المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سُورَة الْأَعْرَاف قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا - ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة بالبرهان

[محمود شكري الألوسي]

الفصل: ‌ ‌سُورَة الْأَعْرَاف قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا

‌سُورَة الْأَعْرَاف

قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40]

تَفْسِير هَذِه الْآيَة

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمَيِّت تحضره الْمَلَائِكَة فَإِذا كَانَ الرجل صَالحا قَالَ أَخْرِجِي أيتها النَّفس الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب أَخْرِجِي حميدة وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب رَاض غير غَضْبَان فَلَا تزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج ثمَّ يعرج بهَا إِلَى السَّمَاء فيستفتح لَهَا فَيُقَال من هَذَا فَيَقُولُونَ فلَان ابْن فلَان فَيُقَال مرْحَبًا بِالنَّفسِ الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب أدخلي حميدة وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب رَاض غير غَضْبَان فَلَا تزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة"(2).

والْحَدِيث مَشْهُور. وَكَون السَّمَاء لَهَا أَبْوَاب تفتح للأعمال الصَّالِحَة والأرواح الطّيبَة قد تفتحت لَهُ أَبْوَاب الْقبُول للنصوص الْوَارِدَة فِيهِ وَمِنْهَا حَدِيث الْمِعْرَاج (3). وَهُوَ ثَابت فِي الْكتب الصَّحِيحَة وَفِيه ذكر أَبْوَاب السَّمَاء على وَجه لَا يقبل التَّأْوِيل وَهُوَ أَمر مُمكن أخبر بِهِ الصَّادِق فَلَا حَاجَة إِلَى تَأْوِيله.

(2) رواه ابن ماجه وأحمد بسند حسن. وله شواهد كثيرة - ن -.

[انظر "صحيح سنن ابن ماجه" برقم 3437، ومسند الإمام أحمد 2/ 364 برقم 8743، طبع المكتب الإسلامي].

(3)

أخرجاه في الصحيحين - ن -.

ص: 44

والمعترفون بالسماوات من الفلاسفة أَنْكَرُوا أَن يكون لَهَا أَبْوَاب قَالُوا لِأَن السَّمَاء كرية لَا تقبل الْخرق والالتئام

وَهَذَا قَوْلهم بأفواههم لَا يتم لَهُ دَلِيل عِنْد أهل الْحق

وَظَاهر كَلَام أهل الْهَيْئَة الجديدة جَوَاز الْخرق والالتئام على الأفلاك لكِنهمْ لَا يعترفون بِوُجُود السَّمَاوَات السَّبع على الْوَجْه الَّذِي نطقت بِهِ النُّصُوص فَإِن مثل هَذِه الدقائق لَا تصل إِلَيْهِ يَد أفكارهم القاصرة وَلَا لَهُم آلَة يدركون بهَا حقائق الْأُمُور بل إِن مثل هَذِه الْأُمُور لَا تمكن الْإِحَاطَة بهَا وَالدُّخُول فِي حقائقها إِلَّا من أَبْوَاب النُّبُوَّة وَالْوَحي الرباني وَالسَّلَام على من أتبع الْهدى.

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]

تَفْسِير مثل هَذِه الْآيَة سبق فِي سُورَة الْبَقَرَة فنفسرها على سَبِيل الِاخْتِصَار فَنَقُول {إِن ربكُم} أَي خالقكم ومالككم {الَّذِي خلق السَّمَاوَات} السَّبع

{وَالْأَرْض} بِمَا فِيهَا {فِي سِتَّة أَيَّام} والمفسرون قَالُوا المُرَاد بِالْأَيَّامِ الْأَوْقَات أَي فِي سِتَّة أَوْقَات أَو فِي مِقْدَار سِتَّة أَيَّام على حذف مُضَاف كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا} فَإِن الْمُتَعَارف أَن الْيَوْم من طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا وَلم تكن هِيَ حِينَئِذٍ مَوْجُودَة نعم الْعَرْش وَهُوَ المحدد على الْمَشْهُور عِنْد الفلاسفة مَوْجُود إِذْ ذَاك لَكِن ذَاك لَيْسَ نَافِعًا فِي تحقق الْيَوْم الْعرفِيّ.

وَإِلَى حمل الْيَوْم على الْمُتَعَارف وَتَقْدِير الْمُضَاف ذهب جمع من الْعلمَاء،

ص: 45

وَادعوا أَن ابْتِدَاء الْخلق كَانَ يَوْم الْأَحَد وَلم يكن فِي السبت خلق أخذا لَهُ من السبت بِمَعْنى الْقطع لقطع الْخلق فِيهِ ولتمام الْخلق فِي يَوْم الْجُمُعَة واجتماعه فِيهِ سمي بذلك. فَأول يَوْم وَقع فِيهِ الْخلق يُقَال لَهُ الْأَحَد وَثَانِي يَوْم الِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا وَيَوْم جمع فِيهِ الْخلق الْجُمُعَة.

وَذهب آخَرُونَ إِلَى حمل الْيَوْم على الْيَوْم اللّغَوِيّ وَعدم تَقْدِير مُضَاف قبله وَقَالُوا كَانَ مِقْدَار كل يَوْم ألف سنة {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} .

وَمَا ذَكرْنَاهُ سَابِقًا من تَفْسِير الْأَيَّام بالأوقات أَو تَقْدِير مُضَاف وَهُوَ مِقْدَار سِتَّة أَيَّام هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ القاصرون من الْمُفَسّرين عَن الْوُصُول إِلَى مَا ورد فِي الشَّرِيعَة الغراء فقد ذكر الإِمَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس ابْن تَيْمِية فِي «منهاج السّنة» وَغَيره من مؤلفاته أَن الْأَيَّام كَانَت تعرف قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَمَا فِيهَا

بأنوار تشرق من جَانب الْعَرْش يعرف بهَا كل يَوْم من أَيَّام الْأُسْبُوع وَبرهن على ذَلِك بِمَا يَنْبَغِي مُرَاجعَته

وَفِي خلقه سُبْحَانَهُ الْأَشْيَاء مدرجا تَعْلِيم لِلْخلقِ التثبت والتأني فِي الْأُمُور.

ص: 46

وَقَوله {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} مَعْنَاهُ أَنه اسْتَوَى عَلَيْهِ اسْتِوَاء يَلِيق بِذَاتِهِ لَا أَن المُرَاد بِهِ استولى كَمَا ذهب إِلَيْهِ المعاندون واعتقدوا أَن لَيْسَ فَوق الْعَرْش إِلَه يعبد مَعَ أَن نُصُوص الْكتاب وَالسّنة ترغم أنوفهم وَكَلَام السّلف فِي هَذَا الْبَاب مَشْهُور

و {الْعَرْش} فِي الْمَشْهُور الْجِسْم الْمُحِيط بِسَائِر الْأَجْسَام سمي بِهِ إِمَّا لارتفاعه وَإِمَّا للتشبيه بسرير الْملك فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ عرش وَمِنْه قَوْله {وَلها عرش عَظِيم} فِي عرش بلقيس لِأَن الْأُمُور والتدبيرات تنزل مِنْهُ.

وَمعنى قَوْله تَعَالَى {يغشي اللَّيْل النَّهَار} أَي يُغطي سُبْحَانَهُ النَّهَار بِاللَّيْلِ

وَلما كَانَ المغطى يجْتَمع مَعَ المغطي وجودا وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر هُنَا قَالُوا الْمَعْنى يلْبسهُ مَكَانَهُ فَيصير الجو مظلما بعد مَا كَانَ مضيئا.

وَمعنى قَوْله {يَطْلُبهُ حثيثا} أَي سَرِيعا.

وَقَوله {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره} أَي خَلقهنَّ حَال كونهن مذللات تابعات لتصرفه سُبْحَانَهُ فِيهِنَّ بِمَا شَاءَ غير ممتنعات عَلَيْهِ جلّ شَأْنه كأنهن مميزات أمرن فانقدن وإفراد الشَّمْس وَالْقَمَر بِالذكر مَعَ دخولهما فِي النُّجُوم، لإِظْهَار شرفهما عَلَيْهَا لما فيهمَا من مزِيد الْإِشْرَاق والنور وبسيرهما فِي الْمنَازل تعرف الْأَوْقَات وَقدم الشَّمْس على الْقَمَر لِأَنَّهَا أَسْنَى من الْقَمَر وأسمى مكانة ومكانا بِنَاء على مَا قَالَ الفلكيون وبرهنوا عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَأَنه فِي السَّمَاء الدُّنْيَا غير أَن ذَلِك لَيْسَ بِمُسلم عِنْد الْمُحدثين كالقول بِأَن نوره مُسْتَفَاد من

ص: 47

نورها، لاخْتِلَاف تشكلاته على أنحاء متفاوته بِحَسب وَضعه من الشَّمْس فِي الْقرب والبعد عَنْهَا مَعَ مَا يلْحقهُ من الخسوف لَا لاخْتِلَاف التشكلات وَحده فَإِنَّهُ لَا يُوجب الحكم بِأَن نور الْقَمَر مُسْتَفَاد من الشَّمْس قطعا لجَوَاز أَن يكون نصفه من ذَاته وَنصفه مظلما ويدور على نَفسه بحركة مُسَاوِيَة لحركة فلكه فَإِذا تحرّك بعد المحاق يَسِيرا رَأَيْنَاهُ هلالا ويزداد فنراه بَدْرًا ثمَّ يمِيل نصفه المظلم شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن يؤول إِلَى المحاق.

وَبَاقِي الْآيَة مَعْلُوم.

فَهَذِهِ الْآيَة لَيْسَ فِيهَا مَا يُخَالف قَوَاعِد الْفَنّ بِوَجْه من الْوُجُوه.

ص: 48