الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المزارعة
قال: المزارعة أن يسلم الأرض إلى رجل ليزرعها ببعض ما يخرج منها.
هذا التفسير من الشيخ يقتضي صدق هذه التسمية سواء كان البذر من صاحب الأرض، أو [من] العامل، أو منهما على حسب ما شرطا كما صرح به الماوردي وهو منطبق على قول من ادعى أن المخابرة والمزارعة بمعنى واحد، وهو البندنيجي وقال: لا يعرف في اللغة بينهما فرقا.
وحكى صاحب "البيان""ورفع التمويه": أنه الذي صار إليه أكثر الأصحاب، وكلام القاضي أبي الطيب يدل عليه حيث قال: المخابرة المزارعة؛ لأن الأكار الذي هو الزارع يسمى: الخبير.
وقول الشافعي: المخابرة استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن المخابرة [على] أنه لا تجوز المزارعة على الثلث، ولا على الربع ولا على جزء من الأجزاء؛ لأنه مجهول، ولا يجوز الكراء إلا معلوماً- دليل على ذلك أيضاً، وكذا قول الجوهري في "الصحاح": الخبير الأكار؛ ومنه المخابرة وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، وقد ادعى النواوي وغيره أن الذي ذكره الجوهري هو ظاهر نص الشافعي، والصحيح أن المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج من زرعها والبذر من مالك الأرض والمخابرة مثلها إلا أن البذر من العامل، فتكون المزارعة على هذا
إكراء العامل ليزرع الأرض ببعض ما يخرج منها، والمخابرة إكراء الأرض للزراع ببعض ما يخرج منها واشتقاقها من الخبار وهي الأرض الرخوة.
وقيل: من الخبر، وهو شرب الماء يقال: كم خبر أرضك؟ أي كم شرب أرضك، حكاه أبو الطيب وقيل: من الخبر، وهو الزرع.
وقيل: من معاملة خيبر حيث أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقال: "خابروهم" أي عاملوهم على خيبر.
وقيل: من الخبرة، وهي النصيب حكاه الماوردي.
وقال رحمه الله تعالى: ولا يجوز ذلك لما روى مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُحَاقَلَة، والمُزَابَنَة، وَالمُعَاوَمَة والمُخَابَرَةِ وعن الثُنيَا في البيع فثبت المنع في المخابرة بالنص، والمزارعة إن لم تكن هي نفسها قسناها عليها، على أنه قد روي عن ثابت بن الضحاك وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة، لكن قال الأصحاب: إن النهي عن المخابرة أثبت منه، وقد أشار الشافعي بقوله: ولم ترد إحدى سنتيه الأخرى إلى أن القياس التسوية بين الجواز في المساقاة والمزارعة، أو المنع فيهما؛ لأن كل واحد منهما عقد على عمل في الشيء ببعض ما يخرج منه غير أنا اتبعنا فيهما السنة، والسنة فرقت
بينهما والمعنى فيه: أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بإجارتها، فلم يجز العمل عليها ببعض ما يخرج منها.
أصله: المواشي [وغيرها] من الأعيان.
قال: إلا على الأرض التي بين النخيل أي وما في معناه، بحيث لا يمكن سقي ذلك إلا بسقي الأرض فيساقيه على [النخل ويزارعه] على الأرض، ويكون البذر من صاحب الأرض؛ فيجوز ذلك تبعاً للمساقاة.
وقد استدل الأصحاب لذلك بما روى مسلم عن ابن عمر قال: "أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع"، وهو خاص فقدم على الخبر العام، وهو نهيه عن المخابرة. وبأن الحاجة ماسة إلى تجويز ذلك [إذ] لو منع أدى [إلى] أن يسلم لرب النخل عمل العامل في الأرض بالعقد على النخل مجاناً؛ [لأنه] لا يتوصل إلى العمل على النخل إلا بالعمل على الأرض التي تكون بين ظهراني النخل فاغتفر هذا العقد تبعاً لذلك، والشيء يجوز أن يدخل في العقد تبعاً، فإن امتنع إفراده، فكالعقد على الحمل في البطن، والثمرة قبل بدو الصلاح، واعتبار كون البذر من صاحب الأرض وإن لم يشهد له الحديث؛ ليكون العقدان واردين على مجرد المنفعة فيتحقق التبعية.
أما إذا أمكن سقي النخيل وما في معناه بدون سقي الأرض التي بينه فلا يجوز المزارعة عليها تبعاً للنخل.
قال: وقيل: إن كان النخل قليلاً والبياض كثيراً لم يجز أي وإن وجد ما ذكرناه من الشروط؛ لأن الكثير لا يجوز أن يتبع القليل، وعلى هذا فالكثير: ما تكون مساحته مثل مساحة مغارس النخل، أو أكثر.
وقيل: العبرة بكثرة الريع.
قال الغزالي: ولعله الأظهر.
وحكى في "البحر" وجهاً غريباً: أنه يجب أن يكون البذر من العامل، ووجهاً أن البذر يجوز أن يكون على من شرط من رب الأرض أو العامل، وهذا ما
حكاه الشيخ أبو علي وغيره، وقد أجري هذا الوجه أيضاً فيما لو شرط على العامل الثور دون البذر، وصححه العبادي؛ لأنه يصير كأنه اكترى العامل وثوره بجزء من الزرع، وعلى هذا الوجه إذا أخرج العامل البذر على شرط [أن يكون] التبن [لأحدهما] و [الحب] بينهما نصفين صح، وكذا لو شرطا أن يكون التبن والحب بينهما، ولو شرطا الحب للعامل والتبن لصاحب الأرض والثور- لم يجز، ولو انعكس الحال فوجهان.
والفرق أن صاحب الأرض أصل، فلا يجوز أن يعطى ما ليس بأصل، وهو التبن.
تنبيه: في قول الشيخ [فيجوز ذلك] تبعاً للمساقاة ما يعرفك بأن محل الصحة إذا لم يفرد المزارعة بعقد؛ كما هو شأن البائع في البيع من الحمل وغيره.
وصورته: أن يقول: ساقيتك على النخل، وزارعتك على البياض الذي بينهما بكذا، فيقول العامل: قبلت: ويقوم مقام ذلك قوله عاملتك على هذه النخيل والبياض الذي بينه بكذا، صح في المساقاة دون المزارعة، صرح به القاضي أبو الطيب.
وقال في "البحر": يجب أن يبنى هذا على تفريق الصفقة، ولو أفرد كلاً من المساقاة والمزارعة بعقد، فإن قدم عقد المزارعة بطل، وإن قدم عقد المساقاة ففي الصحة وجهان شبههما القاضي أبو الطيب، والمحاملي وغيرهما بما إذا باعا الثمرة قبل بدو الصلاح من صاحب الأصل بغير شرط القطع.
وحكى الإمام في صحة عقد المزارعة إذا أفرد ثلاثة أوجه:
أقيسها: عدم الصحة، وأعدلها ثالثها وهو إن تقدمت المساقاة صحت المزارعة، وإلا فلا.
[قال:] ومن قال بصحة المزارعة عند التقدم، فلا يراه إلا موقوفاً على وجود عقد المساقاة بعده، وإن صح هذا الوجه فهو بعينه يجيء فيما إذا باع الثمرة قبل بدو الصلاح مطلقاً، ثم باع الأصل من مشتريها.
فرع: لو قال ساقيتك على النخل بكذا وزارعتك على البياض الذي بينهما بكذا، فقال العامل: قبلت قال القاضي الحسين: إن صححنا المزارعة عند إفرادها بالعقد فهاهنا أولى، وإلا فوجهان نظراً إلى اتحاد القبول.
ولو قال: زارعتك على البياض وساقيتك على النخيل بكذا، فقال العامل: قبلت- فقد حكى الإمام عن القاضي: أنه يصح وجهاً واحداً.
وقال: إن الذي ذكره صحيح.
قال: ولا يجوز ذلك إلا على جزء معلوم من الزرع كالمساقاة للخبر.
وقول الشيخ: كالمساقاة يجوز أن يكون نظمه قياساً وهو الأقرب، ويجوز أن يكون جعله شرطاً آخر وهو أن يكون الجزء المشروط من الزرع للعامل، كالجزم المشروط في المساقاة؛ كما حكاه الماوردي عن البصريين.
لكن الراجح- وهو الذي جزم به المحاملي والقاضي أبو الطيب، وحكاه الماوردي عن البغداديين: عدم اشتراط ذلك؛ بل يجوز أن يشترط له من الزرع الربع، ومن الثمرة النصف، وبالعكس.
ولنختم الباب بذكر فائدة وفرع يتعلق به.
فائدة: ما الحيلة في تحصيل مقصود المزارعة إذا لم يكن ثم نخل؟
قلت: قد ذكر الأصحاب لذلك صوراً فلنقتصر منها على ما نص عليه الشافعي، وهو أن يكري مالك الأرض نصفها بنصف عمل العامل، ونصف منفعة الآلات التي يستعملها العامل إن كانت الآلات له، ويكون البذر مشتركاً بينهما، فيشتركان في الزرع على حسب الاشتراك في البذر.
والفرع: لو كان بين نخل المساقاة زرع لرب النخل- كالموز والبطيخ وقصب السكر- فساقاه على النخل والزرع معاً على أن يعمل فيهما بالنصف منهما، ففيه وجهان:
أحدهما: تجوز المساقاة في الزرع تبعاً للمساقاة [في النخل؛ كما تجوز المخابرة تبعاً للمساقاة].
والثاني: لا، والفرق: أن المساقاة على الزرع هي استحقاق بعض الأصل، والمخابرة على الأرض لا يستحق فيها شيء من الأصل، كذا قال الماوردي، والله أعلم.