الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحلقة العاشرة الركن الثالث من أركان الإسلام إيتاء الزكاة]
الحلقة العاشرة
الركن الثالث من أركان الإسلام (إيتاء الزكاة) أيها المسلم الحريص على إقامة دينه، أيها الحاج المتتبع لأركان الإسلام: إن ثالث أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام إلا باستكمالها (فريضة الزكاة) وهي فريضة اجتماعية تعبدية تشعر بسمو أهداف الإسلام، من عطف ورحمة وحدب وتعاون إنها حق المال، تنميه وتباركه وترتفع بأهله من رذيلتي الشح والأثرة.
يقول الله تعالى مخاطبا أشرف خلقه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وقد قرن الله سبحانه الزكاة بالصلاة في آيات كثيرة من القرآن مما يشعر بمكانتها في الإسلام. من ذلك قوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56] وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تقترن فيها الزكاة بالصلاة لعظم شأنها والتنويه بأهميتها.
أما من أحجم عن إخراج الزكاة بعد أن وجبت عليه فقد توعده الله بسوء المصير، وبالاصطلاء بالنار، نار الآخرة، وهي تزيد عن نار الدنيا حرارة ومرارة بمراحل كثيرة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34 - 35]
وعندما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ولحق بالرفيق الأعلى منع بعض قبائل العرب زكاة أموالهم، فقاتلهم الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال:(والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه) .
وقال: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فالزكاة حق المال) .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دهاءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» .
وتجب الزكاة على المسلم الحر الذي يملك نصابا من أي نوع من أنواع المال يشترط فيها:
أولا: إن كان المال من الذهب أو الفضة أو عروض التجارة أن تبلغ قيمته نصابا وإن لم يكن المال ذهبا أو فضة أو عروض تجارة بل كان للقوت أو القنية فلا زكاة فيه.
ثانيا: أن يحول على النصاب منذ ملكه حول، أي يمضي عليه عام وهو في يد المالك وتحت تصرفه. وهذا الشرط لا يشترط في الحبوب والثمار لأن زكاتها يوم الحصاد كما قال تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ومن مات
وعليه زكاة لم يخرجها تخرج من ماله. وعلى المسلم أن يبادر بإخراج الزكاة ويحرم عليه تأخيرها إلا إذا لم يتمكن من أدائها لقوله صلى الله عليه وسلم: «ذكرت وأنا في الصلاة تبرا - أي ذهبا - عندنا فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته» .
الأصناف التي يجب فيها الزكاة: أولا: الذهب والفضة: وفيهما ربع العشر إذا بلغ الذهب عشرين مثقالا، وإذا بلغت الفضة مائتي درهم - أي يخرج المزكي (2. 5 %) اثنين ونصف في كل مائة بما في ذلك الأوراق المالية وسندات الديون لأنها وثائق بديون مضمونة فيجب فيها الزكاة إذا قبضها.
ثانيا: عروض التجارة: تقوم السلع فإذا بلغت قيمتها نصابا من الذهب أو الفضة يخرج منها الزكاة.
ثالثا: زكاة الحبوب والثمار: لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق - والوسق ستون صاعا، والصاع قدح وثلث تقريبا.
المقدار الواجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار: يختلف المقدار الذي يجب إخراجه باختلاف السقي.
فإن سقي الزرع بدون استعمال آلات، أي بالمطر والعيون والسيل يخرج منه العشر، وإن سقي تارة بالالآت والكلفة وأخرى بالمطر والعيون يخرج منه ثلاثة أرباع العشر (1) .
ولا تجب الزكاة في الحبوب والثمار إلا إذا اشتد الحب وبدأ صلاح الثمر، ويخرج نصف العشر فيما سقي بالآلات والكلفة.
رابعا: زكاة السائمة من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم (ومعنى السائمة هي التي ترعى العشب أكثر الحول) أما الأنعام المعلوفة فلا زكاة فيها.
أوائل الأنصبة في زكاة السائمة من بهيمة الأنعام: أ - أول نصاب للإبل خمس - فلا زكاة فيها قبل ذلك وتخرج عنها شاة.
(1) قال في شرح المنتهى 1 / 39: (ويجب فيما يشرب بهما أي بكلفة وغير كلفة نصفين أي نصف مدته بلا كلفة ونصفها بكلفة بثلاثة أرباعه أي العشر نصفه لنصف العام بلا كلفة وربعه للآخر.
ب - أول نصاب البقر ثلاثون - فلا زكاة فيما دون ذلك وفي الثلاثين تبيع أو تبيعة عمرها سنة.
جـ أول نصاب الغنم ويشمل الضأن والمعز - أربعون وفيها شاة. ويؤخذ الجذع من الضأن وهو ما بلغ عمره ستة أشهر، والثني من المعز وهو ما بلغ عمره سنة.
ما لا يجوز أخذه في الزكاة: لا يؤخذ في الزكاة خيار المال ولا الحيوان المعيب عيبا ينقص من قيمته، ولا المهازيل ولكن يؤخذ من أوسط المال. ولا زكاة في الخيل والبغال والحمير إلا إذا أعدت للتجارة.
أهل الزكاة: أهل الزكاة الذين لا يجوز صرفها إلى غيرهم نظمهم القرآن في آية واحدة قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] وهذه الأصناف المنصوص عليها في كتاب الله تعالى تعطى من الزكاة لسد حاجتهم أو لضرورات تبيح لهم
أن يعانوا من الزكاة بقسط.
ولا يجوز أن تصرف للآباء والأجداد ولا للأبناء وأبناء الأبناء ولا يجوز أن تدفع للزوجة لأن نفقتها واجبة على الزوج.
وإذا كان للمسلمين إمام يدين بدين الإسلام يجوز دفع الزكاة إليه وتبرأ ذمة رب المال بذلك.
ولا يجوز للمسلم أن يشتري زكاته حتى لا يرجع فيما تركه لله، وإذا كان للزوجة مال تجب فيه الزكاة فلها أن تعطي لزوجها المستحق من زكاتها، وكذلك الأقارب المحتاجون يعطون من الزكاة - ففي ذلك بر وصلة شرعها الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم «الصدقة على المسكين صدقة - أي فيها أجر - وعلى القرابة اثنتان - صلة وصدقة» ، رواه أحمد والنسائي والترمذي.
ونص العلماء رحمهم الله على جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر إذا استغنى عن الزكاة أهل بلد المزكي ولم يوجد منهم من يستحق الزكاة. أما إذا لم يستغن قوم المزكي عن الزكاة فلا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى
بلد؛ لأن الغرض من الزكاة إغناء الفقراء من كل بلد بما يخرج من زكاة أغنياء بلدهم كما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه: «فإن الله اقترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» .
زكاة الفطر: من أنواع الزكاة، زكاة الفطر. وهي طهرة للصائم وجبر لصيامه مما لعله أن يكون قد وقع فيه من اللغو، ولتكون خير عون للفقراء يوم العيد لقوله صلى الله عليه وسلم:«أغنوهم بها عن السؤال هذا اليوم» .
ودين الإسلام دين التعاطف والتراحم ويوم العيد هو يوم فرحة وسرور؛ لذا حرص الإسلام أن يمسح البؤس عن الفقراء في يوم فرحة المسلمين ليكون السرور عاما شاملا.
وزكاة الفطر فريضة على المسلم إذا بقي عنده من القوت ما يزيد عن كفايته وكفاية عياله يوم العيد وليلته، فيخرج مما زاد عن قوته وقوت عياله صاعا من الأصناف الآتية: البر، الشعير، التمر، الزبيب، الأقط - وهو اللبن
المتجمد - فإذا عدم هذه الأصناف أخرج زكاة الفطرة من سائر قوت أهل بلده، كالأرز والذرة وغير ذلك. يخرج القدر المنصوص عليه عن نفسه وعمن تلزمه نفقته وتجب على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد.
روي عن أي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: « (كنا إذا كان معنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر ومملوك، صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، وأفضل وقت لإخراجها يوم العيد قبل الصلاة) » .
وتجب زكاة الفطر بعد غروب الشمس آخر يوم من رمضان، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.