الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان الحافظ المقدسي قد حسن السند بناء على أحوال الرواة؛ يعني أن السند ليس فيه ضعيف، بينما الترمذي يتجه إلى الحديث وروايته بقوله ''هذا حديث غريب''، وأيده بقول البخاري '' ولا يصح هذا الحديث، ولا حديث معمر عن عمار عن أبي هريرة''، كما استنكره الإمام أحمد من قبل، ثم بعد ذلك رجح الدارقطني وقف الحديث على أبي هريرة، وأما المتأخرون فنظروا في ظاهر السند، ففيهم من حسن السند كالإمام النووي، ومنهم من قال: رواته ثقات؛ كالهيثمي والمباركفوري، وفيهم من قال: هذا إسناد صحيح، دون أن يقول: ''هذا حديث صحيح''، وبين القولين فرق يعرفه من درس كتب المصطلح.
وإذا قمت بتتبع كل ما ورد في رواية الحديث من الطرق، كطريق جابر وأنس وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس، وحاولت فهمها على منهج النقاد فإنك لا تقدم أبدا على الاعتراض عليهم بتطبيق قاعدة تعدد الطرق يقوي بعضها بعضا، بحجة أنها ليست من رواية المتروكين.
ـ
[ما هي المباحث العلميّة التي تقترحون على طلاب الحديث أن يشتغلوا بها في هذا الوقت
؟ ]ـ
تقع على عاتق طلاب الحديث مسؤولية كبيرة تجاه السنة النبوية التي أصبحت في المرحلة الزمنية التي نعيشها مجالا مفتوحا ومسموحا لكل من هب ودب، فيصححون ويضعفون ويحسنون ويستنبطون الأحكام أو يستدلون بها، دون أن ينضبط ذلك بقواعد التصحيح والتعليل، وأصول التفسير والتأويل، ولذلك تكون مهمة الطلاب في هذه المرحلة كبيرة، ولا يجوز التهاون بها، لينفوا عن السنة تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين.
وتختلف طبيعة المهمة العلمية تجاه السنة النبوية باختلاف ميل كل منهم. فمن يميل إلى فقه السنة فعليه أن يتحصل على قواعد تفسير النصوص، ومن يميل إلى نقد الأحاديث فعليه أن يتدرب على التصحيح والتعليل من خلال التخريج العلمي مراعيا فيه أسلوب النقاد.
وبالتعاون مع أصحاب التخصصات العلمية المختلفة يتم إسقاط السنة على الواقع الذي نعيشه، والدفاع عنها دفاعا يقتضيه طبيعة التشكيك في مكانة السنة ونزاهتها.
ومن الجدير بالذكر أن العمل بالحديث لا بد أن يمر على مراحل ثلاثة وهي:
المرحلة الأولى: مرحلة التأكد من مدى صحة الحديث.
والمرحلة الثانية: معرفة المقصود بالحديث وفقهه، وهي تخضع لقواعد وأصول، لكيلا يفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يقصده، ولا يحمل على غير محمله. ومن أصول التأويل أن يكون فهم الحديث وفقا لما يقتضيه سياق النص، أو يفسر في ضوء عمل الصحابة، أو في ضوء الروايات الأخرى لذلك الحديث طبعا بعد التأكد من صحتها، فإن الحديث من طبيعته أن يختلف سياقه وتتفاوت ألفاظه كلما تتعدد طرقه، فمن خلال جمع الروايات يستطيع الباحث الوقوف على سياق الحديث ولفظه الصحيح، أو يفسر في ضوء النصوص الأخرى التي وردت في الموضوع ذاته، أو في ضوء العناوين التي عنون بها المحدثون لذلك الحديث في كتبهم، أو يراعى في تفسير الكلمات أسلوب العصر النبوي في استخدامها.
والمرحلة الثالثة: مرحلة إسقاط النص على الواقع، فإن النص قد يكون له بعد مقصدي أو بعد زمني أو بعد مكاني، وعلى مراعاة هذه الأمور مرحليا قامت اجتهادات الأمة سابقا. وبمراعاتها يتم الفصل بين التأويل الباطل الذي فيه تكلف أو تعسف وبين التأويل الصحيح.
وهذه صورة عامة لتلك القواعد التي يجب على طلاب العلم اليوم أن يوجهوا عنايتهم نحو تأسيسها، دون أن يضيعوا الأوقات فيما لا يساعده على التكوين العلمي الصحيح الذي تقتضيه المرحلة الزمنية الجديدة، ولا شك أن هذه القواعد بحاجة إلى التوضيح من خلال الأمثلة لكن المناسبة غير صالحة لذلك.