الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ[كما تعلمون، للدكتور عمراني الحنشي كتاب اسمه (كيف يَرِدُ - بكسر الراء- الخطأ على العلماء الكبار) وتكلم على حديث ابي ذر رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري والذي فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم له (يا أبا ذر هل تدري أين تذهب الشمس حين تغرب؟
…
فإنها تذهب تسجد تحت العرش .. الى آخر الحديث). . . وقد أعل الدكتور الحديث بتدليس ابراهيم التيمي (وقد عنعن) بسبب أن الكرابيسي قد وصفه بذلك، ثم العلائي في جامع التحصيل، ثم ابن حجر وصفه بذلك في تقريبه فقط. . . وإذا ناقض هذا الوصف بالتدليس وعارضه بأن ابراهيم التيمي هذا لم يصفه بالتدليس أحد سواهم .. حتى ان ابن حجر لم يذكره في كتابه المشهور بطبقات المدلسين والذي إنما هو اعادة صياغة لكتاب العلائي المذكور .. وسائر من ترجم له ذكر أنه يرسل عمن لم يلقاهم، ولم يصفوه بالتدليس. . . ف
ما هو اختياركم وترجيحكم في حال إبراهيم التيمي من حيث احتياجه اثبات التحديث والسماع أم عدمه
، وهل هذا عام في كل مروياته أم أن هناك تفصيل؟ ]ـ
هنا ثلاثة أمور؛ الأول: أن إبراهيم التيمي ثقة إمام، غير أنه تُكلِّم فيه بما يدل على أن روايته عن بعض الصحابة منقطعة، ولعل الكرابيسي جعله من المدلسين بسبب روايته عن زيد بن وهب المخضرم؛ إذ قال:(حدث عن زيد بن وهب قليلا أكثرها مدلسة) كما في التهذيب، يعني أن إبراهيم التيمي كان يخفي الواسطة بينه وبين زيد، وتبعه في ذلك العلائي وغيره.
وعلى هذا فما رواه إبراهيم عن شيوخه متصل وإن لم يصرح بالسماع، إلا في روايته عن زيد بن وهب، فإن الحكم عليه بالاتصال يتوقف على ثبوت سماعه منه ذلك الحديث بعينه، وكذا روايته عمن لم يسمع منه من الصحابة تكون منقطعة أيضا بدون نزاع، ويتأيد ذلك بتعامل النقاد قاطبة مع رواياته، لا سيما اعتماد الإمامين: البخاري ومسلم عليها في الصحيحين.
أما الحديث الذي نحن بصدده ليس مما ينبغي الشك في اتصاله، إذ رواه عن أبيه، ولم يتكلم في روايته عنه أحد من الأئمة، كما لم يتوقف أحد منهم عن تصحيحها عموما في حدود علمي، وفي هذا الحديث خصوصا، بل هي رواية مشهورة ومعتمدة في الصحيحين. وعليه فما قاله الدكتور المحترم (حفظه الله) حول حديث إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر في سجود الشمس غير سديد لا منهجيا ولا علميا.
والأمر الثاني: ما ذكرتَه في السؤال يعد نموذجا لاجتهادات المعاصرين في التصحيح والتضعيف، يقومون بها قبل أن يستوعبوا منهج النقاد في التصحيح والتضعيف، ويعتبرون ما ورد عن بعض الأئمة في معالجة موضوع ما، قاعدة مطردة قبل أن يفهموا مغزى ذلك، ثم يستعجلون في تطبيق هذه القاعدة على الأحاديث التي صححها هؤلاء الأئمة أنفسهم قرنا بعد قرن، ويستدركون عليهم بالذي ورد عنهم، وهذا غريب ومؤسف جدا.
ومن أجل معالجة هذه الظاهرة التي تسود ساحتنا العلمية اليوم قمنا بإثارة موضوع المتقدمين والمتأخرين، وتوعية الباحثين بأهمية مراعاة التأهل، وفهم منهج القوم في النقد، واحترام ما صدر عنهم من الأحكام، وخطورة مزاحمتهم بأفكار سطحية لا تغيب عنها حتى أذهان الطلبة المبتدئين.
الأمر الثالث: من أهم وسائل الحكم على الحديث بالاتصال والانقطاع أن تجمع الروايات وأن ينظر في مدى تفاوت صيغ أدائها، وحتى القول بانقطاع رواية المدلس المعنعنة يتوقف على ذلك أيضا، ولا يكتفى بمجرد صيغة العنعنة التي ترد في الإسناد، إذ الراوي المدلس قد لا يكون مسؤولا عن تلك الصيغة، وإنما تكون العنعنة من تصرف الراوي المتأخر، ولذلك قد يشكل على بعض الباحثين قول النقاد بانقطاع رواية المدلس مع ورود التحديث فيها أو صيغة السماع، كما يشكل عليه قولهم باتصال روايته مع كونها معنعنة.
وبالنسبة إلى هذا الحديث الذي تكلم عنه الدكتور الفاضل؛ لقد قمت بجمع ما ورد في روايته من الطرق فوجدتها تدور على إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر، دون أن أعثر على شئ يدل على انقطاع هذه الرواية؛ مثل وجود واسطة بين إبراهيم وأبيه، أو صيغة تدل على أن إبراهيم لم يسمع من أبيه هذا الحديث بعينه؛ كأن يقول: بلغني عن أبي، أو أخبرت عن أبي أو غير ذلك.
ألا يكفي لنا صنيع النقاد في عدم تعرضهم لرواية إبراهيم عن أبيه مع شهرتها، في مناسبة بيان انقطاع ما رواه عن بعض شيوخه، بل احتجاجهم المطلق بما رواه عن أبيه معنعنا يلزمنا القول بصحة ذلك الحديث؟.
الخلاصة: إن رواية إبراهيم عن أبيه متصلة جزما، دون أن يعكرها قول الكرابيسي الخاص بما رواه إبراهيم عن زيد بن وهب. وشكوكنا أو تشكيكنا فيما لم يشك فيه النقاد قاطبة يعد مجازفة خطيرة. (والله أعلم).