الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس كل ما تفرد به راو يعد شاذا منكرا وإنما إذا تفرد بما ليس له أصل في حديث شيخه، وكذلك لا يعد كل ما خالفه غيره شاذا منكرا وإنما فقط ما خالف فيه الصواب، ولذلك قال ابن الصلاح في النص السابق مقيدا '' مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن ..... ''.
وهذا الأمر ما لا يدركه كل من هب ودب، وهذا من أبرز المجال الذي ينكشف فيه التساهل والدقة، ويتميز به الجهل من العلم، رضي من رضي وأبى من أبى.
ومن الباحثين المعاصرين من يتجرأ بقبول حديث الثقة بل حديث الضعيف أيضا، على الرغم من مخالفته لغيره من الثقات إذا وجد لذلك متابعا أو شاهدا، وبذلك يكون هذا الأخ الباحث قد ألغى - من غير أن يشعر - مصطلحات تركز عليها كتب المصطلح؛ مثل العلة والشذوذ والنكارة.
وقد شرحت هذه المسألة بشيء من التفصيل في الموازنة، والكتاب الجديد (علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين). (الله تعالى أعلم)
ـ[ما هو
ضابط الحسن عند المتقدمين
وهل الحسن عندهم وصف ام حكم وهل الشاذ والحسن عنده بمعنى واحد. ]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،، أرجو أن تصبر قليلا فإن الجواب يحتاج إلى شيء من التفصيل:
أولا: علينا أن نعرف ونقتنع أن الأحكام ليست تابعة لأحوال الرواة، كما يتجلى ذلك بوضوح في تضاعيف كتب النقاد، وقد أقر بذلك المتأخرون أنفسهم، وفي طليعتهم الحافظ ابن حجر.
وبقدر ما يتوفر لدى الناقد من الشعور العلمي المبني على التجربة والحفظ والفهم والمعرفة، بمدى صواب الحديث وخطئه كانوا يعبرون عنه بمصطلحات شتى، بغض النظر عن أحوال الرواة، وقد جمع لنا أئمتنا المتأخرون هذه المصطلحات في كتب المصطلح؛ فإذا كان شعور الناقد بأن الراوي قد أصاب في الحديث قال (هذا صحيح) وهو الأغلب، وقد يقول:(حسن)، وقد يقول بعضهم (حسن صحيح)، وإن كان ذلك الراوي صدوقا أو ضعيفا.
وإذا كان الناقد قد شعر من خلال المعرفة الحديثية أن الراوي قد أخطأ في الحديث جاء التعبير عنه بقوله: هذا غير محفوظ، أو باطل، أو منكر، أو وهم، أو تفرد به فلان، أو غير ذلك من المصطلحات، وإن كان هذا الراوي إماما.
وأما إذا لم يشعر الناقد بهذا أو بذاك فعبارته تكون دقيقة أيضا؛ مثل قولهم هذا حسن أو لا بأس به أو جيد، وقد يكون الراوي ثقة أو ضعيفا غير متروك أو صدوقا.
وإذا لم تتوفر لدى الناقد آليات البحث، أو الخلفية العلمية أو القرائن، فإن تعويلهم في وصف الحديث بالصحة والحسن والضعف يكون على أحوال الرواة؛ فإن كان راويه ثقة فصحيح مع وجود تفاوت في ذلك فما رواه الأوثق مثلا لا يكون مثل ما رواه الثقة، وإن كان ضعيفا فحديث ضعيف، وإن كان صدوقا مثلا فحسن، وبقدر تفاوت مراتب الرواة في سلم الجرح والتعديل يتفاوت انطباع الناقد تجاه المرويات.
ومن هنا يتجلى أن منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف والتحسين منهج نطبقه نحن في معاملاتنا اليومية، وإن لم نلتزم بتلك المصطلحات ذاتها.
وذلك واضح وجلي حين نتأمل قليلا أسلوبنا الذي نعتمده في معالجة الأخبار التي تصلنا؛ إذ لم نكن نعتمد على أحوال الناس في الحكم على ما ينقلون من الأخبار الدنيوية، قبولا أو ردا أو توقفا أو ترجيحا إلا في الحالات التي نفقد فيها آليات التتبع والتدقيق، فإننا حينئذ فقط نعتمد على أحوالهم العامة، وإن كان الأمر كذلك فإن العلوم الدينية والأحاديث النبوية تكون أحق بذلك التدقيق والتحفظ في القبول والرد والتوقف والترجيح.
فالخلاصة أن الأحكام ليست تابعة لأحوال الرواة، إلا في بعض الأحوال التي لم يطلع الناقد فيها على ملابسات الرواية وقرائنها، فحينئذ يميل فيها الناقد إلى أحوال الرواة في قبول الحديث أو رده أو تردده.
وأما عند كثير من الباحثين المعاصرين فصار الأصل هو أن الأحكام تابعة لأحوال الرواة ويردون بذلك أحكام النقاد.
ويحسن بنا أن نقرأ في هذه المناسبة قول الحافظ السخاوي وهذا نصه:
'' ..... ربما تطرق إلى التصحيح متمسكا بذلك من لا يحسن، فالأحسن سد هذا الباب، وإن أشعر تعليل ابن الصلاح ظهور الحكم بصحة المتن من إطلاق الإمام المعتمد صحة الإسناد بجواز الحكم قبل التفتيش؛ حيث قال: ''لأن عدم العلة والقادح هو الأصل الظاهر '' فتصريحه بالاشتراط يدفعه
…
''.
يعني أن ما أورده الإمام ابن الصلاح في تعريف الصحيح من سلامة الحديث من شذوذ وعلة شرطا من شروط الصحيح كاف في رد ذلك الذي يفهم مما نقله السخاوي عنه أن عدم العلة هو الأصل الظاهر.
أما لو كانت الأحكام تابعة لأحوال الرواة - كما يظن اليوم - لما قال النقاد: إنما هو علم أوتينا، أو هذا العلم إلهام، أو هذا العلم مثل علم الصيرفي أو الحجة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة.
وفي ضوء هذا الواقع فإن تعريف المصطلحات يحتاج إلى هذا التفصيل المذكور، وإلا سيكون اعتقادنا أن الحكم مرتبط بأحوال الرواة، وبالتالي تكون المفاهيم والتصورات تجاه علوم الحديث مشوهة ومعوجة، والذي نرى في أبحاث كثير من الباحثين اليوم من الاعتراض على النقاد وعدم فهم مصطلحاتهم إنما هو من نتائج ذلك، وكلما يكون الباحث متمكنا تقل منه مثل هذه النتائج.
ثانيا الجواب عن سؤالك: إن ضابط الحسن عند النقاد ليس حال الراوي، قد يكون ثقة وقد لا يكون، وإنما الضابط عندهم شعورهم بعدم وجود الخطأ ولا بأنه صواب في إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبقدر وجود العواضد وعدمها يقترب الحديث من الصحة أو من الضعف. وأما بالنسبة إلينا فشعورنا فليس مؤسسا على الفهم والتجربة.
وأما أن يكون الشاذ حسنا فلا، إلا إذا فسرنا الشاذ بمطلق الغرابة، وحينئذ قد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا. (والله أعلم)