الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحلقة الثانية عشرة الركن الخامس من أركان الإسلام الحج]
الحلقة الثانية عشرة
الركن الخامس من أركان الإسلام (حج بيت الله الحرام) أيها المسلم المعتز بدينه، أيها الحاج بين جموع الوافدين:
إنها لنعمة عظيمة أن من الله عليك بتلبية دعوة أبيك إبراهيم الخليل - عليه وعلى نبينا المصطفى أفضل الصلاة والتسليم - لحج بيت الله المقدس. فكم من مؤمل ذلك حال دون أمله قصر الأجل، وكم من مستشرف لمشاهدة هذه الرحاب المقدسة والوقوف على مشاعر الحج المعظمة لم يظفر ببغيته ولم يصل إلى غايته. فهنيئا لك هذا القرب والوصال، وهنيئا لك بالسعادة وبلوغ الآمال.
والحج أيها المسلم فريضة تأتلف فيها مصالح المسلمين، وتجتمع منافعهم وتجدد الروابط بينهم،
وتصدق العزائم عند اللقاء الكريم لقاء الأخ بأخيه في رحاب البلد الأمين، وذلك ما تشير إليه الآية الكريمة التي يخاطب الله بها خليله إمام الحنفاء حين بنى البيت المعظم قال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ - لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 27 - 28]
وفرض الحج على المسلم في العمر مرة رحمة به ودفعا للحرج عنه. ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ". فقال رجل أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، أي ردد الرجل السؤال على الرسول ثلاث مرات. ثم قال صلى الله عليه وسلم: " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم» . الحديث.
ومنه أنه في العمر مرة لا يجب إلا على البالغ العاقل الحر المستطيع، والاستطاعة تتحقق بما يأتي:
1 -
صحة البدن والقدرة على الركوب. فإن كان من يعتزم الحج مريضا أو شيخا كبيرا لا يستطيع الركوب
ومشقات السفر، أو مريضا مرضا لا يرجى برؤه أقام من يحج عنه.
2 -
أمن الطريق بحيث يسير فيه الحاج آمنا على نفسه وماله.
3 -
الحصول على الزاد والراحلة الصالحة لمثله، وأن يكفي أهله ومن يعولهم مؤونة النفقة حتى يعود من أداء الحج.
فإذا تيسر كل ذلك فعليه أن يبادر بالحج خشية أن يعتريه ما يشغله من مرض وحاجة. كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة» .
ويشترط لحج المرأة أن يصحبها محرمها وهو زوجها، أو من تحرم عليه أبدا كالأب والابن والأخ وغيرهم من محارمها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» .
ويشترط لمن يحج عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام لحديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال: " أحججت عن نفسك؟ " قال: لا. قال: " فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة» .
فضل الحج والعمرة: روي في فضل الحج والعمرة أحاديث عن خير الورى صلى الله عليه وسلم نجتزئ منها بذكر اليسير ليكون حافزا للقيام بهما والمتابعة بينهما كسبا لأجرهما فمن ذلك:
أولا: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الذهب والفضة. وليس للحجة المبرورة جزاء إلا الجنة» . رواه النسائي والترمذي.
ثانيا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» . رواه البخاري ومسلم.
ثالثا: حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذا البيت، أي بيت الله، دعامة الإسلام. فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا على الله إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده بأجر وغنيمة» .
رابعا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» رواه البخاري ومسلم.
ما يجب للنفقة في الحج: ويجب أن تكون نفقة الحج من مال حلال؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وأن يقصد الحاج بحجه لا الرياء والسمعة فإنهما يتنافيان مع الإخلاص في العبادة.
المواقيت للحج مواقيت زمانية، وهي مواعيد يفد الحاج فيها على الله ولبلد الله للحج، فلا يصح الحج في غيرها - أوضحها الله سبحانه بقوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]
أي وقت أعمال الحج أشهر معلومات وهي شهر شوال وشهر ذي القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة. أو شهر ذي الحجة بتمامها على قول لبعض الأئمة رحمهم الله.
أما المواقيت المكانية فهي المواضع التي يمر عليها الحاج ويحرم منها للحج أو العمرة ومن كان بعيدا عنها أو طريقه لا يأتي عليها أحرم إذا حاذاها، وقد أوضحها ابن عباس فيما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:«وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة (ذا الحليفة) ولأهل الشام (الجحفة) ، ولأهل نجد (قرن المنازل) ، ولأهل اليمن (يلملم) » .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها» أي من كان بمكة وأراد الحج فميقاته من منزله. وإن أراد العمرة فميقاته أن يخرج إلى الحل وأدنى الحل التنعيم.
وقت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل العراق (ذات عرق) وفي رواية عن أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق (ذات عرق) » . رواه أبو داود والنسائي.
حج الصغير: تقدم في شروط وجوب الحج البلوغ - أي بلوغ الحلم وهو سن التكليف - ومن كان دون ذلك فليس عليه حج، وإن حج صح منه، إلا أنه لا يجزئ عن حجة الإسلام؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما:(أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى) وبلوغ الحنث أن يصبح مكلفا يكتب عليه ما أثم فيه.
الإحرام: الإحرام هو أن ينوي من يريد الحج الدخول في نسك الحج والعمرة ولا يصح الحج أو العمرة إلا بهذه النية، والنية محلها القلب.
ويتجرد من يريد الحج أو العمرة إذا وصل إلى الميقات من ثيابه ويتنظف ويتطيب ويغتسل ويلبس رداء - وهو ما يلف به النصف الأعلى من البدن دون الرأس - وإزارا، وهو ما يلف به النصف الأسفل منه. فإذا لم يجد إزارا
فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين، بذلك خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في البخاري ومسلم.
ويسن أن يكون لباس الإحرام عقب صلاة، ولو صلى من يريد الإحرام ركعتين بهذه النية كان أفضل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين» ، وذو الحليفة هو المكان الذي أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم.
وإحرام المرأة كالرجل، إلا أنه يباح لها لبس المخيط، وعدم التجرد وتجتنب تغطية وجهها لقول بعض السلف، إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها، فتضع الثوب فوق رأسها وتسدله على وجهها، لمرور الرجال قريبا منها، وتجتنب الطيب والنقاب والقفازين لنهي النبي صلى الله عليه وسلم النساء في إحرامهن من القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب. ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب والحرير والحلي والسراويل والأقمصة والخفاف.
أنواع الإحرام: الإحرام - أي الدخول في النسك ثلاثة أنواع:
أولا: الإفراد.
ثانيا: التمتع.
ثالثا: القران.
وكلها جائزة مشروعة لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا ومن أهل بالحج» . الحديث.
القران: القران فهو أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج والعمرة معا - ويقول عند التلبية: لبيك بحج وعمرة. ويقتضي ذلك أن يبقى القارن بإحرامه إلى أن يفرغ من العمرة والحج، وهذا إذا ساق الهدي لقوله صلى الله عليه وسلم:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة» .
أما إذا لم يسق الهدي فله أن يتحلل من إحرامه
أسوة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قدموا معه في حجة الوداع قارنين ولم يسوقوا هديا.
وإذا أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فهو قارن أيضا.
الإفراد: أما الإفراد فهو أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج، ويقول تلبيته: لبيك بحج. ويبقى محرما إلى ما بعد الحج، ثم يحرم بالعمرة بعده إن شاء، إن لم يكن قد أدى عمرة الإسلام وإن كان سبق له أداؤها فهو مخير إن شاء أتى بعمرة نافلة وإن شاء انصرف إلى أهله.
التمتع: أما التمتع فهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحج في ذلك العام وعليه دم للتمتع - ذبيحة يذبحها يوم العيد بمنى أيام التشريق.
وأهل المسجد الحرام، أي سكانه ومن كانوا في حدود الحرم، إذا خرجوا من مكة ثم دخلوها معتمرين في أشهر الحج فليس عليهم دم متعة، لقوله تعالى:
{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]
والقارن كالمتمتع في وجوب الدم، فإن لم يجداه أو صاما ثلاثة أيام في العشر الأول من ذي الحجة وسبعة إذا رجعا إلى بلدهما، لقوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] أي الهدي أو ثمنه - {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196]
طواف القارن والمفرد: نقل الإجماع عن جمهور العلماء أنه يكفي القارن طواف واحد وسعي واحد للحج والعمرة، ومثله المفرد لقول جابر رضي الله عنه:«قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا» . رواه الترمذي.
أما المتمتع فعليه أن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، خروجا عن الخلاف، يطوف ويسعى للعمرة أولا ثم يطوف طواف الإفاضة بعد الحج ويسعى سعي الحج.
التلبية: وشعار الحج التلبية فقد جاء في الحديث: «أفضل الحج العج والثلج» أما العج فهو رفع الصوت بالتلبية،
وأما الثج فإراقة دماء الهدي، ولفظها: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك.
روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من محرم يضحي يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه» . ويستحب رفع الصوت بها إلا للنساء فتلبي المرأة بقدر ما تسمع جارتها.
ويبدأ المحرم بالتلبية من حين يدخل في الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر، «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي في حجه حتى بلغ جمرة العقبة» .
محظورات الإحرام: المحظور هو الممنوع فعله في الإحرام، ويكاد ينحصر في تسعة أشياء: حلق الشعر من الرأس أو من جميع البدن لغير عذر، وتقليم الأظافر، وتغطية رأس الرجل بملاصق، ولبس المخيط، والطيب في البدن، وقتل صيد البر أو اصطياده، وعقد النكاح ولا يصح لما روى مسلم عن
عثمان رضي الله عنه مرفوعا: «لا ينكح المحرم ولا ينكح» ، والجماع والمباشرة دون الفرج.
فيخير مرتكب المحظور في الإحرام في حلق الشعر وتقليم الأظافر والتطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة «لقوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة:" لعلك آذاك هوام رأسك؟ " فقال: نعم يا رسول الله. فقال: " أحلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو أنسك شاة» .
وفي قتل الصيد - يخير بين ذبح مثله إن كان له مثل من النعم أو يقوم المثل بدراهم يشتري بها طعاما فيطعم به المساكين، أو يصوم عن كل مد من البر يوما لقوله تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] الآية، وكذلك الذي لا مثيل له يقوم بدراهم ويشتري بها طعاما يتصدق به على فقراء الحرم.
أما التطيب فإن تطيب عامدا ذاكرا لحجه فعليه الفدية، أما إذا كان ناسيا أو جاهلا بحرمته على المحرم
فلا تلزمه الفدية.
ومثل التطيب في الحكم تغطية الرأس ولبس المخيط دون حلق وتقليم ففيهما الفدية مطلقا سواء عامدا أو ناسيا أو جاهلا، والصحيح أنها تسقط الفدية في الجهل والنسيان كفدية الطيب وتغطية الرأس، قاله بعض محققي العلماء لحديث «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» واختاره ابن تيمية.
ويفسد الحج بالجماع إن وقع ولو بعد الوقوف وقبل جمرة العقبة والحلق أو التقصير ويمضيان فيه، أي الرجل والمرأة في الحج الفاسد وعليهما ذبح بدنة لكل منهما إلا أن المرأة المكرهة ليس عليها فدية، والبدنة بعير أو بقرة ويقضيان الحج الفاسد من عام قابل.
أما لو وقع الجماع بعد رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، فلا يفسد الحج. ولكن على كل من الرجل والمرأة فدية وهي ذبح شاة.
أما المباشرة دون الفرج فلا يفسد بها الحج وهي محرمة كسائر المحرمات، إلا أن على المباشر بدنة إن وقع
منه إنزال وإن لم يقع فعليه ذبح شاة.
وفي حكم المباشرة التقبيل واللمس وتكرار النظر بشهوة والاستمناء.
أيها المسلم المستشعر في قرارة نفسه عظمة الله:
أيها الحاج الوافد إلى حرم الله: الرحاب الطاهرة، والبلد المقدس، والبيت العتيق، ومشاعر الحج المعظمة كل أولئك مما يفرض على المسلم إذ يفد إليها أن يعد العدة ليوم لقائها ويأخذ الأهبة لشرف القدوم عليها والحظوة برؤيتها. إن يوم اللقاء يوم هناء وانشراح للصدر وتفتح للنفس وبهجة للقلب، وأن من إعداد العدة ليوم اللقاء وأخذ الأهبة لشرف القدوم إلى الرحاب الطاهرة البلد المقدس ومشاهدة البيت العتيق والكعبة المشرفة التي جعلها الله قياما لأمر الدين ورمزا لعبادة الله رب العالمين أن يغتسل القادم من بئر طوى (1) المعروفة بهذا الاسم حتى الآن - وهي بئر بطرف المحلة المسماة
(1) إن تيسر ذلك وإلا دخل المسجد الحرام ولا شيء عليه.