المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سُورَة الْأَنْعَام قَالَ الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا - ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة بالبرهان

[محمود شكري الألوسي]

الفصل: ‌ ‌سُورَة الْأَنْعَام قَالَ الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا

‌سُورَة الْأَنْعَام

قَالَ الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]

المُرَاد ب {النُّجُوم} مَا عدا النيرين لِأَنَّهَا الَّتِي بهَا الاهتداء وَلِأَن النَّجْم يخص فِي الْعرف بِمَا عداهما وَجوز أَن يدخلا فِيهَا فَيكون هَذَا بَيَانا لفائدتها الْعَامَّة إِثْر بَيَان فائدتهما الْخَاصَّة

والمنجمون يقسمون النُّجُوم إِلَى ثوابت وسيارات. والسيارات عِنْد الْمُتَقَدِّمين سبع بإجماعهم وَعند المنجمين الْيَوْم وهم أهل الْهَيْئَة الجديدة أَن الشَّمْس فِي وسط الْكَوَاكِب الَّتِي تَدور حولهَا وَأَنَّهَا أعظم من الأَرْض بِأَلف ألف مرّة وَثَلَاث مئة وَثَمَانِية وَعشْرين ألف مرّة وَأَن لَهَا حَرَكَة على نَفسهَا وَقد استنبط بعض عُلَمَائهمْ من تحول كلفها الَّذِي يظْهر على ظهرهَا ورجوعه فِي أزمنة مَخْصُوصَة أَنَّهَا تَدور على نَفسهَا فِي خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا واثنتي عشرَة سَاعَة وجزموا بِأَن لَيْسَ لَهَا حَرَكَة حول الأَرْض بل للْأَرْض حَرَكَة حولهَا وَأَن الأَرْض إِحْدَى السيارات.

ص: 39

وَهِي عِنْدهم عُطَارِد والزهرة وَالْأَرْض والمريخ ووسنة وَقد كشفها رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ أولبوس فِي حُدُود سنة ثَلَاث وَعشْرين ومئتين وَألف لِلْهِجْرَةِ ونبتون وَقد كشفها رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ هاردنق فِي حُدُود سنة عشْرين ومئتين وَألف لِلْهِجْرَةِ وسيرس وَقد كشفها رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ بياظى فِي حُدُود سنة سِتّ عشرَة ومئتين وَألف لِلْهِجْرَةِ وبلاس وَقد كشفها أولبوس أَيْضا فِي حُدُود سنة سبع عشرَة ومئتين وَألف وَالْمُشْتَرِي وزحل وأورانوس وَقد كشفها رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ هرشل فِي حُدُود سنة سبع وَتِسْعين ومئة وَألف لِلْهِجْرَةِ.

وَلم يعدوا الْقَمَر من السيارات بل من سيارات السيارات لِأَنَّهُ يَدُور حول الأَرْض ودورانها حول الشَّمْس وَهُوَ عِنْدهم دون عظم الأَرْض بتسع وَأَرْبَعين مرّة وَزَعَمُوا أَن بعد الشَّمْس عَن الأَرْض أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ ألف ألف فَرسَخ فرنسي وَهُوَ الْمُقدر بمسافة سَاعَة وَخمْس مئة ألف فَرسَخ وَمَعَ هَذَا يصل نورها إِلَيْنَا فِي مُدَّة ثَمَانِي دقائق وَثَلَاث عشرَة ثَانِيَة وَأَن الْبعد الْأَبْعَد للقمر عَنْهَا أحد وَتسْعُونَ ألفا وَأَرْبع مئة وَخَمْسُونَ فرسخا والبعد الْأَقْرَب لَهُ ثَمَانُون ألفا ومئة وَخَمْسَة فراسخ فَيكون الْبعد الْأَوْسَط نَحْو سِتَّة وَثَمَانِينَ ألف فَرسَخ.

وَكَانُوا يَزْعمُونَ من قبل أَن لَيْسَ للشمس حَرَكَة على كَوْكَب آخر وَإِنَّمَا لَهَا حَرَكَة على نَفسهَا فَقَط ثمَّ أدركوا أَن لَهَا حَرَكَة على كَوْكَب من كواكب الثريا وجوزوا أَن يكون لذَلِك الْكَوْكَب حَرَكَة على كَوْكَب آخر أبعد مِنْهُ وَهَكَذَا إِلَى مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى. فَإِن سَعَة الجو غير متناهية عِنْدهم، وَفِيه

ص: 40

من الْكَوَاكِب مَا لَا يتناهى أَيْضا وَزَعَمُوا أَن من هاتيك الْكَوَاكِب مَا لَا يصل نوره إِلَى الأَرْض فِي مئة سنة بل أَكثر مَعَ شدَّة سرعَة الضَّوْء كَمَا أُشير إِلَيْهِ آنِفا فِي بَيَان حَرَكَة ضوء الشَّمْس.

والنجوم الثوابت لَا يعلم عدتهَا إِلَّا الله تَعَالَى والمرصود مِنْهَا ألف وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ نجما بِإِدْخَال الضفيرة وَمن أخرجهَا قَالَ هِيَ ألف وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ نجما ورتبوا الثوابت على سِتّ أقدار وسموها أقدارا متزايدة سدسا سدسا وَجعلُوا كل قدر على ثَلَاث مَرَاتِب أعظم وأوسط وأصغر

وَلَهُم تقسيمات لَهَا أخر باعتبارات أخر بنوا عَلَيْهَا مَا بنوا وَلَا يكَاد يسلم لَهُم إِلَّا مَا لم يلْزم مِنْهُ مَحْذُور فِي الدّين

وَمعنى {لتهتدوا بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر} أَي فِي ظلمات اللَّيْل فِي الْبر وَالْبَحْر أَو فِي مُشْتَبهَات الطّرق وسماها {ظلمات} على الِاسْتِعَارَة

وَقد ذكر ابْن قُتَيْبَة فِي «كتاب الأنواء» كَيْفيَّة اسْتِدْلَال الْعَرَب بالنجوم والماهر فِيهِ من قبائلهم ولعلنا نلم بذلك إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَهَذَا إِفْرَاد لبَعض مَنَافِعهَا بِالذكر بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْمقَام وَإِلَّا فَهِيَ أجدى من تفاريق الْعَصَا وَهِي فِي جَمِيع مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا كَسَائِر الْبَاب.

أما تعلم علم النُّجُوم وَمَعْرِفَة البروج والمنازل والأوضاع وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يتَوَصَّل إِلَى مصلحَة دينية فَلَا بَأْس بِهِ والمنهي عَنهُ من عُلُوم النُّجُوم، مَا

ص: 41

يَدعِيهِ أَهلهَا من معرفَة الْحَوَادِث الْآتِيَة فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان يَزْعمُونَ أَنهم يدركون ذَلِك بسير الْكَوَاكِب لاقترانها وافتراقها وَهَذَا علم اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِهِ لَا يُعلمهُ أحد غَيره فَمن ادّعى علمه بذلك فَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ.

فَأَما من يَقُول إِن الاقتران والافتراق الَّذِي هُوَ كَذَا جعله الله عَلامَة بِمُقْتَضى مَا اطردت بِهِ عَادَته الإلهية على وُقُوع كَذَا وَقد يتَخَلَّف فَلَا إِثْم عَلَيْهِ بذلك

وَكَذَا الْإِخْبَار عَمَّا يدْرك بطرِيق الْمُشَاهدَة من عُلُوم النُّجُوم الَّذِي يعلم بِهِ الزَّوَال وجهة الْقبْلَة وَكم مضى وَكم بَقِي من الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا إِثْم فِيهِ بل هُوَ فرض كِفَايَة

وَأما مَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاة الصُّبْح فِي إِثْر مَاء أَي مطر كَانَ من اللَّيْل فَلَمَّا انْصَرف أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ أصبح من عبَادي مُؤمن بِي وَكَافِر فَأَما من قَالَ مُطِرْنَا بِفضل الله تَعَالَى فَذَاك مُؤمن بِي كَافِر بالكواكب وَمن قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا فَذَاك كَافِر بِي مُؤمن بالكواكب فقد قَالَ أهل الْعلم وَمِنْهُم ابْن قُتَيْبَة فِي «كتاب الأنواء» إِنَّه مَحْمُول على مَا إِذا قَالَ ذَلِك مرِيدا أَن النوء هُوَ الْمُحدث أما لَو قَالَ ذَلِك على معنى أَن النوء عَلامَة على نزُول الْمَطَر ومنزله هُوَ الله تَعَالَى وَحده فَلَا يكفر لَكِن يكره لَهُ قَول ذَلِك لِأَنَّهُ من أَلْفَاظ الْكفْر.

وَفِي «كتاب مِفْتَاح دَار السَّعَادَة» لِابْنِ الْقيم كَلَام مفصل فِي إبِْطَال علم النُّجُوم

وسنعود إِلَى الْكَلَام على ذَلِك فِيمَا يُنَاسِبه من الْآيَات.

ص: 42

وَالْمَقْصُود أَن الاهتداء بالنجوم فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر لَيْسَ فِي قَوَاعِد الْهَيْئَة الجديدة مَا يَأْبَى هَذِه الْآيَة بل الْكل متفقون على الاهتداء بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر وَلَهُم فِي ذَلِك كتب وقواعد مَشْهُورَة يتخذها ربانو المراكب والجائلون فِي فيافي البراري، وَالله ولي التَّوْفِيق

ص: 43