المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفقه اللغوي بحث في كلمة الدردار، أو البوقيصا، أو شجرة البق للأب - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ١

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌ ‌الفقه اللغوي بحث في كلمة الدردار، أو البوقيصا، أو شجرة البق للأب

‌الفقه اللغوي

بحث في كلمة الدردار، أو البوقيصا، أو شجرة البق

للأب انسناس ماري الكرملي

أصعب ما في لغتنا المبينة، معرفة الألفاظ العلمية، ومعناها الحقيقي. وقد أخذ بعض علماء العصر يتأكدون أن دراسة هذا الفن من العلم، لا بد منها في هذه الأيام، لما يتقوم عليها من الأمور المهمة، إذ بغير هذا التدقيق، تذهب المساعي هباءاً منثوراً. وقد بدأنا بهذا الأمر، منذ أكثر من خمسين عاماً، ونحن لا نزال نتابع البحث بلا ملال ولا سآمة.

ونريد أن نعرض على القراء، ما حققناه من أمر الدردار، فنقول: قال في التاج: الدردار (كصلصال) شجر. قال الأزهري: ضرب من الشجر معروف. قلت (أي صاحب التاج) هو شجر البق تخرج منها أقماع مختلفة كالرمانات فيها رطوبة تصير بقاً. فإذا أنفقت خرج البق. ورقه يؤكل غضاًّ كالبقول. كذا في منهاج الدكان انتهى - وقد راجعنا منهاج الدكان المطبوع في مصر في المطبعة الشرقية سنة 1305 فلم نجد تحلية هذا الشجر في مظنته في باب الدال، بل وجدناه في باب الشين يقول: شجرة البق هو الدردار ولم يزد على هذا القدر. - وقال ابن البيطار: دردار هي شجرة البق (كذا) عند أهل العراق. ويعرف بالأندلس بشجر النشم الأسود. وسميت بشجرة البق لأنها تحمل نفاخات على شكل الحصل مملوءة رطوبة. فإذا جفت وانفقأت خرج منها ذلك البق وهو البعوض.

وقال ابن البيطار المذكور في بوقيصا هو شجرة الدردار المعروفة بالشام بشجرة البق ويغلط من يثوهم عير ذلك.

وعرف شجرة البق بقوله: الدردار هي عند أهل الشام

ثم قال في ترجمة لسان العصافير: هو ثمر شجرة الدردار وليس بشجرة البق ابن وافد: هو ثمرة شجرة يشبه ورقها اللوز: وثمرتها التي يقال لها لسان العصافير هي عراجين متفرقة. الخرنوب، شبيه أوراق الزيتون، إلا انه أصغر منه بكثير، وفي جوف كل خرنوبة لب كأنه لسان الطائر المسمى العصفور وخارجه أحمر، وداخله أبيض مائل قليلاً إلى الصفرة وطعمه حرّ يفلذَّاع مع شيء من المرارة. . إلى آخر ما قال. وهو أمر عجيب، فأنه نبه مراراً في مفرداته أن شجرة الدردار والبوقيصا وشجرة البق شيء واحد. والآن يفسد بهذا

ص: 29

المقال كل ما شاده من القصور والعلالي.

2.

الدردار أو البوقيصا أو شجرة البق شيء واحد

أما هذه الأسماء الثلاثة تعني شجراً واحداً فمما لا شك فيه ولا ظل شك. ونحن نثبت ذلك بالأدلة اللغوية، فضلاً عن المنقول في كتب الفن.

الدردار كلمة فارسية منحوتة من (در) أي بق بمعنى بعوض و (دار) بمعنى شجرة. والمعنى واضح لا غبار عليه. ومن الغريب أن أصحاب المعاجم الفارسية والدواوين العربية لم تشر إلى هذا الأصل، بل ظن الجميع أن اللفظة عدنانية صرفة وهذا ليس رأينا كما رأيت. فيكون معنى هذا الحرف ما يقابله عند الفرنسيين وبالانكليزية وبلسان العلم

جئنا إلى شجرة البق والاسم واضح المعنى. والمراد بالبق هنا ما يريده العراقيون وعلماء اللغة الأقدمون جميعاً، أي البعوض، لا الفسافس، أو الكتان والضمج على ما هو شائع في مصر واليمن. فإن هذا المعنى لم يكن معروفاً عند الأقدمين من الناطقين بالضاد، إنما هو مولود ومأخوذ عن أبناء اليمن. وكن قد كتبنا مقالاً طويلاً في مجلة المباحث الطرابلسية لصاحبها المحقق الكبير جرجي يني وأشرنا أيضاً إلى تحقيق هذا الاسم في المجلة الطبية المصرية (465: 12) بحيث لا يمكن لأحد أن ينكر الأدلة التي أوردناها. على أننا نقر بأن البق ورد بمعنى الفسافس في مصر، وفلسطين، وسورية، واليمن. والأندلس في عهد العرب وأما عند العرب الفصحاء في العهد القديم فإنه لم يرد عندهم البق إلا بمعنى البعوض أو البعوض الضخم. وكلمة شجرة البق تشهد على أن الشاميين في سابق العهد ما كانوا يعرفون لها معنى آخر سوى الذي نشير إليه، أي البعوض. وكل من عرف الدردار، أو البوقيصا، أو شجرة البق، لم يفكر أبداً في أن البق هنا الحشرة المنتنة، بل الحشرة العضوض. والبق في اللغة الآرامية لا يعني إلا معنى البعوض.

بقي علينا أن نذكر أصل لفظة (بوقيصا) فنقول أنها مركبة من (بق) الآرمية. و (قيصا) وهي في الأصل (قيسا) بالسين باللغة المذكورة ومعناها الشجرة والظاهر أن الآراميين أتبعوا في وضع هذه الكلمة الطريقة الفارسية لا الآرمية فأنهم قابلوا كلمتهم حرفاً بحرف بالكلمة الفارسية عوض أن يقولوا قيصا بوق أو قيسا بوق وهذا من أغرب الغرائب. على أن بوقيصا ليست من فصيح كلامهم، بل في لغة عوامهم. ما في كلامهم الفصيح فيقولون:

ص: 30

دردار أو دردارا. لكن ما الذي دفع ابن البيطار إلى ركوبه مطية الوهم، بعد أن حذر الناس من امتطائها فهذا ما نريد أن نبينه للقراء.

3.

شجرة لسان العصافير أو المرَّان

الذي ساق ابن بيطار إلى خلط شجرة بشجرة هو أن الدردار في ديار الشرق من الناطقين بالضاد: شجرة البق أو البوقيصا، أما في ديار الأندلس، وديار الغرب فمناها شجرة لسان العصافير، وقد تأثر ابن البيطار في وهمه هذا كل من نقل عنه. واسم الشجرة نفسها المرّان (وزان رمان). قال ابن البيطار في هذه المادة: مران ديسقوريدوس في: أماليا هو شجرة معروفها ورقها، إذا شربت عصارتها بشراب أو تضمد بها نفعت من نهشة الأفعى. . . إلى آخر ما قال. فماليا اليونانية هي شجرة لسان العصافير وبالفرنسية وبالانكليزية - وبلسان العلم -

ومثل اختلاف معنى الكلمة الواحدة باختلاف المدن، أو القبائل، كثير في لغتنا. أفليس الحرف الذي ذكرناه قبيل هذا أي البق شاهداَ على ما نقول؟ - فالبق في العراق بمعنى، والبق في مصر بمعنى آخر. وعلى هذه الطريقة جاءت ألفاظ لا تحصى وكل يدعي الحق معه. أما الحقيقة فهي أن الكلمة قد يختلف معناها باختلاف البلاد ولهذا يجب أن ننبه على هذا الأمر من يؤلف في اللغة أن في اللغة العربية، وأن في نقل ألفاظها إلى لغات الأجانب.

وقد ذكر ابن البيطار أن ثمر الدردار بمعنى المران تسمى أيضاً سنبل الكلب. والذي حققناه أن سنبل الكلب هو زهر هذا الشجر لا ثمره. راجع في هذا الموضوع البرهان القاطع في مادة أهر وهو من أسمائه الفارسية. وسمي كذلك لأن تلك الأزهار تبدو على هيئة سنبل أو عنقود، إلا أن ذلك السنبل غير منسق تنسيق سنبل الحنطة ولهذا أضيف إلى الكلب تحقيراً لشكله. مع أن كل ما جاء في الطبيعة حسن من كل جهة.

4.

نظرة في المعاجم الإفرنجية العربية

جاء في المعجم الانكليزي العربي لمحمد الشريف بك بإزار الكلمة الانكليزية والصواب - شجرة لسان العصافير - ديشَ (بالفتحَ) - بوادق (كذا ومن غير ضبط) وفي مادة لسان العصفور - شجر الدّردار (الجزائر) - بوادق وسماه ابن البيطار المران ولسان العصفور - (ديش المغرب) - بوادق (كذا وهو مكرر ولا خير في تكراره) بوقيصا (من

ص: 31

غير ضبط) شجر البق (ا. س) فمن أين هذه الأسماء كلها؟

قلنا أما لسان العصفور فهو اسم الثمر لا اسم الشجر. فكان يجب أن يقال شجرة لسان العصفور. والعصفور هنا أيضاً غير صحيح بل يجب أن يقال: العصافير لأن هذا الثمر لا يشبه لسان عصفور واحد بل لسان جميع أنواع الطيور الصغيرة التي يشملها اسم العصافير.

أما شجر الدردار فغر صحيح أيضاً. والصواب حذف الشجر ليبقى الدردار وحده لأن معنى هذا الاسم شجرة البق والدردار في غير موطنه هنا فهو المسمى بالفرنسية (ارم) إلا أن يقال أن هذا الاسم هنا بالمعنى المغربي كما نبه عليه ابن البيطار. وكما أسلفنا الكلام عليه. وكما ذكره شوينفرت. وشجرة البق والبوقيصا كلها بمعنى الأرم ويغلط غلطاً عظيماً من يقول بخلاف ذلك. أما الدَّيش وقد ضبطها بفتح الدال. فلا معنى لها وكذلك البوادق التي لم يضبطها. والصواب أن هاتين الكلمتين مقطوعتان من التركية ديش بوادق اغاجي وليس لها شيء من العربية. - والترك ضبطوا الدش بكسر الدال. ومعناه حرف بحرف: السن ومعني بوادق عندهم - وهي بضم فسكون - غصن وفنن. فأين هاتان اللفظتان من العربية؟ - وأطن أن حضرة البك بقل ذلك عن بادجر الذي وضع بإزاء شجرة لسان العصافير - بوادق - ديش فنقلها على ما رآها. - وأين وجدها بادجر؟ وجدها بمعجم بقطر الفرنسي العربي بإزاء كلمة - ومين أين جاء بها بقطر! سمعها من مماليك مصر حينما كان ترجماناً في الجيش الفرنسي وكان أغلب ألفاظهم يومئذ مستعارة من التركية. ولما كان بقطر يجهل التركية فاعتبر (ديش بوادق اغاجي) ثلاث كلمات. نبذ اللفظة الأخيرة الصريحة تركيتها، وتمسك بالاثنتين الأوليين فتناقلها جميع من أخذ عنه من إفرنج وانكليز وعرب. وهذه هي الطامة الكبرى.

وقول شرف بك: شجر البق (ا. س) أي عن ابن سينا فهو مذكور في كتب من تقدمه فلا معنى لتقديمه على من سبقه من علماء النبات. وكان يجب أن يقال شجر البق بالإفراد لا بالجمع، لأن الكلمة الانكليزية مفردة. - وكذلك كان يجب أن يقال: مرانة لأمران. - وبوقيصا هي شجرة البق أي (الأرم) لا المرانة. فلم تسلم كلمة واحدة من النقد من جميع الألفاظ التي أوردها صديقنا شرف بك.

ص: 32

أما الدكتور أحمد عيسى بك فذكر بإزاء هذه الكلمات: دردار (في الغرب. كذا ولعلها في المغرب فيكون صحيحاً) - لسان العصافير - لسان العصفور - اسلن - تسلنت (بربرية) ثمرها يسمى سنا اندلس وتسمية اليونان ماليا - مران (واحدته مرانة) بنجشك زوان (فارسية) - فنقول: أما دردار فهي عند أهل المغرب صحيح وكان يجب أن تفرد فيقال دردراة - ولسان العصافير هو الثمر لا الشجر. فكان يحسن أن تسبق بقولنا مثلاً شجرة لسان العصافير - ولسان العصفور تكرار لما قبله، وتكرار مخطوء فيه ولا حاجة لنا إليه - واسلن وتسلنت بربريتان. وما نحن ولسان البربر أو البرابرة؟ أما أهل الجزائر فقد عربوها فقالوا (سل) بالفتح. - وقوله: ثمرها يسمى سنا اندلس (والصواب سنا الأندلس لأن ال لا تفارق أندلس) لم ينسبها إلى أحد. والمشهور عن اسم ثمر المران هو لسان العصافير كما تقدمت الإشارة إليه. - وتسمية اليونان لهذه الشجرة ماليا صحيح لا غبار عليه. والمران صحيح أيضاً وكان يحسن به أن يقول مرانة ويضع بين هلالين جمعه مران لأن الكلمة اللاتينية التي ترجمها مفردة لا جمع. - وقوله بنجشك زوان فارسية صحيح، لكن لا حاجة في صدرنا إلى ذكرها في معجم سمي: معجم أسماء النبات في اللاتينية والفرنسية والانكليزية والعربية ولو كان قال في عنوانه: والبربرية والفارسية لما كنا نأخذ عليه الأسماء في هاتين اللغتين، وإذ وضع اللفظة الفارسية فكان عليه أن يتم ذكر بقية الأسماء أي أهر (بفتح فسكون) وكنجشك زبان. - ثم أنه ضبط بنجشك بفتح الباء وضم الجيم. والصواب بكسر الباء والجيم معاً، كما يروى في دواوين اللغة الفارسية فأنت ترى حاجة معاجمنا إلى التحقيق والتدقيق.

ولا نتعرض إلى ذكر سائر المعاجم لأن الانكليزية العربية منها عالة على معجم بادجر والدواوين الفرنسية العربية كلٌّ على بقطر وغسلين.

وبهذا القدر مجزأة عن التبسيط في هذا الموضوع الوعر.

ص: 33