الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقيق الكتب العلمية
للسيد محمد رضا الشبيسي
من الكتب العلمية البليغة الأثر في الثقافة العامة الخالدة في اللغة العربية خاصة كتاب إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها على إيجازه وقد عدَّ الكتاب وذلك إلى عشر سنوات خلت بين ما ضاع أو ندر وجوده من كتب الفيلسوف الفارابي إلى أن أتيح نشره في نحو ذلك التاريخ المذكور عن نسخة قديمة مخطوطه مما عثرت عليه في خزانة من خزائن الكتب في العراق وقد اضطرت إلى نشره إذ ذاك في إحدى المجلات العربية المعروفة تلميحاً إلى قصور الماد وضعف التهيؤ والاستعداد للقيام بحق الكتاب أو الاضطلاع بما يتطلبه لنشره على حدة من التروي والتحقيق في جملة ما يتطلبه من الأشياء تاركاً ذلك إلى فرصة أخرى إن سنحت أو إلى من يتصدى لنشره طبق المراد ممن طبعوا على حب الدراسة والتحقيق.
مضى على نشر الكتاب ما أربى على عشر سنوات كما مر عرض لي في النصف الأخير منها ما شدهني عن كل ما يتعلق به. إلا أنني كنت أحياناً أتوق إلى الألمام بما عسى أن يكون أحدثه أو أثاره نشره. وقد اتضح لي أن نشر الأصل العربي للكتاب المذكور ترك أثراً لا بأس به لدى فريق من العلماء شرقيين وغربيين وذلك لأن معظم القوم لم يكتب لهم الاطلاع إلى ذلك الحين الأعلى نتف مما نقل عنه في الكتب العربية أو على شيء من تلاخيصه في بعض اللغات الأعجمية أما تجريد الكتاب من المجلة التي نشر فيها ونشره مستقلاً على حدة بعد بذل الجهد في التتبع والتنقيب وجمع كل ما يتيسر جمعه من نسخة لهذه الغاية فما لم يقع لأحد إلى هذا الوقت هذا مع العلم بأن بعض دور الكتب المصرية بعد اتفاقها مع طلبة العلم من المصريين أقدمت على طبعه في السنة الماضية (سنة 1350) مقابلة هذه النسخة التي طبعت أخيراً في مصر بتلك النسخة التي تم نشرها سنة 1339 أي قبل أكثر من عشر سنوات فعلمت أن بين النسختين تفاوتاً لا يستهان به واختلافاً لا يستساغ إغفاله إلى هذا ونحوه مما يجعل اعتماد من يعتمد على نسخة واحدة من المخطوطات لدى تمثيلها بالطبع ذنباً لا يغتفر في كثير من الأحيان وبالجملة لقد كان عجبي بل أسفي عظيماً كيف أن من عنوا بنشر إحصاء العلوم في مصر قصروا ولم يجتهدوا في
البحث والتنقيب حتى فاتهم أن الكتاب نشر قبل نشرهم إياه عن نسخة تختلف عن نسختهم في تاريخها وفي نصها أحياناً وفي غير ذلك من الفروق وقد كان بوسعهم لو أخذوا أنفسهم بالتحقيق أن يستفيدوا من مجهود من سبقهم إليه، إذاً لجاء عملهم تاماً لا شائبة فيه ولكن العصمة لله.
واساني في الشعور بما شعرت به لدى ظهور الكتاب مطبوعاً في مصر على الوجه الأنف فريق ممن طبع على حب الدراسة والتحقيق أذكر منهم في هذه الكلمة الدكتور جورج سارتون من الولايات المتحدة إذ يظهر مما كتبه الرجل أن الغيرة أخذت منه مأخذها على الكتاب وأنه أخذ نفسه بطبعه طبعة علمية منقحة وهو يدأب الآن في اقتناء نسخ الكتاب على اختلافها تمهيداً لذلك هذا ولا بد لإظهار الفرق بين أحياء الكتب لأغراض علمية صرفة وبين نشرها لغايات تجارية من إثبات بعض ما جاء في بعض رسائل الدكتور التي في هذا الشأن ومن ذلك رسالة مؤرخة في 15 شوال سنة 1351 جاء فيها بعد المقدمة ما نصه أكتب إليك لأستعين بك على أمرٍ ما. قد اشتريت في مصر نسخة من كتاب إحصاء العلوم لأبي نصر الفارابي صححه ووقف على طبعه وصدره بمقدمة مع التعاليق4 عليه أستاذ في الجامعة المصرية - والصواب أحد أعضاء بعثة الجامعة المصرية - نشر هذا الكتاب في مصر سنة 1350 وقد قال المحرر في فاتحته ص 17 ذلك الكتاب الذي وفقنا الله إلى طبعه ونشره للمرة الأولى عن نسخة خطية منقولة بالفتوغرافيا محفوظة في دار الكتب المصرية. قد درست هذا الكتاب المهم وتحققت أن الطبعة المصرية ليست الأولى وليست مرضية أبداً. الطبعة الأولى أنت تعرفها لأنك نشرتها في المجلة المعروفة بالعرفان في صيداء منذ أكثر من عشر سنوات ولا ريب أنك تود أن تعرف أنني أطلعت على ثلاث نسخ خطية لإحصاء العلوم 1 نسختك، 2 نسخة في مكتبة الاسكوريال، 3 نسخة في مكتبة كبرولو في الآستانة. ولعل هناك نسخة رابعة في مصر. ينبغي أن تكون عندي تصاوير فتوغرافية لكل هذه النسخ الخطية حتى يمكن طبع إحصاء العلوم طيعة علمية.
هذا ما يهم نقله من رسالة الدكتور وقد أبدى مع ذلك رغبته في اقتناء نسختنا من كتاب الإحصاء ولما كانت النسخة مفقودة تعذر إسعافه بها. بيد أنني بعثت إليه بنبذة في وصفها وتعريفها مع وعده بمتابعة البحث والتنقيب عنها وحثه على بذل وسعه في خدمة هذا الأثر
الجليل وإخراج تلك الدرة الثمينة والجوهرة الكريمة على الوجه اللائق بها. ثم وافاني من الدكتور كتاب آخر كتبه من بوسطن في الولايات المتحدة ف 4 شعبان سنة 1351 وإذا به يعرب عن رحلة علمية طويلة أنجزها في أواخر العام الماضي في سبيل دراسة أحوال الممالك الإسلامية في جهات البحر الموسط وما إليه وفي ذلك تركيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى حتى فاس وتلسمان بحيث كوّن لنفسه ما قال فكرة خاصة عن اللغة المغربية والإسلام المغربي على حد تعبيره، ثم عبر من الغرب إلى بر الأندلس لزيارة الآثار الإسلامية العجيبة، وقد تخلص من الإسهاب في وصف رحلته هذه إلى استنجاز ما وعد به من نسخة إحصاء العلوم إنني لم أجبه إلى الآن عن رسالته الأخيرة إذ أنني لا أزال في صدد البحث عن مصير النسخة العراقية لإسعافه بها إذا أمكن تقديراً لجده وتشمير في هذا الباب. هذا ولما كان الدكتور سارتون من الأساتذة الذين يركن إلى دراستهم وأبحاثهم في القرون الوسطى من حيث نشوء العمران والعلوم فيها خاصة وبالأخص فيما يتعلق بالتآليف العربية وله في باب فضل العرب على الحضارة والثقافة العامة آراء يكاد ينفرد بها عن معظم علماء الغرب، فإننا ممن يتوسم به الكفاية للنهوض بهذه الخدمة العلمية الجليلة راجين له التوفيق في عمله المذكور.