الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَة الطَّلَاق
قَالَ عز وجل {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12]
تقدم الْكَلَام على عدد السَّمَاوَات غير مرّة.
وَأما الأرضون السَّبع فقد حارت فِيهَا عقول الْمُفَسّرين وَذكروا فِيهَا أقوالا كَثِيرَة وَقد جعلهَا الله تَعَالَى مثل السَّمَاوَات والمثلية تصدق بالاشتراك فِي بعض الْأَوْصَاف فَقَالَ الْجُمْهُور المثلية هَاهُنَا فِي كَونهَا سبعا وَكَونهَا طباقا بَعْضهَا فَوق بعض بَين كل أَرض وَأَرْض مَسَافَة كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَفِي كل أَرض سكان من خلق الله عز وجل لَا يعلم حقيقتهم إِلَّا الله تَعَالَى، وَورد فِي بعض الْأَخْبَار:
فِي كل أَرض نَبِي كنبيكم وآدَم كآدم ونوح كنوح وَإِبْرَاهِيم كإبراهيم وَعِيسَى كعيسى وَالْمرَاد أَن فِي كل أَرض خلقا يرجعُونَ إِلَى أصل وَاحِد رُجُوع بني آدم فِي أَرْضنَا إِلَى آدم وَفِيهِمْ أَفْرَاد ممتازون على سَائِرهمْ كنوح وَإِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا فِينَا.
وَقَول الْجُمْهُور هَذَا أصح سَائِر الْأَقْوَال وَهُوَ أَن بَين كل أَرض وَأَرْض من السَّبع مَسَافَة عَظِيمَة وَفِي كل أَرض خلق لَا يعلم حَقِيقَتهَا إِلَّا الله عز وجل وَلَهُم ضِيَاء يستضيئون بِهِ وَيجوز أَن يكون عِنْدهم ليل ونهار وَلَا يتَعَيَّن أَن يكون ضياؤهم من هَذِه الشَّمْس وَلَا من هَذَا الْقَمَر.
وَقد غلب على ظن أَكثر أهل الْحِكْمَة الجديدة أَن الْقَمَر عَالم كعالم أَرْضنَا
هَذِه وَفِيه جبال وبحار ويزعمون أَنهم يحسون بهَا بِوَاسِطَة أرصادهم وهم مهتمون بالسعي فِي تَحْقِيق الْأَمر فِيهِ. فَلْيَكُن مَا يَقُول بِهِ الْجُمْهُور من الْأَرْضين السَّبع على هَذَا النَّحْو.
وَقد قَالُوا أَيْضاً: إِن هَذِه الشَّمْس فِي عَالم هِيَ مَرْكَز دائرته وبلقيس مَمْلَكَته
بِمَعْنى أَن جَمِيع مَا فِيهِ كواكبه السيارة تَدور عَلَيْهَا فِيهِ على وَجه مَخْصُوص ونمط مضبوط وَقد يقرب إِلَيْهَا فِيهِ وَيبعد عَنْهَا إِلَى غَايَة لَا يعلمهَا إِلَّا الله تَعَالَى كواكب ذَوَات الأذناب وَهِي عِنْدهم كَثِيرَة جدا تتحرك على شكل بيضي وَأَن الشَّمْس بعالمها من تَوَابِع كَوْكَب آخر تَدور عَلَيْهِ دوران توابعها من السيارات عَلَيْهَا وَهُوَ فِيمَا نسْمع أحد كواكب النَّجْم وَلَهُم ظن فِي أَن ذَلِك أَيْضا من تَوَابِع كَوْكَب آخر وَهَكَذَا وَملك الله الْعَظِيم عَظِيم لَا يكَاد يُحِيط بِهِ منْطقَة الْفِكر ويضيق عَنهُ نطاق الْحصْر
وسماء كل عَالم كَالْقَمَرِ عِنْدهم مَا انْتهى إِلَيْهِ هواؤه حَتَّى صَار ذَلِك الجرم فِي نَحْو خلاء فِيهِ لَا يُعَارضهُ وَلَا يضعف حركته شَيْء والجسم مَتى تحرّك فِي خلاء لَا يسكن لعدم الْمعَارض فلتكن كل أَرض من هَذِه الْأَرْضين السَّبع مَحْمُولَة بيد الْقُدْرَة بَين كل سماءين وَهُنَاكَ مَا يستضيء بِهِ أَهلهَا سابحا فِي فلك بَحر قدرَة الله عز وجل وَنسبَة كل أَرض إِلَى سمائها نِسْبَة الْحلقَة إِلَى الفلاة وَكَذَا نِسْبَة السَّمَاء إِلَى السَّمَاء الَّتِي فَوْقهَا.
وَيُمكن أَن تكون الأرضون وَكَذَا السَّمَاوَات أَكثر من سبع والاقتصار
على الْعدَد الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ عدد تَامّ لَا يَسْتَدْعِي نفي الزَّائِد فقد صَرَّحُوا بِأَن الْعدَد لَا مَفْهُوم لَهُ
هَذَا وَكثير من الْأَخْبَار فِي أَمر السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْكَوَاكِب لَا يعول عَلَيْهَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّسَفِيّ فِي بَحر الْكَلَام وَكَذَا مَا قَالَه قدماء أهل الْهَيْئَة ومحدثوهم
وَفِي كل مِمَّا ذهب الْفَرِيقَانِ إِلَيْهِ مَا يُوَافق الْأُصُول وَمَا يُخَالِفهُ وَمَا الشَّرِيعَة الغراء ساكتة عَنهُ لم تتعرض لَهُ بِنَفْي أَو إِثْبَات
وَقد يلْتَزم الْإِبْقَاء على الظَّاهِر وتفويض الْأَمر إِلَى قدرَة الله تَعَالَى الَّتِي لَا يتعاصاها شَيْء رِعَايَة لأذهان كثير من النَّاس المقيدين بالظواهر الَّذين يعدون الْخُرُوج عَنْهَا وَلَا سِيمَا إِلَى مَا يُوَافق الْحِكْمَة الجديدة ضلالا مَحْضا وَكفرا صرفا ورحم الله امرا جب الْغَيْبَة عَن نَفسه وَعَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ لَو حدثتكم بتفسيرها لكَفَرْتُمْ بتكذيبكم بهَا
وَفِي الْجُمْلَة من صدق بسعة ملك الله تَعَالَى وعظيم قدرته عز وجل لَا يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف فِي وجود سبع أَرضين على الْوَجْه الَّذِي قدمْنَاهُ وَيحمل السَّبع على الأقاليم أَو على الطَّبَقَات المعدنية والطينية وَنَحْوهمَا وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يصادم ضَرُورِيًّا من الدّين أَو يُخَالف قَطْعِيا من أَدِلَّة الْمُسلمين.