الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ[ذكر أحد الأفاضل في كتاب له: أنّه عند سرد أقوال أهل العلم في راوٍ معيّن فإنّه
لا ينبغي ذكر قول ابن حجر وغيره من المتأخرين في ذلك الراوي جنبا ًإلى جنب أقوال المتقدّمين
. وحجّته في ذلك هي أنّ المتأخرين إنّما بنوا قولهم في ذلك الراوي ـ بالدرجة الأولى ـ على أقوال المتقدّمين. فما رأيكم (وفقكم الله لكلّ خير)؟ ]ـ
هذا هو الصواب للسبب الذي ذكرت في السؤال، وأما في حالة اختلاف أقوال أئمة الجرح والتعديل فيعول على ما رجحه الحافظ ابن حجر أو الذهبي أو غيرهما إذا لم يوجد دليل على خلاف ذلك. (والله أعلم).
ـ[ما
رأيكم في من أعل أحاديث في مسلم بحجة تدليس أبي الزبير عن جابر
مع أنه ليس هناك دليل واحد صحيح على هذه المسألة،، وفيمن فرق بين ما هو في مسلم حيث حمله على الاتصال وما كان خارجه فهو معلول؟ ]ـ
رأيي حول ما ورد في سؤالك فذلك استعجال في الحكم وبعيد عن الدقة، ويقع في ذلك كل من يعتمد على ظاهر السند وأحوال رواته العامة في حكمه على الحديث، مطبقا ما درسه في كتب المصطلح من القواعد دون فهم مواقع تطبيقها، أو تساهلا منهم في ذلك.
إن تدليس أبي الزبير عن جابر يقتضي نوعا خاصا من المعالجة يختلف عما تقتضيه بقية انواع التدليس، لأن معنى تدليس أبي الزبير عن جابر: أنه لا يصرح فيما أخذه من الكتاب من أحاديث جابر بأنه وجادة، فإذا ورد عنه حديث من أحاديث جابر، ولم يصرح بالسماع ولم يأت ذلك الحديث عن طريق ليث بن سعد فإنه يحتمل أن يكون مما أخذه وجادة، وما أخذه وجادة دون السماع أو القراءة على الشيخ قد يدخل فيه تصحيف وتحريف وانتحال، وإذا وافقه غيره أمن من ذلك.
لذلك ما ورد عن أبي الزبير من أحاديث جابر معنعنا يقتضي أن يبحث الباحث عن وجود سماع صريح في طريق صحيح من طرق ذلك الحديث، أو ما يدل على ذلك من القرائن، أو راويا آخر يوافق أبا الزبير فيما رواه عن جابر، وفي حال وجود شيء من ذلك يكون السند سليما من الشبهات التي أثارتها العنعنة الواردة فيه.
وفي ضوء ذلك فإطلاق الحكم بانقطاع السند أو بالتدليس بمجرد عنعنة أبي الزبير عن جابر على الرغم من اعتماد مسلم عليه في صحيحه ينطبق عليه ما قيل: (القواعد لدى العالم غير المجرب كالعصا في يد الأعمى) ، وكذا إطلاق الحكم بالاتصال فيما رواه مسلم والانقطاع في خارج مسلم يكون بعيدا عن الدقة أيضا، لأن الأمر في ذلك يتوقف على التتبع والبحث.
ومن الجدير بالذكر أن مسلما يورد الحديث في الأصول أصح ما عنده من الروايات وأفضله، ويختلف ذلك عما يورده في الشواهد، وعليه فما أورده في أول الباب من حديث أبي الزبير عن جابر لا ينبغي القول فيه إنه معنعن بمجرد أن الباحث لم يطلع إلا على ما وقعت يده عليه من المصادر - مطبوعة كانت أو مخطوطة -، فإن أولئك الأئمة ينظرون إلى الواقع الذي يعرفونه من خلال معاينة الأصول أو صحبة المحدثين، وليس على مجرد صيغ التلقي والأداء التي قد يكون بريئا منها الراوي المدلس.
يقول الإمام الذهبي: "وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة، كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذا ونحوه دخل الدَّخَل على الحاكم في تصرفه في المستدرك"(الموقظة ص: 46).
ويقول الحافظ ابن عبد البر في مبحث العنعنة: "إنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع"(مقدمة التمهيد 1/ 26).