المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الحلقة الثالثة العبادة] - ما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه

[عبد الله الخياط]

الفصل: ‌[الحلقة الثالثة العبادة]

[الحلقة الثالثة العبادة]

الحلقة الثالثة: العبادة عليك أن تنتهز هذه الفرصة الذهبية التي أتاحها الله لك لحج بيته وزيارة هذه البقاع المقدسة وتحرص كل الحرص على أن لا تضيع منك ساعة لا تشغلها بعبادة ربك وطاعته.

فلقد خلقك الله وأوجدك من العدم ولم تكن شيئا قبل ذلك، قال تعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] وأسبغ عليك من نعمه الظاهرة والباطنة، كما قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} [إبراهيم: 32] أي سخر السفن لتسير في البحر لمصالحكم وتحمل أرزاقكم وتبلغكم غاياتكم. {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [إبراهيم: 33] يسيران بنظام دقيق دائم لا

ص: 11

يختل ولا يختلف. {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم: 33] أي سخر لكم الليل راحة لأبدانكم من عناء العمل وسخر لكم النهار لمعاشكم {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم: 34] أي أعطاكم ما تطلبونه مما فيه مصلحة لكم في أمر معاشكم ومعادكم {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] كل هذه النعم التي أسبغها على العباد، وفي طليعتها إيجاد الإنسان من العدم، كلها لشيء واحد، هو عبادة الله تعالى وحده دون سواه، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ - مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ - إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58]

الإخلاص في العبادة والعبادة هي شعور بعظمة الخالق جل وعلا، يبعث على الذل وغاية الخضوع له، فإذا وقف العبد أمام ربه في الصلاة فعليه أن ينسى الدنيا ويتذكر بتكبيرة الإحرام (الله أكبر) أن الله أعظم وأجل وأرفع من كل شيء، فلا ينصرف عنه في صلاته بل يخشع ويتذلل أمام ربه، ولا يفكر في شيء إلا أنه أمام من ذل لعظمته كل شيء،

ص: 12

وخضع له كل شيء، وكل شيء في قبضته، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] وذلك هو معنى الإخلاص في الصلاة وخضوع القلب وخشوع الجوارح.

والصلاة فرع من فروع العبادة التي يشترط فيها الإخلاص، وهناك فروع أخرى للعبادة يشترط فيها الإخلاص أيضا منها الدعاء. . لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الدعاء مخ العبادة» أي خالص العبادة ولبها فيجب أن يتجه المسلم إلى ربه متضرعا في دعائه موقنا بالإجابة، كما جاء في الحديث:«ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» . وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] فالإخلاص المطلوب المشروط في الدعاء، أن يدعو العبد ربه وحده، لا يدعو معه غيره، مهما ارتفع مقام ذلك الغير، فالدعاء حق الله، ولا يجوز صرفه لغير الله. . قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 73]

ص: 13

ومعنى الآية: أن الله يضرب المثل لمن يدعو غيره أن ما يدعونه من دون الله عاجز عن أن يخلق ذبابا وإن سلبه الذباب شيئا لا يستطيع أن يسترده منه فكيف يصح أن يدعى هذا العاجز من دون الله، أو يقصد بأي توع من أنواع العبادة.

والعبادة لا تقتصر على الدعاء فقط، بل الاستعانة - وهي طلب العون - عبادة، فلا يجوز للعبد أن يطلب العون من أحد غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وقد أرشد الله عباده إلى ذلك بقوله في سورة الفاتحة، التي يقرأها العبد في صلاته مرارا بقوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] أي لا نعبد إلا أنت يا رب ولا نستعين إلا بك وحدك، وذلك هو الإخلاص المطلوب.

وكذلك الاستغاثة عبادة، وهي طلب الغوث وإزالة الشدة، فلا يجوز للمسلم أن يطلب الغوث إذا نزلت به الشدة أو ابتلي بالمصائب إلا من الله.

فإذا ابتلي بالأمراض المستعصية مثلا أو خشي على

ص: 14

نفسه الغرق في البحر أو السقوط من الطائرة فليرفع يديه إلى السماء وليقل: يا رب أغثني، يا رب فرج عني. وعندئذ يستجيب الله دعاءه كما وعد بذلك.

قال تعالى مخبرا عن صفوة الخلق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استغاثوا الله سبحانه وتعالى عندما أحدق بهم الخطر في بعض حروبهم مع المشركين: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9]

وكذلك ذبح القرابين على اسم الله تعظيما لجلاله وتقربا إليه عبادة، فلا يجوز للمسلم أن يذبح قربانه متقربا به إلى غير الله من الأولياء والصالحين فضلا عن غيرهم، قال تعالى - مخاطبا أكرم رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] أي ذبيحتي التي أذبحها {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163] وإلى جانب الدعاء والاستعانة والاستغاثة وذبح القربان أنواع أخرى للعبادة، كالتوكل على الله والخوف والخشوع من الله وغير ذلك من ضروب العبادة وألوانها

ص: 15

التي يشترط فيها الإخلاص والتوجه بها إلى الله وحده دون سواه لأنها محض حق الله، والتوجه بها لغير الله شرك مناف للتوحيد.

قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]

ص: 16