوجه حكاها في "الحلية" كالأوجه فيما إذا اكترى دابة وشرط ألا يركبها غيره:

أظهرها: فساد الشرط والعقد.

وثانيها: فساد الشرط خاصة.

وثالثها: صحتها.

ويجب الوفاء بالشرط ما لم ينكسر المعين وأمكن استعماله، فإذا انكسر جاز الإبدال للضرورة، فإن شرط ألا يبدل وإن انكسر فلا يحتمل هذه المبالغة؛ فيفسد العقد.

قال: وإن مات الرامي بطل العقد؛ لأنه تعذر المقصود منه فشابه فوات المبيع قبل القبض، وهكذا الحكم فيما لو ذهبت يده.

قال: "وإن عرض عذر" أي: يمنع الرمي، من مطر أو ريح أو ليل- جاز قطع الرمي أي تأخيره؛ لقيام العذر.

والله- تعالى- أعلم.

ص: 373