الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الجدير بالذكر أن هناك كتبا عديدة تساعدك على استيعاب منهج المحدثين النقاد، وفهم قواعده، منها مقدمة الإمام مسلم، وكتب العلل عموما، والمعجم الأوسط للطبراني، وكتب الضعفاء لابن عدي وابن حبان، والعقيلي، وشرح العلل لابن رجب، وكتاب النكت للحافظ ابن حجر والتنكيل للشيخ عبد الرحمن المعلمي - رحمهم الله تعالى جميعا - (والله تعالى الموفق).
ـ[من خلال نقاشي مع المهتمين بهذا المنهج كشيخنا (عبد الله السعد) وأحد كبار طلابه عن المنهج كان منهم إبداءُ أمرٍ مشكلٍ وهو: أن
هذا المنهج إنما هو مبنيٌ على فهوم العارف بالأسانيد. فما مدى صحة هذه القولة
؟ ومما لا شكَّ أن منهجاً قام على فهومٍ دون قواعد فمآله إلى انهيار وأفولٍ لنجمه. ]ـ
إن منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف منضبط بقواعد، ساعدهم على تطبيقها تلقائيا الحفظ والفهم والمعرفة، حتى أصبح هذا التطبيق العملي منبعا أصيلا لقواعد النقد وضوابطه تصحيحا وتعليلا.
ومثلهم في ذلك مثل حافظ القرآن الكريم، إذا كان الحافظ يستطيع بحفظه أن يكتشف تداخل الآيات والسور على من يقرؤها، فكذلك الأمر بالنسبة إلى الحافظ الذي حفظ الأحاديث بشكل منظم، مع رصيد معتبر من الفهم والمعرفة، ولذا فإن الأمر في اكتشاف الخطأ والوهم لن يكون تابعا لأحوال الرواة ولا يكفي في ذلك مجرد حفظ للأحاديث، أو مجرد إطلاع واسع عليها؛ فمن حفظ أو اطلع على أحاديث الزهري عن سالم عن أبيه، وأحصاها، وأحاديثه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وأحاديثه عن أبي سلمة عن أبي هريرة مع إحصاء عدد هذه الأحاديث، كل على حده، يقدر أن يعرف من أدخل في أحاديث الزهري عن سالم عن أبيه ما كان يرويه عن غيره، وحين وقوع تداخل على الراوي في أحاديث الزهري فإن الناقد يعبر عن ذلك بقوله:"إنما هو كذا وليس ذلك محفوظا"، أو "هذا باطل وإنما هو كذا"، وغير ذلك من العبارات العلمية التي تزخر بها كتب العلل وكتب الضعفاء.
وهذا العمل التطبيقي القائم على الحفظ والمعرفة والفهم هو أساس تنظير قواعد النقد التي تضمها المصطلحات؛ كالصحيح والمعلول والمنكر والمقلوب والمدرج، وغيرها، وظهور هذه المصطلحات دليل ناصع على دقتهم في النظر وشمولية التفكير، وعدم اعتمادهم على ظاهر أحوال الرواة، ولو كان الحكم تابعا لأحوال الرواة ما ظهر مصطلح العلة وما يتصل بها من الأنواع؛ إذ معنى ذلك تصحيح ما رواه الثقة، وتحسين حديث الصدوق وتضعيف ما رواه الضعيف، والحكم على ما رواه المتروك بأنه متروك أو مطرح أو واه، وعلى ما رواه الكذاب موضوعا. وإذا قرأت بعض الدراسات والتخريجات المعاصرة ترى فيبها سعيا حثيثا (طبعا دون أن يشعر الباحث) على إلغاء مصطلحي المعلول والشاذ، بسبب التساهل والتوسع في التصحيح والتحسين.
وكذلك المصطلحات المتصلة باتصال السند وانقطاعه، كالمرسل والمعلق والمدلس وغيرها تدل دلالة واضحة على أنهم لم يكتفوا بأحوال الرواة العامة من المعاصرة والسماع واللقاء، بل كانوا يدققون النظر أيضا هل سمع الراوي ممن فوقه ذلك الحديث بعينه، وإلا فإن كانوا يكنفون بالمعاصرة واللقاء والسماع بشكل عام ما ظهر مصطلح التدليس أبدا ولا الإرسال الخفي.
ويمكن لنا تلخيص قواعد النقد من مصطلحات النقاد بالآتي:
إذا خالف الراوي الواقع المعروف، أو تفرد بما ليس له أصل في الأمر الواقع دل ذلك على خطئه، وإذا تكرر منه ذلك علم أنه سيئ الحفظ عموما. وإذا وافقه أو تفرد بما له أصل دل على صوابه، وإذا كان ذلك هو الأغلب في أحاديثه أصبح ثقة، وإذا لم يعرف هذا أو ذاك رجع الأمر إلى الأصل الغالب في الراوي، الذي حدد النقاد مراتبه في الجرح والتعديل من خلال مروياته. وحسب ذلك يكون الحكم؛ فقد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا، وإذا لم يعرف الأصل في الراوي يتوقف الحكم فيه.