المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تتمة طواف الوداع] - ما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه

[عبد الله الخياط]

الفصل: ‌[تتمة طواف الوداع]

[تتمة طواف الوداع]

تتمة

طواف الوداع أيها الحاج الذي برح به الشوق إلى بلاده والحنين إلى أهله وأولاده بعد أن من الله عليه بأداء نسكه والقيام بحج البيت الحرام ركن الإسلام الذي يمحص الله به الذنوب والآثام، أرأيت لو أنك وفدت على ملك من ملوك الدنيا - ولله المثل الأعلى - فأكرم وفادتك وأصبت من نواله الشيء الكثير، أوليس من الأدب معه إذا رغبت في مبارحة رحابه أن تستأذن منه في الانصراف، وتتلطف في الاستئذان؟ .

إن رب العباد وملك الملوك قد أسبغ عليك نعمه، وأفاض عليك من فضله ووصلك وأقر عينك برؤية بيته، فعليك أن لا تغادر مكة بلد الله إلا بعد توديع بيته وسؤاله ألا يجعل حجك وعمرتك آخر العهد به وعليك أن تتلطف في الاستئذان بالانصراف عن هذه الرحاب الطاهرة وتضرع إلى الله في طوافك بالبيت طواف الوداع

ص: 122

أن يرضى عنك ويردك إلى بلدك ويصحبك العافية في بدنك والصحة في جسمك والعصمة في دينك وأن يحسن منقلبك وأن يجمع لك بين خيري الدنيا والآخرة. وليكن طواف الوداع آخر ما تصنعه فلا تشتغل بعده بشيء من أمور الدنيا بل امض إلى سبيلك واستأنف سيرك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» .

فإن عدت إلى الدار أو اضطرتك الظروف للتخلف بعد طواف الوداع فعليك أن تعيده، وقد رخص للحائض والنفساء إذا طافتا طواف الإفاضة أن تنفرا دون أن تطوفا طواف الوداع.

ويستحب الدعاء في طواف الوداع بالدعاء المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما ومنه: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسترتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد رضا، ولا فمن الآن فارض عني، قبل أن تنأى

ص: 123

عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغبا عنك ولا عن بيتك) .

اللهم فاصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير.

حجة الوداع: حجة الوداع هي الحجة التي ودع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو يؤدي المناسك ويقول: «خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» وكانت سنة عشر من الهجرة.

وقد ابتدأ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر شهر صفر سنة إحدى عشر وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.

وقد وردت أحاديث كثيرة في وصف حجته صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ومن أجمع الأحاديث فيها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه شمول لا يوجد في غيره لذلك

ص: 124

آثرنا أن نسرده في ذيل هذه التوجيهات ليكون مسك الختام.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ". وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ".

حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم أتى مقام إبراهيم فصلى ورجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به " فرقى الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو كل شيء قدير لا إله إلا الله

ص: 125

أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات ثم نزل من الصفا إلى المروة حتى انصبت قدماه قي بطن الوادي حتى إذا صعد مشى إلى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وركب صلى الله عليه وسلم -فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس فجاز حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصل العصر ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ودفع وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله. ويقول بيده اليمنى: " يا أيها الناس السكينة " فكلما أتى جبلا أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى إذا أتى المزدلفة

ص: 126

فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام. فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها - كل حصاة منها مثل حصى الخذف - يرمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر» . رواه مسلم.

رمي الجمار في أيام التشريق: عن جابر رضي الله عنه قال: «رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس» رواه مسلم.

ص: 127

وضعية رمي الجمار في أيام التشريق: «عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة ثم يتقدم فيسهل ويقوم مستقبلا القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبلا القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.» رواه البخاري.

وبهذا القدر المختصر من حديث جابر وابن عمر رضي الله عنهم نكتفي في حكاية حجة الوداع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

الكعبة بيت الله المشرف: لئن اعتزت الأمم بتراث أسلافها وافتخرت بالآثار التي تصور عظمتها، فإن من حق الأمة الإسلامية أن تعتز بالتراث العظيم الذي خلفه إمام الحنفاء إبراهيم خليل الله، والأثر الخالد الذي يبقى بمرور الزمان يصور عظمة

ص: 128

الإسلام رمزا لعبادة الواحد الديان، إنه بيت الله المشرف، مركز الإشعاع الديني بناه الخليل بأمر ربه ورفع قواعده على الإخلاص وطهر رحابه من الأرجاس كما قال تعالى:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]

أدوار بناء البيت: لقد قص الله في القرآن خبر قيام الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء البيت المشرف في حرارة وإيمان وإخلاص وابتهال إلى الله، بأن يتقبل منهما ما بذلاه من جهد في بناء بيته قال تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]

وعندما ارتفع البناء إلى القدر الذي لم يعد في استطاعة إبراهيم أن يرفعه عنه جاءه إسماعيل بحجر ليقوم عليه ويأخذ في رفع البناء، وكان ينقل هذا الحجر من جهة إلى أخرى حتى انتهى البناء، وسمي هذا الحجر بمقام إبراهيم لقيامه عليه في دور البناء.

وعندما انتهى الخليل إلى موضع الحجر الأسود قال

ص: 129

لإسماعيل: ائتني بحجر يكون للناس علما أي يبتدئون منه الطواف بالبيت فكلما أتاه بحجر قال: ائتني بأحسن منه، وتقص بعض الروايات أن الحجر الأسود كان على جبل أبي قبيس جبل بمكة المكرمة فجاء به جبريل ووضعه الخليل في موضعه اليوم.

وقد كان البناء بناء الخليل للكعبة رضما بالحجارة فقط مرتفعا إلى السماء تسعة أذرع، ليس له غير ركنين فقط، أحدهما الركن اليماني والثاني الركن الذي فيه الحجر الأسود أما ناحية إسماعيل فقد كان على شكل نصف دائرة ولم يجعل للبيت سقفا وجعل له بابين ملاصقين للأرض أحدهما من الجهة الشرقية والآخر من الجهة الغربية.

تجديد قريش لبناء البيت: جددت قريش بناء البيت المشرف قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل فيه مع قومه وينقل الحجارة واحتكمت إليه قريش في وضع

ص: 130

الحجر الأسود، وكاددت أن تنشب بينهم فتنة كل قبيلة تحرص أن يكون لها فضل وضع الحجر، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم رداء وضع فيه الحجر وأمر كل رئيس قبيلة أن يمسك بطرف الرداء، ثم أخذ الحجر بيده الشريفة ووضعه في موضعه.

وزادت قريش في بنائها للبيت سقفا وجعلت ارتفاعه ثمانية عشر ذراعا واختصرت من عرضه أذرعا جعلتها في الحجر حجر إسماعيل ورفعت بابه وكبسته بالحجارة وأقامت داخله على ست دعائم في صفين ثلاث في كل صف من الجهة التي تلي الحجر إلى الشق اليماني وجعلوا في ركنها الشامي من الداخل درجة يصعد منها إلى سطح البيت وجعلت له ميزابا يصب في الحجر.

بناء عبد الله بن الزبير للبيت: في أوائل سنة ست وأربعين من الهجرة هدم عبد الله ابن الزبير الكعبة لتزعزع بنيانها وجدد بناءها على قواعد إبراهيم، وأدخل ما أخرجته قريش منها في الحجر وزاد في طولها على بناء قريش تسعة أذرع فصار طولها سبعة

ص: 131

وعشرين ذراعا وجعل لها بابين ملتصقين بالأرض أحدهما الباب الموجود حاليا والآخر مقابل له.

ترميم بناء البيت على عهد بني أمية: بعد ما استتب الأمر لبني أمية في الحجاز نصب الخليفة عبد الملك بن مروان الحجاج واليا عليه وأمره أن يهدم ما زاده ابن الزبير في عرض البيت وهي ستة أذرع وشبر مما يلي الحجر، وبناه على أساس قريش وسد الباب الغربي الذي كان في ظهر الكعبة وما تحت عتبة الباب الشرقي وهو أربعة أذرع وترك بقية بنائها لم يغير فيه شيئا وذلك سنة أربع وسبعين من الهجرة.

واستمر بناء الكعبة بعد زمن الحجاج إلى عام (1039) هجرية حيث دهم مكة سيل عظيم اقتحم المسجد الحرام وملأ جوانبه ودخل الكعبة المشرفة وغمر نصف جدرانها حتى سقط الجدار الشامي وبعض الجدار الشرقي والغربي وتصدعت الكعبة من كل جوانبها وذلك في عهد السلطان مراد العثماني. فهدم السلطان كل ما وهي من بنيانها وأصلحه وانتهى البناء في نهاية شهر رمضان سنة (1040)

ص: 132

هجرية وقد تم البناء على الوضع الذي أقامه الحجاج دون زيادة أو نقص.

وفي عام 1377 هجرية اكتشف أن الأكلة نخرت في أعواد سقف الكعبة لتقادم العهد فأمرت الحكومة السعودية بتجديد سقف الكعبة واستبدل ما نخرته الأكلة من الأعواد بغيره إلى جانب إصلاحات أخرى جرت فيها من الداخل والخارج.

ص: 133